قال ابن تيمية: «وَلَيْسَ مَعْنَى قَوْلِهِ: {وَهُوَ مَعَكُمْ } [الحديد: 4] أَنَّهُ مُخْتَلِطٌ بِالْخَلْقِ» وهذا وإن كان تأويلًا، إلا أنه تأويل صحيح دل عليه القرآن والسنة، فهو تأويل بدليل وقرينة صحيحة، وإذا دل الدليل على أن المراد من الكلام غير ظاهره وجب المصير إليه، فالمراد هنا بالمعية غير الاختلاط. ولغة العرب لا تحصر معنى (مع) في المخالطة والامتزاج بالأبدان، بل تستعمل في معانٍ مختلفة باعتبار سياق الكلام، وأصل (مع) في اللغة العربية المصاحبة المطلقة والمشاركة بين الشيئين، فإذا قيل: (سِرْنا والقمر معنا) فهذا حقيقة لغوية وهي لا تدل على سير القمر بجنب الساري، وإذا قيل: (حضرت وقلبي معي) فهذا حقيقة لغوية كذلك وهي تدل على المعية مع أن القلب مستقر في جوف الإنسان، وكذا لو قيل: (ذهبت وصاحبي معي) فهذا أيضًا حقيقة لغوية وهي تدل على المصاحبة بالأبدان. هذه كلها معان لغوية للمعية مع الاختلاف في نوع المصاحبة، فإذا أمكن اختلاف نوع المعية باختلاف المخلوقين فإمكانه في حق الله أولى إذ هو ليس كمثله شيء -سبحانه-. وكما أن اللغة لا توجب هذا المعنى وإنما هو بحسب السياق، فكذلك هذا الفهم يخالف ما أجمع عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين من أن الله ليس مختلطًا بعباده ولا حالًّا في العالم، بل هو في العلو فوق سمواته مستوٍ على عرشه.