أولاً السترة جاء الأمر بها، ولذا قال بعض العلماء بوجوبها كما هو رأي الظاهرية وينصره بعض المعاصرين، وعامة أهل العلم على أنّها مستحبة.
والمسافة التي تكون بين المصلي وسترته ينبغي ألا تزيد على ما يحتاجه في حال السجود، وإن قال بعض أهل العلم: إن أكثر ما يمكن أن يكون بين المصلي وسترته ثلاثة أذرع، والنبي -عليه الصلاة والسلام- دنا من سترته لـمـّا أرادت بَهْمةٌ أن تَمُرَ بين يديه حتى ألصق بطنه بالجدار [أبو داود: 708]، وجاء الأمر بالدنو من السترة [أبو داود: 695]، وهذا لا شك أنه أحفظ لصلاته بحيث لا يتمكن من أراد أن يمر، وأما ارتفاع السترة فيقدره أهل العلم بثلثي ذراع، بمؤخرة الرحل [مسلم: 499].
وأما إذا وضع ما يدل على السترة مثل ما ذكر في السؤال (حامل المصاحف أو المناديل) أو ما أشبه ذلك فإنه يكفي، ومن يثبت حديث الخط «فإن لم يكن معه عصاً فليَخطُطْ خطَّاً» [أبو داود: 689] قال: يكتفي بأي شيء يدل على ذلك ولو طرف السجادة أو طرف الفرش الذي يصلي عليه فيكفي؛ لأنه في حكم الخط، لكن حديث الخط فيه كلام طويل لأهل العلم، والذي رجحه ابن الصلاح وجمع من أهل العلم أنه مضطرب، وإن قال ابن حجر: لم يصب من زعم أنه مضطرب؛ لأنه تمكن من ترجيح بعض الروايات على بعض، فانتفى عنه الاضطراب وحكم عليه بالحُسْن. وعلى كل حال القول بأن طرف السجادة وما أشبهها يكفي هذا مبني على ثبوت حديث الخط، فإذا قلنا بثبوته كما قال ابن حجر وانتفى عنه الاضطراب وثبت له الحسْن، فإن ذلك يكفي.
والإمام باعتباره سترة لمن خلفه أو سترته سترة لمن خلفه ينبغي أن يعتني بالسترة؛ لأن صلاة المأمومين مرتبطة بصلاته، فعليه أن يعنى بها، ثم بعد ذلك لا يضرُّ من مر بين يدي المأمومين، كما مر ابن عباس –رضي الله عنهما- بين يدي الصف على حمار أتان فما تأثرت صلاة من مر بين أيديهم [البخاري: 493]؛ لأن الإمام سترة لمن خلفه، أو سترته سترة لمن خلفه على المعروف عند أهل العلم من الخلاف في ذلك، فالإمام شأنه آكد؛ لأنه تتعلق به صلاة غيره، وكذلك المنفرد أيضًا عليه أن يمتثل الأمر بالاستتار وإن لم يكن على سبيل الوجوب واللزوم، وأما بالنسبة للمأموم فمثل ما ذكرنا عن أهل العلم أن سترة الإمام سترة لمن خلفه، وأما الذي يقضي الصلاة فحكمه حكم المنفرد؛ لأنه إذا نوى الانفصال والانفراد بسلام الإمام فإن حكمه حكم المنفرد، فيعتني بسترته كما يعتني بها المنفرد.
ومن رأى الإمام ليس له سترة وهو عرضة لأن يمر الناس بين يديه –خاصة إمام الجماعة الثانية- فوضع للإمام ما يستره، فهذا لا شك أنه من التعاون على البر والتقوى، وفاعله مأجور إن شاء الله تعالى.