تقبيل المصحف لم يرد فيه شيء مرفوع عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ولا عن كبار الصحابة، بخلاف الحجر الأسود فقد ثبتت فيه الأخبار، وجاء في أثر عن عكرمة بن أبي جهل –رضي الله عنه- عند الدارمي أن عكرمة كان يضع المصحف على وجهه ويقول: "كتاب ربي، كتاب ربي" [3393]، وهذا الأثر فيه انقطاع بين عبد الله بن أم مليكة وعكرمة بن أبي جهل –رضي الله عنه-؛ لأنه لم يدركه، وليس في الرواة عنه ابن أبي مليكة، ولذا قال الحافظ الذهبي: مرسل. وعلى فرض ثبوته فإنه لا يدل على التقبيل، وغايته أنه -رضي الله عنه- وضع وجهه على المصحف، ولذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في (مجموع الفتاوى): "القيام للمصحف وتقبيله لا نعلم فيه شيئًا مأثورًا عن السلف، وقد سئل الإمام أحمد عن تقبيل المصحف فقال: ما سمعت فيه شيئًا، ولكن روي عن عكرمة بن أبي جهل"، ومما يدل على ضعف هذا الخبر من حيث المتن أن عكرمة توفي في خلافة أبي بكر -رضي الله عنه- والمصحف لم يُجمع بعد، وإنما هي صحف بين أيدي الصحابة –رضي الله عنهم-، وفرق بين الصحف والمصحف كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في (فتح الباري).
وأما قياس تقبيل المصحف على تقبيل الحجر الأسود فلا شك أن المصحف كلام الله، وهو أعظم من الحجر الأسود، لكن يبقى أنه قياس لا يصح؛ لأنه قياس في عبادة، والذي يُقبّل الحجر الأسود يتعبد بذلك، والذي يُقبّل المصحف يتعبد بذلك، والقياس في العبادات لا يصح، ولذا لما قَبّل عمر -رضي الله تعالى عنه- الحجر قال: "إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقبلك ما قبلتك" [البخاري: 1597]. ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "وكل من ألحق منصوصًا بمنصوص يخالف حكمه فقياسه فاسد، وكل من سوّى بين شيئين أو فرق بين شيئين بغير الأوصاف المعتبرة في حكم الله ورسوله فقياسه فاسد".