أولاً: ما هي الكتب التي تتحدَّث عن سِير السَّلف وتفانيهم في طلب العلم وفي العبادة عمومًا، حيث إن قراءة مثل هذه الكتب كما تعلمون مما يُعين على معالجة داء العُجب الذي يصيب الإنسان؟
ثانيًا: هل من أشياء أخرى تنصحونني بها حتى أتخلَّص من هذا الدَّاء؟
العجب من الأدواء العُضالة، فهو داء عُضال يصابُ به مَن نظر إلى نفسه ورأى نفسه متميَّزة عن غيره، ومما يلزم منه؛ الكِبر، وغمْط الناس، والترفُّع عليهم؛ لأنه يرى أن لنفسه مزيَّة على غيره، ولذا يقول الناظم -رحمه الله-:
والعجبَ فاحذرهُ إنَّ العجبَ مجترفٌ |
|
أعمالَ صاحبهِ في سيلهِ العرمِ |
فهو من أشدِّ أمراض القلوب، وإذا وُجد في قلب مسلم؛ فإنه يأكل الحسنات أشد من غيره من أمراض القلوب، وإذا كان الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب؛ فالعجب شأنه أشد؛ لأن الإنسان إذا رأى نفسَه، وتعاظم على غيره؛ لزم من ذلك أنه يحقر الغيرَ، ويأنف من تسوية نفسه بهم.
وعلى كلِّ حال هو داء إذا أُصيب به الإنسان؛ فعليه أن يجاهد نفسه للخلاص منه، وعليه أن يقرأ في سيرة النبي -عليه الصلاة والسلام- أفضل الخلق وأشرفهم وأكرمهم على الله -جلَّ وعلا-، وسِير الصحابة –رضي الله عنهم-، وكيف يتواضعون لغيرهم، مع أنهم بالمحلِّ الأرفع والمكان الأسنى من هذه الأُمَّة، ثم ينظر في سِير أهل العلم من بعدهم من العلماء والعُبَّاد والزُهَّاد الذين لا يرون حظوظ أنفسهم، وبهذا يتخلَّص من هذا الدَّاء، ومن خير ما يُقرأ في سِير السَّلف: كتاب (سير أعلام النبلاء) للحافظ الذهبي، وتراجم العلماء في (تاريخ ابن كثير)، وغيرهما من الكتب، ولينظر –أيضًا- في كتاب (فضل علم السَّلف على علم الخلف) للحافظ ابن رجب، فإن فيه قصصًا، وكثيرًا من الأمور التي تبيِّن للإنسان حقيقته، إضافة إلى ما ورد في ذلك من نصوص الكتاب والسُّنَّة، فإذا أصيب بهذا الدَّاء، ورأى نفسَه، ورأى أنه فوق غيره -سواء كان في العلم، أو في العمل-؛ فعليه أن ينظر إلى نِعم الله عليه، وعليه أن ينظر إلى مَن هو فوقه في هذا الباب، سواء كان في العلم، أو في العمل، وينظر كذلك إلى مَن هو أحفظ منه، ومَن هو أشدُّ منه فهمًا، ولو أُوتي حظًّا من الحفظ والفهم؛ فإن حصيلة العلم مع هذا الدَّاء لا أثر لها في نفسه، وحينئذٍ يكون ما تعلمه وبالًا عليه، فعليه أن يُراجع نفسه، وأن ينظر إلى مَن فوقه في هذا الشأن؛ ليعرف حقيقة نفسه.