ثبَتَ عنِ النبيِّ -ﷺ- أنَّه قالَ: «المُسلِمُ مَن سلِمَ المسلمونَ مِن لسانِه ويدِه» [البخاري: 10]، وهذا في حقِّ آحادِ المسلمينَ ولو كانَ مِن فُسَّاقِهم، فكيفَ بهؤلاءِ الصحابة الأخيارِ الذينَ لهم علَينا وعلَى جميعِ المسلمينَ حقٌّ عظيمٌ؛ فبواسطَتِهم وصلَنا الدِّينُ، ولو لا أنَّ اللهَ -جلَّ وعلا- قيَّضَهم لحملِ أمانةِ تبليغِ الدِّينِ عنِ النبيِّ -ﷺ- لَمَا وصلَنا شيءٌ، وشَهِدَ لهم الكتابُ والسنَّةُ بالخيرِ والفضلِ والإيمانِ والصدقِ والإخلاصِ -رضيَ الله عنهم ورضُوا عنه-، وجاءَ في النصوصِ المُتضافِرةِ مِن كتابِ اللهِ وسنَّةِ نبيِّهِ -ﷺ-ما يشهَدُ بأنَّهم خيارُ الخيارِ، فإذا كانَت هذه الأمَّةُ خيرَ أمَّةٍ أُخرِجَت للنَّاسِ، فهُم خيارُ هذه الأمَّةِ وأفضلُهم بعدَ نبيِّها -ﷺ-، بل أفضلُ الناسِ بعدَ الأنبياءِ، قال -ﷺ-: «خيرُ الناسِ قَرنِي، ثمَّ الذينَ يلونَهم، ثمَّ الذينَ يلونَهم» [البخاري: 2652] فكيفَ يُتطاوَلُ على سبِّهم؟! بل قد وصل الأمر ببعضهم إلى مُناقَضَةِ القُرآنِ الذي جاءَ بفضلِ أبي بكرٍ –رضي الله عنه-، وبفضلِ غيرِه مِنَ الصحابةِ كأهلِ الشجرةِ، فطعنوا فيهم وكفّروهم، بل أعظمُ مِن ذلكَ مُصادَمَةُ تبرئةِ عائشةَ –رضي الله عنها- مِن فوقِ سبعِ سمواتٍ، ومَن فعَلَ ذلكَ فلا حظَّ له في الإسلامِ بغيرِ نزاع. ولذا يُقرِّرُ جمعٌ مِن أهلِ العلمِ أنَّ سبَّ الصحابَةِ علَى العُمومِ كُفرٌ، بل قالَ بعضُهم: إنَّ الشكَّ في كفرِ مَن سبَّهم علَى العمومِ كفرٌ. والنَّاسُ في شأنِ الصَّحابةِ أقسامٌ: طرفان ووسط، قسمٌ يُفْرِطُ، وقسمٌ آخرُ يُفَرِّطُ في حقِّهم، والقسم الثَّالثُ: المتوسِّطون، وهم أهلُ السنةِ والجماعةِ، يحملُونَ لهم الحُبَّ والتقديرَ والتعظيمَ دونَ غُلُوٍّ؛ فهم وسَطٌ بينَ الخوارجِ والنواصبِ الذينَ نصبُوا العداءَ لأهلِ البيتِ، وبينَ الروافضِ الذين بالغوا في تعظيمهم. وهُناك مَن يغلُو في الصحابةِ أو في بعضهم ويُنزلُهم فوقَ مَنازِلِهم، وفي المُقابلِ هُناك مَن يجفُو ويلعَنُ ويشتُمُ بل يُكفرُ بعض الصحابة، وقد جاء في الحديث: «أُمرْنا أن نُنزِلَ الناسَ مَنازلَهم» [مسلم في المقدمة معلقا]، فهُم بأعظمِ المنازلِ، فلا يتعرَّضونَ لسبٍّ باللِّسانِ ولا لكراهيةٍ أو بغضٍ بالقلبِ.