شرح ألفية الحديث للحافظ العراقي (16)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا وارفعنا بما علمتنا، وزدنا علمًا، واغفر لنا ولشيخنا والسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
قال المصنف -رحمه الله- تعالى:
الاعتبار والمتابعات والشواهد:
الاعتبار سبرك الحديث هل عن شيخه فإن يكن شورك من شورك شيخه ففوق فكذا متن بمعناه أتى فالشاهد مثاله لو أخذوا إهابها عن عمرو إلا ابن عيينة وقد ثم وجدنا أيما إهاب |
| شارك راو غيره فيما حمل معتبر به فتابع وإن وقد يسمى شاهدًا ثم إذا وما خلا عن كل ذا مفارد فلفظة الدباغ ما أتى بها توبع عمرو في الدباغ فاعتضد فكان فيه شاهد في الباب |
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى- في ألفيته؛ التي هي في الأصل نظم لعلوم الحديث لابن الصلاح، ومما مضى شرحه في العام الماضي الشاذ والمنكر، ويجتمعان في التفرد على ما مضى، فالشاذ يتفرد به الثقة إما مع قيد المخالفة أو لا، والمنكر يتفرد به الضعيف مع المخالفة أو لا، وقد يطلق الشاذ بإزاء المنكر والعكس، وبعد ذلك أردف المؤلف -رحمه الله تعالى- هذين البابين اللذين فيهما تفرد الراوي:
المنكر الفرد كذا البرديجي |
| أطلق والصواب في التخريج |
إلى آخره.
كيف نعرف التفرد وعدم التفرد؟ لا نعرف ذلك إلا بالاعتبار، فإذا اعتبرنا وبحثنا في الدواوين، فإن وجدنا شاهدًا أو متابعًا؛ انتفى التفرد، وإلا حصل التفرد؛ ولذا أردف الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى- الشاذ والمنكر بالاعتبار والمتابعات والشواهد، ليُعلم، وينظر في الحديث إن وجد له شاهد أو متابع انتفى التفرد، وحينئذٍ لا يصير مجالاً هناك للشذوذ، ولا النكارة.
أقول: مناسبة هذا الباب، وهذه الترجمة، مناسبة هذه الترجمة لما قبلها مع الترجمتين اللتين قبلها؛ الشاذ والمنكر، الشاذ على ما تقدم تحريره عن الإمام الشافعي وغيره: هو ما يخالف فيه الثقة غيره من الثقات:
وذو الشذوذ ما يخالف الثقة |
| فيه الملأ فالشافعي حققه |
ومنهم من يطلقه على مجرد التفرد مطلقًا، ومنهم من يطلقه على مجرد تفرد الثقة، والمنكر بإزائه، المنكر بإزائه يطلق ويراد به الشاذ في تفرد الثقة، أو مع المخالفة، أو مطلقًا، ويطلق ويراد به تفرد الضعيف، مع مخالفة غيره من الثقات، أو مجرد تفرد من لا يحتمل تفرده، وهذا كله مضى.
كيف نعرف هذا التفرد؟ كيف نحكم على الحديث بأنه فرد؟ وسيأتي –أيضًا- ترجمة الأفراد، وسيأتي –أيضًا- في أواخر الكتاب الغريب، والأفراد هي ما يتفرد به راوٍ واحد، والغريب هو ما يتفرد به –أيضًا- راوٍ واحد، إلا أنهم أكثر ما يطلقون الفرد على التفرد المطلق، والغريب على التفرد النسبي، وهذا كله سيأتي -إن شاء الله تعالى-، فجعل الناظم -رحمه الله تعالى- تبعًا للأصل هذه الترجمة بين البابين السابقين: الشاذ والمنكر، ثم أردفها بالأفراد، ثم أخر الكلام على الغريب مع العزيز، والمشهور في أواخر الكتاب والأصل والأنسب أن يأتي بالشاذ، ثم المنكر، ثم الفرد ثم الغريب، ثم بعد ذلك يأتي بالاعتبار، لكنه وسط هذه الترجمة بين بابين فقدمهما، وبابين فأخرهما، وهذا مما يلاحظ على الأصل، الذي هو ابن الصلاح؛ لأنه ألفه، ألف كتابه شيئًا فشيئًا، ألف كتابه ليلقيه على الطلاب في دروس؛ ولذا جاءت تراجمه هكذا، وابن الصلاح -رحمه الله تعالى- اجتهد في ترتيب كتابه وتحريره وجمعه من المصادر المختلفة، فأملاه على الطلاب، ولوحظ عليه بعض الشيء، وهكذا، وهذا هو الشأن في مصنفات البشر، لا بد أن يلاحظ عليه، ولا يمكن أن يكون الكمال والتمام إلا لكتاب الله -جل وعلا-.
هذه الترجمة: "الاعتبار والمتابعات والشواهد" قد يفهم من النسق بين الثلاث الكلمات الاعتبار، والمتابعات، والشواهد أنها قسائم، فالاعتبار قسيم للمتابعات والشواهد، فعلى هذا تكون الأنواع ثلاثة: الاعتبار، والمتابعات، والشواهد، وهذا الفهم ليس بصحيح؛ لأن ما يعتضد به الخبر، وما تتعدد به الطرق هي المتابعات والشواهد فقط، فحق العبارة كما يقول الحافظ ابن حجر: معرفة الاعتبار للمتابعات، والشواهد، معرفة الاعتبار للمتابعات والشواهد، فالاعتبار ليس قسيمًا للمتابعات والشواهد، يعني لا يوجد شيء ينقسم إلى ثلاثة أقسام هي الاعتبار والمتابعات والشواهد، وإنما هي المتابعات والشواهد فقط، وأما الاعتبار، فهو الاختبار، والنظر، والسبر في دواوين السنة؛ للبحث عن المتابعات والشواهد؛ ولذا يقول الحافظ -رحمه الله تعالى- في نظمه، الحافظ العراقي:
"الاعتبار سبرك الحديث":
الاعتبار سبرك الحديث هل |
| شارك راوٍ غيره فيما حمل |
فالاعتبار هيئة التوصل، وطريقة التوصل لمعرفة المتابعات، والشواهد، هيئة التوصل، والطريق إلى التوصل لمعرفة المتابعات والشواهد "الاعتبار سبرك الحديث" يعني اختبارك، ونظرك الحديث في دواوين السنة، والبحث عن الطرق، هذا هو الاعتبار "هل شارك" راويه الذي يظن تفرده به "راو غيره فيما حمل" فشارك فعل، فاعله معروف، غيره هذا المفعول المشارك، وهو "غيره"، مفعول شارك، إذن "راوٍ" إعرابها هذا هو الفاعل؟
....................... هل |
| شارك راو غيره فيما حمل |
زكريا الأنصاري يشير إلى أن غيره يمكن أن تكون هي الفاعل، فتكون غيرُه، وراوٍ هي المفعول، لكن هل راوٍ كذا بحذف الياء، تأتي في حالة النصب؟
أو أن المنقوص في حالة النصب تثبت ياؤه، ويظهر عليه الإعراب شارك راويًا، ويقول: إن من العرب من يجعل المنقوص محذوف الياء باستمرار، يعني إذا لم تقترن به "أل"، وعلى هذا يكون غيره هو الفاعل، وراوٍ هو المفعول على كلامه هو، لكن ما الداعي لمثل هذا التكلف؟ وبالإمكان أن نقول: "شارك راوٍ" هذا هو الفاعل؛ لأن المنقوص المجرد عن "أل" في حالتي الرفع والجر تحذف ياؤه "وغيره" كما ضبط هنا تكون هي المفعول، والراوي سواءٌ شارك غيره، أو شورك؛ فيه فرق، وإلا ما فيه فرق؟
طالب:......
من أين؟
طالب:......
لا، يا أخي، أنا أقول: إن الشخص سواءٌ شارك إذا وجدت المشاركة، التي هي بين الطرفين، شارك زيد عمرًا، هل يختلف التعبير ويختلف الأسلوب، ويختلف المفهوم من الجملة؛ إذا قلنا: شارك زيدًا عمرٌو؟ يعني سواءٌ قدمنا الفاعل أو المفعول يختلف الأمر، ولا يوجد أي مانع من هذا، وعلى هذا يكون راوٍ هو الفاعل، وغيره هو المفعول فيما حمل، يعني فيما حمله، وما موصولة، يعني في الذي حمل، والجملة صلة الموصول، والعائد محذوف، الأصل فيما حمله من الحديث "عن شيخه فإن يكن" ذاك الراوي "شورك من معتبر به" معتبر به:
................................... عن شيخه فإن يكن شورك من |
| ................ فيما حمل معتبر به...................... |
يعني شورك من مثله بأن لا يكون شديد الضعف، بأن لا يكون كل من المشارِك والمشارَك شديد الضعف؛ لأن رواية شديد الضعف وجودها مثل عدمها، لا يستفيد منها الحديث قوة، فوجودها مثل عدمها إذا كان الراوي شديد الضعف؛ ولذا قال: "فإن يكن شورك من معتبر به" كثيرًا ما يقال: فلان يعتبر به، وفلان لا يعتبر به، فإذا كان ممن يعتبر به؛ فضعفه ليس بشديد، وهو الذي يقبل الانجبار، وقد يكون غير ضعيف وإنما قد يكون ثقة، وقد يكون دونه صدوق، فإن كان ثقة فمشاركته تفيد الخبر، وإلا ما تفيد الخبر؟ إن كان الراوي ثقة مشاركته تفيد الخبر، أو لا تفيده؟ الخبر صحيح دون مشاركة، لكن عند الترجيح، عند المعارضة يستفيد خبر الثقة بمشاركة غيره له، يستفيد ماذا؟ القوة عند الترجيح، فيرجح على غيره مما لا يشارك فيه، أو ممن لم يشارك فيه راويه الثقة، فمشاركة الثقة تفيد عند الترجيح، عند التعارض والترجيح، ومشاركة من دون الثقة ممن لم يصل إلى حد الضعف تفيد الحديث الارتقاء إلى درجة الصحيح لغيره، يعني ممن لا يصل إلى حد الضعف، مشاركة هذا الراوي من مثله ممن لا يصلح على حد الضعف تفيده قوة، فيرتقي بذلك إلى درجة الصحيح لغيره، ومشاركة الضعيف ممن يعتبر به تفيد الخبر الارتقاء من الضعيف إلى الحسن، فنستفيد من المتابعات، والشواهد التقوية، نستفيد منها التقوية، والترقية للأحاديث من الضعف إلى الحسن، أو من الحسن إلى الصحة "فإن يكن شورك" إن يكن ذلك الراوي "شورك من معتبر به" يعني ضعفه لا يرجع إلى عدالته، ولا يصل إلى حد من يتهم بالكذب مثلًا، وإنما يرجع ضعفه إلى شيء في حفظه مما لا يصل إلى شدة الضعف في الحفظ بأن يكون سيء الحفظ مثلًا، على خلاف بينهم في سيء الحفظ؛ هل ينجبر، أو لا ينجبر؟ المقصود أن مثل هذا إذا كان ضعفه راجعًا إلى شيء في حفظه؛ فإنه ينجبر، فإنه ينجبر.
"معتبر به فتابع" فتابع هذا هو التابع، فالتابع هو الذي يشارك فيه راويه من قبل معتبر به، هذا هو التابع، والخلاف بين أهل العلم في المتابع، والشاهد، والفرق بينهما، منهم من يخص المتابع إذا كان المتن بلفظه يروى من طريق آخر، ولو اختلف الصحابي، منهم من يطلق المتابع على اتحاد اللفظ، ولو اختلف الصحابي، والشاهد على اختلاف اللفظ، يعني أن يروى الحديث بالمعنى، ولو اتحد الصحابي، هذا قول في هذه المسألة، والذي يختاره أكثر المتأخرين أن المتابع ما اتحد صحابيه، ولو وجد الاختلاف في اللفظ، والشاهد ما اختلف صحابيه، ولو اتحد اللفظ، ولو اتحد اللفظ.
فمن العلماء من ينظر إلى اللفظ والمعنى، فإن اتحد اللفظ؛ فالمتابع، ولو اختلف الصحابي، وإن اختلف اللفظ واتحد المعنى؛ فالشاهد، ولو اتحد الصحابي، ومنهم من ينظر إلى اتحاد الصحابي، واختلافه فما اتحد فيه الصحابي فهو المتابع، وما اختلف فيه الصحابي فهو الشاهد، ولو اتحد المعنى، وهذا هو ما يرجحه أكثر المتأخرين، وعليه عمل المخرجين ممن يخرج الأحاديث من المتأخرين "فإن يكن شورك من معتبر به فتابع" إن شورك فيما حمل عن شيخه مباشرة؛ فتابع متابعة تامة، إن شورك في شيخه، الراوي الأدنى إن شورك في شيخه فمتابعة تامة، وإن شورك في شيخ شيخه فمتابعة لكنها قاصرة، وإن توبع في الشيخ الثالث متابعة لكنها أقصر، وهكذا إلى أن يصل الاتحاد في الصحابي، فعلى سبيل المثال في حديث الأعمال بالنيات، يقول الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: حدثنا الحميدي قال: حدثنا سفيان، يرويه البخاري -رحمه الله تعالى- عن غير الحميدي عن سفيان، هذه متابعة تامة، وإلا قاصرة؟ تامة؛ لأنها المشاركة في الشيخ، نعم؟
طالب:......
كيف؟
طالب:......
من بداية السند نعم، الحديث نفسه إذا رواه البخاري من غير طريق الحميدي عن غير سفيان عن يحيى بن سعيد، اتحدوا في شيخ الشيخ هذه متابعة، لكنها أقصر من الأولى، واضح وإلا ما هو بواضح، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ ثم إلى آخر الإسناد، إلى أن يتحدوا في عمر -رضي الله تعالى عنه-، إذا تصور أنه روي من طريق يصح عن غير علقمة عن عمر، لكنه لا يثبت إلا من طريق عمر، وعنه علقمة، وعنه محمد بن إبراهيم التيمي، وعنه يحيى بن سعيد، وعنه انتشر.
لو قدر أننا وجدنا حديث الأعمال بالنيات من حديث أبي هريرة مثلًا، بلفظه؛ ماذا يكون: متابعًا، وإلا شاهدًا؟ شاهد على القول الثاني، وإن اتحد اللفظ؛ فمتابع على القول الأول، لو وجدنا حديث عمر -رضي الله تعالى عنه- مع اختلاف في لفظه واتحاد في معناه؛ نقول متابعة، وإلا شاهد؟ شاهد على القول الأول، ومتابع على القول الثاني، وهكذا.
"وإن شورك شيخه ففوق" ففوق مبني على الضم لماذا؟ نعم؟
طالب:......
نعم، حذف المضاف إليه مع نيته، وقبل، وبعد، والجهات الست إذا حذف المضاف إليه مع نيته تبنى على الضم، مثل ما تقول: أما بعد، {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ} [(4) سورة الروم]، لكن إذا أضيفت أعربت: {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ} [(137) سورة آل عمران]، {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ} [(26) سورة النحل]، نعم؟
طالب:......
نعم، يصير مثل ما يقول شيخ الإسلام عن بعض المبتدعة إذا ذكر قولًا لا يدل له نقل ولا عقل، قال: هذا من باب خر عليهم السقف من تحتهم، يعني لا نقل، لا وافق القرآن، ولا وافق العقل "ففوق فكذا" أي فهو متابع ولكنه قاصر، نعم متابع لكنه قاصر "وقد يسمى" كل من المتابع لشيخه فمن فوقه "يسمى شاهدًا" قد يسمى المتابع شاهدًا، والشاهد يسمى متابعًا، وبعضهم لا يفرق بين الأمرين، والخطب في هذا كله سهل، سواءٌ سميناه متابعًا، أو شاهدًا، الأمر سهل؛ لماذا؟ لأن كلًّا من المتابع والشاهد يفيد التقوية، مما يتقوى به الخبر، وقد يسمى شاهدًا، ثم بعد فقد المتابعات "ثم إذا متن" آخر في الباب "متن بمعناه أتى" عن ذلك الصحابي، أو غير الصحابي "متن بمعناه أتى" سواءٌ اتحد الصحابي أو اختلف، "فالشاهد" -وهذا على القول الأول- أن النظر إلى اللفظ والمعنى، وهذا هو اختيار الإمام البيهقي، وعليه جمع من أهل العلم، وعرفنا أن اختيار أكثر المتأخرين على التفريق بين المتابع والشاهد في الصحابي اتفاقًا، واختلافًا، فإن اتحد فهو المتابع، وإن اختلف فالشاهد، "وما خلا" يعني تجرد "عن كل ذا" عن كل من التابع والشاهد:
................................... |
| وما خلا عن كل ذا مفارد |
"مفارد" يعني أفراد، يعني إذا بحثنا وسبرنا دواوين السنة، فلم نجد ما يتابع الراوي على رواية الخبر، ولا وجدنا ما يشهد للحديث؛ نجزم بأنه فرد، "مثاله" أي ما وجد له متابع وشاهد بعد البحث والسبر والتنقيب في الدواوين:
مثاله: ((لو أخذوا إهابها)) |
| ................................... |
لو أخذوا إهابها، المروي عند الإمام مسلم من طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس، الحديث في مسلم عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس،
مثاله: ((لو أخذوا إهابها)) |
| فلفظة: "الدباغ" ............. |
يقول: أصل الحديث: ((لو أخذوا إهابها))، يعني الشاة التي أهديت لمولاة ميمونة، فماتت فرموها، ((لو أخذوا إهابها))، في رواية سفيان: ((فدبغوه)):
مثاله: ((لو أخذوا إهابها)) |
| فلفظة: "الدباغ" ما أتى بها |
يعني ما أتى بها أحد "عن عمرو" يعني ابن دينار "إلا ابن عيينة" إلا ابن عيينة، مصروف، وإلا فالأصل أنه ممنوع من الصرف، لكنه يصرف للوزن، "إلا ابن عيينة، وقد توبع" شيخه "عمرو" توبع عمرو، يعني شيخه عمرو بن دينار "في الدباغ" تابعه أسامة بن زيد الليثي عند الدارقطني والبيهقي، وتابعه –أيضًا- يزيد بن أبي حبيب، وتابعه –أيضًا- ابن جريج، سفيان ما توبع، لكن توبع شيخه عمرو بن دينار "في الدباغ فاعتضد" وعرفنا أنه تابعه ثلاثة: أسامة بن زيد الليثي، ويزيد بن أبي حبيب، وابن جريج، توبع:
................................... ثم وجدنا: ((أيما إهاب)) |
| ............في الدباغ فاعتضد فكان فيه شاهد في الباب |
"ثم وجدنا" عن عبد الرحمن بن وعلة عن ابن عباس: ((أيما إهاب..)) يعني ((..دبغ، فقد طهر)):
................................... |
| فكان فيه شاهد في الباب |
لكونه بمعناه، لكونه بمعناه، مع أنه يلاحظ اتحاد الصحابي، كلاهما من حديث ابن عباس، إذا كان الحديث واحدًا عن صحابي واحدٍ، يعني لا إشكال في تسميته متابع، الرواية الثانية تسمى متابعة، لكن إذا جزمنا أن القصة مختلفة مثلًا، والصحابي متحد، فمثلًا حديث: ((أيما إهاب دبغ، فقد طهر)) حديث ثانٍ لابن عباس يختلف عن حديث الشاه التي أهديت لمولاة ميمونة في قصة أخرى، هل نقول: هذه متابعة، وإلا حديث آخر؟ لأن هذا يلتبس، وتجدون في الأطراف، أطراف الأحاديث، كالتي صنعها محمد فؤاد عبد الباقي بالنسبة لصحيح البخاري، تجده –أحيانًا- يجعل هذا الحديث -وإن كان مستقلًّا- طرفًا للحديث الأول، بمعنى أنه جزء منه، أو موضع آخر من رواية البخاري لنفس الحديث، يعني يكون الحديثان في موضوع واحدٍ، لكن المناسبات مختلفة، والقصص، وسبب ورود الحديث مختلف، فهل نقول: إنه حديث واحد، أو حديثان لابن عباس في الباب؟ يعني مقتضى قولهم في هذا الخبر، يعني الحديث عن ابن عباس الأول، والثاني، الحديثان عن ابن عباس، لكن القصة مختلفة: ((أيما إهاب دبغ؛ فقد طهر)) في حديث: ((لو أخذوا إهابها))، في حديث الشاه: ((فدبغوه، فانتفعوا به)) في رواية سفيان بن عيينة، والحديث الآخر: ((أيما إهاب دبغ فقد طهر))، بين الحديثين: حديث الشاه، والثاني: ((أيما إهاب)) هذا خاص، وهذا؟ ((هلا انتفعتم بإهابها؟))، يعني جلد الشاة الميتة، والثاني: عام في جميع الجلود: ((أيما إهاب دبغ؛ فقد طهر))، في مثل هذه الصورة يمكن حمل العام على الخاص، وإلا ما يمكن؟ يحمل العام على الخاص، وإلا ما يحمل؟ هل نقول: إن هذا خاص بالشاه، وما عدا ذلك لا يحمل، وفي حكم الشاة جميع ما يؤكل لحمه، أو نقول: لا يحمل العام على الخاص هنا؟ "أيما" من صيغ العموم، والحديث الأول: ((لو أخذوا إهابها)) في الشاة خاصة، في قضية خاصة، وهذا فيه عموم، فهل نقول: إن جميع جلود الميتات إذا دبغت طهرت، وإلا خاص بما يؤكل لحمه؟ نعم، يعني العام إذا ذكر الخاص بحكم موافق لحكم العام؛ فإنه لا يخصص، إذا اتحد الحكم لا يخصص به، إنما يكون التنصيص على الخاص من باب التنصيص على بعض أفراد العام للعناية به، والاهتمام بشأنه للعناية به، لو قيل: أعطوا الطلاب، ثم قيل: أعطوا زيدًا، إذا قيل: أعطوا زيدًا؛ هل يعني أنه يختص به هذا العطاء دون غيره من الطلاب، أو نقول: لا، التنصيص على زيد يدل على الاهتمام به، والعناية بشأنه؟ أهل العلم يقررون أن ذكر الخاص بحكم موافق لحكم العام لا يقتضي التخصيص، نعم.
زيادات الثقات
واقبل زيادات الثقات منهم |
| ومن سـواهم فعليه المعظـم |
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "زيادات الثقات"، وهذا الباب من أهم ما يبحث في علوم الحديث ومعرفته، والإلمام به في غاية الأهمية لطالب العلم، سواءٌ كان من الناحية النظرية، أو من الناحية العملية، يعني معرفة ما قيل فيه نظريًّا من قبل أهل العلم، ومعرفة ما وقعت الزيادات فيه من الأحاديث من حيث العمل، فمعرفة الزيادات في المتون، هذه لا يعرفها إلا القليل النادر، وممن له عناية بمعرفة الزيادات في المتون ابن خزيمة، ومنهم –أيضًا- أبو بكر النيسابوري، وله مصنف في الزيادات، له كتاب اسمه "الزوائد"، و-أيضًا- أبو الوليد حسان القرشي، وابن عدي، ونظائرهم من الأئمة الذين لهم العناية التامة بحفظ السنة، ومعرفة ما يزاد في الأخبار، زيادات الثقات تعرف بجمع الطرق والأبواب، فالباب إذا لم تجمع طرقه لا يتبين مثل هذه الأمور من الزيادات المقبولة، وغير المقبولة، لا سيما إذا قلنا: إن الحكم في القبول والرد لهذه الزيادات، إنما مرده إلى القرائن، مرده إلى القرائن، فإذا جمعت الطرق، طرق الحديث الواحد، وأحاديث الباب الواحد؛ عرفت الزيادات المقبولة، والزيادات غير المقبولة، فمرد هذا إلى القرائن، كما هو صنيع أئمة هذا الشأن، ونظيره ما تقدم في تعارض الوصل، والإرسال، والرفع، والوقف.
الزيادة من الثقة؛ لأن الباب زيادات الثقات، كثير من أهل العلم يطلق القبول، كثيرًا ما تجدون: زيادة من ثقة؛ فهي مقبولة، في كثير من تصرفات أهل العلم، أما زيادات الصحابة فهي مقبولة اتفاقًا، فمثل زيادة: ((أو زرع))، في حديث أبي هريرة، في اقتناء الكلب هذه مقبولة، وابن عمر -رضي الله تعالى عنه- يؤكد هذا القبول بأن أبا هريرة كان صاحب زرع، يعني أنه إذا كان له عناية بهذا الأمر، فإنه يحفظ ما جاء فيه، خلافًا لبعض المبتدعة المفتونين، الذين يقولون: إن ابن عمر يشكك في هذه اللفظة من أبي هريرة، ويتهمه بأنه زادها؛ لأنه محتاج إليها، حاشا وكلا أن يظن بحافظ الإسلام، الصحابي الجليل أبي هريرة مثل هذا الظن السيئ، فالزيادات من الصحابة مقبولة اتفاقًا.
يقول الناظم -رحمه الله تعالى-: الثقات هنا هل المراد بالثقة هنا حقيقة الثقة، وهو من جمع بين العدالة، والحفظ، والضبط، والإتقان، أو المراد به الراوي المقبول؟ فيدخل فيه من دون الثقة، كالصدوق مثلًا، نعم؟
طالب:......
يعني زيادة من هو دون الثقة، يعني مقبول الرواية مثلًا، هو مقبول الرواية، صدوق جاء بخبر قبلناه، وعلمنا به، فجاء بزيادة: جملة، وإلا لفظة؛ نقبل، وإلا ما نقبل؟
طالب:......
الثقة، العنوان "زيادات الثقات"، "واقبل زيادات الثقات" وزيادة الثقة مقبولة، لكن مرادهم بالثقة أعم من كونه عدلًا، حافظًا، ضابطًا، بل المراد بذلك رواية مقبول الرواية، إذا قبلنا حديثه قبلنا زيادته، ومن رد حديثه رد زيادته "واقبل زيادات الثقات" مطلقًا؟ يعني والمراد بذلك في هذا الخلاف من دون الصحابة، أما الصحابة فلا يدخلون في هذا الخلاف "واقبل زيادات الثقات" مطلقًا "منهم" أي ممن روى الحديث بدون هذه الزيادة، ثم رواه بها، أو العكس، يعني روى الحديث ناقصًا، ثم رواه تامًّا، أو رواه تامًّا، ثم رواه ناقصًا.
واقبل زيادات الثقات منهم |
| ................................... |
يعني ممن روى الحديث بدونها "ومن سواهم" أي سوى الراوي بدونها، يعني تصور هذه الزيادة، إذا قارنا الروايتين عن الراوي نفسه، أو قارنا رواية هذا الراوي بهذه الزيادة مع رواية غيره.
واقبل زيادات الثقات منهم
|
| ومن سواهم....................... |
أي سوى الراوين بدونها فعليه المعظم، "فعليه المعظم"، وسواءٌ كانت هذه الزيادة في اللفظ أو في المعنى، وسواء ترتب عليها زيادة حكم شرعي أو لا، سواءٌ اتحد إعرابها أو اختلف، سواءٌ ذكرها في مجلس أو في مجالس، المقصود أن هذه الزيادات مقبولة وعليه المعظم؛ من المحدثين والفقهاء والأصوليين:
واقبل زيادات الثقات منهم |
| ومن سواهم فعليه المعظم |
وقيل: لا؛ يعني لا تقبل مطلقًا، سواء كان هذا الذي زادها في مقابل نظيره الذي لم يزد يعني ثقة زاد، وثقة لم يزد، يعني ثقة زاد وثقة نقص، القول الثاني، القول الأول: تقبل الزيادة، القول الثاني: لا تقبل الزيادة ولو كان المقابل له نظير واحد؛ لماذا؟ لأن ما اتفقا عليه؛ القدر المتفق عليه بينهما متيقن، وهذه الزيادة مشكوك فيها، وقيل: لا؛ يعني لا تقبل مطلقًا، يعني ومن باب أولى إذا كان الزائد واحدًا، ومن نقص أكثر من واحد، هذا القول الثاني، الأول: القبول مطلقًا، والثاني: الرد مطلقًا.
وقيل: لا تقبل منهم، "وقيل: لا منهم" يعني إذا جاء بالحديث مرة ناقصًا، ومرة تامًّا فإن هذه الزيادة لا تقبل منهم؛ أي ممن رواه بدونها مرة، ومرة بها؛ يعني مرة بالزيادة، ومرة بدون الزيادة، ما الفرق بين هذا القول والذين قبله؟ هذا القول الثالث فيه القبول، وفيه عدم القبول، فيه القبول إذا كانت الزيادة من واحد والنقص من غيره، وفيه الرد إذا كانت الزيادة والنقص من قبل راوٍ واحد، فهذا الراوي يروي هذا الخبر مرة زائدًا ومرة ناقصًا، وسبب الرد أنه لو كان متأكدًا منها، ضابطًا لها، متقنًا لها؛ ما تركها في المرة الثانية؛ يعني تركه لها في بعض الأحيان يشكك في ثبوتها، وفي ضبطه لها، "وقيل: لا منهم" المسألة كم صار فيها من قول؟ القبول مطلقًا، والرد مطلقًا، والتفصيل، فإن كانت الزيادة ممن رواه ناقصًا؛ ردت وإلا قبلت؟ إذا أضفنا إلى ذلك القول المعروف عند..، أو المحفوظ عن المتقدمين، وأنهم لا يحكمون بحكم عام مطرد في مثل هذا، بل يتركون الحكم للقرائن تكون الأقوال أربعة، في تعارض الوصل والإرسال، الحكم للوصل مطلقًا، والحكم للإرسال مطلقًا، وذكروا –أيضًا- الحكم للأكثر، وذكروا أن الحكم للأحفظ؛ يعني أربعة أقوال، إضافة إلى القول بما ترجحه القرائن.
الطالب المبتدئ حينما يسمع هذه الأقوال لا شك أنه يضطرب، ولا يدري ماذا يصنع؟ هل يقبل؟ أو يرد؟ أو يصنع كما صنع الأئمة؟ يعني لا شك أن المرجح هو قول، هو ما عليه عمل الأئمة وأن الحكم للقرائن، لكن هل لطالب العلم المبتدئ في علوم الحديث الذي يدرس قواعد الحديث، ويطبق عليها؛ فيخرج الأحاديث، ويجمع الطرق، وينظر في الأسانيد؟ هل له أن يحاكي المتقدمين، فيحكم بالقرائن، ويترك هذه الأقوال؟ أو يحكم بحكم عام مطرد في بداية الأمر، ثم بعد ذلك إذا تأهل وساوى المتقدمين في أحكامهم، وصارت لديه أهلية وملكة يستطيع بها أن يرجح بالقرائن؟ هذا هو الأصل، فطالب العلم عليه أن يتخرج ويتمرن على قواعد المتأخرين؛ فمثلًا في مثل هذا الباب يقبل الزيادات مطلقًا، أو يردها مطلقًا، المقصود أنه يثبت يرسي على شيء في طور التمرين؛ لتكون أحكامه مطردة، ثم بعد ذلك إذا أكثر من هذا العمل؛ لماذا؟ لأننا نقول لأنه لن يعول على تخريجه، ولا على تصحيحه؛ لأنه طالب علم مبتدئ، المسالة مفترضة في طالب علم مبتدئ ما تمكن، لكن إذا تمكن وأكثر من التخريج وجمع الطرق ودراسة الأسانيد، أكثر من ذلك؛ لا شك أن الأهلية تتكون لديه تدريجيًا، فإذا تأهل لذلك وصار لديه من الملكة ما يستطيع بها بواسطتها أن يحكم بالقرائن هذا فرضه، وهذا ذكر في مناسبات كثيرة، ونظير التفقه في الأحكام، نظير ذلك التفقه في الأحكام؛ يعني في بداية الأمر هل لطالب العلم المبتدئ أن يتفقه من الكتاب والسنة؟ نقول: في علوم الحديث: المتقدمون هم الأصل، والمتأخرون عالة عليهم؛ لماذا لا يحاكي المتقدمين؟ لأنه لا يستطيع دونه خرط القتاد؛ لا يستطيع أن يحاكي المتقدمين، لكن إذا تأهل هذا فرضه، التفقه من الكتاب والسنة؛ هذا هو الأصل لكن بالنسبة لطالب علم مبتدئ دون ذلك خرط القتاد حتى يتمرن على أقوال العلماء، وينظر في مذاهب علماء الأمصار، ويجمع أدلتهم، ويوازن بينها، ثم إذا تأهل للاجتهاد؛ نقول: فرضه الاجتهاد، ولا يجوز له التقليد، أما في البداية حكمه حكم العامي عليه أن يقلد أهل العلم، فلا نضطرب في مثل هذه المسائل.
"وقد قسمه الشيخ" أي: قسم ما ينفرد به الثقة من الزيادات؛ الشيخ المراد به ابن الصلاح، من يذكرنا بأبيات المقدمة؟
كقال أو أطلقت لفظ الشيخ ما |
| أريد إلا ابن الصلاح مبهما |
قسمه الشيخ إلى ثلاثة أقسام، "فقال: ما انفرد" ما انفرد برواية دون الثقات سواءٌ كان جمعًا من الثقات أو واحدًا على أن يكون أحفظ منه، "ما انفرد دون الثقات ثقة خالفهم" يعني خالف الثقات الجمع المتعددين، أو خالف الثقة الواحد ممن هو أوثق منه "ما انفرد دون الثقات ثقة خالفهم فيه" أي فيما انفرد به "صريحًا" المخالفة صريحة، صريحًا بأن لا يمكن الجمع بينهما، "فهو رد عندهم" أي مردود عندهم، أي المحدثين، ويكون حينئذ من قبل الشاذ:
وذو الشذوذ ما يخالف الثقة ج |
| فيه الملأ فالشافعي حققه |
"ما انفرد دون الثقات ثقة خالفهم فيه صريحًا" أي: فيما انفرد به صريحًا بحيث لا يمكن الجمع بينهما فهو رد أي مردود كما مر في الشاذ عندهم أي عند المحدثين، وهو ما حرره الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى-، هذا إذا خالف ما عندنا إشكال، إذا كانت هذه الزيادة تتضمن مخالفة فحكمها الرد؛ لأنها من قبيل الشاذ "أو لم يخالف" أو لم يخالف فيه أصلًا؛ يعني هذه الزيادة ما فيها أدنى مخالفة "فاقبلنه" يعني هذا الراوي إذا جاء بحديث مستقل تفرد به عن غيره، وهو ممن يحتمل تفرده؛ تقبل حديثه، يعني مثل الغرائب، غرائب الصحيحين؛ كحديث: ((الأعمال بالنيات))، "أو لم يخالف فاقبلنه" فإذا قبلت حديثه قبلت زيادته؛ لأنها لا تتضمن مخالفة، روى جملة زائدة في الخبر؛ كما لو روى حديثًا مستقلًا، أو لم يخالف فيه أصلًا كما يتفرد بحديث وهو ممن يحتمل تفرده فاقبلنه؛ لأنه جازم بما رواه، وهو ثقة، ولا معارض له وحكمة حينئذٍ القبول.
"وادعى فيه" أي في القبول "الخطيب الاتفاق مجمعًا" وادعى فيه الخطيب الاتفاق مجمعًا؛ يعني حال كونه مجمعًا عليه، فيه أي في القبول الاتفاق من العلماء مجمعًا؛ يعني نقل عليه الخطيب الإجماع، لكن هل يسلم هذا الإجماع؟
أولًا: يقول السخاوي: عزو حكاية الاتفاق في مسألتنا ليس صريحًا في كلام الخطيب، يعني الخطيب يقول: اتفق جميع أهل العلم على أنه لو انفرد الثقة بنقل حديث لم ينقله غيره وجب قبوله، فكذلك سبيل الانفراد بالزيادة، يعني نقل الاتفاق على الزيادة، وإلا على حديث مستقل؟ حديث مستقل، ثم بعد ذلك قاس الزيادة على الحديث، فنقل الاتفاق إنما هو على الاستقلال بحديث، لا على الزيادة، فعزو الاتفاق، أو عزو حكاية الاتفاق في مسألتنا بخصوصها ليس بصريح في كلام الخطيب، إنما هو صريح في المقيس عليه، لا في المقيس، الكلام ظاهر، وإلا ما هو بظاهر؟ ظاهر.
طالب:......
اتفق جميع أهل العلم على أنه لو انفرد الثقة بنقل حديث لم ينقله غيره؛ وجب قبوله، هذا الاتفاق ظاهر، يعني حديث: ((الأعمال بالنيات))، أجمعت الأمة على قبوله، وهو متفرد به واحد في أربع طبقات، لكن هل قبول زيادة جملة، أو كلمة في حديث رواها من تفرد بحديث الأعمال بالنيات، وخالفه فيها غيره لم يروها؟ بمعنى أنها لا توجد في رواية غيره؛ هل تقبل مثل قبول حديث: ((الأعمال بالنيات))؟ لكنهم يقيسون هذا على هذا من باب القياس، ولا يلزم أن يكون المقيس في قوة المقيس عليه، لا يلزم أن يكون الفرع في قوة الأصل، بل المعروف أن الفرع أقل من الأصل، ولو كان مثله في القوة لما احتيج إلى القياس، عرفنا أنه إن خالف؛ الرد، أو لم يخالف؛ القبول، "أو خالف الإطلاق":
أو خالف الإطلاق نحو: ((جعلت |
| تربة الأرض)) فهي فرد نقلت |
يعني وافق من وجه وخالف من وجه:
أو خالف الإطلاق نحو: ((جعلت |
| تربة الأرض)) فهي فرد نقلت |
"خالف الإطلاق" كزيادة لفظة لم يذكره سائر الرواة، وهذا اللفظ مؤثر؛ كزيادة التربة في حديث الخصائص.
رواية الأكثر: ((جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا))، في حديث الخصائص، ((وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا)).
في رواية عن مسلم تفرد بها أبو مالك الأشجعي عن ربعي عن حذيفة: ((وجعلت تربتها لنا طهورًا))، الآن الموافقة من وجه باعتبار أن التربة من أجزاء الأرض؛ من أفراد الأرض، أو من أوصاف الأرض، وننتبه لهذا؛ هذه هي الموافقة، والمخالفة؛ لأنَّ الأرض تشتمل على تراب وغيره، "أو خالف الإطلاق" وننتبه لكلمة الإطلاق هنا، "أو خالف الإطلاق نحو: ((جعلت تربة الأرض))" يعني في حديث الخصائص "فهي فرد نقلت" وعرفنا أنه تفرد بها أبو مالك الأشجعي عن ربعي عن حذيفة، وهذه رواها مسلم، ففيها مخالفة من وجه، وفيها موافقة من وجه، والناظم -رحمه الله تعالى- ذكر الإطلاق، وهذه الكلمة في غاية الأهمية؛ يعني ما قال: أو خالف العموم؛ لأن هذه اللفظة إذا قلنا: إن الأرض جنس، والجنس من صيغ العموم، أل هذه جنسية، وما دخلت عليه يكون عامًّا شاملًا، والتربة فرد من أفرادها، أو نقول: إن الأرض ذات أوصاف، والتراب وصف من أوصافها، انتبهوا يا الإخوان ترى تقدم إشارة إلى شيء من هذا في الباب الذي قبله؛ في لفظ الدباغ: ((أيما إهاب))، وفي لفظ: ((جلد الشاه))، وقلنا: إن هذا فرد من أفراد العام، وهذا لا يقتضي التخصيص؛ لأن التنصيص على فرد من أفراد العام بحكم موافق لحكمه لا يقتضي التخصيص، وهنا إذا قلنا: إن التراب فرد من أفراد الأرض؛ الأرض ذات أفراد، من أفرادها التراب، قلنا: إن هذا يقتضي التخصيص، أو لا يقتضي؟ لا يقتضي؛ لأن الحكم في التراب وفي الأرض واحد: ((جعلت الأرض لنا مسجدًا وطهورًا))، ((وجعلت تربتها لنا طهورًا))؛ الحكم واحد ما يختلف، فإذا قلنا: إن التراب فرد من أفراد الأرض، قلنا: إن هذا لا يقتضي التخصيص، إنما ذكر التراب للعناية به، والاهتمام بشأنه؛ فهو أولى ما يتيمم به، أولى من غيره، وإذا قلنا: إن التراب قيد إذ أنه وصف من أوصاف الأرض، قيد يقيد به المطلق؛ لماذا؟ هناك لا يخص العام للاتحاد في الحكم، وهنا يقيد المطلق للاتحاد في الحكم، انتبهوا يا إخوان.
على كل حال هذه المسألة من دقائق المسائل، وتجدون الشراح مرة يقولون..، حتى من شخص واحد يعني، مرة يجعلها من العام، ومرة يجعلها من المطلق.
فالشافعي وأحمد احتجا بذا |
| ................................... |
"فالشافعي وأحمد احتجا بذا" يعني قبلا هذه الزيادة؛ لما تضمنته من الموافقة "فالشافعي وأحمد احتجا بذا" فخصا التيمم بالتراب؛ خلافًا لمالك وأبي حنيفة، فيجوز التيمم بكل أجزاء الأرض، قالوا: حتى بالصخرة الملساء المغسولة، فعندنا الشافعي وأحمد قبلوا الحديث، قبلوا هذه الزيادة، قبلوا لفظ التربة، وخصوا بالتراب التيمم، قالوا: لا يصح التيمم إلا بتراب له غبار يعلق باليدين، عملوا بهذه اللفظة، وجعلوها من باب المطلق والمقيد؟ وإلا من باب العام والخاص؟ انتبهوا يا إخوان؛ هذه المسألة من الدقائق، نعم؟
طالب:......
جعلوها من المطلق والمقيد، فقيدوا لفظ الأرض بالتراب، والناظم -رحمه الله تعالى- باعتباره شافعي؛ قال: "أو خالف الإطلاق" ما قال خالف العام، فالشافعي وأحمد احتجا بذا، فخصا التيمم بالتراب، وأما مالك وأبو حنيفة، فجوزوا التيمم بكل أجزاء الأرض حتى الصخرة المغسولة.
موقف الحنفية والمالكية من هذه الزيادة؛ هل معنى هذا أنهم ردوا هذه الزيادة لما تضمنته من مخالفة؟ أو أنهم قبلوها، وجعلوها من باب العام والخاص؟ يعني مقتضى قول الناظم -رحمه الله تعالى-: "فالشافعي وأحمد احتجا بذا" أن غيرهما من الأئمة لم يحتجوا بذا، ما هو بهذا الظاهر من كلامه؟ نعم، لكن لا يلزم أن يكون السبب في التيمم بجميع أجزاء الأرض ردًّا لهذه اللفظة، نعم قد ترد هذه اللفظة، قد يصرح بعضهم بردها؛ لما تضمنته من مخالفة، لكن ليس مجرد ميلهم وترجيحهم التيمم بجميع ما على وجه الأرض، وبجميع أجزائها؛ يتضمن رد هذه الرواية، فمن جعلها من باب العام والخاص قال: يُتيمم بالتراب، وهو أفضل من غيره، ويتيمم بغيره من الصعيد الطيب الطاهر، جميع ما تصاعد وعلا على وجه الأرض، سواءً كان ترابًا، أو غير تراب، ظاهر، وإلا ما هو بظاهر؟
فالشافعي وأحمد احتجا بذا |
| والوصل والإرسال................. |
يعني في تعارضهما "من ذا" أي: الزيادات "أخذا":
................................... |
| والوصل والإرسال من ذا أخذا |
وقل مثل هذا في تعارض الرفع مع الوقف "الوصل والإرسال من ذا"
أي من هذا الباب أخذا؛ لأن الوصل زيادة، والإرسال زيادة وإلا نقص؟
نقص، وقل –أيضًا- في الباب الثاني الرفع زيادة، والوقف نقص، فالذي يقبل الزيادات مطلقًا يقبل الوصل، ويقبل الرفع. يقول: لأن مع من وصل زيادة خفيت على من أرسل، ومع من رفع زيادة خفيت على من وقف، والذي يرد الزيادات مطلقًا يرد الوصل، ويحكم بالإرسال ويرد الرفع ويحكم بالوقف.
لأن الإرسال والوقف متيقن، وما فوقه من الوصل والرفع مشكوك فيه، ويكون داخلًا في القول الثاني في رد الزيادات.
"والوصل والإرسال من ذا أخذ"، "لكن في الإرسال جرحًا" في الحديث، جرحًا في الحديث؛ يعني تضعيف للحديث "فاقتضى" ذلك، أي ذلك الجرح تقديمه "فاقتضى تقديمه" من باب تقديم الجرح على التعديل "فاقتضى تقديمه ورد" رد هذا، وهو تقديم الإرسال، والحكم بأنه قدح في الوصل "ورد أن مقتضى هذا قبول الوصل" ورد أن: يعني ورد تقديم الإرسال بأن مقتضى هذا قبول الوصل –أيضًا-، "إذ فيه" أي: في الوصل "وفي الجرح علم زائد للمقتفي" علم زائد للمقتفي أي المتبع، فتعارضا، ظاهر كلامه، وإلا ليس بظاهر؟ فيه خفاء؟ الآن هو جعل الوصل والإرسال من هذا الباب من باب الزيادات، وفي مقابلها النقص، فالوصل زيادة والإرسال نقص، وقل مثل هذا في الرفع والوقف، الرفع زيادة، والوقف نقص، فمن يقبل الزيادات يقبل الوصل، ويقبل الرفع، والذي يرد الزيادات يرد الرفع، ويرد الوصل، قال: "لكن في الإرسال جرحًا" في الحديث؛ يعني لا لذات الحديث، إنما هو جرح في راويه مما يقتضي تضعيف الحديث "لكن في الإرسال جرحًا فاقتضى" جرح في الراوي، ويتبع الجرح في الراوي الطعن في المروي "فاقتضى تقديمه" فيقدم الإرسال على الوصل من باب تقديم الجرح على التعديل، الأصل أن هذا الراوي الذي وصل هذا الخبر ثقة، لكن لما عورض برواية من أرسل، نستطيع أن نشكك فيه، وإلا ما نشكك؟ الذي أرسل الخبر؟ متيقن؛ يعني ذكر الحد المتيقَن المتفق عليه بينه وبين من وصل، لكن من وصل زاد؛ زاد راويًا على من أرسل، فالقدر المتفق عليه هو الإرسال، القدر المشكوك فيه هو هذا الراوي الذي يقتضي؛ الذي من خلاله حكم بالوصل، بعض أهل العلم يُعِلُّ الخبر الموصول بالمرسل، يعله به؛ فيقتضي الطعن في راويه، إذا أعل الخبر الموصول بالمرسل اقتضى ذلك الطعن في راويه؛ ولذا قال: "لكن في الإرسال جرحًا فاقتضى" فإذا كان عندنا راو أرسل، وهذا لا يمكن أن يطعن فيه، وراو وصل وهذا محل للطعن؛ لأنه زاد قدرًا في الرواة لم يوافقه عليه الثاني، فرواية من أرسل تطعن في رواية من وصل، هذا يقول به بعض أهل العلم؛ لكن لو جئنا من ناحية أخرى؛ من ناحية ثانية، ورجحنا رواية من وصل؛ لماذا؟ بأي وجه يمكن أن ترجح رواية الوصل؟ لأنها زيادة ثقة، ومعه زيادة علم، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، والخطأ والنسيان معرض له الإنسان؛ فيكون احتمال أنه نسي، والثاني ضبط، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ "لكن في الإرسال جرحًا فاقتضى تقديمه" من باب تقديم الجرح على التعديل، لكن كون الأكثر على ما سيأتي يقدمون الجرح؛ لأن الجارح معه زيادة علم خفيت على المعدل، هل نقول بأن "لكن في الإرسال جرحًا فاقتضى تقديمه" هذا قول الأكثر؟ يعني كما قلنا في تقديم الجرح على التعديل القول الأكثر؟ أو نقول في هذه نظير ما قلنا في مسألة اتفاق أهل العلم: على أنه لو تفرد الثقة بحديث لا يلزمه منه اتفاقهم على قبول الزيادة عند التفرد؛ لأن عندنا أصل، ومقيس عليه، مقيس ومقيس عليه؛ أصل يقاس عليه، وفرع يقاس، فرواية الراوي الثقة لحديث كامل يتفرد به؛ يتفق أهل العلم على قبوله، زيادة يتفرد بها، وهو ثقة؛ هل نقول: إنه يتفق أهل العلم على قبولها مثل ما يتفقون على رواية الحديث كاملًا؟ لا؛ ولذا انتقد نقل الاتفاق، وقال: "وادعى فيه الخطيب الاتفاق مجمعا" انتقد هذا الكلام، ونظير ذلك المسألة الأخيرة "لكن في الإرسال جرحًا فاقتضى تقديمه" يعني كما يقدم الجرح على التعديل، وإذا كان تقديم الجرح على التعديل قول الأكثر؛ هل نقول: إن الطعن في رواية من وصل، وإعلالها برواية من أرسل؛ قول الأكثر؟ لا، ما يلزم، لا يلزم، نعم من أهل العلم من طعن بالإرسال؛ من قدح الرواية الموصولة بالرواية المرسلة، ولكن لا يمكن أن يقال: إن هذا قول الأكثر؛ لأنه مردود "وردَّ أن مقتضى"، "ورد أن مقتضى هذا قبول الوصل" أيضًا، مقتضى هذا الكلام الذي هو الطعن في رواية من وصل برواية من أرسل؛ يمكن تعكس القضية، لماذا لا يطعن في رواية من أرسل برواية من وصل، وله وجه، له وجه وإلا ما له وجه؟ له وجه؛ لماذا؟ لأن من حفظ حجة على من لم يحفظ، ومن زاد معه زيادة علم خفيت على من نقص، ورد أن مقتضى هذا قبول الوصل –أيضًا-، فنجرح الراوي الذي أرسل لمخالفته رواية من وصل، يعني كما ادعي عكس ذلك "أن مقتضى.."
هذا قبول الوصل إذ فيه وفي |
| الجرح علم زائد للمقتفي |
يعني في الجرح زيادة، أو علم خفي على من عدل، فمن جرح الراوي -على ما سيأتي-؛ يذكر فيه وصفًا خفي على من عدله، نعم، إذا قال المعدل: أعرف هذا الجرح، لكنه تاب منه، أو نفاه بطريق يمكن قبوله، فيكون عنده –أيضًا- علم زائد، المعدِّل عنده علم زائد على الجارح، يكون عند الجارح علم زائد على المعدل من وجه، ويكون عند المعدل علم زائد على من جرح؛ يعني ننظر المسألة؛ لأن هذه المسألة تحتاج إلى شيء من الإعادة.
التنظير في طعن الرواية -رواية الوصل برواية الإرسال بتقديم الجرح على التعديل؛ لأن رواية الوصل يقدح فيها أو تعل برواية الإرسال، وقلنا: إن هذا الكلام ليس بأولى من عكسه؛ لأنه إذا قيل: إن من وصل أتى بقدر زائد على المتفق عليه فهو مشكوك فيه؛ نقول –أيضًا-: من أرسل احتمال أن يكون نسي هذه الزيادة؛ فتكون رواية من وصل هي المرجحة، ونظير ذلك الجرح والتعديل، إذا قدمنا قول الجارح، وهو قول الأكثر؛ لأن معه زيادة خفيت على من عدل، الذي يقول: هذا ثقة، والذي يقول: ضعيف؛ لأنه يشرب الخمر، مثلًا، أو يترك بعض الواجبات، هذا يعرف عن هذا الراوي ما لا يعرفه المعدَّل؛ لكن لو قال المعدل: أنا أعرف السبب الذي جرحه من أجله، أنا أعرف السبب، الجرح مفسر يعني مقبول، لكن يبقى أن يقول: أنا أعرف السبب، لكن أنا أعرف الرجل أنه تاب توبة نصوحًا، والتوبة تجب ما قبلها، وتهدم ما كان قبلها، فيكون حينئذٍ مع المعدل زيادة؛ زيادة علم خفيت على الجارح.
هذا قبول الوصل إذ فيه وفي |
| الجرح علم زائد للمقتفي |
أي: المتبع.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين.
"