بلوغ المرام - كتاب الصلاة (25)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
قال شيخ الإسلام ابن حجر -رحمه الله-: "باب: صلاة الجماعة والإمامة"
عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة)) متفق عليه.
ولهما عن أبي هريرة: ((بخمس وعشرين جزءاً)).
وكذا للبخاري: عن أبي سعيد, وقال: ((درجة)).
وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحتطب, ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها, ثم آمر رجلاً فيؤم الناس, ثم أخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة, فأحرق عليهم بيوتهم, والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقاً سميناً أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء)) متفق عليه، واللفظ للبخاري.
وعنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر, ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً)) متفق عليه.
وعنه قال: "أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل أعمى فقال: يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد, فرخص له, فلما ولى دعاه, فقال: ((هل تسمع النداء بالصلاة?)) قال: نعم، قال: ((فأجب)) رواه مسلم.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من سمع النداء فلم يأتِ فلا صلاة له إلا من عذر)) رواه ابن ماجه والدارقطني وابن حبان والحاكم, وإسناده على شرط مسلم, لكن رجح بعضهم وقفه.
وعن يزيد بن الأسود -رضي الله عنه- أنه صلى مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الصبح, فلما صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا هو برجلين لم يصليا, فدعا بهما, فجيء بهما ترعد فرائصهما, فقال لهما: ((ما منعكما أن تصليا معنا?)) قالا: قد صلينا في رحالنا، قال: ((فلا تفعلا, إذا صليتما في رحالكم ثم أدركتم الإمام ولم يصلِ فصليا معه, فإنها لكم نافلة)) رواه أحمد, واللفظ له, والثلاثة, وصححه الترمذي وابن حبان".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: صلاة الجماعة والإمامة" الترجمة مؤلفة من شقين من باب أحكام صلاة الجماعة وحكمها، وأحكام الإمامة، وشروط الإمام، بدأ -رحمه الله تعالى- بالشق الأول في بيان حكم صلاة الجماعة وفضلها، فقال -رحمه الله تعالى-: "عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلاة الجماعة -الجماعة اثنان فأكثر- أفضل من صلاة الفذ -يعني الواحد- بسبع وعشرين درجة))" الحديث مخرج في الصحيحين من حديث ابن عمر، وحديث الأكثر على رواية: "الخمسة والعشرين" وعلى رواية: "السبع والعشرين" هذه، حديث: "سبعة وعشرين" ثابت في الصحيحين وغيرهما.
"ولهما" أي للبخاري ومسلم من حديث: "أبي هريرة -رضي الله عنه-: ((بخمسة وعشرين جزءاً))، وكذا للبخاري من حديث أبي سعيد -رضي الله عنه- وقال: ((درجة))".
أكثر الرواة على الخمس والعشرين، ابن عمر يروي السبع والعشرين مع أنه يروى عنه الخمس والعشرين أيضاً، صلاة الجماعة يعني اثنان فأكثر أفضل وهذه أفعل تفضيل مقتضاها أن تكون صلاة الجماعة فاضلة، وصلاة الفذ فاضلة، فاشترك المفضل والمفضل عليه في الوصف الذي هو الفضل، وفاق أحدهما الآخر، فاقت صلاة الجماعة على صلاة الفذ في هذه الصفة، فصلاة الجماعة فيها فضل وصلاة الفذ فيها فضل، والمراد بالفضل هنا الأجر، ثبوت الأجر، ولا يثبت الأجر إلا إذا سقط الطلب وصحت الصلاة وصارت مقبولة، بمعنى أنه يترتب عليها ثوابها، وتسقط الطلب، فكل من صلاة الجماعة وصلاة الفذ كلاهما فيه فضل، وكلاهما فيه أجر، وكلاهما مسقط للطلب، لكن صلاة الجماعة فاقت صلاة الفذ في هذا الفضل وفي هذا الأجر.
من يقول بسنية صلاة الجماعة وعمدتهم هذا الحديث يقول: لو كانت صلاة الجماعة شرطاً لصحة الصلاة أو واجبة لما جاء الخبر بمثل هذه الصيغ، نقول: نعم صلاة الفذ فيها أجر وفيها ثواب، ولا مانع من أن يجتمع الأجر والثواب مع الإثم لانفكاك الجهة، هذا جواب من يرى وجوب صلاة الجماعة.
أقول: هذا الحديث وما جاء في معناه هو عمدة من يقول: صلاة الجماعة سنة؛ لأنها هنا أفضل من صلاة الفذ، إذن صلاة الجماعة سنة، وهو المعروف عند الحنفية والمالكية والشافعية يقولون: فرض كفاية، والحنابلة يقولون: واجبة وجوباً عينياً بمعنى أنه يأثم كل من وجبت عليه الجماعة من الرجال الذكور المكلفين الذين لا عذر لهم.
يجيب الحنابلة عن استدلال الحنفية والمالكية بهذا الحديث على أن صلاة الجماعة سنة أن العمل قد يجتمع فيه أمران: الأجر والوزر لانفكاك الجهة، فالصلاة إذا أديت بشروطها وواجباتها وأركانها ترتبت آثارها عليها، لكن إذا ترك المصلي ممن تجب عليه الجماعة الجماعة أثم، ويدعم هذا القول الأحاديث اللاحقة، وليست الجماعة شرط لصحة الصلاة ليتجه قول من يستدل بهذا الحديث على أنها سنة، إنما الجماعة واجبة وجوباً عينياً على كل ذكر مكلف قادر على الإتيان لا يمنعه من الحضور إليها عذر، وعرفنا دليل من يقول: بأنها سنة، ومن يقول: بأنها فرض كفاية كالشافعية يقولون: الأحاديث كحديث أبي هريرة وما في معناه يدل على تأكدها بل تعينها وهي شعار يسقط بقيام البعض به، وسيأتي الرد عليهم من خلال الحديث اللاحق -إن شاء الله تعالى-.
((صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة)) حديث أبي هريرة وحديث أبي سعيد، حديث أبي هريرة جزءاً، فالجزء هو الدرجة، وجاء تفسير الجزء بالصلاة، فعلى هذا صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين صلاة، سبع وعشرين مرة كما جاء في بعض الروايات، فاختلاف الرواة في العدد منهم من يقول: العدد لا مفهوم له، والأصل أن الكلام له مفهوم، نعم إذا تعارض المفهوم مع منطوق أقوى منه يلغى المفهوم، {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ} [(80) سورة التوبة] هذا لا مفهوم له؛ لأنه معارض بمنطوق أقوى منه {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [(116) سورة النساء] فهنا سبع وعشرين درجة، وفي حديث أبي هريرة وأبي سعيد: "خمس وعشرين درجة" فمنهم من يقول: إن العدد لا مفهوم له، ويستوي في ذلك السبع والعشرين والخمس والعشرين وما هو أكثر من ذلك وما هو أقل، بل المراد من هذه الأحاديث بيان مزية صلاة الجماعة من غير تحديد بعدد معين، وإنما ذكرت هذه الأعداد للتمثيل، وإلا فالأصل فالعدد لا مفهوم له، منهم من يثبت أن العدد له مفهوم، ويحمل حديث ابن عمر على صور وأحاديث أبي هريرة وأبي سعيد وغيرهما مما جاء في الخمس والعشرين على صور أخرى، طلباً للجمع بين هذه النصوص، فبعضهم يقول: السبع والعشرين لمن صلى جماعة في المسجد، والخمس والعشرين لمن صلى جماعة خارج المسجد، في غير المسجد، ومنهم من يقول: السبع والعشرين للأعلم الأخشع، والخمس والعشرين لمن كان حاله ضد ذلك، ومنهم من يقول: السبع والعشرين لمدرك الصلاة كلها، والخمس والعشرين لمدرك بعضها، ومنهم من يقول: السبع والعشرين للبعيد من المسجد، والخمس والعشرين للقريب منه.
وعلى كل حال هذه أقوال لا دليل عليها، ولا شك أن حضور القلب في الصلاة له دور كبير في ترتب الأثر والأجر عليها، ولذا من الناس من ينصرف بصلاة كاملة، ومنهم من ينصرف بنصفها، ومنهم من ينصرف بالربع، ومنهم من ينصرف بالعشر، ومنهم من ينصرف بلا أجر، لكن يكفيه أن صلاته تسقط عنه الطلب وتبرأ ذمته بها.
أقول: هذه الأقوال وهذه المسالك التي سلكها أهل العلم للتوفيق بين هذه الروايات هو للجمع والتوفيق بين النصوص، وقد يسلك ما هو أقل من ذلك لرفع التعارض، فمنهم من يقول: إن الله -جل وعلا- أخبر نبيه بالخمس والعشرين أولاً ثم زاد تفضلاً منه -جل علا- على عباده المحافظين على الجماعة بالدرجتين، يعني هل يقال نظيره في من اقتنى كلب غير ما استثني ينقص من أجره كل يوم قيراط، وفي رواية: قيراطان، هل نقول: إنه أخبر أولاً بالقيراط ثم أخبر بالقيراطين زيادة في التشديد؟ احتمال، وقد قيل بذلك، وإن قال بعضهم: إن نقص القيراط لمن اقتناه في البادية، ونقص القيراطين لمن اقتناه في الحاضرة، تبعاً للأثر المترتب على هذا الاقتناء، والضرر المترتب عليه.
على كل حال أهل العلم يسلكون مثل هذه المسالك للتوفيق بين النصوص، المراد من الحديث واضح وهو بيان مزية صلاة الجماعة على صلاة الفذ، وصلاة الفذ وإن كانت صحيحة مسقطة للطلب، مجزئة وفاضلة بنص هذا الحديث إلا أنه لا يمنع من إثم من ترك الجماعة لوجوبها، فلا يمنع أن يجتمع في العمل الإثم والأجر لانفكاك الجهة، كمن صلى وبيده خاتم ذهب، نقول: صلاتك صحيحة، والأثر المترتب عليها ثابت، وهو آثم في لبسه خاتم الذهب أو عمامة الحرير، أو ما أشبه ذلك، فمن أقوى ما يستدل به من يقول بوجوب صلاة الجماعة عيناً يعني على الأعيان، ونعرف المراد بالأعيان لأن بعض الناس من العامة أو بعض المبتدئين قد يظن أن المراد بالأعيان الوجهاء، نعرف أن الواجب ينقسم إلى وجوب عيني ووجوب كفائي، بمعنى أنه لا يعذر فيه أحد إذا كان واجباً عينياً، وليس المراد بذلك أنه واجب على الوجهاء كما يتصوره البعض، من أقوى الأدلة على ذلك حديث أبي هريرة الذي يلي هذا.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى: "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((والذي نفسي بيده))" هذا قسم، كثيراً ما يقسم النبي -عليه الصلاة والسلام- بهذا ((والذي نفسي بيده)) وفي هذا القسم على الأمور المهمة ولو من غير استحلال، ولا يتعارض هذا مع قوله -جل وعلا-: {وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ} [(224) سورة البقرة] لأن هذا مهم، يحتاج في تثبيته وتأكيده إلى مثل هذا القسم، وقد أمر الله -جل وعلا- نبيه أن يقسم على البعث في ثلاثة مواضع من كتابه في يونس، وفي سبأ، وفي التغابن، فالأمور المهمة يقسم عليها ولو من غير استحلاف.
((والذي نفسي بيده)) نفسه -عليه الصلاة والسلام- يعني روحه بيده، بيد الله -جل وعلا-، وفي هذا إثبات اليد لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته، وإن كان أكثر الشراح درجوا على تفسير هذا القسم بقولهم: "الذي روحي في تصرفه" ولا شك أن أرواح العباد في تصرف الله -جل وعلا-، لكن إن كان المراد بهذا التفسير الفرار من إثبات صفة اليد فهو مردود، وإلا فمعناه صحيح، وإثبات اليد لله -جل وعلا- محل اتفاق بين سلف هذه الأمة وأئمتها على ما يليق بجلاله وعظمته.
((والذي نفسي بيده لقد هممت)) اللام واقعة في جواب القسم، "قد هممت" الهم: مرتبة من مراتب القصد، أولها: الخاطر، ثم الهاجس، ثم حديث النفس، ثم الهم، ثم العزم ((لقد هممت)) قد يقول قائل: هذا ليس فيه دليل لأنه مجرد هم، حديث النفس معفو عنه، الخاطر معفو عنه، الهاجس معفو عنه، الهم؟ ماذا عن الهم؟ ((إذا هم أحدكم..)) إذا هم بالسيئة تكتب عليه وإلا ما تكتب؟ إذا لم يفعلها ولم يتحدث بها؟ يعني هل الهم مثل حديث النفس معفو عنه؟ إذا هم بخير أجر عليه، وإذا هم بسيئة لم تكتب عليه حتى يعملها أو يفعلها، هنا الهم بالتحريق، المخالف يقول: إنه مجرد هم، والهم لا أثر له، ولذا يقول الناظم في مراتب القصد، يقول:
مراتب القصد خمس هاجس ذكروا |
|
فخاطر فحديث النفس فاستمعا
|
إلا الأخير -الذي هو العزم- ففيه الأخذ قد وقعا، يجاب عن هذا بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يهم إلا بما يجوز له فعله، فإذا كان هذا الفعل الذي هو التحريق على المتخلف عن الصلاة بالنار يجوز للنبي -عليه الصلاة والسلام- فعله مع أنه أكده بالقسم ((والذي نفسي بيده لقد هممت)) فدل على أن ترك الجماعة حرام، إذ لا يتوعد بمثل هذا الوعيد إلا على شيء محرم ((لقد هممت أن آمر بحطب فيحتطب, ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها, ثم آمر رجلاً فيؤم الناس, ثم أخالف إلى رجال)) آمر بحطب فيحتطب من أجل أن يحرق على المتخلفين عن الصلاة جماعة بالنار ((ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلاً فيؤم الناس)) قد يقول قائل -وقد قيل-: كيف يهم بالتحريق -تحريق البيوت على أصحابها- بسبب التخلف عن صلاة الجماعة ويتخلف -عليه الصلاة والسلام- لأنه سوف يأمر رجل يؤم الناس؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- سوف ينطلق إلى هؤلاء ومعه رجال وحينئذٍ تقوم الصلاة بهم، صلاة الجماعة، ((ثم آمر رجل فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال)) يعني أذهب إلى رجال على غرة منهم، وقد انشغلوا بلهوهم وغفلتهم عن الصلاة، ((أخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة)) الذين يقولون بأن صلاة الجماعة ليست بواجبة على الأعيان هذا الحديث من أقوى ما يرد به عليهم؛ لأن صلاة الجماعة إذا كانت واجبة على الكفاية سقط الوجوب بفعل النبي -عليه الصلاة والسلام- ومن معه في مسجده فكيف يبحث عن مثل هؤلاء وقد سقط عنهم الواجب؟ لأن الواجب على الكفاية إذا قام به من يكفي سقط الإثم على الباقين، صار في حقهم سنة، فكيف يخالف إلى هؤلاء وقد قامت الجماعة به -عليه الصلاة والسلام- في مسجده -صلى الله عليه وسلم-؟ ((ثم أخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم)) يقول بعضهم: لو كانت صلاة الجماعة واجبة والتهديد هذا على وجهه وحقيقته ما تركه النبي -عليه الصلاة والسلام-، فلما تركه عرفنا أنه عدل عن هذا التهديد فدل على عدم وجوب صلاة الجماعة، نقول: إنما ترك التحريق معللاً ذلك بقوله: ((لولا ما في البيوت من النساء والذرية)) لحرق عليهم بيوتهم، أناس لا ذنب لهم، أرواح لا ذنب لها، ويكفي في وجوب الجماعة أقل من مثل هذا التهديد، وقال المخالفون في مسائل كثيرة جداً بالوجوب العيني ولم يرد فيها مثل هذا التهديد.
((والذي نفسي بيده)) أعاد القسم -عليه الصلاة والسلام- لأهمية هذا الأمر ((لو يعلم أحدهم)) يعني أحد هؤلاء المتخلفين ((أنه يجد عرقاً سميناً)) قد يقول قائل: إن مثل هذا الكلام ما يقال في حق مسلم صحيح الإسلام إنما هذا الذي يبعثه إلى حضور الجماعة مثل هذه الأشياء اليسيرة قد يقول قائل: إنه من المنافقين، فالحديث جاء في حق المنافقين، لا في حق صادقي الإيمان والإسلام، نقول: إن التخلف عن صلاة الجماعة من سمة المنافقين، فلا يكاد ينفك التخلف عن صلاة الجماعة عن صفة النفاق.
((والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقاً سميناً)) العرق: هو العظم إذا كان عليه لحم ((أو مرماتين حسنتين)) المرماتين يقولون: هي ما بين ظلفي -بالفاء- الشاة من اللحم، لكن هل بين أظلاف الشاة لحم؟ وهل يمكن أن يوصف هذان الظلفان بالحسن؟ ولذا يتجه القول الآخر بأن ظلفي مصحفة من ضلعي، ما بين ضلعي الشاة من اللحم، وبينهما لحم وحسن أيضاً، وإلا أكثر كتب الغريب والمعاجم تقول: ما بين ظلفي، كتب الشروح تواطأت على هذا، لكن من حيث المعنى هل بين أظلاف الشاة لحم؟ وهل يمكن أن يوصف بالحسن؟ نعم، لكن إذا قلنا: إنها مصحفة عن ضِلْعي أو ضِلَعي قلنا: بينهما لحم وهو أيضاً حسن.
((أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء)) تباً لمن كان هذا همه، لا يحضر إلى الصلاة إلا من أجل هذه الأمور اليسيرة، وسيأتي أن أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر في الحديث الذي يليه، في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر)) ولو وجد هؤلاء المنافقون أمور يسيرة من حطام الدنيا لتجشموا المصاعب للحضور، أثقل الصلاة على المنافقين، الصلاة كلها ثقيلة على المنافقين {وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى} [(142) سورة النساء] الكسلان عن أي عمل من الأعمال العمل عليه ثقيل، لكن أثقل هذا الثقيل صلاة العشاء وصلاة الفجر، لماذا؟ لأن الذي يبعث على العمل هو الطمع إما في أجر أخروي أو في أجر دنيوي، الذي يبعث على العمل الطمع، لا يطمعون في أجر الآخرة، وإذا قاموا إلى الصلاة إنما قاموا رياءً وصلاة العشاء وصلاة الفجر إنما تقعان في الظلام، العشاء في الظلام، الصبح في الظلام، وهم إنما يصلون رياء الناس والناس لا يرونهم، إذن الباعث الديني مفقود والباعث الدنيوي مفقود، ولو علم هؤلاء ((لو يعلمون ما فيهما)) يعني من الأجر العظيم ((لأتوهما)) أعني صلاة الصبح وصلاة العشاء، يعني صلاة الصبح وصلاة العشاء، ((ولو حبواً)) على اليدين والركبتين "متفق عليه".
ولما علم الصحابة ما في الصلوات من الأجور أتوا إليها وهم يهادون، يأتي الرجل وهو يهادى بين رجلين من المرض والتعب؛ لأنه يعلم بالأجر، ومصدق بوعد الله -جل وعلا-، الذي يصدق بالوعد يعلم الوعد ويصدق به ينفذ، ما الذي يمنعه؟ لأنه إذا وازن بين المصالح والمفاسد وجد أن المسألة لا مقارنة، لا مقارنة، لكن إنما يتخلف من يشكك أو يشك في ثبوت هذا الوعد، أو لا يصدق به أصلاً كالمنافقين والكفار، فإذا اجتمع التصديق بثبوته مع ابتغائه وطلبه حصل الحضور إلى الصلاة ((ولو يعلمون ما فيهما)) يعني في فعلهما والإتيان إليهما من الأجر ((لأتوهما)) أتوهما إلى أين؟ إلى المسجد حيث ينادى بها ((ولو حبواً)) أي مشياً على اليدين والركبتين كما يفعل الطفل، حرصاً على هذا الأجر المرتب عليهما.
يقول: "وعنه -رضي الله عنه- قال: "أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل أعمى" جاء تفسيره في بعض الروايات بأنه ابن أم مكتوم المؤذن الذي عاتب الله نبيه -عليه الصلاة والسلام- بسببه "أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل أعمى فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد" هذا رجل أعمى، وبينه وبين المسجد متاعب ومصاعب وأشجار، جاء في بعض الروايات أنه له قائد، لكن لا يلائمه، يعني لا يلازمه فرخص له؛ لأن هذا عذر، رجل أعمى كفيف البصر ويجد مشقة في الحضور إلى الصلاة رخص له -عليه الصلاة والسلام-, فلما ولى دعاه, فقال: ((هل تسمع النداء بالصلاة?)) قال: نعم، قال: ((فأجب)) في بعض الروايات: ((لا أجد لك رخصة)) فالأمر ليس بالسهل، ليس بالهين أن يتخلف الإنسان عن الصلاة لأدنى سبب، يسمع الأذان ويتخلف عن الصلاة، وعلى هذا كل من سمع النداء عليه أن يجيب إلا إذا كان له عذر، لا رخصة لمن سمع النداء عن الإجابة، والمراد بسماع النداء بالصوت العادي دون مكبرات، ودون موانع من السماع، يعني افترض المسألة ما في مكبرات صوت، ولا يوجد ما يمنع من سماع الأذان من سيارات وآلات ومشوشات، من كم يُسمع الأذان العادي؟ يعني كيلوين ثلاثة أو أكثر أو أقل؟ الأذان العادي بدون مكبر وبدون موانع كم يقدر هذا؟ لأن الإنسان قد ينام في غرفته أو يجلس في غرفته في بيته، وقد أغلق الأبواب والنوافذ، وأصوات السيارات عن يمينه وشماله ويقول: أنا لا أسمع النداء إذن أصلي في بيتي والمسجد خطوات عنه؟ له ذلك وإلا ليس له ذلك؟ نعم نفترض المسألة بدون مكبرات، وبدون موانع، فصوت المؤذن بدون مكبر وبدون مانع ينفذ إلى إيش؟ إلى مقدار؟ لنعرف الرخصة الشرعية.
طالب:.......
ثلاث إيش؟ أميال، يعني خمسة كيلو، فيحتاج مشي إلى ساعة إلا عشر الخمسة كيلو المتوسط؛ لأنه إذا كان بينك وبين المسجد خمسة كيلو يلزمك تحضر الصلاة؟ لأن المسألة تحتاج إلى ضابط، الآن المشوشات كثيرة، فقد يكون في بيته في الصالة جالس مع أهله ما يسمع الأذان، الذين يسكنون الشقق يعرفون هذا مع المكيفات ومع السيارات يعرفون هذا، فهل يقال له: أنت لا تسمع النداء لا تصلي؟ أو يقال لمن في البرية سمع أذاناً بمكبر وبلغه هذا في صلاة الصبح وبينه وبينه عشرين ثلاثين كيلو نقول: اذهب إلى الصلاة وليست معه سيارة؟ لا نجد لك رخصة تسمع النداء؟ لا بد من ضابط، فإذا تصورنا المسألة مجردة عن الأسباب التي هي هذه المكبرات وعن الموانع فهل نقول مثلاً: المتوسط ثلاثة كيلو مثلاً، يعني ما جرب هذا؟
طالب:.......
لا، لا يسمعون، يسمعون قبل هذه الحضارة التي نعيشها الآن قبل المكبرات يسمعون من بعيد ترى، يسمعون من بعيد مع الهدوء؛ لأن المسألة لا بد لها من ضابط، ما نقول: المسألة خلاص حراج ويزيد وينقص نص كيلو خمسة كيلو، لا، المسألة لا بد من تحديدها على الواقع، تطبيقها على الواقع، ما جربت هذه؟ قبل هذه المكبرات وقبل المؤثرات في ضاحية تبعد عن بلد من البلدان ثلاثة كيلو بدون مبالغة يعني ويسمعون أذان الجامع لكن ما هو بكل الأوقات في صلاة الصبح، أذان المسجد اللي في وسط البلد في صلاة الصبح فقط؛ لأن الرخصة علقت بسماع النداء، إذن لا بد من تحرير هذه المسألة، يعني تسمع النداء من مسافة ثلاثين كيلو بالمكبر نقول: يلزمك وأنت ما عندك سيارة أو استأجر أو..، نعم إذا تجشمت ومشيت وتعبت وركبت سيارة وأنفقت هذا في سبيل الله لن تعدم الأجر، لكن هل تلزم بذلك؟ لا تلزم بذلك، لكن الذي يبدو -والله أعلم- أن الثلاثة كيلو تسمع بدون مكبر وبدون مؤثر، فعلى هذا من كان بينه وبين المسجد ثلاثة كيلو يجب عليه إجابة الصلاة، إجابة النداء.
وهذا رجل أعمى، الأصل أن مثله لا سيما إذا كان ليس له قائد، وفي طريقه العوائق من الأودية والأشجار أنه معذور، عتبان بن مالك وحديثه في الصحيح لما كف بصره طلب من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يزوره ليصلي له في مكان يتخذه مسجداً، وفعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، زاره وصلى، واتخذه مسجداً، هل هناك معارضة بين حديث ابن أم مكتوم وحديث عتبان؟ نعم ما في دليل على أن عتبان يسمع النداء من جهة، الأمر الثاني: أن عتبان أراد أن يقيم الجماعة في حيه، في بيته، فإذا لم يسمع النداء له أن يقيم الجماعة في بيته أو في حيه، هذا إذا لم يسمع النداء، فهو محمول على أن عتبان لا يسمع النداء، أقول: في معارضة بين حديث ابن أم مكتوم وبين حديث عتبان؟
طالب: لا توجد معارضة.
النبي -عليه الصلاة والسلام- عذر عتبان وجاء إلى بيته وصلى له فيه؛ ليتخذ له مسجداً بعد أن كف بصره، وعذره مثل عذر ابن أم مكتوم، هذا أعمى وذاك كف بصره فاحتاج أن يصلي في بيته، فالفارق أنه هنا صرح بسماع النداء وهناك لم يصرح به لا وجوداً ولا عدماً، وهو محمول على أنه لا يسمع النداء، منهم من يقول: إن حديث ابن أم مكتوم محمول على الندب وإلا عذره يبيح له التخلف عن الجماعة، لكن الحديث فيه قوة، ((هل تسمع النداء؟)) قال: نعم، قال: ((فأجب)) فالأمر ثابت والحكم معلل بسماع النداء، ولا يمكن صرفه إلا بصارف قوي، نعم بعض العميان يتفاوتون، بعض العميان إذا لم يكن له قائد يضل، هم يتفاوتون، ولعل النبي -عليه الصلاة والسلام- رأى في ابن أم مكتوم من الفطنة والفراسة ما يستطيع معها أن يصل إلى المسجد بسهولة، وإلا بعض العميان مجرد ما يطلع من البيت يتوه يضيع، هم متفاوتون، والمبصرون أيضاً متفاوتون، والأصل أن الحرج والمشقة مرفوع في الشرع، ((إن الدين يسر، ولن يشاد أحد الدين إلا غلبه)) لكن ليس معنى هذا أننا نتنصل من الواجبات بحجة أن الدين يسر، الدين كما هو دين يسر هو دين تكاليف، دين ابتلاء، دين امتحان، والجنة حفت بالمكاره، فلا نخلط بين هذا وهذا.
يقول: "وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من سمع النداء فلم يأتِ فلا صلاة له إلا من عذر))" وجاء تفسير العذر بالخوف والمرض، يقول: "رواه ابن ماجه والدارقطني وابن حبان والحاكم, وإسناده على شرط مسلم" لكن رجح بعضهم وقفه، وصححه بعضهم مرفوعاً، هو من حيث الإسناد على شرط مسلم، لكن الخلاف في رفعه ووقفه على ابن عباس، هل هو مرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- كما صرح به هنا أو هو موقوف من قول ابن عباس؟ رجح بعضهم وقفه وبعضهم صححه مرفوعاً، ومعلومٌ إذا تعارض الوقف مع الرفع الخلاف بين أهل العلم في مثل هذه المسألة معروف، منهم من يحكم بالرفع؛ لأنه زيادة والزيادة من الثقة مقبولة، ومنهم من يحكم بالوقف؛ لأنه متيقن، ومنهم من يحكم للأكثر، ومنهم من يحكم للأحفظ، على كل حال المسألة خلافية، وليس عند المتقدمين قاعدة مطردة يحكمون بها في مثل هذا الاختلاف، بل الحكم للقرائن.
وعلى كل حال الحديث لو صح هل هو دليل لوجوب الجماعة عيناً؟ ((من سمع النداء فلم يأتِ فلا صلاة له، إلا من عذر)) فلا صلاة له مفاده أن الجماعة شرط لصحة الصلاة، مفاده أن الجماعة شرط لصحة الصلاة عندما يصح الخبر، وإن قال بعضهم: إنه لا صلاة له كاملة، وعلى كل حال الحديث مختلف فيه، والمرجح وقفه على ابن عباس -رضي الله عنهما-.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن يزيد بن الأسود -رضي الله عنه- أنه صلى مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الصبح, فلما صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا هو برجلين لم يصليا" يعني مع الجماعة، لم يصليا يعني مع الجماعة في المسجد "فدعا بهما, فجيء بهما ترعد فرائصهما" هذان قد صليا في رحالهما -في منزلهما- أو في منازلهما "وجيء بهما ترعد فرائصهما" والآن بجوار المسجد الشباب يتحدثون ويلعبون في جوار المسجد، ولا كأن هناك صلاة أذن لها، ولا صلاة أقيمت، ولا جماعة يصلون، اثنان من الصحابة جيء بهما ترعد فرائصهما، نعم الذي دعاهما هو النبي -عليه الصلاة والسلام- ولا نقول: إن أحداً مثله -عليه الصلاة والسلام- في الهيبة، لكن يبقى أن من اقتدى به -عليه الصلاة والسلام- يرث من علمه ويرث من هيبته بقدر ما عنده من علم وعمل ما يؤثر في الخصم، تصلي وشخص جالس في سيارته عند باب المسجد ينتظر أحداً يصلي، ولا يرفع بالمسلمين رأساً، لا شك أن هذا سببه التساهل من المصلين، وإلا لو كل شخص مر بهذا جالس في سيارته وقال له: الصلاة، ثم ثاني: الصلاة يا أخي، الصلاة أقيمت، الصلاة، ما يجلس مثل هذا أبداً، ولا يطيق الجلوس في مثل هذا المكان، في يوم من الأيام الصلاة تقام وعامل من العمال في السيارة جالس عند باب المسجد، طيب ادخل صلِ، قال: ما هو بمسلم، ذكر أنه ليس بمسلم، يعني يجلس مراغمة للمسلمين عند باب المسجد؟! عليه أن يختفي مثل هذا، لا يجاهر بمثل هذا ويراغم المسلمين، ومثل هذا لو ترك له المجال اختلط الحابل بالنابل ولا يدرى من يصلي ومن لا يصلي، فلا بد من أطر الناس على الحق، وهذه وظيفة كل مسلم؛ لأن التخلف عن الصلاة منكر، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده)) هذا إذا استطاع ((فإن لم يستطع فبلسانه)) لا أحد يمنعك من أن تقول: صلِ يا أخي، ادخل المسجد، تمر على شباب يلعبون في ساحات قريبة من المسجد ولا أحد يقول لهم: صلوا، أنا مراراً أجي للمسجد على الشارع هذا في مكاتب هنا على اليد اليمنى قرب الإقامة فاتحين، وقت الصلاة، فلو كل واحد من الإخوان مر بهم: صلوا يا إخوان، قفلوا، نعم يتعين هذا على أهل الحسبة لكن أهل الحسبة عددهم لا يفي بما يطلب منهم، فهذا واجب الجميع.
هؤلاء من أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- أنهم لم يصليا، أنهما لم يصليا قيل له: إن في اثنان في آخر المسجد ما صليا فدعا بهما، دعا بإحضارهما "فجيء بهما ترعد فرائصهما" ما يترك فرصة لمثل هؤلاء، وإن كان المجتمع مجتمع صالح، الآن بكل بساطة يقول: إيش دخلك؟ إذا قلت له: صلِ، لماذا؟ لأننا تتابعنا على السكوت، تواطئنا عليه مدة، والآن نجني الثمار شاب في العشرين بادٍ نصف عورته ويقول: ويش دخلك في بلاد المسلمين بين المسلمين؟ هذه تحتاج إلى حل، تحتاج إلى تظافر جهود، الدولة عينت لهذا الأمر رجال حسبة، لكن الشرع قبل ذلك طلب من كل مسلم، من كل من رأى منكر أن يغيره، ولا أحد يمنعك من أن تقول إذا رأيت شخص لم يصلِ: صلِ يا أخي، لا بد من وضع آلية تميز بين من هو من أهل الصلاة ومن هو ليس من أهل الصلاة، ولا يختلط الأمر في البلدان المختلطة التي فيها مسلمون وغير مسلمين وإلا ترتب عليه ضياع، إذا قال: والله ما ندري ما أبحث إذا كان هذا يصلون وإلا ما يصلون وإلا اللي يصلون فرادى وإلا يصلون جماعات؟ لا بد من حزم في هذا الباب؛ لأن الصلاة رأس المال يا الإخوان، يعني آخر ما تفقدون من دينكم الصلاة، آخر ما يفقد من الدين الصلاة، فإذا فقدت الصلاة ويش يبقى في الدين، ما يبقى شيء، فالمسألة تحتاج إلى همة وصدق وعزيمة وإخلاص لله -جل وعلا- مع الرفق واللين لا يترتب على إنكار المنكر منكر أعظم منه، فعلينا جميعاً أن نتواصى بهذا.
"فجي بهما ترعد فرائصهما، فقال لهما -عليه الصلاة والسلام-: ((ما منعكما أن تصليا معنا?))" الناس يصلون وأنتم جالسين ((ما منعكما أن تصليا معنا)) والعرض بطريقة السؤال أجدى حتى يعرف الجواب يعني لو دخل شخص افترض دخل من الشارع وجلس هل يناسب جداً أن تقول: قم صلِ ركعتين، أو تقول: هل صليت ركعتين؟ بسؤال برفق ولين ليستجيب، وهنا: ((ما منعكما أن تصليا معنا)) يمكن له عذر مقبول "قالا: قد صلينا في رحالنا" والرحل المنزل "قال: ((فلا تفعلا))" فلا تفعلا: يعني لا تجلسا والناس يصلون ((إذا صليتما في رحالكما ثم أدركتم الإمام ولم يصلِ فصليا معه)) وهذا لسد الذريعة لئلا يتذرع أحد بترك الصلاة ويعتذر بأنه قد صلى، حين يطلع الإنسان إلى المسجد ويقابله شباب رايحين للجهة الثانية، أحياناً يقولون: صلينا في المسجد هذا اللي يبكر، وأحياناً يقولون: لا نبي نروح نصلي مع اللي تأخر، مثل هذا يضيع الأمر، ولذا حسم، سد الباب عليهم -عليه الصلاة والسلام-، صلينا في رحالنا صلوا أيضاً، ((إذا صليتما في رحالكما ثم أدركتم الإمام ولم يصلِ فصليا معه)) لئلا يوجد في المسجد في آن واحد ناس يصلون وناس ما يصلون، ثم يصير في ذلك وسيلة لمن أراد أن يترك الصلاة بحجة أنه صلى.
((فصليا معه فإنها لكما نافلة)) "فصليا فإنها" الضمير يعود على أقرب مذكور وهي الصلاة الأخيرة "فصليا" المأمور بها "فإنها" يعني هذه الصلاة الأخيرة لكما نافلة، فالنافلة هي الثانية والأولى هي الواجبة التي سقط بها الطلب "رواه أحمد واللفظ له, والثلاثة: أبو داود والنسائي والترمذي، وصححه الترمذي وابن حبان، وقال الترمذي: حسن صحيح".
وعلى كل حال الحديث صحيح.
((فإنها لكما نافلة)) يعني الثانية نافلة والفريضة هي الأولى، وقال بعضهمِ: من جاء والإمام يصلي وقد صلى منفرداً له أن يرفض
الصلاة الأولى ويصلي مع الإمام الفريضة لأن الثانية أكمل؛ لأن الفريضة كونها في جماعة أكمل من كونها منفردة، فيرفض الأولى وتكون الثانية الفريضة، لكن الحديث نص في أن الثانية هي الفريضة، إذا صلى الإنسان منفرد فريضة ثم أحس أن هناك جماعة هل نقول: إن هذه هي الفريضة ولا يجوز له تحويل النية، ويستوي في ذلك ما إذا كان في أثناء الصلاة أو بعد الفراغ منها؟ أو نقول له: أن يقلب النية نفل ويصلي الفريضة مع الجماعة، الفقهاء يقولون: وإن قلب منفرد فرضه نفلاً في وقته المتسع جاز، وإن قلب منفرد فرضه نفلاً في وقته المتسع جاز.
أحاديث النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر ألا يتعارض مع إعادة صلاة الصبح مع الإمام وفي إعادة صلاة العصر، وأيضاً النهي عن أكثر من وتر في ليلة ألا يتعارض مع إعادة صلاة المغرب، يعني من جاء والإمام في صلاة الصبح له نافلة، وهو ممنوع من التنفل بعد صلاة الصبح، لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، هل نقول: هذا وقت نهي لا تعيد الصلاة؛ لأنها نافلة أو نقول: أحاديث النهي عامة وهذا الحديث خاص لإعادة الصلاة مع الإمام؛ لأن الواقعة حصلت في صلاة إيش؟ الصبح، هنا عندنا، صلى مع رسول الله صلاة الصبح فتعاد صلاة الصبح ولو كان وقت نهي مع الإمام، وقل مثل هذا في صلاة العصر، وقل مثل هذا من باب أولى في صلاة الظهر، وصلاة العشاء مع ما يعارضه من قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((صلاة الليل مثنى مثنى)) لأنه بيأتي بصلاة رباعية نافلة، لكن صلاة المغرب إذا صلى المغرب في رحله ثم جاء والصلاة تقام -صلاة المغرب- ماذا يصنع؟ يعيد مع الإمام؟ لا وتران في ليلة فهل يعيد مع الإمام أو نقول: لا، هذه الوتر ولا يكرر الوتر في ليلة واحدة؟ أو نقول: صليها شفعاً صلِ مع الإمام واشفعها برابعة؟ ماذا يقال؟ مقتضى الحديث أن يصلي الصلاة على صورتها، صليها ثلاث مع الإمام هذا عموم الحديث، لكن الأحاديث الأخرى مثل: ((لا وتران في ليلة)) وقل مثل هذا في التصدق على من فاتته الصلاة ((من يتصدق على هذا)) يعني شخص صلى مع الجماعة، يعني حديث الباب فيمن صلى منفرداً ثم صلى مع الجماعة، من صلى في مسجد مع جماعة ثم جاء والصلاة تقام في مسجد آخر يعيد وإلا ما يعيد؟ الآن الحديث -حديث الباب- نص فيمن صلى في منزله -في رحله- ثم جاء، الآن الاثنين هؤلاء الرجلان صليا جماعة في رحالهما أو كل واحد صلى في بيته؟ "قالا: قد صلينا في رحالنا" في رحالنا، ما قالا: في رحلنا.
طالب:.......
لا ما تجي رحلينا، قلوبكما {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [(4) سورة التحريم] ظاهر النص أنهما صليا فراداً، من صلى منفرداً ثم جاء و الجماعة أقيمت يعيد الجماعة، لكن من صلاها في جماعة في مسجد ثم وجد جماعة تقام يصلي معهم أو لا يصلي؟ أو صلى مع جماعة فجاء شخص ((من يتصدق على هذا)) نص وفي صلاة الصبح، وفي مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام- مع أن من أهل العلم من يمنع إعادة الجماعة في الحرمين، وحديث: ((من يتصدق على هذا)) نص في إعادة الجماعة؛ لأنه صلى مع الجماعة، وصلى الصبح التي بعدها وقت نهي وفي مسجده -عليه الصلاة والسلام-، لكن يبقى إشكال المغرب ما الذي يمنع من أن يصلي المغرب مع الجماعة ويشفعها بركعة زائدة لئلا يقع في مخالفة: ((لا وتران في ليلة))؟.
اللهم صلِ وسلم وبارك على عبدك ورسولك، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المقصود أن الرحل هو المنزل، الرحل هو المنزل سواءً كان في حاضرة أو في بادية.
أهل العلم يذكرونها من شروط وجوب صلاة الجماعة؛ لأن وقت الرقيق مستغرق لسيده هذا قول الجمهور، وبعضهم يقول: لا، أنه وقت صلاة مستثنىً شرعاً، ويقال مثل هذا في الموظف، الموظف يجب عليه أن يخرج إلى الصلاة مع جماعة المسلمين، وإن كان العقد في الوظيفة يشمل وقت الصلاة، لكن هذا الوقت مستثنىً شرعاً، لا يجوز له أن يتخلف بمجرد أنه تعاقد على هذا الوقت.
من سمع النداء؟
طالب: ((فلا صلاة له)).
ظاهر الحديث ظاهره يدل على الاشتراط، يدل على اشتراط الجماعة هذا الظاهر، وإن قال بعضهم: إنه لا صلاة له كاملة، وعلى هذا المعنى يحمله من يقول عدم اشتراط الجماعة، واشتراط الجماعة قول عند أهل العلم معروف، اشتراط الجماعة لصحة الصلاة هو قول الظاهرية، ورواية عن أحمد ينصرها بعض الأصحاب، وشيخ الإسلام -رحمه الله- كأنه يميل إلى هذا أنها شرط لصحة الصلاة.
لا مانع من ذلك الذي يقضي الصلاة هو في حكم المنفرد، ما يقضيه المسبوق هو بعد سلام الإمام في حكم المنفرد، ويجوز أن تأتم بالمنفرد وهذا في حكمه.
يجيب عن هذا بأن أمره هو أمر استحباب بدليل أنه معذور في ترك الجماعة، فدل على أن قوله: أجب، أمر استحباب لا أمر وجوب، لكن الصحيح أنه أمر وجوب، وإذا كان هذا الأعمى مع ما عنده من عذر العمى وعنده من المشقة، وما يحول دونه ودون المسجد فكيف بالمبصرين؟ إذا لم يعذر الأعمى فكيف المبصرين؟
عدم الترخيص بإقامة جماعة أخرى لعدم الحاجة إليها، يعني إقامة مساجد أخرى مع أنه موجود مساجد، يوجد مساجد أخرى في بني عمرو بن عوف، وفي قباء وفي أطراف المدينة يوجد مساجد، لكن لنعلم أن الأصل والهدف الشرعي من شرعية صلاة الجماعة أن يتحد المسلمون، فإذا كان يكفيهم مسجد واحد فلا داعي لإقامة ثاني، وأقوال أهل العلم في إقامة جماعة في صلاة الجمعة ثانية، إقامة جمعة ثانية كلامهم شديد في هذا يبطلون الثانية إذا لم تكن هناك حاجة، لكن إذا كانت الحاجة داعية والمسلمون في أول الأمر عددهم قليل يستوعبهم المسجد النبوي وما أذن بإقامته فلا داعي لإقامة مساجد أخرى، لكن لما كثر العدد احتاجوا إلى جماعات أخرى.
إذا افترضنا أن شخصاً في بيته يريد أن يصلي جماعة أو يصلي منفرد فصلاته مع غيره أفضل من صلاته منفرداً بسبع وعشرين درجة، لكنها من جنس الصلاة التي في البيت، فالمفاضلة نسبية، الصلاة جماعة في المسجد أفضل من صلاة الفذ في المسجد، وصلاة الجماعة في البيت أفضل من صلاة الفرد في البيت وفي السوق وفي الفلاة وما أشبه ذلك، فالمسألة..، المفاضلة نسبية كل نوع مع جنسه جماعة مع منفرد سواءً كانت في المسجد إذا كانت الجماعة في المسجد فهي أفضل من صلاة منفرد في المسجد فذ، صلاة جماعة في بيت أفضل من صلاة فذ في بيت وهكذا، لكن لنعلم أن الصلاة في المساجد واجبة، ولا يكفي أن يصلي الإنسان في بيته، ولا يعذر عن ترك الجماعة في المسجد إلا بالعذر المعروف العذر الشرعي خوف وإلا مطر وإلا أكل ثوم وإلا بصل وإلا شيء يمنعه من حضور الجماعة في المسجد، وإلا فالأصل أن الصلاة حيث ينادى بها، ((أتسمع النداء؟)) قال: نعم، قال: ((أجب، لا أجد لك رخصة)) وكثير من أهل العلم يلزم المسافر إذا كان يسمع النداء أن يصلي في المسجد لهذا الحديث: ((أتسمع النداء؟)) قال: نعم، قال: ((أجب، لا أجد لك رخصة)).
إذا انتظر المؤذن إلى وقت الإقامة فلم يحضر أحد ولم يشق عليه الانتظار، ورجاء أن يحضر أحد فالأفضل أن ينتظر، وإذا لم يأتيه أحد فأجره كامل -إن شاء الله تعالى-، وإذا أراد أن يقيم بالمكبر لينبه الناس الذين يسمعون هذه الإقامة للحضور إلى الصلاة فهو أفضل، والأمور بمقاصدها، وعلى كل حال إذا انتظر في مسجده ولم يحضر أحداً فصلى منفرداً في وقت الصلاة أجره كامل -إن شاء الله تعالى-.
حديث: ((لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد)) ضعيف، حديث ضعيف عند أهل العلم، الحديث مضعف عند أهل العلم فلا تقوم به حجة، فصلاة الفذ صحيحة وفضلها ثابت ومسقطة للطلب، لكن المصلي منفرداً مع إمكان الجماعة آثم تارك للواجب.
الرسول -عليه الصلاة والسلام- ثبت في القرآن والسنة أنه قد مات -عليه الصلاة والسلام- {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ} [(144) سورة آل عمران] {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ} [(30) سورة الزمر] فالنبي -عليه الصلاة والسلام- ميت، وهو في قبره -عليه الصلاة والسلام- منعم في قبره في حياة برزخية، لا تشبه حياة الأحياء الذين أرواحهم في أجسادهم، وهي أكمل من حياة الشهداء، حياته أكمل من حياة الشهداء، لكنها حياة برزخية، الله أعلم بها، وإلا فالموت الذي هو مفارقة الروح للجسد مقطوع به، من ينكره منكر للنصوص القطعية، فإذا سلم عليه أحد سواءً كان قريباً منه أو بعيداً منه رد الله -جل وعلا- روحه فرد -عليه السلام-، فيرد السلام على من يسلم عليه ولو من بعيد، لكن حياته -عليه الصلاة والسلام- برزخية، ليست مثل حياة الأحياء الذين لم يموتوا بمفارقة الروح للجسد، وهي أكمل من حياة الشهداء، وليست مثل وفاة سائر الناس الذين هم أجسام هامدة لا يعون ولا يحسون، ولا يشعرون بشيء، والله المستعان، وقد حرم الله -جل وعلا- على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء.
الشق الآخر يقول: حكم قول: اللهم برسول الله؟
اللهم برسول الله إذا كان هذا أراد به القسم فهذا شرك، وإن أراد به التبرك بذاته فهو بدعة، وإن أراد التبرك باتباعه -عليه الصلاة والسلام- اللهم بإتباعي لنبيك -عليه الصلاة والسلام- فإتباعه من القرب، والتوسل بالقرب مشروع، أما التوسل بذاته -عليه الصلاة والسلام- ممنوع؛ لأنه بدعة ما فعله خيار هذه الأمة.
هذا خاص، هذا مخصص للحديث العام، هذا مخصص للحديث العام، ثابت يعني في الصحيح ما فيه إشكال، والنبي لا يهم إلا بما يجوز له فعله، ولم يترك النبي -عليه الصلاة والسلام- ما هم به إلا لما ذكره من العلة ما في البيوت من النساء والذراري.
هذه مبالغة في شأن الصلاة، وفي شأن الجماعة، الصلاة أعظم أركان الإسلام، وشرعت جماعة لهدف ومقصد شرعي فهذا همه -عليه الصلاة والسلام-، وهو معصوم -عليه الصلاة والسلام-، وليس لأحد أن يقول مثل هذا الكلام، مستدركاً بذلك على النبي -عليه الصلاة والسلام-، اللهم إلا إن كان مستفهماً له أن يستفهم، لكن إن عرف الحكمة والسبب فبها ونعمت، وإن لم يعرف فالحكم هو النص.