أَوْلَى ما يقال في معنى الحمدِ ما ذكَرَه ابنُ القَيِّمِ –رحمه الله- في (الوابلِ الصيبِ): أنه الإخبارُ عن اللهِ -جل وعلا- بصفاتِ كمالِه سبحانه مع محبتِه والرضا به. وأكثرُ العلماءِ يفسِّرونَ الحمدَ بأنه الثناءُ على المحمودِ بالصفاتِ الاختياريةِ لا بالصفاتِ الذاتية، وعلى هذا يشترِكُ الحمدُ مع المدحِ، وتعريف الحمد بالثناء فيه نظر، إذ الصحيحُ في الثناء أنه من التثنيةِ وهو تكريرُ المَحامِدِ شيئًا بعدَ شيءٍ، وجاء في الحديثِ الصحيحِ «قَسَمْتُ الصلاةَ بيني وبينَ عبدي نصفَيْنِ، ولعبدي ما سأَلَ، فإذا قال العبدُ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمين. قال اللهُ: حَمِدَني عبدي. وإذا قال: الرحمنُ الرحيمُ. قال: أثنى عليَّ عبدي» [مسلم: 395]. فدلَّ على أن الحمدَ غيرُ الثناءِ.
وهناك شيء ثالث يذكره العلماء عند كلامهم على الحمد وهو الشكرُ، فإن الشكر من أجلِّ العباداتِ، وحقيقته استعمالُ النِّعمِ فيما يُرْضِي اللهَ -جل وعلا-. والنعمُ عمومًا إذا لم تُسْتَعْمَلْ فيما خُلِقَتْ له مما يُرْضِي اللهَ -جل وعلا- انقلَبَتْ نِقمًا، فعلى الإنسانِ أن يَسْتَمرَّ شاكرًا للهِ، ويلاحظ في الشكر التسلسل، والتسلسل الذي لا ينتهي ممنوعٌ إلا الشكرَ؛ لأنه يكونُ في مقابلةِ نعمةٍ، فإذا أنعَمَ اللهُ عليك وشكَرْتَه، فتوفيقُك لهذا الشكرِ نعمةٌ تحتاجُ إلى شكرٍ، وشكرُ النعمةِ الثانيةِ توفيقٌ من اللهِ -جل وعلا- وهو نعمةٌ تحتاجُ إلى شكرٍ، وهكذا. فلا مانعَ من التسلسلِ في هذا الأمر.