جاء عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه في زمن الفتح صلى بالناس بالمسجد الحرام ركعتين ثم قال بعد أن انصرف: «أتموا الصلاة فإنا قوم سَفْرٌ» [السنن الكبرى للبيهقي: 5453 / ويُنظر: أبو داود: 1229]، ويصح اقتداء المقيم بالمسافر، واقتداء المسافر بالمقيم، لكن إذا اقتدى المسافر بالمقيم فإنه يلزمه الإتمام، وإذا كان مقيمًا وإمامه مسافر فإنه يلزمه الإتمام كما هو الأصل؛ لأنه مقيم، وأما الإمام فلا يلزمه الإتمام، وحينئذ ينبه الناس بعد السلام، وإذا خشي أن يضطرب الناس وينصرفوا من غير إتمام أو غلب على ظنه أن مَن خلفه لا يستوعبون مثل هذه الأمور ونبههم على ذلك لا إشكال -إن شاء الله تعالى-.
ويبقى مسألة وهي أنه لا ينبغي أن يُقدَّم مسافر يؤم الحاضرين المقيمين إلا إذا كانت له ميزة وفضل وشرف من علم، أما إنسان من عامة الناس ليس له أدنى خصيصة يتقدم الناس والناس يتمون خلفه فلا ينبغي، وقد رأيتُ شابًا تقدم للصلاة بالناس في مسجد مأهول في مكة في أيام حج وهو مسافر آفاقي، تَقدَّم من غير استشارة ومن غير أن يقدَّمه الناس، وهو شاب في مقتبل عمره، ثم صلى ركعتين وسلم ثم قال: (أتموا)، فقام كل من خلفه يتمون! فما معنى أنه يجعلهم كلهم كأنهم مسبوقين فاتتهم الصلاة، ويجعل نصف صلاتهم بدون إمام كالفرادى؟! مثل هذا لا يحسن ولا ينبغي إلا إذا كان الإمام له ميزة شرعية كما كانت حاله -عليه الصلاة والسلام-، أما أن يجعل الناس يتمون كأنهم مسبوقين فلا ينبغي إلا إذا كان له وصف يُميِّزه، والله أعلم.