التعليق على تفسير القرطبي - سورة الإسراء (05)
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الإمام القرطبي -رحمه الله-:
"قوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُورًا (33)}.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} قَدْ مَضى الْكَلَامُ فِيهِ فِي الْأَنْعَامِ".
وقبل ذلك في النساء، تقدم الكلام عن القتل الخطأ والعمد للمسلم ولغير المسلم، ممن له عهد وذمة ما لم يكن حربيًّا.
"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُورًا}. فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْأُولَى:
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا} أَيْ بِغَيْرِ سَبَبٍ يُوجِبُ الْقَتْلَ. {فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ} أي لمستحق دمه. قال خويز منداد: الْوَلِيُّ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا؛ لِأَنَّهُ أَفْرَدَهُ بِالْوِلَايَةِ بِلَفْظِ التَّذْكِيرِ. وَذَكَرَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: "فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ" مَا يَدُلُّ عَلَى خُرُوجِ الْمَرْأَةِ عَنْ مُطْلَقِ لَفْظِ الْوَلِيِّ، فَلَا جَرَمَ، لَيْسَ لِلنِّسَاءِ حَقٌّ فِي القصاص لذلك، ولا أثر، وَلَيْسَ لَهَا الِاسْتِيفَاءُ".
إخراج النساء من لفظ الولاية يعني لو أراد دخول النساء لجاء بلفظ أعم، لو قال: لوارثه مثلًا أو لقريبه فيدخل في ذلك النساء، لكن الولاية ليس للنساء فيها نصيب؛ ولذا قال أهل العلم ما سمعتم.
أما إفراده بلفظ التذكير فلا أثر له؛ لدخول النساء في خطاب المذكر، النساء تدخل في خطاب المذكر إذا لم يدل دليل على إخراجهن مثل ما عندنا هنا.
"وَقَالَ الْمُخَالِفُ: إِنَّ الْمُرَادَ ها هنا بِالْوَلِيِّ الْوَارِثُ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ}، وَقَالَ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ}، وَقَالَ: {وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ}، فَاقْتَضَى ذَلِكَ إِثْبَاتَ الْقَوَدِ لِسَائِرِ الْوَرَثَةِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّ الْوَلِيَّ فِي ظَاهِرِهِ عَلَى التَّذْكِيرِ وَهُوَ وَاحِدٌ، كَأَنَّ مَا كَانَ بِمَعْنَى الْجِنْسِ يَسْتَوِي الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ فِيهِ، وَتَتِمَّتُهُ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ".
(لوليه) الإفراد هنا في وليه مفرد مضاف فيعم، والمفرد إذا أضيف عم، {ما لكم من ولايتهم من شيء}، ما الفرق بين الوِلاية والوَلاية؟
طالب:...............
الوِلاية تأتي بمعنى الإمارة وما في حكمها، والوَلاية الموالاة والنصرة.
"(سُلْطانًا) أَيْ تَسْلِيطًا إِنْ شَاءَ قَتَلَ وَإِنْ شَاءَ عَفَا، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَةَ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا- وَالضَّحَّاكُ وَأَشْهَبُ وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ قَالَ مَالِكٌ: السُّلْطَانُ أَمْرُ اللَّهِ. ابْنُ عَبَّاسٍ: السُّلْطَانُ الْحُجَّةُ. وَقِيلَ: السُّلْطَانُ طَلَبُهُ حَتَّى يُدْفَعَ إِلَيْهِ".
فإذا دفع إليه فهو بالخيار، إن عفا {وأن تعفو أقرب للتقوى}، وإن عدل إلى الدية، وإن طلب القصاص فالأمر إليه.
"قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ مُتَقَارِبَةٌ، وَأَوْضَحُهَا قَوْلُ مَالِكٍ: إِنَّهُ أَمْرُ اللَّهِ. ثُمَّ إِنَّ أَمْرَ اللَّهِ- عَزَّ وَجَلَّ- لَمْ يَقَعْ نَصًّا، فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ، وَأَبو حَنِيفَةَ: الْقَتْلُ خَاصَّةً".
وأبو، قال ابن القاسم عن مالك وقال أبو حنيفة، نعم. يعني قال مالك وأبو حنيفة، قال مالك في رواية ابن القاسم وأبو حنيفة.
"وَقَالَ أَشْهَبُ: الْخِيرَةُ، كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَدْ مَضَى فِي سُورَةِ" الْبَقَرَةِ هَذَا الْمَعْنَى".
اختيارهم القتل، وأنه هو حكم الله وأمره؛ لقوله: {النفس بالنفس}، لكن قد يعدل عن هذا الأصل إلى العفو فهو أقرب للتقوى {وأن تعفو أقرب للتقوى}، لكن الأصل النفس بالنفس.
"الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: لَا يَقْتُلُ غَيْرَ قَاتِلِهِ، قَالَهُ الْحَسَنُ وَالضَّحَّاكُ ومجاهد وصعيد بْنُ جُبَيْرٍ. الثَّانِي: لَا يَقْتُلُ بَدَلَ وَلِيِّهِ اثْنَيْنِ كَمَا كَانَتِ الْعَرَبُ تَفْعَلُهُ. الثَّالِثُ: لَا يُمَثَّلُ بِالْقَاتِلِ، قَالَهُ طَلْقُ بْنُ حَبِيبٍ، وَكُلُّهُ مُرَادٌ؛ لِأَنَّهُ إِسْرَافٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ".
كله داخل في عموم الآية.
"وَقَدْ مَضَى فِي "الْبَقَرَةِ" الْقَوْلُ فِي هَذَا مُسْتَوْفًى. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: " يُسْرِفْ" بِالْيَاءِ، يُرِيدُ الْوَلِيَّ، وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: " تُسْرِفْ" بِالتَّاءِ مِنْ فَوْقٍ، وَهِيَ قِرَاءَةُ حُذَيْفَةَ".
فيه التفات من الغيبة إلى الخطاب، فقد جعلنا لوليه سلطانًا فلا تسرف أيها الولي، الولي غائب ثم خوطب، وحيئذ يكون فيه التفات من الغيبة إلى الخطاب، وعلى قراءة الأكثر هو جارٍ على أنه غائب في الموضوعين.
"وَرَوَى الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: هُوَ لِلْقَاتِلِ الْأَوَّلِ، وَالْمَعْنَى عِنْدَنَا فَلَا تُسْرِفْ أَيُّهَا الْقَاتِلُ".
تسميته قاتلًا، هو للقاتل الأول، والمعنى عندنا: فلا تسرف أيها القاتل، بمعنى أنك إذا عرفت أنك مقتول مقتول، يعني بعض الناس يقول: ما دمت مقتولًا قصاصًا، فلماذا لا أقضي على أكبر قدر ممكن فأنا ميت ميت، وهذا تأكيد أنه لا يصيب أكثر مما أصاب من الدم الحرام. قتل الواحد وإن كان عظيمًا أسهل من قتل الاثنين بلا نزاع، وإن عظَّم الله شأن القتل، {من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا}.
"وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: هُوَ عَلَى مَعْنَى الْخِطَابِ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْأَئِمَّةِ مِنْ بَعْدِهِ. أَيْ لَا تَقْتُلُوا غَيْرَ الْقَاتِلِ. وَفِي حَرْفِ أُبَيٍّ: " فلا تسرفوا في القتل".
نعم، لا يُقتل غير القاتل، لا يُؤخذ أحد بجريرة غيره، القاتل يُقتل، لكن غيره يبحث عنه؟ لا، لذا في الوقائع التي حصلت بين الصحابة في وقت الخلفاء لم يقتل غير القاتل، فطلب غير القاتل إسراف منهي عنه.
طالب: ................
فلا تسرف أيها القاتل، وجيه، وكونه للولي أيضًا وجيه، الولي يأخذه الغضب لمقتوله فيقتل أكثر من واحد؛ ليغيظ القاتل أولًا ثم يقتل غيره. هذا إسراف.
"الثالثة: قوله تعالى: {إِنَّهُ كانَ مَنْصُورًا} أَيْ مُعَانًا، يَعْنِي الْوَلِيَّ. فَإِنْ قِيلَ: وَكَمْ مِنْ وَلِيٍّ مَخْذُولٍ لَا يَصِلُ إِلَى حَقِّهِ.
قُلْنَا: الْمَعُونَةُ تَكُونُ بِظُهُورِ الْحُجَّةِ تَارَةً وَبِاسْتِيفَائِهَا أُخْرَى، وَبِمَجْمُوعِهِمَا ثَالِثَةً، فَأَيُّهَا كَانَ فَهُوَ نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وَرَوَى ابْنُ كَثِيرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: إِنَّ الْمَقْتُولَ كَانَ مَنْصُورًا. قال النَّحَّاسُ: وَمَعْنَى قَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ نَصَرَهُ بِوَلِيِّهِ. وَرُوِيَ أَنَّهُ فِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ: " فَلَا تُسْرِفُوا فِي الْقَتْلِ إِنَّ وَلِيَّ المقتول كان منصورًا". قال النحاس: الأبين بِالْيَاءِ، وَيَكُونُ لِلْوَلِيِّ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُقَالُ: لَا يُسْرِفُ إِنْ كَانَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ، فَهَذَا لِلْوَلِيِّ. وَقَدْ يَجُوزُ بِالتَّاءِ وَيَكُونُ لِلْوَلِيِّ أَيْضًا، إِلَّا أَنَّهُ يَحْتَاجُ فِيهِ إِلَى تَحْوِيلِ الْمُخَاطَبَةِ. قَالَ الضَّحَّاكُ: هَذَا أَوَّلُ مَا نَزَلَ مِنَ القرآن في شأن القتل. وهى مكية".
النصرة إن كانت للمقتول فلا شك أنه منصور في الآخرة، سوف يُقتص له إن لم يُقتص في الدنيا ففي الآخرة، وإن اقتص له في الدنيا فهي أيضًا نصرة له؛ لأنه قال: فإن قيل: وكم من ولي مقتول لا يصل إلى حقه، قد لا يصل إلى حقه في الدنيا، وقد يموت القاتل فلا يحصل له من التشفِّي كما لو اقتص منه، والنصرة هناك في الآخرة للمقتول.
"قوله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا (34)}".
"قوله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} "فِيهِ مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} قَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِيهِ فِي الْأَنْعَامِ".
ولا تقربوا مال اليتيم، والنهي عن قربان الشيء نهي عن مباشرته من باب أولى، لا تقرب هذا الشيء، إذًا لا تدنُ منه، فضلًا عن أنك تأكل منه وتأخذ منه، ومثله مال اليتيم مبالغة في عدم الأكل منه وظلمه بأخذ شيء منه بغير حق، والنهي عن قربانه أبلغ من النهي عن نقصه بالأكل أو الاستيلاء أو ما أشبه ذلك، نعم.
"الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ} قَدْ مَضَّى الْكَلَامُ فِيهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ. قَالَ الزَّجَّاجُ: كُلُّ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَنَهَى عَنْهُ فَهُوَ مِنَ الْعَهْدِ. {إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا} عَنْهُ، فَحُذِفَ، كَقَوْلِهِ: {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} بِهِ وَقِيلَ: إِنَّ الْعَهْدَ يُسْأَلُ تَبْكِيتًا لِنَاقِضِهِ فَيُقَالُ: لم نقضت؟ كما تسأل الموءودة تبكيتا لوائدها".
إن العهد كان مسؤلًا، هل العهد هو المسئول؟ أو يسأل عن عهده ووفائه؟ قولان: فإذا احتجنا إلى ذكر متعلق الجار والمجرور، وتشرب مما تشربون، يعني منه، ومثله ويفعلون ما يؤمرون، يعني به، وإن كان المراد أن العهد نفسه هو المسئول فلا مانع أن يسأل، ولا مانع أن يجيب، والقدرة الإلهية صالحة، كما أن الرحم تتكلم، والسماوات والأرضين تتكلم، يتكلم العهد، فيُسأل هذا العهد هل تم الوفاء به أو لا؟ فيجيب، القدرة الإلهية صالحة لكل هذا، تتحول المعاني إلى أجسام تتكلم، وقد يكون جوابها بلسان المقال، {قالتا أتينا طائعين}، وقد يكون الجواب بلسان الحال، فيبِين من حالها أنها وفيت، أو يبِين من حالها أنها لم توفَّ.
"قوله تعالى: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (35)} فِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ} تقدم الكلام فيه أيضًا في الأنعام، وَتَقْتَضِي هَذِهِ الْآيَةُ أَنَّ الْكَيْلَ عَلَى الْبَائِعِ، وَقَدْ مَضَى فِي سُورَةِ " يُوسُفَ"، فَلَا مَعْنَى للإعادة".
إذا بعت فكِل، وإذا ابتعت فاكتل، {وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون} فدل على أن البيع أجرته على البائع، هذا إذا بيع بالكيل، أما إذا بيع جزافًا، وأراد المشتري أن يتأكد هل هو غابن أو مغبون، فأراد أن يكيل فالكيل عليه. لكن إذا بيع بالكيل فالكيل على البائع.
"وَالْقِسْطَاسُ (بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِهَا): الْمِيزَانُ بِلُغَةِ الرُّومِ، قَالَهُ ابْنُ عَزيز".
ابن عُزيز السجستاني صاحب غريب القرآن. كتاب صغير في غريب القرآن.
"قاله ابن عُزَيْزٍ". وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الْقِسْطَاسُ: الْمِيزَانُ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْقِسْطَاسُ: الْعَدْلُ، وَكَانَ يَقُولُ: هِيَ لُغَةٌ رُومِيَّةٌ، وَكَأَنَّ النَّاسَ قِيلَ لَهُمْ: زِنُوا بِمَعْدَلَةٍ فِي وَزْنِكُمْ. وقرأ ابن كثير".
لغة رومية، قد يوجد بعض الألفاظ بغير العربية عند جمع من أهل العلم، وإن نفاه بعضهم، كون بعض الألفاظ بغير العربية لا يعني أنه يخرج عن كونه عربيًّا {بلسان عربي مبين}، بعض الألفاظ وإن كانت غير عربية إلا أنها يسيرة، والمسألة- كما تعلمون- مختلف فيه، الإجماع قائم على أنه لا يوجد تراكيب أعجمية في القرآن، وأنه يوجد فيه أعلام أعجمية إجماعًا، لكن ما عدا ذلك من الألفاظ والمفردات غير الأعلام مختلف فيه، والأكثر على إثبات بعض الكلمات التي هي بغير العربية واستعملها العرب، على أن بعضهم يقول: إن هذا مما اتفقت عليه اللغات كالمشكاة، المشكاة تواطأت عليها اللغات، ناشئة الليل، وهنا قسطاس، وما أشبه ذلك.
"وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَنَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ" الْقُسْطَاسُ" بِضَمِّ الْقَافِ. وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ (بِالْقِسْطاسِ) (بِكَسْرِ الْقَافِ) وَهُمَا لُغَتَانِ.
الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} أَيْ وَفَاءُ الْكَيْلِ وَإِقَامَةُ الْوَزْنِ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ وَأَبْرَكُ".
خير أفعل تفضيل، وفاء الكيل خير، يعني من نقصه والتطفيف، فهل في النقص والتطفيف خير أو نقول: إن أفعل التفضيل هنا ليست على بابها؛ لأنه لم يشترك الأمران في الوصف الذي هو خير، كما في قوله تعالى: {أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرًّا}، أو نقول: إن أفعل هنا على وجهها، وإعطاء المشتري بعض حقه خير، أحسن من لا شيء، والوفاء أعظم خيرًا، أكثر خيرًا، ظاهر أم ليس بظاهر؟
أما في قوله تعالى: {أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرًّا} يعني من أهل النار؟ أهل النار ما عندهم خبر ألبتة، فليست على بابها، فهنا يحتمل أن يكون على بابها، وكون المشتري يعطى بعض حقه ويبخس خير من لا شيء، والوفاء أفضل الخير، والويل لمن طفَّف، يعني الذي يطفِّف أسهل من الذي يأخذ المال ولا يعطي شيئًا، نعم، أحسن مع أنه متوعَّد بويل، {ويل للمطففين}. نسأل الله العافية.
"{وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} أَيْ عَاقِبَةً".
أي ما يؤول إليه أمره. التأويل يعني ما يؤول إليه أمره هنا. يعني عاقبته خير.
"قَالَ الْحَسَنُ: ذُكِرَ لَنَا أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَا يَقْدِرُ رَجُلٌ عَلَى حَرَامٍ ثُمَّ يَدَعُهُ لَيْسَ لَدَيْهِ إِلَّا مَخَافَةَ اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا أَبْدَلَهُ اللَّهُ فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا قَبْلَ الْآخِرَةِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ذَلِكَ»".
مخرج؟
طالب:.........
نعم.
طالب: ................
النسخ متفاوتة في التخريج.
طالب: ................
مخرج عندك يا يوسف؟
طالب: ................
عندك محقق؟
طالب: ................
نعم.
طالب: ................
صيغته، قال الحسن: ذُكر لنا، وبلغني عن رسول الله، هذا يسمى مرسلًا؟ لو قال: قال الحسن: أن رسول الله قال، صار من مراسيل الحسن. قوله: ذُكر لنا يقتضي وجود ذاكر، فهو ليس بمرسل، بل فيه راوٍ مبهم، الذاكر هذا مبهم، على أن البيهقي يرى أن مثل هذا وجوده مثل عدمه، كأنه أسقط، إبهام الراوي مثل عدمه، حتى قال فيما إذا قيل: قال الحسن: قال بعض أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: مرسل، يقول البيهقي. لكن إذا عرفنا أن المبهم صحابي، فجهالة الصحابي لا تضر، وهنا يحتمل أن يكون الذاكر صحابيًّا أو غير صحابي. والحسن- رحمه الله- يتساهل في هذا بشدة، ومراسيله أوهى المراسيل.
"قوله تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا}.
فيه ست مسائل:
الأولى: قوله تعالى: (وَلا تَقْفُ) أَيْ لَا تَتْبَعُ مَا لَا تَعْلَمُ وَلَا يَعْنِيكَ".
وأصل لا تقف: المشي، قفا الغير: اتبع أثره، فلان يقفو فلانًا أي يتبع أثره، ويمشي وراءه، ويتوسع بأن يقلده، فلان يمشي بخطاه، أيضًا وراءه برأيه.
لا تتبع ما لا تعلم ولا يعنيك، فمن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه. والذي لا تعلمه لا يجوز أن تتكلم فيه. ما لم يبلغك بطريق ملزم لا يجوز لك أن تتبعه ولا تقفوه.
"قَالَ قَتَادَةُ: لَا تَقُلْ رَأَيْتُ وَأَنْتَ لَمْ تَرَ، وَسَمِعْتَ وَأَنْتَ لَمْ تَسْمَعْ، وَعَلِمْتَ وَأَنْتَ لَمْ تَعْلَمْ".
كما أنك أيضًا مطالب أن لا تقول هذا في كل ما تسمع، «كفى بالمرء إثمًا أن يحدث بكل ما سمع»، والآن يتزيدون فيما لم يسمعوا، فضلًا عن أن يكونوا سمعوه، الاحتمالات الآن التي تبدى على أنها احتمالات وتوقعات بعض الناس ينقلونها على أنها حقائق، فمثل هذا إضلال للآخرين وتلاعب بعقولهم، وهنا أدب شرعي لا تقف ما ليس لك به علم، الذي لم يبلغك بطريق ملزم لا تتبعه، لست مطالبًا بأن تنقل كل ما تسمع.
"وَقَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-. قَالَ مُجَاهِدٌ: لَا تَذُمَّ أَحَدًا بِمَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ، وَقَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَيْضًا. وَقَالَ مُحَمَّدُ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ: هِيَ شَهَادَةُ الزُّورِ. وقال القتبي: المعنى لا تتبع الحدس وَالظُّنُونَ، وَكُلُّهَا مُتَقَارِبَةٌ".
قد يستدل بمثل هذا بعض المبتدعة الذين يقولون: لا نعمل إلا بما يفيد العلم من القرآن أو السنة القطعية، المتواترة؛ لأن الله يقول: {ولا تقف ما ليس لك به علم} أي لا تتبع ما ليس لك به علـــــــــــــم.
ونقول هنا: العلم نقيض الجهل، إذا ارتفع الجهل ولو بظن، فيما يغلب على الظن، والأحكام معلقة بغلبة الظن عند عامة أهل العلم، فإذا وجد عندنا ما يفيد الظن الغالب من النصوص لزم العمل به.
طالب:........
كلٌّ بحسبه، يحتمل، بحسب أثره.
"وَأَصْلُ الْقَفْوِ الْبُهْتُ وَالْقَذْفُ بِالْبَاطِلِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: «نَحْنُ بنو النضر ابن كِنَانَةَ لَا نَقْفُو أُمَّنَا وَلَا نَنْتَفِي مِنْ أَبِينَا» أَيْ لَا نَسُبُّ أُمَّنَا. وَقَالَ الْكُمَيْتُ:
فَلَا أَرْمِي الْبَرِيءَ بِغَيْرِ ذَنْبٍ ... وَلَا أَقْفُو الْحَوَاصِنَ إِنْ قُفِينَا"
خرجه؟
طالب:...........
معناه صحيح، لكن هل معناه الحصر؟ أن غير بني النضر؟
طالب: ................
الأصل نحن بنو أم بني؟
طالب:.........
العربية اختصاص، منصوب على الاختصاص، فالأصل نحن بني النضر بن كنانة، فهو منصوب على الاختصاص، لكن هل معناه أن غيرهم لا يقفون أمهاتهم، وينتفون من آبائهم، أو أنه عندهم من شدة التحري والاحتياط في هذا الباب أكثر من غيرهم؟ لا يلزم أن يكون هذا الأمر مختصًّا بهم بهذا الأسلوب أن يكون غيرهم على النقيض سواء.
"يُقَالُ: قَفَوْتُهُ أَقْفُوهُ، وَقُفْتُهُ أَقُوفُهُ، وَقَفَّيْتَهُ إِذَا اتَّبَعْتَ أَثَرَهُ. وَمِنْهُ الْقَافَةُ لتتبعهم الآثار، وقافية كل شيء آخِرُهُ، وَمِنْهُ قَافِيَةُ الشِّعْرِ".
نعم آخر البيت القافية.
"لِأَنَّهَا تَقْفُو الْبَيْتَ. وَمِنْهُ اسْمُ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المقفّي؛ لأنه جاء آخر الأنبياء. ومنه القائف، وَهُوَ الَّذِي يَتْبَعُ أَثَرَ الشَّبَهِ. يُقَالُ: قَافَ الْقَائِفُ يَقُوفُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ. وَتَقُولُ: فَقُوتُ الْأَثَر، بِتَقْدِيمِ الْفَاءِ عَلَى الْقَافِ. قال ابْنُ عَطِيَّةَ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ تَلَعُّبِ الْعَرَبِ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ".
نعم يقدمون ويؤخرون، صاعقة وصاقعة.
"كَمَا قَالُوا: رَعَمْلِي فِي لَعَمْرِي. وَحَكَى الطَّبَرِيُّ عَنْ فِرْقَةٍ أَنَّهَا قَالَتْ: قَفَا وَقَافَ، مِثْلُ عَتَا وَعَاتَ. وَذَهَبَ مُنْذِرُ بْنُ سَعِيدٍ إِلَى أَنْ قَفَا وَقَافَ مِثْلُ جَبَذَ وَجَذَبَ. وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذِهِ الْآيَةُ تَنْهَى عَنْ قَوْلِ الزُّورِ وَالْقَذْفِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأَقْوَالِ الْكَاذِبَةِ وَالرَّدِيئَةِ. وَقَرَأَ بَعْضُ النَّاسِ فِيمَا حَكَى الْكِسَائِيُّ: " تَقُفْ" بِضَمِّ الْقَافِ وَسُكُونِ الْفَاءِ. وَقَرَأَ الْجَرَّاحُ: " وَالْفَآدُ بِفَتْحِ الْفَاءِ، وَهِيَ لُغَةٌ لِبَعْضِ النَّاسِ، وَأَنْكَرَهَا أَبُو حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ".
الفآد بالمد نعم، بدل فؤاد.
طالب:...............
نعم بالمد.
طالب: ................
كيف؟
طالب: ................
نعم.
طالب: ................
مما تقدم من الكلام، يعني من الكلام المتقدم أخذ القائف.
طالب: ................
هم من القافة، لكن اشتقاق القائف من الكلام المتقدم، من قفو الأثر، وأنكرها أبو حاتم. من أبو حاتم؟
طالب: ................
السجستاني، نعم
"الثَّانِيَةُ: قَالَ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ: تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الْحُكْمَ بِالْقَافَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ:" وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ" دَلَّ عَلَى جَوَازِ مَا لَنَا بِهِ عِلْمٌ، فَكُلُّ مَا عَلِمَهُ الْإِنْسَانُ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ جَازَ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ، وَبِهَذَا احْتَجَجْنَا عَلَى إِثْبَاتِ الْقُرْعَةِ وَالْخَرْصِ؛ لِأَنَّهُ ضَرْبٌ مِنْ غَلَبَةِ الظَّنِّ".
خلافًا لأبي حنيفة الذي يقول: مجرد تخمين.
"وَقَدْ يُسَمَّى عِلْمًا اتِّسَاعًا".
من باب التوسع يُسمى علمًا، كما أن الفقه يقال له علم، وأكثره أحكام ظنية، لكن يجب العمل بها، لكن من باب التوسع يقال له علم.
"فَالْقَائِفُ يُلْحِقُ الْوَلَدَ بِأَبِيهِ مِنْ طَرِيقِ الشَّبَهِ بَيْنَهُمَا، كَمَا يُلْحِقُ الْفَقِيهُ الْفَرْعَ بِالْأَصْلِ مِنْ طَرِيقِ الشَّبَهِ".
ولذا من أقوى ما يستدل به العلماء على إثبات القياس قياس النبي- صلى الله عليه وسلم- الولد الذي جاء لونه مخالفًا للون أبيه قاسه بالإبل، هل لك من إبل؟ قال: نعم، قال فما ألوانها؟ قال كذا، قال: هل فيها من أورق؟ قال: نعم. قال: فما الذي غير اللون؟ قال: لعله نزعة عرق. فاستدلوا بهذا على شرعية القياس.
"وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ عَلَيَّ مَسْرُورًا تَبْرُقُ أسارير وجهه فقال: «ألم ترى أَنَّ مُجَزِّزًا نَظَرَ إِلَى زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَلَيْهِمَا قَطِيفَةٌ قَدْ غَطَّيَا رُءُوسَهُمَا وَبَدَتْ أَقْدَامُهُمَا فَقَالَ: إِنَّ بَعْضَ هَذِهِ الْأَقْدَامِ لَمِنْ بَعْضٍ». فِي حَدِيثِ يُونُسَ بْنِ يزيد:" وكان مجزز قائفًا".
نعم لاختلاف اللون بين زيد وابنه أسامة، زيد أبيض، وأسامة أسود، فكانت قريش تطعن في نسب أسامة، ففرح النبي- صلى الله عليه وسلم- فرحًا شديدًا لما شهد مجزز وهو قائف، أن هذه الأقدام بعضها من بعض.
"الثَّالِثَةُ: قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ: كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تَقْدَحُ فِي نَسَبِ أُسَامَةَ؛ لِكَوْنِهِ أَسْوَد شَدِيد السَّوَادِ، وَكَانَ زَيْدٌ أَبُوهُ أَبْيَضَ من الْقُطْنِ، هَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَقَالَ غَيْرُ أَحْمَدَ كَانَ زَيْدٌ أَزْهَرَ اللَّوْنِ، وَكَانَ أُسَامَةُ شَدِيدَ الْأُدْمَةِ، وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ عَرَبِيٌّ صَرِيحٌ مِنْ كَلْبٍ، أَصَابَهُ سِبَاءٌ، حَسْبَمَا يَأْتِي فِي سُورَةِ " الْأَحْزَابِ" إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
الرَّابِعَةُ: اسْتَدَلَّ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى الرُّجُوعِ إِلَى الْقَافَةِ عِنْدَ التَّنَازُعِ فِي الْوَلَدِ، بِسُرُورِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِقَوْلِ هَذَا الْقَائِفِ، وَمَا كَانَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِالَّذِي يُسَرُّ بِالْبَاطِلِ وَلَا يُعْجِبُهُ. وَلَمْ يَأْخُذْ بِذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَإِسْحَاقُ وَالثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُهُمْ مُتَمَسِّكِينَ بِإِلْغَاءِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الشَّبَهَ فِي حَدِيثِ اللِّعَانِ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي سُورَةِ " النُّورِ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى".
نعم عند المعارضة بما هو أقوى لا يُلتفت إلى الشبه، الحكم الشرعي لا يُلتفت معه إلى غيره، والحكم باللعان حكم شرعي، والآثار المترتبة عليه لا تُعَارض بمثل الشبه.
ولذا لما تنازع ابن زمعة مع ... من؟
طالب:..........
نعم. هو لك يا ...
طالب: ................
واحتجبي منه يا سودة. لوجود الشبه أمر سودة بالاحتجاب، وحكم للولد بالفراش فأعطاه سعدًا.
المقصود أن الشبه قد يثير ما يوجب الاحتياط، ولا يُحكم به، فهنا قال: احتجبي منه يا سودة لوجود الشبه، لكن الحكم الشرعي أعطاه لغيره؛ إلحاقًا للولد بالفراش.
"الْخَامِسَةُ: وَاخْتَلَفَ الْآخِذُونَ بِأَقْوَالِ الْقَافَةِ، هَلْ يُؤْخَذُ بِذَلِكَ فِي أَوْلَادِ الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ أَوْ يَخْتَصُّ بِأَوْلَادِ الْإِمَاءِ، عَلَى قَوْلَيْنِ، فَالْأَوَّلُ: قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْهُ، وَمَشْهُورُ مَذْهَبِهِ قَصْرُهُ عَلَى وَلَدِ الْأَمَةِ. وَالصَّحِيحُ مَا رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْهُ وَقَالَه الشَّافِعِيُّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ فِي الْبَابِ إِنَّمَا وَقَعَ فِي الْحَرَائِرِ، فَإِنَّ أُسَامَةَ وَأَبَاهُ حُرَّانِ، فَكَيْفَ يُلْغَى السَّبَبُ الَّذِي خَرَجَ عَلَيْهِ دَلِيلُ الْحُكْمِ، وَهُوَ الْبَاعِثُ عَلَيْهِ".
هما حران باعتبار الأصل من كلب، لكن باعتيار الاستيلاء والسبي هما عبدان رقيقان بالسبي، والسبي سبب للملك والاسترقاق فأصولهما حرة من كلب.
"هَذَا مِمَّا لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ. وَكَذَلِكَ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ، هَلْ يُكْتَفَى بِقَوْلِ وَاحِدٍ مِنَ الْقَافَةِ أَوْ لَا بُدَّ مِنَ اثْنَيْنِ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ".
السبب فيه حر، فدخول السبب قطعي. قد يقول قائل: لماذا لا تسعى النساء بين العلمين في المسعى سعيًا شديدًا؟ والسبب امرأة، ودخول السبب قطعي، لماذا؟
طالب:..........
نعم.
طالب: ................
اسعوا اسعوا، فإن الله كتب عليكم السعي، يدخل الرجال والنساء.
طالب: ................
نعم؟
طالب:..........
نعم، هو معارض بما هو أقوى منه، المرأة مطالبة بالستر، والنبي -عليه الصلاة والسلام- انكشفت ركبتاه من شدة السعي، فلو طالبنا النساء لانكشفت سوقهن، وهذا معارض بالستر.
"وَكَذَلِكَ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ، هَلْ يُكْتَفَى بِقَوْلِ وَاحِدٍ مِنَ الْقَافَةِ أَوْ لَا بُدَّ مِنَ اثْنَيْنِ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ".
يعني هل القيافة من قبل الخبر، فيكتفى بها في الواحد الثقة، أو هي من باب الشهادة، فلابد من اثنين. إن كانت خبرًا يكتقى بواحد، ومثله لو كانت حكمً يكتفى بواحد. بخلاف ما لو كانت شهادة فلا بد من اثنين. والظاهر أنه يكفي الواحد المجرب الثقة.
" وَبِالْأَوَّلِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْخَبَرِ بَلْ نَصُّهُ. وَبِالثَّانِي قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-.
السَّادِسَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا} أَيْ يُسْأَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَمَّا اكْتَسَبَ، فَالْفُؤَادُ يُسْأَلُ عَمَّا افْتَكَرَ فِيهِ وَاعْتَقَدَهُ، وَالسَّمْعُ والبصر عما رأى مِنْ ذَلِكَ وَسَمِعَ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَسْأَلُ الْإِنْسَانَ عَمَّا حَوَاهُ سَمْعُهُ وَبَصَرُهُ وَفُؤَادُهُ".
على ما تقدم، إما أن يقدِّر مسولًا عنه، {كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا} أي عنه، إن كان المرء مسؤولًا عنه فيكون المسؤول الشخص، فيكون مسؤولًا عن سمعه وبصره وعن بقية جوارحه، كما يُسأل عن عمله، أو يكون السمع نفسه والبصر والفؤواد، تكون مسؤولة عما فعل بها صاحبها؟ نعم.
"وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ »، فَالْإِنْسَانُ رَاعٍ عَلَى جَوَارِحِهِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ كُلُّ هَذِهِ كَانَ الْإِنْسَانُ عَنْهُ مَسْئُولًا، فَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ. وَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ أَبْلَغُ فِي الْحُجَّةِ، فَإِنَّهُ يَقَعُ تَكْذِيبُهُ مِنْ جَوَارِحِهِ، وَتِلْكَ غَايَةُ الْخِزْيِ، كَمَا قَالَ: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ}، وَقَوْلُهُ: {شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ}".
حينما يقول: لا أرضى إلا شاهدًا من نفسي فيختم على فيه، فتسأل جوارحه فتجيب. وهو عنهن يناضل ويحاج، لكن كما قال الله- جل وعلا-: {شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ وَقَالُوا لجلودهم لم شهدتم علينا} فالجواب: {قَالُوا أنطقنا الله الَّذِي أنطق كل شَيْء} فالذي يستخفي من الناس ولا يستخفي من الله، ويزاول الذنوب والمعاصي يتذكر مثل هذه النصوص فيقلع عما يفعله في الخفاء، وأعظم من ذلك المجاهر. نسأل الله العافية.
"وَعَبَّرَ عَنِ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْفُؤَادِ بِأُولَئِكَ؛ لِأَنَّهَا حَوَاسُّ لَهَا إِدْرَاكٌ، وَجَعَلَهَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَسْئُولَةٌ، فَهِيَ حَالَةُ مَنْ يَعْقِلُ، فَلِذَلِكَ عَبَّرَ عَنْهَا بِأُولَئِكَ. وَقَالَ سِيبَوَيْهِ -رَحِمَهُ اللَّهُ- فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ}: إِنَّمَا قَالَ:" رَأَيْتُهُمْ" فِي نُجُومٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَصَفَهَا بِالسُّجُودِ وَهُوَ مِنْ فِعْلِ مَنْ يَعْقِلُ عَبَّرَ عَنْهَا بِكِنَايَةِ مَنْ يَعْقِلُ".
كناية ضمير هنا؛ يعني أعاد عليها ضمير من يعقل.
"وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَحَكَى الزَّجَّاجُ أَنَّ الْعَرَبَ تُعَبِّرُ عَمَّا يَعْقِلُ وَعَمَّا لَا يَعْقِلُ بِأُولَئِكَ، وَأَنْشَدَ هُوَ وَالطَّبَرِيُّ:
ذُمَّ الْمَنَازِلَ بَعْدَ مَنْزِلَةِ اللِّوَى ... وَالْعَيْشَ بَعْدَ أُولَئِكَ الْأَيَّامِ
وَهَذَا أَمْرٌ يُوقَفُ عِنْدَهُ. وَأَمَّا البيت فالرواية فيه" الأقوام"، والله أعلم".
وَالْعَيْشَ بَعْدَ أُولَئِكَ الأقوام. وحينئذ لا يكون فيه شاهد.
"قوله تعالى: {وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا (37) كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا(38)}.
فِيهِ خَمْسُ مَسَائِلَ:
الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا} هَذَا نَهْيٌ عَنِ الْخُيَلَاءِ وَأَمْرٌ بِالتَّوَاضُعِ. وَالْمَرَحُ: شِدَّةُ الْفَرَحِ. وَقِيلَ: التَّكَبُّرُ فِي الْمَشْيِ. وَقِيلَ: تَجَاوُزُ الْإِنْسَانِ قَدْرَهُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: هُوَ الْخُيَلَاءُ فِي الْمَشْيِ. وَقِيلَ: هُوَ الْبَطَرُ وَالْأَشَرُ. وَقِيلَ: هُوَ النَّشَاطُ وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ مُتَقَارِبَةٌ، وَلَكِنْهَا مُنْقَسِمَةٌ قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَذْمُومٌ وَالْآخَرُ مَحْمُودٌ، فَالتَّكَبُّرُ وَالْبَطَرُ وَالْخُيَلَاءُ وَتَجَاوُزُ الْإِنْسَانِ قَدْرَهُ مَذْمُومٌ، وَالْفَرَحُ وَالنَّشَاطُ مَحْمُودٌ".
فالفرح لا يُمدح مطلقًا، ولا يُذم، من يفرح بتوفيق الله له أن وفَّقه وأعانه على عبادته لا بأس، {فبذلك فليفرحوا هو خير مما يحمعون}، وأما الفرح بالدنيا والركون إليها فهو مذموم، والنشاط أيضًا كغيره مما يودعه الله -جل وعلا- هذا الجسم من مواهب إن استعملت فيما يرضي الله- جل وعلا- فهي محمودة وإلا ذمت، يعني استعملت في ضد ذلك.
"وَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى نَفْسَهُ بِأَحَدِهِمَا، ففي الحديث الصحيح" لله أفرج بتوبة العبد من رجل ... الحديث. والكسل مَذْمُومٌ شَرْعًا وَالنَّشَاطُ ضِدُّهُ. وَقَدْ يَكُونُ التَّكَبُّرُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مَحْمُودًا، وَذَلِكَ عَلَى أَعْدَاءِ اللَّهِ وَالظَّلَمَةِ. أَسْنَدَ أَبُو حَاتِمِ محمد بْنُ حِبَّانٍ عَنِ ابْنِ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: « مِنَ الْغَيْرَةِ مَا يُبْغِضُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَمِنْهَا مَا يُحِبُّ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-".
نعم الغيرة إذا كانت في حدها الشرعي فمطلوبة، لكن تعدت الحد الشرعي ذمت.
"وَمِنَ الْخُيَلَاءِ مَا يُحِبُّ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- وَمِنْهَا مَا يُبْغِضُ اللَّهُ، فَأَمَّا الْغَيْرَةُ الَّتِي يُحِبُّ اللَّهُ الْغَيْرَةُ فِي الدِّينِ، وَالْغَيْرَةُ الَّتِي يُبْغِضُ اللَّهُ الْغَيْرَةُ فِي غَيْرِ دِينِهِ وَالْخُيَلَاءُ الَّتِي يُحِبُّ اللَّهُ اخْتِيَالُ الرَّجُلِ بِنَفْسِهِ عِنْدَ الْقِتَالِ".
نعم يظهر من نفسه النشاط والقوة ليغيظ بذلك الأعداء.
"وَعِنْدَ الصَّدَقَةِ، وَالِاخْتِيَالُ الَّذِي يُبْغِضُ اللَّهُ الْخُيَلَاءُ فِي الْبَاطِلِ ».
كيف الخيلاء عند الصدقة؟
طالب:........
عند القتال وعند الصدقة.
طالب: ................
كذا عندكم في كل الطبعات؟
طالب: ................
كيف يختال عند الصدقة؟
طالب: ................
اختيال الرجل بنفسه عند القتال وعند الصدقة.
طالب: ................
تذكر رقمه في سنن أبي داود؟
طالب: ................
في كتاب الزكاة؟
طالب: ................
الخيلاء عند الصدقة. المقصود بذلك المتصدق أم المتصدّق عليه؟
طالب: المتصدق.
المتصدق يختال على الناس أنه أدى ما افترض عليه؟
طالب:...........
يعني أعانه الله على عدوِّه الخفيّ وهو الشيطان، فالإنسان في جهاد سواء كان أمام عدو ظاهر أو عدو باطن، فإذا وُفِّق وأعين على مراغمة العدو الباطن، كان هذه هو المراد.
تراجع.
طالب:..............
على هذا كل العبادات.
طالب:.............
"وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي مُصَنَّفِهِ وَغَيْرِهِ. وَأَنْشَدُوا:
وَلَا تَمْشِ فَوْقَ الأرض إلا تواضعا ... فكم تحتها قوم هموا مِنْكَ أَرْفَعُ
وَإِنْ كُنْتَ فِي عِزٍّ وَحِرْزٍ ومنعة ... فكم مات من قوم هموا مِنْكَ أَمْنَعُ"
من أعجب بقوته فليذكر عادًا، ومن أعجب بماله فليذكر قارون، ومن أعجب بخلقته، المقصود أنه ما من شيء معجِب في الإنسان إلا وقد أوتي من أهلك من الأمم السابقة ما هو أشد منه، {وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً} يعني فيما لم نمكنكم فيه، وإن اغتررنا بوجود صناعات وتقنيات، مع أنه ليس لنا منه شيء، لكن قد يغتر الإنسان بأنه قد أعطي ما لم يعطَ الأولون، وليس صحيحًا. إذا استطعت أن تبني هذه البنايات فقد أعطوا من القدرة أن ينحتوا الصخر، فمكنوا في شيء لم نمكن منه، فكيف يتكبر الإنسان؟ كيف يختال الإنسان على غيره؟ بعض الناس إذا اقتنى سيارة فارهة استكبر على الناس، لماذا يتكبر على الناس؟ يعني لو أنت صنعت السيارة نقول: لك وجه، استطعت أن توجد شيئًا. يعني أعطالك الله سبحانه هذا المال، فما لك أي دور في الموضوع. ما لك فيه قبيل ولا دبير. فيتذكر الإنسان إذا اختال أو تكبر على غيره مثل هذه الأمور.
يتذكر الإنسان ما رُكِّب منه، من طين، مخلوق من ماء مهين، ومآله إلى حفرة وتأكله الدود، ويعتريه ما يعتريه من النقص والحاجة.
"الثَّانِيَةُ: إِقْبَالُ الْإِنْسَانِ عَلَى الصَّيْدِ وَنَحْوِهِ تَرَفُّعًا دُونَ حَاجَةٍ إِلَى ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَفِيهِ تَعْذِيبُ الْحَيَوَانِ وَإِجْرَاؤُهُ لِغَيْرِ مَعْنًى".
أما الصيد لغير مأكلة فلا يجوز، وقد نُهي عن الصيد لغير مأكلة، ليؤكل، ومجرد هواية الصيد، نهي أيضًا أن يتخذ ما فيه الروح غرضًا للسهام، فليتذكر الإنسان الذي يترفع على هذه المخلوقات الضعيفة أنه قد يُسلَّط عليه من هو أقوى منه ويسومه سوء العذاب.
"وَأَمَّا الرَّجُلُ يَسْتَرِيحُ فِي الْيَوْمِ النَّادِرِ وَالسَّاعَةِ مِنْ يَوْمِهِ، وَيُجِمُّ فِيهَا نَفْسَهُ في الترويح وَالرَّاحَةِ لِيَسْتَعِينَ بِذَلِكَ عَلَى شُغْلٍ مِنَ الْبِرِّ، كَقِرَاءَةِ عِلْمٍ أَوْ صَلَاةٍ، فَلَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ".
نعم، الترويح واللهو والعبث اليسير جاء بمثله الشرع، لا سيما إذا استُعين به على عبادة الله- عز وجل-، يرتاح الإنسان، يلهو يسيرًا، يستجم، يتنزَّه، والدين فيه فسحة، ولله الحمد، وإذا قصد بذلك الاستعانة على الطاعة انتقل لعبادة.
يقول بعضهم: كيف يقتني طالب العلم كتبًا لا يحتاجها ولا يستفيد منها؟ مضيعة للمال والجهد والوقت، يقرأ في التواريخ، يقرأ في الأدب. نقول: يستجم بها، يروِّح بها، وقد يعتبِر بها، فالاستجمام مطلوب، لو كان الإنسان عمره كله جد يمل وينقطع، ويكون كالمنبت، لكن إذا عمل ساعة وارتاح مثلها على ألا يخرج إلى حدود المحرمات. لا يتعدى المباح، فإذا اقتصر على المباح وقصد به الاستعانة على العبادة صار عبادة، ولكل امرئ ما نوى.
طالب:.................
نعم أنت لا تعاني ما يعانيه أهل الصيد.
طالب: ................
أين؟
طالب: ................
نعم يحتاج إلى مشي إلى خروج، إلى روحات وجيئات وكذا.. هل يصيبه ببيته؟ لا بد أن يمشوا. نعم.
قَوْلُهُ تَعَالَى: " مَرَحًا" قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ بِفَتْحِ الرَّاءِ. وَقِرَاءَةُ فِرْقَةٍ فِيمَا حَكَى يَعْقُوبُ بِكَسْرِ الرَّاءِ عَلَى بِنَاءِ اسْمِ الْفَاعِلِ".
اسم الفعل يعني للمبالغة، مرح كفعل.
"وَالْأَوَّلُ أَبْلَغُ، فَإِنَّ قَوْلَكَ: جَاءَ زَيْدٌ رَكْضًا أَبْلَغُ مِنْ قَوْلِكَ: جَاءَ زَيْدٌ رَاكِضًا، فَكَذَلِكَ قَوْلُكَ: مَرَحًا. وَالْمَرَحُ الْمَصْدَرُ أَبْلَغُ مِنْ أَنْ يُقَالَ: مَرِحًا".
الوصف بالمصدر أبلغ من الوصف باسم الفاعل، حينما تقول: زيد عدل، فكأنك جعلت زيدًا يساوي العدالة، يعني هو العدالة، صار زيد العدالة، فهو أبلغ مما لو وصفته باسم الفاعل، وأخبرت عنه بالعدالة يختلف، فالوصف بالمصدر أبلغ.
"الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ} يَعْنِي لَنْ تَتَوَلَّجَ بَاطِنَهَا فَتَعْلَمَ مَا فِيهَا، {وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا} أَيْ لَنْ تُسَاوِيَ الْجِبَالَ بِطُولِكَ وَلَا تَطَاوُلِكَ. وَيُقَالُ: خَرَقَ الثَّوْبَ أَيْ شَقَّهُ، وَخَرَقَ الْأَرْضَ قَطَعَهَا. وَالْخَرْقُ: الْوَاسِعُ مِنَ الْأَرْضِ. أَيْ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ بِكِبْرِكَ وَمَشْيِكَ عَلَيْهَا. {وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا} بعظمتك، أي مقدرتك لَا تَبْلُغُ هَذَا الْمَبْلَغَ، بَلْ أَنْتَ عَبْدٌ ذَلِيلٌ، مُحَاطٌ بِكَ مِنْ تَحْتِكَ وَمِنْ فَوْقِكَ. والمحاط محصور ضعيف".
نعم بعض الناس وهو يمشي في هذه الحالة من المرح والتبختر والتكبر تسوِّل له نفسه أنه أرفع من الجبال، وأن بأخمصه يطأ الثريا، وهذا من الشيطان، الشيطان الذي يلعب على النفس، ولذا تجدون من يلبس الأسمال البالية وعنده من الكبر ما يفوق ما عند فئام من الناس ممن يلبس الثياب المناسبة؛ لأن المسألة مسألة نفس، هذا وباء نفسي، الكبر وباء نفسي، كم من شخص يلبس الملابس الغالية ويركب السيارات الفارهة، ومع ذلك عنده من التواضع ما عنده، يوجد، والعكس بالعكس، تجده بثيابه البالية يتكبر على الناس، ويترفع عليهم، وهذا لا شك أنه نقص بالعقل، الذي تصور له نفسه أن أكبر من واقعه هذا نقص في العقل، هذا خلل في التصور، والله المستعان.
"فلا يليق بك التَّكَبُّرُ وَالْمُرَادُ بِخَرْقِ الْأَرْضِ هُنَا نَقْبُهَا لَا قَطْعُهَا بِالْمَسَافَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: مَعْنَاهُ لَنْ تَقْطَعَهَا. قال النَّحَّاسُ: وَهَذَا أَبْيَنُ، لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْخَرْقِ وَهِيَ الصَّحْرَاءُ الْوَاسِعَةُ. وَيُقَالُ: فُلَانٌ أَخْرَقُ مِنْ فُلَانٍ، أَيْ أَكْثَرُ سَفَرًا وَعِزَّةً وَمَنَعَةً. وَيُرْوَى أَنَّ سَبًا دَوَّخَ الْأَرْضَ بِأَجْنَادِهِ شَرْقًا وَغَرْبًا وَسَهْلًا وَجَبَلًا، وَقَتَلَ سَادَةً وَسَبَى- وَبِهِ سُمِّيَ سَبَأٌ- وَدَانَ لَهُ الْخَلْقُ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ انْفَرَدَ عَنْ أَصْحَابِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: إِنِّي لَمَّا نِلْتُ مَا لَمْ يَنَلْ أَحَدٌ رَأَيْتُ الِابْتِدَاءَ بِشُكْرِ هَذِهِ النِّعَمِ، فَلَمْ أَرَ أَوْقَعَ فِي ذَلِكَ مِنَ السُّجُودِ لِلشَّمْسِ إِذَا أَشْرَقَتْ، فَسَجَدُوا لَهَا، وَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلُ عِبَادَةِ الشَّمْسِ، فَهَذِهِ عَاقِبَةُ الْخُيَلَاءِ وَالتَّكَبُّرِ وَالْمَرَحِ، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ".
نعم هذه عاقبة الخيلاء والتكبر والمرح، لا يُوفّق إلى القول السديد والرأي الرشيد، إلا من من الله عليه بالتوبة النصوح. هو احتاج يقول: خلاص أنا مُكنت الآن، لكن لا بد من الشكر. بعد الكبر والخيلاء والبطر، ما وُفِّق للشكر الصحيح، شكر المنعم الحقيقي.
طالب:..........
نعم.
طالب: ................
لكن فرح بأي شيء؟ بأمر ديني انكشف له حكم مسألة مثلًا، أو انحلت له مشكلة؟ أهل العلم يفرحون فرحًا شديدًا.
طالب:..........
المقصود أن الأمور بمقاصدها، فإن قصد الفرح بدراسته التي يريد منها وجه الله تعالى ونفع الآخرين فماشٍ، أما من أجل أن يتوظف ويترأس على الناس وكذا، فما زال في المراحل المذمومة. ولذلك كثيرًا ما يقول أهل العلم إذا بحثوا عن حديث ولم يجدوه، وتواطئوا على أنه لا يوجد في الدواوين المعروفة، ثم جاء شخص ووقف عليه، أنا رأيت ابن حجر في مواضع، لكن منها ما كرر الحمد عشر مرات؛ لأن هذا أمر لا شك أنه مفرِح. كونك تقف على الشيء، ثم كونك تقف على هذا الشيء فلماذا تفرح به؟ لأنك أدركت ما لا يدركه غيرك فقط؟ هذه نتيجة مرة، لكن إن كان فرحك بما يكون سببًا لهداية الناس وانتفاعهم بهذا الحديث فلا بأس. هذه من المضايق أن يفرح الإنسان بوقوفه على مسألة علمية، فيقول: أنا وقفت عليها، وفلام لم يقف عليها، كونه لم يقف عليها أفضل، إذا كان القصد ليقال: وقف وكذا، وفلان اطلع وفلان لم يطلع، هذه مرة. لكن إن كان القصد أنه وقف على علم ليستفيد به الناس فحسن طيب.
طالب:............
نعم؛ لأن هذا فرح في العاقبة ما يرضي الله -عز وجل-، لكن هل يدخل في ذلك فرح عمر- رضي الله عنه- لما سأل النبي عن الشجرة التي تشبه المؤمن، انقدح في ذهن عبد الله بن عمر أنها النخلة، لكنه لم يقل ذلك، عمر قال له: لو كنت قلت ذلك لكان أحب إلي من كذا، فهل يدخل هذا في مثل هذا؟ لا شك أن الولد بضعة من أبيه، وما يصل إليه الولد هو بمنزلة ما يصل إليه الأب، وقد يكون مقدمًا على ما يصل إليه الشخص نفسه، فيفرح بمثل هذا، وليس المراد به ليقال: ما أعلمه، ما أحلمه، ما أعقله، لا، والله المستعان.
"الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا}، "ذلِكَ" إِشَارَةٌ إِلَى جُمْلَةِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِمَّا أَمَرَ بِهِ وَنَهَى عَنْهُ. " وذلِكَ" يَصْلُحُ لِلْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ وَالْمُؤَنَّثِ وَالْمُذَكَّرِ. وَقَرَأَ عَاصِمٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَمَسْرُوقٌ: " سَيِّئُهُ" عَلَى إِضَافَةِ سَيِّئٍ إِلَى الضَّمِيرِ، وَلِذَلِكَ قَالَ: "مَكْرُوهًا" نُصِبَ عَلَى خَبَرِ كَانَ. وَالسَّيئ: هُوَ الْمَكْرُوهُ، وَهُوَ الَّذِي لَا يَرْضَاهُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- وَلَا يَأْمُرُ بِهِ. وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيِ مِنْ قَوْلِهِ:" وَقَضى رَبُّكَ"- إِلَى قَوْلِهِ- كَانَ سَيِّئُهُ" مَأْمُورَاتٌ بِهَا وَمُنْهَيَاتٌ عَنْهَا، فَلَا يُخْبِرُ عَنِ الْجَمِيعِ بِأَنَّهُم سَيِّئَةٌ فَيَدْخُلُ الْمَأْمُورُ بِهِ فِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ. وَاخْتَارَ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ أَبُو عُبَيْدٍ. وَلِأَنَّ فِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ: " كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئَاتُهُ" فَهَذِهِ لَا تَكُونُ إِلَّا لِلْإِضَافَةِ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو: " سَيِّئَةً" بِالتَّنْوِينِ، أَيْ كُلُّ مَا نَهَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَنْهُ سَيِّئَةٌ. وَعَلَى هَذَا انْقَطَعَ الْكَلَامُ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا" ثُمَّ قَالَ:" وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ"، " وَلا تَمْشِ"، ثُمَّ قَالَ:" كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئَةً" بِالتَّنْوِينِ".
يعني مرجع الإشارة هل يعود للأوامر والنواهي أو يعود إلى النواهي فقط؟ إن قلنا: يعود إلى الجميع فلا بد أن نخرج الأوامر بقوله: سيئه، يعني ما تقدم كل سيئه مكروه فيخرج بذلك الأوامر، وإذا قلنا: إنه من قوله -جل وعلا-: {ولا تقف} فكل ذلك سيئة، وكله مكروه، ولا مانع أن تعود الإشارة على جميع ما تقدم من أوامر ونواهٍ، فيكون المكروه ما كان سيئًا مما تقدم، وإذا قلنا: المراد بذلك النواهي فقط فكل ما تقدم سيئة، وكله مكروه.
"وَقِيلَ: إِنَّ قَوْلَهُ: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ} إِلَى هَذِهِ الْآيَةِ كَانَ سَيِّئَةً لَا حَسَنَةَ فِيهِ، فَجَعَلُوا " كُلًّا" مُحِيطًا بِالْمَنْهِيِّ عَنْهُ دُونَ غَيْرِهِ. وَقَوْلُهُ: " مَكْرُوهًا" لَيْسَ نَعْتًا لِسَيِّئَةٍ، بَلْ هُوَ بَدَلٌ مِنْهُ، وَالتَّقْدِيرُ: كَانَ سَيِّئَةً وَكَانَ مَكْرُوهًا. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ" مَكْرُوهًا" خَبَرٌ ثَانٍ لِكَانَ حُمِلَ عَلَى لَفْظِهِ كُلُّ، وَ"سَيِّئَةٌ" مَحْمُولٌ عَلَى الْمَعْنَى فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ قَبْلُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ نَعْتٌ لِسَيِّئَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كان تَأْنِيثُهَا غَيْرَ حَقِيقِيٍّ جَازَ أَنْ تُوصَفَ بِمُذَكَّرٍ. وَضَعَّفَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ هَذَا وَقَالَ: إِنَّ الْمُؤَنَّثَ إِذَا ذُكِّرَ فَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ما بعده مُذَكَّرًا، وَإِنَّمَا التَّسَاهُلُ أَنْ يَتَقَدَّمَ الْفِعْلُ الْمُسْنَدُ إِلَى الْمُؤَنَّثِ وَهُوَ فِي صِيغَةِ مَا يُسْنَدُ إِلَى الْمُذَكَّرِ، أَلَا تَرَى قَوْلَ الشَّاعِرِ:
فَلَا مُزْنَةَ وَدَقَتْ وَدْقَهَا ... وَلَا أَرْضَ أَبْقَلَ إِبْقَالَهَا
مُسْتَقْبَحٌ عِنْدَهُمْ. وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: أَبْقَلَ أَرْضٌ لَمْ يَكُنْ قَبِيحًا".
ولا أرض أبقلت؛ لأن الأرض وإن كان تأنيثها مجازيًّا إلا أنه يجب تأنيثها إن كان الفاعل ضميرًا يعود إلى مؤنث، سواء كان حقيقيًّا أو مجازيًّا، كما أنه يجب التأنيث إذا كان الفاعل تأنيثه حقيقيّ، ولم يفصل بينه وبين الفعل، فلا تقول: قال فاطمة، يجب أن تقول: قالت فاطمة، أما إذا كان التأنيث مجازيًّا تقول: طلع الشمس، وطلعت الشمس، لكن لا يجوز أن تقول: الشمس طلع، لابد أن تقول: الشمس طلعت، كما هنا ولا أرض أبقل إبقالها مع أنه يوجد في لغة العرب ما يسع ذلك، وقد حكى سيبويه قال فلانة.
"قَالَ أَبُو عَلِيٍّ: وَلَكِنْ يَجُوزُ فِي قَوْلِهِ" مَكْرُوهًا " أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ " سَيِّئَةٍ". وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ الَّذِي فِي" عِنْدَ رَبِّكَ" وَيَكُونُ" عِنْدَ رَبِّكَ" فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِسَيِّئَةٍ.
الْخَامِسَةُ: اسْتَدَلَّ الْعُلَمَاءُ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى ذَمِّ الرَّقْصِ وَتَعَاطِيهِ. قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْوَفَاءِ ابْنُ عَقِيلٍ: قَدْ نَصَّ الْقُرْآنُ عَلَى النَّهْيِ عَنِ الرَّقْصِ فَقَالَ:" وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا" وَذَمَّ الْمُخْتَالَ. والرقص أشد المرح والبطر. أو لسنا الذين قسنا النبيذ على الخمر؛ لاتفاقها فِي الْإِطْرَابِ وَالسُّكْرِ، فَمَا بَالُنَا لَا نَقِيسُ الْقَضِيبَ وَتَلْحِينَ الشِّعْرِ مَعَهُ عَلَى الطُّنْبُورِ وَالْمِزْمَارِ والطبل لاجتماعها. فَمَا أَقْبَحَ مِنْ ذِي لِحْيَةٍ، وَكَيْفَ إِذَا كان شيبة، يَرْقُصُ وَيُصَفِّقُ عَلَى إِيقَاعِ الْأَلْحَانِ وَالْقُضْبَانِ، وَخُصُوصًا إِنْ كَانَتْ أَصْوَاتٌ لِنِسْوَانٍ وَمُرْدَانٍ، وَهَلْ يَحْسُنُ لِمَنْ بَيْنَ يَدَيْهِ الْمَوْتُ وَالسُّؤَالُ وَالْحَشْرُ وَالصِّرَاطُ، صم هُوَ إِلَى إِحْدَى الدَّارَيْنِ، يَشْمُسُ بِالرَّقْصِ شَمْسَ البهائم، ويصفق تصفيق النسوان، لقد رَأَيْتُ مَشَايِخَ فِي عُمْرِي مَا بَانَ لَهُمْ سِنٌّ مِنَ التَّبَسُّمِ فَضْلًا عَنِ الضَّحِكِ مَعَ إدمان مخالطتي لَهُمْ.
وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ- رَحِمَهُ اللَّهُ-: وَلَقَدْ حَدَّثَنِي بَعْضُ الْمَشَايِخِ عَنِ الْإِمَامِ الْغَزَالِيِّ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّهُ قَالَ: الرَّقْصُ حماقة بين الكتفين لا تزول إلا بالعب. وَسَيَأْتِي لِهَذَا الْبَابِ مَزِيدُ بَيَانٍ فِي " الْكَهْفِ وغيرها إن شاء لله تعالى".
النهي عن الشيء قياسًا لما يجمعه معه في العلة، مثل ما أشار ابن عقيل- رحمه الله-، والجادة المعروفة عند أهل العلم، ولا ينفي ذلك إلا أهل الظاهر، فإذا خرج الصوت المؤثر تأثير المزمار والطنبور ينبغي أن يمنع، أحيانًا يخرج مع الصوت من المؤثرات بدون آلات تسمع مع الصوت اجتماع أصوات أو تركيب أصوات بعضها مع بعض، فتكون كأنها خرجت من آلة، ليس المقصود الآلة لذاتها إنما مُنعت لما يخرج منها، فإذا خرج من غيرها نظير ما يخرج منها منع. لأن بعضهم يقول: نحن نؤدي هذا الكلام بهذه الأصوات الجميلة بغير اصطحاب آلات، لكن يدخلون عليه من المؤثرات والمحسنات الصوتية، وأيضًا عندهم طرق لإخراج الكلام بأصوات مجتمعة على طريقة معينة بحيث تؤثر تأثير الآلات. نعم { إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ ..... إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ } يعني ما يجتمع مع الخمر والميسر في هذه العلل من إيقاع العداوة والصد عن ذكر الله، اشتركت معها في العلة، ألا تحرم مثل تحريمها؟ بلى، ويوجد من كثير من الناس ما يشارك هذه الأمور في علتها، فتمنع لذلك.
طالب:..............
النبي -صلى الله عليه وسلم- ما ضحك، تبسم وضحك، لكن نادرًا، نعم والتبسم في وجه الأخ وكونك تلقاه بوجه طلق هذا مطلوب، لكن هم يتحاشون مثل هذه الأمور لئلا يسترسلوا إلى ما فوقها؛ لأن بعض الناس ما يستطيع أن يقف عند موقف محدد، بل يتجاوزه، هذا موجود. والسلف- رحمهم الله- يتركون أشياء كثيرة من المباحات يتجاوزونها، قالوا: تركنا تسعة أعشار الحلال؛ لئلا تدعوهم النفس إلى مجاوزة الحلال، إلى الشبهات ثم المكروهات ثم المحرمات، فبعض الناس يحزم نفسه على أمر؛ لئلا تتجاوزه، وإن كان الحد المتجاوز إليه مباحًا، لكن يبقى أن على المسلم أن يدور مع النصوص، نعم هو في المباحات مخير، فيفعل الأنفع له، لكن بالنسبة لمعاملة الآخرين لابد أن يدور مع النصوص. إذا كان في بلد مختلط فيه المسلمون وغير المسلمين، وفيهم المبتدعة والملتزمة فعند إلقاء السلام هو بالخيار على حسب ما يغلب على ظنه، لكن إذا ألقي عليه السلام فليس بالخيار. لابد أن يرد، إن غلب عليه أن من المسلمين يرد بتحية المسلمين، وإن لا رد عليه بما يليق به، {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنًا} لابد أن يرد، ولو كان يهوديًّا أو نصرانًّا ترد بما رد به النبي عليه الصلاة والسلام.
طالب:..........
رجال؟
طالب: ................
لا بد أن يكون في حيز النساء ولا يسمعهن الرجال، ولا تكون هناك الآلات الممنوعة، يعني هذا من العبث الذي يسعه الدين، إن كان في وقت كيوم عيد وشبهه، ففيه فسحة في مثل هذا، والأفراح تختلف.
طالب:..........
نعم؟
طالب: ................
ماذا؟
طالب: ................
اجهر.
طالب: ................
من؟
طالب: ................
نقول: الأمر يختلف، وفي ديننا فسحة، والأفراح تختلف والأعياد، ليعلم اليهود أن في ديننا فسحة، فيه فسحة، وعندنا شيء من الفرح، وشيء من التنزه، وعندنا شيء من الاسترخاء، كل هذا يستوعبه الدين، لكن الكلام على ألا يطغى على ما أوجبه الله عليك، وترتكب ما نهاك الله عنه. مثل ما مر سابقًا.
نعم.
طالب:..........
كيف؟
طالب: ................
عن ايش؟
طالب: ................
لا يمنع لا لذاتها، نعم.
"قوله تعالى: {ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا (39)}.
الْإِشَارَةُ " بِذَلِكَ" إِلَى هَذِهِ الْآدَابِ وَالْقِصَصِ وَالْأَحْكَامِ الَّتِي تَضَمَّنَتْهَا هَذِهِ الْآيَاتُ الْمُتَقَدِّمَةُ الَّتِي نَزَلَ بِهَا جِبْرِيلُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ-. أَيْ هَذِهِ مِنَ الْأَفْعَالِ الْمُحْكَمَةِ الَّتِي تَقْتَضِيهَا حِكْمَةُ اللَّهِ- عَزَّ وَجَلَّ- فِي عِبَادِهِ، وَخَلْقُهَا لَهُمْ مِنْ مَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ وَالْحِكْمَةِ وَقَوَانِينِ الْمَعَانِي الْمُحْكَمَةِ وَالْأَفْعَالِ الْفَاضِلَةِ. ثُمَّ عَطَفَ قَوْلَهُ: " وَلا تَجْعَلْ" عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنَ النَّوَاهِي. وَالْخِطَابُ لِلنَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمُرَادُ كُلُّ مَنْ سَمِعَ الْآيَةَ مِنَ الْبَشَرِ. وَالْمَدْحُورُ: الْمُهَانُ الْمُبْعَدُ الْمُقْصَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ. وَيُقَالُ فِي الدُّعَاءِ: اللَّهُمَّ ادْحَرْ عَنَّا الشيطان، أي أبعده".
في الآية السابقة: {كل ذلك كان سيئه عند ربك محذورًا} المراد بالكراهة هنا أعم من الكراهة الاصطلاحية، فيها محرمات، فيها كبائر، وعبر عنها بالكراهة، كما هو الشأن في النصوص، تأتي الكراهة ويعبر عنها بالتحريم، وعليها عمل المتقدمين. ويقسمون الكراهة إلى: كراهة تحريم وكراهة تنزيه، وإن تواطأ المتأخرون على أن المكروه عندهم ما لا عقاب عليه.
"قوله تعالى: {أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا(40)}.
هَذَا يَرُدُّ عَلَى مَنْ قَالَ مِنَ الْعَرَبِ: الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ، وكان لهم بَنَاتٌ أَيْضًا مَعَ النَّبِيِّينَ، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ: أَفَأَخْلَصَ لَكُمُ الْبَنِينَ دُونَهُ وَجَعَلَ الْبَنَاتِ مُشْتَرَكَةً بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ. {إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا}
أَيْ فِي الإثم عند الله- عز وجل-.
والله أعلم".
كم بقي؟
طالب: ربع.
بركة.
اللهم صل على محمد.
يقول: شخص يقرأ القرآن والإمام يخطب الجمعة، فماذا يجب علي؟
إذا انتهت الخطبة تبين له أن هذا لا يجوز، بل الواجب الإنصات.