بلوغ المرام - كتاب الطهارة (08)
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام - كتاب الطهارة (8)
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
نعم، سم.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إن أمتي يأتون يوم القيامة غراً محجلين من أثر الوضوء)) "فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل" متفق عليه، واللفظ لمسلم".
بقي تبعاً للسؤال أو الشق الأول من السؤال السابق مشاهدة بعض الأفلام التي تعرض باسم العلم أو باسم التسلية التي ما فيها ما يمنع من أجله إلا التصوير، أقول: إذا كان..، بل من باب ارتكاب أخف الضريرين، إذا لم يكن وسيلة لحفظ الأطفال في البيوت، إذا لم يكن هناك وسيلة لحفظ الأولاد في البيوت، لا سيما وأن المقاهي الآن في كل حي، بثمن زهيد يشاهد ما يريد، بل قد يستدرج إلى أمور لا تحمد عقباها، وهذا حاصل في بلاد المسلمين مع الأسف الشديد.
فإذا لم يكن هناك ثم وسيلة إلا مشاهدة هذه الأفلام المختلف فيها، فارتكاب أخف الضررين مقرر عند أهل العلم، تحصيلاً لأعلى المصلحتين، فإذا كان الإنسان لا يستطيع أن يحفظ أولاده، وأولاده إن ذهبوا إلى الجيران عندهم أفلام محرمة، إن ذهبوا إلى الأقارب كذلك، إن خرجوا إلى الأسواق فالمقاهي تنتظرهم، فأقول: إن اتخاذ مثل هذه الآلات بهذا الغرض تحت المراقبة الشديدة ارتكاباً لأخف الضررين، ومع ذلكم يعترف من اتخذ هذه الآلة بأنه مخالف ويستغفر الله، لكن خشية من الضرر الأشد يقتني مثل هذه الآلة لحفظ أطفاله وتسليتهم؛ لأن اليوم هناك أمور فرضت نفسها، والبيوت تعج بالمنكرات، سواءً كانت بيوت الجيران أو الأقارب، أو ما أشبه ذلك، ولا شيء يمنعهم من ذلك، لا شيء يمنعهم من ذلك، فمن باب ارتكاب أخف الضررين إذا اقتنى هذه الآلة مع علمه..، مع اعترافه بالمخالفة وندمه واستغفاره، ومراقبته الشديدة أرجو أن يكون معذوراً، والله المستعان.
طالب:.......
هذا يقول: إسلامي، ما في شيء، التصوير ما في إسلامي، أي تصوير ما في إسلامي، لكن من هذا الباب، من باب ارتكاب أخف الضررين لا بأس، إن شاء الله، نرجو أن يكون لا بأس به، وإلا ما عند الله لا ينال بسخطه، يعني إن أمكن..، تعرفون الناس اليوم أصيبوا بالترف والرفاهية، وأن الإنسان إذا لم يرفه أولاده، وأولاد الناس يعيشون في..، يسمونه بحبوحة وتلبية رغبات، وأبناء المشايخ وطلبة العلم محرومون من هذه الأمور، وهم لا يقدرون، الأطفال لا يقدرون هذه المسألة قدرها، والنساء لا تعذر أرجو أن يكون الأب معذوراً تحت الرقابة الشديدة، لئلا يؤتى بشيء لا يرتضيه، لئلا يؤتى بشيء لا يرتضيه، والله المستعان.
حديث: "أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إن أمتي يأتون يوم القيامة غراً محجلين من أثر الوضوء)) فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل" نعم على الإنسان أن يحرص من تحصيل مثل هذه الأمور، وبمثل هذا فليفرح.
((إن أمتي)) وهم أمة الإجابة الذين استجابوا لدعوة النبي -عليه الصلاة والسلام- ((يأتون يوم القيامة غراً محجلين)) والغرة في الأصل هي البياض الذي يكون في ناصية الفرس، والتحجيل هو البياض أيضاً الذي يكون في يديه ورجليه، فهذه الأمة يعرفها النبي -عليه الصلاة والسلام- بهذه الغرة والتحجيل.
((إن أمتي يأتون يوم القيامة غراً محجلين من أثر الوضوء)) إما من أثر فعلهم لهذا الوضوء، أو لأثر الماء الذي استعملوه في الوضوء، واللفظ يحتملهما، وهذا لازم من هذا.
((يأتون غراً محجلين من أثر الوضوء)) فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل" هذه التكملة في الصحيح، لكن أكثر أهل العلم على أنها مدرجة من قول أبي هريرة، فقد روى الحديث عن أبي هريرة عشرة من أصحابه ولم يذكروا هذه الزيادة، بل ذكرها راوي واحد في صحيح مسلم اسمه: نعيم.
"فمن استطاع أن يطيل غرته فليفعل" إطالة الغرة هل يمكن إطالة الغرة بمعنى أنه يمسح الوجه ويزيد عليه من الرأس؟ ممكن؟ يقولون: الغرة لا يمكن إطالتها، التحجيل ممكن، نعم؟
طالب:.......
ممكن، كيف يطيل الغرة؟
طالب:.......
لا، لا الوجه، الغرة، الغرة، أما التحجيل معروف، الغرة التي في الوجه؟ يمسح الرأس مع الوجه؟
طالب:.......
الوجه بس، إذاً ما أطال غرته، اقتصر على المفروض، أما التحجيل فممكن، ونهاية اليد المنكب، ونهاية الرجل الركبة، هذا على القول بشرعية هذا العمل لو ثبت المرفوع عن أبي هريرة، أما الموقوف فهو صحيح في الصحيحين وغيرهما "فمن استطاع منكم أن يطيل غرته وتحجيله فليفعل" إدراكاً لهذه الفضيلة وهذه المزية.
نعود إلى المسألة الثانية من جهة وهي أنه هل يجوز أن يزاد على ما حدده الشارع؟ عرفنا أنه في العدد لا يجوز، لا يجوز أن يغسل الأعضاء أربعة، أربع مرات أربع مرات؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يزد على الثلاث، هل يمكن أن يزاد في الكيفية فيغسل اليد إلى المنكب والرجل إلى الركبة ليطيل التحجيل؟ أبو هريرة يقول: "فمن استطاع منكم أن يطيل غرته وتحجيله فليفعل"؛ لأن هذا الوصف ممدوح، سيق الحديث مساق المدح، وما مدح على لسان الشارع فالإكثار منه خير، فمن هذه الحيثية قال أبو هريرة: "فمن استطاع منكم أن يطيل غرته وتحجيله فليفعل" وفعل ذلك، كان أبو هريرة يطيل التحجيل، وعلى كل حال جمهور أهل العلم على أن هذه اللفظة مدرجة، وإذا اقتصر على القدر المحدد شرعاً ولم يزد على ذلك فقد أحسن، وجاء في الخبر: ((فمن زاد أو نقص فقد أساء وظلم)) لكن لاحتمال أن يثبت هذا الخبر، وقد روي مرفوعاً عن النبي -عليه الصلاة والسلام- لو فعله الإنسان أحياناً ما لزمه، خشية أن يثبت مثل هذا الخبر مرفوع، وأما ثبوته موقوف فلا إشكال فيه، فلو فعل أحياناً فحينئذٍ لا بأس -إن شاء الله تعالى-.
((إن أمتي يأتون يوم القيامة غراً محجلين من أثر الوضوء)) يستدل بهذا من يقول: إن الوضوء من خصائص هذه الأمة، وتقدم لنا أن الوضوء ليس من خصائص هذه الأمة، إن جريجاً توضأ كما في صحيح مسلم، سارة امرأة إبراهيم -عليه السلام- توضأت فصلت، فالوضوء ليس من خصائص هذه الأمة، وإنما الذي هو من خصائصها الغرة والتحجيل فقط، نعم.
"وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره، وفي شأنه كله" متفق عليه".
"عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعجبه التيمن" وكون الشيء يعجبه -عليه الصلاة والسلام- لا يدل على وجوبه و لزومه لغيره، نعم إذا كان هوى الإنسان تبعاً لما جاء به النبي -عليه الصلاة والسلام- ويحرص على الاقتداء به فيما يعجبه، ويحرص على ما كان يحبه فعلاً وتركاً، هذا ديدن الصحابة، فما يعجب النبي -عليه الصلاة والسلام- يعجبهم، وما لا يعجبه لا يعجبهم، أنس كان يتتبع الدباء من الصحفة، ويذكر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يعجبه الدباء وهو القرع، كما هو معروف، وعلى هذا لو قال إنسان: أنا لا آكل الضب؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يأكله، أو لم يأكله، فهل يؤجر على هذا الترك أو لا يؤجر؟ هو مباح، وأُكل بحضرته، وأقر من أكله، لكن كون الإنسان يعاف الشيء جبلة، تعافه نفسه، مثل هذا لا يتعبد به، حتى لو أمره من تجب طاعته بأكل شيء لا يطيق أكله فإنما الطاعة بالمعروف.
افترضنا شخص يحب أكل الضب ثم تركه؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يأكله، نقول: النبي -عليه الصلاة والسلام- أكل على مائدته، وأقر الآكل بياناً للجواز، فأكله جائز مباح مستوي الطرفين، إذا كان الإنسان يحرص على الدباء -القرع- لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يحب القرع، فعله أنس وكان يتتبع ذلك إيثاراً لما يحبه النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن الاقتداء والائتساء هو في العبادة دون العادة، فما كان من قبيل العادة لا اقتداء فيه ولا ائتساء، ولذا لم يوافق الصحابة قاطبة ابن عمر في حرصه على تتبع آثار النبي -عليه الصلاة والسلام-، حتى ذكر ابن عبد البر -رحمه الله- عن ابن عمر أنه كان يكفكف دابته لكي تطأ على مواطئ دابة النبي -عليه الصلاة والسلام-، كان يقصد الأماكن التي جلس فيها النبي -عليه الصلاة والسلام- أو بات فيها يتعبد في ذلك، وعامة الصحابة سواه لم يفعلوا ذلك، فدل على أن الأمور العادية التي تحصل اتفاقاً من غير قصد فإنه لا يتعبد فيها، ولا تطلب من الشخص.
"كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يعجبه التيمن في تنعله" تقديم الرجل اليمنى في لبس النعل، وعكسه الخلع، خلع النعل يقدم اليسرى تكريماً لليمنى لئلا تبقى حافية أكثر من اليسرى، إذا لبس ثوب بدأ بالشق الأيمن، ترجل -سرح شعره- يبدأ بالشق الأيمن، حلق رأسه، حلق شعره يبدأ بالشق الأيمن وهكذا.
"وطهوره" يبدأ بالشق الأيمن، فيغسل اليد اليمنى قبل اليد اليسرى، والرجل اليمنى قبل الرجل اليسرى، لكن إذا كان الشيء واحد مثل الرأس، والوجه، هل يستحب أن يبدأ بالشق الأيمن أو يمسح الرأس دفعة واحدة والوجه دفعة واحدة، يغسل وجهه دفعة واحدة، هذا الأصل أن الوجه يغسل دفعة واحدة والرأس يمسح دفعة واحدة.
في حديث أم عطية في غسل ابنة النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها)) ((ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها)) في تعارض وإلا ما في تعارض؟ هاه؟
طالب:.......
كيف؟ غسل، ((ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها)) في تعارض وإلا ما في؟
طالب:.......
نعم؟
طالب:.......
ظاهره التعارض كيف؟
طالب:.......
نعم مواضع الوضوء فيها يسار، مقتضى ((ابدأن بميامنها)) أن تغسل الرجل اليمنى قبل اليد اليسرى، مقتضى قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((ابدأن بميامنها)) أن تبدأ بالشق الأيمن بما في ذلك الرجل اليمنى قبل الشق الأيسر بما في ذلك اليد اليسرى، وفي قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((ومواضع الوضوء منها)) يقتضي الابتداء بمواضع الوضوء، فتقدم اليد اليسرى على الرجل اليمنى، وإن كانت في الجهة اليمنى، فالخبر ظاهره التعارض، كيف يدفع مثل هذا التعارض؟ واضح وإلا ما هو بواضح؟ نعم، ((ابدأن بميامنها)) أن تغسل الرجل اليمنى قبل اليد اليسرى، الجملة الثانية العكس تغسل اليد اليسرى قبل الرجل اليمنى، هذا مقتضاه، هاه؟ في تعارض وإلا؟ فيه تعارض، ظاهره التعارض، كيف يدفع مثل هذا التعارض؟ نعم؟
طالب:.......
يعني يخص من مجموع الميامن أعضاء الوضوء، نعم؟
طالب:.......
يعني إذا وضئ الميت الغسلة التي فيها الوضوء يبدأ بمواضع الوضوء، وسائر الغسلات عدا هذه الغسلة التي فيها الوضوء يبدأ بالميامن، ولا مانع من غسل الرجل اليمنى قبل اليد اليسرى في الغسلات الباقية، ((اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو أكثر من ذلك إن رأيتن)) يعني عند الحاجة يزاد في ذلك.
"في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله" في شأنه كله التأكيد هنا يرفع احتمال غير الحقيقة، "في شأنه كله" ويرد على هذا ما جاء في النصوص متضمناً تقديم الشمال على اليمين كالاستنجاء مثلاً، أو دخول الأماكن القذرة، إذا دخلت المسجد تقدم اليمنى، وإذا خرجت تقدم اليسرى، إذا دخلت الحمام تقدم اليسرى، وإذا خرجت تقدم اليمنى، هناك أماكن ينبغي أن تلحق بالحمامات، فتقدم فيها اليسرى مثل الأماكن التي فيها المعصية، وما أكثر هذه الأماكن التي تزاول فيها المعصية، دور العلم الشرعي ينبغي أن تعامل معاملة المسجد فتقدم اليمنى وهكذا، المقبرة إيش تقدم؟ نعم؟ نعم؟
طالب:.......
اليمنى نعم؛ لأن حرمة المسلم ميت كحرمته حي.
"وفي شأنه كله" هذا العموم شأنه مفرد مضاف يقتضي العموم "كله" تأكيد لهذا العموم، يقتضي ألا يستثنى من ذلك شيء، يقتضي ألا يستثنى من ذلك شيء، لكن المعروف من قاعدة الشرع أن البداءة باليمين في كل ما كان من باب التكريم، كل من باب التكريم فإنه يبدأ فيه باليمين، "في شأنه كله" تبدأ باليمين، خص هذا النص بمخصصات منها ما ذكرنا، وهم يقولون: إن التأكيد اللفظي يرفع احتمال المجاز، ويبقى اللفظ على عمومه لتأكيده، هاه؟
طالب:.......
لكن استثني وخصص بعض الأمور من هذا الحديث لنصوص أخرى، ويرد على قولهم: {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} [(73) سورة ص] أكثر من تأكيد، ثم خص {إِلَّا إِبْلِيسَ} [(74) سورة ص] فقولهم ليس على إطلاقه.
"في شأنه كله" قد يقول قائل: إنه باق على عمومه، لكن المستثنى بالنصوص الأخرى ليس من ذوات الشأن، والشأن هو الذي يهتم به شرعاً، وعلى هذا يكون لا تخصيص يبقى اللفظ عاماً لم يدخله تخصيص، باقٍ على عمومه محفوظ من التخصيص؛ لأن الشأن هو ما له بال يهتم به شرعاً، وما ذكر من الأمور المخصوصة ليست بذات شأن ولا بال مهتم به شرعاً.
الحديث الذي يليه نعم.
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا توضأتم فابدؤوا بميامنكم)) أخرجه الأربعة، وصححه ابن خزيمة".
((إذا توضأتم فابدؤوا بميامنكم)) أخرجه الأربعة" وعرفنا الأربعة أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، "وصححه ابن خزيمة" ذكره في صحيحه من غير تعقب له، وهذا لفظ أبي داود وابن خزيمة، أما الترمذي والنسائي فليس فيهما ذكر الوضوء، بل فيهما "كان إذا لبس قميصاً بدأ بميامنه" الذي عند أبي داود وابن خزيمة الوضوء مع اللباس، لكن عند الترمذي والنسائي اللباس فقط، وليس فيه ذكر للوضوء، فكلام الحافظ موهم، والحديث صحيح، الحديث صحيح بطرقه.
((إذا توضأتم فابدؤوا بميامنكم)) مقتضاه وجوب تقديم اليد اليمنى على اليد اليسرى، والرجل اليمنى على الرجل اليسرى؛ لأنه أمر ((فابدؤوا)) والأمر أصله للوجوب، لكن جمهور أهل العلم لم يقولوا بهذا، فتقديم اليمنى على اليسرى استحباب عند جمهور أهل العلم، وهو قول الأكثر، يعني لو توضأ وغسل يده اليسرى قبل يده اليمنى صح وضوؤه، لكن الأولى والأكمل والأفضل أن يقدم اليمنى على اليسرى، وهذا مروي عن علي وابن عباس -رضي الله عنهم-، تقديم اليسرى على اليمنى، ولولا وجود مثل هذه الروايات لقلنا: النبي -عليه الصلاة والسلام- ما حفظ عنه ولا مرة أنه توضأ فقدم اليسرى على اليمنى وفعله بيان لما أوجب الله -سبحانه وتعالى-، فالبيان واجب مثل أصله المبيَّن، إذا أضيف إلى ذلك الأمر الوارد في مثل هذا الحديث ((إذا توضأتم فابدءوا بميامنكم)) والحديث من حديث جابر على ما سيأتي ((ابدؤوا بما بدأ الله به)).
((فابدؤوا بميامنكم)) يعني وهذا يشمل جهة اليمين، سواءً كان العضو مكون من شيئين أو من شيء واحد هذا مقتضاه، وقلنا: إنه لم يقل أحد بالنسبة للمسح -الرأس- وغسل الوجه أنه يبدأ بالشق الأيمن قبل الأيسر، وإنما كأن المقصود بهذا الحديث اليد اليمنى واليسرى والرجل اليمنى والرجل اليسرى، نعم.
مسألة الترتيب بين أعضاء الوضوء: عرفنا أن قول جمهور أهل العلم أنه واجب، لأمور ذكرناها قبل، جاء الوضوء مرتباً في الآية، وجاء الأمر ((ابدؤوا بما بدأ الله به)) على ما سيأتي، وتوضأ النبي -عليه الصلاة والسلام- مرتباً بياناً للواجب، والأسلوب -أسلوب سياق فروض الوضوء في الآية- يدل على ذلك؛ لأنه أدخل الممسوح بين مغسولين، والعرب لا تفعل ذلك، لا تفعل مثل هذا فتقطع النظير عن نظيره إلا لفائدة، ولا فائدة هنا إلا وجوب الترتيب.
الذي يليه.
"وعن المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ فمسح بناصيته وعلى العمامة والخفين" أخرجه مسلم".
المغيرة بن شعبة صحابي معروف مشهور أسلم عام الخندق، وقدم مهاجراً إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، شهد الحديبية وما بعدها، توفي بالكوفة سنة خمسين، وكان عاملاً لمعاوية عليها، صحابي مشهور.
"أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ فمسح بناصيته" مسح بناصيته بمقدم رأسه "وعلى العمامة والخفين" المسح على العمامة والخفين سيأتي في باب المسح -إن شاء الله تعالى-، والذي يهمنا من هذا الحديث أن النبي -عليه الصلاة والسلام- مسح الناصية أو بناصيته، وبهذا يستدل من يقول بأنه يجزئ مسح بعض الرأس، ولا يجب الاستيعاب واستكمال جميع الرأس، ومعروف أن المؤلف شافعي المذهب، ومذهب الإمام الشافعي الاكتفاء بجزء ولو يسير من الرأس، بهذا يستدل الحافظ على أن استيعاب الرأس بالمسح ليس بواجب، وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- مسح الناصية، لكن هل يتم الاستدلال بهذا الحديث؟ يقول ابن القيم: إنه لم يثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ولا في حديث واحد أنه اقتصر على مسح بعض الرأس، فإما أن يمسح رأسه كله، أو يمسح على بعضه مع الساتر وهو العمامة، ما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه اقتصر على مسح الناصية، لا، نعم مسح الناصية مع العمامة، وهذا الحديث مخرج في صحيح مسلم لا إشكال فيه، نعم إذا كان عليه عمامة، إذا كان عليه عمامة فمسح على العمامة والناصية لا باس، أما أن يقتصر على مسح الناصية أو بعض الرأس دون الناصية، فإنه لا يجزئ ولم يثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فعله.
وأما المسح على الناصية أو على العمامة فسيأتي في الباب الذي يلي هذا -إن شاء الله تعالى-، نعم.
"وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- في صفة حج النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال -صلى الله عليه وسلم-: ((ابدؤوا بما بدأ الله به)) أخرجه النسائي هكذا بلفظ الأمر، وهو عند مسلم بلفظ الخبر".
نعم حديث جابر الطويل في صفة حج النبي -عليه الصلاة والسلام- فيه أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لما رقي على الصفاء قال: ((ابدأ بما بدأ الله به)) {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ} [(158) سورة البقرة] "أبدأ" أو ((نبدأ بما بدأ الله به)) هذا لفظ مسلم، وعند النسائي بلفظ الأمر: ((ابدؤوا بما بدأ الله به)) ((ابدؤوا بما بدأ الله به)) إنما يتم الاستدلال برواية النسائي، هي التي تقتضي الوجوب، وجوب الترتيب، فما بدأ الله به ذكراً نبدأ به فعلاً، ولا شك أن للأولية حظ في الأولوية، فبدأ الله -سبحانه وتعالى- بالصفاء قولاً، فبدأ به النبي -عليه الصلاة والسلام- فعلاً، وقال: ((أبدأ)) وفي وراية: ((نبدأ بما بدأ الله به))، في رواية النسائي: ((ابدؤوا بما بدأ الله به)) وهو عند مسلم بلفظ الخبر، رواية النسائي صحيحة أو ليست بصحيحة؟ يمكن أن تصحح أو لا يمكن؟ يمكن أن تصحح أو لا يمكن؟ بين الروايتين اختلاف وإلا ما بينهما اختلاف؟ بينهما اختلاف هذا أمر وهذا خبر، هل يمكن تصحيح الروايتين معاً أو لا بد من تصحيح إحداهما والحكم على الأخرى بالشذوذ ولو كان إسنادها صحيحاً؟ أو يمكن أن نقول: كلا الروايتين صحيحة؟ نعم، أما إذا كان جابر -رضي الله عنه- في اللفظين يحكي عملاً واحداً من النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو ما فعله في حجة الوداع، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- لم يقل إلا لفظاً واحداً، وحينئذٍ يكون تصحيح الأمرين خطأ لا بد من أحدهما، لكن إن كان جابر يحكي عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في أكثر من موقف أنه مرة قال: ((ابدؤوا)) ومرة قال: ((نبدأ)) فلا بأس حينئذٍ، ويمكن تصحيح اللفظين معاً، والحديث كما هو معروف من أطول الأحاديث في الصحيح، حديث جابر -رضي الله عنه- في صفة حج النبي -عليه الصلاة والسلام-.
طالب:.......
نعم؟ علاقته بالطهارة عموم اللفظ: ((ابدؤوا بما بدأ الله به)) ((ابدؤوا بما بدأ الله به)) فتقول في الطهارة: نبدأ بالوجه قبل اليدين، وباليدين قبل الرأس، وبالرأس قبل الرجلين ((ابدؤوا بما بدأ الله به)) في الزكاة {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [(60) سورة التوبة] إلى آخره، تبدأ بما بدأ الله به بالفقراء، ثم تثني بالمساكين وهكذا.
عموم اللفظ يقتضي الدخول في جميع الأبواب، في جميع أبواب الدين ((ابدؤوا بما بدأ الله به)) وهذا وجه إدخال الحديث في هذا الباب، عموم اللفظ يتناول الوضوء، يتناول الحج، يتناول الزكاة، يتناول جميع العبادات، نعم؟
طالب:.......
كيف؟
طالب:.......
أنا أقول: إذا كان جابر -رضي الله عنه- يحكي فعلاً وقع مرة واحدة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في حجة الوداع فالنبي -عليه الصلاة والسلام- إنما قال لفظاً واحداً، وحينئذٍ تصحح رواية مسلم وترجح على رواية النسائي، ويحكم على رواية النسائي بالشذوذ، أما إذا كان جابر -رضي الله عنه- يحكي أن النبي -عليه الصلاة والسلام- في حجة الوداع قال: ((أبدأ)) وفي غيرها من أنساكه في عُمَرِه -عليه الصلاة والسلام- قال: ((ابدؤوا)) يحكي عملاً آخر فيحمل على التعدد، وحينئذٍ لا تعارض، نعم.
"وعنه -رضي الله تعالى عنه- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا توضأ أدار الماء على مرفقيه" أخرجه الدارقطني بإسناد ضعيف".
نعم إسناده ضعيف؛ لأن فيه القاسم بن محمد بن عقيل، وضعفه شديد، بل هو متروك عند أهل العلم، وضعفه أحمد وابن معين وغيرهما، وإن ذكره ابن حبان في الثقات، ذكره ابن حبان في الثقات، يعني مجرد ذكر، ومعروف أن من يذكره ابن حبان في الثقات على درجات، إما أن يصرح بتوثيقه، وحينئذٍ قوله قول إمام من أئمة الحديث معتبر، وإما أن يكون ذكره مجرد ذكر، فإن كان من شيوخه الذين عرفهم وخبرهم وعرف أحاديثهم فقوله وذكره معتبر، وإن كان ممن تقدم عليه، ولم يلحق به، ولم يذكر فيه لفظاً معيناً من ألفاظ التوثيق، فإنه قد يستدرك عليه في مثل هذا النوع، وقد استدرك بالفعل كثير، مجرد ذكر ابن حبان للثقات لا يعني التوثيق، لا يعني التوثيق، وقد ذكر القاسم بن محمد هنا وجماهير أهل العلم نصوا على أنه ضعيف جداً، يبقى أنه لو نص ابن حبان على توثيقه، مع أن أهل العلم قالوا بضعفه، أحمد وابن معين وغيرهما نصوا على ضعفه، نصوا على ضعفه الشديد، ولو افترضنا أن ابن حبان قال: ثقة، نص على توثيقه، ففي هذا ما يسمى بتعارض الجرح والتعديل، والمقدم عند التساوي -بلا شك- الجرح، لكن إن كثر المعدلون بالنسبة للجارحين كثرة تجعل قولهم قوياً قد يرجح قوله، يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:
وقدموا الجرح لكن إن ظهر |
|
من عدل الأكثر فهو المعتبر |
ولو افترض أنه لم نجد في هذا الراوي إلا قول الإمام أحمد بالتوثيق وقول ابن معين بالتضعيف، هذا معدل وهذا جارح، واحد وواحد، المقدم الجرح؛ لأن مع الجارح زيادة علم خفيت على المعدل، خفيت على المعدل في كلام يطول تفصيله، لكن هذه إشارة إلى ما يهمنا من هذا الراوي.
على كل حال هذا الراوي ضعيف، فرواية الدارقطني ضعيفة، والعادة أنه إذا ضعف الخبر لا يتكلف اعتباره، ولا ينبغي شرحه، ولا الاستنباط منه، لكن يغني عنه حديث أبي هريرة أنه توضأ حتى أشرع في العضد، توضأ حتى أشرع في العضد، وهذا في صحيح مسلم، وقال: "هكذا رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" إذا أشرع في العضد -زاد على القدر المذكور- فإنه لا بد أن يمر بالمرفق، لا بد أن يمر بالمرفق، فيغسل المرفق معه، وهذا يغني عنه، نعم.
"وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه)) أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه بإسناد ضعيف، وللترمذي عن سعيد بن زيد وأبي سعيد نحوه، قال أحمد: لا يثبت فيه شيء".
أحاديث التسمية على الوضوء منها حديث أبي هريرة الذي معنا "قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه)) مخرج في المسند وسنن "أبي داود وابن ماجه" لكنه عندهم بإسناد ضعيف، إسناده ضعيف عندهم.
والتسمية ورد فيها مجموع أحاديث على الوضوء، وكلها ضعيفة، لكن بمجموعها قد يحكم عليها من لا يتشدد بالقبول بمجموعها، ولذا يقول ابن القيم في المنار المنيف: "أحاديث التسمية على الوضوء أحاديث حسان" "أحاديث التسمية على الوضوء أحاديث حسان"، وإن كان الإمام "أحمد -يقول-: لا يثبت في -الباب- شيء".
لا يثبت في هذا الباب شيء، في باب التسمية في الوضوء.
لو صح مثل هذا الخبر ما الذي يفيده مثل هذا السياق ((لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه))؟ نعم؟
طالب:.......
بالاشتراط، الاشتراط، وأن من لم يذكر اسم الله على وضوئه فإن وضوءه باطل، لإخلاله بالشرط، كما أن الذبيحة ولو كانت مذكاة إذا لم يذكر اسم الله عليها {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ} [(121) سورة الأنعام] هذا شرط، لكن الخبر ضعيف كما سمعنا، ولا يثبت في باب التسمية شيء على ما قال الإمام أحمد -رحمه الله تعالى-.
من أهل العلم من يرى أن هذه الأحاديث بمجموعها تدل على أنها لها أصل يحث على التسمية من غير اشتراط، فيستحب للمتوضئ أن يسمي في أول الوضوء، ومنهم من يفرق بين الذاكر والناسي، فيوجب التسمية على الذاكر دون الناسي، وعلى كل حال إذا اعتمدنا قول الإمام أحمد، وأنه لا يثبت في الباب شيء خف الأمر إن ذكر الإنسان وصلى وسمى خشية أن تثبت مثل هذه الأحاديث فحسن، وإن ترك فلا شأن عليه -إن شاء الله تعالى-، نعم.
"وعن طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده -رضي الله عنه- قال: "رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفصل بين المضمضة والاستنشاق" أخرجه أبو داود بإسناد ضعيف.
"عن طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده قال: "رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفصل بين المضمضة والاستنشاق" يفصل بين المضمضة والاستنشاق "خرجه أبو داود بإسناد ضعيف" لأن في إسناده ليث بن أبي سليم وهو ضعيف عند جمهور أهل العلم، بل قال النووي: "اتفق العلماء على ضعفه" ليث بن أبي سليم، وذكره مسلم في مقدمة الصحيح ضمن الرواة الضعفاء الذين اجتنبهم.
على كل حال الخبر ضعيف، وهو معارض بما هو أصح منه، أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يتمضمض ويستنشق من كف واحدة، ولا يفصل بينهما، نعم الاحتمالات التي ذكرها الفقهاء، وأنها كلها جائزة تكون المضمضة والاستنشاق ثلاثاً ثلاثاً، كل واحد منها بكف مستقلة، يعني يتمضمض ويستنشق بستة أكف، هذه الصورة الأولى.
الصورة الثانية: أن يتمضمض ويستنشق بثلاثة أكف، يتمضمض ويستنشق بكف واحدة، وهكذا الثانية والثالثة.
أن يتمضمض بكف واحدة ثلاثاً، ويستنشق ثلاثاً بكف واحدة، فيكون عدد الأكف اثنين، هذه كم صورة؟ ثلاثة صور، الصورة الرابعة: وهي إيش؟ إيش باقي من الصور المحتملة؟
طالب:.......
يتمضمض ويستنشق الست كلها بكف واحدة، لكن ويش كبر هذه الكف ذي؟ الصورة متصورة يعني، يعني تتميم القسمة عندهم متصور، لكن أين الكف التي بتستوعب مضمضة واستنشاق ثلاثاً ثلاثاً بكف واحدة؟ لكن التجويز العقلي يصور مثل هذا، وقد يوجد بعض الناس عنده كف كالإناء، يعني يحتمل ذلك ويستوعبه.
على كل حال أصح الصور ما جاء في الصحيح أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان..، وهو الحديث الذي..، حديث عبد الله بن زيد أيضاً في الصحيح: "مضمض واستنشق من كف واحدة يفعل ذلك ثلاثاً" متفق عليه، هذا حديث عبد الله بن زيد، وهو قطعة من حديثه الطويل في الوضوء، هذه أصح الصور، يأخذ الماء بكفه فيجعل جزءاً منه في فيه، والباقي في أنفه، يتمضمض بشيء منه ويستنشق الباقي ثلاث مرات، هكذا كما في حديث عبد الله بن زيد في صفة الوضوء: "ثم أدخل -صلى الله عليه وسلم- يده فمضمض واستنشق من كف واحدة يفعل ذلك ثلاثاً" وهو جزء من الحديث الماضي الرابع الذي تقدم، وقبله حديث علي -رضي الله عنه- في صفة الوضوء: "ثم تمضمض -صلى الله عليه وسلم- واستنثر ثلاثاً، يمضمض وينثر من الكف الذي يأخذ منه الماء" مخرج في أبي داود والنسائي وأحمد وابن ماجه وغيره وهو صحيح؛ لأنه جزء من الحديث السابق.
اقرأ الحديثين.
"وعن علي -رضي الله تعالى عنه- في صفة الوضوء: "ثم تمضمض -صلى الله عليه وسلم- واستنثر ثلاثاً, يمضمض ويستنثر من الكف الذي يأخذ منه الماء" أخرجه أبو داود والنسائي.
وعن عبد الله بن زيد في صفة الوضوء: "ثم أدخل -صلى الله عليه وسلم- يده, فمضمض واستنشق من كف واحدة, يفعل ذلك ثلاثاً" متفق عليه".
نعم هذه أقوى الصور، فإذا توضأ مرة مرة، أخذ كفاً واحدة أدخل شيئاً من مائها في فمه وحركه ثم مجه، وجذب الباقي بنفسه إلى داخل أنفه، ثم أخرجه بالنفس، والأول يسمى الاستنشاق، والثاني يسمى الاستنثار من كف واحدة إن كان وضوؤه مرة مرة يكفيه مرة، وإن كان وضوؤه مرتين مرتين يكفيه مرتين، إن كان ثلاثاً ثلاثاً يفعل ذلك ثلاثاً كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذا الحديث في الصحيحين، جزء من حديث عبد الله بن زيد الذي تقدم، وحديث علي أيضاً جزء من الحديث السابق، الحديث الثالث من أحاديث الباب، وهو صحيح أيضاً، تمضمض واستنثر ثلاثاً -عليه الصلاة والسلام-، يمضمض وينثر من الكف الذي..، هو بمعنى حديث عبد الله بن زيد، وهو بمعنى حديث عبد الله بن زيد، وهذه أقوى الصور المجوزة في كيفية المضمضة والاستنشاق.
الحديث الذي يليه.
"وعن أنس -رضي الله تعالى عنه- قال: رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلاً وفي قدميه مثل الظفر لم يصبه الماء، فقال: ((ارجع وأحسن وضوءك)) أخرجه أبو داود والنسائي.
نعم، حديث أنس -رضي الله عنه- "قال: رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلاً وفي قدميه مثل الظفر" لمعة قدر يسير "لم يصبه الماء، فقال: ((ارجع فأحسن وضوءك))" فأحسن وضوءك "أخرجه أبو داود والنسائي" الحديث لم يخرجه النسائي وإنما أخرجه أبو داود وابن ماجه، وهو عند أحمد في المسند والبيهقي وابن خزيمة والدارقطني وغيرهم.
مسلم أخرج نحوه موقوفاً على عمر -رضي الله عنه- عمر رأى رجلاً في قدمه مثل الظفر فأمره بإحسان الوضوء، وإحسان الوضوء يحتمل أمرين: الأول أن يأتي بوضوء كامل حسن، مستوعب لجميع الأعضاء المفروض غسلها، هذا احتمال.
والاحتمال الثاني: أن يكمل ويغسل هذه البقعة التي لم يغسلها قبل، بل بقيت دون غسل، وهذا إحسان، يعني إكمال وتتميم، والحديث يستدل به من يرى وجوب الموالاة، يستدل به من يرى وجوب الموالاة.
يقول: حيث أمره أن يعيد الوضوء ولم يقتصر على أمره بغسل ما تركه، وهذا عرفنا أنه أحد الاحتمالين، بل هناك بعض الروايات التي تفسر، بل جاء عن بعض أصحاب النبي -عليه الصلاة والسلام- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- رأى رجلاً يصلي وفي ظهر قدميه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء فأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يعيد الوضوء والصلاة، وإسناده جيد كما قال الإمام أحمد، أمره أن يعيد الوضوء والصلاة، وإذا كان النص يحتمل أمرين، لا مرجح لأحدهما على الآخر من لفظ النص، نأتي بمرجح خارجي، وهذا الحديث نص مفسر لحديث الباب، فأمره أن يعيد الوضوء والصلاة، دل على أن من فعل مثل هذا أنه يلزمه إعادة الوضوء كاملاً، وهو دليل قوي لمن يقول بوجوب الموالاة، إذ لو لم تكن الموالاة واجبة لكان يكفيه أن يغسل العضو الذي أخل بغسله، وما سبقه من الأعضاء غسله صحيح، ما سبقه من الأعضاء غسله صحيح، يعني غسل وجهه ويديه ومسح رأسه وبقيت إحدى قدميه أو كلتيهما لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء، غسل الوجه واليدين ومسح الرأس صحيح، لو لم تكن الموالاة واجبة لما أمر بإعادة الوضوء، لما أمر بإعادة الوضوء، فهذا يستدل به من يقول بوجوب الموالاة.
ظاهر أو ضابط الموالاة عند من يقول بوجوبها ألا يؤخر غسل عضو حتى ينشف الذي قبله في الوقت المعتدل، لا في الوقت الذي هو شديد البرودة أو شديد الحرارة أو به ريح شديدة أو ما أشبه ذلك، إذا كان الوقت معتدل ثم تأخر غسل اليدين حتى نشف الوجه، فلا بد أن يعيد الوضوء من جديد، وهنا ما قيل له: ارجع فاغسل رجليك، قيل له: أعد الوضوء، أمر بإعادة الوضوء فدل على وجوب الموالاة، لكن لو قدر أن شخص ما زال في المواضئ لاحظت على رجله جزء يابس ما مسه الماء، تقول: اغسل رجليك، لماذا؟ لأن اليدين ما نشف اللي عليهم الوجه، فالموالاة حاصلة، أما لو بعد عن المكان ونشفت الأرض تقول: أعد الوضوء، ومن يقول بعدم وجوب الموالاة يقول: الآية مطلقة ما فيها نص على وجوب الموالاة، فيها نص على غسل هذه الأعضاء ولو تفرقت، ولو تفرقت لكن مثل هذا الحديث دليل كالصريح في إيجاب الموالاة.
الوقت انتهى؟
والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
بعد مسح الرأس، مسح الأذنين ظاهرهما وباطنهما بعد الرأس.
هذا سيأتي -إن شاء الله- في الباب اللاحق -إن شاء الله تعالى-.
لا، من وراء حجاب لا يضر، من وراء حجاب لا يضر، لكن مس النجاسة باليد إذا كانت هذه النجاسة رطبة تنتقل إلى العضو الذي مسها فإنها تنجسه، أما إذا كانت يابسة فاليابس لا ينجس اليابس.
يتأكد هي في الغالب إنما تقال في المستحب والسنة، والسنة المؤكدة، فتحرزاً من القول بتأثيم التارك يقال: يتأكد في هذا الأمر أن يُفعل، وأما القول بالوجوب فهو يتضمن تأثيم التارك.
عليك أن تصلي مع المسلمين، الصلاة في وقتها، وأن تفعل ما أمرت به من تمام الطهارة ولا تلتفت بعد ذلك، أكثر ما يشكل عند الناس النية، هل نوى أو ما نوى؟ نقول: نويت، ما الذي جاء بك لتغسل أعضاء الوضوء؟ ما الذي جاء بك؟ هو النية والقصد، ثم بعد ذلك إذا تمت الطهارة فلا تلتفت إلى شيء غسلت، ما غسلت، كررت، نقصت لا تلتفت؛ لأنك....... العبادة عموماً بعد تمامها لا تنقض بمثل هذه الشكوك، فلا يلتفت إليها، والصلاة كذلك، أقبل على صلاتك والذي نهزك وبعثك من بيتك إلى المسجد هو الصلاة، وهذه هي النية، فلا تحتاج في النية أكثر من ذلك.
بعد ذلك إذا دخلت في صلاتك أحرص على أن تحضر قلبك إلى هذه الصلاة، فإذا انتهت الصلاة وسلمت منها فلا تلتفت إلى شيء، خلاص انتهت الصلاة على أي وضع كان، لا تلتفت إلى شيء؛ لأنك بهذه الالتفات يستغلك الشيطان ويزيدك، فيمكن تعيدها مرة في أول مرة، ثم مرتين ثم ثلاث إلى أن يصل بك الأمر إلى ما هو أعظم من ذلك، يعني شخص يعيد الصلاة مائة مرة، يعيد الوضوء كذلك، هذا قريب من الجنون، يعني شخص يطرق الباب بعد طلوع الشمس في أيام الشتاء يقول: إلى الآن وأنا أحاول أن أصلي العشاء فما استطعت، يقول: لا أستطيع أن أصلي مع الجماعة، وإذا صليت منفرداً ما استطعت، فيطلب مني أن أصلي به، يصلي مأموم، قلت: لا بأس، كبرتُ، كبر ثم جلس، لماذا؟ في المسجد العُشْر الأخير قدامنا من القرآن مكتوب عليه العشر الأخير، قال: أنا ناوي الصبح وهذا مكتوب فيه الأخير، إيش معنى الأخير؟ يعني العشاء الأخير، انصرفت نيتي، قلت: لا تلتفت إلى شيء.
قال: طيب الطهارة؟ أنا خمس ساعات ست ساعات أتطهر، قلت: صلِ بلا طهارة، قال: ويش لون أنا أستطيع أستعمل الماء؟ قلت: صلِ بلا طهارة، ولو زاد بك الأمر لأفتيك بترك الصلاة؛ لأنك لست ببعيد من المجنون، فلا يزال الشيطان بمثل هذا أن يخرجه من الدين، يجعله في وضع بالنسبة له الصلاة محالة، أو لا تطاق، وحينئذٍ يفتى بتركها فيكون في حكم المجانين، كم من شخص ترك العمل بسبب صلاة الظهر، من يبدأ الدوام إلى أن تزول الشمس وهو يكرر الوضوء استعداداً لصلاة الظهر، ثم يصلون الناس، وينتهي الدوام ما باشر، كم من شخص بهذه الطريقة وفصل، هذا جنون بلا شك، هذا لا يرتاب أحد بأنه جنون، مرض، والجنون فنون، هذا فن من فنونه، كل هذا بسبب طاعة الشيطان، وإلا فالإنسان عليه أن يقبل على عبادته ولا يلتفت إلى الشيطان، مع أنه عليه أن يكثر من تلاوة القرآن بالتدبر، والأذكار في أوقاتها، ويكثر من اللجوء إلى الله -سبحانه وتعالى- بصدق وإخلاص، ويكثر من الاستغفار، وحينئذٍ يُشفى من هذا المرض.
ضابطها ألا ترى البشرة دونها.
أحمد وجماعة، يعني أحمد بن حنبل وجمع من أهل العلم، وقال الجمهور: لا يجب، بل الأمر للندب، جمهور أهل العلم يعني في مقابل من ذُكر، إذا قيل: قال أحمد وقال الجمهور فهم الأئمة من عدا أحمد، وإذا قيل: قال داود أو قال ابن حزم وقال جماهير الأمة فهم من عدا ابن حزم وهكذا.
المعنى واحد، المعنى واحد لا يختلف.
الندب هو المستحب، الندب والمندوب هو المستحب، الذي يؤجر فاعله ولا يعاقب تاركه.
أن يدخل أصابعه فيها، يدخل أصابعه فيها، وفيها الماء.
نعم إذا استنثر في الوضوء كفاه؛ لأنهما عبادتان مأمور بهما تتداخلان، فهل يكون القول بوجوب الاستنثار عند القيام؟.. وإذا كان كذلك يعني دخول الاستنثار بعد الاستيقاظ داخل في الاستنثار في الوضوء.
يقول: فهل يكون القول بوجوب الاستنثار عند القيام من النوم خاصة لا أثر له؟
له......، له أثر، أثر متصور فيمن لا يريد الوضوء، عند من يقول: إنه لا يقيد بالوضوء يستنثر ولو لم يرد الوضوء.
يعني ليأتي بجميع الصور التي وردت، والاحتمالات التي ذكرت، مقصود السائل أن يأتي بمسح الرأس بجميع الصور التي وردت، مرة يبدأ من الأمام إلى الخلف ثم يعود، ومرة يبدأ من الخلف إلى الأمام ثم يعود، ومرة يبدأ من الناصية ثم يأتي إلى الأمام ثم يمسح مسحاً واحداً، الصور المذكورة، وإن بدأ بمقدم رأسه وذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما هذا هو أوضح ما ورد في الباب.
نبهنا أن عبد الله بن زيد بن عاصم راوي حديث الوضوء غير عبد الله بن زيد بن عبد ربه راوي حديث الأذان.
لا شك أن مسح الرأس من فرائض الوضوء على الخلاف بين أهل العلم بالقدر الممسوح، وعرفنا أنه لا بد من استيعاب جميع الرأس، والأذنان من الرأس، لكن لو تركهما، لو ترك مسحهما، كما لو ترك شيئاً من رأسه، وكل على مذهبه، الذي يقول: يجزئ مسح بعض الرأس، الربع، الثلث، شعرات، لا يوجب مسح الأذنين، والذي يوجب استيعاب مسح الرأس والأذنين من الرأس يوجب مسحهما، وعلى كل حال الأمر فيهما أخف.
كما جاء في الحديث يدخل السباحتين في أذنيه ويحركهما ويحرك أو يمر الإبهامين على أعلى الأذنين، والخيشوم هو الأنف الذي ذكرناه بالأمس.
عرفنا أن المحفوظ هو الذي يقابل الشاذ، فإذا روي حديث من ثقة، فكان الراوي ثقة وخالف من هو أوثق منه فالحديث شاذ، وكذا لو تفرد من لا يحتمل تفرده حكم على مرويه بالشذوذ والنكارة عند أهل العلم، فيقابل الشاذ المحفوظ، يعني إذا روى الثقة مخالفاً من هو أقل منه في التوثيق والضبط والإتقان فإن حديث الأوثق يكون هو المحفوظ.
عرفنا أن المضمضة والاستنشاق مما اختلف في وجوبه أهل العلم، فالذين يقولون بعدم الوجوب لا أثر لعدم استنثاره، والذين يقولون بوجوبه..، لا شك أن حتى من يقول بوجوبه أنه ليس مثل الفرائض، فرائض الوضوء المذكورة في آية الوضوء، لكن يأثم تاركه والوضوء -إن شاء الله- صحيح.
أقل السترة مثل مؤخرة الرحل، مثل مؤخرة الرحل ثلثي ذراع.
لا، لا يبطل الصيام إلا إذا أخرجه من فمه وانفصل ثم أعاده، أهل العلم يكرهون جمع الريق ثم بلعه، لكن لا أثر له على الصيام.
الأصل في النهي التحريم، الأصل في النهي أنه للتحريم، كما أن الأصل في الأمر أنه للوجوب، لكن إذا وجد الصارف يصرف النهي من التحريم إلى الكراهة أو الأمر من الوجوب إلى الاستحباب فالعبرة بالصارف.
أما عرض الصور في المساجد فالصور كلها حرام، بما في ذلك الصور المتحركة في الفيديو وغيره، داخلة تحت النصوص التي جاءت في تحريم الصور وتمنع منها، وإذا حرم الأمر كان في موطن العبادة أشد، وإدخال هذه الآلات في المساجد لا يجوز، بحال من الأحوال، بحجة تعليم الناس، نعم أفتى بعض أهل العلم بجواز التصوير في الفيديو من أجل التعليم، وأقول هي فتوى من يعتد بقوله، وتبرأ الذمة بتقليده، لكن من يرى تحريم التصوير، وأنه شامل لهذا النوع -وهو الذي أدين الله به- يدخل فيه حتى مثل هذا، ولو كان بحجة التعليم؛ لأن العلم دين، وما عند الله لا ينال بسخطه، كيف نطلب العلم الشرعي الذي حث الله عليه بالنصوص، ومدح أهله بوسيلة حرمها الله.
من ينشد القصائد الدينية عمر -رضي الله عنه- أنكر على حسان الإنشاد في المسجد، لكن حساناً رد عليه بأنه كان ينشد في المسجد، وفيه من هو خير من عمر، يعني النبي -عليه الصلاة والسلام- كنت أنشد بين يدي من هو خير منك في المسجد، وجاء النهي عن تناشد الأشعار في المسجد، ولا شك أن الشعر كلام حسنه حسن، وقبيحه قبيح، حسنه حسن وقبيحه قبيح، فحسنه لا بأس بإنشاده في المسجد، وقد أنشد حسان بين يدي النبي -عليه الصلاة والسلام-، فإذا كان الكلام مباح الكلام الذي ضمن الشعر مباح فحكمه حكم النثر لا بأس به في المسجد، وإذا كان مستحباً استحب حتى في المسجد، فنظم العلوم بالشعر وتعليم الناس هذا النظم من أفضل القربات؛ لأنه علم، والشعر حكمه حكم النثر، أما إذا كان هجو هجاء للناس، وبيان مثالب الناس، أو بعض الناس، أو إسفاف في غزل وتشبيب وما أشبه ذلك، أو فخر وما أشبه ذلك، كل هذا يمنع خارج المسجد ففي المسجد من باب أولى.
يقول: وما رأيكم بمن ينشد القصائد الدينية في المسجد؟
عرفنا أن الأصل في مثل هذا أنه جائز.
يقول: على وجه يقرب من الغناء واللهو؟
لا إشكال أنه إذا صحب الصوت الآلة منع، فلا يجوز حينئذٍ، المسألة مفترضة فيما إذا خلا عن الآلات، فيما إذا خلا عن الآلات، جاءت النصوص بإباحة الحداء، وشعر الحروب وما أشبهه، والشعر في الأفراح والأعياد كل هذا له أصل في الشرع، وتفنن الناس بعد ذلك بعد عصر النبوة في الغناء، ودخل الغناء من الكفار، من فارس والروم بأوزان وألحان معروفة عندهم، فما جاء من جواز سماعه فهو محمول على ما كان على طريقة العرب، وما جاء في منعه ولو كان بغير آلة؛ لأن الغناء هو الصوت، ولو لم يصحبه آلة، وجاء ذمه، فما كان على طريقة الأعاجم في لحونهم، والحافظ ابن رجب -رحمه الله تعالى- بين ذلك ووضحه في شرح البخاري، وميز ما كان منه على طريقة العرب في أدائهم، وهو الذي جاءت النصوص بجوازه وإباحته، وما كان من لحون الأعاجم ولو لم يصحبه آلات فإنه حينئذٍ يُمنع، وهو الذي جاءت النصوص بمنعه.
على كل حال مثل ما تقدم الشعر كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح، فإذا كان الكلام حسن، وأدي بصوت على طريقة العرب في أدائهم للأشعار فإنه حينئذٍ لا بأس به، وهو ما يسمى بالأناشيد، لكن بعض الناس يدخل أو يغير في صوته بحيث يجعله قريب من لحون أهل الفسق والفجور، أو من لحون الأعاجم وما أشبهها، فيمنع من هذه الحيثية، والله المستعان.