لا شك أنهم مشركون، فالنصارى عبدوا مع الله -جل وعلا- المسيحَ، واليهود عبدوا عزيرًا، ووجد الشرك في اليهودية والنصرانية، وأما كونهم كفارًا فهذا محل إجماع {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} [البينة: 1]، وعطْف المشركين على أهل الكتاب جعل بعض العلماء يقول: إنهم كفار، ولا يُطلق عليهم أنهم مشركون، وإنما يقال: فيهم شرك، وأما كونهم كفار فهو محل إجماع بين أهل العلم، ولا يُشك في كفرهم، ومن شك في كفرهم كفر، لكن إطلاق الشرك عليهم محل بحث، والحافظ ابن رجب –رحمه الله- يرى أنه يقال عنهم: فيهم شرك، فقد توجد خصلة من خصال الشرك فيهم، كما قد توجد خصلة من خصال النفاق في شخص فيقال: فيه نفاق، ولا يقال: منافق، وقد توجد خصلة من خصال الجاهلية في شخص فيقال: امرؤ فيه جاهلية، ولا يقال: جاهلي، لكن الخلاف في هذا لفظي؛ لأنهم كفار خالدون مخلدون في النار، ومن شك في كفرهم كفر -نسأل الله العافية-.
والفائدة من مثل هذا الخلاف -مع أنها في الحقيقة ليست بفائدة عملية- قالوا: إن نكاح الكتابيات لا يحتاج إلى نص يخرجهنَّ من تحريم نكاح المشركات؛ لأنهنَّ لسن بمشركات، مع أنه يوجد النص المبيح لنكاحهنَّ، فهو مُخرِج سواء قلنا: هم مشركون أو غير مشركين، فالخلاف فيما يبدو لفظي.