التعليق على تفسير القرطبي - سورة يوسف (13)

بسم الله الرحمن الرحيم.

قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى-:

"قوله -تعالى-: {فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ} [يوسف: 80] أي يئسوا، مثل عجب واستعجب، وسخر واستسخر. {خَلَصُوا} [يوسف: 80] أي انفردوا وليس هو معهم. {نَجِيًّا} [يوسف: 80] نصب على الحال من المضمر في {خَلَصُوا} [يوسف: 80] وهو واحد يؤدي عن جمع، وكما في هذه الآية، ويقع على الواحد كقوله -تعالى-: {وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا} [مريم: 52] وجمعه أنجيه".

فعيل، فعيل يخبر به عن الواحد المذكر والمؤنث، والمثنى، والجمع، على حد سواء، فعيل {إِنَّ رَحْمةَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [الأعراف: 56].

"قال الشاعر:

إني إذا ما القوم كانوا أنجيه

واضطرب القوم اضطراب الأرشيه

هناك أوصيني ولا توصي بيه

وقرأ ابن كثير: (استايسوا) [يوسف: 80]، (ولا تايسوا) [يوسف: 87]، (إنه لا يايس) [يوسف: 87]، (أفلم يايس) [الرعد: 31] بألف من غير همز على القلب، قدمت الهمزة وأخرت الياء، ثم قلبت الهمزة ألفًا؛ لأنها ساكنة قبلها فتحة".

ويأتي هذا الأصل أيس ويأس.

"والأصل قراءة الجماعة؛ لأن المصدر ما جاء إلا على تقديم الياء -يأسًا-، والإياس ليس بمصدر أيس، بل هو مصدر استه أوسًا وإياسًا أي أعطيته.

وقال قوم: أيس ويئس لغتان، أي فلما يئسوا من رد أخيهم تشاوروا فيما بينهم لا يخالطهم غيرهم من الناس، يتناجون فيما عرض لهم. والنجي فعيل بمعنى المناجي".

فعيل بمعنى الفاعل، الفاعل أو المفعول؟ نجي، {قَرَّبْنَاهُ نَجِياًّ} [مريم: 52]؟ هل هو مناجٍ أو مناجى؟

طالب: ..........

{قَرَّبْنَاهُ نَجِياًّ} [مريم: 52]، مناجٍ أو مناجى؟

طالب: ..........

المناجاة بلا شك مفاعلة من طرفين، والفعيل يأتي بمعنى الفاعل، ويأتي بمعنى المفعول، قتيل، وجريح.

"قوله -تعالى-: {قالَ كَبِيرُهُمْ} [يوسف: 80] قال قتادة: وهو روبيل، كان أكبرهم في السن. وقال مجاهد: هو شمعون، كان أكبرهم في الرأي. وقال الكلبي: يهوذا، وكان أعقلهم. وقال محمد بن كعب وابن إسحاق: هو لاوي، وهو أبو الأنبياء.

{أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ} [يوسف: 80] أي عهدًا من الله في حفظ ابنه، ورده إليه. {وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ} [يوسف: 80]، (ما) في محل نصب عطفًا على {أَنَّ} [يوسف: 80]، والمعنى: ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقًا من الله، وتعلموا تفريطكم في يوسف، ذكره النحاس وغيره. و{مِنَ} [يوسف: 80] في قوله: {وَمِنْ قَبْلُ} [يوسف: 80] متعلقة بـ{تَعْلَمُوا} [يوسف: 80]، ويجوز أن تكون (ما) زائدة، فيتعلق الظرفان اللذان هما {مِنْ قَبْلُ} [يوسف: 80]، و{فِي يُوسُفَ} [يوسف: 80] بالفعل وهو {فَرَّطْتُمْ} [يوسف: 80]".

الجار والمجرور متعلق في الموضعين {مِنْ قَبْلُ} [يوسف: 80]، و{فِي يُوسُفَ} [يوسف: 80]، المقصود بالظرفين هنا الجار والمجرور في الموضعين؛ لأن كلًا منهما من الجار والمجرور والظرف شبه جملة، فيطلق على الجار والمجرور ظرف من هذا الوجه؛ لأنه شبه جملة مثل الظرف.

"ويجوز أن تكون (ما) والفعل مصدرًا، و{مِنْ قَبْلُ} [يوسف: 80] متعلقًا بفعل مضمر، والتقدير: تفريطكم في يوسف واقع من قبل، فما والفعل في موضع رفع بالابتداء، والخبر هو الفعل المضمر الذي يتعلق به {مِنْ قَبْلُ} [يوسف: 80].

{فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ} [يوسف: 80] أي ألزمها، ولا أبرح مقيمًا فيها، يقال: بَرِحَ بَراحًا وبُروحًا أي زال، فإذا دخل النفي صار مثبتًا.

{حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي} [يوسف: 80] بالرجوع فإني أستحي منه. {أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي} [يوسف: 80] بالممر مع أخي فأمضي معه إلى أبي.

وقيل: المعنى أو يحكم الله لي بالسيف، فأحارب وآخذ أخي، أو أعجز فأنصرف بعذر، وذلك أن يعقوب قال: {لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ} [يوسف: 66]، ومن حارب وعجز قد أحيط به".

يعني ما تم الشرط، ما تم الشرط؛ لأنه إلى الآن ما أُحيط بهم، فأراد أن يفي بما اشترط، لن يذهب إلى أبيه حتى يحاط به، لكن الشيء إذا استُحق حكمًا، فالحكم معه الغلبة، فأخذ المال يكون قهرًا عن الإنسان، وإن أداه بطيب نفسه من باب الحكم، ما فيه أحد يفرط بالمال من غير رغبة عنه في الجملة إلا إذا كان هناك شيء مقابل له أعظم منه، فما دام أُخذ أخوهم حكمًا، فالحكم قهر، والقهر إحاطة، فهل الإنسان يحاول إذا حُكم عليه بشيء -وإن لم يكن هناك ضرب وسجن وتهديد- مجرد حكم، هل الإنسان يحاول أن يتخلص من هذا الحكم؟

 ولنفرض المسألة في فتيا، أُلزم بدم، الفتوى ليس فيها إلزام من حيث التنفيذ، هي بيان حكم، أُلزم شرعًا، هل نقول: إن هذا أُحيط به فلم يُترك له خيار في ذبح الدم وعدم ذبحه؟ هذا أُحيط به حكمًا وإن لم يكن حقيقةً -قتالًا ظاهرًا ومجاهدة وأخذًا-.

طالب: ..........

نعم، ما فيه شك، ما فيه شك، لكن هو فهم الإحاطة بعد المقاتلة، لا يُحاط به إلا بعد المقاتلة.

"وقال ابن عباس: وكان يهوذا إذا غضب وأخذ السيف فلا يرد وجهه مائة ألف، يقوم شعره في صدره مثل المسال فتنفذ من ثيابه. وجاء في الخبر أن يهوذا قال لإخوته -وكان أشدهم غضبًا".

كل هذا من الإسرائيليات، كما جاء عن موسى -عليه السلام- أنه إذا غضب احترقت قلنسوته، هذا كله مائة ألف، والشعر شعر الصدر يخرج مثل المسامير.

"وكان أشدهم غضبًا، إما أن تكفوني الملك ومن معه أكفكم أهل مصر، وإما أن تكفوني أهل مصر أكفكم الملك ومن معه، قالوا: بل أكفنا الملك ومن معه نكفك أهل مصر، فبعث واحدًا من إخوته فعدوا أسواق مصر فوجدوا فيها تسعة أسواق، فأخذ كل واحد منهم سوقًا، ثم إن يهوذا دخل على يوسف وقال: أيها الملك! لئن لم تخل معنا أخانا لأصيحن صيحة لا تبقي في مدينتك حاملًا إلا أسقطت ما في بطنها، وكان ذلك خاصة فيهم عند الغضب، فأغضبه يوسف وأسمعه كلمة، فغضب يهوذا واشتد غضبه، وانتفجت شعراته، وكذا كان كل واحد من بني يعقوب، كان إذا غضب اقشعر جلده، وانتفخ جسده، وظهرت شعرات ظهره، من تحت الثوب، حتى تقطر من كل شعرة قطرة دم، وإذا ضرب الأرض برجله تزلزلت وتهدم البنيان، وإن صاح صيحة لم تسمعه حامل من النساء والبهائم والطير إلا وضعت ما في بطنها، تمامًا أو غير تمام، فلا يهدأ غضبه إلا أن يسفك دمًا، أو تمسكه يد من نسل يعقوب".

هذا تُلقي من أخبار بني إسرائيل، وظاهره النكارة الظاهرة، والمؤلف اشترط على نفسه ألا يذكر مثل هذه الأخبار، لكنه لم يف بذلك، ذكر منها الشيء الكثير، وإن كان من أنظف التفاسير في هذا الباب.

"فلما علم يوسف أن غضب أخيه يهوذا قد تم وكمل كلم ولدًا له صغيرًا بالقبطية، وأمره أن يضع يده بين كتفي يهوذا من حيث لا يراه، ففعل فسكن غضبه، وألقى السيف، فالتفت يمينًا وشمالاً لعله يرى أحدًا من إخوته فلم يره، فخرج مسرعًا إلى إخوته وقال: هل حضرني منكم أحد؟ قالوا: لا! قال: فأين ذهب شمعون؟ قالوا: ذهب إلى الجبل، فخرج فلقيه، وقد احتمل صخرة عظيمة، قال: ما تصنع بهذه؟ قال أذهب إلى السوق الذي وقع في نصيبي أشدخ بها رءوس كل من فيه، قال: فارجع فردها أو ألقها في البحر، ولا تحدثن حدثًا، فو الذي اتخذ إبراهيم خليلًا! لقد مسني كف من نسل يعقوب، ثم دخلوا على يوسف، وكان يوسف أشدهم بطشًا، فقال: يا معشر العبرانيين! أتظنون أنه ليس أحد أشد منكم قوة، ثم عمد إلى حجر عظيم من حجارة الطاحونة فركله برجله فدحا به من خلف الجدار -الركل الضرب بالرجل الواحدة، وقد ركله يركله، قاله الجوهري- ثم أمسك يهوذا بإحدى يديه فصرعه لجنبه، وقال: هات الحدادين أقطع أيديهم وأرجلهم وأضرب أعناقهم، ثم صعد على سريره وجلس على فراشه، وأمر بصواعه فوضع بين يديه، ثم نقره نقرة فخرج طنينه، فالتفت إليهم وقال: أتدرون ما يقول؟ قالوا: لا! قال: فإنه يقول: إنه ليس على قلب أبي هؤلاء هم ولا غم ولا كرب إلا بسببهم، ثم نقر نقرة ثانية وقال: إنه يخبرني أن هؤلاء أخذوا أخًا لهم صغيرًا فحسدوه ونزعوه من أبيه ثم أتلفوه، فقالوا: أيها العزيز! استر علينا ستر الله عليك، وامنن علينا منَّ الله عليك، فنقره نقرة ثالثة وقال إنه يقول: إن هؤلاء طرحوا صغيرهم في الجب، ثم باعوه بيع العبيد بثمن بخس، وزعموا لأبيهم أن الذئب أكله، ثم نقر نقرة رابعة وقال: إنه يخبرني أنكم أذنبتم ذنبًا منذ ثمانين سنة لم تستغفروا الله منه، ولم تتوبوا إليه، ثم نقره خامسة وقال إنه يقول: إن أخاهم الذي زعموا أنه هلك لن تذهب الأيام حتى يرجع فيخبر الناس بما صنعوا، ثم نقره سادسة وقال إنه يقول: لو كنتم أنبياء أو بني أنبياء ما كذبتم ولا عققتم والدكم، لأجعلنكم نكالًا للعالمين. ايتوني بالحدادين، أقطع أيديهم وأرجلهم، فتضرعوا وبكوا وأظهروا التوبة، وقالوا: لو قد أصبنا أخانا يوسف إذ هو حي لنكونن طوع يده، وترابًا يطأ علينا برجله، فلما رأى ذلك يوسف من إخوته بكى وقال لهم: اخرجوا عني! قد خليت سبيلكم إكرامًا لأبيكم، ولولا هو لجعلتكم نكالًا".

قوله: لو كنتم أنبياء أو بني أنبياء ما كذبتم، الآن حصل منهم الكذب أم ما حصل؟ حصل منهم الكذب، كونه يقول لهم: لو كنتم بني أنبياء، هم بنو أنبياء بلا شك، هم بنو أنبياء، كونهم أنبياء محل خلاف بين أهل العلم، لكن كونهم بني أنبياء، ما فيه خلاف بين أهل العلم، هذا يكذب ما نقل من هذا الكلام، وحصل من هذا كله.

"قوله -تعالى-: {ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ} [يوسف: 81] قاله الذي قال: {فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ} [يوسف: 80]. {فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ} [يوسف: 81]".

طالب: ..........

نعم، كل الخبر فيه نكارة ظاهرة، نكارة ظاهرة؛ لأنه ما أخبرهم إلا بأشياء هو يعرفها، لكنه يوري بهذا النقر أن هذا الصواع يتكلم، لكن أخبرهم بأمور يعرفها هو، وهم لا يدرون ولا يعرفون أنه يعرفها.

طالب: ..........

يظنون به ما يظنون، ويُوحى إليه، أو شيء من هذا، لكن هم يظنون بهذا أنه يخبره.

"وقرأ ابن عباس والضحاك وأبو رزين: (إن ابنك سُرِّق) [يوسف: 81] قاله النحاس. وحدثني محمد بن أحمد بن عمر قال حدثنا ابن شاذان قال حدثنا أحمد بن أبي سُرَيج البغدادي قال: سمعت الكسائي يقرأ: (يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سُرِّق) [يوسف: 81] بضم السين وتشديد الراء مكسورة".

يعني اتهم، اتهم بالسرقة.

"وتشديد الراء مكسورة، على ما لم يسم فاعله، أي نسب إلى السرقة ورمي بها، مثل خونته وفسقته وفجرته إذا نسبته إلى هذه الخلال.

وقال الزجاج: (سُرِّقَ) [يوسف: 81] يحتمل معنيين: أحدهما: علم منه السرق".

يعني وُجد، وُجد منه السرق.

"والآخر: اتهم بالسرق".

السرق والسرقة بمعنى واحد.

"قال الجوهري: والسرق والسرقة بكسر الراء فيهما هو اسم الشيء المسروق، والمصدر سرق يسرق سرقًا بالفتح.

قوله -تعالى-: {وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا} [يوسف: 81]، فيه أربع مسائل:

"الأولى: قوله -تعالى-: {وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا} [يوسف: 81]".

مثل ما قال الشيخ سليمان بن علي في منسكه قال: وما تأليفي إلا تسويد الورق، والتحلي بحلية السرق، وهذا ما فيه شك أنه كثير من المؤلفين من يصنفون بعد الأئمة هذه حليتهم، تسويد الورق، والتحلي بحلية السرقة من كتب الناس، ونسبة الكلام إليه، والله المستعان.

"قوله -تعالى-: {وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا} [يوسف: 81] يريدون ما شهدنا قط إلا بما علمنا، وأما الآن فقد شهدنا بالظاهر، وما نعلم الغيب، كأنهم وقعت لهم تهمة من قول بنيامين: دس هذا في رحلي من دس بضاعتكم في رحالكم، قال معناه ابن إسحاق".

يعني ما جزموا بأنه سرق، ما جزموا بأنه سرق؛ لأنه جاء بحجة قوية، دُس في رحله كما دُست في رحالهم البضاعة.

طالب: ..........

نعم، شك، الشك موجود، لكنه يعطي غلبة ظن، هذا الشك أعطى غلبة ظن بناءً على الحكم الظاهر هو الأصل.

"وقيل المعنى: ما شهدنا عند يوسف بأن السارق يسترق إلا بما علمنا من دينك، قاله ابن زيد. {وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ} [يوسف: 81] أي لم نعلم وقت أخذناه منك أنه يسرق فلا نأخذه.

وقال مجاهد وقتادة: ما كنا نعلم أن ابنك يسترق ويصير أمرنا إلى هذا، وإنما قلنا: نحفظ أخانا فيما نطيق.

وقال ابن عباس: يعنون أنه سرق ليلًا وهم نيام، والغيب هو الليل بلغة حمير، وعنه: ما كنا نعلم ما يصنع في ليله ونهاره وذهابه وإيابه.

وقيل: ما دام بمرأى منا لم يجر خلل، فلما غاب عنا خفيت عنا حالاته. وقيل معناه: قد أُخذت السرقة من رحله، ونحن أخرجناها وننظر إليها، ولا علم لنا بالغيب، فلعلهم سرقوه ولم يسرق.

الثانية: تضمنت هذه الآية جواز الشهادة بأي وجه حصل العلم بها، فإن الشهادة مرتبطة بالعلم عقلًا وشرعًا، فلا تسمع إلا ممن علم، ولا تقبل إلا منهم، وهذا هو الأصل في الشهادات، ولهذا قال أصحابنا: شهادة الأعمى جائزة، وشهادة المستمع جائزة، وشهادة الأخرس إذا فهمت إشارته جائزة، وكذلك الشهادة على الخط -إذا تيقن أنه خطه أو خط فلان- صحيحة، فكل من حصل له العلم بشيء جاز أن يشهد به وإن لم يشهده المشهود عليه، قال الله -تعالى-: {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86]، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ألا أخبركم بخير الشهداء؟ خير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها»، وقد مضى في البقرة".

إذا تحمل الشهادة وجب عليه أداؤها، وحرم عليه كتمانها، لكن يؤديها إذا طُلبت منه؛ كما هو الأصل، فإذا خشي أن يذهب الحق بسبب تأخير الشهادة؛ لعدم علم المشهود له بذلك، فعليه أن يؤديها ولو لم تطلب منه، وبهذا تتفق النصوص؛ لأنه جاء ذم من تسبق شهادته يمينه، ومن تسبق يمينه شهادته، بادروا بالشهادات قبل طلبها، هؤلاء جاء ذمهم، لكن إذا علمنا وجه التوفيق بين هذه النصوص «ألا أخبركم بخير الشهداء؟ خير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يُسألها»، ما يتعب صاحب الحاجة والمشهود له، يأتي بها ولا يكتم، وهذا يدل على أن صاحب الحق لا علم بهذه الشهادة، أما إذا كان عند صاحب الحق علم بأن هذا لديه شهادة له يطلبها منه، ولا يضيع حقه.

"الثالثة: اختلف قول مالك في شهادة المرور، وهو أن يقول: مررت بفلان فسمعته يقول كذا فإن استوعب القول شهد في أحد قوليه، وفي القول الآخر لا يشهد حتى يشهداه. والصحيح أداء الشهادة عند الاستيعاب".

عند الاستيعاب، ما هو يمر بين أناس يتخاصمون، يأخذ بعض الكلام ويترك بعضًا، إن استوعب القصة بكاملها لا بأس، إن حفظ ما سمع ولو كان بغير لغته وأداه كما سمعه، وهذا حصل لمن؟ هو حصل لواحد من الشناقطة المتأخرين، حصل خصومة بغير العربية، فطُلبت شهادة قالوا: ما عندنا إلا فلان عربي، قال: فلان ماذا يدريه ما تقولون؟ فحضر فلان وأدى جميع ما قالوه بلغتهم، جميع ما دار بينهم.

طالب: معاصر؟

معاصر نعم، حتى قصة المعري شبيهة، قريبة منها.

"وبه قال جماعة العلماء، وهو الحق؛ لأنه قد حصل المطلوب وتعين عليه أداء العلم، فكان خير الشهداء إذا أعلم المشهود له، وشر الشهداء إذا كتمها والله أعلم".

الشيخ ابن حميد -رحمه الله- مثل بين يديه خصوم، فادعى المدعي بكلام طويل جدًّا، الشيخ أظهر نفسه أنه غافل عنه، وفيه شيء من النعاس، ثم لما انتهى قال له: أعد، ما انتبهت، فأعاد الكلام، والشيخ يقابل على ما حفظه، فلما انتهى قال: قلت في كلامك الأول كذا، وقلت في كلامك الثاني كذا، قلت في كلامك الأول كذا، فحفظ جميع ما قاله بحروفه، في العرضة الأولى، وفي العرضة الثانية، -رحمه الله-.

"الرابعة: إذا ادعى رجل شهادة لا يحتملها عمره ردت؛ لأنه ادعى باطلًا، فأكذبه العيان ظاهرًا".

إذا قال: يشهد بأن فلانًا على فلان الأرض الفلانية قبل أن يعمرها مثلًا، وعُرف أن عمارة هذا البيت قبل ولادته أو قبل إدراكه، شهادة باطلة يردها الواقع، كما لو ادعى شخص السماع من فلان من الرواة، لما سُئل عن مولده ذكر تأريخًا بعد وفاة ذلك الراوي الذي ادعى الرواية عنه، بهذا عرف كذب كثير من الرواة بهذه الطريقة، بمعرفة التاريخ.

"{وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها وَإِنَّا لَصادِقُونَ} [يوسف: 82]، فيه مسألتان:

الأولى: قوله -تعالى-: {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ} [يوسف: 82] حققوا بها شهادتهم عنده، ورفعوا التهمة عن أنفسهم لئلا يتهمهم. فقولهم: {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] أي أهلها، فحذف، ويريدون بالقرية مصر.

وقيل: قرية من قراها نزلوا بها وامتاروا منها. وقيل المعنى {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] وإن كانت جمادًا، فأنت نبي الله، وهو ينطق الجماد له، وعلى هذا فلا حاجة إلى إضمار، قال سيبويه: ولا يجوز كلم هندًا وأنت تريد غلام هند؛ لأن هذا يشكل. والقول في العير كالقول في القرية سواء. {وَإِنَّا لَصادِقُونَ} [يوسف: 82] في قولنا".

لأنه إذا قال: كلم هندًا، وأنت تريد غلام هند، وهند تصلح لأن تُخاطب، يوقع في لبس كبير، وحينئذ يحمل على الحقيقة دون المجاز، وإلا لو جُوز المجاز في مثل هذا ما استقام كلام، ما استقام كلام إطلاقًا؛ لأن الكل يتكلم، ثم إذا قيل له، قال: أردت كذا، أضمرت مضافًا، فعلى هذا؛ إذا كان المضاف إليه ممن يمكن أو تمكن أن يسند إليه هذا الأمر، فإنه حينئذٍ لا يجوز المجاز، إذا كان المضاف إليه لا يليق به مثل هذا الكلام، أو لا يحصل منه مثل هذه المخاطبة، مثل القرية، {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] كيف تسأل القرية؟ كيف تسأل بيوت؟ كيف تسأل الجمادات؟ هذا حجة من قال بجواز المجاز في القرآن وغيره، فقالوا: هذا مجاز بالحذف، مجاز بالحذف، الذين يدفعون المجاز يقولون: إن هذا نبي، يمكن يسأل القرية وتجيبه من جهة، ومنهم من يقول: أن الجواب لا يلزم أن يكون بلسان المقال، لا يلزم أن يكون الجواب بلسان المقال، يمكن أن تُسأل القرية وتجيب، إذا قيل: أين أهلك؟ أين ساكنوك؟ فالمقصود القائل بأين أهلك في قرية خراب، يسأل أهل القرية؟ هو يسأل القرية نفسها، ما يسأل أهل القرية، إذا سأل القبور: ما صنع الله بكم يا أهل القبور؟ من يخاطب؟ ثم يردون؛ كما فعل عليّ -رضي الله عنه-.

 الجواب لا يلزم أن يكون بلسان المقال، بل قد يحصل بلسان الحال، وقد يكون الجواب بلسان الحال أقوى منه من جواب لسان المقال، وهذا قول من يدفع المجاز عن مثل هذه الأساليب، والله المستعان.

طالب: ..........

هو حقيقة، هو حقيقة.

طالب: ..........

هو مستعمل، وهذه حقيقة، وليست بمجاز.

"الثانية: في هذه الآية من الفقه أن كل من كان على حق، وعلم أنه قد يظن به أنه على خلاف ما هو عليه أو يتوهم أن يرفع التهمة وكل ريبة عن نفسه، ويصرح بالحق الذي هو عليه، حتى لا يبقى لأحد متكلم، وقد فعل هذا نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- بقوله للرجلين اللذين مرا وهو قد خرج مع صفية يقلبها من المسجد: «على رسلكما، إنما هي صفية بنت حيي»، فقالا: سبحان الله، وكَبُرَ عليهما، فقال النبي: «إن الشيطان يبلغ من الإنسان مبلغ الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئًا»، رواه البخاري ومسلم".

الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، لا شك أن الإنسان إذا كان بمكان بحيث يُتهم فلا بد أن يرفع التهمة عنه، لا بد أن يرفع، فإذا أخبر بخبر اتُهم بالكذب، لا بد أن يبين ويذكر ما يرفع التهمة عن نفسه، وهكذا، فإذا كان بحيث يُتهم إذا روى الخبر تامًا، وقد رواه من هو أوثق منه ناقصًا، لا يأتي إلا بما يتفق مع غيره، إذا كان يُتهم إذا روى الخبر ناقص بأنه أخل به وضيعه وقد به غيره تامًا، لا بد أن يسوقه تامًا، وهذا يشترطونه في الاختصار من الحديث، حكم الاختصار من الحديث يجيزه أهل العلم إذا كان المحذوف لا يرتبط بالموجود، يعني الموجود لا يحتاج إلى المحذوف، يعني يكون استثناءً مثلًا أو وصفًا مؤثرًا لا بد منه قالوا: بحيث ترتفع منزلة الراوي عن التهمة، أما إذا وُجدت التهمة فإنه لا يجوز له أن يختصر الحديث.

"قوله -تعالى-: {قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [يوسف: 83]، فيه مسألتان:

الأولى: قوله -تعالى-: {قالَ بَلْ سَوَّلَتْ} [يوسف: 83] أي زينت. {لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ} [يوسف: 83] أن ابني سرق وما سرق، وإنما ذلك لأمر يريده الله. {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} [يوسف: 83] أي فشأني صبر جميل، أو صبر جميل أولى بي، على ما تقدم أول السورة.

الثانية: الواجب على كل مسلم إذا أصيب بمكروه في نفسه أو ولده أو ماله أن يتلقى ذلك بالصبر الجميل، والرضا والتسليم لمجريه عليه وهو العليم الحكيم".

يقول ابن عبد القوي -رحمه الله-:

وكن صابرًا للفقير وادرع الرضا

 

بما قدر الرحمن واشكره واحمد

الله المستعان.

الصبر عاقبته في الدنيا قبل الآخرة، {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10]، هذا في الآخرة، لكن عاقبة الصبر في الدنيا، شوف نفسية من يصبر ونفسية من يجزع ولا يصبر ولا يحتمل، هذا يثبت، وهذا يصاب بالهلع والخور، ولا نتيجة.

"ويقتدي بنبي الله يعقوب وسائر النبيين، صلوات الله عليهم أجمعين".

قد يقول قائل: كيف صبر؟ كيف نقتدي بيعقوب وصبر يعقوب وهو {ابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الحُزْنِ} [يوسف: 84]؟

طالب: ..........

{ابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} [يوسف: 84]، يعني ما أظهره للناس، يعني كون الأمر يحز في النفس، ويؤثر فيها من غير تشكٍّح إلى الناس، يكون هذا من حديث النفس معفو عنه.

"وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن قال: ما من جرعتين يتجرعهما العبد أحب إلى الله من جرعة مصيبة يتجرعها العبد بحسن صبر وحسن عزاء، وجرعة غيظ يتجرعها العبد بحلم وعفو.

وقال ابن جريج عن مجاهد في قوله -تعالى-: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} [يوسف: 83] أي لا أشكو ذلك إلى أحد.

وروى قاتل بن سليمان عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «من بث لم يصبر».

وقد تقدم في البقرة أن الصبر عند أول الصدمة".

«من بث لم يصبر»، الرسول -عليه الصلاة والسلام- قال: «وأنا وارأساه»، وقال -عليه الصلاة والسلام-: «إني أُعوك كما يوعك الرجلان منكم»، هذا مجرد إخبار، فإذا كان مجرد إخبار لا سبيل التشكي، فإن لا يضر ولا يؤثر؛ كمن يخبر الطبيب، أو يخبر القريب ما أصابه شريطة ألا يسترسل؛ لأن من أخبر في الغالب عموم الناس وغالبهم أنه إذا أخبر واسترسل في الإخبار فلا بد أن يصيبهم ما يصيب غيرهم من الجزع والتشكي، فمثل هذا يحسم المادة، لا مانع أن يحسم المادة، وإلا؛ فالأصل الجواز، أن مجرد الإخبار جائز؛ لثبوته عنه -عليه الصلاة والسلام-.

"وقد تقدم في البقرة أن الصبر عند أول الصدمة، وثواب من ذكر مصيبته واسترجع وإن تقادم عهدها.

وقال جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال: إن يعقوب أعطي على يوسف أجر مائة شهيد، وكذلك من احتسب من هذه الأمة في مصيبته فله مثل أجر يعقوب -عليه السلام-".

أما كونه مائة شهيد، فلا، لا يؤجر أجرهم، إنما يوفى أجره بغيره حساب، بغير حساب، لا أجر مائة شهيد، قد يكون أقل، وقد يكون أكثر، لكنه بغير حساب.

"قوله -تعالى-: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً} [يوسف: 83]؛ لأنه كان عنده أن يوسف- صلى الله عليه وسلم- لم يمت، وإنما غاب عنه خبره؛ لأن يوسف حُمل وهو عبد لا يملك لنفسه شيئًا، ثم اشتراه الملك فكان في داره لا يظهر للناس، ثم حُبس، فلما تمكن احتال في أن يعلم أبوه خبره، ولم يوجه برسول؛ لأنه كره من إخوته أن يعرفوا ذلك فلا يدعوا الرسول يصل إليه.

وقال: {بِهِمْ} [يوسف: 83]؛ لأنهم ثلاثة، يوسف وأخوه، والمتخلف من أجل أخيه، وهو القائل: {فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ} [يوسف: 83]. {إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ} [يوسف: 83] بحالي. {الْحَكِيمُ} [يوسف: 83] فيما يقضي.

قوله -تعالى-: {وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} [يوسف: 84]، فيه ثلاث مسائل:

الأولى: قوله -تعالى-: {وَتَوَلَّى عَنْهُمْ} [يوسف: 84] أي أعرض عنهم، وذلك أن يعقوب لما بلغه خبر بنيامين تتام حزنه، وبلغ جهده، وجدد الله مصيبته له في يوسف فقال: {يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ} [يوسف: 84]، ونسى ابنه بنيامين فلم يذكره، عن ابن عباس".

لأن مصيبة بنيامين وإن كانت مصيبة، لكن أين هذه المصيبة من مصيبته بيوسف، الله المستعان.

"وقال سعيد بن جبير: لم يكن عند يعقوب ما في كتابنا من الاسترجاع، ولو كان عنده لما قال: {يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ} [يوسف: 84]. قال قتادة والحسن: والمعنى يا حزناه! وقال مجاهد والضحاك: يا جزعاه! قال كُثير:

فيا أسفا للقلب كيف انصرافه

 

وللنفس لما سليت فتسلت

والأسف شدة الحزن على ما فات. والنداء على معنى: تعال يا أسف فإنه من أوقاتك.

وقال الزجاج: الأصل يا أسفي، فأبدل من الياء ألف لخفة الفتحة".

النداء، نداء ما لا يعقل، أو نداء المعاني، البصريون يقدرون قبل المنادى الظاهر ما يصلح أن ينادى، كأن يقال هنا مثلًا: {يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ} [يوسف: 84]، يا قومي أسفًا على يوسف، والله المستعان.

"{وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ} [يوسف: 84] قيل: لم يبصر بهما ست سنين، وأنه عمي، قاله مقاتل.

وقيل: قد تبيض العين ويبقى شيء من الرؤية، والله أعلم بحال يعقوب، وإنما ابيضت عيناه من البكاء، ولكن سبب البكاء الحزن، فلهذا قال: {مِنَ الْحُزْنِ} [يوسف: 84].

وقيل: إن يعقوب كان يصلي، ويوسف نائمًا معترضًا بين يديه، فغط في نومه، فالتفت يعقوب إليه، ثم غط ثانية فالتفت إليه، ثم غط ثالثة فالتفت إليه سرورًا به وبغطيطه".

وهو في الصلاة، وهو في الصلاة، فعوقب من هذا الالتفات، كأنه يريد هذا، والله المستعان.

"فأوحى الله -تعالى- إلى ملائكته: «انظروا إلى صفيي وابن خليلي قائمًا في مناجاتي يلتفت إلى غيري، وعزتي وجلالي! لأنزعن الحدقتين اللتين التفت بهما، ولأفرقن بينه وبين من التفت إليه ثمانين سنة؛ ليعلم العاملون أن من قام بين يدي يجب عليه مراقبة نظري»".

هذا فيمن أصل صلاته مبنية على المراقبة لله -سبحانه وتعالى-، فكيف بمن لم يلتفت أصلًا إلى خالق وهو يصلي؟

هذا حال كثير من الناس، يدخل في الصلاة ويخرج منها ما يدري ماذا يفعل، والله المستعان، ولذا تسأل كثيرًا من المصلين: وماذا قرأ الإمام في الصلاة الجهرية؟ ما يدري، لا شك أن هذه عقوبة، عقوبة مصيبة على المسلم لا سيما من ينتسب إلى طلب العلم، هذا موجود، يعني نفيه مكابرة، هذا موجود، كل إنسان يحسه من نفسه، توقع أن الإمام لو يصلي عشر ركعات أن يوجد من يتابع من غير تنبيه، ما يدرون ماذا يصلي، وهذا حاصل -نسأل الله العافية-، وهذا من الأمراض التي شاعت سببها الانصراف عن تدبر القرآن من جهة، والتخليط في المطعم من جهة أخرى، والله المستعان.

طالب: ..........

ذكره أهل العلم ابن القيم وابن رجب وغيرهما، لكن الذي يزهد في الخشوع حقيقة مع ما جاء فيه من كثرة، من النصوص المتكاثرة أن جمهور أهل العلم على أنه سنة، وليس بواجب، هذا يجعل كثيرًا من طلاب العلم يزهدون في الخشوع، سنة وليس بواجب، أن لا أثر له في الصلاة، لكن الذي حققه جمع من أهل العلم أن الخشوع واجب في الصلاة، وأنه إذا فقد يخل بالصلاة، نعم كون الإنسان خاشعًا متبتلًا في صلاته كلها هذا قد يكون من طلب التكليف بما لا يطاق، اللهم إلا بعض الناس ممن ارتبط وتعلق قلبه بالله ارتباطًا وثيقًا، لكن عموم الناس تكليفه بمثل هذا تكليف ما لا يطاق، لكن أيضًا التفريط بحيث يقال: لو صلى ولا خشع في أي جزء من صلاته، صلاته صحيحة ما فيها إشكال، ولا يأثم، هذا يجعل الناس يزهدون في الخشوع، الغزالي في الإحياء نصر القول بوجوب الخشوع، وأيده ودعمه بالأدلة، والخشوع كما هو معروف لب الصلاة.

 ما الفائدة من الصلاة التي لا خشوع فيها؟! إذا قام الإنسان ركع وسجد، نعم هي مسقطة للطلب ومجزئة، بمعنى أنه لا يؤمر بها ثانية، لكن الآثار المترتبة عليها من كونها تنهى عن الفحشاء والمنكر، هذه الصلاة الكاملة، أما الصلاة المسقطة للطلب فتوجد صلاة مسقطة للطلب، وهذا حال كثير من المسلمين، يصلون ولا يؤمرون بالإعادة قولًا واحدًا، لكن مع ذلكم لا تترتب الآثار على هذه الصلاة.

فالعبادات إنما شُرعت لحكم عظيمة، الصلاة تقوم سلوك الإنسان فعلًا وتركًا، الصوم، إذا صام الإنسان على مراد الله من الصوم، فإن الصوم يجره إلى التقوى، هذه الفائدة الحقيقية من الصوم، وهكذا، العبادات كلها لها حكم عظيمة، لكن هذه الحكم وهذه الفوائد وهذه المصالح لا تترتب آثارها على نفس الفعل إذا لم يكن على هدي الرسول -عليه الصلاة والسلام- مقصودًا بذلك مرادًا به وجه الله -سبحانه وتعالى-.

طالب: ..........

لا، الطمأنينة يقابلها الحركة، يقابلها الحركة، وقد لا يتحرك، لكنه ما يخشع.

طالب: ..........

أين؟

طالب: ..........

هذا الخبر، خبر عين مثل الخبر الذي يذكره، مثل الخبر الذي يُذكر، لكن متنه ما فيه نكارة ظاهرة، يلتفت عن الله فعوقب.

طالب: ..........

لا ما نزعت، ابيضت.

طالب: ..........

كان مثل التي فاتت، الأخبار كلها من هذا النوع.

"الثانية: وهذا يدل على أن الالتفات في الصلاة -وإن لم يبطل- يدل على العقوبة عليها، والنقص فيها، وقد روى البخاري عن عائشة قالت: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الالتفات في الصلاة فقال: «هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد». وسيأتي ما للعلماء في هذا أول سورة المؤمنون موعبًا -إن شاء الله تعالى-".

عند قوله -تعالى-: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 2].

"الثالثة: قال النحاس: فإن سأل قوم عن معنى شدة حزن يعقوب -صلى الله عليه وسلم- وعلى نبينا- فللعلماء في هذا ثلاثة أجوبة: منها: أن يعقوب -صلى الله عليه وسلم- لما علم أن يوسف -صلى الله عليه وسلم- حي خاف على دينه، فاشتد حزنه لذلك.

وقيل: إنما حزن؛ لأنه سلمه إليهم صغيرًا، فندم على ذلك.

والجواب الثالث -وهو أبينها- هو أن الحزن ليس بمحظور، وإنما المحظور الولولة وشق الثياب، والكلام بما لا ينبغي، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب». وقد بيَّن الله -جلَّ وعزَّ- ذلك بقوله: {فَهُوَ كَظِيمٌ} [يوسف: 84] أي مكظوم مملوء من الحزن ممسك عليه لا يبثه، ومنه كظم الغيظ وهو إخفاؤه، فالمكظوم المسدود عليه طريق حزنه، قال الله -تعالى-: {إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ} [القلم: 48] أي مملوء كربًا".

هذا عند علماء النفس وبعض الأطباء خطأ، ما تكظم؛ لأن هذا -من وجهة نظرهم- يولد انفجار، لا بد أن تبث حزنك للناس حتى تتنفس، لكن عندهم أن الكظم هذا داء، وله آثار يزعمون أنها سيئة، لكن مُدح بالنصوص، {وَالْكَاظِمِينَ الغَيْظَ} [آل عمران: 134]، والله المستعان.

"ويجوز أن يكون المكظوم بمعنى الكاظم، وهو المشتمل على حزنه. وعن ابن عباس: كظيم مغموم، قال الشاعر:

فإن أك كاظمًا لمصاب شاس

 

فإني اليوم منطلق لساني

وقال ابن جريج عن مجاهد عن ابن عباس قال: ذهبت عيناه من الحزن {فَهُوَ كَظِيمٌ} [يوسف: 84] قال: فهو مكروب.

وقال مقاتل بن سليمان عن عطاء عن ابن عباس في قوله: {فَهُوَ كَظِيمٌ} [يوسف: 84] قال: فهو كمد، يقول: يعلم أن يوسف حي، وأنه لا يدري أين هو، فهو كمد من ذلك. قال الجوهري: الكمد الحزن المكتوم، تقول منه كمد الرجل فهو كمد وكميد. قال النحاس: يقال: فلان كظيم وكاظم، أي حزين لا يشكو حزنه، قال الشاعر:

فحضضت قومي واحتسبت قتالهم

 

والقوم من خوف المنايا كظم

قوله -تعالى-: {قالُوا تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ * قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ} [يوسف: 85-86].

قوله -تعالى-: {قالُوا تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ} [يوسف: 85] أي قال له ولده: {تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ} [يوسف: 85] قال الكسائي: فتأت وفتئت أفعل ذلك أي ما زلت. وزعم الفراء أن (لا) مضمرة، أي لا تفتأ، وأنشد:

فقلت يمين الله أبرح قاعدًا

 

ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي".

يعني: لا أبرح.

"أي لا أبرح، قال النحاس: والذي قال حسن صحيح. وزعم الخليل وسيبويه أن (لا) تضمر في القسم؛ لأنه ليس فيه إشكال، ولو كان واجبًا لكان باللام والنون، وإنما قالوا له ذلك؛ لأنهم علموا باليقين أنه يداوم على ذلك، يقال: ما زال يفعل كذا، وما فتئ وفتأ فهما لغتان، ولا يستعملان إلا مع الجحد قال الشاعر:

فما فتئت حتى كأن غبارها

 

سرادق يوم ذي رياح ترفع

أي ما برحت فتفتأ تبرح.

وقال ابن عباس: تزال. {حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً} [يوسف: 85] أي تالفًا.

وقال ابن عباس ومجاهد: دنفًا من المرض، وهو ما دون الموت".

لأن هذه الحرض دون الموت؛ لأن الموت هو الهلاك، {حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً} [يوسف: 85] يعني مقاربًا للموت، مقاربًا للهالكين، أو تكون من الهالكين، أما تالفًا، وإن قُصد بها التلف التام الذي هو الهلاك، فغير صحيح.

"قال الشاعر:

سرى همي فأمرضني

 

وقدما زادني مرضًا

كذا الحب قبل اليو

 

م مما يورث الحرضا

وقال قتادة: هرمًا. وقال الضحاك: باليًا داثرًا. وقال محمد بن إسحاق: فاسدًا لا عقل لك. وقال الفراء: الحارض الفاسد الجسم والعقل، وكذا الحرض. وقال ابن زيد: الحرض الذي قد رد إلى أرذل العمر. وقال الربيع بن أنس: يابس الجلد على العظم. وقال المؤرج: ذائبًا من الهم.

وقال الأخفش: ذاهبًا. وقال ابن الأنباري: هالكًا، وكلها متقاربة".

ما كنية المؤرج السدودسي؟ كنيته إيش؟ ولا واحد عرف؟

طالب: ..........

كنية المؤرج السدودسي هذا، كنيته معروفة؟

طالب: ..........

نعم.

طالب: ..........

لغوي، إمام عندهم، في اللغة والأمثال والأدب، كل هذا فنه.

"وأصل الحرض الفساد في الجسم أو العقل من الحزن أو العشق أو الهرم، عن أبي عبيدة وغيره، وقال العرجي:

إني امرؤ لج بي حب فأحرضني

 

حتى بليت وحتى شفني السقم

قال النحاس: يقال حرض حرضًا، وحرض حروضًا وحروضة إذا بلي وسقم، ورجل حارض وحرض، إلا أن حرضًا لا يثني ولا يجمع، ومثله قَمِن وحري لا يثنيان ولا يجمعان. قال الثعلبي: ومن العرب من يقول: حارض للمذكر، والمؤنثة حارضة، فإذا وصف بهذا اللفظ ثنى وجمع وأنث. ويقال: حرض يحرض حراضة فهو حريض وحرض. ويقال: رجل محرض، وينشد:

طلبته الخيل يومًا كاملًا

 

ولو ألفته لأضحى مُحْرَضًا

وقال امرؤ القيس:

أرى المرء ذا الأذواد يصبح محرضًا

 

كإحراض بكر في الديار مريض

قال النحاس: وحكى أهل اللغة أحرضه الهم إذا أسقمه".

بِكر أم بَكر؟

طالب: ..........

هو ضابطه بالكسر هكذا.

طالب: ..........

نعم، بَكر وليس بِكر.

أرى المرء ذا الأذواد يصبح محرضًا

 

.....................................

صاحب الإبل الكثيرة.

.....................................

 

كإحراض بكر في الديار مريض

طالب: ..........

نعم، هذا صاحب الدنيا كلها هكذا، والله المستعان.

"قال النحاس: وحكى أهل اللغة أحرضه الهم إذا أسقمه، ورجل حارض أي أحمق. وقرأ أنس: (حُرضا) [يوسف: 85] بضم الحاء وسكون الراء، أي مثل عود الأشنان".

طالب: يا شيخ مثل عود الأشنان، ما وصفه؟

ما أدري والله، ما أعرف، الأشنان نبت كان يستعمل بدل الصابون، تنظف به الثياب والأواني وغيرها، لكن ما أعرف أن حقيقته موجودة - الظاهر- الآن، قد يوجد عند العطارين، أنا ما أعرفه.

طالب: ..........

ما هو بعيد.

"وقرأ الحسن بضم الحاء والراء. قال الجوهري: الحرض والحرض الأشنان. {أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ} [يوسف: 85] أي الميتين، وهو قول الجميع، وغرضهم منع يعقوب من البكاء والحزن شفقة عليه، وإن كانوا السبب في ذلك.

قوله -تعالى-: {قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي} [يوسف: 86] حقيقة البث في اللغة ما يرد على الإنسان من الأشياء المهلكة التي لا يتهيأ له أن يخفيها، وهو من بثثته أي فرقته، فسميت المصيبة بثًّا مجازًا، قال ذو الرمة:

وقفت على ربع لمية ناقتي

 

فما زلت أبكي عنده وأخاطبه

وأسقيه حتى كاد مما أبثه

 

تكلمني أحجاره وملاعبه

وقال ابن عباس: بثِّي همي. وقال الحسن: حاجتي.

وقيل: أشد الحزن، وحقيقته ما ذكرناه.

{حُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف: 86]، معطوف عليه، أعاده بغير لفظه.

{وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ} [يوسف: 86]، أي أعلم أن رؤيا يوسف صادقة، وأني سأسجد له. قاله ابن عباس. وقال قتادة: إني أعلم من إحسان الله -تعالى- إلى ما يوجب حسن ظني به.

وقيل: قال يعقوب لملك الموت: هل قبضت روح يوسف؟ قال: لا، فأكد هذا رجاءه".

طالب: ..........

هو ما فيه شك أن الفراق موجب للحزن في حد ذاته.

"وقال السدي: أعلم أن يوسف حي، وذلك أنه لما أخبره ولده بسيرة الملك وعدله وخلقه وقوله أحست نفس يعقوب أنه ولده فطمع، وقال: لعله يوسف. وقال: لا يكون في الأرض صديق إلا نبي.

وقيل: أعلم من إجابة دعاء المضطرين ما لا تعلمون.

{يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكافِرُونَ} [يوسف: 87].

قوله -تعالى-: {يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ} [يوسف: 87] هذا يدل على أنه تيقن حياته، إما بالرؤيا، وإما بإنطاق الله -تعالى- الذئب كما في أول القصة، وإما بإخبار ملك الموت إياه بأنه لم يقبض روحه، وهو أظهر. والتحسس طلب الشيء بالحواس، فهو تَفَعُّل من الحس، أي اذهبوا إلى هذا الذي طلب منكم أخاكم، واحتال عليكم في أخذه فاسألوا عنه وعن مذهبه. ويروى أن ملك الموت قال له: اطلبه من هاهنا! وأشار إلى ناحية مصر.

وقيل: إن يعقوب تنبه على يوسف برد البضاعة، واحتباس أخيه، وإظهار الكرامة، فلذلك وجههم الى جهة مصر دون غيرها".

التحسس والتجسس معناهما الطلب، الطلب، فالتحسس الطلب مع قصد الخير بخلاف التجسس، فالله المستعان.

"{وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ} [يوسف: 87] أي لا تقنطوا من فرج الله، قاله ابن زيد، يريد: أن المؤمن يرجو فرج الله، والكافر يقنط في الشدة. وقال قتادة والضحاك: من رحمة الله. {إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ} [يوسف: 87] دليل على أن القنوط من الكبائر، وهو اليأس، وسيأتي في الزمر بيانه -إن شاء الله تعالى-.

قوله -تعالى-: {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ} [يوسف: 88] أي الممتنع. {مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ}[يوسف: 88] هذه المرة الثالثة من عودهم إلى مصر، وفي الكلام حذف، أي فخرجوا إلى مصر، فلما دخلوا على يوسف قالوا: {مَسَّنا}[يوسف: 88] أي أصابنا، {وَأَهْلَنَا الضُّرُّ}[يوسف: 88] أي الجوع والحاجة، وفي هذا دليل على جواز الشكوى عند الضر، أي الجوع، بل واجب عليه إذا خاف على نفسه الضر من الفقر وغيره أن يبدي حالته إلى من يرجو منه النفع، كما هو واجب عليه أن يشكو ما به من الألم إلى الطبيب ليعالجه".                                                      

أما الوجوب فلا وجوب، لا وجوب شكوى على الطبيب ولا وجوب علاج؛ لأن شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- يقول: لا أعلم سالفًا أوجب العلاج، سالفًا يعني أحدًا من السلف، أوجب العلاج ولو ترتب على تركه الهلاك.

طالب: ..........

أما كونه لا يعلم سالفًا فهذا موجود في الكتب بالجزء والصفحة، أما بالنسبة للمضطر يموت جوعًا ولا يسأل، مسألة أخرى.

طالب: ..........

لا أعلم.

"كما هو واجب عليه أن يشكو ما به من الألم إلى الطبيب ليعالجه، ولا يكون ذلك قدحًا في التوكل، وهذا ما لم يكن التشكي على سبيل التسخط، والصبر والتجلد في النوائب أحسن، والتعفف عن المسألة أفضل، وأحسن الكلام في الشكوى سؤال المولى زوال البلوى، وذلك قول يعقوب: {نَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ} [يوسف: 86] أي من جميل صنعه، وغريب لطفه، وعائدته على عباده، فأما الشكوى على غير مُشْكٍ فهو السفه، إلا أن يكون على وجه البث والتسلي، كما قال ابن دريد:

لا تحسبن يا دهر أني ضارع

 

لنكبة تعرقني عرق المُدى

مارست من لو هوت الأفلاك من

 

جوانب الجو عليه ما شكا

لكنها نفثة مصدور إذا

 

جاش لغام من نواحيها غما"

من المقصورة لابن دريد.

"قوله -تعالى-: {وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ} [يوسف: 88] البضاعة القطعة من المال يقصد بها شراء شيء، تقول: أبضعت الشيء واستبضعته أي جعلته بضاعة، وفي المثل: كمستبضع التمر إلى هجر.

قوله -تعالى-: {مُزْجاةٍ} [يوسف: 88] صفة لبضاعة، والإزجاء السَّوق بدفع، ومنه قوله -تعالى-: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحاباً} [النور: 43] والمعنى أنها بضاعة تدفع، ولا يقبلها كل أحد. قال ثعلب: البضاعة المزجاة الناقصة غير التامة. واختلف في تعيينها هنا، فقيل: كانت قديدًا وحيسًا، ذكره الواقدي عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-".

الذي يذهب في ذلك الوقت من بلادهم إلى مصر بلد الخيرات في تلك الأزمان بقديد، لحم ميبس، وحيس، هذه البضاعة المزجاة، من يشتري؟ والله المستعان، لكن هي الأيام دول، في يوم من الأيام ما يحتاجون هذه الأشياء، وفي أيام أخرى يحتاجونها، وفي أيام يصدرونها، وهكذا.

طالب: ..........

إذا قال: {بِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ} [يوسف: 88]، هو يقصد قلة ما معه من هذه البضاعة، يعني قلة ما عنده من النصوص، أو معرفته بهذه النصوص، وإن كانت عنده، مقبول على سبيل هضم النفس، لكن إذا قصد أن البضاعة هذه التي هي الكتاب والسنة مزجاة فلا.

طالب: ما يمنع منها يا شيخ؟

يمنع منها إذا كانت بهذا القصد، أما إذا كان يتحدث عن نفسه، وما معه من هذه البضاعة العظيمة، الذي عنده من هذه البضاعة العظيمة مزجاة، لا بأس، لا بأس.

"وقيل: خلق الغرائر والحبال".

خَلَق، خَلَق، خَلَق القديم منها، بالي.

"خَلَق الغرائر والحبال. روي عن ابن عباس.

وقيل: متاع الأعراب صوف وسمن، قاله عبد الله بن الحارث.

وقيل: الحبة الخضراء والصنوبر وهو البطم، حب شجر بالشام، يؤكل ويعصر الزيت منه لعمل الصابون، قاله أبو صالح، فباعوها بدراهم لا تنفق في الطعام، وتنفق فيما بين الناس، فقالوا: خذها منا بحساب جياد تنفق في الطعام.

وقيل: دراهم رديئة، قاله ابن عباس أيضًا.

وقيل: ليس عليها صورة يوسف، وكانت دراهم مصر عليها صورة يوسف.

وقال الضحاك: النعال والأدم، وعنه: كانت سويقًا منخلًا. والله أعلم".

{وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران: 140]، استبضع التمر إلى هجر، كان في يوم أن أهل هجر يصيرون من أشد الناس حاجة إلى التمر؛ كما أن أهل العراق في هذه الأيام من أشد الناس إلى ما يؤكل، بحاجة، وهي بلاد الخيرات، والله المستعان.

بلادنا الآن -ولله الحمد- ينفق فيها كثير من السلع التي تجبى إليها من كل بلد، بالنسبة للكتب والمخطوطات أغلى سوق في الدنيا عندنا للكتب، والكتب تمشي في هذه البلاد أكثر من غيرها، وتجبى إليها من كل بلد، وقد كان أهل هذه البلاد ينسخون الكتب ويصدرونها ويبيعونها للناس، وقع في يدي خطاب لشخص من أهل القصيم نسخ كتب شيخ الإسلام -رحمه الله- بيده، هذا قبل مائة سنة إلا سبع سنوات، سنة تسع وعشرين، وبعث بها إلى مصر لتباع هناك من أجل ماذا؟

من أجل إن ساوت قيمة طيبة اشترى بها كتابًا واحدًا مطبوعًا، تصوروا يعني حال أهل هذه البلاد قبل، يعني ينسخون كالأجراء، ويبيعون للناس هناك، ثم بعد ذلك تغيرت الأحوال، هل يتصور النجدي ينسخ لواحد من الآفاق في هذه الأيام؟ بغض النظر عن كون ذاته أو بلده أو عرقه أو نسبه، لا، يعني وضع البلد عمومًا، ما يتصور هذا، ومع ذلكم ما جاءت بالقيمة التي يحصل بها الكتاب، نسخ الكتب بخطه، كتب مخطوطة بعث بها إلى مصر؛ لتباع من أجل أن يُشترى بها كتاب واحد مطبوع الدر المنثور، ما جاءت بالقيمة التي يُشترى بها الكتاب، وأكاد أجزم أن الكتاب في ذلك الوقت لا يتجاوز الجنيه الواحد، الذي هو الدر المنثور، وصاحب الكتب المخطوطة في خطابه يقول: إن جاءت بقيمة طيبة فتشتري لنا كتاب الدر المنثور؛ لأنه جامع لتفاسير السلف، جامع لتفاسير السلف، فما الذي يدلنا عن الكتاب؟ ما جاءت بالكتاب؟ نسخة هذا الرجل من الدر المنثور عندي موقوفة عليه من محسنٍ ثانٍ، يعني لو مشتري النسخة، وبيعت كتبه المخطوطات بقيمة تساوي قيمة الكتاب ما أحسن عليه محسن ووقف عليه نسخة، والله المستعان.

الألوسي يبعث نسخته إلى نجد، إلى القصيم من نقض التأسيس لشخص ينسخ له.

"