التعليق على تفسير القرطبي - سورة النمل (03)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.
قال الإمام القرطبي- رحمه الله تعالى-:
قوله تعالى: {وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} [سورة النمل:35]، فِيهِ سِتُّ مَسَائِلَ:
الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ} [سورة النمل:35] هَذَا مِنْ حُسْنِ نَظَرِهَا وَتَدْبِيرِهَا، أَيْ إِنِّي أُجَرِّبُ هَذَا الرَّجُلَ بِهَدِيَّةٍ، وَأُعْطِيهِ فِيهَا نَفَائِسَ مِنَ الْأَمْوَالِ، وَأُغْرِبُ عَلَيْهِ بِأُمُورِ الْمَمْلَكَةِ، فَإِنْ كَانَ مَلِكًا دُنْيَاوِيًّا أَرْضَاهُ الْمَالُ وَعَمِلْنَا مَعَهُ بِحَسَبِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ نَبِيًّا لَمْ يُرْضِهِ.."
يعني إن كان ملكًا دنيويًّا أثرت فيه الهدية فتعاملنا معه على ضوء هذا الفهم، وإن كان نبيًّا ولم تفد فيه الهدية فلا شك أنَّ المعاملة تختلف.
"وَإِنْ كَانَ نَبِيًّا لَمْ يُرْضِهِ الْمَالُ وَلَازَمَنَا فِي أَمْرِ الدِّينِ، فَيَنْبَغِي لَنَا أَنْ نُؤْمِنَ بِهِ وَنَتَّبِعَهُ عَلَى دِينِهِ، فَبَعَثَتْ إِلَيْهِ بِهَدِيَّةٍ عَظِيمَةٍ أَكْثَرَ النَّاسُ فِي تَفْصِيلِهَا، فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَرْسَلَتْ إِلَيْهِ بِلَبِنَةٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَرَأَتِ الرُّسُلُ الْحِيطَانَ مِنْ ذَهَبٍ، فَصَغُرَ عِنْدَهُمْ مَا جَاءُوا بِهِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أَرْسَلَتْ إِلَيْهِ بِمِائَتَيْ غُلَامٍ وَمِائَتِي جَارِيَةٍ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: بِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَصِيفَةً مُذَكَّرِينَ قَدْ أَلْبَسَتْهُمْ زِيَّ الْغِلْمَانِ، وَاثْنَيْ عَشَرَ غُلَامًا مُؤَنَّثِينَ قَدْ أَلْبَسَتْهُمْ زِيَّ النِّسَاءِ، وَعَلَى يَدِ الْوَصَائِفِ أَطْبَاقُ مِسْكٍ وَعَنْبَرٍ، وَبِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ نَجِيبَةً تَحْمِلُ لَبِنَ الذَّهَبِ، وَبِخَرَزَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا غَيْرُ مَثْقُوبَةٍ، والأخرى مثقوبة ثقبًا معوجًّا، وبقدح.."
كل هذا من أجل الاختبار، والمسألة كما قال المؤلف- رحمه الله تعالى- أكثر الناس في تفصيل هذه الهدية، ولا شك أنَّها هدية تليق بمقام مثل مقام سليمان على ضوء ما سمعت عنه، وأمَّا تفاصيلها وما جاء في بعضها مبالغات شديدة، مثل هذا مما تُلقي عن بني إسرائيل ولا يثبت به خبر صحيح عن المعصوم. أمَّا كونهم لمَّا رأوا الحيطان من ذهب ألقوا بهديتهم في الأرض ورجعوا فهذه مسألة قد تكون في بادئ الرأي مقبولة؛ لأنَّ الإنسان إذا أراد أن يُهدي هدية هي في نفسه كبيرة ثم تبين أنَّها صغيرة جدًّا بالنسبة للمُهدى إليه، مع أنَّ الأصل قبول الهدية، النبي- عليه الصلاة والسلام- كان يقبل الهدية ويثيب عليها، وقال- عليه الصلاة والسلام-: «لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة»، لكن سليمان- عليه الصلاة والسلام- ردَّها؛ لئلا تكون معاوضة عما يدعوهم إليه.
وهكذا ينبغي أن تكون الهدية مقبولة في الأصل إلا إذا كان وراءها شيء، إذا كانت ثمنًا لدين مثلًا فإنَّها حينئذٍ لا تُقبل، وكونهم رموا لمَّا جاء في الخبر هديتهم؛ لأنَّهم تقالوها فهذا معروف عند الناس، فرئيس دولة من الدول زار دولة أخرى، رئيس دولة فقيرة زار دولة غنية، فأراد ولد الرئيس المزور أن يُهدي هدية لولد الرئيس الزائر، فذهب فاشترى فبحث فوجد ساعة نفيسة جدًّا واشتراها وأراد أن يُقدمها، فقيل له: إنَّ الذي في يده بثلاثة أضعاف قيمة ما اشتريت، فما قدَّمها تركها؛ لأنَّها بثلاثة أضعاف ما اشتراها، فتقالوها وتركوها، والله المستعان.
ولو كانت المسألة شرعية في حدود ما يبيحه الشرع كانت مقبولة ولو كانت يسيرة، لكن هذا كله سببه شؤم الإسراف ومخالفة الشرع- نسأل الله السلامة والعافية-.
طالب: ما يرد ظاهر القرآن أنهم ألقوها؛ لأنَّها وصلت إلى سليمان.
وين؟
طالب: الهدية.
نعم، نعم، وصلت، هي وصلت سليمان، لكن هم ألقوها على ضوء هذا الخبر، وأنا قلت: إنَّ الأخبار كلها إلا ما ندر مما يدل عليه أصل ما جاء في القرآن، أمَّا التفاصيل، تفاصيل الهدية وما جاء فيها كلها من الإسرائيليات التي لا تصدق ولا تكذب، كلها إذا كانت مما يحتمله العقل ولا يرده الشرع لا تصدق ولا تكذب.
طالب: إلقاؤها قبل إعطائها سليمان يرد عليه القرآن.
معروف، أنا أقول، أنا أشرح، أنا أتكلم عما عندنا، وأنَّ هذا وإن كان مخالفًا لما جاء في القرآن إنَّه بالنسبة لإلقائها لما تقالوها حيطان ذهب ومعهم لبنة واحدة، مثل هذا لا يليق بالمقام عندهم.
طالب:..........
كيف؟
طالب:..........
من الله- جلَّ وعلا-؟
طالب:..........
أي، ما يمنع أن تختبر هل هو ملك أو نبي، ما يمنع.
"وبقدح لا شيء فِيهِ، وَبِعَصًا كَانَ يَتَوَارَثُهَا مُلُوكُ حِمْيَرَ، وَأَنْفَذَتِ الْهَدِيَّةَ مَعَ جَمَاعَةٍ مِنْ قَوْمِهَا. وَقِيلَ: كَانَ الرَّسُولُ وَاحِدًا وَلَكِنْ كَانَ فِي صُحْبَتِهِ أَتْبَاعٌ وَخَدَمٌ. وَقِيلَ: أَرْسَلَتْ رَجُلًا مِنْ أَشْرَافِ قَوْمِهَا يُقَالُ لَهُ: الْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو، وَضَمَّتْ إِلَيْهِ رِجَالًا ذَوِي رَأْيٍ وَعَقْلٍ، وَالْهَدِيَّةُ مِائَةُ وَصِيفٍ وَمِائَةُ وَصِيفَةٍ، قَدْ خُولِفَ بَيْنَهُمْ فِي اللِّبَاسِ، وَقَالَتْ لِلْغِلْمَانِ: إِذَا كَلَّمَكُمْ سُلَيْمَانُ فَكَلِّمُوهُ بِكَلَامٍ فِيهِ تَأْنِيثٌ يُشْبِهُ كَلَامَ النِّسَاءِ، وَقَالَتْ لِلْجَوَارِي: كَلِّمْنَهُ بِكَلَامٍ فِيهِ غِلَظٌ يُشْبِهُ كَلَامَ الرِّجَالِ، فَيُقَالُ: إِنَّ الْهُدْهُدَ جَاءَ وَأَخْبَرَ سُلَيْمَانَ بِذَلِكَ كُلِّهِ.
وَقِيلَ: إِنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ سُلَيْمَانَ بِذَلِكَ، فَأَمَرَ سُلَيْمَانُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- أَنْ يُبْسَطَ مِنْ مَوْضِعِهِ إِلَى تِسْعِ فَرَاسِخَ بِلَبِنَاتِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّ الدَّوَابِّ رَأَيْتُمْ أَحْسَنَ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ؟ قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ رَأَيْنَا فِي بَحْرِ كَذَا دَوَابَّ مُنَقَّطَةً مُخْتَلِفَةً أَلْوَانُهَا، لَهَا أَجْنِحَةٌ وَأَعْرَافٌ وَنَوَاصِي، فَأَمَرَ بِهَا فَجَاءَتْ فَشُدَّتْ عَلَى يَمِينِ الْمَيْدَانِ وَعَلَى يَسَارِهِ، وَعَلَى لِبَنَاتِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَأَلْقَوْا لَهَا عَلُوفَاتِهَا، ثُمَّ قَالَ: لِلْجِنِّ عَلَيَّ بِأَوْلَادِكُمْ، فَأَقَامَهُمْ- أَحْسَنَ مَا يَكُونُ مِنَ الشَّبَابِ- عَنْ يَمِينِ الْمَيْدَانِ وَيَسَارِهِ. ثُمَّ قَعَدَ سُلَيْمَانُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- عَلَى كُرْسِيِّهِ فِي مَجْلِسِهِ، وَوُضِعَ لَهُ أَرْبَعَةُ آلَافِ كُرْسِيٍّ مِنْ ذَهَبٍ عَنْ يَمِينِهِ وَمِثْلُهَا عَنْ يَسَارِهِ، وَأَجْلَسَ عَلَيْهَا الْأَنْبِيَاءَ وَالْعُلَمَاءَ، وَأَمَرَ الشَّيَاطِينَ وَالْجِنَّ وَالْإِنْسَ أَنْ يَصْطَفُّوا صُفُوفًا فَرَاسِخَ، وَأَمَرَ السِّبَاعَ وَالْوُحُوشَ وَالْهَوَامَّ وَالطَّيْرَ فَاصْطَفُّوا فَرَاسِخَ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ، فَلَمَّا دَنَا الْقَوْمُ مِنَ الْمَيْدَانِ وَنَظَرُوا إِلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ، وَرَأَوُا الدَّوَابَّ الَّتِي لَمْ تَرَ أَعْيُنُهُمْ أَحْسَنَ مِنْهَا تَرُوثُ عَلَى لَبِنَاتِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، تَقَاصَرَتْ إِلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ، وَرَمَوْا مَا مَعَهُمْ مِنَ الْهَدَايَا.
وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: إِنَّ سُلَيْمَانَ لَمَّا أَمَرَهُمْ بِفَرْشِ الْمَيْدَانِ بِلَبِنَاتِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ أَمَرَهُمْ أَنْ يَتْرُكُوا عَلَى طَرِيقِهِمْ مَوْضِعًا عَلَى قَدْرِ مَوْضِعِ بِسَاطٍ مِنَ الْأَرْضِ غَيْرَ مَفْرُوشٍ، فَلَمَّا مَرُّوا بِهِ خَافُوا أَنْ يُتَّهَمُوا بِذَلِكَ فَطَرَحُوا مَا مَعَهُمْ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ، فَلَمَّا رَأَوُا الشَّيَاطِينَ رَأَوْا مَنْظَرًا هَائِلًا فَظِيعًا فَفَزِعُوا وَخَافُوا، فَقَالَتْ لَهُمُ الشَّيَاطِينُ: جُوزُوا لَا بَأْسَ عَلَيْكُمْ، فَكَانُوا يَمُرُّونَ عَلَى كُرْدُوسٍ كُرْدُوسٍ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالْبَهَائِمِ وَالطَّيْرِ وَالسِّبَاعِ وَالْوُحُوشِ حَتَّى وَقَفُوا بَيْنَ يَدَيْ سُلَيْمَانَ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ سُلَيْمَانُ نَظَرًا حَسَنًا بِوَجْهٍ طَلْقٍ، وَكَانَتْ قَالَتْ لِرَسُولِهَا: إِنْ نَظَرَ إِلَيْكَ نَظَرَ مُغْضَبٍ فَاعْلَمْ أَنَّهُ مَلِكٌ، فَلَا يَهُولَنَّكَ مَنْظَرُهُ فَأَنَا أَعَزُّ مِنْهُ، وَإِنْ رَأَيْتَ الرَّجُلَ بَشًّا لطيفًا فاعلم أنه نبي مرسل فتفهم قوله وَرُدَّ الْجَوَابَ، فَأَخْبَرَ الْهُدْهُدُ سُلَيْمَانَ بِذَلِكَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَكَانَتْ عَمَدَتْ إِلَى حُقَّةٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَجَعَلَتْ فِيهَا دُرَّةً يَتِيمَةً غَيْرَ مَثْقُوبَةٍ، وَخَرَزَةً مُعْوَجَّةَ الثَّقْبِ، وَكَتَبَتْ كِتَابًا مَعَ رَسُولِهَا تَقُولُ فِيهِ: إِنْ كُنْتَ نَبِيًّا فَمَيِّزْ بَيْنَ الْوُصَفَاءِ وَالْوَصَائِفِ، وَأَخْبِرْ بِمَا فِي الْحُقَّةِ، وَعَرِّفْنِي رَأْسَ الْعَصَا مِنْ أَسْفَلِهَا، وَاثْقُبِ الدُّرَّةَ ثَقْبًا مُسْتَوِيًا، وَأَدْخِلْ خَيْطَ الْخَرَزَةِ، وَامْلَأِ الْقَدَحَ مَاءً مِنْ نَدًى لَيْسَ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا مِنَ السَّمَاءِ.
فَلَمَّا وَصَلَ الرَّسُولُ وَوَقَفَ بَيْنَ يَدَيْ سُلَيْمَانَ أَعْطَاهُ كِتَابَ الْمَلِكَةِ فَنَظَرَ فِيهِ، وَقَالَ: أَيْنَ الْحُقَّةُ؟ فَأَتَى بِهَا فَحَرَّكَهَا، فَأَخْبَرَهُ جِبْرِيلُ بِمَا فِيهَا، ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ سُلَيْمَانُ. فَقَالَ لَهُ الرَّسُولُ: صَدَقْتَ، فَاثْقُبِ الدُّرَّةَ، وَأَدْخِلِ الْخَيْطَ فِي الْخَرَزَةِ، فَسَأَلَ سُلَيْمَانُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ عَنْ ثَقْبِهَا فَعَجَزُوا، فَقَالَ لِلشَّيَاطِينِ: مَا الرَّأْيُ فِيهَا؟ فَقَالُوا: تُرْسِلُ إِلَى الْأَرَضَةِ، فَجَاءَتِ الْأَرَضَةُ فَأَخَذَتْ شَعْرَةً فِي فِيهَا حَتَّى خَرَجَتْ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ، فَقَالَ لَهَا سُلَيْمَانُ: مَا حَاجَتُكِ؟ قَالَتْ: تُصَيِّرُ رِزْقِي فِي الشَّجَرَةِ، فَقَالَ لَهَا: لَكِ ذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ سُلَيْمَانُ: مَنْ لِهَذِهِ الْخَرَزَةِ يُسْلِكُهَا الْخَيْطَ؟ فَقَالَتْ دُودَةً بَيْضَاءَ: أَنَا لَهَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَأَخَذَتِ الدُّودَةُ الْخَيْطَ فِي فِيهَا، وَدَخَلَتِ الثَّقْبَ حَتَّى خَرَجَتْ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ، فَقَالَ لَهَا سُلَيْمَانُ: مَا حَاجَتُكِ؟ قَالَتْ: تَجْعَلُ رِزْقِي فِي الْفَوَاكِهِ، قَالَ: ذَلِكَ لَكَ. ثُمَّ مَيَّزَ بَيْنَ الْغِلْمَانِ وَالْجَوَارِي.
قَالَ السُّدِّيُّ: أَمَرَهُمْ بِالْوُضُوءِ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَحْدُرُ الْمَاءَ عَلَى الْيَدِ وَالرِّجْلِ حَدْرًا، وَجَعَلَ الْجَوَارِيَ يَصْبُبْنَ مِنَ الْيَدِ الْيُسْرَى عَلَى الْيَدِ الْيُمْنَى، وَمِنَ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، فَمَيَّزَ بَيْنَهُمْ بِهَذَا. وَقِيلَ: كَانَتِ الْجَارِيَةُ تَأْخُذُ الْمَاءَ مِنَ الْآنِيَةِ بِإِحْدَى يَدَيْهَا، ثُمَّ تَحْمِلُهُ عَلَى الْأُخْرَى، ثُمَّ تَضْرِبُ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ، وَالْغُلَامُ كَانَ يَأْخُذُ الْمَاءَ مِنَ الْآنِيَّةِ يَضْرِبُ بِهِ فِي الْوَجْهِ، وَالْجَارِيَةُ تَصُبُّ عَلَى بَطْنِ سَاعِدِهَا، وَالْغُلَامُ عَلَى ظَهْرِ السَّاعِدِ، وَالْجَارِيَةُ تَصُبُّ الْمَاءَ صَبًّا، وَالْغُلَامُ يَحْدُرُ عَلَى يَدَيْهِ، فَمَيَّزَ بَيْنَهُمْ بِهَذَا.
وَرَوَى يَعْلَى بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: أَرْسَلَتْ بِلْقِيسُ بِمِائَتَيْ وَصِيفَةٍ وَوَصِيفٍ، وَقَالَتْ: إِنْ كَانَ نَبِيًّا فَسَيَعْلَمُ الذُّكُورَ مِنَ الْإِنَاثِ، فَأَمَرَهُمْ فَتَوَضَّئُوا، فَمَنْ تَوَضَّأَ مِنْهُمْ فَبَدَأَ بِمِرْفَقِهِ قَبْلَ كَفِّهِ قَالَ هُوَ مِنَ الْإِنَاثِ، وَمَنْ بَدَأَ بِكَفِّهِ قَبْلَ مِرْفَقِهِ قَالَ هُوَ مِنَ الذُّكُورِ، ثُمَّ أَرْسَلَ الْعَصَا إِلَى الْهَوَاءِ.."
أيُّهما أولى أن يُبدأ بالكف أو بالمرفق في الوضوء؟
طالب: .............
نعم، الكف، بدليل قول الله- جلَّ وعلا-: {إِلَى الْمَرَافِقِ} [سورة المائدة:6] فجعل المرافق غاية في النهاية، جعلها هي النهاية.
"ثُمَّ أَرْسَلَ الْعَصَا إِلَى الْهَوَاءِ فَقَالَ: أَيُّ الرَّأْسَيْنِ سَبَقَ إِلَى الْأَرْضِ فَهُوَ أَصْلُهَا، وَأَمَرَ بِالْخَيْلِ فَأُجْرِيَتْ حَتَّى عَرِقَتْ وَمَلَأَ الْقَدَحَ مِنْ عَرَقِهَا،.."
لا يكون هذا الماء الذي في القدح لا من السماء ولا من الأرض، لم ينبع من الأرض، ولم ينزل من السماء.
"ثُمَّ رَدَّ سُلَيْمَانُ الْهَدِيَّةَ، فَرُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا صَرَفَ الْهَدِيَّةَ إِلَيْهَا وَأَخْبَرَهَا رَسُولُهَا بِمَا شَاهَدَ، قَالَتْ لِقَوْمِهَا: هَذَا أَمْرٌ مِنَ السَّمَاءِ."
ثم رد سليمان الهدية دليل على أنَّ الهدية وصلت، أمَّا كونهم رموها حتى لو ثبت الخبر بهذا لا يعني أنَّهم رموا الهدية بكاملها، إنَّما رموا ما كان معهم مما يُظن أنَّهم سرقوه من طريقهم في الأرض كالذهب مثلًا، أو البساط، أو ما أشبه ذلك. أمَّا بقية الهدية مما ذُكر فقد وصلت.
"الثَّانِيَةُ: كَانَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُقَبِّلُ الهدية ويثبت عليها.
الأصل ويثيب عليها.
كَانَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُقَبِّلُ الهدية ويثيب عَلَيْهَا، وَلَا يَقْبَلُ الصَّدَقَةَ، وَكَذَلِكَ كَانَ سُلَيْمَانُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَسَائِرُ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ. وَإِنَّمَا جَعَلَتْ بِلْقِيسُ قَبُولَ الْهَدِيَّةِ أَوْ رَدَّهَا عَلَامَةً عَلَى مَا فِي نَفْسِهَا، عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَوْنِ سُلَيْمَانَ مَلِكًا أَوْ نَبِيًّا؛ لِأَنَّهُ قَالَ لَهَا فِي كِتَابِهِ: {أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} [سورة النمل:31] وَهَذَا لَا تُقْبَلُ فِيهِ فِدْيَةٌ، وَلَا يُؤْخَذُ عَنْهُ هَدِيَّةٌ، وَلَيْسَ هَذَا مِنَ الْبَابِ الَّذِي تَقَرَّرَ فِي الشَّرِيعَةِ عَنْ قَبُولِ الْهَدِيَّةِ بِسَبِيلٍ، وَإِنَّمَا هِيَ رِشْوَةٌ وَبَيْعُ الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ، وَهِيَ الرِّشْوَةُ الَّتِي لَا تَحِلُّ. وَأَمَّا الْهَدِيَّةُ الْمُطْلَقَةُ لِلتَّحَبُّبِ وَالتَّوَاصُلِ فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ، وهذا ما لم يكن من مشرك.
الثَّالِثَةُ: فَإِنْ كَانَتْ مِنْ مُشْرِكٍ فَفِي الْحَدِيثِ «نُهِيتُ عَنْ زَبْدِ الْمُشْرِكِينَ» يَعْنِي رِفْدَهُمْ وَعَطَايَاهُمْ."
ماذا قال؟ مخرج؟
طالب:..........
لا بأس، جيد.
طالب:..........
كونهم ماذا؟
طالب:..........
على ما جاء عندنا من الإسرائيليات.
طالب:.........
الهدية وصلت، الوصائف، جلها وصل، لكن ماذا رموا؟ في الخبر الذي معنا رموا لبنة الذهب لمَّا رأوا الحيوانات تبول على لبنات الذهب تقالوها، احتقروها فرموها. وأمَّا بقية الهدية من الوصائف والغلمان والخرز إلى آخره هذه وصلت، وعلى كل حال ذكرت في أول الأمر أنَّ هذا لا يثبت به خبر.
وكون الإنسان يتقال الهدية ثم بعد ذلك يرميها أو لا يعطيها هذا له شواهد من الواقع، لا سيما إذا فهم المُهدي أنَّ تقديم مثل هذه الهدية لهذا الرجل أو لهذا الشخص إزراء به، فالقصة التي ذكرناها واقعية، والله المستعان، والمُهدي والمُهدى إليه كلهم أفضوا إلى ما قدموا، والله المستعان.
"وَرُوِيَ عَنْهُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- أَنَّهُ قَبِلَهَا كَمَا فِي حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيْلِيِّ وَغَيْرِهِ، فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ بِالنَّسْخِ فِيهِمَا، وَقَالَ آخَرُونَ: لَيْسَ فِيهَا نَاسِخٌ وَلَا مَنْسُوخٌ، وَالْمَعْنَى فِيهَا: أَنَّهُ كَانَ لَا يَقْبَلُ هَدِيَّةَ مَنْ يَطْمَعُ بِالظُّهُورِ عَلَيْهِ وَأَخْذِ بَلَدِهِ وَدُخُولِهِ فِي الْإِسْلَامِ، وَبِهَذِهِ الصِّفَةِ كَانَتْ حَالَةُ سُلَيْمَانَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ-، فَعَنْ مِثْلِ هَذَا نَهَى أَنْ تُقْبَلَ هَدِيَّتُهُ حَمْلًا عَلَى الْكَفِّ عَنْهُ، وَهَذَا أَحْسَنُ تَأْوِيلٍ لِلْعُلَمَاءِ فِي هَذَا، فَإِنَّهُ جَمْعٌ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ، وَقِيلَ غَيْرُ هَذَا.
الرَّابِعَةُ: الْهَدِيَّةُ مَنْدُوبٌ إِلَيْهَا، وَهِيَ مِمَّا تُورِثُ الْمَوَدَّةَ وَتُذْهِبُ الْعَدَاوَةَ، رَوَى مَالِكٌ عَنْ عَطَاءِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْخُرَاسَانِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «تَصَافَحُوا يَذْهَبُ الْغِلُّ وَتَهَادُوا تَحَابُّوا وَتَذْهَبُ الشَّحْنَاءُ»."
ماذا؟
طالب:..........
يعني شاهد له.
"وَرَوَى مُعَاوِيَةُ بْنُ الْحَكَمِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «تَهَادُوا فَإِنَّهُ يُضَعِّفُ الْوُدَّ، وَيَذْهَبُ بِغَوَائِلِ الصَّدْرِ »."
يُضعِّف بمعنى يُضاعف، يزيد، يجعله ضعفين، لا أنَّه يضعفه.
"وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ بُجَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَالِكٍ، وَلَمْ يَكُنْ بِالرَّضِيِّ، وَلَا يَصِحُّ عَنْ مَالِكٍ وَلَا عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «تَهَادُوا بَيْنَكُمْ، فَإِنَّ الْهَدِيَّةَ تُذْهِبُ السَّخِيمَةَ» قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: سَأَلْتُ يُونُسَ عَنِ السَّخِيمَةِ مَا هِيَ؟ فَقَالَ: الْغِلُّ. وَهَذَا الْحَدِيثُ وَصَلَهُ الْوَقَّاصِيُّ عُثْمَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَعَلَى الْجُمْلَةِ: فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ، وَفِيهِ الْأُسْوَةُ الْحَسَنَةُ. وَمِنْ فَضْلِ الْهَدِيَّةِ مَعَ اتِّبَاعِ السُّنَّةِ أَنَّهَا تُزِيلُ حَزَازَاتِ النُّفُوسِ، وَتُكْسِبُ الْمُهْدِيَ وَالْمُهْدَى إِلَيْهِ رَنَّةً فِي اللِّقَاءِ وَالْجُلُوسِ. وَلَقَدْ أَحْسَنَ مَنْ قَالَ:
هَدَايَا النَّاسِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ | تُوَلِّدُ فِي قُلُوبِهِمُ الْوِصَالَا |
وَتَزْرَعُ فِي الضَّمِيرِ هَوًى وَوُدًّا | وَتُكْسِبُهُمْ إِذَا حَضَرُوا جَمَالَا |
وقال آخَرُ:
إِنَّ الْهَدَايَا لَهَا حَظٌّ إِذَا وَرَدَتْ | أَحْظَى مِنْ الِابْنِ عِنْدَ الْوَالِدِ الْحَدِبِ |
الْخَامِسَةُ: رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «جُلَسَاؤُكُمْ شُرَكَاؤُكُمْ فِي الْهَدِيَّةِ»"
كيف هذا؟
طالب:..........
الذي هو الظاهر.
"وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ، فَقِيلَ: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى ظَاهِرِهِ. وَقِيلَ: يُشَارِكُهُمْ على وجه الْكَرَمِ وَالْمُرُوءَةِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: ذَلِكَ فِي الْفَوَاكِهِ وَنَحْوِهَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُمْ شُرَكَاؤُهُ فِي السُّرُورِ لَا فِي الْهَدِيَّةِ. وَالْخَبَرُ مَحْمُولٌ فِي أَمْثَالِ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ وَالْخَوَانِقِ وَالرِّبَاطَاتِ، أَمَّا إِذَا كَانَ.."
يعني من الفقراء المحتاجين إذا حضر الهدية يُعطى، كما لو حضر قسمة التركة يُعطى شيئًا يسيرًا، يكف نفسه.
"وَالْخَبَرُ مَحْمُولٌ فِي أَمْثَالِ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ وَالْخَوَانِقِ وَالرِّبَاطَاتِ، أَمَّا إِذَا كَانَ فَقِيهًا مِنَ الْفُقَهَاءِ اخْتُصَّ بِهَا فَلَا شَرِكَةَ فِيهَا لِأَصْحَابِهِ، فَإِنْ أَشْرَكَهُمْ فَذَلِكَ كَرَمٌ وَجُودٌ مِنْهُ.
السَّادِسَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَناظِرَةٌ} [سورة النمل:35] أَيْ مُنْتَظِرَةٌ {بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} [سورة النمل:35] قَالَ قَتَادَةُ: يَرْحَمُهَا اللَّهُ إِنْ كَانَتْ لَعَاقِلَةً فِي إِسْلَامِهَا وَشِرْكِهَا، قَدْ عَلِمَتْ أَنَّ الْهَدِيَّةَ تَقَعُ مَوْقِعًا مِنَ النَّاسِ. وَسَقَطَتِ الْأَلِفُ فِي (بِمَ) لِلْفَرْقِ بَيْنَ (مَا) الخبرية. وقد يجوز إثباتها، قال:
عَلَى مَا قَامَ يَشْتُمُنِي لَئِيمٌ | كَخِنْزِيرٍ تَمَرَّغَ في رماد |
قوله تعالى: {فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ قالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ} [سورة النمل:36] أَيْ جَاءَ الرَّسُولُ سُلَيْمَانَ بِالْهَدِيَّةِ قَالَ: {أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ} [سورة النمل:36]. “
(ما) إذا دخل عليها الجار، مثل عمَّ، ولم، وعلام، الأفصح والأكثر والأشهر حذف الألف، ويجوز إثباتها عندهم.
"قَالَ: {أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ} [سورة النمل:36] قَرَأَ حَمْزَةُ وَيَعْقُوبُ وَالْأَعْمَشُ: بِنُونٍ وَاحِدَةٍ مُشَدَّدَةٍ وياء ثابتة بعدها، والْبَاقُونَ بِنُونَيْنِ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي عُبَيْدٍ؛ لِأَنَّهَا فِي كُلِّ الْمَصَاحِفِ بِنُونَيْنِ. وَقَدْ رَوَى إِسْحَاقُ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ:" أَتُمِدُّونِ" بِنُونٍ وَاحِدَةٍ مُخَفَّفَةٍ بَعْدَهَا يَاءٌ فِي اللَّفْظِ."
يعني كسرة، ياء في اللفظ يعني كسرة لا في الرسم.
"قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: فَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ يَجِبُ فِيهَا إِثْبَاتُ الْيَاءِ عِنْدَ الْوَقْفِ؛ لِيَصِحَّ لَهَا مُوَافَقَةُ هِجَاءِ الْمُصْحَفِ."
يعني بخلاف ما في قول الله- جلَّ وعلا-: {ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ } [سورة الكهف:64]، فهذه لا تثبت في الرسم ولا في الوصل، وإن كان نافع وغيره يقرؤونها بالياء، وهو الأصل، لكن تحذف اتباعًا للرسم.
"وَالْأَصْلُ فِي النُّونِ التَّشْدِيدُ، فَخُفِّفَ التَّشْدِيدُ مِنْ ذَا الْمَوْضِعِ كَمَا خُفِّفَ مِنْ: أَشْهَدُ أَنَكَ عَالِمٌ، وَأَصْلُهُ: أَنَّكَ عَالِمٌ. وَعَلَى هَذَا المعنى بنى الذي قرأ:" يشاقون فيهم"،.."
الأولى مخففة، أشهد أنكَ.
"أَشْهَدُ أَنَكَ عَالِمٌ، وَأَصْلُهُ: أَنَّكَ عَالِمٌ. وَعَلَى هَذَا المعنى بنى الذي قرأ:" يشاقون فيهم"، " أتحاجون فِي اللَّهِ". وَقَدْ قَالَتِ الْعَرَبُ: الرِّجَالُ يَضْرِبُونِ وَيَقْصِدُونِ، وَأَصْلُهُ يَضْرِبُونِّي وَيَقْصِدُونِّي،.."
لأنَّهما نونان، نون الوقاية ونون الفعل، نون الفعل مع نون الوقاية واجتمع المثلان فأدغمت إحداهما في الأخرى، فحصلت الشدة، حصل التضعيف.
"لِأَنَّهُ إِدْغَامُ يَضْرِبُونَنِي وَيَقْصِدُونَنِي قَالَ الشَّاعِرُ:
تَرْهَبِينِ وَالْجِيدُ مِنْكِ لِلَيْلَى | وَالْحَشَا وَالْبُغَامُ وَالْعَيْنَانِ |
وَالْأَصْلُ تَرْهَبِينِي فَخُفِّفَ. وَمَعْنَى {أَتُمِدُّونَنِ} [سورة النمل:36] أتزيدونني مالا إِلَى مَا تُشَاهِدُونَهُ مِنْ أَمْوَالِي."
يعني من المدد، المدد والإمداد هو الزيادة من الطعام، أو من الجيش، أو من، المقصود أنَّه إضافي إلى ما كان عنده أولًا شيء جديد.
"قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَما آتانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ} [سورة النمل:36] أَيْ فَمَا أَعْطَانِي مِنَ الْإِسْلَامِ وَالْمُلْكِ وَالنُّبُوَّةِ خَيْرٌ مِمَّا أَعْطَاكُمْ، فَلَا أَفْرَحُ بِالْمَالِ. وَ" آتَانِ" وَقَعَتْ فِي كُلِّ الْمَصَاحِفِ بِغَيْرِ يَاءٍ. وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَنَافِعٌ وَحَفْصٌ: {آتَانِيَ اللَّهُ} بِيَاءٍ مَفْتُوحَةٍ، فَإِذَا وَقَفُوا حَذَفُوا. وَأَمَّا يَعْقُوبُ فَإِنَّهُ يُثْبِتُهَا فِي الْوَقْفِ وَيَحْذِفُ فِي الْوَصْلِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ. الْبَاقُونَ بِغَيْرِ يَاءٍ فِي الْحَالَيْنِ. {بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ} [سورة النمل:36]؛ لِأَنَّكُمْ أَهْلُ مُفَاخَرَةٍ وَمُكَاثَرَةٍ فِي الدُّنْيَا. قَوْلُهُ تَعَالَى: {ارْجِعْ إِلَيْهِمْ} [سورة النمل:37] أَيْ قَالَ سُلَيْمَانُ لِلْمُنْذِرِ بْنِ عَمْرٍو أَمِيرِ الْوَفْدِ، ارْجِعْ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّتِهِمْ. {فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِها} [سورة النمل:37]"
والمقصودة بذلك بلقيس وقومها، وإلا فالأصل أن يقول: ارجع إليها؛ لأنَّها هي المهدية، فلمَّا كانت المرأة لا تستقل بأمرها بل لابد من يقوم معها بأمر المُلك خاطبهم على أنَّهم جماعة {ارْجِعْ إِلَيْهِمْ} [سورة النمل:37]، تحدث عنهم على أنَّهم جمع {ارْجِعْ إِلَيْهِمْ} [سورة النمل:37].
"{فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِها} [سورة النمل:37] لَامُ قَسَمٍ وَالنُّونُ لَهَا لَازِمَةٌ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَسَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ بْنَ كَيْسَانَ يَقُولُ: هِيَ لَامُ تَوْكِيدٍ وَكَذَا كَانَ عِنْدَهُ أَنَّ اللَّامَاتِ كُلَّهَا ثَلَاثٌ لَا غَيْرُ، لَامُ تَوْكِيدٍ، وَلَامُ أَمْرٍ، وَلَامُ خَفْضٍ، وَهَذَا قَوْلُ الْحُذَّاقِ مِنَ النَّحْوِيِّينَ؛ لِأَنَّهُمْ يَرُدُّونَ الشَّيْءَ إِلَى أَصْلِهِ: وَهَذَا لَا يَتَهَيَّأُ إِلَّا لِمَنْ دُرِّبَ فِي الْعَرَبِيَّةِ. وَمَعْنَى {لَا قِبَلَ لَهُمْ بِها} أَيْ لَا طَاقَةَ لَهُمْ عَلَيْهَا."
واللام الناصبة التي هي لام (كي)، اللامات ثلاث لا غير، لام توكيد، ولام أمر، ولام خفض، هناك لام التعليل، لام التعليل التي هي لام (كي)، لكن إذا ردت إلى أصلها وهي (كي) اكتفي عنها بها.
"{وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها} [سورة النمل:37] أَيْ مِنْ أَرْضِهِمْ {أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ} [سورة النمل:37]. وَقِيلَ: {مِنْها} أَيْ مِنْ قَرْيَةِ سَبَأٍ. وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُ الْقَرْيَةِ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها} [سورة النمل:34]. {أَذِلَّةً} [سورة النمل:37] قَدْ سُلِبُوا مُلْكَهُمْ وَعِزَّهُمْ. {وَهُمْ صاغِرُونَ} أَيْ مُهَانُونَ أَذِلَّاءُ مِنَ الصِّغَرِ وَهُوَ الذُّلُّ إِنْ لَمْ يُسْلِمُوا، فَرَجَعَ إِلَيْهَا رَسُولُهَا فَأَخْبَرَهَا، فَقَالَتْ: قَدْ عَرَفْتُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَلِكٍ وَلَا طَاقَةَ لَنَا بِقِتَالِ نَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ. ثُمَّ أَمَرَتْ بِعَرْشِهَا فَجُعِلَ فِي سَبْعَةِ أَبْيَاتٍ بَعْضِهَا فِي جَوْفِ بَعْضٍ، فِي آخِرِ قَصْرٍ مِنْ سَبْعَةِ قُصُورٍ، وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ، وَجَعَلَتِ الْحَرَسَ عَلَيْهِ، وَتَوَجَّهَتْ إِلَيْهِ فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ قَيْلٍ مِنْ مُلُوكِ الْيَمَنِ، تَحْتَ كُلِّ قَيْلٍ مِائَةُ أَلْفٍ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَكَانَ سُلَيْمَانُ مَهِيبًا لَا يُبْتَدَأُ بِشَيْءٍ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يَسْأَلُ عَنْهُ، فَنَظَرَ ذَاتِ يَوْمٍ رَهْجًا قَرِيبًا مِنْهُ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالُوا: بِلْقِيسُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ. فَقَالَ سُلَيْمَانُ لِجُنُودِهِ- وَقَالَ وَهْبٌ وَغَيْرُهُ لِلْجِنِّ- {أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} [سورة النمل:38] وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ. كَانَتْ بِلْقِيسُ عَلَى فَرْسَخٍ مِنْ سُلَيْمَانَ لَمَّا قَالَ: {أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها} [سورة النمل:38] وَكَانَتْ خَلَّفَتْ عَرْشَهَا بِسَبَأٍ، وَوَكَّلَتْ بِهِ حَفَظَةً. وَقِيلَ: إِنَّهَا لَمَّا بَعَثَتْ بِالْهَدِيَّةِ بَعَثَتْ رُسُلَهَا فِي جُنْدِهَا لِتُغَافِصَ سُلَيْمَانَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِالْقَتْلِ.."
لتأخذه على غرة كما قال المعلق.
"قَبْلَ أَنْ يَتَأَهَّبَ سُلَيْمَانُ لَهَا إِنْ كَانَ طَالِبَ مُلْكٍ، فَلَمَّا عَلِمَ ذَلِكَ قَالَ: {أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها} [سورة النمل:38]. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ أَمْرُهُ بِالْإِتْيَانِ بِالْعَرْشِ قَبْلَ أَنْ يَكْتُبَ الْكِتَابَ إِلَيْهَا، وَلَمْ يَكْتُبْ إِلَيْهَا حَتَّى جَاءَهُ الْعَرْشُ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَظَاهِرُ الْآيَاتِ أَنَّ هَذِهِ الْمَقَالَةَ مِنْ سُلَيْمَانَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- بَعْدَ مَجِيءِ هَدِيَّتِهَا وَرَدِّهِ إِيَّاهَا"
أمَّا القول الأول فيأباه السياق، كون الإتيان بالعرش قبل المكاتبة، وقبل الهدية لا شك أنَّ السياق يأباه.
"وَبَعْثِهِ الْهُدْهُدَ بِالْكِتَابِ، وَعَلَى هَذَا جُمْهُورُ الْمُتَأَوِّلِينَ. واختلفوا في فائدة اسْتِدْعَاءِ عَرْشِهَا، فَقَالَ قَتَادَةُ: ذُكِرَ لَهُ بِعِظَمٍ وَجَوْدَةٍ،.."
كما أشار إلى ذلك الهدهد {وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} [سورة النمل:23].
"فَأَرَادَ أَخْذَهُ قَبْلَ أَنْ يَعْصِمَهَا وَقَوْمَهَا الْإِسْلَامُ وَيَحْمِيَ أَمْوَالَهُمْ، وَالْإِسْلَامُ عَلَى هَذَا الدِّينِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ جُرَيْجٍ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: اسْتَدْعَاهُ لِيُرِيَهَا الْقُدْرَةَ الَّتِي هِيَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَيَجْعَلَهُ دَلِيلًا عَلَى نُبُوَّتِهِ، لِأَخْذِهِ مِنْ بُيُوتِهَا دُونَ جَيْشٍ وَلَا حَرْبٍ، وَ {مُسْلِمِينَ} [سورة النمل:38] عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ بِمَعْنَى مُسْتَسْلِمِينَ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ أَيْضًا: أَرَادَ أَنْ يَخْتَبِرَ عَقْلَهَا وَلِهَذَا قَالَ: {نَكِّرُوا لَها عَرْشَها نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي} [سورة النمل:41].
وَقِيلَ: خَافَتِ الْجِنُّ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا سُلَيْمَانُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- فَيُولَدُ لَهُ مِنْهَا وَلَدٌ، فَلَا يَزَالُونَ فِي السُّخْرَةِ وَالْخِدْمَةِ لنسل سليمان فقالت لسليمان فِي عَقْلِهَا خَلَلٌ، فَأَرَادَ أَنْ يَمْتَحِنَهَا بِعَرْشِهَا. وَقِيلَ: أَرَادَ أَنْ يَخْتَبِرَ صِدْقَ الْهُدْهُدِ فِي قَوْلِهِ: {وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ} [سورة النمل:23] قَالَهُ الطَّبَرِيُّ. وَعَنْ قَتَادَةَ: أَحَبَّ أَنْ يَرَاهُ لَمَّا وَصَفَهُ الْهُدْهُدُ. وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} [سورة النمل:38]؛ وَلِأَنَّهَا لَوْ أَسْلَمَتْ لَحُظِرَ عَلَيْهِ مَالُهَا فَلَا يُؤْتَى بِهِ إِلَّا بِإِذْنِهَا. رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ مِنْ فِضَّةٍ وَذَهَبٍ مُرَصَّعًا بِالْيَاقُوتِ الْأَحْمَرِ وَالْجَوْهَرِ، وَأَنَّهُ كَانَ فِي جَوْفِ سَبْعَةِ أَبْيَاتٍ عَلَيْهِ سَبْعَةُ أَغْلَاقٍ. قَوْلُهُ تَعَالَى.."
طالب:.........
نعم، أنَّه ماذا؟
طالب:.........
قبل عصمتها، لا، هذا فيه ضعف، فيه ضعف لكن أراد أن يبهرها بما أوتي من قوة، فتبادر بالإسلام، يكون هذا من معجزاته- عليه السلام-.
طالب: قوله أنَّه عليه أكثر العلماء شيخنا، يقول: هو قول أكثر العلماء.
ولو كان، أراد أن يملكه قبل أن تحضر، قبل أن يعصمها، مالها الدين؟ بعيد بعيد.
"قوله تعالى: {قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ} [سورة النمل:39] كَذَا قَرَأَ الْجُمْهُورُ، وَقَرَأَ أَبُو رَجَاءٍ وَعِيسَى الثَّقَفِيُّ: " عِفْرِيَةٌ" وَرُوِيَتْ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، وَفِي الْحَدِيثِ: ((إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ الْعِفْرِيَةَ النِّفْرِيةُ)) إِتْبَاعٌ لِعِفْرِيَةٍ."
ولا تستقل بمعنى إلا بما أتبعت له، هذا الاتباع مستعمل عند العرب، مثل يقول: حياك وبياك، وضعيف نعيف وما أشبه ذلك، الكلمة الثانية لا تدل على المعنى إلا إذا قُرنت بما قبلها إتباعًا، نعم.
"قَالَ قَتَادَةُ: هِيَ الدَّاهِيَةُ قَالَ النَّحَّاسُ: يُقَالُ لِلشَّدِيدِ إِذَا كَانَ مَعَهُ خُبْثٌ وَدَهَاءٌ عِفْرٌ وَعِفْرِيَةٌ وَعِفْرِيتٌ وَعُفَارِيَةٌ. وَقِيلَ: {عِفْرِيتٌ} أَيْ رَئِيسٌ. وَقَرَأَتْ فِرْقَةٌ:" قَالَ عِفْرٌ" بِكَسْرِ الْعَيْنِ، حَكَاهُ ابْنُ عَطِيَّةَ، قَالَ النَّحَّاسُ: مَنْ قَالَ عِفْرِيَةٌ جَمَعَهُ عَلَى عِفَارٍ، وَمَنْ قَالَ: عِفْرِيتٌ كَانَ لَهُ فِي الْجَمْعِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ، إِنْ شَاءَ قَالَ: عَفَارِيتُ، وَإِنْ شَاءَ قَالَ: عَفَارٌ؛ لِأَنَّ التَّاءَ زَائِدَةٌ، كَمَا يُقَالُ: طَوَاغٌ فِي جَمْعِ طَاغُوتٍ، وَإِنْ شَاءَ عَوَّضَ مِنَ التَّاءِ يَاءً فَقَالَ: عَفَارِي. وَالْعِفْرِيتُ مِنَ الشَّيَاطِينِ الْقَوِيُّ الْمَارِدُ، وَالتَّاءُ زَائِدَةٌ. وَقَدْ قَالُوا: تعفرت الرجل إذا تخلق بخلق الأذاية. وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: اسْمُ هَذَا الْعِفْرِيتِ كُودَنُ، ذَكَرَهُ النَّحَّاسُ. وَقِيلَ: ذَكْوَانُ، ذَكَرَهُ السُّهَيْلِيُّ. وَقَالَ شُعَيْبٌ الْجُبَّائِيُّ: اسْمُهُ دَعْوَانُ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ صَخْرٌ الْجِنِّيُّ. وَمِنْ هَذَا الِاسْمِ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ:
كَأَنَّهُ كَوْكَبٌ فِي إِثْرِ عِفْرِيَةٍ | مُصَوَّبٌ فِي سَوَادِ اللَّيْلِ مُنْقَضِبُ |
وَأَنْشَدَ الْكِسَائِيُّ:
إِذْ قَالَ شَيْطَانُهُمُ الْعِفْرِيتُ | لَيْسَ لكم ملك ولا تثبيت |
وَفِي الصَّحِيحُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إن عِفْرِيتًا مِنَ الْجِنِّ جَعَلَ يَفْتِكُ عَلَيَّ الْبَارِحَةَ لِيَقْطَعَ عَلَيَّ الصَّلَاةَ»".
إن كان في الصحيح «تفلت»، نعم.
"«وَإِنَّ اللَّهَ أَمْكَنَنِي مِنْهُ فدعته» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَفِي الْبُخَارِيِّ «تَفَلَّتَ عَلَيَّ الْبَارِحَةَ» مَكَانَ.."
يعني دفعته منه الدع، والدفع.
"مَكَانَ «جَعَلَ يَفْتِكُ». وَفِي الْمُوَطَّأِ عَنْ يَحْيَى بن سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ: «أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَرَأَى عِفْرِيتًا مِنَ الْجِنِّ يَطْلُبُهُ بِشُعْلَةٍ مِنْ نَارٍ، كُلَّمَا الْتَفَتَ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَآهُ، فَقَالَ جِبْرِيلُ: أَفَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ تَقُولُهُنَّ إِذَا قُلْتَهُنَّ طُفِئَتْ شُعْلَتُهُ وَخَرَّ لِفِيهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "بَلَى" فَقَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ الْكَرِيمِ وَبِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ مِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَشَرِّ مَا يَعْرُجُ فِيهَا وَشَرِّ مَا ذَرَأَ فِي الْأَرْضِ، وَشَرِّ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمِنْ فِتَنِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمِنْ طَوَارِقِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ يا رحمان»."
كيف؟
طالب:..........
جيد.
"قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ} [سورة النمل:39] يَعْنِي فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي يَحْكُمُ فِيهِ. {وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ} [سورة النمل:39] أَيْ قَوِيٌّ عَلَى حَمْلِهِ. {أَمِينٌ} عَلَى مَا فِيهِ. ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمِينٌ عَلَى فَرْجِ الْمَرْأَةِ، ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيُّ. فَقَالَ سُلَيْمَانُ أُرِيدُ أَسْرَعَ مِنْ ذَلِكَ، فَـ {قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} [سورة النمل:40] أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ آصَفُ بْنُ بَرْخِيَا وَهُوَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَكَانَ صِدِّيقًا يَحْفَظُ اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمِ الَّذِي إِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى، وَإِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: قَالَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ اسْمَ اللَّهِ الْأَعْظَمَ الَّذِي دَعَا بِهِ آصَفُ بْنُ بَرْخِيَا يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ»، قِيلَ: وَهُوَ بِلِسَانِهِمْ، أَهَيَا شَرَاهِيَا، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: دُعَاءُ الَّذِي عِنْدَهُ اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ، يا إلهنا وإله كل شيء إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ايتِنِي بِعَرْشِهَا، فَمَثَلَ بَيْنَ يَدَيْهِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: دَعَا فقال: يا إلهنا وإله كل شيء يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ. قَالَ السُّهَيْلِيُّ: الَّذِي عنده علم من الكتاب هو آصف بن بَرْخِيَا ابْنُ خَالَةِ سُلَيْمَانَ، وَكَانَ عِنْدَهُ اسْمُ الله الأعظم من أسماء الله تعالى.
وَقِيلَ: هُوَ سُلَيْمَانُ نَفْسُهُ، وَلَا يَصِحُّ فِي سِيَاقِ الْكَلَامِ مِثْلُ هَذَا التَّأْوِيلِ."
لأنَّ الكلام فيه مُخاطِب، ومُخاطَب، وعلى هذا القول يكون المُخاطِب والمُخاطَب واحدًا.
الحديث السابق نعم. لحظة لحظة قالت عائشة:
طالب: قال لم يجده مسلم، بل ذكره الهروي في تفسيره بلا سند مع كثرة الأحاديث في هذا الباب أي تعيين اسم الله الأعظم ..........
"قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَقَالَتْ فِرْقَةٌ هُوَ سُلَيْمَانُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ-، وَالْمُخَاطَبَةُ فِي هَذَا التَّأْوِيلِ لِلْعِفْرِيتِ لَمَّا قَالَ: {أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ} [سورة النمل:39] كَأَنَّ سُلَيْمَانَ اسْتَبْطَأَ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ عَلَى جِهَةِ تَحْقِيرِهِ: {أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} [سورة النمل:39]، وَاسْتَدَلَّ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِقَوْلِ سُلَيْمَانَ: {هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي} [سورة النمل:40]".
وهذا كما يصلح إذا جاء به هو يكون من فضل الله- جلَّ وعلا- عليه إذا جاء عن طريق غيره، فهو من فضل الله سواء كان سليمان أو غير سليمان.
" قُلْتُ: مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ قَالَهُ النَّحَّاسُ فِي مَعَانِي الْقُرْآنِ لَهُ، وَهُوَ قَوْلٌ حَسَنٌ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ بَحْرٌ: هُوَ مَلَكٌ بِيَدِهِ كِتَابُ الْمَقَادِيرِ، أَرْسَلَهُ اللَّهُ عِنْدَ قَوْلِ الْعِفْرِيتِ. قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمُقْرِئُ أَنَّهُ ضَبَّةُ بْنُ أُدٍّ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ الْبَتَّةَ؛ لِأَنَّ ضَبَّةَ هُوَ ابْنُ أُدِّ بْنِ طَابِخَةَ، وَاسْمُهُ عَمْرُو بْنُ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعْدٍ، وَمَعْدٌ كان في مدة بخت نصر، وَذَلِكَ بَعْدَ عَهْدِ سُلَيْمَانَ بِدَهْرٍ طَوِيلٍ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعْدٌ فِي عَهْدِ سُلَيْمَانَ، فَكَيْفَ ضَبَّةُ بْنُ أُدٍّ وَهُوَ بَعْدَهُ بِخَمْسَةِ آبَاءٍ؟! وَهَذَا بَيِّنٌ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ. قال ابْنُ لَهِيعَةَ: هُوَ الْخَضِرُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ-. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ رَجُلٌ صَالِحٌ كَانَ في جزيرة من جزائر الْبَحْرِ، خَرَجَ ذَلِكَ الْيَوْمَ يَنْظُرُ مَنْ سَاكِنُ الْأَرْضِ؟ وَهَلْ يُعْبَدُ اللَّهُ أَمْ لَا؟ فَوَجَدَ سُلَيْمَانَ، فَدَعَا بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فجيء بِالْعَرْشِ.
وَقَوْلٌ سَابِعٌ: أَنَّهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ اسْمُهُ يَمْلِيخَا كَانَ يَعْلَمُ اسْمَ اللَّهِ الْأَعْظَمِ، ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيُّ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي بَزَّةَ: الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ اسْمُهُ أَسْطُومُ وَكَانَ عَابِدًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، ذَكَرَهُ الْغَزْنَوِيُّ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ: إِنَّمَا هُوَ سُلَيْمَانُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ-، أَمَا إِنَّ النَّاسَ يَرَوْنَ أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ اسْمٌ وَلَيْسَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، إِنَّمَا كَانَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عالم آتَاهُ اللَّهُ عِلْمًا وَفِقْهًا قَالَ: {أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} قَالَ: هَاتِ. قَالَ: أَنْتَ نَبِيُّ اللَّهِ ابْنُ نَبِيِّ اللَّهِ، فَإِنْ دَعَوْتَ اللَّهَ جَاءَكَ بِهِ، فَدَعَا اللَّهَ سُلَيْمَانُ فَجَاءَهُ اللَّهُ بِالْعَرْشِ.
وَقَوْلٌ ثَامِنٌ: إِنَّهُ جِبْرِيلُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ-، قَالَهُ النَّخَعِيُّ، وَرُوِيَ عن ابن عباس. وعلم الْكِتَابِ عَلَى هَذَا عِلْمُهُ بِكُتُبِ اللَّهِ الْمُنَزَّلَةِ، أَوْ بِمَا فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ. وَقِيلَ: عِلْمُ كِتَابِ سُلَيْمَانَ إِلَى بِلْقِيسَ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: والذي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنَ النَّاسِ أَنَّهُ رَجُلٌ صَالِحٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ اسْمُهُ آصَفُ بْنُ بَرْخِيَا، رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ لِسُلَيْمَانَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ امْدُدْ بَصَرَكَ فَمَدَّ بَصَرَهُ نَحْوَ الْيَمَنِ فَإِذَا بِالْعَرْشِ، فَمَا رَدَّ سُلَيْمَانُ بَصَرَهُ إِلَّا وَهُوَ عِنْدَهُ. قَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ إِدَامَةُ النَّظَرِ حَتَّى يَرْتَدَّ طَرْفُهُ خَاسِئًا حَسِيرًا. وَقِيلَ: أَرَادَ مِقْدَارَ مَا يَفْتَحُ عَيْنَهُ ثُمَّ يَطْرِفُ، وَهُوَ كَمَا تَقُولُ: افْعَلْ كَذَا فِي لَحْظَةِ عَيْنٍ، وَهَذَا أَشْبَهُ؛ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ الْفِعْلُ مِنْ سُلَيْمَانَ فَهُوَ مُعْجِزَةٌ، وَإِنْ كَانَ مِنْ آصَفَ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ فَهِيَ كَرَامَةٌ، وَكَرَامَةُ الْوَلِيِّ مُعْجِزَةُ النَّبِيِّ."
نعم، لاتباعه إيَّاه، فما حصل الولي على هذه الكرامة إلا بسبب اتباعه لهذا النبي.
"قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: وَقَدْ أَنْكَرَ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ مَنْ قَالَ إِنَّ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ سُلَيْمَانُ، قَالَ لِلْعِفْرِيتِ: {أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} [سورة النمل:40]، وَعِنْدَ هَؤُلَاءِ مَا فَعَلَ الْعِفْرِيتُ فَلَيْسَ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ وَلَا مِنْ الْكَرَامَاتِ، فَإِنَّ الْجِنَّ يَقْدِرُونَ عَلَى مِثْلِ هَذَا. وَلَا يَقْطَعُ جَوْهَرٌ فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ مَكَانَيْنِ، بَلْ يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ بِأَنْ يُعْدِمَ اللَّهُ الْجَوْهَرَ فِي أَقْصَى الشَّرْقِ ثُمَّ يُعِيدُهُ فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ، وَهِيَ الْحَالَةُ الَّتِي بَعْدَ الْعَدَمِ فِي أَقْصَى الْغَرْبِ أَوْ يُعْدِمُ الْأَمَاكِنَ الْمُتَوَسِّطَةَ ثُمَّ يُعِيدُهَا.
قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: وَرَوَاهُ وَهْبٌ عَنْ مالك، وقد قيل: بل جئ بِهِ فِي الْهَوَاءِ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ. وَكَانَ بَيْنَ سُلَيْمَانَ وَالْعَرْشِ كَمَا بَيْنَ الْكُوفَةِ وَالْحِيرَةِ. وَقَالَ مَالِكٌ: كَانَتْ بِالْيَمَنِ وَسُلَيْمَانُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِالشَّامِ. وَفِي التَّفَاسِيرِ: انْخَرَقَ بِعَرْشِ بِلْقِيسَ مَكَانَهُ الَّذِي هُوَ فِيهِ ثُمَّ نَبَعَ بَيْنَ يَدَيْ سُلَيْمَانَ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ: وَظَهَرَ الْعَرْشُ مِنْ نَفَقٍ تَحْتَ الْأَرْضِ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ".
المقصود أنَّه جاء بهذه السرعة الهائلة الخارقة المعجزة لسليمان- عليه السلام- سواء كان في الهواء، أو من تحت الأرض. المقصود أنَّه هذا ما حصل، أمَّا كلامه ولا يقطه جوهر في حال واحدة مكانين؛ لأنَّه عبارة عن شيء واحد، فكيف يتجزأ هذا الواحد إلى مكانين؟ يعني شخص واحد يُبعث إلى الشام وإلى اليمن في آن واحد، مهما بلغ من الكرامة والمعجزة، نعم القدرة الإلهية صالحة لكل شيء، لكن مثل هذا لم تجر به عادة، وهم يتكلفون مثل هذه الأمور كما تكلفوا في القدر الزائد من المَلك إذا جاء على صورة إنسان، أين يذهب القدر الزائد؟ المقصود أنَّ مثل هذه الأمور تكلفات لم يكلف بها البشر.
طالب:........
الجمهور على أنَّه آصف، الجمهور، والقول الثاني أنَّه سليمان وأراد في مخاطبته للعفريت {أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} [سورة النمل:40]، هذا له حظ من النظر، لكن الأصل والسياق يدل على أنَّه هناك مُخاطِبًا ومُخاطَبًا، فقول الأكثر يؤيد هذا، آصف بن برخيا.
طالب:.........
نعم عفريت من الجن، وهم خدم سليمان، هم يخدمونه، هم يخدمون سليمان، سخرهم الله لخدمته.
طالب:.........
لالا، الثاني، الذي عنده علم من الكتاب هذا من بني إسرائيل في قول من الأقوال، لا ما هو بالعفريت.
طالب:.........
كيف؟
طالب:.........
هذا من خصائص سليمان- عليه السلام-، هذا من خصائصه؛ ولذلك لا يُنكر عليه؛ ولذلك لمَّا أراد النبي- عليه الصلاة والسلام- أن يوثق الجني الذي تفلت عليه في صلاته، قال: «تذكرت دعوة أخي سليمان» هو من خصائصه.
"قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ} [سورة النمل:40] أَيْ ثَابِتًا عِنْدَهُ. {قالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي} [سورة النمل:40] أَيْ هَذَا النَّصْرُ وَالتَّمْكِينُ مِنْ فَضْلِ رَبِّي. {لِيَبْلُوَنِي} [سورة النمل:40] قَالَ الْأَخْفَشُ: الْمَعْنَى لِيَنْظُرَ {أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} [سورة النمل:40]. وَقَالَ غَيْرُهُ: مَعْنَى {لِيَبْلُوَنِي} لِيَتَعَبَّدَنِي، وَهُوَ مَجَازٌ. وَالْأَصْلُ فِي الِابْتِلَاءِ الِاخْتِبَارُ أَيْ لِيَخْتَبِرَنِي أَأَشْكُرُ نِعْمَتَهُ أَمْ أَكْفُرُهَا".
ولا داعي لارتكاب بالمجاز مع إمكان الحقيقة، وهذا عند من يقول بالمجاز والابتلاء على ظاهره وهو الاختبار، كل هذا التيسير من الله- جلَّ وعلا- لأمور سليمان ليختبره، والذين يقولون المجاز قالوا إنَّه جاز مرحلة الاختبار، هذا نبي معصوم شاكر ذاكر، فمثل هذا لا يتوجه له الاختبار، مع أنَّ الابتلاء والاختبار يكون لكل أحد، حمل أعباء الرسالة والنبوة ابتلاء من الله- جلَّ وعلا-.
"{وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} [سورة النمل:40] أَيْ لَا يَرْجِعُ نَفْعُ ذَلِكَ إِلَّا إِلَى نَفْسِهِ، حَيْثُ اسْتَوْجَبَ بِشُكْرِهِ تَمَامَ النِّعْمَةِ وَدَوَامَهَا وَالْمَزِيدَ مِنْهَا. وَالشُّكْرُ قَيْدُ النِّعْمَةِ الْمَوْجُودَةِ، وَبِهِ تُنَالُ النِّعْمَةُ الْمَفْقُودَةُ. {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ} [سورة النمل:40] أَيْ عَنِ الشكر {كَرِيمٌ} [سورة النمل:40] في التفضل".
ولذا يقول الله- جلَّ وعلا-: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [سورة إبراهيم:7] يعني كفرتم هذه النعم ولم تشكروها فالعذاب الشديد- نسأل الله السلامة والعافية-.
"قَوْلُهُ تَعَالَى: {قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها} [سورة النمل:41] أَيْ غَيِّرُوهُ. قِيلَ: جَعَلَ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ، وَأَسْفَلَهُ أَعْلَاهُ. وَقِيلَ: غُيِّرَ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ. قَالَ الْفَرَّاءُ وَغَيْرُهُ: إِنَّمَا أَمَرَ بِتَنْكِيرِهِ؛ لِأَنَّ الشَّيَاطِينَ قَالُوا لَهُ: إِنَّ فِي عَقْلِهَا شَيْئًا، فَأَرَادَ أَنْ يَمْتَحِنَهَا. وَقِيلَ: خَافَتِ الْجِنُّ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا سُلَيْمَانُ فَيُولَدُ لَهُ مِنْهَا وَلَدٌ، فَيَبْقَوْنَ مُسَخَّرِينَ لِآلِ سُلَيْمَانَ أَبَدًا، فَقَالُوا لِسُلَيْمَانَ: إِنَّهَا ضَعِيفَةُ الْعَقْلِ، وَرِجْلُهَا كَرِجْلِ الْحِمَارِ، فَقَالَ: {نَكِّرُوا لَها عَرْشَها} [سورة النمل:41]؛ لِنَعْرِفَ عَقْلَهَا. وَكَانَ لِسُلَيْمَانَ نَاصِحٌ مِنَ الْجِنِّ، فَقَالَ كَيْفَ لِي أَنْ أَرَى قَدَمَيْهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ أَسْأَلَهَا كَشْفَهَا؟ فَقَالَ: أَنَا أَجْعَلُ فِي هَذَا الْقَصْرِ مَاءً، وَأَجْعَلُ فَوْقَ الْمَاءِ زُجَاجًا، تَظُنُّ أَنَّهُ مَاءٌ، فَتَرْفَعُ ثَوْبَهَا فَتَرَى قَدَمَيْهَا، فَهَذَا هُوَ الصَّرْحُ الَّذِي أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ.
قَوْلُهُ تعالى: {فَلَمَّا جاءَتْ} [سورة النمل:42] يريد بلقيس،.."
أمَّا خوفهم من استمرارهم في الخدمة، لا شك أنَّ الخدمة ثقيلة على الخادم، وإن كان الله- جلَّ وعلا- سخره لخدمة سليمان؛ ولذا يُذكر أنَّ بعض الأغنياء عندهم من يخدمهم ويسمعهم دائمًا يقول: اللهم أدم علينا هذه النعمة، اللهم لا تغير علينا، فيقول الخادم: اللهم غيِّر علينا؛ لئلا يستمر في خدمته، يعني من التغيير أن يكون هذا هو الغني وهذا فقيرًا، ما المانع، أمَّا أن يستمر هذا هو الفقير يخدم ذلك الغني فمستحيل.
" قوله تعالى: {فَلَمَّا جاءَتْ} [سورة النمل:42] يريد بلقيس، {قِيلَ} [سورة النمل:42] لها {أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ} [سورة النمل:42] شَبَّهَتْهُ بِهِ؛ لِأَنَّهَا خَلَّفَتْهُ تَحْتَ الْأَغْلَاقِ، فَلَمْ تُقِرَّ بِذَلِكَ وَلَمْ تُنْكِرْ، فَعَلِمَ سُلَيْمَانُ كَمَالَ عَقْلِهَا. قَالَ عِكْرِمَةُ: كَانَتْ حَكِيمَةً فَقَالَتْ: {كَأَنَّهُ هُوَ}. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: عَرَفَتْهُ وَلَكِنْ شَبَّهَتْ عَلَيْهِمْ كَمَا شَبَّهُوا عَلَيْهَا، وَلَوْ قِيلَ لَهَا: أَهَذَا عَرْشُكِ لَقَالَتْ: نَعَمْ هُوَ، وَقَالَهُ الْحَسَنُ بْنُ الْفَضْلِ أَيْضًا".
لأنَّهم شبَّهوا عليها، ما قالوا: أهذا عرشك؟ يعني أهكذا عرشك، عرشك كأنَّه هذا؟ قالت: {كَأَنَّهُ هُوَ} فأجابت بمثل السؤال.
"وَقِيلَ: أَرَادَ سُلَيْمَانُ أَنْ يُظْهِرَ لَهَا أَنَّ الْجِنَّ مُسَخَّرُونَ لَهُ، وَكَذَلِكَ الشَّيَاطِينَ؛ لِتَعْرِفَ أَنَّهَا نُبُوَّةٌ وَتُؤْمِنَ بِهِ. وَقَدْ قِيلَ هَذَا فِي مُقَابَلَةِ تَعْمِيَتِهَا الْأَمْرَ فِي بَابِ الْغِلْمَانِ وَالْجَوَارِي. {وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها} [سورة النمل:42] قِيلَ: هُوَ مِنْ قَوْلِ بِلْقِيسَ، أَيْ أُوتِينَا الْعِلْمَ بِصِحَّةِ نُبُوَّةِ سُلَيْمَانَ مِنْ قَبْلِ هَذِهِ الْآيَةِ فِي الْعَرْشِ، {وَكُنَّا مُسْلِمِينَ} [سورة النمل:42] مُنْقَادِينَ لِأَمْرِهِ. وَقِيلَ: هُوَ مِنْ قَوْلِ سُلَيْمَانَ أَيْ أُوتِينَا الْعِلْمَ بِقُدْرَةِ اللَّهِ عَلَى مَا يَشَاءُ مِنْ قَبْلِ هَذِهِ الْمَرَّةِ. وَقِيلَ: {وَأُوتِينَا الْعِلْمَ} [سورة النمل:42]".
بقدرة الله على كل شيء، على كل شيء والتعليق بما يشاء جاء في حديث صحيح، حديث آخر من يخرج النار «فإني على ما أشاء قادر»، لكن الأصل الإطلاق والتعميم، على كل شيء قدير. وأمَّا التعليق بالمشيئة فليس المراد به التعليق بقدر ما هو للتحقيق، وإلا فمفاده أنَّ الذي لا يشاءه لا يقدر عليه، يعني مفهومه مفهوم المخالفة منه، لكن الأصل التعميم على كل شيء قدير، وقوله في الحديث الصحيح: «فإني على ما أشاء قادر» في صحيح مسلم، هذا المقصود به التحقيق لا التعليق، فمن جاء بالمشيئة معلقًا قدرة الله- جلَّ وعلا- عليها هذا لا شك أنَّه يُنكر عليه.
أمَّا إذا جاء بها من أجل التبرك وما أشبه ذلك والتحقيق فلا مانع إن شاء الله.
"وَقِيلَ: {وَأُوتِينَا الْعِلْمَ} [سورة النمل:42] بِإِسْلَامِهَا وَمَجِيئِهَا طَائِعَةً مِنْ قَبْلِ مَجِيئِهَا. وَقِيلَ: هُوَ مِنْ كَلَامِ قَوْمِ سُلَيْمَانَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَصَدَّها مَا كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [سورة النمل:43] الْوَقْفُ عَلَى {مِنْ دُونِ اللَّهِ} حَسَنٌ، وَالْمَعْنَى: مَنَعَهَا مِنْ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ فَـ (مَا) فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ. قال النَّحَّاسُ: الْمَعْنَى، أَيْ صَدَّهَا عِبَادَتُهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَعِبَادَتُهَا إِيَّاهَا عَنْ أَنْ تَعْلَمَ مَا عَلِمْنَاهُ عَنْ أَنَّ تُسْلِمَ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ (مَا) فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، وَيَكُونَ التَّقْدِيرُ: وَصَدَّهَا سُلَيْمَانُ عَمَّا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ، أَيْ حَالَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: وَصَدَّهَا اللَّهُ، أَيْ مَنَعَهَا اللَّهُ عَنْ عِبَادَتِهَا غَيْرَهُ فَحُذِفَتْ (عَنْ) وَتَعَدَّى الْفِعْلُ. نَظِيرُهُ: {وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ} [سورة الأعراف:155] أَيْ مِنْ قومه. وأنشد سيبويه:
وَنُبِّئْتُ عَبْدَ اللَّهِ بِالْجَوِّ أَصْبَحَتْ | كِرَامًا مَوَالِيهَا لَئِيمًا صَمِيمُهَا |
وَزَعَمَ أَنَّ الْمَعْنَى عِنْدَهُ نُبِّئْتُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ.
{إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ} [سورة النمل:43] قَرَأَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: (أَنَّهَا) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَهِيَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِمَعْنَى لِأَنَّهَا. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ (مَا) فَيَكُونُ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ إِنْ كَانَتْ (مَا) فَاعِلَةَ الصد. والكسر على الاستئناف.
قوله تعالى: {قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ} [سورة النمل:44] التَّقْدِيرُ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ: ادْخُلِي إِلَى الصَّرْحِ فَحُذِفَ (إِلَى) وَعُدِّيَ الْفِعْلُ. وَأَبُو الْعَبَّاسِ يُغَلِّطُهُ فِي هَذَا، قَالَ: لِأَنَّ دَخَلَ يَدُلُّ عَلَى مَدْخُولٍ. وَكَانَ الصَّرْحُ صَحْنًا مِنْ زُجَاجٍ تَحْتَهُ مَاءٌ وَفِيهِ الْحِيتَانُ، عَمِلَهُ؛ لِيُرِيَهَا مُلْكًا أَعْظَمَ مِنْ ملكها، قاله مجاهد. وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَ مِنْ قَوَارِيرَ خَلْفَهُ مَاءٌ {حَسِبَتْهُ لُجَّةً} [سورة النمل:44] أَيْ مَاءً. وَقِيلَ: الصَّرْحُ الْقَصْرُ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ. كَمَا قَالَ:
تَحْسِبُ أَعْلَامَهُنَّ الصُّرُوحَا
وَقِيلَ: الصَّرْحُ الصَّحْنُ، كَمَا يُقَالُ: هَذِهِ صَرْحَةُ الدَّارِ وَقَاعَتُهَا، بِمَعْنًى. وَحَكَى أَبُو عُبَيْدَةَ.."
والمراد صحنها، صحنها الذي يحيط به البنايات وكان صحن الدار وقاعتها في وسط البيت، لمَّا كانت العمارة الإسلامية من أجل الستر، كان الصحن في داخل البيت ثم بعد ذلك قُلِبت الموازين، فصارت الأحواش والصحون خارج البيت، وصار الناس يسكنون في أقفاص، في صناديق مغلقة، وإذا أرادوا الخروج والتنزه، خرجوا من البيت وصارت رؤيتهم من قِبل الجيران ممكنة، لكن لمَّا كانت البنايات في الأطراف والصحن في الداخل بحيث لا يُرى من فيه كذلك كانت عادة المسلمين، ثم بعد ذلك تغيرت لمَّا اختلطوا بالكفار وعرفوا طرائقهم، وقلدوهم وإلا في الأصل إنَّ صحن الدار بوسطها.
طالب:.........
البناء دائري وسطها الحوش، وسطها الصحن.
طالب:..........
هي الأصل، وهي أستر للناس، هذه محل الستر، والله المستعان.
طالب:..........
نعم، هذا الأصل حتى عندنا، هذه بنايات المسلمين من القدم ومازالوا يبنونها هكذا، لكن ما عندهم مساحات الصحون والأحواش، لكن هل من الشغل الواحد البيت خمسة آلاف، وستة ألاف وعشرة آلاف كله في العري، ما في جوفه كما في خارجه بالنسبة للجيران، وسواء صغرت البيوت أو كبرت الجار يطلع على عورات الناس، ويضطر في النهاية أصحاب الستر وأهل التحري يضطرون أن يجعلوا الجدار إمَّا مرتفعًا جدًّا أو يضعون عليه شيئًا يمنع الجار من الرؤية، وحينئذٍ يفقد قيمته، لكن لو كان في داخل البيت وصار فيه شيء من الزراعة أو ما أشبه ذلك كان على حسب توسع الناس الآن صار في وسط البيت حديقة، صارت الغرف تفتح على هذه الحدائق كأنَّه من أجمل ما يكون، وأبدع ما يكون، وأستر شيء، والله المستعان.
طالب:..........
الشارع، لكن جرت عادتهم برفع هذه الكوة والنوافذ الصغيرة التي على الخارج من أجل الإنارة فقط. ولا يحتاج إليها إذا كانت الغرف تطل على صحن الدار، ما يحتاج، يصير مسمطًا، ما يدخل معه ولا الهواء، والله المستعان. ما أدري الآن هم يعطون فسحًا بهذه الطريقة أو لا يعطونه؟
طالب:..........
نعم، يعني تجعل السور على الشارع عشرة أمتار حول البيت، والبيت كله في داخله؟
طالب:.........
لا، هو إذا كانت البناية دائرية استقام، إذا كانت البناية الآن لأني أعرف أنَّهم يشترطون ارتدادًا بين السور وبين البيت، يشترطون ارتدادًا من جميع الجهات. ولو تركوا الأمر للناس كلهم يختار لنفسه كان أفضل.
طالب:.......
نعم، يسوي حديقة وسط البيت، لكن يشترطون عليه ارتدادات، أنا لا أريد هذه الارتدادات.
طالب:........
أنا لا أريد هذه الارتدادات، لأنَّها إلزام بقيد، لازم؛ لأنَّه لا يستفاد منها، هو يستفاد منها إذا أضيفت إلى داخل البيت.
طالب:........
نعم، لكن لمَّا يكون السور- سور البيت- مرتفع جدًّا- عليه الدور الأول والثاني والسطح، نعم إذا كانت الجدران قصيرة، والجيران بإمكان الواحد أن ينتقل لبيت الآخر هذا قد يُوجد، قد يُوجد، لكن إذا رُفعت واحتيط لذلك ما يُمكن.
"وَحَكَى أَبُو عُبَيْدَةَ فِي الْغَرِيبِ الْمُصَنَّفِ أَنَّ الصَّرْحَ كُلُّ بِنَاءٍ عَالٍ مُرْتَفِعٍ مِنَ الْأَرْضِ، وَأَنَّ الْمُمَرَّدَ الطَّوِيلُ. قال النَّحَّاسُ: أَصْلُ هَذَا أَنَّهُ يُقَالُ لِكُلِّ بِنَاءٍ عُمِلَ عَمَلًا وَاحِدًا صَرْحٌ، مِنْ قَوْلِهِمْ: لَبَنٌ صَرِيحٌ إِذَا لَمْ يَشُبْهُ مَاءٌ، وَمِنْ قَوْلِهِمْ: صَرَّحَ بِالْأَمْرِ، وَمِنْهُ: عَرَبِيٌّ صَرِيحٌ. وَقِيلَ: عَمِلَهُ لِيَخْتَبِرَ قَوْلَ الْجِنِّ فِيهَا: إِنَّ أُمَّهَا مِنَ الْجِنِّ، وَرِجْلَهَا رِجْلُ حِمَارٍ، قَالَهُ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ. فَلَمَّا رَأَتِ اللُّجَّةَ فَزِعَتْ وَظَنَّتْ أَنَّهُ قَصَدَ بِهَا الْغَرَقَ: وَتَعَجَّبَتْ مِنْ كَوْنِ كُرْسِيِّهِ عَلَى الماء، ورأت ما هالها، ولم يكن لها بد من امتثال الأمر{ كَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها} [سورة النمل:44] فَإِذَا هِيَ أَحْسَنُ النَّاسِ سَاقًا، سَلِيمَةٌ مِمَّا قَالَتِ الْجِنُّ، غَيْرَ أَنَّهَا كَانَتْ كَثِيرَةَ الشَّعْرِ، فَلَمَّا بَلَغَتْ هَذَا الْحَدَّ، قَالَ لَهَا سُلَيْمَانُ بَعْدَ أَنْ صَرَفَ بَصَرَهُ عَنْهَا: {إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ} [سورة النمل:44] وَالْمُمَرَّدُ الْمَحْكُوكُ الْمُمَلَّسُ، ومنه الأمرد. وتمرد الرجل إذ أَبْطَأَ خُرُوجُ لِحْيَتِهِ بَعْدَ إِدْرَاكِهِ. قَالَهُ الْفَرَّاءُ. وَمِنْهُ الشَّجَرَةُ الْمَرْدَاءُ الَّتِي لَا وَرَقَ عَلَيْهَا. وَرَمْلَةٌ مَرْدَاءُ إِذَا كَانَتْ لَا تُنْبِتُ. وَالْمُمَرَّدُ أَيْضًا الْمُطَوَّلُ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْحِصْنِ: مَارِدٌ. أَبُو صَالِحٍ: طَوِيلٌ عَلَى هَيْئَةِ النَّخْلَةِ. ابْنُ شَجَرَةَ: وَاسِعٌ فِي طُولِهِ وَعَرْضِهِ. قَالَ:
غَدَوْتُ صَبَاحًا باكرا فوجدتهم | قبيل الضحا فِي السَّابِرِيِّ الْمُمَرَّدِ" |
يوجد حصن في جهة من جهات القصيم يسمى حصن مارد، اسمه حصن مارد أو قصر مارد، يعني هو من حصن وكبير جدًّا ويضيفونه إلى مارد، يعني بان الآن السبب في التسمية، ومنه قيل لحصن مارد، يعني لارتفاعه، كان يُظن أنَّه قصر لمارد من مردة الشياطين، مردة الجن، نعم، فانتهى الإشكال إن شاء الله.
"أَيِ الدُّرُوعِ الْوَاسِعَةِ. وَعِنْدَ ذَلِكَ اسْتَسْلَمَتْ بِلْقِيسُ وَأَذْعَنَتْ وَأَسْلَمَتْ وَأَقَرَّتْ عَلَى نَفْسِهَا بِالظُّلْمِ، عَلَى مَا يَأْتِي. وَلَمَّا رَأَى سُلَيْمَانُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- قَدَمَيْهَا قَالَ لِنَاصِحِهِ مِنَ الشَّيَاطِينِ: كَيْفَ لِي أَنْ أَقْلَعَ هَذَا الشَّعْرَ مِنْ غَيْرِ مَضَرَّةٍ بِالْجَسَدِ؟ فَدَلَّهُ عَلَى عَمَلِ النّوْرَةِ، فَكَانَتِ النّوْرَةُ وَالْحَمَّامَاتُ مِنْ يَوْمِئِذٍ. فَيُرْوَى أَنَّ سُلَيْمَانَ تَزَوَّجَهَا عِنْدَ ذَلِكَ وَأَسْكَنَهَا الشَّامَ، قاله الضحاك.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي كِتَابِ النَّقَّاشِ: تَزَوَّجَهَا وَرَدَّهَا إِلَى مُلْكِهَا بِالْيَمَنِ، وَكَانَ يَأْتِيهَا عَلَى الرِّيحِ كُلَّ شَهْرٍ مَرَّةً، فَوَلَدَتْ لَهُ غُلَامًا سَمَّاهُ دَاوُدَ مَاتَ فِي زَمَانِهِ. وَفِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ أَنَّ النَّبِيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «كَانَتْ بِلْقِيسُ مِنْ أَحْسَنِ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ سَاقَيْنِ وَهِيَ مِنْ أَزْوَاجِ سُلَيْمَانَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- فِي الْجَنَّةِ»، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: هِيَ أَحْسَنُ سَاقَيْنِ مِنِّي؟ فَقَالَ- عَلَيْهِ السَّلَامَ-: «أَنْتِ أَحْسَنُ سَاقَيْنِ مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ» ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيُّ".
ماذا قال عنه؟
طالب:..........
بلا شك، والذي يليله؟
طالب:..........
"وَذَكَرَ الثَّعْلَبِيُّ عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَوَّلُ مَنِ اتَّخَذَ الْحَمَّامَاتِ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، فَلَمَّا أَلْصَقَ ظَهْرَهُ إِلَى الْجِدَارِ فَمَسَّهُ حَرُّهَا قَالَ: أَوَّاهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ». ثُمَّ أَحَبَّهَا حُبًّا شَدِيدًا وَأَقَرَّهَا عَلَى مُلْكِهَا بِالْيَمَنِ، وَأَمَرَ الْجِنَّ فَبَنَوْا لَهَا ثَلَاثَةَ حُصُونٍ لَمْ يَرَ النَّاسُ مِثْلَهَا ارْتِفَاعًا: سَلْحُونَ وَبَيْنُونَ وَعُمْدَانَ، ثُمَّ كَانَ سُلَيْمَانُ يَزُورُهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً، وَيُقِيمُ عِنْدَهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. وَحَكَى الشَّعْبِيُّ أَنَّ نَاسًا مِنْ حِمْيَرَ حَفَرُوا مَقْبَرَةَ الْمُلُوكِ، فَوَجَدُوا فِيهَا قبرًا معقودًا فيه امرأة عليها حُلَلٌ مَنْسُوجَةٌ بِالذَّهَبِ، وَعِنْدَ رَأْسِهَا لَوْحُ رُخَامٍ فِيهِ مَكْتُوبٌ:
يَا أَيُّهَا الْأَقْوَامُ عُوجُوا مَعًا | وَأَرْبِعُوا فِي مَقْبَرِي الْعِيسَا |
لِتَعْلَمُوا أَنِّي تِلْكَ الَّتِي | قَدْ كُنْتُ أُدْعَى الدَّهْرَ بِلْقِيسَا |
شَيَّدْتُ قَصْرَ الْمُلْكِ فِي حِمْيَرَ | قَوْمِي وَقِدْمًا كَانَ مَأْنُوسَا |
وَكُنْتُ فِي مُلْكِي وَتَدْبِيرِهِ | أُرْغِمُ فِي اللَّهِ الْمَعَاطِيسَا |
بَعْلِي سُلَيْمَانُ النَّبِيُّ الَّذِي | قَدْ كَانَ لِلتَّوْرَاةِ دِرِّيسَا |
وَسُخِّرَ الرِّيحُ لَهُ مَرْكَبًا | تَهُبُّ أَحْيَانًا رَوَامِيسَا |
مَعَ ابْنِ دَاوُدَ النَّبِيِّ الَّذِي | قَدَّسَهُ الرَّحْمَنُ تَقْدِيسَا |
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَوَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: لَمْ يَتَزَوَّجْهَا سُلَيْمَانُ، وَإِنَّمَا قَالَ لَهَا: اخْتَارِي زَوْجًا، فَقَالَتْ: مِثْلِي لَا يُنْكَحُ وَقَدْ كَانَ لِي مِنَ الْمُلْكِ مَا كَانَ. فَقَالَ: لَا بُدَّ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ ذَلِكَ. فَاخْتَارَتْ ذَا تُبَّعٍ مَلِكَ هَمْدَانَ، فَزَوَّجَهُ إِيَّاهَا وَرَدَّهَا إِلَى الْيَمَنِ، وَأَمَرَ زَوْبَعَةَ أَمِيرَ جِنِّ الْيَمَنِ أَنْ يُطِيعَهُ، فَبَنَى لَهُ الْمَصَانِعَ، وَلَمْ يَزَلْ أَمِيرًا حَتَّى مَاتَ سُلَيْمَانُ. وَقَالَ قَوْمٌ: لَمْ يَرِدْ فِيهِ خَبَرٌ صَحِيحٌ لَا فِي أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَلَا فِي أَنَّهُ زَوَّجَهَا.
وَهِيَ بِلْقِيسُ بِنْتُ السَّرْحِ بْنِ الْهُدَاهِدِ بن شراحيل بن أدد بن حَدَرَ بْنِ السَّرْحِ بْنِ الْحَرْسِ بْنِ قَيْسِ بْنِ صَيْفِيِّ بْنِ سَبَأِ بْنِ يَشْجُبَ بْنِ يَعْرُبَ بْنِ قَحْطَانَ بْنِ عَابِرِ بْنِ شَالِخَ بْنِ أَرْفَخْشَذَ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ. وَكَانَ جَدُّهَا الْهُدَاهِدُ مَلِكًا عَظِيمَ الشَّأْنِ قَدْ وُلِدَ لَهُ أَرْبَعُونَ وَلَدًا كُلُّهُمْ مُلُوكٌ، وَكَانَ مَلِكَ أَرْضِ الْيَمَنِ كُلِّهَا، وَكَانَ أَبُوهَا السَّرْحُ يَقُولُ لِمُلُوكِ الْأَطْرَافِ: لَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ كُفْؤًا لِي، وَأَبَى أَنْ يَتَزَوَّجَ مِنْهُمْ، فَزَوَّجُوهُ امْرَأَةً مِنَ الْجِنِّ يُقَالُ لَهَا رَيْحَانَةُ بِنْتُ السَّكَنِ، فَوَلَدَتْ لَهُ بِلُقْمَةَ وَهِيَ بِلْقِيسُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ غَيْرُهَا. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْ بِلْقِيسَ جِنِّيًّا»".
طالب:.........
نعم، سبق الكلام فيه من قِبل المؤلف، وأنَّه نسب إنكاره إلى الملاحدة، وإنَّما هو ممكن.
طالب:..........
نعم، رواية من؟
طالب:.........
يعني يتبع الأم، يتبع الأم في شكله، على كل حال إن صح التزاوج فيشمله قول النبي- عليه الصلاة والسلام-: «إذا علا ماء الرجل ماء المرأة.. » إلى آخره، يكون الشبه لما سبق.
طالب:.........
يُذكر قصص، القصص مذكورة حتى إلى وقتنا هذا، القصص مذكورة، ذكرنا في درس سبق أنَّ من النساء من ابتلينا بتلبس الجن أنَّه يهددها بالوطء أو تترك الصلاة.
طالب:.........
على كل حال هو موجود، القصص مازالت، من الناس من هو الآن، لكم مما يستغرب أنَّ هؤلاء إذا أمكن التزاوج بينهم، مما يصحب القصص أنَّها لا تريد أن يعلم بها أحد، وإن أخبر بها أحد قتلته، يعني هذا متواتر في كل القصص التي تُساق في هذا الباب.
"فَمَاتَ أَبُوهَا، وَاخْتَلَفَ عَلَيْهَا قَوْمُهَا فِرْقَتَيْنِ، وَمَلَّكُوا أَمْرَهُمْ رَجُلًا فَسَاءَتْ سِيرَتُهُ، حَتَّى فَجَرَ بِنِسَاءِ رَعِيَّتِهِ، فَأَدْرَكَتْ بِلْقِيسَ الْغَيْرَةُ، فَعَرَضَتْ عَلَيْهِ نَفْسَهَا فَتَزَوَّجَهَا، فَسَقَتْهُ الْخَمْرَ حَتَّى حَزَّتْ رَأْسَهُ، وَنَصَبَتْهُ عَلَى بَابِ دَارِهَا فَمَلَّكُوهَا. وَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ: ذُكِرَتْ بِلْقِيسُ عِنْدَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «لَا يُفْلِحُ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً»".
وهذا معروف في الصحيح أنَّه لمَّا تولت بنت كسرى بلغ النبي- عليه الصلاة والسلام- خبر تولي ابنة كسرى فقال- عليه الصلاة والسلام-: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة»، مخرج عندك؟
طالب:..........
نعم، معروف.
"وَيُقَالُ: إِنَّ سَبَبَ تَزَوُّجِ أَبِيهَا مِنَ الْجِنِّ أَنَّهُ كَانَ وَزِيرًا لِمَلِكٍ عَاتٍ يَغْتَصِبُ نِسَاءَ الرَّعِيَّةِ، وَكَانَ الْوَزِيرُ غَيُورًا فَلَمْ يَتَزَوَّجْ، فَصَحِبَ مَرَّةً فِي الطَّرِيقِ رَجُلًا لَا يَعْرِفُهُ، فَقَالَ: هَلْ لَكَ مِنْ زَوْجَةٍ؟ فَقَالَ: لَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا، فَإِنَّ مَلِكَ بَلَدِنَا يَغْتَصِبُ النِّسَاءَ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ، فَقَالَ: لَئِنْ تَزَوَّجْتَ ابْنَتِي لَا يَغْتَصِبُهَا أَبَدًا. قَالَ: بَلْ يَغْتَصِبُهَا. قَالَ: إِنَّا قَوْمٌ مِنَ الْجِنِّ لَا يَقْدِرُ عَلَيْنَا، فَتَزَوَّجَ ابْنَتَهُ فَوَلَدَتْ لَهُ بِلْقِيسَ، ثُمَّ مَاتَتِ الْأُمُّ وَابْتَنَتْ بِلْقِيسُ قَصْرًا فِي الصَّحْرَاءِ، فَتَحَدَّثَ أَبُوهَا بِحَدِيثِهَا غَلَطًا، فَنَمَى لِلْمَلِكِ خَبَرُهَا فَقَالَ لَهُ: يَا فُلَانُ تَكُونُ عِنْدَكَ هَذِهِ الْبِنْتُ الْجَمِيلَةُ وَأَنْتَ لَا تَأْتِينِي بِهَا، وَأَنْتَ تَعْلَمُ حُبِّي لِلنِّسَاءِ ثُمَّ أَمَرَ بِحَبْسِهِ، فَأَرْسَلَتْ بِلْقِيسُ إِلَيْهِ إِنِّي بَيْنَ يَدَيْكَ، فَتَجَهَّزَ لِلَسِيرِ إِلَى قَصْرِهَا، فَلَمَّا هَمَّ بِالدُّخُولِ بِمَنْ مَعَهُ أَخْرَجَتْ إِلَيْهِ الْجَوَارِيَ مِنْ بَنَاتِ الْجِنِّ مِثْلَ صُورَةِ الشَّمْسِ، وَقُلْنَ لَهُ: أَلَا تَسْتَحِي؟ تَقُولُ لَكَ سَيِّدَتُنَا: أَتَدْخُلُ بِهَؤُلَاءِ الرِّجَالِ مَعَكَ عَلَى أَهْلِكَ! فَأَذِنَ لَهُمْ بِالِانْصِرَافِ وَدَخَلَ وَحْدَهُ، وَأَغْلَقَتْ عَلَيْهِ الْبَابَ وَقَتَلَتْهُ بِالنِّعَالِ، وَقَطَعَتْ رَأْسَهُ وَرَمَتْ بِهِ إِلَى عَسْكَرِهِ، فَأَمَّرُوهَا عَلَيْهِمْ، فَلَمْ تَزَلْ كذلك إلى أن بَلَّغَ الْهُدْهُدُ خَبَرَهَا سُلَيْمَانَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ-.
وَذَلِكَ أَنَّ سُلَيْمَانَ لَمَّا نَزَلَ فِي بَعْضِ مَنَازِلِهِ قَالَ الْهُدْهُدَ: إِنَّ سُلَيْمَانَ قَدِ اشْتَغَلَ بِالنُّزُولِ، فَارْتَفَعَ نَحْوَ السَّمَاءِ فَأَبْصَرَ طُولَ الدُّنْيَا وَعَرْضَهَا، فَأَبْصَرَ الدُّنْيَا يَمِينًا وَشِمَالًا، فَرَأَى بُسْتَانًا لِبِلْقِيسَ فِيهِ هُدْهُدٌ، وَكَانَ اسْمُ ذَلِكَ الْهُدْهُدِ عُفَيْرٌ، فَقَالَ عُفَيْرُ الْيَمَنِ لِيَعْفُورِ سُلَيْمَانَ: مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ؟ وَأَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: أَقْبَلْتُ مِنِ الشَّامِ مَعَ صَاحِبِي سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ. قَالَ: وَمَنْ سُلَيْمَانُ؟ قَالَ: مَلِكُ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالشَّيَاطِينِ وَالطَّيْرِ وَالْوَحْشِ وَالرِّيحِ وَكُلِّ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ. فَمِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ هَذِهِ الْبِلَادِ، مليكها امْرَأَةٌ يُقَالُ لَهَا بِلْقِيسُ، تَحْتَ يَدِهَا اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ قَيْلٍ، تَحْتَ يَدِ كُلِّ قَيْلٍ مِائَةُ أَلْفٍ مُقَاتِلٍ مِنْ سِوَى النِّسَاءِ وَالذَّرَارِيِّ، فَانْطَلَقَ مَعَهُ وَنَظَرَ إِلَى بِلْقِيسَ وَمُلْكِهَا، وَرَجَعَ إِلَى سُلَيْمَانَ وَقْتَ الْعَصْرِ، وَكَانَ سُلَيْمَانُ قَدْ فَقَدَهُ وَقْتَ الصَّلَاةِ فَلَمْ يَجِدْهُ، وَكَانُوا عَلَى غَيْرِ مَاءٍ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةٍ: وَقَعَتْ عَلَيْهِ نَفْحَةٌ مِنَ الشَّمْسِ. فَقَالَ لِوَزِيرِ الطَّيْرِ: هَذَا مَوْضِعُ مَنْ؟ قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ هَذَا مَوْضِعُ الْهُدْهُدِ قَالَ: وَأَيْنَ ذَهَبَ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي أَصْلَحَ اللَّهُ الْمَلِكَ. فَغَضِبَ سُلَيْمَانُ وَقَالَ: {لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً} [سورة النمل:21] الْآيَةَ. ثُمَّ دَعَا بِالْعُقَابِ سَيِّدِ الطَّيْرِ وَأَصْرَمِهَا وَأَشَدِّهَا بَأْسًا فَقَالَ: مَا تُرِيدُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ فَقَالَ: عَلَيَّ بِالْهُدْهُدِ السَّاعَةَ. فَرَفَعَ الْعُقَابُ نَفْسَهُ دُونَ السَّمَاءِ حَتَّى لَزِقَ بِالْهَوَاءِ، فَنَظَرَ إِلَى الدُّنْيَا كَالْقَصْعَةِ بَيْنَ يَدَيْ أَحَدِكُمْ، فَإِذَا هُوَ بِالْهُدْهُدِ مُقْبِلًا مِنْ نَحْوِ الْيَمَنِ".
ماذا عندكم؟ من نحو. يعني من جهة اليمن.
"فَانْقَضَّ نَحْوَهُ وَأَنْشَبَ فِيهِ مِخْلَبَهُ. فَقَالَ لَهُ الْهُدْهُدُ: أَسْأَلُكَ بِاللَّهِ الَّذِي أَقْدَرَكَ وَقَوَّاكَ عَلَيَّ إِلَّا رَحِمْتَنِي. فَقَالَ لَهُ: الْوَيْلُ لَكَ، وَثَكِلَتْكَ أُمُّكَ! إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ سُلَيْمَانَ حَلَفَ أَنْ يُعَذِّبَكَ أَوْ يَذْبَحَكَ. ثُمَّ أَتَى بِهِ فَاسْتَقْبَلَتْهُ النُّسُورُ وَسَائِرُ عَسَاكِرِ الطَّيْرِ. وَقَالُوا الْوَيْلُ لَكَ، لَقَدْ تَوَعَّدَكَ نَبِيُّ اللَّهِ. فَقَالَ: وَمَا قَدْرِي وَمَا أَنَا! أَمَا اسْتَثْنَى؟ قَالُوا: بَلَى إِنَّهُ قَالَ: {أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ} [سورة النمل:21] ثُمَّ دَخَلَ عَلَى سُلَيْمَانَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ، وَأَرْخَى ذَنَبَهُ وَجَنَاحَيْهِ تَوَاضُعًا لِسُلَيْمَانَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ-. فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ: أَيْنَ كُنْتَ عَنْ خِدْمَتِكَ وَمَكَانِكَ؟ لَأُعَذِّبَنَّكَ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّكَ. فَقَالَ لَهُ الْهُدْهُدَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ اذْكُرْ وُقُوفَكَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ بِمَنْزِلَةِ وُقُوفِي بَيْنَ يَدَيْكَ. فَاقْشَعَرَّ جِلْدُ سُلَيْمَانَ وَارْتَعَدَ وَعَفَا عَنْهُ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: إِنَّمَا صَرَفَ اللَّهُ سُلَيْمَانَ عَنْ ذَبْحِ الْهُدْهُدِ أَنَّهُ كَانَ بَارًّا بِوَالِدَيْهِ، يَنْقُلُ الطَّعَامَ إِلَيْهِمَا فَيَزُقُّهُمَا. ثُمَّ قَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ: مَا الَّذِي أَبْطَأَ بِكَ؟ فَقَالَ الْهُدْهُدَ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْ بِلْقِيسَ وَعَرْشِهَا وَقَوْمِهَا حَسْبَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ.
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَالْقَوْلُ بِأَنَّ أُمَّ بِلْقِيسَ جِنِّيَّةٌ مُسْتَنْكَرٌ مِنَ الْعُقُولِ؛ لِتَبَايُنِ الْجِنْسَيْنِ، وَاخْتِلَافِ الطَّبْعَيْنِ، وَتَفَارُقِ الْحِسَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ جُسْمَانِيٌّ وَالْجِنَّ رُوحَانِيٌّ، وَخَلَقَ اللَّهُ الْآدَمِيَّ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ، وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَيُمْنَعُ الِامْتِزَاجُ مَعَ هَذَا التَّبَايُنِ، وَيَسْتَحِيلُ التَّنَاسُلُ مَعَ هَذَا الِاخْتِلَافِ.
قُلْتُ: قَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي هَذَا، وَالْعَقْلُ لَا يُحِيلُهُ مَعَ مَا جَاءَ مِنَ الْخَبَرِ فِي ذَلِكَ، وَإِذَا نُظِرَ فِي أَصْلِ الْخَلْقِ فَأَصْلُهُ الْمَاءُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، وَلَا بُعْدَ فِي ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ".
لا العلماء يذكرون حكم الحيوان المتولد بين جنسين، كالبغل مثلًا، وما تولد من حلال وحرام، فلا يمنع أن يتزاوج الإنسان.
"وَفِي التَّنْزِيلِ {وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ} [سورة الإسراء:64] وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَقَالَ تَعَالَى: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} [سورة الرحمن:64] عَلَى مَا يَأْتِي فِي (الرَّحْمَنِ). قَوْلُهُ تَعَالَى: {قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي} [سورة النمل:44] أَيْ بِالشِّرْكِ الَّذِي كَانَتْ عَلَيْهِ، قَالَهُ ابْنُ شَجَرَةَ. وَقَالَ سُفْيَانُ: أَيْ بِالظَّنِّ الَّذِي تَوَهَّمَتْهُ فِي سُلَيْمَانَ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا أُمِرَتْ بِدُخُولِ الصَّرْحِ حَسِبَتْهُ لُجَّةً، وَأَنَّ سُلَيْمَانَ يُرِيدُ تَغْرِيقَهَا فِيهِ. فَلَمَّا بَانَ لَهَا أَنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ عَلِمَتْ أَنَّهَا ظَلَمَتْ نَفْسَهَا بِذَلِكَ الظَّنِّ. وَكُسِرَتْ (إِنَّ)؛ لِأَنَّهَا مُبْتَدَأَةٌ بَعْدَ الْقَوْلِ. وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَفْتَحُهَا فيعمل فيها القول."
تكون في محل نصب، في محل نصب مقول المقول فتفتح، وإلا فالأصل أنَّ مقول القول جملة فيلزم كسرها.
"{وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ} [سورة النمل:44] إِذَا سَكَّنْتَ (مَعَ) فَهِيَ حَرْفٌ جَاءَ لِمَعْنًى بِلَا اخْتِلَافٍ بَيْنَ النَّحْوِيِّينَ. وَإِذَا فَتَحْتَهَا فَفِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ بِمَعْنَى الظَّرْفِ اسْمٌ. وَالْآخَرُ: أَنَّهُ حَرْفٌ خافض مبنى على الفتح، قاله النحاس."
يكفي يكفي.
طالب:..........
هو ممكن ما فيه إشكال، وإن وقفنا على قصص مغايرة لما تقدم، انتهت قصة سليمان مع بلقيس، وأنَّه موقف مناسب؛ لأنَه ليس بالإمكان تكميل السورة على هذا نقف على هذا ونكون وصلنا إلى {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا} [سورة النمل:45]، وإلا بقي كثير يعني يحتاج إلى درسين، السبت تبدأ دورة في المدينة إن شاء الله تعالى احتمال أن يكون السفر الجمعة.
طالب:.........
لعل هذا يكون آخر درس إن شاء الله؛ لأنَّ الموقف مناسب يعني انتهت قصة، قصة جديدة كما لو بدأنا بسورة جديدة ما يفرق.
طالب:..........
نعم، إلى أن تبدأ الدروس إن شاء الله.
طالب:..........
طالب:........
السبت سبعة المدينة، والسبت أربعة عشر الدمام، والسبت الذي يليه واحد وعشرون إن شاء الله.
طالب: هنا؟
إن شاء الله، دورة لمدة أسبوعين، كل يوم أربعة دروس إن شاء الله.
طالب:..........
لا هناك. والله أعلم.
وصلى الله على محمد وعلى آله.
"