التعليق على تفسير القرطبي - سورة الأحزاب (07)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نعم.
قَوْلُهُ تَعَالَى: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}.
فِيهِ تِسْعَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً: الْأُولَى: رَوَى السُّدِّيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ» عَنْ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ قَالَتْ: خَطَبَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَاعْتَذَرْتُ إِلَيْهِ فَعَذَرَنِي، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ} قَالَتْ: فَلَمْ أَكُنْ أَحِلُّ لَهُ؛ لِأَنِّي لَمْ أُهَاجِرْ، كُنْتُ مِنَ الطُّلَقَاءِ»، خَرَّجَهُ أَبُو عِيسَى وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا، وَلَمْ يَأْتِ هَذَا الْحَدِيثِ
الْحَدِيثُ، الْحَدِيثُ.
"وَلَمْ يَأْتِ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ يُحْتَجُّ بِهَا".
أما رواية صاحب الكتاب من طريق السدي، فالسدي ضعيف جدًا، فلا يثبت بمثله خبر. نعم.
"الثَّانِيَةُ: لَمَّا خَيَّرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- نِسَاءَهُ فَاخْتَرْنَهُ، حُرِّمَ عَلَيْهِ التَّزَوُّجُ بِغَيْرِهِنَّ وَالِاسْتِبْدَالُ بِهِنَّ، مُكَافَأَةً لَهُنَّ عَلَى فِعْلِهِنَّ. وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} الْآيَةَ.
وَهَلْ كَانَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ بَعْدَ ذَلِكَ؟
فَقِيلَ: لَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ جزَاءً لَهُنَّ عَلَى اخْتِيَارِهِنَّ لَهُ. وَقِيلَ: كَانَ يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ كَغَيْرِهِ مِنَ النِّاس وَلَكِنْ لَا يَتَزَوَّجُ بَدَلَهَا. ثُمَّ نُسِخَ هَذَا التَّحْرِيمُ فَأَبَاحَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِمَنْ شَاءَ عَلَيْهِنَّ مِنَ النِّسَاءِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ}، وَالْإِحْلَالُ يَقْتَضِي تَقَدُّمَ حَظْرٍ. وَزَوْجَاتُهُ اللَّاتِي فِي حَيَاتِهِ لَمْ يَكُنَّ مُحَرَّمَاتٍ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا كَانَ حُرِّمَ عَلَيْهِ التَّزْوِيجُ بِالْأَجْنَبِيَّاتِ، فَانْصَرَفَ الْإِحْلَالُ إِلَيْهِنَّ".
والتعبير بقوله: أزواجك، يعني باعتبار ما سيكون، بعد الخطبة والصداق والعقد يكن أزواجه، فبهذا الاعتبار يحل له من الأزواج المستحدثات الجدد غير الأزواج الأوليات؛ فإن هذا لا يحتاج إلى إحلال، فالإحلال إنما يكون بعد المنع، كما أن الترخيص والإباحة كلها تكون بعد منع.
"وَلِأَنَّهُ قَالَ فِي سِيَاقِ الْآيَةِ: {وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ} الْآيَةَ. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ تَحْتَهُ أَحَدٌ مِنْ بَنَاتِ عَمِّهِ وَلَا مِنْ بَنَاتِ عَمَّاتِهِ وَلَا مِنْ بَنَاتِ خَالِهِ وَلَا مِنْ بَنَاتِ خَالَاتِهِ، فَثَبَتَ أَنَّهُ أُحِلَّ لَهُ التَّزْوِيجُ بِهَذَا ابْتِدَاءً. وَهَذِهِ الْآيَةُ وَإِنْ كَانَتْ مُقَدَّمَةً فِي التِّلَاوَةِ فَهِيَ مُتَأَخِّرَةُ النُّزُولِ عَلَى الْآيَةِ الْمَنْسُوخَةِ بِهَا، كَآيَتَيِ الْوَفَاةِ فِي (الْبَقَرَةِ)".
آية الوفاة والاعتداد بالحول منسوخة بالنسبة للمتوفى عنها {مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} [البقرة:240]، منسوخة بأربع أشهر وعشرة، مع أن آية الحول متأخرة في التلاوة، متأخرة في التلاوة وإن كانت متقدمة في النزول كهاتين الآيتين اللتين معنا.
"وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} فَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهَا أَنَّ اللَّهَ –تَعَالَى- أَحَلَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ كُلَّ امْرَأَةٍ يُؤْتِيهَا مَهْرَهَا، قَالَه ابْنُ زَيْدٍ وَالضَّحَّاكُ. فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْآيَةُ مُبِيحَةً جَمِيعَ النِّسَاءِ حَاشَا ذَوَاتَ الْمَحَارِمِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ {أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ}، أَيِ الْكَائِنَاتِ عِنْدَكَ؛ لِأَنَّهُنَّ قَدِ اخْتَرْنَكَ عَلَى الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، قَالَه الْجُمْهُورُ مِنَ الْعُلَمَاءِ. وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: {آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} مَاضٍ، وَلَا يَكُونُ الْفِعْلُ الْمَاضِي بِمَعْنَى الِاسْتِقْبَالِ إِلَّا بِشُرُوطٍ. وَيَجِيءُ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ ضَيِّقًا عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-. وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ مَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَتَزَوَّجُ فِي أَيِّ النَّاسِ شَاءَ، وَكَانَ يَشُقُّ ذَلِكَ عَلَى نِسَائِهِ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَحُرِّمَ عَلَيْهِ بِهَا النِّسَاءُ إِلَّا مَنْ سُمِّيَ، سُرَّ نِسَاؤُهُ بِذَلِكَ.
قُلْتُ: وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى صِحَّتِهِ مَا خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: »قَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها-: مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى أَحَلَّ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ النِّسَاء» قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ".
العلة التي أُبديت للقول الثاني أنه كان يشق على نسائه بأن يتزوج من سائر النساء من غير المذكورات في الآية، فهو تعليل عليل ضعيف؛ لأنه ما الفرق أن يتزوج على زوجته بنت عمه أو بنت خاله أو بنت خالته أو بنت عمته أو امرأة أجنبية بعيدة كل البعد عنه؟ لا فرق، وقد يكون تضررها بالقريبة من الزوج أكثر من تضررها بالأجنبية عنه، فعلى هذا فالمعول عليه هو القول الأول، وأنه مُنع ثم نُسخ المنع.
طالب: .....................
يعني بعد الإيلاء حينما آل من نسائه شهرًا، واعتزل في المشربة، ثم بعد ذلك نزل بعد مضي تسعة وعشرين يومًا {أحللنا أزواجك}؟ ما يحتاج إلى إحلال، ما يحتاج إلى إحلال؛ لأنه منع مؤقت، الإيلاء مؤقت بشهر، وانتظر حتى تم الشهر، لو أُحلت له في أثناء الشهر، اتجه ما قلت، لكن مادام أتم الشهر فلا وجه للإحلال بعده، هو منحل تلقائيًّا.
طالب:......................
نعم؟
طالب:......................
نعم، لكنه بعد ذلك أُحل له ذلك، هو مُنع من الزيادة مكافأة لنسائه على اختيارهن له، ثم بعد ذلك أُحل له مَن ذُكر في الآية.
"الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ} أَحَلَّ اللَّهُ تَعَالَى السَّرَارِيَّ لِنَبِيِّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَلِأُمَّتِهِ مُطْلَقًا، وَأَحَلَّ الْأَزْوَاجُ لِنَبِيِّهِ -عليه الصلاة والسلام- مُطْلَقًا، وَأَحَلَّهُ لِلْخَلْقِ بِعَدَدٍ.
وَقَوْلُهُ: {مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ} أَيْ رَدَّهُ عَلَيْكَ مِنَ الْكُفَّارِ. وَالْغَنِيمَةُ قَدْ تُسَمَّى فَيْئًا، أَيْ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ مِنَ النِّسَاءِ بِالْمَأْخُوذِ عَلَى وَجْهِ الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ".
طالب:.........................
ما الفرق بين كونه يتزوج بنت عمه وبنت عمته وبنت خاله وخالته أو الأجنبية عنه؟ فيه فرق؟ خلاص، علَّله بأنه حُدِّد له في إطار معين، فكان هذا يسر زوجاته لما خُفّف عنه أو ضُيِّق عليه في الاختيار. هل هذا مؤثر بالنسبة للزوجات أم غير مؤثر؟ لو أن شخصًا أراد أن يرضي زوجته يقول: لن أتزوج عليكِ من خارج هذه البلاد، يؤثر أم ما يؤثر؟ يعني يتزوج من هذه البلاد لا يأخذ عشرة أو مائة على ألا يجمع فوق الأربع، وهل فيه فرق بين بلد وبلد؟ ما فيه فرق، فيه فرق بين القريبة والبعيدة؟ المهم أنها ضرة، فهذا تعليل ما له وجه.
"الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ} أَيْ أَحْلَلْنَا لَكَ ذَلِكَ زَائِدًا مِنَ الْأَزْوَاجِ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ، عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَحْلَلْنَا لَكَ كُلَّ امْرَأَةٍ تَزَوَّجْتَ وَآتَيْتَ أَجْرَهَا، لَمَا قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ {وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ} ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِيمَا تَقَدَّمَ.
قُلْتُ: وَهَذَا لَا يَلْزَمُ، وَإِنَّمَا خُصَّ هَؤُلَاءِ بِالذِّكْرِ تَشْرِيفًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن :68]، وَاللَّهُ أَعْلَمُ".
خُص من ذُكر في هذه الآية لا على سبيل الحصر، وإنما هو من باب الاهتمام بشأنهن، فأقاربه -عليه الصلاة والسلام- بنات عمه وعماته وخاله وخالاته، هذا لهن من الشرف بقدر قربهن منه -عليه الصلاة والسلام-، وأيضًا من هاجر معه له أيضًا مزية على من لم يهاجر.
"الْخَامِسَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {اللَّاتِي هَاجَرْنَ} فِيهِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: لَا يَحِلُّ لَكَ مِنْ قَرَابَتِكَ كَبَنَاتِ عَمِّكَ الْعَبَّاسِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَوْلَادِ عَبْدِ الْمُطَّلِب، وَبَنَاتِ أَوْلَادِ بَنَاتِ عَبْدِ الْمُطَّلِب، وَبَنَاتِ الْخَالِ مِنْ وَلَدِ بَنَاتِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ إِلَّا مَنْ أَسْلَمَ؛ لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-:» الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ».
الثَّانِي: لَا يَحِلُّ لَكَ مِنْهُنَّ إِلَّا مَنْ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} ، وَمَنْ لَمْ يُهَاجِرْ لَمْ يَكْمُلْ، وَمَنْ لَمْ يَكْمُلْ لَمْ يَصْلُحْ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- الَّذِي كَمُلَ وَشَرُفَ وَعَظُمَ، -صلى الله عليه وسلم-".
نعم، الهجرة في زمنه -عليه الصلاة والسلام- واجبة إليه، واجبة إليه، فمن أخل بهذا الواجب ليس بأهل أن تكون أمًا للمؤمنين، من ارتكب محظورًا وأخل بواجب ليست بأهل أن تكون أمًّا للمؤمنين.
"السَّادِسَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَعَكَ} الْمَعِيَّةُ هُنَا الِاشْتِرَاكُ فِي الْهِجْرَةِ لَا فِي الصُّحْبَةِ فِيهَا، فَمَنْ هَاجَرَ حَلَّ لَهُ، كَانَ فِي صُحْبَتِهِ إِذْ هَاجَرَ أَوْ لَمْ يَكُنْ. يُقَالُ: دَخَلَ فُلَانٌ مَعِي وَخَرَجَ مَعِي، أَيْ كَانَ عَمَلُهُ كَعَمَلِي وَإِنْ لَمْ يَقْتَرِنْ فِيهِ عَمَلُكُمَا. وَلَوْ قُلْتَ: خَرَجْنَا مَعًا لَاقْتَضَى ذَلِكَ الْمَعْنَيَيْنِ جَمِيعًا: الِاشْتِرَاكَ فِي الْفِعْلِ، وَالِاقْتِرَانَ فِيهِ".
يعني مثلما يقال: دخل فلان معنا في مساهمة أو في شركة أو في شيء من هذا لا يلزم أن يكون دخولهما بأبدانهما في وقت واحد، لا يلزم أن يكون دخولهما في وقت واحد، نعم. لكن لو قال: دخلنا معًا يعني في آن واحد وفي وقت واحد. نعم
السَّابِعَةُ: ذَكَرَ اللَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- {الْعَمَّ} فَرْدًا وَالْعَمَّاتِ جَمْعًا. وَكَذَلِكَ قَالَ: {خَالُكَ}، {وَخَالَاتُكَ} وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ: أَنَّ الْعَمَّ وَالْخَالَ فِي الْإِطْلَاقِ اسْمُ جِنْسٍ كَالشَّاعِرِ وَالرَّاجِزِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعَمَّةُ وَالْخَالَةُ. وَهَذَا عُرْفٌ لُغَوِيٌّ، فَجَاءَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ بِغَايَةِ الْبَيَانِ لِرَفْعِ الْإِشْكَالِ، وَهَذَا دَقِيقٌ فَتَأَمَّلُوهُ، قَالَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ".
إغراء لفهم هذه الفائدة وحفظها وإلقاء السمع والبصر إليها لتُفهم؛ لأنها دقيقة. قد يقول قائل: لماذا أفرد العم والخال وأجمع العمات والخالات؟ إذا أُفرد المذكر فالمراد به الجنس وليس كذلك المؤنث.
"الثَّامِنَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً} عَطْفٌ عَلَى {أَحْلَلْنَا} الْمَعْنَى وَأَحْلَلْنَا كُلَّ امْرَأَةٍ تَهَبُ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ صَدَاقٍ. وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي هَذَا الْمَعْنَى، فَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ تَكُنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- امْرَأَةٌ إِلَّا بِعَقْدِ نِكَاحٍ أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ. فَأَمَّا الْهِبَةُ فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِنْهُنَّ أَحَدٌ. وَقَالَ قَوْمٌ: كَانَتْ عِنْدَهُ مَوْهُوبَةٌ.
قُلْتُ: وَالَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ يُقَوِّي هَذَا الْقَوْلَ وَيَعْضُدُهُ، رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّهَا قَالَتْ:» كُنْتُ أَغَارُ عَلَى اللَّاتِي وَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَقُولُ: أَمَا تَسْتَحِي امْرَأَةٌ تَهَبُ نَفْسَهَا لِرَجُلٍ! حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى { تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُئْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} فَقُلْتُ: وَاللَّهِ مَا أَرَى رَبَّكَ إِلَّا يُسَارِعُ فِي هَوَاكَ»".
كون الهبة، هبة المرأة نفسها لرجل إن كان رجلًا صالحًا وهبة نفسها له من أجل صلاحه واستقامته من غير نظر إلى أمر آخر، فهذه لا تُلام، لكن إن كانت امرأة جلست وانصرف عنها الرجال فنظرت إلى رجل فتي شاب لا ميزة له غير الشباب، فوهبت نفسها له، هذه التي يتأتى أن يقال فيها: امرأة تهب نفسها لرجل لما عنده مما يقضي به وطرها، هذه التي فيها الكلام، أو وهبت نفسها لرجل لغناه مثلًا أو نظرت إلى دنياه أو نظرت إلى شبابه وفتوته وقوته تُشبع به رغبتها، هذه تلام وهي التي يتأتى ويتنزل عليها كلام عائشة -رضي الله عنها- ، تهب نفسها لرجل، يعني كأنها ما استطاعت أن تصبر دون الرجال، هذا تُلام عليه المرأة، وإن كانت الغريزة تبعثها وتدفعها إلى مثل هذا، لكن هو خير لها على كل حال من التعرض للفتنة، لكن هبة النفس إنما تكون كمن وهبت نفسها للنبي -عليه الصلاة والسلام-، أو هبة عثمان -رضي الله عنه- بنته إلى ابن مسعود شيخ كبير لا نظر له في أمور الدنيا ولا في النساء، هذا نظره فيه إلى الدين والفضل، لا إلى شيء غيره من مال أو شباب أو قوة أو فتوة، فالمرأة حينما تهب نفسها لرجل فتي شاب، المنظور إليها أنها تريد قضاء وطرها من هذا الشاب، وإن كان وراء ذلك ما وراءه من الإعفاف وعدم التعرض للفتن، لكن هذا الذي يظهر عند الناس، ما يظهر عند الناس إلا أنها تريد هذا الشاب ليقضي وطرها، فعلى هذا يتنزل عليها كلام عائشة، بخلاف من وهبت نفسها كالنبي -عليه الصلاة والسلام- في الستين من عمره، نظرت فيه إلى أنه لفضله ومزيته على الخلق وتريد أن تكون زوجة له في الدنيا والآخرة، هذه ما تُلام.
" وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ»: كَانَتْ خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ مِنَ اللَّائِي وَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-» فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّهُنَّ كُنَّ غَيْرَ وَاحِدَةٍ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
قال الزَّمَخْشَرِيُّ: وَقِيلَ الْمُوهِبَاتُ أَرْبَعٌ: مَيْمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِث، وَزَيْنَبُ بِنْتُ خُزَيْمَةَ أُمُّ الْمَسَاكِينِ الْأَنْصَارِيَّةُ، وَأُمُّ شَرِيكٍ بِنْتُ جَابِرٍ، وَخَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ.
قُلْتُ: وَفِي بَعْضِ هَذَا اخْتِلَافٌ. قَالَ قَتَادَةُ: هِيَ مَيْمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: هِيَ زَيْنَبُ بِنْتُ خُزَيْمَةَ أُمُّ الْمَسَاكِينِ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ وَالضَّحَّاكُ وَمُقَاتِلٌ: هِيَ أُمُّ شَرِيكٍ بِنْتُ جَابِرٍ الْأَسَدِيَّةُ. وَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أُمُّ حَكِيمٍ بِنْتُ الْأَوْقَصِ السُّلَمِيَّةُ".
منهم من يذكر الجميع ومنهم من يقتصر على واحدة ومنهم من يزيد، فإن اقتصر على واحدة يختلف مع غيره ولا ينفي ما ذكره غيره، وإذا جُمع ما ورد في الطرق اجتمع هؤلاء الأربع. نعم
طالب:......................
نعم؟
طال:......................
تزوج ميمونة وزينب. نعم.
"التَّاسِعَةُ: وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي اسْمِ الْوَاهِبَةِ نَفْسَهَا، فَقِيلَ: هِيَ أُمُّ شُرَيْكٍ الْأَنْصَارِيَّةُ، اسْمُهَا غُزَيَّةُ، وَقِيلَ :غُزَيْلَةُ. وَقِيلَ: لَيْلَى بِنْتُ حَكِيمٍ. وَقِيلَ: هِيَ مَيْمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ حِينَ خَطَبَهَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-، فَجَاءَهَا الْخَاطِبُ وَهِيَ عَلَى بَعِيرِهَا فَقَالَتْ: الْبَعِيرُ وَمَا عَلَيْهِ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. وَقِيلَ: هِيَ أُمُّ شَرِيكٍ الْعَامِرِيَّة، وَكَانَتْ عِنْدَ أَبِي الْعَكَرِ الْأَزْدِيِّ. وَقِيلَ: عِنْدَ الطُّفَيْلِ بْنِ الْحَارِثِ فَوَلَدَتْ لَهُ شَرِيكًا. وَقِيلَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- تَزَوَّجَهَا، وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَعُرْوَة: وَهِيَ زَيْنَبُ بِنْتُ خُزَيْمَةَ أُمُّ الْمَسَاكِينِ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَم.
الْعَاشِرَةُ: قَرَأَ جُمْهُورُ النَّاسِ: إِنْ وَهَبَتْ بِكَسْرِ الْأَلِفِ، وَهَذَا يَقْتَضِي اسْتِئْنَافَ الْأَمْرِ، أَيْ إِنْ وَقَعَ فَهُوَ حَلَالٌ لَهُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ أَنَّهُمَا قَالَا: لَمْ يَكُنْ عِنْدَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- امْرَأَةٌ مَوْهُوبَةٌ، وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى خِلَافِهِ. وَرَوَى الْأَئِمَّةُ مِنْ طَرِيقِ سَهْلٍ وَغَيْرِهِ فِي الصِّحَاحِ: » أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: جِئْتُ أَهَبُ لَكَ نَفْسِي، فَسَكَتَ حَتَّى قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: زَوِّجْنِيهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ»".
القصة في الصحيحين وغيرهما، وهي غير الواهبة في الآية، غير الواهبة في الآية، كما ذكر ذلك أهل العلم سواء من قبلها أو لم يقبلها، فهذه المذكورة في الصحيح من حديث سهل بن سعد، وهبت نفسها للنبي -عليه الصلاة والسلام-، صعّد النظر فيها وصوَّب فلما طال المقام، عرف أحد الصحابة أنه ليس له بها حاجة، فقال: زوجنيها إذا لم يكن بك لها حاجة، قال له: »أتجد ما تصدقها؟» قال: لا، قال: »التمس ولو خاتمًا من حديد» إلى آخر القصة. المقصود أن هذه غير المشار إليها في الآية.
"فَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْهِبَةُ غَيْرَ جَائِزَةٍ لَمَا سَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِأَنَّهُ لَا يُقِرُّ عَلَى الْبَاطِلِ إِذَا سَمِعَهُ، غَيْرَ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سُكُوتُهُ مُنْتَظِرًا بَيَانًا، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ بِالتَّحْلِيلِ وَالتَّخْيِيرِ، فَاخْتَارَ تَرْكَهَا، وَزَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَكَتَ نَاظِرًا فِي ذَلِكَ حَتَّى قَامَ الرَّجُلُ لَهَا طَالِبًا. وَقَرَأَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْب ٍوَالشَّعْبِيُّ: (أَنْ) بِفَتْحِ الْأَلِفِ. وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً وَهَبَتْ}".
بدون إن ولا أن.
" قَالَ النَّحَّاسُ: وَكَسْرُ إِنْ أَجْمَعُ لِلْمَعَانِي؛ لِأَنَّهُ قِيلَ: إِنَّهُنَّ نِسَاءٌ. وَإِذَا فُتِحَ كَانَ الْمَعْنَى عَلَى وَاحِدَةٍ بِعَيْنِهَا؛ لِأَنَّ الْفَتْحَ عَلَى الْبَدَلِ مِنِ امْرَأَةٍ، أَوْ بِمَعْنَى لِأَنَّ".
إما أن تكون مبدلة من امرأة أو تكون تعليلًا وعلة؛ لأنها امرأة.
"الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {مُؤْمِنَةً} يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَةَ لَا تَحِلُّ لَهُ. قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي تَحْرِيمِ الْحُرَّةِ الْكَافِرَةِ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَالصَّحِيحُ عِنْدِي تَحْرِيُمُهَا عَلَيْهِ. وَبِهَذَا يَتَمَيَّزُ عَلَيْنَا، فَإِنَّهُ مَا كَانَ مِنْ جَانِبِ الْفَضَائِلِ وَالْكَرَامَةِ فَحَظُّهُ فِيهِ أَكْثَرُ، وَمَا كَانَ من جَانِبُ النَّقَائِصِ فَجَانِبُهُ عَنْهَا أَظْهَرُ".
أَطْهَرُ.
"فَجَانِبُهُ عَنْهَا أَطْهَرُ".
النبي -عليه الصلاة والسلام- أولى من غيره بكل كمال، وأبعد من غيره من كل نقص، وأبعد من غيره من كل نقص، يعني حينما يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: »غط فخذك؛ فإن الفخذ من عورته» ويقول: أنس -رضي الله عنه-: حسر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن فخده، منهم من يقول: إن الحسر على الفخذ من خصائصه -عليه الصلاة والسلام-، إذا طبقنا هذه القاعدة وجدنا أن القول ضعيف، لماذا؟ بدايةً، كشف الفخذ أكمل أم ستره؟ الستر أفضل، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أولى به من أمته، وعلى هذا لا يكون من خصائصه كشف الفخذ، فإما أن يقال في حق الجميع، وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- فعل ذلك لبيان الجواز، والنهي إنما هو لمجرد الكراهة، أو يقال: إن الأصل: غط فخذك، وكون النبي -عليه الصلاة والسلام- حسر عن فخذه يعني انحسر لما ركب دابة في حديث أنس: انحسر ولا بد أن يقع مثل هذا عند الركوب وعند النزول وما أشبه ذلك، وهذا لا يؤثر في الحكم؛ لأنه غير مقصود، فقد ينحسر من بدن الإنسان ما لا يحصره بطوعه واختياره، وقد يخرج من بدن المرأة شيء عند الركوب وعند النزول، ولا يعني هذا أنه مباح أن تكشفه.
ونظير هذا النبي -عليه الصلاة والسلام- قبل أن يُقبض بعام رآه ابن عمر يقضي حاجته مستدبرًا الكعبة، قال بعضهم: إن هذا من خصائصه -عليه الصلاة والسلام-، أن له أن يستدبر الكعبة، ومن عداه لا يجوز له أن يستقبل أو يستدبر، إذا أردنا أن نطبِّق هذه القاعدة نقول: إن هذا الكلام ليس بصحيح؛ لأن تعظيم الكعبة من تعظيم شعائر الله، وهو كمال، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أولى به من غيره، ما نقول: يُمنع سائر الناس من استقبال أو استدبار الكعبة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يجوز له ذلك؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أولى بهذا الخلق من غيره. وهذا الكلام الذي ذكره المؤلف هنا يُعضّ عليه بالنواجذ، نعم.
"فَجُوِّزَ لَنَا نِكَاحُ الْحَرَائِرِ الْكِتَابِيَّاتِ، وَقُصِرَ هُوَ -صلى الله عليه وسلم-؛ لِجَلَالَتِهِ عَلَى الْمُؤْمِنَاتِ. وَإِذَا كَانَ لَا يَحِلُّ لَهُ مَنْ لَمْ تُهَاجِرْ؛ لِنُقْصَانِ فَضْلِ الْهِجْرَةِ، فَأَحْرَى أَلَّا تَحِلَّ لَهُ الْكَافِرَةُ الْكِتَابِيَّةُ لِنُقْصَانِ الْكُفْرِ".
لأن الفسق أسهل من الكفر كما هو معلوم.
"الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا} دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ عَلَى صِفَاتٍ مَخْصُوصَةٍ، قَدْ تَقَدَّمَتْ فِي (النِّسَاءِ) وَغَيْرِهَا. وَقَال َالزَّجَّاجُ: مَعْنَى {إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} حَلَّتْ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ: (أَنْ وَهَبَتْ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ. وَ(أَنْ) فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ. قَالَ الزَّجَّاجُ: أَيْ لِأَنْ. وَقَالَ غَيْرُهُ: (أَنْ وَهَبَتْ) بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ (امْرَأَةً)".
على ما تقدم قريبًا، نعم.
"الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا} أَيْ إِذَا وَهَبَتِ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا وَقَبِلَهَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- حَلَّتْ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْهَا لَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ. كَمَا إِذَا وَهَبْتَ لِرَجُلٍ شَيْئًا، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَبُولُ، بَيْدَ أَنَّ مِنْ مَكَارِمِ أَخْلَاقِ نَبِيِّنَا أَنْ يَقْبَلَ مِنَ الْوَاهِبِ هِبَتَهُ. وَيَرَى الْأَكَارِمُ أَنَّ رَدَّهَا هُجْنَةٌ فِي الْعَادَةِ".
ومع ذلك إذا قبل هذه الهبة يُثيب عليها -عليه الصلاة والسلام-، لا يقبل الهبات ويأخذ أموال الناس بدون مقابل، لكن يقبل الهدية، ويثيب عليها، ولما ردَّ على أبي جهيم أنبجانيته طلب منه غيرها مما هو دونها؛ لأن هذه كادت أن تفتنه في صلاته، فلو ردَّها من غير مقابل لأثَّر ذلك في نفسه، فطلب ما لا يفتنه في صلاته، وهكذا، إذا قبل الإنسان الهدية، لا شك أنه من الكمال أن يثيب عليها، أولًا: يقبلها جبرًا لخاطر صاحبها، ثم إذا قبلها يثيب عليها كما هو شأنه وديدنه -عليه الصلاة والسلام-.
طالب:.................
هدايا العمال غلول معروف، إذا أُهدي لعامل من العمال فإنها غلول؛ لأن هذا العامل لو جلس في بيت أمه ما أُهدي إليه، وبعض الموظفين لاسيما في المؤسسات العلمية مدير جامعة، أو وكيل، أو عميد كلية، أو وكيل أو رئيس قسم، وما أشبه ذلك، يُهدى إليهم باستمرار كتب مطبوعات ومجلات من جهات أخرى تأتيهم باستمرار، وهذه مدوَّنة في سجلات الجامعات الأخرى، وأيضًا هذه الجامعة تُهدي إلى الجهات الأخرى لمنسوبها ويقال: لوكيل كلية كذا، أو لمدير جامعة كذا، أو هذه الهدية إنما هي لوصفه لا لشخصه، هذه الهدية ما يردَّها ويقول: هدايا العمال غلول، لا هذه الهدية إنما هي لوصفه لا لشخصه، وعلى هذا عليه أن يضع في مكتبه دواليب لمثل هذه الهدايا، فإذا ترك العمل يتركها، ما يظهر بها ويخرج بها إلى بيته، لا، يتركها؛ لأنه أُهديت للوصف، للمدير للعميد للوكيل، ما أُهديت لفلان أو علان أو ما أشبه ذلك فهذه أولًا لا تدخل في هدايا العمال فلا تُرد، والأمر الثاني: أن المهدى إليه بالوصف لا يملكها، وإنما هي لمن ينتقل إليه هذا الوصف.
طالب:...........................
الدروع هذه ليست من الهدايا، إنما هي من باب التكريم المعنوي، وهذه لا تأتي من أشخاص، إنما تأتي تكرمة لهذا الرجل؛ لما قام به من عمل كالشهادة الاعتبارية له، هذه ليست هدية، ولذلك هل رأيت أحدًا يبيع أو يستفيد من هذه الدروع؟! ما تباع، والله المستعان.
طالب:...........................
هذا قرض جر نفعًا، هذا الربا بعينه، ولا يجوز.
طالب: ........................
قرض جر نفعًا.
طالب: ........................
يقبل الهدية، معروفة، وجاء أيضًا: هدايا العمال وفي حديث ابن اللُّتبية: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا أُهْدِيَ إِلَيَّ، فقال: »هلا جلس فِي بَيْتِ أُمِّهِ فينظر هل يُهْدَى إِلَيْهِ»، واضح هذا الأمر.
طالب:...........................
على كل حال إذا كان عاملًا يُخشى من تأثره تعيَّن عليه ردَّها، إلا إذا أُهدي له بالوصف فإنه يقبل، وليست له، إنما هي لهذا الوصف.
طالب: عمال جمع الزكاة يكون ……………………..
لا لا أي موظف، أي موظف، كلهم عمال.
طالب: ولو كان جارًا يا شيخ؟
إذا كان هناك تبادل للهدايا قبل الوظيفة، فهذا شيء، إذا كان هناك صلة من قرابة أو جوار أو ما أشبه ذلك، وأُهدي إليه لهذا المعنى من غير نظر إلى وظيفته، وليست للمهدي حاجة للمهدى إليه فلا مانع.
طالب:…………………….
تقاويم؟
طالب: ........................
تقاويم؟
طالب: ........................
يعني لا يخص بها أحدًا بعينه، هذه أقرب ما تكون إلى الدعاية منها إلى الهدية، التقاويم هذه الغرض منها الدعاية لمصلحته ولمؤسسته، ما فيها إشكال إن شاء الله.
"بَيْدَ أَنَّ مِنْ مَكَارِمِ أَخْلَاقِ نَبِيِّنَا أَنْ يَقْبَلَ مِنَ الْوَاهِبِ هِبَتَهُ. وَيَرَى الْأَكَارِمُ أَنَّ رَدَّهَا هُجْنَةٌ فِي الْعَادَةِ، وَوَصْمَةٌ عَلَى الْوَاهِبِ وَأَذِيَّةٌ لِقَلْبِهِ، فَبَيَّنَ اللَّهُ ذَلِكَ فِي حَقِّ رَسُولِهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَجَعَلَهُ قُرْآنًا يُتْلَى؛ لِيَرْفَعَ عَنْهُ الْحَرَجَ، وَيُبْطِلَ بُطْلَ النَّاسِ فِي عَادَتِهِمْ وَقَوْلِهِمْ.
الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {خَالِصَةً لَكَ} أَيْ هِبَةُ النِّسَاءِ أَنْفُسَهُنَّ خَالِصَةً وَمَزِيَّةً لَا تَجُوزُ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَهَبَ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا لِرَجُلٍ. وَوَجْهُ الْخَاصِّيَّةِ أَنَّهَا لَوْ طَلَبَتْ فَرْضَ".
يعني لا يجوز أن تهب نفسها لرجل مسقطة لجميع حقوقها، كما يوهب الرجل المتاع بدون مقابل، لكن إن وهبت نفسها لرجل اختارته مثل هذا، وكان هذا مع توافر الشروط، ومع الصداق لا إشكال فيه، لكن الخالص للنبي -عليه الصلاة والسلام- أن تُسقط جميع الحقوق، أن تقول: وهبت لك نفسي كما تهب المتاع بدون مقابل، بغير صداق، بغير توافر للشروط، فهذا للنبي -عليه الصلاة والسلام- خاصة.
طالب: ........................
نعم.
طالب:.........................
بالنسبة لغير النبي –عليه الصلاة والسلام- بدون الصداق.
"وَوَجْهُ الْخَاصِّيَّةِ أَنَّهَا لَوْ طَلَبَتْ فَرْضَ الْمَهْرِ قَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ يَكُنْ لَهَا ذَلِكَ، فَأَمَّا فِيمَا بَيْنَنَا فَلِلْمُفَوِّضَةِ طَلَبُ الْمَهْرِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَمَهْرُ الْمِثْلِ بَعْدَ الدُّخُولِ.
الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ هِبَةَ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا غَيْرُ جَائِزٍ، وَأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ مِنَ الْهِبَةِ لَا يَتِمُّ عَلَيْهِ نِكَاحٌ، إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ".
الهبة الجائزة هي ما يكون بمثابة الخطبة من الرجل، كأن هذه المرأة خطبت هذا الرجل لنفسها، ثم بعد ذلك يتم جميع الإجراءات الشرعية من مهر وولي وشهود، وما أشبه ذلك، وإعلان، وجميع ما يُطلب شرعًا يكون لهذه الصورة، لكن العادة جرت أن الرجل هو الذي يخطب المرأة، وفي حال الهبة المرأة هي التي تخطب الرجل.
"إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا".
طالب:........................
نعم، معروف هذا لا يجوز، المهر على الزوج، المهر على الزوج، المهر على الزوج.
طالب:...........................
الزواج لا بد من المهر عليه ولو كان قليلًا، أما كونها تعطيه أو تهب له شيئًا فهذا بينهما وما فيه إشكال، لكن لا بد لها من مهر ولو قلَّ.
"إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إِذَا وَهَبَتْ، فَأَشْهَدَ هُوَ عَلَى نَفْسِهِ بِمَهْرٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ.
قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: فَلَيْسَ فِي قَوْلِهِمْ إِلَّا تَجْوِيزُ الْعِبَارَةِ وَلَفْظَةِ الْهِبَةِ، وَإِلَّا فَالْأَفْعَالُ الَّتِي اشْتَرَطُوهَا هِيَ أَفْعَالُ النِّكَاحِ بِعَيْنِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي (الْقَصَصِ) مُسْتَوْفَاةً. وَالْحَمْدُ لِلَّه. السَّادِسَةَ عَشْرَةَ: خَصَّ اللَّهُ تَعَالَى رَسُولَهُ".
عند أبي حنيفة ينعقد النكاح بمثل هذا؛ لأنه لا يشترط ولي، لأنه لا يشترط ولي، فبلفظ الهبة كأنها قالت: أنكحتك نفسي، فقال: قبلت؛ لأنه لا يشترط وليًّا، فإذا قالت: وهبت لك نفسي، وقال: قبلت، عنده يتم النكاح، مع بقية ما يشترطه هو لصحة النكاح، أما عند غيره فلا بد من الولي؛ لأنه هو الذي يبرم العقد، وهو الذي يوجب النكاح.
"السَّادِسَةَ عَشْرَةَ: خَصَّ اللَّهُ تَعَالَى رَسُولَهُ فِي أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ بِمَعَانٍ لَمْ يُشَارِكْهُ فِيهَا أَحَدٌ فِي بَابِ الْفَرْضِ وَالتَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ مَزِيَّةً عَلَى الْأُمَّةِ وُهِبَتْ لَهُ، وَمَرْتَبَةً خُصَّ بِهَا، فَفُرِضَتْ عَلَيْهِ أَشْيَاءُ مَا فُرِضَتْ عَلَى غَيْرِهِ، وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ أَفْعَالٌ لَمْ تُحَرَّمْ عَلَيْهِمْ، وَحُلِّلَتْ لَهُ أَشْيَاءُ لَمْ تُحَلَّلْ لَهُمْ، مِنْهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ".
يعني كتب الخصائص مملوءة بمثل هذا.
"فَأَمَّا مَا فُرِضَ عَلَيْهِ فَتِسْعَةٌ: الْأَوَّلُ: التَّهَجُّد بِاللَّيْلِ، يُقَالُ: إِنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ إِلَى أَنْ مَاتَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ} [المزمل:2] الْآيَةَ. وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ كَانَ، وَاجِبًا عَلَيْهِ ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ}، وَسَيَأْتِي.
الثَّانِي: الضُّحَى. الثَّالِثُ".
سيأتي في سورة المزمل، أما آية الإسراء فتقدم الكلام فيها، وفي معنى قوله: نافلة، هل المراد به النفل الاصطلاحي، وهو ما لا يأثم بتركه أو المراد به الزيادة عن الخمس؟ زيادة على الفرائض الخمس، ويحتمل أن تكون واجبة، وأن تكون مستحبة، إلا أن الأمر في قوله: {قُمِ اللَّيْلَ} ظاهر في الوجوب.
"الثَّانِي: الضُّحَى. الثَّالِثُ: الْأَضْحَى. الرَّابِعُ: الْوِتْرُ، وَهُوَ يَدْخُلُ فِي قِسْمِ التَّهَجُّدِ. الْخَامِسُ: السِّوَاكُ. السَّادِسُ: قَضَاءُ دَيْنِ مَنْ مَاتَ مُعْسِرًا".
»من مات وعليه دين فعلي قضاؤه، ومن ترك مالًا فلورثته»، تحمَّل النبي -عليه الصلاة والسلام- الديون عمن مات بعد أن وسَّع الله على الأمة، وإلا فقد رفض الصلاة على من عليه دين، ثلاثة دراهم؛ لأن الدين شأنه عظيم، حتى تحملها من تحملها.
المقصود أنه في نهاية الأمر قال: »من مات وعليه دين فعلي قضاؤه»، وعلى هذا فقضاء المديونين في بيت المال إذا كان سبب الدين سببًا شرعيًّا لم ينتج عن طريق تلاعب وأكل أموال الناس بالباطل؛ لأن مثل هؤلاء لا تجوز إعانتهم، لا تجوز إعانتهم، وهذا يُجرِّئ غيرهم على مثل أفعالهم، أما من لحقه الدين بسبب من الأسباب الشرعية فمثل هذا قضاء دينه من بيت المال متجه، نعم، وإن كان المؤلف كجمع من أهل العلم يرون أن هذا من خصائص النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأنه لا يلزم غيره من الخلفاء والولاة والأمراء أن يقضوا ديون الناس.
طالب:........................
الأضحية.
طالب: الأضحية؟
هذا الذي يظهر.
أما قرينة الوتر في كثير من الأمور يعني عند الحنفية حكمهم الوجوب على الجميع، والجمهور يرى أنه استحباب.
طالب:.....................
نعم.
طالب: أنا والد من لا والد له.
ماذا؟
طالب: أنا والد من لا والد له.
»أنا لكم بمنزلة الوالد»، هذا تقدم. »أنا لكم بمنزلة الوالد»، نعم.
طالب: ...................
وجوبها. وجوبها، نعم.
"السَّابِعُ: مُشَاوَرَةُ ذَوِي الْأَحْلَامِ فِي غَيْرِ الشَّرَائِعِ. الثَّامِنُ: تَخْيِيرُ النِّسَاءِ. التَّاسِعُ: إِذَا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ. زَادَ غَيْرُهُ: وَكَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ إِذَا رَأَى مُنْكَرًا أَنْكَرَهُ وَأَظْهَرَهُ؛ لِأَنَّ إِقْرَارَهُ لِغَيْرِهِ عَلَى ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ".
البيان لمن؟
طالب:...........................
ما فيه تعليق؟ ما فيه شيء؟
طالب: ........................
الذي يظهر أنه البيان في شرح المهذب للعمراني، أو البيان والتحصيل من كتب المالكية، كلها ذُكرت فيها الخصائص.
"وَأَمَّا مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ فَجُمْلَتُهُ عَشَرَةٌ: الْأَوَّلُ تَحْرِيمُ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ. الثَّانِي: صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ عَلَيْه، وَفِي آلِهِ تَفْصِيلٌ بِاخْتِلَافٍ. الثَّالِثُ: خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ، وَهُوَ أَنْ يُظْهِرَ خِلَافَ مَا يُضْمِرُ، أَوْ يَنْخَدِعُ عَمَّا يَجِبُ. وَقَدْ ذَمَّ بَعْضَ الْكُفَّارِ عِنْدَ إِذْنِهِ، ثُمَّ أَلَانَ لَهُ الْقَوْلَ عِنْدَ دُخُولِهِ".
عند إذنه يعني عند استئذانه، عند استئذانه لما استأذن عن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: »بئس أخو العشيرة »، فلما أُذن له ودخل انبسط له في الكلام وسمعت عائشة –رضي الله عنها- ضحك النبي –عليه الصلاة والسلام- له، ثم قالت له: قلت: بئس أخو العشيرة ذممته ثم انبسطت له؟ فقال: »يا عائشة إن شر الناس من تركه الناس اتقاء شره»، وفي هذا مشروعية المداراة، المداراة دون مداهنة، المداهنة لا تجوز، والمداراة جائزة، المداهنة التنازل عن واجب أو ارتكاب محظور؛ من أجل فلان أو علان لا يجوز بحال {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ}[القلم:9]، وأما المداراة فمن هذا الحديث تجوز مداراة الناس، وبما لا يترتب عليه ترك لواجب أو ارتكاب لمحظور.
"الرَّابِعُ: حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِذَا لَبِسَ لَأْمَتَهُ أَنْ يَخْلَعَهَا عَنْهُ، أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُحَارِبِهِ".
إذا لبس آلة الحرب من السلاح، من الدروع، من العتاد لا يرجع، ولا يخلعها حتى يُقضى بينه وبين خصمه -عليه الصلاة والسلام-.
" الْخَامِسُ: الْأَكْلُ مُتَّكِئًا".
جاء في الحديث الصحيح: »لا آكل متكئًا» وهذا لا يعني أنه يحرم عليه، ويقول أهل العلم في مثل هذا، في مثل الأسلوب: إنما هو خلاف الأولى، ولا إلى درجة المكروه الأكل متكئًا، كما أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- ما أكل على خِوان، ولا أكل على سكرجة، ومع ذلكم الصحابة لما توسَّعوا في الدنيا أكلوا على خوان، وهذا خلاف الأولى كله.
" السَّادِسُ: أَكْلُ الْأَطْعِمَةِ الْكَرِيهَةِ الرَّائِحَة".
معللًا ذلك بأنه يناجي من لا نناجي، لا يأكلها مطلقًا، وأما غيره فيأكلها، لا في وقت الصلاة في المسجد، »مَنْ أكَلَ ثُومًا أو بصلًا فلا يقربن مَسْجِدَنَا« ؛ لئلا يؤذينا، فإذ وجدت الأذية وكون ذلك في المسجد فإنها لا تؤكل، ومع ذلكم في صحيح مسلم: »قيل: أحرام هي يا رسول الله؟ قال: لا، أنا لا أحرم ما أحل الله«، وأمر بإخراج من أكل الثوم من المسجد، على كل حال إذا وجد من يتأذّى بذلك في المسجد مُنع.
"السَّابِعُ: التَّبَدُّلُ بِأَزْوَاجِهِ، وَسَيَأْتِي. الثَّامِنُ: نِكَاحُ امْرَأَةٍ تَكْرَهُ صُحْبَتَهُ".
أما التبدل بالأزواج على طريقة الجاهلية، أعطني زوجتك وخذ زوجتي، وقد يقول: وأزيدك، هذا لا يجوز له ولا لغيره -عليه الصلاة والسلام-، أما التبدل والاستبدال بمعنى أن يطلق زوجته ويتزوج غيرها، فهذا جائز.
"الثَّامِنُ: نِكَاحُ امْرَأَةٍ تَكْرَهُ صُحْبَتَهُ. التَّاسِعُ: نِكَاحُ الْحُرَّةِ الْكِتَابِيَّةِ. الْعَاشِرُ: نِكَاحُ الْأَمَةِ".
كل هذا محرم عليه؛ لأن مقامه -عليه الصلاة والسلام- لا يليق به أن يتزوج بغير مسلمة، ولا يليق بغير المسلمة أن تكون زوجة له في الدنيا والآخرة، وأن تكون أمًّا للمؤمنين، فلذلك لا يتجوز الكافرة.
"وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَشْيَاءَ لَمْ يُحَرِّمْهَا عَلَى غَيْرِهِ؛ تَنْزِيهًا لَهُ وَتَطْهِيرًا. فَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْكِتَابَةَ وَقَوْلَ الشِّعْرِ وَتَعْلِيمِه؛ تَأْكِيدًا لِحُجَّتِهِ وَبَيَانًا لِمُعْجِزَتِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ}. وَذَكَرَ النَّقَّاشُ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- مَا مَاتَ حَتَّى كَتَبَ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ".
وهذا تقدم، وأنه في صلح الحديبية، مسح محمد رسول الله وكتب بقلمه محمد بن عبد الله، وبهذا يقول أبو الوليد الباجي، وبدّعوه، بناءً على أن معنى كتب أمر بالكتابة، ولم يكتب بيده، ولم يكتب {ولا تخطه بيمينك}، لا يقرأ ولا يكتب، أمي، وهذا ثابت بالدليل القطعي، {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ } [يس:69]، فالنبي أيضًا ليس بشاعر، ومع ذلكم يأتي من ينظم الحديث، ويحوله من النثر إلى الشعر، فبلوغ المرام نظم، وحُوِّل من النثر إلى النظم، وهو كلام النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقد نُفي عنه قول الشعر، فمثل هذا لا ينبغي، ويجب إبقاء الحديث على هيئته وعلى صفته من كونه نثرًا، حُفظ عنه -عليه الصلاة والسلام- بلفظه أو بمعناه، أما تحويله إلى شعر ويقال هذا من كلام النبوة، فهذه محادة ومناقضة للنص الصريح.
" وَحُرِّمَ عَلَيْهِ أَنْ يَمُدَّ عَيْنَيْهِ إِلَى مَا مُتِّعَ بِهِ النَّاسُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ} الْآيَة. وَأَمَّا مَا أُحِلَّ لَهُ -صلى الله عليه وسلم- فَجُمْلَتُهُ سِتَّةَ عَشَرَ: الْأَوَّلُ: صَفِيُّ الْمَغْنَمِ. الثَّانِي: الِاسْتِبْدَادُ بِخُمُسِ الْخُمُسِ أَوِ الْخُمُسِ. الثَّالِثُ: الْوِصَالُ. الرَّابِعُ: الزِّيَادَةُ عَلَى أَرْبَعِ نِسْوَةٍ. الْخَامِسُ: النِّكَاحُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ. السَّادِسُ: النِّكَاحُ بِغَيْرِ وَلِيٍّ. السَّابِعُ: النِّكَاحُ بِغَيْرِ صَدَاقٍ. الثَّامِن: نِكَاحُهُ فِي حَالَةِ الْإِحْرَام".
هذا بناءً على حديث ابن عباس أن النبي -عليه الصلاة والسلام- تزوّج ميمونة وهو محرم، لكن الصواب ما جاء من حديثها أنه تزوجها وهو حلال ليس بمحرم، ومحفوظ من حديثها ومن حديث أبي رافع السفير بينهما.
"التَّاسِعُ: سُقُوطُ الْقَسْمِ بَيْنَ الْأَزْوَاجِ عَنْهُ، وَسَيَأْتِي. الْعَاشِرُ: إِذَا وَقَعَ بَصَرُهُ عَلَى امْرَأَةٍ وَجَبَ عَلَى زَوْجِهَا طَلَاقُهَا، وَحَلَّ لَهُ نِكَاحُهَا. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ :هَكَذَا قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَقَدْ مَضَى مَا لِلْعُلَمَاءِ فِي قِصَّةِ زَيْدٍ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى".
عرفنا أن مثل هذا لا يصح، ولا يليق بمقام النبوة، أنه رآها فأعجبته فأضمر في نفسه ما أضمر وأخفى في نفسه ما الله مبديه، وبينا وجه ذلك، وأن هذا لا يرجع إلى كونه -عليه الصلاة والسلام- رآها متبذلة، ودخلت في نظره، ثم بعد ذلك حصل ما حصل، أبدًا، أُخبر بأن زيدًا يطلقها، وأنه يتزوجها بعد زيد، من أجل تقرير حكم شرعي، وأن زوجة الولد من التبني تحل لمن تبنى، وأن التبني لا يثبت البنوة ولا ينشر المحرمية.
"الْحَادِي عَشَرَ: أَنَّهُ أَعْتَقَ صَفِيَّةَ وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا. الثَّانِي عَشَرَ :دُخُولُ مَكَّةَ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ، وَفِي حَقِّنَا فِيهِ اخْتِلَافٌ. الثَّالِثَ عَشَرَ: الْقِتَالُ بِمَكَّةَ. الرَّابِعَ عَشَرَ: أَنَّهُ لَا يُورَثُ. وَإِنَّمَا ذُكِرَ هَذَا فِي قِسْمِ التَّحْلِيلِ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ إِذَا قَارَبَ الْمَوْتَ بِالْمَرَضِ زَالَ عَنْهُ أَكْثَرُ مِلْكِهِ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُ إِلَّا الثُّلُثُ خَالِصًا، وَبَقِيَ مِلْكُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى مَا تَقَرَّرَ بَيَانُهُ فِي آيَةِ الْمَوَارِيثِ، وَسُورَةِ (مَرْيَمَ) بَيَانُهُ أَيْضًا".
تقدم بالنسبة لإرث الأنبياء عند قوله: {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} [مريم:6]، فهو نبي من الأنبياء، أما المراد بالوراثة هنا فتقدم هذا في سورة مريم.
طالب:...........................
هكذا قال المالكية والحنفية، معللين بأنه أعتقها، وجعل عتقها صداقها، وهذا خاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام- لماذا؟ لأنه إن كان العتق متقدمًا على النكاح فقد صارت حرة هي أملك بنفسها، وتملك الرفث، ظاهر أم لا؟
أعتقها، ثم تزوجها في مقابل هذا العتق، فلها أن تقول: أنا حرة، أعتقتني فإذا قال: تزوجتك، قالت: لا، لا قبول، هذا إذا تقدم العتق على النكاح، وإن تقدم النكاح على العتق فهو نكاح أمة، ولا يجوز إلا بالشروط المعروفة عند أهل العلم ألا يجد طول الحرة.
وعلى كل حال كل هذه تعليلات في مقابل نص، لا قيمة لها، وهذا قول المالكية والحنفية، لكن الشافعية والحنابلة ما يمنع عندهم من أن يعتق الأمة ويجعل إعتاقها صداقها، يعني قيمتها الحقيقية التي لو كاتبها عليه هي صداقها، مثل المقاصة، مثل من نوع المُقاصة، يعني لو أن لك في ذمة زيد خمسين ألف مثلًا، وجدت معه سيارة وفاوضته عليها فقال: أبيعها لك بخمسين ألفًا، ثم أخذت السيارة وانتهت، لا تريد منه ولا يريد منك، هذه المقاصة، في مقابل ما في ذمته، هل تقول: إن المبلغ الذي في ذمتك إنما أسقطه قبل أن تستحقه؛ لأن البيع ما ثبت وثبت؟ كل هذه تعليلات لا قيمة لها.
"الْخَامِسَ عَشَرَ: بَقَاءُ زَوْجِيَّتِهِ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ. السَّادِسَ عَشَرَ: إِذَا طَلَّقَ امْرَأَةً تَبْقَى حُرْمَتُهُ عَلَيْهَا فَلَا تُنْكَحُ.
وَهَذِهِ الْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ تَقَدَّمَ مُعْظَمُهَا مُفَصَّلًا فِي مَوَاضِعِهَا. وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأُبِيحَ لَهُ -عليه الصلاة والسلام- أَخْذُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ مِنَ الْجَائِعِ وَالْعَطْشَانِ، وَإِنْ كَانَ مَنْ هُوَ مَعَهُ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ الْهَلَاكَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِم}. وَعَلَى كُلِّ أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَقِيَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- بِنَفْسِهِ".
هذا خطاب للمسلمين، أن يقدِّموه على أنفسهم، وليس بخطاب للنبي -عليه الصلاة والسلام- أن يأخذ ما بأيدي الناس مما احتاجوا إليه، وليس هذا من شمائله ولا من صفاته ولا من أخلاقه، لكن عموم المسلمين يجب عليهم تقديم النبي -عليه الصلاة والسلام- على أنفسهم. نعم.
"وَأُبِيحَ لَهُ أَنْ يَحْمِيَ لِنَفْسِهِ. وَأَكْرَمَهُ اللَّهُ بِتَحْلِيلِ الْغَنَائِمِ".
مع أنه ليس له مال يحمي من أجله، وإنما حماه من أجل إبل الصدقة.
"وَأَكْرَمَهُ اللَّهُ بِتَحْلِيلِ الْغَنَائِم، وَجُعِلَتِ الْأَرْضُ لَهُ وَلِأُمَّتِهِ مَسْجِدًا وَطَهُورًا. وَكَانَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مَنْ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُمْ إِلَّا فِي الْمَسَاجِدِ. وَنُصِرَ بِالرُّعْب، فَكَانَ يَخَافُهُ الْعَدُوُّ مِنْ مَسِيرَةِ شَهْرٍ. وَبُعِثَ إِلَى كَافَّةِ الْخَلْق، وَقَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ يُبْعَثُ الْوَاحِدُ إِلَى بَعْضِ النَّاسِ دُونَ بَعْضٍ. وَجُعِلَتْ مُعْجِزَاتُهُ كَمُعْجِزَاتِ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ وَزِيَادَةً .وَكَانَتْ مُعْجِزَةُ مُوسَى- عَلَيْهِ السَّلَامُ- الْعَصَا وَانْفِجَارَ الْمَاءِ مِنَ الصَّخْرَةِ. وَقَدْ انْشَقَّ الْقَمَرُ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، وَخَرَجَ الْمَاءُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ -صلى الله عليه وسلم- ، وَكَانَتْ مُعْجِزَةُ عِيسَى -صلى الله عليه وسلم- إِحْيَاءَ الْمَوْتَى وَإِبْرَاءَ الْأَكْمَهِ وَالْأَبْرَصِ. وَقَدْ سَبَّحَ الْحَصَى فِي يَدِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، وَحَنَّ الْجِذْعُ إِلَيْه، وَهَذَا أَبْلَغُ. وَفَضَّلَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِأَنْ جَعَلَ الْقُرْآنَ مُعْجِزَةً لَهُ، وَجَعَلَ مُعْجِزَتَهُ فِيهِ بَاقِيَةً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَلِهَذَا جُعِلَتْ نُبُوَّتُهُ مُؤَبَّدَةً لَا تُنْسَخُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ".
يعني معجزات الأنبياء تنتهي بموتهم، وهو معجزته الكبرى الخالدة القرآن باقية إلى قيام الساعة.
طالب:.....................
هذه خلقة، هذه جبلية ليس للمرء اختيار، ليست هذه أمورًا اختيارية يمتنع منها، خُلق على هذا.
طالب: وَجُعِلَتْ مُعْجِزَاتُهُ كَمُعْجِزَاتِ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ وَزِيَادَةً، زيادة على معجزات الأنبياء؟
نعم، بلا شك.
طالب: سليمان- عليه السلام-؟
{مُلْكًا لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [ص:35]، يعني هل حصل للنبي -عليه الصلاة والسلام- جميع ما حصل للأنبياء من معجزات؟
نعم حصل لبعض أتباعه ما حصل لبعض الأنبياء، يعني حصل لأبي مسلم الخولاني أنه أدخل النار ولم يتأثر، كما حصل لإبراهيم، وحصل لبعض التابعين من أُحيي له فرسه كما حصل لعيسى، وحصل أيضًا من أمته من مشي على البحر كما حصل لموسى، المقصود أنه حصل لأمتي ما حصل لغيره من الأنبياء، وأما معجزاته وخصائصه -عليه الصلاة والسلام- فلم تحصل لأحد قبله، وهذا على سبيل الإجمال لا على سبيل التفصيل.
طالب:........................
هذا معروف، نعم.
طالب: ........................
جنبًا من غير احتلام هذا بيان الواقع، لا مفهوم له.
"السَّابِعَةَ عَشْرَةَ: قوله تعالى: {أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا} أَيْ يَنْكِحَهَا، يُقَالُ: نَكَحَ وَاسْتَنْكَحَ، مِثْلُ عَجِبَ وَاسْتَعْجَبَ، وَعَجِلَ وَاسْتَعْجَلَ. وَيَجُوزُ أَنْ يَرِدُ الِاسْتِنْكَاحُ بِمَعْنَى طَلَبِ النِّكَاحِ".
كما هو الأصل؛ لأن السين والتاء للطلب.
"أَوْ طَلَبِ الْوَطْءِ. وَ{خَالِصَةً} نُصِبَ عَلَى الْحَالِ، قَالَ الزَّجَّاجُ. وَقِيلَ: حَالَ مِنْ ضَمِيرٍ مُتَّصِلٍ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ دَلَّ عَلَيْهِ الْمُضْمَرُ، تَقْدِيرُهُ: أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ، وَأَحْلَلْنَا لَكَ امْرَأَةً مُؤْمِنَةً أَحْلَلْنَاهَا خَالِصَةً، بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَبِغَيْرِ صَدَاقٍ وَبِغَيْرٍ وَلِيٍّ.
الثَّامِنَة عَشَرَة: قَوْلُهُ تَعَالَى: {مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} فَائِدَتُهُ أَنَّ الْكُفَّارَ وَإِنْ كَانُوا مُخَاطَبِينَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ عِنْدَنَا فَلَيْسَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ دُخُولٌ؛ لِأَنَّ تَصْرِيفَ الْأَحْكَامِ إِنَّمَا يَكُونُ فِيهِمْ عَلَى تَقْدِيرِ الْإِسْلَامِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ}".
نعم الكفار عندما قال: من دون المؤمنين، هل يخرج بذلك الكفار؟ أو أن الكفار مثل المؤمنين لأنهم مخاطبون بفروع الشريعة؟ لكن التنصيص على المؤمنين؛ لأنهم هم الذين يتدينون بأحكام الدين.
" قَوْلُهُ تَعَالَى: { قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ} أي ما أوجبنا على المؤمنين وَهُوَ أَلَّا يَتَزَوَّجُوا إِلَّا أَرْبَعَ نِسْوَةٍ بِمَهْرٍ وَبَيِّنَةٍ وَوَلِيٍّ. قَالَ مَعْنَاهُ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَقَتَادَةُ وَغَيْرُهُمَا.
التَّاسِعَة عَشَرة: قوله تعالى: { لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ} أَيْ ضِيقٌ فِي أَمْرٍ أَنْتَ فِيهِ مُحْتَاجٌ إِلَى السَّعَةِ، أَيْ بَيَّنَّا هَذَا الْبَيَانَ وَشَرَحْنَا هَذَا الشَّرْحَ { لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ} فَ {لِكَيْلَا} مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: {إِنَّا أَحْلَلْنَا أَزْوَاجَكَ} أَيْ فَلَا يَضِيقُ قَلْبُكَ حَتَّى يَظْهَرَ مِنْكَ أَنَّكَ قَدْ أَثِمْتَ عِنْدَ رَبِّكَ فِي شَيْءٍ. ثُمَّ آنَسَ تَعَالَى جَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ بِغُفْرَانِهِ وَرَحْمَتِهِ فَقَالَ تَعَالَى: { وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}.
قَوْلُهُ تَعَالَى: { تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُئْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا}.
فِيهِ إِحْدَى عَشْرَةَ مَسْأَلَةً:
الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: { تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ} قُرِئَ مَهْمُوزًا وَغَيْرَ مَهْمُوزٍ، وَهُمَا لُغَتَانِ".
ترجي وترجئ، مهموز ترجئ من أرجأ يرجئ وهو مهموز، وقد يسهل فيقال: ترجي كما في نظائره من المهموزات والشأم والشام والتأريخ والتاريخ.
"يُقَالُ: أَرْجَيْتُ الْأَمْرَ وَأَرْجَأْتُهُ إِذَا أَخَّرْتُهُ. وَتُئْوِي تَضُمُّ، يُقَالُ: آوَى إِلَيْهِ (مَمْدُودَةَ الْأَلِفِ) ضَمَ إِلَيْهِ. وَأَوَى (مَقْصُورَةَ الْأَلِفِ) انْضَمَّ إِلَيْهِ.
الثَّانِيَةُ: وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَأَصَحُّ مَا قِيلَ فِيهَا. التَّوْسِعَةُ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِي تَرْكِ الْقَسْمِ، فَكَانَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَسْمُ بَيْنَ زَوْجَاتِهِ. وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي يُنَاسِبُ مَا مَضَى، وَهُوَ الَّذِي ثَبَتَ مَعْنَاهُ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-، قَالَتْ:» كُنْتُ أَغَارُ عَلَى اللَّائِي وَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَقُولُ: أَوَتَهَبُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا لِرَجُلٍ؟ فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُئْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ} قَالَتْ: قُلْتُ وَاللَّهِ مَا أَرَى رَبَّكَ إِلَّا يُسَارِعُ فِي هَوَاكَ«. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيّ: هَذَا الَّذِي".
على ما تقدم، تقدمت الإشارة إلى مثل هذا.
"قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيّ: هَذَا الَّذِي ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ. وَالْمَعْنَى الْمُرَادُ: هُوَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ مُخَيَّرًا فِي أَزْوَاجِهِ، إِنْ شَاءَ أَنْ يَقْسِمَ قَسَمَ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَتْرُكَ الْقَسْمَ تَرَكَ. فَخُصَّ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِأَنْ جُعِلَ الْأَمْرُ إِلَيْهِ فِيهِ، لَكِنَّهُ كَانَ يَقْسِمُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ دُونَ أَنْ فَرَضَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، تَطْيِيبًا لِنُفُوسِهِنَّ، وَصَوْنًا لَهُنَّ عَنْ أَقْوَالِ الْغَيْرَةِ الَّتِي تُؤَدِّي إِلَى مَا لَا يَنْبَغِي.
وَقِيلَ: كَانَ الْقَسْمُ وَاجِبًا عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- ثُمَّ نُسِخَ الْوُجُوبُ عَنْهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ. قَالَ أَبُو رَزِينٌ :كَانَ رَسُولُ اللَّهِ قَدْ هَمَّ بِطَلَاقِ بَعْضِ نِسَائِهِ فَقُلْنَ لَهُ: اقْسِمْ لَنَا مَا شِئْتَ. فَكَانَ مِمَّنْ آوَى عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ وَزَيْنَب، فَكَانَ قِسْمَتُهُنَّ مِنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ سَوَاءً بَيْنَهُنَّ. وَكَانَ مِمَّنْ أَرْجَى سَوْدَةُ وَجُوَيْرِيَةُ وَأُمُّ حَبِيبَةَ وَمَيْمُونَةُ وَصَفِيَّةُ، فَكَانَ يَقْسِمُ لَهُنَّ مَا شَاءَ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ الْوَاهِبَاتُ.
قوله أبي رزين، كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد هم بطلاق بعض نسائه، فقلن له: اقسم لنا ما شئت، يعني يكفينا ما يأتي ولو شرف الانتساب، ونظيره قول الله -جل وعلا-: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء:128]، يعني إذا رأت المرأة رغبة زوجها عنها، وتنازلت عن بعض حقوقها فالأمر لا يعدها، لو تنازلت عن قسمها كما فعلت سودة، فتنازل صحيح، سواء تنازلت للزوج أو تنازلت لإحدى نسائه وقالت: تكون ليلتي لفلانة أو ما أشبه ذلك، هذا كلام لا إشكال فيه، وهو جائز، المسألة مسألة معاوضة، إذا رأى الزوج أن هذه المرأة لا تحقق رغبته، وأراد أن يستبدلها بغيرها ثم قالت له: أنت في حلٌّ مما يلزمك من قِبلي، وتزوج ما شئت، ولا تقسم لها، هذه الأمر لا يعدوها، وما يُظن من يفعل ذلك والناس لاسيما مجتمعات النساء، تعدّه من أعظم الظلمة، بل من أعظم أنواع الظلم إذا قال لزوجته الأولى التي كبرت سنها وصارت لا تلبي رغبته، قال: إن أردتِ البقاء على الزوجية وليست لكي ليلة ولا قسم، تظن هذا ظلمًا، إذا رأت من زوجها هذا النشوز والإعراض تنازلت، فلا شيء في هذا، وتبرأ ذمته بها لم يعضلها، بمعنى أنه يعلقها ليست ذات زوج ولا مطلقة، إذا قال لها: إن بقيتِ فالأمر إليك، وإن ذهبت وبحثت عمن تسعدين معه أكثر من سعادتك معي فالأمر إليك، وهذا دليله قصة سودة، والآية كالصريحة في مثل هذا.
ولا يُظن أن هذا من طبع الرجال دون النساء، النساء فيهن شيء من ذلك، فالرجل إذا ضعف أمام المرأة صارت تفرض عليه أشياء لم تكن لازمة له قبل ذلك، في مقابل هذا الضعف تحتاج ما يعوِّضها عنه، ولا ترضى بوضعها الذي صار آل إليه الأمر عند زوجها، فالمسألة كما يقال عرض وطلب، والمحتاج هو الذي يتنازل، والآية أصل المسألة وصنيع سودة يدل على أن هذا لا إشكال فيه.
" رَوَى هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ فِي قَوْلِهِ: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنّ} قَالَتْ: هَذَا فِي الْوَاهِبَاتِ أَنْفُسَهُنَّ. قَالَ الشَّعْبِيُّ: هُنَّ الْوَاهِبَاتُ أَنْفُسَهُنَّ، تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْهُنَّ، وَتَرَكَ مِنْهُنّ.َ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: مَا عَلِمْنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَرْجَأَ أَحَدًا مِنْ أَزْوَاجِهِ، بَلْ آوَاهُنَّ كُلَّهُنَّ".
لأنهن اخترنه -عليه الصلاة والسلام-.
" وَقَال َابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: الْمَعْنَى فِي طَلَاقِ مَنْ شَاءَ مِمَّنْ حَصَلَ فِي عِصْمَتِهِ، وَإِمْسَاكِ مَنْ شَاءَ. وَقِيلَ غَيْرُ هَذَا. وَعَلَى كُلِّ مَعْنًى فَالْآيَةُ مَعْنَاهَا التَّوْسِعَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَالْإِبَاحَةُ. وَمَا اخْتَرْنَاهُ أَصَحُّ، وَاللَّهُ أَعْلَم.
الثَّالِثَةُ: ذَهَبَ هِبَةُ اللَّهِ فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ إِلَى أَنَّ قَوْلَهُ: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ} الْآيَةَ، نَاسِخٌ لِقَوْلِه: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْد} الْآيَةَ. وَقَالَ: لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ نَاسِخٌ تَقَدَّمَ الْمَنْسُوخَ سِوَى هَذَا. وَكَلَامُهُ يُضَعَّفُ مِنْ جِهَاتٍ. وَفِي (الْبَقَرَةِ) عِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، وَهُوَ نَاسِخٌ لِلْحَوْلِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عَلَيْه".
نعم، أربعة أشهر وعشر متأخرة في النزول عن الحول، ومع ذلك هي متقدمة في ترتيب الآيات في سورة البقرة.
"الرَّابِعَةُ :قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ} {ابْتَغَيْتَ} طَلَبْتَ، وَالِابْتِغَاءُ الطَّلَبُ. وَ{عَزَلْتَ} أَزَلْتَ، وَالْعُزْلَةُ الْإِزَالَةُ، أَيْ إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تُئْوِيَ إِلَيْكَ امْرَأَةً مِمَّنْ عزلت".
عزلتهن.
"ممن عَزَلْتَهُنَّ مِنَ الْقِسْمَةِ وَتَضُمَّهَا إِلَيْكَ فَلَا بَأْسَ عَلَيْكَ فِي ذَلِكَ. وكَذَلِكَ حُكْمُ الْإِرْجَاءِ، فَدَلَّ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ عَلَى الثَّانِي.
الْخَامِسَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ} أَيْ لَا مَيْلَ، يُقَالُ: جَنَحَتِ السَّفِينَةُ أَيْ مَالَتْ إِلَى الْأَرْضِ. أَيْ لَا مَيْلَ عَلَيْكَ بِاللَّوْمِ وَالتَّوْبِيخِ".
لا جناح عليك يعني لا إثم عليك، رفع الجناح يعني رفع الإثم، ولا لوم.
"السَّادِسَة:ُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ} قَالَ قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ: أَيْ ذَلِكَ التَّخْيِيرُ الَّذِي خَيَّرْنَاكَ فِي صُحْبَتِهِنَّ أَدْنَى إِلَى رِضَاهُنَّ إِذْ كَانَ مِنْ عِنْدِنَا، لِأَنَّهُنَّ إِذَا عَلِمْنَ أَنَّ الْفِعْلَ مِنَ اللَّهِ قَرَّتْ أَعْيُنُهُنَّ بِذَلِكَ وَرَضِينَ؛ لِأَنَّ الْمَرْءَ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي شَيْءٍ كَانَ رَاضِيًا بِمَا أُوتِيَ مِنْهُ وَإِنْ قَلَّ. وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ لَهُ حَقًّا لَمْ يَقْنَعْهُ مَا أُوتِيَ مِنْهُ، وَاشْتَدَّتْ غَيْرَتُهُ عَلَيْهِ وَعَظُمَ حِرْصُهُ فِيهِ. فَكَانَ مَا فَعَلَ اللَّهُ لِرَسُولِهِ مِنْ تَفْوِيضِ الْأَمْرِ إِلَيْهِ فِي أَحْوَالِ أَزْوَاجِهِ أَقْرَبَ إِلَى رِضَاهُنَّ مَعَهُ، وَإِلَى اسْتِقْرَارِ أَعْيُنِهِنَّ بِمَا يَسْمَحُ بِهِ لَهُنَّ، دُونَ أَنْ تَتَعَلَّقَ قُلُوبُهُنَّ بِأَكْثَرَ مِنْهُ وَقُرِئَ: (تُقِرَّ أَعْيُنَهُنَّ) بِضَمِّ التَّاءِ وَنَصْبِ الْأَعْيُنِ. وَ(تُقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ) عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ".
إذا كان الحكم مقطوعًا به، مجزومًا به من قِبَل الله ورسوله فلا مَطْمَع لأحد فيما زاد عليه، لا مطمع لأحد ما فيه زوج من الأزواج إذا ماتت زوجته وتركت أولادًا يقول: لا يكفيني الربع، أو تقول الزوجة: لا يكفيني الثمن، هذا أمرٌ مُقرَّر ومحدَّد شرعًا، لكن إذا حضر القسمة أولو القربى وأعطوا شيئًا يسيرًا، طمِعوا فيما هو أكثر منه؛ لأن هذا ليس بأمر مجزوم محدّد لا يزيد ولا ينقص، وهذا جارٍ في جميع الأمور، إذا كان الأمر فيه مجال للأخذ والرد أخذ، وإذا كان ما فيه مجال خلاص انتهى ما فيه مجال.
"وَكَانَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- مَعَ هَذَا يُشَدِّدُ عَلَى نَفْسِهِ فِي رِعَايَةِ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُنَّ؛ تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِنَّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَيَقُولُ: » اللَّهُمَّ هَذِهِ قُدْرَتِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ« ".
يعني هذا قسمي فيما أملك هذا الذي يقدر عليه، وأما الذي لا يملكه من الميل القلبي وما يتبعه من أمور من جِماعٍ ونحوه فهذا لا يُملك، وأما ما يُملَك من النفقة والكُسوة والسُّكنى فمثل هذا لا يجوز الزيادة فيه ولا النقص.
"يَعْنِي قَلْبَهُ، لِإِيثَارِهِ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- دُونَ أَنْ يَكُونَ يَظْهَرُ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنْ فِعْلِهِ. وَكَانَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ يُطَافُ بِهِ مَحْمُولًا عَلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِهِ، إِلَى أَنِ اسْتَأْذَنَهُنَّ أَنْ يُقِيمَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: » أَوَّلُ مَا اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ، فَاسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِهَا يَعْنِي فِي بَيْتِ عَائِشَةَ فَأُذِنَ لَهُ« الْحَدِيثَ، خَرَّجَهُ الصَّحِيحُ. وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: »إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَيَتَفَقَّدُ، يَقُولُ: أَيْنَ أَنَا الْيَوْمَ أَيْنَ أَنَا غَدًا اسْتِبْطَاءً لِيَوْمِ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-. قَالَتْ: فَلَمَّا كَانَ يَوْمِي قَبَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي، -صلى الله عليه وسلم-« .
السَّابِعَةُ: عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَعْدِلَ بَيْنَ نِسَائِهِ لِكُلِ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ يَوْمًا وَلَيْلَةً، هَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى وُجُوبِ ذَلِكَ فِي اللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ".
دون النهار؛ لأنه ثبت النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يطوف على نسائه في النهار بعد صلاة العصر، لكن هذا لا يمنع ولا ينافي وجوب القسم بالليل والنهار، إذا اتفقوا على ذلك فالأمر لا يعدوهم، يعني لو اتفقوا على أن الليل كل واحدة لها ليلتها الخاصة بها، وأما بالنسبة للنهار فيكون للجميع، الأمر لا يعدوهم، ولو اتفقوا على أن الظهر يكون لواحدة، والعصر لواحدة، والقيلولة لواحدة، والليل كله لصاحبة النوبة، واتفقوا على ذلك، فالأمر لا يعدوهم، ولو كان القسم بالأسبوع مثلًا، هذه لها أسبوع، وتلك لها أسبوع، والثالثة لها أسبوع، والرابعة لها أسبوع، وفي كل شهر يمر أسبوع كامل لواحدة، اتفقوا على ذلك فالأمر لا يعدوهم، لكن القسم لكل ليلة هو فعله -عليه الصلاة والسلام-، القسم بالليلة الواحدة، مع أنه يمر على نسائه في كل يوم بعد صلاة العصر، لكن لا يجوز أن يكون الليل لهن، والنهار لي أصرفه لمن شئت، لا. له أن يصرفه في أعماله وتجارته وفي علمه وتعليمه، ولا يمر على واحدة منهن، له ذلك، لكن لا يجوز له أن يمر على فلانة، ويترك فلانة لا في ليل ولا في نهار. لا بد من العدل في هذا.
طالب:........................
نعم؟
طالب: .....................
ماذا فيه؟
طالب:......................
كيف؟
طالب: .....................
لا يلزم العدل فيه، لا يلزم العدل فيه؛ لأنه تابع للمودة القلبية، وبعض النساء تُشتَهى، وبعض النساء لا تُشتهى، والكبيرة ليست كالصغيرة، وما أشبه ذلك.
على كل حال الحدّ الذي لا يجوز تجاوزه ألا يُحيج المرأة إلى غيره، ولا يجعلها تتطلَّع للرجال، وإن كان كثير من العلماء يرى أن الحد الفاصل أربعة أشهر كالإيلاء، لكن المُحقّق في هذا أنها لا تحتاج إلى غيره، فإذا خشي عليها من الفتنة لزمه أن يجامعها، إذا كان يطيق ذلك، وإذا كان لا يطيق ذلك يسرحها سراحًا جميلًا.
طالب:......................
نعم.
طالب: .....................
كيف؟
طالب: .....................
نعم معروفة.
طالب: .....................
مسألة الرسول -عليه الصلاة والسلام- وكونه هل هو ملزم بالقسم أو غير ملزم؟ فهذه مسألة معروفة عند أهل العلم، لكن غيره إذا اتفق مع زوجاته الأربع مثلًا وقال: كل واحدة لها ليلة من مغيب الشمس إلى طلوع الفجر، انتهينا على هذا، ما فيه مساومة، وأما من صلاة الفجر إلى السابعة مثلًا فلفلانة، ثم يذهب إلى عمله، وإذا رجع بقدر هذه الساعات يجلس عند فلانة، الظهر عند فلانة، والعصر عند فلانة، واتفقوا على هذا، اتفق الجميع على هذا فما فيه إشكال؛ لأن الأمر لا يعدوهم، ولهم الأمر أن يرجعوا بعد ذلك. يعني ليس بلازم، ولهم أن يرجعوا بعد ذلك.
طالب:.........................
طيب.
طالب: .....................
والأخرى في مكان.
طالب: .....................
يعني في بلدين؟
طالب: .....................
وقد رضيت بذلك؟
طالب: .....................
رضيت يعني أن يكون وقت الدوام عند واحدة، ووقت الإجازة عند واحدة؟ إذا رضوا فالأمر لا يعدوهم.
طالب:.....................
الحياة وما الحياة، هذا الأمر لها، إذا استحيت تتحمّل.
طالب: .....................
المقصود أنها تتحمل، يعني كل شيء له ضريبته، شخص يتزوج امرأة على ثلاثة، وعلى اثنتين، لهن أولاد في المدارس، ولا يستطعن السفر في أثناء الدوام، ثم يخيرهن، أنا أريد أن أسافر في هذا الأسبوع إلى مكة، إلى المدينة، إلى كذا، إلى كذا، من ترغب في السفر تمشي، معروف أن الأولى والثانية عندهما أولاد يدرسون، ولن يسافرن، إذا قال هذا يُلام أم ما يُلام؟ بطوعهم واختيارهم جلسوا، وآثروا مصلحة أولادهم، ما يُلام على هذا أبدًا، إذا قال بهذا الإطلاق، من أراد السفر فليتفضل، فقالت الأولى: أنا والله ما أستطيع، أولادي يدرسون، وقالت الثانية: أنا لا أستطيع، أولادي يدرسون، أو قالت الثانية: أنا ما عندي أولاد يدرسون، وقالت الثالثة: أنا أدرس، ما عيَّن واحدة بعينها وقال: أنت اذهبي، وأنت لا تذهبي، ولا يستطيع أن يُلزم أو أن يكره أحدًا على مثل هذه الأسفار، لاسيما إذا اشترطن البقاء في بلدانهن.
طالب:......................
نعم؟
طالب: .....................
كيف؟
طالب: .....................
هذا إذا تساوين في المزايا، كلهن ما عندهن أولاد، أو كلهن عندهن أولاد يدرسون، يعني يتساوين في المميزات، وتشاحن في السفر، كلنا نسافر، وما عليهن من مصالح أولادنا، يَقرَع بينهن، هو لا يريد إلا واحدة.
"وَلَا يُسْقِطُ حَقَّ الزَّوْجَةِ مَرَضُهَا وَلَا حَيْضُهَا، وَيَلْزَمُهُ الْمُقَامُ عِنْدَهَا فِي يَوْمِهَا وَلَيْلَتِهَا، وَعَلَيْهِ أَنْ يَعْدِلَ بَيْنَهُنَّ فِي مَرَضِهِ، كَمَا يَفْعَلُ فِي صِحَّتِهِ، إِلَّا أَنْ يَعْجِزَ عَنِ الْحَرَكَةِ، فَيُقِيمَ حَيْثُ غَلَبَ عَلَيْهِ الْمَرَضُ، فَإِذَا صَحَّ اسْتَأْنَفَ الْقَسْمَ".
إذا كان لا يستطيع، مرض في بيت فلانة، لا يستطيع، ما يمشي، وغلب عليه المرض، فهذا بغير طوعه ولا اختياره، فلا يُلام عليه، فإن استطاع الانتقال يلزمه الانتقال.
"وَالْإِمَاءُ وَالْحَرَائِرُ وَالْكِتَابِيَّاتُ وَالْمُسْلِمَاتُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ".
لأنهن زوجات. نعم.
"قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: لِلْحُرَّةِ لَيْلَتَانِ، وَلِلْأَمَةِ لَيْلَةٌ".
الأمة يعني الزوجة الأمة، يعني ليست ملك يمين، لا، إنما هي زوجة، عنده زوجتان إحداهما حرة، والأخرى أمة، يقول عبد المالك بن ماجشون: الحرة لها ليلتان، والأمة لها ليلة واحدة، بناءً على تنصيف العذاب والأقراء والحيض، وما أشبه ذلك.
طالب: عدد الأمة المحدد في ...؟
زوجات؟
طالب: نعم.
الزوجات أربع ما يزيد، ما يزيد على أربع زوجات، ولو كان منهن إماء، وأما السراري فلا حد لهن.
"وَأَمَّا السَّرَارِيُّ فَلَا قَسْمَ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ الْحَرَائِرِ، وَلَا حَظَّ لَهُنَّ فِيهِ.
الثَّامِنَة:ُ وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَهُنَّ فِي مَنْزِلٍ وَاحِدٍ إِلَّا بِرِضَاهُنَّ، وَلَا يَدْخُلُ لِإِحْدَاهُنَّ فِي يَوْمِ الْأُخْرَى وَلَيْلَتِهَا لِغَيْرِ حَاجَةٍ. وَاخْتُلِفَ فِي دُخُولِهِ لِحَاجَةٍ وَضَرُورَةٍ، فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى جَوَازِهِ، مَالِكٌ وَغَيْرُهُ".
منهم من يخص ذلك الدخول على المرأة في غير نوبتها أنه لا يجوز إلا إذا كانت منزولًا بها، يعني تُحتَضر، وماعدا ذلك فلا. إذا كانت تُحتَضَر يحضر يلقِّنها، وماعدا ذلك فلا، وعلى كل حال على ما يُعرف من حال النساء وأنفسهن؛ لأن بعض النساء أمرها سهل، عنده إذن مطلق ببعض الأمور، ويعرف منها أنها لا تُشدِّد في مثل هذا، هذه أمرها أشد ممن كانت تشدِّد ولا ترضى بشيء ألبتة.
طالب: أحسن الله إليك، مفهوم البيت الواحد، فيه رجل عنده عمارة من دورين، وكل واحدة منهن لها دور مستقل؟
لا، هذا ببيتين، بيتين، لكن إذا اشتركوا بالمدخل والمرافق صاروا ببيتًا واحدًا.
"وَفِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ مَنْعُهُ. وَرَوَى ابْنُ بَكِير".
بُكَير.
"ابن بُكَيْرٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ هَذِهِ لَمْ يَشْرَبْ مِنْ بَيْتِ الْأُخْرَى الْمَاءَ. قَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ: وَحَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ مَاتَتَا فِي الطَّاعُونِ فَأَسْهَمَ بَيْنَهُمَا أَيُّهُمَا تُدْلَى أَوَّلًا".
أيهما تُنزل في القبر أولًا؟ أيهما تُدلى في القبر أولًا؟ ماتتا في يوم واحد، وصُلِّي عليهما في وقت واحد، ونُقِلا إلى المقبرة في وقت واحد، ومع ذلك أيهما تُنّزل أولًا. الله المستعان.
"فَأَسْهَمَ بَيْنَهُمَا أَيُّهُمَا تُدْلَى أَوَّلًا.
التَّاسِعَةُ: قَالَ مَالِك:ٌ وَيَعْدِلُ بَيْنَهُنَّ فِي النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ إِذَا كُنَّ مُعْتَدِلَاتِ الْحَالِ، وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ فِي الْمُخْتَلِفَاتِ الْمَنَاصِبَ".
يعني إذا كانت إحدى هذه النسوة من بيت غنى، والثانية من بيت فقر، ينفق على هذه ويكسوها على حسب منزلتها عند أهلها، وينفق على تلك بحسب منزلتها عند أهلها، وهذا كلام ليس بصحيح، إنما المردُّ في ذلك إلى منزلته هو، إذا تساوتا عنده فيتساوين في النفقة والسُّكنى، هناك ملاحظ ممكن أن يكون لها أثر، عنده زوجة أولى عمرها ستون سنة، والثانية عمرها أربعون، والثالثة عمرها عشرون مثلًا، فهذه تحتاج من الملابس غير ما تحتاجه تلك، وهذه تحتاج من الملابس غير ما تحتاجه الصغيرة، وهكذا، هذه تُعطى حاجتها، الكبيرة أم الستين هذه تلبس من الملابس غير المكلفة المناسبة لسنها وجيلها، والثانية أكثر منها تكلفة، والأخيرة أكثر، فهل يلزم التعديل في مثل هذا، أو نقول: إن هذه حاجة كالأكل والشرب، فكما أن الكبير من الأولاد يأكل في اليوم ما قيمته خمسون ريالًا، والصغير يأكل ما قيمته عشرة مثلًا، وهذا يحتاج سيارة، وهذا يحتاج حليبًا، وهذه تحتاج ذهبًا، فهل يلزم العدل في كل هذا؟ لا يلزم.
لكن بالنسبة للملابس قد تقول الكبيرة: أنا أريد ثوبين في مقابل ثوب، فالعدل في مثل هذا في الدراهم، الكسوة معروفة، كم تحتاجين في الشهر؟ خمسمائة ريال، خذي الخمسمائة، ثم يعمم على الجميع فيما يكفيهم، وإذا زاد عند الكبرى شيء؛ لأنها لا تحتاج إلى الأشياء الغالية والموديلات المكلفة تصرفه بمصارف أخرى، فتوزيع مثل هذه الأمور بالدراهم أقرب إلى العدل. نعم.
"وَأَجَازَ مَالِكٌ أَنْ يُفَضِّلَ إِحْدَاهُمَا فِي الْكِسْوَةِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْمَيْلِ. فَأَمَّا الْحُبُّ وَالْبُغْضُ فَخَارِجَانِ عَنِ الْكَسْبِ فَلَا يَتَأَتَّى الْعَدْلُ فِيهِمَا، وَهُوَ الْمَعْنِيُّ بِقَوْلِهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي قَسْمِه ِ»اللَّهُمَّ هَذَا فِعْلِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ« أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-. وَفِي كِتَابِ أَبِي دَاوُد: (يَعْنِي الْقَلْبَ)، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: { وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُم}[النساء:129]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ}، وَهَذَا هُوَ وَجْهُ تَخْصِيصِهِ بِالذِّكْرِ هُنَا؛ تَنْبِيهًا مِنْهُ لَنَا عَلَى أَنَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِنَا مِنْ مَيْلِ بَعْضِنَا إِلَى بَعْضِ مَنْ عِنْدَنَا مِنَ النِّسَاءِ دُونَ بَعْضٍ، وَهُوَ الْعَالِمُ بِكُلِ شَيْءٍ { لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ} [آل عمران:5] ، {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه:7] لَكِنَّهُ سَمَحَ فِي ذَلِكَ؛ إِذْ لَا يَسْتَطِيعُ الْعَبْدُ أَنْ يَصْرِفَ قَلْبَهُ عَنْ ذَلِكَ الْمَيْلِ، وَإِلَى ذَلِكَ يَعُودُ قَوْلُهُ: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} .
وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْلِهِ: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ} وَهِيَ الْعَاشِرَةُ: أَيْ ذَلِكَ أَقْرَبُ أَلَّا يَحْزَنَّ إِذَا لَمْ يَجْمَعْ إِحْدَاهُنَّ مَعَ الْأُخْرَى، وَيُعَايِنَّ الْأَثَرَةَ وَالْمَيْلَ. وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- قَال: »مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ«.
{وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ} كُلُّهُنَّ تَوْكِيدٌ لِلضَّمِيرِ".
غلبة الظن في العدل شرط للتعدد، فإذا لم يغلب على ظنه أنه يعدل فإنه لا يجوز له أن يعدد
{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء:3]، فلا يجوز التعدد مع ظن الميل، ومع ذلك لا يُتوقع أن الإنسان سوف يعدل عدلًا تامًّا لا ميل فيه البتة بمعنى أنه مائة بالمائة { وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُم فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} [النساء:129].
"أَيْ وَيَرْضَيْنَ كُلُّهُنَّ. وَأَجَازَ أَبُو حَاتِمٍ وَالزَّجَّاجُ {وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ} عَلَى التَّوْكِيدِ لِلْمُضْمَرِ الَّذِي فِي {آتَيْتَهُنَّ}. وَالْفَرَّاءُ لَا يُجِيزُهُ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى لَيْسَ عَلَيْهِ، إِذْ كَانَ الْمَعْنَى: وَتَرْضَى كُلُ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى بِمَا أَعْطَيْتَهُنَّ كلُّهن".
كلَّهن.
" كُلَّهُنّ. قال النَّحَّاسُ: وَالَّذِي قَالَهُ حَسَنٌ".
الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ : قَوْلُهُ تَعَالَى".
التوكيد للراضيات، يرضين كلهن وليس للمعطيات. نعم.
"الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ :قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ} خَبَرٌ عَامٌّ، وَالْإِشَارَةُ إِلَى مَا فِي قَلْبِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ مَحَبَّةِ شَخْصٍ دُونَ شَخْصٍ. وَكَذَلِكَ يَدْخُلُ فِي الْمَعْنَى أَيْضًا الْمُؤْمِنُونَ.
وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- بَعَثَهُ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ:» أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ فَقَال: (عَائِشَةُ) فَقُلْتُ: مِنَ الرِّجَالِ؟ قَالَ: (أَبُوهَا) قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَعَدَّ رِجَالًا «، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي الْقَلْبِ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ فِي أَوَّلِ (الْبَقَرَةِ)، وَفِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ.
يُرْوَى أَنَّ لُقْمَانَ الْحَكِيمَ كَانَ عَبْدًا نَجَّارًا قَالَ لَهُ سَيِّدُهُ: اذْبَحْ شَاةً وَائْتِنِي بِأَطْيَبِهَا بَضْعَتَيْنِ، فَأَتَاهُ بِاللِّسَانِ وَالْقَلْبِ. ثُمَّ أَمَرَهُ بِذَبْحِ شَاةٍ أُخْرَى فَقَالَ لَهُ: أَلْقِ أَخْبَثَهَا بَضْعَتَيْنِ، فَأَلْقَى اللِّسَانَ وَالْقَلْبَ. فَقَالَ: أَمَرْتُكَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِأَطْيَبِهَا بَضْعَتَيْنِ فَأَتَيْتَنِي بِاللِّسَانِ وَالْقَلْبِ، وَأَمَرْتُكَ أَنْ تُلْقِيَ بِأَخْبَثِهَا بَضْعَتَيْنِ فَأَلْقَيْتَ اللِّسَانَ وَالْقَلْبَ؟ فَقَالَ: لَيْسَ شَيْءٌ أَطْيَبَ مِنْهُمَا إِذَا طَابَا، وَلَا أَخْبَثَ مِنْهُمَا إِذَا خَبُثَا".
وهذا تقدم في سورة لقمان.
قد يستشكل بعض طلاب العلم ما حدث في حجة النبي -عليه الصلاة والسلام- من قوله لعائشة -رضي الله عنها- حينما حاضت: » إن هذا شيء كتبه الله على بنات آدم « يطيب قلبها وخاطرها، ويسكن روعها، ولما حاضت صفية قال: »عقرى حلقى، أحابستنا هي؟«، فيظن أن هذا فيه شيئًا من الميل الظاهر، يعني فيما يُملك، لكن مردّ ذلك أن حيض عائشة لا أثر له في حبسهم، مثل هذا لا يثير، إذا كان الشيء لا أثر له، إذا كانت تطهر قبل رجوعهم فهذا أمر سهل، لكن إذا كان يترتب على ذلك حبس النبي -عليه الصلاة والسلام-، حاضت يوم العيد، وعلى هذا يلزم عليه تأخُّر النبي -عليه الصلاة والسلام- أسبوعًا، وتأخر معه أصحابه، وهذا لا شك أنه مؤثر، وهذا يليق بقوله: أحابستنا هي؟ عقرى حلقى، مع أن مثل هذا الدعاء لا يراد به حقيقته، كما قرر ذلك أهل العلم، فالعرب يطلقون ذلك ولا يريدون به الدعاء.
فعلى هذا ما قاله لصفية مناسب لظرفها، وأنه يلزم منه حبس النبي -عليه الصلاة والسلام- والصحابة، وأما حيض عائشة فباعتباره لا يلزم منه الحبس فالأثر فيه أخف وأقل، فإنما هي مصيبة عليها لا عليهم فتحتاج إلى من يطيب خاطرها، بينما مصيبة صفية على الجميع فتحتاج إلى مثل هذا الكلام، وإن كان لا يُراد حقيقته.
وهذا هو السبب في اختلاف الأسلوبين منه -عليه الصلاة والسلام- بالنسبة لعائشة، وإلى صفية.
صلى الله عليه وسلم.