يشترط لقبول العمل الذي يُتقرب به إلى الله -جل وعلا- شرطان:
الأول: الإخلاص لله -جل وعلا- كما في قوله -سبحانه وتعالى-: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ} [البينة: ٥]، ولحديث عمر المتفق عليه: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» [البخاري: 1]، فالعمل الذي لا يُقصد به وجه الله مردود.
الثاني: المتابعة للرسول -عليه الصلاة والسلام-: «مَن عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ» [مسلم: 1718]، كما في الصحيح من حديث عائشة –رضي الله عنها-، «مَن أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد» [البخاري: 2697]، أي: مردود عليه، فالعمل إذا لم يكن خالصًا لله -جل وعلا- لم يُقبل، وإذا لم يكن على وفق سنة النبي -عليه الصلاة والسلام- فإنه لا يُقبل.
وقد جاء عن الفضيل بن عياض في قوله -جل وعلا-: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الملك: 2]، قال: أخلصه وأصوبه، قيل: يا أبا علي، ما أخلصه وما أصوبه؟ قال: إذا لم يكن العمل خالصًا لله -جل وعلا- لم يُقبل، وإذا لم يكن على هدي النبي -عليه الصلاة والسلام- فإنه لا يُقبل. فينبغي أن يكون المسلم على ذكر دائم من النية الصالحة الخالصة، وأن يتحسسها باستمرار ويتفقدها؛ لأنها شَرُود، فالإنسان تنهزه النية الصالحة لعمل صالح، لكنه لا يلبث أن يغفل عن هذه النية، فيختل العمل بقدر الخلل بهذه النية.
ويجب على المسلم أيضًا أن يكون في أعماله فيما يتقرب به إلى الله -جل وعلا- متابعًا لنبيه –عليه الصلاة والسلام-؛ ليسلم من الابتداع، وهذا هو تحقيق التوحيد لله -جل وعلا-، بمعنى تخليصه وتنقيته من شوائب الشرك والبدع الكبيرة والصغيرة. وينبغي أيضًا أن يجتنب المعاصي؛ لأن المعاصي قد تعوق عن قبول بعض الأعمال، أو تكون في مقام المقاصَّة، فتكون على حساب بعض الأعمال، كما جاء في حديث المفلس.
فعلى الإنسان إذا عمل عملاً صالحًا أن يحقق هذين الشرطين، وأن يحافظ على هذا العمل؛ لأن بعض الناس يحرص على العمل، وهذا أمر طيب ومطلوب شرعًا، لكن لا يلبث أن يُفرِّق الأجرَ المترتب على هذا العمل على غيره، وفي الغالب أن الذي أُعطي من هذه الأجور ليس بأحب الناس إليه، كما جاء في حديث المفلس، سأل النبي -عليه الصلاة والسلام-، عن المفلس، فقالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: «إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة، وصيام، وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار» [مسلم: 2581]. فالإنسان عليه أن يعمل العمل الصالح، وأن يُراقب فيه مسألة الإخلاص والمتابعة للنبي –عليه الصلاة والسلام-، ثم بعد ذلك يحافظ على هذا العمل الصالح؛ ليبقى ذخرًا له في ميزان حسناته يوم القيامة.
وبعض من يطلب العلم الشرعي في المعاهد والكليات وما إلى ذلك من الدراسة النظامية، قصده أن يطلب العلم الشرعي وما في ذلك من الأجر، لكن يَلحظ في الوقت نفسه أنه سينال بعد ذلك شهادة، وهذه الشهادة وراءها شيء من الرزق والكسب المادي، هنا ما حكم نيته في إقباله على هذا العلم؟
فهذا الأمر يكثر السؤال عنه بين طلاب العلم الشرعي في الكليات الشرعية النظامية، وأنهم يقولون: جاهدنا أنفسنا وما اخترنا هذه الكلية دون غيرها إلا رغبةً في العلم الشرعي، لكن ملاحظتنا للتخرج والحصول على الشهادة، وأيضًا ما يترتب على هذه الشهادة من وظيفة وبناء أسرة -وعلى حد ما يزعم الناس: تأمين المستقبل-، هذا يساورنا ولا نستطيع أن ننفك عنه، فهل الحل في ترك الدراسة في هذه الكلية؟
نقول: لا، ليس الحل في الترك، وإنما الحل في المجاهدة لتصحيح النية، فعلى طالب العلم أن يجاهد نفسه لتصحيح نيته، وإذا علم الله -جل وعلا- منه صدق النية في المجاهدة أعانه على تصحيح النية، وقد جاء عن بعض مَن سلف أنهم طلبوا العلم لغير الله فأبى إلا أن يكون لله، ولكن لا ينبغي لطالب العلم أن يسترسل ويقول: أنا أطلب العلم للشهادة وللوظيفة ولكذا ولكذا ثم تأتي النية فيما بعد، لا، ليس الأمر كذلك، بل عليه أن يجاهد من أول الأمر، وحينئذ إذا علم الله منه صدق النية في المجاهدة أعانه، وأما الترك فليس بحَلٍّ.