طلبُ العلم له طرقُه ومسالكه وترتيباته عند أهل العلم، فإذا كان السائل ينوي أن يكون طالبَ علم على الجادَّة المعروفة عند أهل العلم فعليه أن يحفظ المتون المختصرة، ويُراجع عليها الشروح، ويعتني بالأصول، ويحضر الدروس، ويسأل عما يُشكِل عليه، أما إذا كان مثقَّفًا يريد أن يتعلم ويرفع عن نفسه الجهل بالطرق المناسبة لوضعه باعتباره غير متفرغ لطلب العلم فليقرأ في هذه المختصرات للكتب المطولة، وإلا فالأصل أن طالب العلم يحفظ المتون، ويقرأ الشروح، ويحضر الدروس، ويجرد المطولات، ولا يكتفي بمختصرات هذه المطولات إلا إذا ضاق عليه الوقت.
وذكرنا مرارًا أن طالب العلم الذي يصعب عليه الإلمام بأطراف هذه الكتب المطولة أنه بنفسه يختصر هذه المطولات؛ ليكون علمُه بما حُذِف منها كعلمه بما أُثبِت، أما أن يقتصر على اختصار غيره ويقرأ في مختصرات غيره فهذا فيه نوع خلل؛ لأنه قد يكون المختصِر له نظرة تختلف عن نظرتك، فيحذف ما أنت بأمس الحاجة إليه، لكن إذا اختصرتَ بنفسك ولديك الأهلية لذلك وأثبتَّ وأبقيتَ ما ترى الحاجة داعية إلى مراجعته وتكراره، وحذفتَ ما كانت أهميته أقل بالنسبة لك صار علمُك بالمحذوف كعلمك بالمثبَت، وثبَتَ الكتاب كاملًا، وتقرَّرتْ مسائله في نفسك، وهذه طريقة يُنصَح بها من يقرأ هذه المطولات ثم في النهاية يجد نفسه لم يُدرك شيئًا يُذكر من هذا الكتاب، وإذا سأل نفسه كأنه لم يَقِر في نفسه شيء منه، فيقال له: اختصر هذه الكتب بنفسك، وإذا لم تكن لديه الأهلية لذلك فيقتصر على مختصرات غيره، لا سيما إذا كانوا من الموصوفين -كما ذَكر السائل- بالثقة والتحقيق.