وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، من نعم الله -جل وعلا- أن تيسَّرت هذه الوسائل لطلب العلم، حيث أُتيح لكثير ممن شُغِل بمعيشته أن يطلب العلم وهو في سيارته وهو في بيته وهو في أي مكان، يتاح العلم -ولله الحمد- بواسطة هذه الآلات من الأشرطة والشبكات والسيديات، وأيضًا القنوات العلمية، فتجد طالب العلم يتيسر له العلم بواسطتها، وكذلك العامي، فكثير من العامة يتفقه بواسطتها، ومما أشاعَ العلم ونشرَه بين عامة الناس هذا البرنامج المبارك الذي هو "نور على الدرب".
يقول: (أريد أن أبدأ بطلب العلم وأنا جادٌّ جدًّا، وأقضي وقتًا لا بأس به في السيارة)، بعض الناس مهنته سيارته، فهو يقضي فيها أوقاتًا وساعات طويلة من ليل أو نهار، ويوجد فيها -ولله الحمد- مما ييسر استماع العلم والخير والآيات والأحاديث مما لم يكن موجودًا ولا متاحًا في الزمن السابق، فهذه من النعم التي تستحق الشكر.
يقول: (أريد أن أتوقف عن سماع الأشرطة الوعظية وأبدأ بالأشرطة العلمية) لاشك أنَّ سماع الأشرطة الوعظية مما يسوق ويقود إلى سماع الأشرطة العلمية؛ لأنَّ الوعظ والرِقاق حينما أدخلها أهل العلم في كتبهم العلمية المتينة من كتب السنة في الصحيحين وغيرهما لا شك أنها كالسياط تقود المسلم إلى العمل بما عَلِم، فلا يمكن أن يُستغنى عنها، وهي جزء من الفقه في الدين؛ لأنَّ المراد بالفقه في الدين الذي جاء مدحه عن النبي -عليه الصلاة والسلام- «من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين» [البخاري: 71]، المراد به الفقه في الدين بجميع أبوابه، ولا يعني أنَّه الأحكام فقط؛ ولذا لما جاء جبريل -عليه السلام- وسأل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الإسلام والإيمان والإحسان قال: «فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم» [مسلم: 8]، فدل على أنَّ الدين شامل لجميع أبوابه من الأحكام في العبادات، والمعاملات والأقضية، والجنايات، والأحوال الشخصية، والتفسير، والرقاق، والاعتصام، والأدب، وغير ذلك من الأبواب فكلها من الفقه في الدين؛ ولذا التوقف عن الأشرطة الوعظية ليس بمناسب، بل يستمر على الأشرطة الوعظية، ويستفيد من الأشرطة العلمية.
ويذكر أنه سوف يبدأ من الصفر، إذا كان سوف يبدأ من الصفر فعليه أن يشتغل بالمتون الصغيرة جدًّا التي هي متون المبتدئين، التي أُلِّفت للمبتدئين كـ(الأصول الثلاثة)، و(القواعد الأربع)، و(كشف الشبهات)، و(الأربعين النووية)، و(متن الأجرومية)، وغير ذلك من الكتب التي أُلِّفت لهذه الطبقة من المبتدئين، وهو في حكم المبتدئ وإن كان سنه كبيرًا، فهو يقرأ هذه المتون ويسمع عليها الشروح المسجلة وهو في سيارته، وهو في بيته، وهو في عمله، ويقرأ عليها الشروح المكتوبة، ويسأل عمَّا يُشكل عليه حتى يتيسر له المثول والالتحاق بأحد المشايخ أو بجمع من المشايخ الذين يُدرِّسون هذه المتون، فإذا لم يتيسَّر له ذلك فلا شك أن السماع من الأشرطة والقراءة في الشروح المطبوعة خير من الترك؛ لأنَّ الترك ليس بحل، و«من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين»، «ومن سلك طريقا يلتمس فيه علمًا، سهل الله له به طريقًا إلى الجنة» [مسلم:2699]، وهذا من الطرق والوسائل التي يُسلك فيها السبيل إلى الوصول إلى العلم.
يقول: (وأعلم أنكم ستقولون: يجب عليك الالتحاق بأحد المشايخ)، هذا لا شك أنه الأصل، لكن إذا لم يتيسَّر فلا مانع من أن تقرأ وأن تسمع في بيتك وفي سيارتك من الأشرطة، ومن السيديات، ومن المواقع، تأخذ الدروس المحملة من الشبكات العنكبوتية –الإنترنت- وغيرها، وتحضر عند المشايخ وتطرح سؤالك عليهم، ويجيبون على سؤالك، وهذه من أعظم النعم التي وُجدت في هذا العصر لتيسر العلم.
يقول: (ولكن هذا الأمر حاليًّا غير متاح لي إلا عن طريق الهاتف) نعم تُكمِّل بالهاتف، إذا أشكل عليك شيء تُكمِّل بالهاتف.
يقول: (ويتيسر لي لقاء بعض المشايخ من حين إلى آخر، فما هو توجيهكم العام والخاص بشأن المواد الصوتية، أشرطة كانت أو سيديات)؟ مثل ما ذكرنا أنك تستفيد من هذه الأشرطة ومن هذه السيديات، ومن هذه المواقع التي بها الدروس المحملة، ومن الشبكات العنكبوتية وغيرها، تستفيد بقدر استطاعتك وقدرتك، وتسأل عما يُشكل عليك. والغريب أن الحضور عن طريق الإنترنت قريب من الحضور أمام الشيخ إلا أنَّ السير بالنفس إلى حضور الدروس لا شك أنه أكمل لمن يستطيعه، وهو الذي يُحقِّق: «من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا»، وهو الذي يتيح للإنسان الاقتداء بالشيخ في علمه، في هديه، في سمته، في طريقته، بخلاف الحضور من وراء حجاب -من بُعْد-، لكنه أفضل من لا شيء، بل يُحقق غالب المرجو، والحمد لله.