الخلافُ الذي أدَّى إلى الفُرقة والشِقاق في الأمَّةِ لم ينشَأْ بسببِ الاختلافِ في المسائلِ الفرعيَّةِ؛ لأنَّ هذا الاختلافَ كان موجودًا بينَ الصَّحابةِ، وكان مرَدُّه إلى اختلافِ الفُهومِ، وإنَّما نشَأتِ الفُرقةُ والعَداواتُ وفَشِلتِ الأمَّةُ حينَ تنازعت واختلفت في الأصلِ وهو الاعتقادُ.
وغالبًا أنَّ هذه الفِرقَ تنشأ بسبب خلافٍ يسِيرٍ في الفَهْمِ بينَ طالِبٍ معَ شَيخِه، أو بينَ مجموعةٍ منَ الطُّلابِ، وإذا صَحِبَ هذا الاختلافَ سوءُ نيَّةٍ وتعصبٌ للرأيِ زادت الفُرقَةُ وتعمَّقَ الخلافُ، ويتفاقمُ الأمرُ حينَ يلتزِمُ كلُّ طرَفٍ بلوازِمِ قولِه من بابِ الانتصارِ للرَّأيِ وعدمِ الخُضوعِ للدَّليلِ، ثمَّ يبني عليه أقوالًا أكثرَ شناعةً، إلى أنْ يقولَ كلامًا لا يقولُه عاقلٌ؛ وبمثل هذا النَّهجِ توسَّعتِ الخلافاتُ المَذهبيَّةُ الكلاميَّةُ وظهَرَ الكثيرُ منَ البِدعِ، منها ما يفسَّق به، ومنها ما يكفَّر به.