من قدِم إلى مكة بنية العمرة وأحرم بها مِن ميقاته ثم دخل مكة وطاف بالبيت وسعى ثم حلق أو قصر انتهتْ عمرتُه وتم نسكُه، ثم إن أراد أن يتطوع بالطواف فالتطوع مشروع بالطواف، وجاء فيه أحاديث تُرَغِّب فيه، وأن «من طاف بهذا البيت أسبوعًا فأحصاه كان كعتق رقبة» وأنه «لا يضع قدمًا ولا يرفع أخرى إلا حط الله عنه خطيئة، وكتب له بها حسنة» [الترمذي: 959]، إلى آخر ما جاء في الأحاديث، وبعضُها يصل إلى درجة الحسن.
المقصود أن التطوع بالطواف مشروع في كل وقت، وبعد كل أسبوع يصلي ركعتين، والمقصود بالأسبوع: سبعة أشواط، فكل سبعة يقال لها: أسبوع، كما هو شأن أيام الأسبوع السبعة يقال لها: أسبوع، فيصلي بعد كل سبعة أشواط ركعتين، وإن جَمَع الأشواط بأن طاف سبعة ثم سبعة ثم سبعة، ثم صلى ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، فلا حرج، فقد ثبت ذلك عن عائشة والمِسْوَرِ –رضي الله عنهما-، ولم يفعله النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولكنه ثبت عن عائشة وعن والمِسْوَرِ، وأهل العلم يصححون هذا اقتداءً بهما.
وإذا جمع الأسابيع فلا تتداخل الركعات، وبعض الناس يظن أنه يكفي ركعتان لهذه الأسابيع كلها من باب التداخل، وقاعدة التداخل لا تنطبق على هذه الركعات؛ لأن قاعدة التداخل: (إذا اجتمع عبادتان من جنس واحد ليست إحداهما مقضية والأخرى مؤداة، فإنها تدخل الصغرى في الكبرى)، لكن هنا واحدة مؤداة وهي ركعتا آخر الأسابيع، بينما ركعتا الأسبوع الأول والثاني مقضيَّة، فلا تتداخل حينذٍ. ونظير ذلك من فاتته الراتبة القبلية بالنسبة لصلاة الظهر، ثم بعد سلامه من الفريضة قام ليأتي بالركعتين البعديتين، فالراتبة البعدية لا تكفي عن ركعتي الراتبة القبلية؛ لأن الراتبة القبلية مقضيَّة فلا تدخل في المؤداة، فإذا اجتمع عبادتان من جنس واحد شريطة ألَّا تكون إحداهما مقضية والأخرى مؤداة فإن الصغرى تدخل في الكبرى، أو تتداخل هذه العبادات على ما بَيَّنه الحافظ ابن رجب في قواعده.
أما بالنسبة للسعي فليس فيه تطوع، فلم يؤثر عن النبي –صلى الله عليه وسلم- ولا عن أحد من صحابته ولا عمَّن يُعتد بقوله من أهل العلم أنه يُتطوع بالسعي.
ويكثر السؤال عن التطوع بالسعي من أجل المحافظة على الصحة والوزن؛ لأن السعي ليس مثل المطاف، المسعى مضمار يصلح لهؤلاء الذين يجوبون الأسواق وأماكن المشي، ولا شك أن الأمور بمقاصدها، لكن يبقى أن السؤال عن السعي كثيرٌ من أجل أن يحافظ على وزنه، وعلى صحته، ويَرد هنا سؤال وهو أنه إذا قلنا له: السعي ليس فيه تطوع، تَرك السعي؛ لأنه يُريد أن يتطوع بشيءٍ يؤجر عليه، وفي ذهنه أيضًا أنه يطوف للتخفيف مثلًا، أو للمحافظة على الصحة، كمن نصحه الطبيب بالمشي، فقال: (بدلاً من أن أجوب الأسواق وأمشي على الأرصفة: أطوف)، أو مَن نُصح بالحمية، فقال: (أصوم)، لماذا عَدل عن هذا إلى هذا؟! عَدل عن الحمية بدون نية الصيام إلى الصيام؛ مريدًا بذلك الأجر من الله -جل وعلا-، وكذلك مَن عَدل عن المشي في الأسواق والطرقات إلى المطاف، لا شك أنه يُريد الأجر من الله -جل وعلا-، وُيؤجر بقدر نيته، وإن لم يُؤجر مثل أجر مَن لم ينهزه إلى الطواف إلا الطواف، أو إلى الصيام إلا الصيام، فيؤجر بقدر ذلك.