جاء في الحديث الصحيح من فعله -عليه الصلاة والسلام- أنه كان إذا صلى الفجر جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس [مسلم: 670]، وجاء أيضًا في السنن «من صلى الغداة في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة»، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «تامة تامة تامة» [الترمذي: 586]، مع أن في الحديث كلامًا لأهل العلم، منهم من يضعفه، ومنهم من يوصله إلى مرتبة الحديث الحسن، ومع ذلك إذا جلس يذكر الله -جل وعلا- والقرآن أعظم الأذكار، لكن يبدأ بالأذكار المرتبة بأدبار الصلوات، فبعد صلاة الفجر يذكر أذكارها التي بعدها ثم يأتي بأذكار الصباح، ثم بعد ذلك يتلو من كتاب الله ما تيسر له حتى ترتفع الشمس، ثم بعد ذلك إن كان ممن يرى ثبوت الحديث فإنه لا ينصرف حتى يصلي ركعتين، وإن كان يقتدي أو توصَّل إلى ضعف الحديث فإنه إن شاء صلى الركعتين وانصرف أو انصرف بدون صلاة، علمًا بأن صلاة الضحى سنة مؤكدة، ووقتها المفضل حين ترمض الفصال، فإذا صلى ركعتين بعد ارتفاع الشمس كانت هي صلاة الضحى، وعلى كل حال سواء ثبت الحديث أو لم يثبت فالجلوس إلى انتشار الشمس ثابت من فعله -عليه الصلاة والسلام-، فإن صلى الركعتين بنية صلاة الضحى أجزأته وكفته، فإن ثبت الأجر والفضل المرتب على ذلك والمقدر بعمرة أو حجة فبها ونعمت، وإلا فعمله شرعي بجلوسه بفعله -عليه الصلاة والسلام-، وبأدائه صلاة الضحى التي جاء الحث عليها وأوصى بها النبي -عليه الصلاة والسلام- غيرَ واحد من الصحابة.
فلا يمنع أنه يجلس اقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام- وإذا صلى ركعتين بنية الضحى ولو لم يثبت الخبر فهو على خير -إن شاء الله تعالى-، وإن ثبت الخبر فلا شك أن هذا فضل عظيم وثواب جزيل، وابن القيم -رحمه الله تعالى- في كتابه النفيس (طريق الهجرتين) لما ذكر حال الأبرار قال: إنهم يجلسون بعد صلاة الصبح حتى ترتفع الشمس ولا ينصرفون حتى يصلوا الركعتين، ولما شرح حال المقربين قال: إنهم يجلسون إلى أن ترتفع الشمس فإن شاؤوا صلوا أو انصرفوا بغير صلاة، وكأنه بهذا لا يثبت الخبر، والفرق بينهما أن الأبرار دون منزلة المقربين، فإنهم قد يخرجون إلى أعمالهم وقد تفوتهم صلاة الضحى أو ينشغلون عنها، وأما بالنسبة للمقربين فإنهم قد تفرغوا لعبادة الله وهي همهم وهجِّيراهم، فإنهم لن يتركوا صلاة الضحى بحال.