شرح أبواب الصلاة من سنن الترمذي (01)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا واجزه عنا خير الجزاء.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
بسم الله الرحمن الرحيم
أبواب: الصلاة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
باب: ما جاء في مواقيت الصلاة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-:
حدثنا هناد بن السري قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة عن حكيم بن حكيم وهو ابن عباد بن حنيف قال: أخبرني نافع بن جبير بن مُطعم قال: أخبرني ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «أمَّني جبريل عند البيت مرتين، فصلى الظهر في الأولى منهما حين كان الفيء مثل الشراك، ثم صلى العصر حين كان كل شيء مثل ظله، ثم صلى المغرب حين وجبت الشمس وأفطر الصائم، ثم صلى العشاء حين غاب الشفق، ثم صلى الفجر حين برق الفجر وحرم الطعام على الصائم، وصلى المرة الثانية الظهر حين كان ظل كل شيء مثله لوقت العصر بالأمس، ثم صلى العصر حين كان ظل كل شيء مثليه، ثم صلى المغرب لوقته الأول، ثم صلى العشاء الآخرة حين ذهب ثلث الليل، ثم صلى الصبح حين أسفرت الأرض، ثم التفت إليّ جبريل فقال: يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك والوقت فيما بين هذين الوقتين».
وفي الباب عن أبي هريرة وبريدة وأبي موسى وأبي مسعود وأبي سعيد وجابر وعمرو بن حزم والبراء وأنس -رضي الله عنهم-.
حدثنا أحمد بن محمد بن موسى قال: حدثنا عبد الله بن المبارك قال: أخبرنا حسين بن علي بن حسين قال: أخبرني وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «أمني جبريل» فذكر نحو حديث ابن عباس بمعناه، ولم يذكر فيه لوقت العصر بالأمس.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب، وحديث ابن عباس حديث حسن.
وقال محمد: أصح شيء في المواقيت حديث جابر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وحديث جابر في المواقيت قد رواه عطاء بن أبي رباح وعمرو بن دينار وأبو الزبير عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- نحو حديث وهب بن كيسان عن جابر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
بسم الله الرحمن الرحيم
أبواب: الصلاة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
البسملة مع الترجمة لا توجد في بعض النسخ وتوجد في بعض، وتُقدم البسملة في بعض النسخ، وتؤخر عن الترجمة في بعضها، الترجمة مع البسملة لا توجد في بعض النسخ، إنما يبدأ مباشرة بقوله: باب ما جاء في مواقيت الصلاة، والمؤلف بنى كتابه على أبواب، الكتاب بالنسبة لغيره يسميه أبواب؛ لأنه يشتمل على أبواب،
والجادة عند أهل العلم في تآليفهم سواءً كانت في الحديث أو في الفقه يذكرون كتاب، كتاب الصلاة ثم يدرجون تحت هذه الترجمة الكبرى أبواب، لكن الترمذي جرى على هذا يقول: أبواب الصلاة، أبواب الصلاة، مع أنه هنا ذكر أول ما بدأ في أبواب الصلاة مواقيت الصلاة، مع أن المواقيت من شروطها كالطهارة التي أفردها سابقاً، فلماذا أفرد الطهارة وأدرج المواقيت في أبواب الصلاة؟ أولاً: الطهارة جرى جمهور المؤلفين على إفرادها عن كتاب الصلاة وإن كانت شرطاً لها، وأما بقية الشروط التسعة فهم يذكرونها تحت ترجمة كتاب الصلاة، الطهارة فعل له نوع استقلال، وجاءت الأحاديث بترتيب الأجور على الطهارة، ولها فروع استحقت بها أن تدرج، وأما المواقيت فإنها لا تطلب إلا للصلاة، والطهارة تطلب للصلاة ولغيرها، الطهارة تطلب لقراءة القرآن، تطلب للطواف، ليست خاصة بالصلاة، ولذا أفردت، وجمهور المؤلفين كما ذكرنا في أول أو في أوائل الدروس يبدءون بالطهارة؛ لأهميتها، ولما ذكرنا أنها تُطلب للصلاة ولغيرها، وبدأ الإمام مالك بوقوت الصلاة قبل الطهارة؛ لأن الوقوت عنده أهم من الطهارة، وتظهر فائدة الخلاف فيما إذا استيقظ من نومه متأخراً هل يشتغل بالطهارة ولو خرج الوقت أو يقدم الوقت ويفعل ما يستطيعه من الطهارة؟ لا سيما إذا كان عليه غسل، إن كان الوقت متأخراً يخرج الوقت قبل أن يتمكن من الطهارة، ثم يؤدي الصلاة ويقضي الصلاة بعد خروج وقتها، من يقول بتقديم الطهارة وأن الطهارة أهم من الوقوت يقول: يشتغل بها ولو خرج الوقت، وهذا قول عامة أهل العلم ويستروح من تقديم الإمام مالك لوقوت الصلاة أنه يميل إلى الثاني، وكأنه رأي شيخ الإسلام أيضاً، أن الوقوت أهم من الطهارة جرياً على قاعدة الإمام مالك.
تقديم البسملة على أبواب الصلاة أو تأخيرها هذا جاء نظيره في صحيح البخاري، فأحياناً تقدم البسملة، وأحياناً تقدم الترجمة، فإذا قُدمت البسملة فهو الأصل، يبدأ بذكر الله، في هذا الأمر المهم ذي بال، وإن قُدمت الترجمة كان في القرآن أسوة، فاسم السورة مقدم على البسملة في القرآن في الكتابة، وسواءً كان هذا أو ذاك فالأمر سهل، ويتم به المقصود.
أبواب: الصلاة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
أبواب الصلاة التي تروى أو يروى فيها الأحاديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
باب: ما جاء في مواقيت الصلاة
مواقيت: جمع ميقات، مِفعال، وهو القدر المحدد من الزمان أو المكان، هناك مواقيت زمانية للصلاة، وللحج والصيام، وهناك مواقيت مكانية للحج، والمراد به هنا الوقت الذي تؤدى فيه الصلوات الخمس.
"عن النبي -صلى الله عليه وسلم-" مثل ما قلنا: يعني المروية عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
قال -رحمه الله- في الحديث الأول من أحاديث المواقيت:
"حدثنا هناد بن السري" تقدم أنه ثقة "قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد" وفيه كلام لأهل العلم "عن عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة" المخزومي، يقول ابن حجر: صدوق له أوهام "عن حكيم بن حكيم وهو ابن عباد بن حنيف" الأنصاري، صدوق أيضاً فيما قاله ابن حجر، وذكره ابن حبان في الثقات، "قال: أخبرني نافع بن جبير بن مطعم" النوفلي، ثقة فاضل من الثانية "قال: أخبرني ابن عباس" حبر الأمة وترجمان القرآن، عبد الله بن عباس ابن عم النبي -عليه الصلاة والسلام- "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «أمَّني جبريل»" أمني يعني: صلى بي إماماً في اليوم الذي يلي ليلة الإسراء، أمَّني، واضح من اللفظ أن جبرائيل -عليه السلام- إمام، وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- مأموم، يُبحث في مثل هذا إمامة المتنفل بالمفترض؛ لأن الصلاة ليست واجبة على جبريل ؛ لأن التكليف خاص بالإنس والجن، فيستدل بهذا من يقول بصحة صلاة المفترض خلف المتنفل، لكن في الاستدلال بُعد، لماذا؟ لأنه وإن كانت الصلاة ليست واجبة عليه بالتكليف إنما كلف بتعليم النبي -عليه الصلاة والسلام-، كلف بتعليم النبي -عليه الصلاة والسلام- كيفية الصلاة أو كيفية أوقات هذه الصلوات، فهو مكلف من هذه الحيثية بتعليم النبي -عليه الصلاة والسلام-.
«أمّني جبريل» وهذا في اليوم الذي يلي ليلة الإسراء، «فصلى الظهر» يعني بدأ بصلاة الظهر، وماذا عن صلاة الصبح؟ يعني ما صُليت في وقتها في اليوم الأول؟ الصلاة فرضت ليلة الإسراء، وجبريل أمّ النبي -عليه الصلاة والسلام- من الغد بدءاً من صلاة الظهر، ولذا تُسمى صلاة الظهر الأولى؛ لأنها أول صلاة صلاها جبريل بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، فماذا عن صلاة الصبح؟ يعني تركت صلاة الصبح أو قُضيت من الغد؟ فرضت الصلاة ليلة الإسراء إجمالاً، وأول ما فرضت ركعتين ركعتين، ثمّ لما هاجر النبي -صلى الله عليه وسلم- أتمت صلاة الحضر، وأقرت صلاة السفر على الفرض الأول، صلى جبريل بالنبي -صلى الله عليه وسلم- الصلاة الأولى التي هي الظهر، فماذا عن صلاة الصبح وقد فرضت الصلاة قبلها؟ يعني هل تركها النبي -عليه الصلاة والسلام- أو صلاها من غير اقتداء بجبريل؟ أو نقول: إن المُجمل لا يلزم العمل به إلا بعد البيان، فرضت الصلاة ليلة الإسراء، لكن على أي وجه فرضت؟ وفي أي وقت تفعل؟ الله أعلم، ما جاء البيان إلا في وقت صلاة الظهر، والمجمل لا يلزم العمل به إلا بعد البيان، لو قال رجل لولده: اذهب يا بني، اذهب، طيب إلى أين يذهب؟ ولماذا يذهب؟ ما في بيان، اذهب إلى إيش؟ لا بد من البيان، فإذا استفصل من والده ما يقال: إنه لم يطع أمره، وهنا صلاة الصبح وقعت قبل البيان، فلا يقال: إنها تركت بعد فرض الصلاة، ولا يقال: أنها قضيت من الغد؛ لأن البيان إنما حصل من الغد.
يقول: «أمني جبريل -عليه السلام- عند البيت» يعني عند بيت الله الكعبة، بمكة «مرتين» في يومين، ليُعرِّفني الأوقات، مرتين في يومين يعني كل صلاة مرتين، في يومين ليعلمه الأوقات «فصلى الظهر» أول ما صلى جبريل بالنبي -عليه الصلاة والسلام- الظهر، ولذلك تسمى في النصوص الأولى، والثانية العصر، والثالثة المغرب، والرابعة العشاء، والخامسة الفجر، طيب على هذا العدد تكون الصلاة الوسطى المغرب، وقيل بهذا، لكن أرجح ما يقال في الصلاة الوسطى أنها العصر، فإذا كانت الظهر هي الأولى فالعصر الثانية والصلوات خمس، ومعلوم أن الأوسط بالنسبة للخمسة هو الثالث لا الثاني، نقول: وإن سُميت الظهر الأولى والعصر الثانية باعتبار إمامة جبريل -عليه السلام- إلا أنها بالنسبة لليوم الشرعي الذي يبدأ بطلوع الصبح تكون العصر هي الثالثة، الأولى هي الفجر بالنسبة لليوم الشرعي، وإن كان اليوم الشامل لليوم والليلة يبدأ من غروب الشمس، فالأولية تطلق باعتبارات، باعتبارات متعددة، وعلى كل حال النصوص الصحيحة تدل على أن الوسطى هي العصر.
«فصلى الظهر في الأولى» يعني في المرة الأولى، في اليوم الأول، «منهما» يعني من المرتين «حين كان الفيء» وهو ظل الشمس بعد الزوال، الفيء: ظل الشمس بعد الزوال، «مثل الشِّراك» مثل الشراك: يعني قدر الشراك، والمراد به السير الذي يكون على ظهر القدم من النعل «مثل الشراك» والفيء فيء الزوال المعتبر لخروج وقت النهي ودخول وقت صلاة الظهر يختلف باختلاف الأزمان والأماكن، فيكون في مكة قدر الشراك؛ لأنها وقت حينما يقوم قائم الظهيرة الجدران لا ظل لها البتة، والكعبة ليس لها ظل، فإذا مالت الشمس قليلاً تبين الظل من جهة المشرق يسير، بينما في البلدان الأخرى التي تكون عنها من جهة الشمال أو الجنوب، وكل ما بَعُد الموقع عن مكة زاد فيء الزوال، والزمان أيضاً الزوال يختلف مقداره في الصيف عن مقداره في الشتاء، لماذا؟ لأن الشمس في الصيف تخرج من جهة جنوب المشرق، وتغرب من جهة شمال المغرب، وأما بالنسبة للشتاء فتأتي عمودية من المشرق إلى المغرب؛ لأن النهار أقصر، فلا تحتاج إلى وقت تسير فيه مثل الوقت الذي تسير فيه في الصيف.
«حين كان الفيء مثل الشراك، ثم صلى العصر» في اليوم الأول في المرة الأولى، حين كان ظل كل شيء، أو «حين كان كل شيء مثل ظله» مع احتساب ظل فيء الزوال، يضاف إليه فيء الزوال «ثم صلى المغرب حين وجبت الشمس» يعني سقط القرص، واختفت عن الأنظار، واختفى حاجبها الأعلى «ثم صلى المغرب حين وجبت الشمس وأفطر الصائم» يعني دخل وقت الإفطار، ولا يعني أنه تناول المفطِّر، ما يلزم؛ لأنه إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا فقد أفطر الصائم يعني ولو لم يأكل، أفطر حكماً «ثم صلى العشاء حين غاب الشفق» والمراد به الأحمر، عند مالك والشافعي وأحمد وأبي يوسف ومحمد صاحبي أبي حنيفة، ويرى الإمام أبو حنيفة أن المراد بالشفق هو الأبيض الذي يعقب الحمرة، هذا هو المعروف عند الحنفية، لكن ذكر كثير من الحنفية أن الإمام رجع عن قوله إلى قول الجمهور.
«حين غاب الشفق الأحمر، ثم صلى الفجر حين برق الفجر» حين برق الفجر: طلع الفجر وسطع، والمراد به الفجر الصادق الذي ينتشر في الأفق يميناً وشمالاً عرضاً، وليس المراد به الفجر الكاذب الذي يبدو مستطيلاً في السماء هذا يسمى فجر؛ لأن النور انفجر فيه، والثاني الصادق يسمى فجر؛ لأن النور برق ولمع فيه وانفجر، لكن الأول لا يترتب عليه أحكام، لا تحل به الصلاة، ولا يحرم به الطعام بخلاف الثاني.
«حين برق الفجر، وحرم الطعام على الصائم» هذا بالنسبة لليوم الأول، صلى الصلوات في أوائل الأوقات، فصلى الظهر حين زالت الشمس، زالت الشمس إلى جهة المغرب، يعني مالت إلى جهة المغرب، وهو الدلوك {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [(78) سورة الإسراء] هو الدلوك الذي هو الزوال، ويقول أهل اللغة: سمي وقت الزوال دلوكاً لأن الناظر إلى الشمس في هذا الوقت تؤلمه عينه فيضطر إلى دلكها.
هذا بالنسبة لليوم الأول، بعد الزوال مباشرة صلاها، ثم صلى العصر حين صار ظل كل شيء مثله، ثم صلى المغرب لما غابت الشمس ووجبت وسقطت، واختفت عن الأنظار، ثم صلى العشاء حين غاب الشفق الأحمر، وصلى الفجر حين برق الفجر وحرم الطعام على الصائم، هذه هي المواقيت، في أوائلها كما صلى جبريل بالنبي -عليه الصلاة والسلام- في اليوم الأول.
وهناك كلام كثير يثار حول دخول الأوقات ونهايتها، ومطابقة التقويم للواقع وعدم المطابقة، وما زالت الفتوى على التقويم، واختبر من جهة جهات متعددة فوجد الخلاف بين من يقول: إن التقويم متقدم وبين من يقول: إنه مطابق في غالبه يرجع إلى مفهوم الفجر في اللغة، فمن قال: إن المراد به الخيط الذي لا يدركه كثير من الناس قال: إن التقويم مطابق، الخيط الرقيق الذي لا يدركه كثير من الناس، الذي يحرم به الطعام هذا يخفى على كثير من الناس، وأما انفجار الصبح وظهوره للعيان ولجميع الناس لا شك أن هذا يتأخر، ولعله هو معوَّل من يقول: إن التقويم متقدم، وعلى كل حال المسألة ما زالت يعني الكلام فيها كثير، وهناك لجان متعددة كثير منها يؤيد ما جاء في التقويم، وأنه اختبر في أقصى الجنوب من المملكة وفي أقصى الشمال فما وجد فرق بين حقيقة الحال وبين التقويم، وهناك من خرج من طلاب العلم المتبرعين ورأوا أنهم اختبروا في أوقات متعددة وأماكن متعددة فأثبتوا فرقاً، وعلى كل حال ما زالت الفتوى على التقويم، وعموم الناس تبرأ ذمتهم باعتماد المؤذنين الذين يؤذنون على التقويم.
قال: «وصلى المرة الثانية» يعني في اليوم الثاني «الظهر حين كان ظل كل شيء مثله لوقت العصر بالأمس» لوقت العصر بالأمس، مفهومه أنه صلى الظهر في اليوم الثاني في الوقت نفسه الذي صلى به العصر بالأمس، وهذا دليل لمالك في اشتراك الصلاتين في وقت واحد، بمعنى أنه يكون في آخر وقت الظهر وأول وقت العصر قدر مشترك يسع أربع ركعات تؤدى فيه صلاة الظهر وتؤدى فيه صلاة العصر، واضح من الحديث «لوقت العصر بالأمس» وفي حديث عبد الله بن عمرو في صحيح مسلم: «ووقت الظهر من زوال الشمس إلى مصير ظل كل شيء مثله ما لم يحضر وقت العصر» وهذا نص صحيح وصريح في عدم الاشتراك، وأجاب الجمهور عن حديث الباب بأن المراد أنه فرغ من صلاة الظهر عند مصير ظل كل شيء مثله، وشرع في صلاة العصر عند مصير ظل كل شيء مثله فلا اشتراك، يعني يكون فراغه من صلاة الظهر يتلوه مباشرة شروعه في وقت صلاة العصر فلا اشتراك، وأما كونه لوقت العصر بالأمس فلأنه وقت واحد، عند مصير ظل كل شيء مثله، اتصلت الصلاتان، لكنه فرغ من الظهر وشرع في العصر، فلا فاصل بينهما ولا اشتراك، ما في فاصل مثل ما بين صلاة الصبح وصلاة الظهر هذا فيه فاصل، وما بين صلاة العشاء على القول بأن وقت العشاء ينتهي في الثلث أو في منتصف الليل وبين صلاة الصبح، فلا فاصل بينهما، كما أنه لا فاصل بين صلاة المغرب وصلاة العشاء، ينتهي وقت هذه مباشرة يدخل وقت الثانية، في حديث عبد الله بن عمرو: «ما لم يحضر وقت العصر» فدل على أنه لا اشتراك.
«ثم صلى العصر حين كان ظل كل شيء مثليه» يعني صلى العصر في الوقت الأول في اليوم الأول في المرة الأولى حينما صار ظل كل شيء مثله، وفي اليوم الثاني صار ظل كل شيء مثليه «ثم صلى المغرب لوقته الأول» حينما وجبت الشمس، وبهذا يستدل الإمام الشافعي على أن المغرب ليس لها إلا وقت واحد، ليس لها إلا وقت واحد، يعني بمجرد ما تغيب الشمس ويتوضأ ويستتر، يعني يتأهب للصلاة، ثم يؤديها مباشرة، فإذا أخر صلاة المغرب أكثر من ذلك أثم وخرج وقتها؛ لأنه ليس لها إلا وقت واحد، ولذلك قال: ثم صلى المغرب لوقته الأول، ما في وقتين مثل الظهر والعصر والعشاء والفجر، ما في وقتين، وقت واحد، والجمهور على أن صلاة المغرب كغيرها من الصلوات، لها وقتان من غروب الشمس إلى مغيب الشفق، بما يقرب من ساعة ونصف أو ساعة وثلث وما بينهما؛ لأن ذلك يتبع طول الليل وقصره.
«لوقته الأول ثم صلى العشاء الآخرة حين ذهب ثلث الليل» ذهب ثلث الليل، في اليوم الأول في المرة الأولى صلى به -عليه الصلاة والسلام- حين غاب الشفق، وفي اليوم الثاني حين ذهب ثلث الليل، فوقتها يمتد إلى هذا، وثلث الليل يختلف باختلاف طول الليل وقصره، فقد يطول وقد يقصر.
وفي حديث عبد الله بن عمرو في صحيح مسلم: «ووقت العشاء من مغيب الشفق إلى نصف الليل الأوسط» فدل على أنه يمتد وقتها إلى نصف الليل، وحديث عبد الله بن عمرو متأخر عن حديث جبريل، وبهذا قال جمع من أهل العلم أن وقت العشاء يمتد إلى نصف الليل، ومنهم من يرى أن ثلث الليل أو نصف الليل وقت اختيار، وأن وقت الاضطرار يمتد إلى طلوع الفجر، ويستدلون بحديث: «ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من يؤخر الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى» فدل على أنه ما لم يدخل وقت الصلاة الأخرى أنه ما زال في وقت «ومن أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة قبل أن تغرب الشمس من صلاة العصر فقد أدرك العصر» مع أنه جاء في حديث عبد الله بن عمرو: «ما لم تصفر الشمس» فدل على أن وقت الاصفرار ومنتصف الليل اضطرار، يعني هذا وقت الاختيار، ثم يبقى من منتصف الليل إلى طلوع الفجر وقت اضطرار، ومع ذلك يكون أداءً، لكن الحديث حديث: «ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من يؤخر الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى» هذا مخصوص، مخصوص بصلاة الصبح مع الظهر، فإنه لا يمتد وقتها إلى الزوال إجماعاً، وإنما يمتد إلى طلوع الشمس، وهذا مجمع عليه، فليس الحديث على عمومه بل هو مخصوص بصلاة الصبح فليخص أيضاً بصلاة العشاء.
حين ذهب ثلث الليل وحديث عبد الله بن عمرو إلى نصف الليل الأوسط، وفي الحديث الآخر: إلى طلوع الفجر، وهي أقوال لأهل العلم، وأصرح ما في الباب وأصحه حديث عبد الله بن عمرو إلى نصف الليل الأوسط.
«ثم صلى الصبح حين أسفرت الأرض» حين أسفرت الأرض يعني الوقت يمتد إلى أن تسفر جداً ما لم تطلع الشمس، كما في حديث عبد الله بن عمرو: وقت صلاة الصبح من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.
صلاة الظهر كما مر في الحديث يمتد وقتها من زوال الشمس إلى مصير ظل كل شيء مثله، ويبدأ حينئذٍ وقت صلاة العصر من مصير ظل الشيء مثله إلى غروب الشمس أو إلى الاصفرار هذا للاضطرار وهذا للاختيار، في قول الجمهور، يخالف الحنفية في هذا يقولون: إن وقت صلاة الظهر يمتد إلى مصير ظل الشيء مثليه، ثم يدخل وقت صلاة العصر، ومنهم من يقول: إن وقت صلاة الظهر ينتهي بمصير ظل الشيء مثله، لكن لا يدخل وقت صلاة العصر حتى يكون ظل الشيء مثليه، فهناك فاصل بين الوقتين.
المقصود أنه عند الحنفية لا يدخل وقت صلاة العصر حتى يكون ظل الشيء مثليه، ولذلك تجدون الوافدين من الشرق يؤخرون صلاة العصر، كما أنهم يؤخرون صلاة الصبح، ويوجد هذا في البلدان التي يكثر فيها الحنفية من مناطق المملكة، يؤخرون صلاة العصر، ويؤخرون صلاة الصبح؛ لأن الإسفار عندهم أفضل على ما سيأتي، ووقت العصر لا يبدأ إلا من مصير ظل الشيء مثليه، يمكن الآن يبدأ وقت صلاة العصر عندهم، طيب دليلهم؟ حديث جبريل واضح، وحديث عبد الله بن عمرو واضح في الدلالة على أن وقت الظهر ينتهي بمصير ظل الشيء مثله، ووقت العصر يبدأ من مصير ظل الشيء مثله، دلالة واضحة.
طيب دليل الحنفية؟ قالوا: دليل الحنفية جاء في الحديث الصحيح في البخاري وغيره: «إنما مثلكم ومثل من كان قبلكم كمثل رجل استأجر أجيراً فعمل له نصف النهار بدينار، ثم استأجر أجيراً فعمل له إلى وقت العصر بدينار، ثم استأجر أجيراً إلى غروب الشمس بدينارين، فاحتج أهل الكتاب فقالوا: نحن أكثر عملاً وأقل أجراً».
يقول الحنفية: ما يمكن أن يكون عمل النصارى الذين عملوا من زوال الشمس إلى وقت العصر أكثر من دخول وقت العصر إلى المغرب إلا إذا قلنا: إن وقت الظهر يمتد إلى مصير ظل الشيء مثليه.
يعني أحاديث صحيحة صريحة جاءت لبيان مواقيت الصلاة تعارض بمثل هذا؟! أولاً: من المعلوم أن الأنفال يتجوز فيها، يعني لا يلزم المطابقة من كل وجه، الأمر الثاني: كما قال ابن حزم: أن وقت الظهر الذي ينتهي بمصير ظل كل شيء مثله بالنسبة لوقت العصر الذي يبدأ بمصير ظل كل شيء مثله أطول في كل زمان ومكان، يعني الآن وقت صلاة الظهر هنا من اثنا عشر وعشر إلى ثلاث إلا ثلث، كم؟ ثلاث ساعات؟ كم؟ إلى أربع إلا ثلث، ثلاث ساعات ونصف، ويبدأ وقت صلاة العصر من ثلاث إلا ثلث إلى المغرب كم؟
طالب:.......
كم؟
طالب:.......
إيه سبع إلا ربع، كم؟
طالب:......
ثلاث، ستة وأربعين اليوم، ثلاث وست دقائق، أيهما أطول؟ هاه؟
طالب:......
كيف؟
طالب:......
الظهر من اثنا عشر وعشر إلى أربع إلا ثلث، ثلاث ساعات ونصف، والعصر من أربع إلا ثلث إلى سبع إلا ربع، يعني ثلاث ساعات وخمس دقائق، أيهما أطول؟ الظهر حتى على القول بأن الظهر ينتهي عند مصير ظل كل شيء مثله، على أنه لو كان الظهر أقصر من العصر على سبيل التنزل الأمثال يتجوز بها، ولا تلزم المطابقة من كل وجه، يعني لو تأتي بعاملين واحد يشتغل عندك ساعة ونصف وتعطيه مائة ريال، ويشتغل الثاني عندك ساعة ونصف أو أكثر بقليل وتعطيه المائتين ما يغضب الأول؟ ولو افترضنا أنه اشتغل أكثر، لكنه أكثر بقليل، ما لم يبلغ الضعف، لتكون الأجرة متساوية يغضب الأول، فكون النصارى يقولون: أنهم أكثر عملاً وأقل أجراً، أعطوا دينار، وهذه الأمة أعطيت دينارين، فهم أكثر أجراً وهم أيضاً أقل عملاً، والواقع يشهد بذلك.
دلالة حديث إمامة جبريل وحديث عبد الله بن عمرو وما جاء في معناهما في بيان مواقيت الصلاة دلالة يسميها أهل العلم أصلية، أصلية، يعني دلالتها على ما استدل بها عليه أصلية، ودلالة حديث تفضيل هذه الأمة على غيرها من الأمم على المواقيت دلالة تبعية فرعية، وبعض أهل العلم يلغي الدلالة التبعية إلغاءاً تاماً ولا يلتفت إليها، وهذا هو الذي يرجحه الشاطبي في الموافقات، يقول: لا يمكن أن يستدل بدلالة تبعية، لكن القول الوسط في مثل هذا أنها معتبرة ما لم تعارض بما هو أقوى منها من دلالة أصلية، يعني حينما يستدل من يستدل بأن الحائض تقرأ القرآن طيب بأي شيء يستدل؟ بقوله -عليه الصلاة والسلام- لعائشة: «افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت» يقول: الحاج يقرأ القرآن، فيستدل بهذا على قراءة الحائض للقرآن، هل هذه الدلالة أو هذا الحديث سيق لقراءة القرآن أو سيق لما يفعل من المناسك؟ دلالتها الأصلية من المناسك، يبقى هل لهذه الدلالة معارض أو ليس لها معارض؟ إذا وجد معارض كما عندنا لم نلتفت إلى الدلالة الفرعية، هذا على سبيل التنزل وأن وقت صلاة الظهر أقصر من وقت صلاة العصر على قول الحنفية، فلا شك أن قولهم ضعيف، مُصادم للنصوص الصحيحة الصريحة.
«ثم صلى العصر حين كان ظل كل شيء مثليه» الحنفية يقولون: ما يدخل وقت صلاة العصر إلا إذا صار ظل كل شيء مثليه، وقولهم مردود لهذا الحديث، وحديث عبد الله بن عمرو، وفيهما التصريح بأن وقت دخول العصر من مصير ظل الشيء مثله.
وأما نهاية وقت العصر فهي هذا الحديث مصير ظل كل شيء مثليه، لكنه محمول عند عامة أهل العلم على الاختيار ومثله: "ما لم تصفرّ الشمس" وإلا فجماهير أهل العلم يرون أن وقت العصر يمتد إلى غروب الشمس، ويدل له الحديث الصحيح «من أدرك ركعة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر».
«ثم صلّى المغرب لوقته الأول» وعرفنا ما فيه، وأنه مستدل الشافعية على قولهم؛ لأن المغرب ليس لها إلا وقت واحد، والجمهور على أن الوقت يمتد إلى مغيب الشفق كما جاء في حديث عبد الله بن عمرو، والمراد به الشفق الأحمر، كما جاء في حديث ابن عمر: "الشفق الحمرة" ويختلف أهل العلم في رفعه ووقفه، ووقفه على ابن عمر أرجح، وسواء كان الحديث مرفوعاً أو موقوفاً فهو دليل على أن المراد بالشفق الأحمر، لماذا؟ لأن المسالة لغوية، وابن عمر من أقحاح العرب يحتج بقوله إذا فسّر كلمة؛ لأنه عربي، ومع ذلكم رجع أبو حنيفة فيما يذكر عنه بعض أصحابه إلى قول الجمهور، ولم يوافقه صاحباه على ذلك.
«ثم صلى الصبح حين أسفرت الأرض» في اليوم الثاني، ومعلوم أن وقت الصبح يمتد إلى طلوع الشمس، من حديث عبد الله بن عمرو: «وقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس».
«ثم التفت إلي جبريل فقال: يا محمد هذا -يعني ما ذكر من الأوقات في اليومين- وقت الأنبياء من قبلك» هذا يدل على أن الأنبياء صلواتهم مثل صلواتنا، وأوقاتهم مثل أوقاتنا، لكن هل الأمر كذلك؟ أو أن التشبيه أن هذا كوقت الأنبياء من قبلك فيه شيء من السعة، وليس فيه شيء من الضيق، وصلواتهم لها أول ولها آخر، يعني لها وقت موسع كما هو الشأن في صلواتكم، وإن لم تكن الصورة مطابقة لما عندنا.
يقول ابن العربي في عارضة الأحوذي: قوله: «هذا وقت الأنبياء قبلك» يفتقر إلى بيان المراد به، فإن ظاهره موهم أن هذه الصلوات في هذه الأوقات كانت مشروعة لمن قبله من الأنبياء، يعني صلاة الظهر، صلاة العصر، صلاة المغرب، صلاة العشاء، صلاة الفجر، الوقت الأول لصلاة الظهر، الثاني لها، نهاية وبداية، في الصلوات الخمس، هذا الإجمال: «هذا وقت الأنبياء من قبلك» يدل على أن الصورة متطابقة، يقول ابن العربي: قوله: «هذا وقت الأنبياء قبلك» يفتقر إلى بيان المراد به، فإن ظاهره يوهم أن هذه الصلوات في هذه الأوقات كانت مشروعة لمن قبله من الأنبياء، فهل الأمر كذلك أم لا؟
قال: والوجه فيه أن نقول –والله الموفق- ثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن جبريل قال له ذلك، والمعنى هذا وقتك المشروع لك، يعني الوقت الموسع المحدود بطرفين أول وآخر، وقوله: «ووقت الأنبياء قبلك» يعني ومثله وقت الأنبياء قبلك، أي كانت صلاتهم واسعة الوقت، وذات طرفين، مثل هذا وإلا فلم تكن لهم هذه الصلوات على هذا الميقات إلا لهذه الأمة خاصة، وإن كان غيرهم قد شاركهم في بعضها.
«والوقت فيما بين هذين الوقتين» يعني هذه الجملة مفهومها أن الصلوات الخمس لا تصلى في الأوقات التي صلى فيها جبريل، لماذا؟ لأنه صلى اليوم الأول في وقت والثاني في وقت، لا تصلي في الوقت الأول ولا في الوقت الثاني كما صلى جبريل، صلي بين هذين الوقتين؛ لأن الوقت فيما بين هذين الوقتين، فهل هذا المراد؟ يعني أننا لا نصلي في الوقت الذي صلى به جبريل بالنبي -عليه الصلاة والسلام- وإنما نصلي من فراغه من الصلاة في اليوم الأول إلى شروعه في الصلاة في اليوم الثاني؛ لأن الصلاة بين هذين الوقتين.
يعني إذا قلنا: السعي بين الصفاء والمروة هل يلزم الرقي على الصفاء وعلى المروة؟ أو نقول: إذا تحققت البينية هذا هو المشروع، فمفهوم الجملة والوقت فيما بين هذين الوقتين أننا لا نصلي الصلاة في أول وقتها، ولا في آخره وإنما نصلي بين هذين الوقتين، لكن هذا ليس بمراد إجماعاً، وإنما المراد الوقت في هذين الوقتين وما بينهما، وإلا لو كان المراد ما بين هذين الوقتين وما في هذين الوقتين تكون الصلاة فيه صحيحة وإلا باطلة؟ نعم؟ تكون باطلة إذا قلنا: إن الوقت بين هذين الوقتين، وحينئذٍ تكون إمامة جبريل بالنبي -عليه الصلاة والسلام- وهي من أجل التعليم تكون باطلة، وهذا كلام لا شك في بطلانه، وإنما المراد أن الوقت في هذين الوقتين وما بين هذين الوقتين.
"قال أبو عيسى: وفي الباب عن أبي هريرة" عند الترمذي والنسائي والحاكم "وبريدة" عند الترمذي "وأبي موسى" عند مسلم وأبي داود والنسائي "وأبي مسعود" عند الإمام مالك في الموطأ وعند أبي داود "وأبي مسعود الأنصاري وأبي سعيد" عند الإمام أحمد والطحاوي "وجابر" عند الإمام أحمد والترمذي والنسائي، "وعمرو بن حزم" عند إسحاق بن راهويه "والبراء وأنس" البراء حديثه عند ابن أبي خيثمة، وحديث أنس عند الدارقطني.
قال -رحمه الله-: "أخبرني أحمد بن محمد بن موسى قال: أخبرنا عبد الله بن المبارك قال: أخبرنا حسين بن علي بن حسين" الحسين بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب "قال: أخبرني وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله" الأول عن ابن عباس، والثاني عن جابر "عن جابر بن عبد الله عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «أمني جبريل» فذكر نحو حديث ابن عباس بمعناه، ولم يذكر فيه: لوقت العصر بالأمس" التي يستدل بها المالكية على وجود القدر المشترك من الوقت بين الظهر والعصر، ولم يذكر فيه لوقت العصر بالأمس.
"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب" وحديث ابن عباس حديث حسن صحيح، وأخرجه الإمام أحمد وأبو داود وابن خزيمة والدارقطني والحاكم، وصححه ابن عبد البر وابن العربي حديث ابن عباس هو حديث الباب.
"وقال محمد: أصح شيء في المواقيت حديث جابر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-" حديث جابر الذي ذكره الإمام الترمذي بعد حديث ابن عباس، حديث جابر الذي ذكره بعد حديث ابن عباس، وهو أصح من حديث ابن عباس عند الإمام البخاري "قال محمد" هو محمد بن إسماعيل البخاري "أصح شيء في المواقيت حديث جابر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-" لأن حديث ابن عباس فيه عبد الرحمن بن أبي الزناد فيه كلام لأهل العلم، وعبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة صدوق له أوهام، وأيضاً حكيم بن حكيم قال فيه ابن حجر: صدوق، وحديث جابر أقوى منه فيما قاله الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-.
"أصح شيء في المواقيت حديث جابر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-" هذا رأي الإمام البخاري، وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص مخرج في صحيح مسلم، فهو أصح من هذه الحيثية، وهو أيضاً متأخر عن حديث إمامة جبريل، فما فيه مما يخالف ما جاء في حديث إمامة جبريل هو المحكم لأنه هو المتأخر، وما في حديث إمامة جبريل مما يخالف حديث عبد الله بن عمرو فهو منسوخ لأنه متقدم. حديث جابر، جابر معروف أنه أنصاري، جابر أنصاري، والقصة حصلت في مكة ومتقدمة صبيحة ليلة الإسراء، فجابر لم يدرك هذه القصة، ولم يحضر هذه القصة، وليس فيه أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أخبره به فهو مرسل، ومع ذلكم هو مرسل صحابي، ومرسل الصحابي حجة عند جماهير أهل العلم، بل نقل بعضهم عليه الاتفاق.
أما الذي أرسله الصحابي |
| فحكمه الوصل على الصوابِ |
طيب حديث ابن عباس وحديث أبي هريرة ابن عباس ليلة الإسراء ولد وإلا ما ولد؟ مولود وإلا ما ولد؟ نعم؟ الإسراء سنة كم؟ هاه؟
طالب:......
هاه؟
طالب:......
نعم؟ عشر؟
طالب:......
يعني قبل الهجرة بقليل، ثلاث سنوات، على كل حال سواءً كانت في أول الهجرة أو في آخرها ابن عباس عمره حين وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام- ثلاث عشرة سنة، فهل حضر هذه الصلاة؟ قطعاً لم يحضرها، فهو أيضاً مرسل صحابي، وأبو هريرة الذي صححوا حديثه في الباب أيضاً لم يشهد هذه القصة؛ لأنه إنما أسلم سنة خيبر سنة سبع، يعني بعد هذه القصة بسنين، فهو مرسل صحابي أيضاً، لكن جاء ما يدل على أن النبي -عليه الصلاة والسلام- حدثهما به فهو متصل من هذه الحيثية من قوله -عليه الصلاة والسلام-، وعلى تقدير أنه مرسل يقال فيه ما يقال في حديث جابر أنه مرسل صحابي، ومرسل الصحابي حجة عند عامة أهل العلم، بل نُقل عليه الاتفاق.
قال: "وحديث جابر في المواقيت، قد رواه عطاء بن أبي رباح وعمرو بن دينار وأبو الزبير عن جابر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- نحو حديث وهب بن كيسان عن جابر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-"
حديث جابر في المواقيت قد رواه عطاء بن أبي رباح؛ لأن الرواية التي أسندها الترمذي قال: أخبرني أحمد بن محمد بن موسى، قال: أخبرنا عبد الله بن المبارك أخبرنا حسين بن علي بن حسين قال: أخبرني وهب بن كيسان عن جابر، يعني المتابعة لوهب بن كيسان من قبل عطاء بن أبي رباح، سيد من سادات التابعين، وعمرو بن دينار هو أيضاً من ثقات الرواة وأثباتهم، وأبو الزبير هو من خواص جابر بن عبد الله إلا أنه مدلس، لكن ترتفع تهمة التدليس بالمتابعات المذكورة عن جابر بن عبد الله عن النبي -صلى الله عليه وسلم- نحو حديث وهب بن كيسان، فهي متابعات لوهب بن كيسان في حديث جابر -رضي الله عنه-.
يقول الشيخ أحمد شاكر: لم أجد من هذه الروايات إلا رواية عطاء بن أبي رباح، فرواها أحمد في المسند من طريق سليمان بن موسى عن عطاء، ورواها النسائي من طريق قدامة بن شهاب، والحاكم والبيهقي من طريق عمرو بن بشر الحارثي كلاهما عن برد بن سنان عن عطاء.
سم.
الكتاب الثاني..
"لم يفصل شيء من هذا في الروايات، لكن اللائق بالحال أن يأتي على صورة رجل «وأحياناً يتمثل لي الملك رجلاً» وجاء بصورة دحية، وجاء بصورة رجل حينما علم الناس الدين بصورة رجل لا يعرفه أحد شديد بياض الثياب إلى آخره؛ لأنه بصورته التي خلق عليها النبي -عليه الصلاة والسلام- ما رآه إلا مرتين في ليلة الإسراء وفي مرة أخرى رآه على كرسي في الأفق بين السماء والأرض له ستمائة جناح قد سد الأفق، وليست هذه منهما.
الأمر الثاني: أنه لا يتمكن من الصلاة التي يمكن الاقتداء بها فيه إلا إذا كان على هيئة رجل، يعني تصور له ستمائة جناح كيف يقتدى به في سجوده وركوعه؟ يبعد هذا أن يكون على صورته، مع أنه جاء تحديد المرات التي رآه النبي -عليه الصلاة والسلام- على صورته مرتين.
لا مانع من أن يقال: -عليه الصلاة والسلام- أو يقال: -عليه السلام-.
النبي -عليه الصلاة والسلام- أخَّر صلاة العشاء في ليلة وقال: «إنه لوقتها لولا أن أشق عليكم» فتأخيرها ما لم تحصل المشقة أفضل.
لا شك أن الصلوات فعلها في أول الوقت أفضل ما عدا صلاة العشاء وصلاة الظهر في وقت شدة الحر.
هل السنن الرواتب لها علاقة بهذه الأوقات؟ وهل يمتد وقت سنة العشاء إلى الفجر أم إلى نصف الليل؟
لا شك أن الرواتب التابعة للصلوات المفروضة لها ارتباط بهذه الأوقات، فالسنن القبلية تؤدى بعد دخول الوقت وقبل أداء الصلاة، والسنن البعدية تؤدى بعد أداء الصلاة وقبل خروج الوقت.
هذا بالنسبة لجامع الترمذي النسخ القديمة العتيقة الموجودة والتي عليها خطوط أهل العلم تختلف اختلافاً كثيراً، فبعضها يثبت فيه قال أبو عيسى، وبعضها يحذف منه قال أبو عيسى، ومعلوم أنه إذا قيل: قال فالمراد به المؤلف وهو أبو عيسى الترمذي، فالأمر سهل، لا إشكال فيه، لكن الإشكال في اختلاف النسخ القديمة العتيقة التي على خطوط الأئمة في الأحكام على الأحاديث، هذا الذي فيه إشكال، في بعض النسخ: حسن، وفي بعضها: حسن صحيح، وهذا كثير في نسخ الترمذي، ولذا تجب العناية بجامع الترمذي على وجه الخصوص كما قال ابن الصلاح وغيره بأن تجمع نسخه وتحقق ويخرج إخراجاً علمياً دقيقاً.
الطبعة الهندية لا شك أنها هي الأصل وهي الصحيحة، لكن قراءتها لأنها كُتبت بالخط الفارسي هي باللغة العربية، لكن الخط فارسي لا يستطيع التعامل معه كثير من طلاب العلم، ففيها وعورة في قراءتها عسر على كثير من طلاب العلم طبع عنها تحفة الأحوذي بالمطبعة السلفية بالمدينة في طبعة كثيرة الأخطاء، لكنها أخطاء مُدركة يمكن تصحيحها، وعلى كل حال هذه الطبعة تمكن قراءتها وأخطاؤها يمكن تصحيحها من الجداول، جداول الخطأ والصواب الموجودة فيها وإلا ففيها أخطاء، ومثلها عون المعبود الطبعة الهندية صحيحة طبعت بالمطبعة السلفية عن الهندية طبعة فيها بعض الأخطاء، لكنه يمكن إدراكها.
لا، لا تطلق، لا تطلق، وإن كان قد أتى كبيرة من كبائر الذنوب، وموبقة من الموبقات، لكنه مع ذلك لا تطلق، والإجماع قائم على تحريم وطأ النساء في أحشاشهن، وما يذكر عن مالك فإنه لا يصح عنه.
وجاء في الباب أحاديث مفرداتها ضعيفة، لكنها بمجموعها تدل على أن لها أصلاً.
لا شك أن الإكثار من المباحات يجر إلى المكروهات؛ لأن هذا المباح الذي عودت نفسك عليه قد تطلبه النفس فلا تستطيع الحصول عليه إلا من طريق مكروه أو فيه شبهة ثم يتجاوزه الإنسان، ثم بعد ذلك تطلبه النفس مرة أخرى فلا تحصل عليه إلا بطريق محرّم، ثم بعد ذلك تستمرئ هذا المحرم وترتكبه، ولا شك أن الاسترسال مع هذه القنوات يجر إلى الوقوع في المواقع والقنوات الإباحية، القنوات الإباحية، ونعرف من طلاب العلم كانوا أهل تحري، ما عندهم ولا راديو، ولا يسمعون ولا أشرطة ولو إذاعة قرآن، ثم بعد ذلك وقعوا في هذه الآلات واستدرجوا، في النهاية صاروا يسمعون الأخبار التي تقدمها نساء، يقولون: ما نسمع إلا الأخبار، ويضعون غطاء على الجهاز، يضعون ستارة إما شرشف وإلا شيء، ثم بعد ذلك يأتي من خلال الأخبار شيء مثير، ثم تنازعه نفسه في كشف هذا الغطاء، وشيئاً فشيئاً إلى أن صار الأمر عادي، ولا شك أن تيسير المحرم يسهِّل الوقوع فيه، وكان التصوير شأنه عظيم في نفوس الناس، في عوام الناس قبل خواصهم، إلى أن صار أمراً عادياً، تصور الفتيات أمام الكعبة من قبل شباب أجانب برضى الطرفين صار أمر عادي، وتجدون في السطح في بيت الله الحرام عدد كبير من الناس من رجال ونساء فوق السطح يصورون وقت الصلاة، الناس يصلون وهم يصورون ما صلوا، من بداية الصلاة إلى نهايتها، يعني إذا قالوا: إن تصوير الصلاة وهذه المشاهد ونقلها إلى العالم من خلال وسائل الإعلام قالوا: إنه يترتب عليه مصالح وفيه كذا وكذا مما يتعذرون به ويتعللون به، فما المصلحة في كون عشرات من الرجال والنساء فوق سطح بيت الله الحرام يصورون الناس ولا يصلون معهم، السيئة تقول: أختي أختي، يعني إذا ارتكب محرم يجره إلى محرم آخر، وقد يخرج من الدين بالكلية وهو لا يشعر، يعني بني إسرائيل لعنوا، وضربت عليهم الذلة والمسكنة، وكفروا وارتدُّوا، لماذا؟ {ذَلِكَ بِمَا عَصَوا} [(78) سورة المائدة] أول شيء المعصية، المعصية هذه وإن كانت صغيرة هونت الكبيرة، ثم الكبيرة هونت ما فوقها، وعقوبات بعضها لبعض، فالله المستعان.
يعني قبل تيسر هذه الكاميرات مع الناس وجُل الناس في جيبه كاميرا تصوير، يعني المقصود في الأصل الجوال، ومن أهل العلم من أفتى صراحة ونشرت الفتوى من قبل جمع من أهل العلم بتحريم اقتناء الجوال اللي فيه كاميرا لأنه يسهل المعصية، وكم من شخص كان شديداً في التحري والتثبت اقتنى هذه الكاميرا فرأى مناظر لم يصبر عن تصويرها، قد يصبر عن تصوير نفسه، يصبر عن تصوير فلان أو علان أو عن المشهد الفلاني لكن ماذا عن طفله إذا أخذ يحبو، أو أخذ يمشي الخطوات الأولى، هل يصبر عن تصويره؟ يقول: هذا مشهد ما يمكن يتكرر، ثم بعد ذلك يقول: التصوير مختلف فيه، ولو كان محرم ما خرج الشيخ الفلاني في القناة الفلانية والشيخ الفلاني وكذا وكذا، كل هذا بسبب تيسر اقتناء هذه الآلات، والله المستعان.
لكن الغرابة عند الترمذي يراد بها الغرابة النسبية وليست الغرابة المطلقة، الأمر الثاني: أن الحسن الذي يشترط فيه تعدد الطرق هو الذي يقول فيه الترمذي: حسن فقط.