شرح الموطأ - كتاب الحج (05)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للسامعين يا ذا الجلال والإكرام.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: العمل في الإهلال:
حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن تلبية رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك)).
قال: وكان عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- يزيد فيها: لبيك وسعديك والخير بيديك، لبيك والرغباء إليك والعمل.
طالب:........
لبيك لبيك.
طالب:........
لحظة لحظة، هكذا تقال: لبيك لبيك، لبيك وسعديك، نعم.
أحسن الله إليك.
وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي بمسجد ذي الحليفة ركعتين، فإذا استوت به راحلته أهل.
وحدثني عن مالك عن موسى بن عقبة عن سالم بن عبد الله أنه سمع أباه -رضي الله عنه- يقول: بيداؤكم هذه التي تكذبون على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيها ما أهل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا من عند المسجد، يعني مسجد ذي الحليفة.
وحدثني عن مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن عبيد بن جريج أنه قال لعبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: يا أبا عبد الرحمن رأيتك تصنع أربعًا لم أرَ أحدًا من أصحابك يصنعها، قال: وما هن يا ابن جريج؟ قال: رأيتك لا تمس من الأركان إلا اليمانيين، ورأيتك تلبس النعال السبتية، ورأيتك تصبغ بالصفرة، ورأيتك إذا كنت بمكة أهل الناس إذا رأوا الهلال ولم تهلل أنت حتى يكون يوم التروية، فقال عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: أما الأركان فإني لم أرَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمس منها إلا الركنين اليمانيين، وأما النعال السبتية فإني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يلبس النعال التي ليس فيها شعر ويتوضأ فيها، فأنا أحب أن ألبسها، وأما الصفرة فإني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصبغ بها فأنا أحب أن أصبغ بها، وأما الإهلال فإني لم أرَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يهل حتى تنبعث به راحلته".
وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يصلي في مسجد ذي الحليفة ثم يخرج فيركب، فإذا استوت به راحلته أحرم.
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عبد الملكِ بن مروان أَهلّ من عند مسجد ذي الحليفة حين استوت به راحلته، وأن أبان بن عثمان أشار عليه بذلك.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: العمل في الإهلال" يعني كيف يعمل من أراد النسك إذا أراد الدخول فيه؟
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر" مالك عن نافع عن ابن عمر أصح الأسانيد عند الإمام البخاري "أن تلبية رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك))" وفي حديث جابر في صفة حج النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: "فأهل النبي -صلى الله عليه وسلم- بالتوحيد" ما المراد بالتوحيد؟ إفراد الله -جل وعلا- بالوحدانية ونفي الشريك عنه، وهنا يقول: ((لبيك اللهم لبيك، لا شريك لك)) نفي للشريك، وفي ضمنه إثبات للتفرد والوحدانية لله -جل وعلا-، لبيك لا شريك لك، بخلاف ما كان عليه المشركون من التلبية يقولون: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك إلا شريكًا هو لك، تملكه وما ملك، يثبتون الشرك -نسأل الله العافية-، وهذا هو الشرك الأكبر، النبي -عليه الصلاة والسلام- أهل بالتوحيد، والمشركون على النقيض يهلون بالشرك الأكبر، الذي لا يغفر، وقد يسمع من بعض المنتسبين إلى الإسلام من ينطق بالشرك الأكبر في هذه العبادة العظيمة، يا محمد، يا علي، يا حسين، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يهل بالتوحيد، وقد سمع من يقول: يا فلان، أو يا أبا فلان، جئنا بيتك وقصدنا حرمك، نرجو مغفرتك، سمع هذا، الشرك الأكبر، يعني إن لم يكن هذا هو الشرك فلا معنى للشرك.
النبي -عليه الصلاة والسلام- يهل بالتوحيد، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، والمشركون يستثنون من ذلك الشرك الأكبر إلا شريكًا هو لك، تملكه وما ملك.
وهذه لفظ إجابة، إجابة لك بعد إجابة، ويقولون: إنه مأخوذ من لب بالمكان إذا أقام به، يعني أنا مقيم على إجابة دعوتك، وأنا مقيم على طاعتك، إقامة بعد إقامة.
((إن الحمد والنعمة لك والملك)) (إن) بكسر الهمزة تأسيس واستئناف جملة جديدة، ويروى بفتحها: ((أن الملك)) ويكون هذا علة للجملة السابقة، لبينا وأجبنا؛ لأن الحمد والنعمة لك والملك؛ لأنك مستحق لهذا فتكون جملة تعليلية، والأكثر على الكسر.
((إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك)) لأنه كونه يؤتى بالجملة ابتداءً تكون مقصودة لذاتها أقوى من كونها مقصودة لغيرها، فإذا كسرنا الهمزة قلنا: إنها جملة مستقلة مستأنفة، وإذا قلنا: "إن الحمد والنعمة لك والملك" قلنا: هذا تعليل لما تقدم، فيكون المجيء بها لا لذاتها وإنما جعلت علة لغيرها، وهذه تلبية النبي -عليه الصلاة والسلام- ولزمها، ولم يزد عليها.
وكان الصحابة من حوله يزيدون على ما سمعوه منه -عليه الصلاة والسلام-، فكان عبد الله بن عمر يزيد فيها: "لبيك لبيك، لبيك وسعديك، والخير بيديك، لبيك والرغباء إليك والعمل" يزيد هذه التلبية، ومنهم من يزيد: "لبيك حقًّا حقًّا، تعبدًا ورقًّا"... إلى آخره، يزيدون والنبي -عليه الصلاة والسلام- يسمع، فلم ينكر عليهم، وهذه التلبيات التي جاءوا بها هذه اكتسبت الشرعية من تقريره -عليه الصلاة والسلام-، أقرهم عليها ولم ينكر عليهم، فاكتسبت الشرعية من هذه الحيثية من تقريره -عليه الصلاة والسلام-، وإقراره شرع كقوله وفعله، لكن فرق بين ما يختاره الله لنبيه -عليه الصلاة والسلام- ويلزمه، وبين اللفظ الذي لا محظور فيه، لكن لم يقله النبي -عليه الصلاة والسلام- وإن أقره.
طالب:........
هذا؟ في حديث جابر، صفة حج النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكانوا يزيدون، وذكر بعض الزيادات والنبي -عليه الصلاة والسلام- لم ينكر عليهم، في حديث جابر، نعم؟
طالب:........
هذا من أجل الذي وراءهم، ما له...، يعني وقوفهم ليست مناسبة في كثيرة من الأحيان؛ لأنهم عوام وأشباه عوام، ويهمهم أن يلقنوا من خلفهم "إن الصفا والمروة من شعا" يقف، سمعناهم مرارًا، يقول الذي وراءه: إن الصفا المروة من شعا، ثم يبدأ: "ائر الله" ويرددون وراءه، ومثل هذا كثير، وتسمع في المطاف والمسعى الشيء العجيب.
طالب:........
هذه زينة، في دعاء السفر: ((واطوِ عنا بعده)) كثير منهم يقول: "طوعنا بعده" زينه، هو تصحيف، لكنه دعوة طيبة.
طالب:........
نعم نراهم ما عندهم، بدون عقل يرددون، قد يوجد دعاء فيه اعتداء، سمعت عجوز في المطاف تقول: "ربِ هب لي ملكًا لا ينبغي لأحد من بعدي" ورجل يقول: إني نذرت لك ما في بطني محررًا، إيه يوجد، يوجد من العوام شيء من الغرائب، توجد الغرائب.
طالب:........
مثل سليمان، يعني على أنه لفظ مطلق، لا يتعبد بلفظه، أما الأدعية فالإطلاق فيها ظاهر، أما الأذكار لا سيما الأذكار المقيدة بمكان أو زمان لا بد فيها من التوقيف؛ ولذلك لما قال البراء في حديث النوم: "ورسولك الذي أرسلت" قال: لا، نبيك الذي أرسلت.
طالب:.......
والله التوسع فيه ما هو بمُرضٍ، ويقتصر على المرفوع؛ لأن المرفوع مضمون شرعيته، وأنه ليس فيه مخالفة، نعم؟
طالب:........
لا، هو إذا أتي به على أساس أنه ذكر لا يزاد فيه، وباعتبار أنه في هذا الذكر الذي انتهى عند هذا الحد، نعم، واستصحبنا حديث: ((البخيل من ذكرت عنده فلم يصلِ علي)) اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك، فإذا فصلت لا بأس، لا تلحقه به، افصل.
طالب:........
هو إذا أنت، إذا أتيت بالذكر المشروع، وأتممته لك أن تقول من عندك ما ترى شرعيته مما وردت به نصوص أخرى على ألا تقرنه به، يعني لا تتعبد به بين جمله، افصل.
يقول: "وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي في مسجد ذي الحليفة ركعتين، فإذا استوت به راحلته أَهَلّ" كان يصلي في مسجد ذي الحليفة ركعتين، النبي -عليه الصلاة والسلام- أحرم من ذي الحليفة كم مرة؟ وجاء للنسك من المدينة في الحديبية، والقضاء وحجة الوداع، جاء ثلاث مرات، فإن ثبت أنه صلى في المرات الثلاث صح أن يقال: كان يصلي بذي الحليفة ركعتين؛ لأن (كان) الأصل فيها الاستمرار، وكونه صلى ركعتين في حجة الوادع هذا لا يختلف فيه أحد، هذا ثابت بالنصوص المتضافرة، وهاتان الركعتان صلاهما النبي -عليه الصلاة والسلام- فريضة؛ لأنه صلى الظهر بالمدينة أربعًا، ثم صلى العصر بذي الحليفة ركعتين، ثم صلى المغرب والعشاء ركعتين، والفجر ركعتين، ثم صلى الظهر ركعتين ثم أَهَلّ، فصلاته هذه فريضة، لكن صح الحديث بالأمر بالصلاة: ((صلِّ في هذا الوادي المبارك وقل: عمرة وحجة))؛ ولذا يختلف أهل العلم في ركعتي الإحرام هل يقال: للإحرام ركعتان؟ يعني إذا لم يكن وقت فريضة نصلي ركعتين ركعتي الإحرام، إذا كان وقت فريضة لا إشكال، نصلي الفريضة ونهل بعدها، وإذا لم يكن وقت فريضة نصلي ركعتين للإحرام ونهل بعدهما؛ لأنه يقول: كان يصلي في مسجد ذي الحليفة ركعتين، وجاء الأمر بهما ((صلِّ في هذا الوادي المبارك)) والذي حصل منه في حجة الوداع أنه أحرم بعد صلاة الظهر ركعتين.
فالذي يقول: إن الإحرام ليس له صلاة، وإنما وقع بعد الفريضة فلا تشرع الصلاة للإحرام، أما من صلى فريضة أو ركعتين تحية المسجد مثلًا، أو الضحى أو الوتر، أو صلى للوضوء وغير ذلك من الصلوات، هذه ليست للإحرام، لكن إذا قلنا: تصلي ركعتين للوضوء وأنت ليس من عادتك أنك تصلي ركعتي الوضوء؛ لأن بعض الناس يريد أن يوفق بين قول جماهير أهل العلم حتى أن النووي قال: إن صلاة ركعتين للإحرام هو قول العلماء كافة إلا ما يذكر عن الحسن البصري أنه ليس للإحرام صلاة، ثم جاء شيخ الإسلام ونصر هذا القول، ثم جاء من يقول بقوله ونصروا هذا القول، وصار كأن الذي يصلي ركعتين للإحرام كأنه مرتكب كبيرة ينكر عليه أشد الإنكار، وهو قول العلماء كافة، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- يصلي بذي الحليفة ركعتين، نعم جاء من النصوص ما يدل على أن هذا الأسلوب جاء فيما لم يفعل إلا مرة واحدة، يعني ما ثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- فعله إلا مرة واحدة، لكن الأصل فيها التكرار، وجاء الأمر بها وهو قول عامة أهل العلم، فإنكاره ليس بوجيه، والناس إذا قال شيئًا...، قبل أن يعرف شيخ الإسلام، وقبل أن يشهر شيخ الإسلام، ويتبناه من هو محل ثقة من قبل الجميع، الناس مشوا على هذا، لكن لما عرف رأي شيخ الإسلام
إذا قالت حذام فصدقوها |
| فإن القول ما قالت حذام |
خلاص قال شيخ الإسلام يعني غيره ما لهم عبرة، شيخ الإسلام إمام من أئمة المسلمين، إمام لا يشك في إمامته، وتبرأ الذمة بتقليده، لكن ليس هو كل الأئمة، أو أنه هو المعصوم دون غيره، لا، الغالب أن الإصابة معه، لكن ليس معنى هذا أنه معصوم، فمن صلى ركعتين للإحرام لا يلام، ولا ينكر عليه.
طالب:........
أنا بالنسبة لي قول عامة أهل العلم مرجح عندي، نعم؟
طالب:........
بوصفه لأنه مبارك، بوصفه لكونه مباركًا، نعم، وغيره ليس بمبارك فلا يستحق الركعتين، أهل العلم قاطبة فهموا أن هاتين الركعتين للإحرام.
طالب:........
أين؟ يعني لو صلى واحدة، صلى واحدة أكثر من ثنتين سهل، بحثوا هذا في حديث تحية المسجد ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) هل المقصود الصلاة أو أن العدد مقصود بمعنى أن هذا الأمر لا يتأدى إلا بركعتين فأكثر، فلو دخل شخص المسجد بعد صلاة العشاء، وقال: أنا أريد أن أوتر بركعة واحدة وتكفيني عن تحية المسجد، الأكثر على أنها لا تكفيه، بل لا بد من ركعتين، أما إذا صلى ثلاثًا صح أنه صلى ركعتين فأكثر، وغيره؟
طالب:........
هذا كلامه؛ لأنه جاء في وصف أنه واد مبارك ((صلِّ في هذا الوادي المبارك)) لكن هل مفهومه أنك لا تصلي في غيره أو لا مفهوم له؟ عامة أهل العلم لم يفهموا هذا.
"يصلي في مسجد ذي الحليفة ركعتين، فإذا استوت به راحلته أَهَلّ" يعني لبّى بالنسك، إذا استوت به راحلته.
يقول: "وحدثني عن مالك عن موسى بن عقبة عن سالم بن عبد الله أنه سمع أباه يقول: بيداؤكم هذه التي تكذبون على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيها" لأنه وجد من يقول: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- أَهَلّ بالبيداء، فلما علا على البيداء أَهَلّ، فأنكر ابن عمر هذا الكلام، وأثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما أهل إلا من عند المسجد، يعني مسجد ذي الحليفة، ففي الخبر الأول حينما استوت به راحلته، في الخبر الثاني من عند المسجد، وأيضًا ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه على ظهر البيداء أَهَلّ، وثبت عنه أنه أهل بعد الركعتين، كله ثابت عنه -عليه الصلاة والسلام-، وجواب هذا في حديث ابن عباس في المسند وسنن أبي داود، جواب هذا الإشكال، حديث ابن عباس يقول: النبي -عليه الصلاة والسلام- أهل لما صلى الركعتين في المسجد فسمعه أناس فنقلوه، ثم لما خرج من المسجد من عند الشجرة أهل فسمعه أناس لم يسمعوا إهلاله الأول فذكروه، فلما علا على دابته -استوى على دابته- أهل، فسمعه ناس لم يسمعوه قبل ذلك فنقلوا، ثم لما علا على ظهر البيداء أَهَلّ فسمعه أناس لم يسمعوا ما قبله فنقلوه، وهذا فيه جمع بين هذه الروايات الثابتة المختلفة، فيجمع على أنه أهل في جميع هذه المواضع، وكل منهم سمع ما لم يسمعه الآخر فنقله.
"بيداؤكم هذه التي تكذبون على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيها، ما أهل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا من عند المسجد، يعني مسجد ذي الحليفة".
فكل يذكر ما سمع، وكونه لم يسمع ليس بحجة على من سمع، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ.
يقول: "وحدثني عن مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن عبيد بن جريج أنه قال لعبد الله بن عمر: يا أبا عبد الرحمن" كنية عبد الله بن عمر، وهي كنية ابن مسعود "يا أبا عبد الرحمن رأيتك تصنع أربعًا لم أرَ أحدًا من أصحابك يصنعها" ابن عمر لا يفرط بشيء رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- يفعله، ولا كلام سمعه من النبي -عليه الصلاة والسلام- بل يحرص عليه ليقتدي به، ونوزع في بعضه مما فعله النبي -عليه الصلاة والسلام- لا على جهة التعبد، نوزع.
"رأيتك تصنع أربعًا -من الخصال- لم أرَ أحدًا من أصحابك يصنعها، قال: وما هن يا ابن جريج؟ قال: رأيتك لا تمس من الأركان إلا اليمانيين" بتخفيف الياء، وهي ياء النسب، وياء النسب كياء الكرسي مشددة، لكن عوض عن إحدى الياءين الألف الأصل اليمنيين، فلما أتي بالألف اليمانيين صارت وحلت محل إحدى الياءين فخففت، وإلا فالأصل أن ياء النسب مشددة.
ياء كيا الكرسي زيدت للنسب ج |
| .............................. |
تقول: هذا تيمي وهذه تيمية بالتشديد، هذا الأصل في ياء النسب، لكن إذا عوض عنها إذا قلت: تيماوية، يمانية ما يخالف، أما الأصل أن الياء ياء النسب مشددة.
"ورأيتك تلبس النعال السبتية" وهي التي ليس فيها شعر، كما فسرت في الحديث، والسبت والتسبيت الحلق، وجاء في سيماء الخارج سيماهم ماذا؟
طالب:........
نعم هو حلق الشعر، هذه النعال ليس فيها شعر، وكان النبي....
نعم؟
طالب:........
يُنهى عن لبس السبتيتين؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يلبس النعال التي ليس فيها شعر.
طالب:........
نعم لمروره بين القبور بالنعال، سواءً كان سبتيتين أو غير سبتيتين، النهي للمرور بين القبور بالنعال، هذا هو السبب.
"ورأيتك تلبس النعال السبتية، ورأيتك تصبغ" ثم جاء الجواب عن ذلك على ما سيأتي "ورأيتك تصبغ بالصفرة -تصبغ الشيب بالصفرة- ورأيتك إذا كنت بمكة أهلَّ الناس إذا رأوا الهلال" لأن الإهلال، الاستهلال، كله مأخوذ من رؤية الهلال، فالناس استصحبوا هذا، وجعلوا الإهلال بالحج عند رؤية هلاله، فرأوا أنهما متلازمان "ولم تهلل أنت حتى يكون يوم التروية" الذي هو اليوم الثامن من ذي الحجة، سمي بذلك لأنهم يتروون ويتزودون فيه من الماء؛ لأن منىً فيها ماء في ذلك الوقت، في الثامن يهلون بالحج، ثم يذهبون إلى منىً فيصلون بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم إذا طلعت الشمس يدفعون إلى عرفة، والمبيت بمنى يوم التروية ليلة عرفة والإقامة بها إلى صلاة الفجر هذه كلها سنن، لا شيء على من تركها.
"ولم تهلل أنت حتى يكون يوم التروية، فقال عبد الله بن عمر: أما الأركان" يعني لا يمس من الأركان إلا الركنيين اليمانيين الذين في جهة الجنوب، وأما الذين في جهة الشمال فلا يمسهما ولا يستلمان، يقول: "أما الأركان فإني لم أرَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح إلا اليمانيين" وذلك أن الركنين اليمانيين باقيان على قواعد إبراهيم، والركن الذي فيه الحجر فيه خصلتان: كونه على قواعد إبراهيم، وكونه فيه الحجر الأسود؛ ولذا اختص بأحكام أكثر من أحكام الركن الثاني الذي قبله، نعم هو باقٍ على قواعد إبراهيم؛ ولذا يستلم، لكن لا يمس، لا يشار إليه ويستلم، لكن لا يشار إليه مثل الركن الذي فيه الحجر، وأما الركنان الشاميان فلا يستلمان؛ لأنهما ليس على قواعد إبراهيم، وذلكم أن قريشًا قصرت بهم النفقة فأخرجوا جزءًا من الكعبة الذي فيه الحجر، هذا من الكعبة، فلما قصرت بهم النفقة قصروا دون قواعد إبراهيم في هذا الموضع، ومن الصحابة من يستلم جميع الأركان، ويرى أنه ليس في البيت شيء مهجور، لكن العبرة بما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، فإني لم أرَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمس إلا اليمانيين، نعم، المقصود أنه ما ثبتت الإشارة إليه بخلاف الحجر الأسود.
طالب:........
ولا استطاع يستلم الحجر الأسود، استطاع أن يستلم هذا ولم يستطع أن يستلم هذا؟
طالب:........
والله عندهم ما دام ثبتت الإشارة إلى الركن الذي فيه الحجر ولم تثبت الإشارة إلى الآخر يكتفى بما فعله النبي -عليه الصلاة والسلام-، إن تيسر له استلامه وإلا فلا.
طالب:........
لا، أكثر المذاهب على أنه حكم واحد، حتى عند الحنابلة يشير ويكبر، نعم، لكن ما ثبت فيه شيء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فلنقف على هذا، نعم؟
طالب:........
مقتضى هذا نعم، وقد فعله ابن الزبير، نقض الكعبة فبنى البيت على قواعد إبراهيم، وأدخل الحجر، ثم لما تهدمت على يد الحجاج ومن معه، لما رميت بالمنجنيق أعيدت على ما كانت عليه في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، أعيدت ثم بقيت فلما تولى المنصور قال للإمام مالك -رحمه الله-: ألا نعيدها على قواعد إبراهيم؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((لولا أن قومكِ حديث عهد بجاهلية)) لصنعت وصنعت وصنعت، لماذا لا يحقق هذا الأمر، لماذا لا تحقق هذه الأمنية؟ حققها ابن الزبير، ثم أعيدت على ما كان عليه في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم استشير مالك، فقال: لا؛ لئلا تكون ملعبة للملوك؛ لأن خدمة هذا البيت شرف، ويتسابق الناس لخدمته بما فيهم الملوك، كل يريد أن يقدم خدمة لهذا البيت فيصير ملعبة، هذا يفتل وهذا ينقض، وبهذا تذهب هيبته من القلوب، من نفوس الناس إذا كان عرضة لأن يتعرض لمثل هذه الأمور يوم يهدم ويوم يبنى، لا شك أنه تذهب هيبته من القلوب.
"فإني لم أرَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمس إلا اليمانيين، وأما النعال السبتية فإني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يلبس النعال التي ليس فيها شعر" النبي -عليه الصلاة والسلام- يلبس النعال السبتية التي ليس فيها شعر، ويتوضأ فيها، كيف يتوضأ فيها؟ لسعتها بحيث يصل الماء إلى جميع المفروض، ويتردد فيه، ولا تتأثر هذه النعال، يمكن غسل الرجل وهي داخل النعال، يمكن وإلا ما يمكن؟ يمكن، إذا كان النعل واسعة ولا تغطي المفروض، فكان يتوضأ فيها "فأنا أحب أن ألبسها" اقتداءً بالنبي -عليه الصلاة والسلام- "فأنا أحب أن ألبسها، وأما الصفرة فإني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصبغ بها" تغيير الشيب أقل أحواله الاستحباب إن لم يصل إلى حد الوجوب، فقد جاء الأمر به: ((غيروه)) لما رأى رأس أبي قحافة أبيض كالثغامة قال: ((غيّروه)) أمر بتغييره، قال: ((وجنبوه السواد)) فيغير بأي لون سوى السواد، سواءً كان بالصفرة أو بالحمرة، بالحناء الصرف كما كان يفعل عمر -رضي الله عنه- أو بالحناء مع الكتم كما كان يفعل أبو بكر -رضي الله عنه-.
"وأما الصفرة فإني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصبغ بها" وجاء في شعره -عليه الصلاة والسلام- إثبات الشيب ونفيه، جاء عن أنس أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يشب، وجاء إثبات الشيب، وللجمع والتوفيق بين هذه النصوص المثبتة والنافية أن شيبه كان يسيرًا جدًّا، بضع عشرة شعرة، هذه من بُعد لا ترى، فمن يراه من بعيد قال: لم يشب، ومن حدد النظر قال: شاب، وهل صبغ أو لم يصبغ؟ محل خلاف بين أهل العلم، ومنهم من يقول: إن الحمرة التي في شعره -عليه الصلاة والسلام- كانت من الطيب لا من الصبغ، وليس في شعره ما يحتاج إلى الصبغ؛ لأنه وإن وجد الشيب إلا أنه يسير جدًّا، نعم؟
طالب:........
كله يغير، ما يبدو يغير، وما طلب إزالته يزال.
طالب:........
السواد محرم بلا شك، السواد محرم، وهو من أصل الخبر، وليس بمدرج ((وجنبوه السواد)) نعم؟
طالب:........
ضعيف، ضعيف.
الجمهور يطلقون الكراهة؛ لأنه يتسبب إلى أن توطأ....، وإن كانت من رواء حائل، نعم، تهان جثث المسلمين، وإن كان هناك حائل، لكن لو قال: أنا لن أطأ على جثة مسلم، متى يتسنى له ذلك؟ إذا مشى بين القبور أو على القبور أنفسها؟ يعني إذا مشى على القبور ما وطئ الجنازة.
طالب:........
لا، هو الدفن نفترض لحدًا، يعني إذا مشى بين القبور نقول: إنه وطئ على الجثث.
طالب:.......
يعني يسير.
طالب:.......
لكن الميت كله يدخل.
طالب:........
نصفه نعم، على كل حال، كل هذا مما يتقى؛ لأن فيه إهانة، إهانة للأموات، وحرمة المسلم ميتًا كحرمته حيًّا، لو تبغي تتخطى لك إنسانًا مادًّا رجليه وعليك نعالك ما رضي، ما يرضى بهذا، فيه إهانة له، وكذلك الميت، ومن هذه الحيثية جاء النهي، بين القبور بحيث يترك قبور على يمينه وقبور على يساره، لا بأس يمشي.
طالب:........
حافيًا نعم.
طالب:........
لا، ما يجوز أن يطأ القبر، ما يجوز، لا يجوز ذلك، لكن قد يحتاج إلى اللبس بأن يكون حرًّا شديدًا أو شوكًا أو ما أشبه ذلك، والحكم عند الجمهور الكراهة، والكراهة تزول بالحاجة.
وأما الصفرة فإني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصبغ بها، فأنا أحب أن أصبغ بها، وأما الإهلال فإني لم أرَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يهل حتى تنبعث به راحلته".
السؤال نعم، السؤال: "ورأيتك إذا كنت بمكة أهل الناس إذا رأوا الهلال ولم تهلل أنت حتى يكون يوم التروية" والجواب: "فإني لم أرَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يهل حتى تنبعث به راحلته" يعني هل من كان بمكة تنبعث به راحلته إلى الحج من أول الشهر أو من يوم التروية؟ من يوم التروية، تنبعث به راحلته من مكة إلى منىً التي هي أول المشاعر، فما يهل بالحج ويبقى بمكة، إنما يهل بالحج حين تنبعث به راحلته إلى أول المشاعر وهو منى.
طالب:........
قارن وما زال محرمًا، لكن هو قاس الإهلال بالحج لمن أراد أن ينشئ الحج من جديد بعد العمرة كالمتمتع مثلًا، قاسه على الإهلال بالعمرة، ما دام انبعثت به راحلته إلى أداء النسك نعم حينما تنبعث به راحلته من المحرم، هذا بالنسبة لمن مر على محرم، سواءً كان في حج أو عمرة، من المحرم، لكن إذا كان مقيمًا بمكة فحينما تنبعث به راحلته إلى أول المشاعر.
طالب:........
لا، حينما انبعثت به راحلته في المحرم، كما دلت على ذلك الأحاديث السابقة، لكن هو يرى أن انبعاث الراحلة إنما هو للنسك، والمقيم بمكة يقيم أسبوعًا قبل ذلك هذا ما انبعثت به راحلته.
يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يصلي في مسجد ذي الحليفة، ثم يخرج فيركب" يصلي في مسجد ذي الحليفة، كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى بذي الحليفة، ثم يخرج فيركب، يخرج من المسجد فيركب، "فإذا استوت به راحلته أحرم" وعرفنا ما في هذا تفصيلًا من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-.
"وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عبد الملك بن مروان أهَلَّ من عند مسجد ذي الحليفة" موافق لما قبله "حينما استوت به راحلته" الحديث الأول: فإذا استوت به راحلته أهل، وفي الثالث يقول: وأما الإهلال فإني لم أرَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يهل حتى تنبعث به راحلته، وهنا يقول: أن عبد الملك بن مروان أهل من عند مسجد ذي الحليفة حين استوت به راحلته، "وأن أبان بن عثمان أشار عليه بذلك" أبان بن عثمان بن عفان من الفقهاء، وأن أبان بن عثمان مصروف وإلا غير مصروف؟ عندنا؟
طالب:........
....... الآن الذي عندنا مصروف وإلا غير مصروف؟
طالب:........
هو منصوب على كل حال، ما هو بمجرور، نعم، يبين عليه أنه غير مصروف.
طالب:...
لا، ما هو بأعجمي، ما هي العلة العجمة، عثمان ممنوع من الصرف لزيادة الألف والنون، وأبان؟
طالب:........
ما فيه عجمة من الإبانة أو من الإباء، نعم؟
طالب:........
نعم، أبان على وزن أفعل، من الإبانة، نعم يعني ممنوع للعلمية ووزن الفعل، صح مثل يزيد.
الآن المقصود عندنا هنا، هل يختلف وضعه عن كونه مصروفًا أو غير مصروف؟ النصب واحد للمصروف وغير المصروف، نعم، الاختلاف في المجرور.
الآن من خلال هذا السياق نعرف أنه مصروف وإلا غير مصروف؟ ما معنى الصرف؟ التنوين، الصرف هو التنوين، وهنا منون وإلا غير منون؟ لأنه مصروف وإلا ممنوع؟ نعم؟ هو مصروف، أبان مصروف في قول الأكثر، وابن مالك صاحب الألفية يرى أنه ممنوع من الصرف، والسبب في ذلك الاختلاف، مثل حسان هل هو من الحس أو من الحسن؟ وهنا هل هو من الإباء أو من الإبانة؟ وكل على مذهبه، ويقولون في هذا: "من منع أبان فهو أتان" هنا ما يبين الفرق بين المصروف وعدمه في حال النصب إلا بترك التنوين، وهل ترك التنوين في مثل هذا قطعي في كونه غير مصروف؟ يعني هل يلزم أن نقول: وأن أبانًا ابن عثمان؟ يلزم وإلا ما يلزم؟
طالب:........
لا، ما هو مضاف، ما فيه إضافة، اجتهاد ذا وإلا؟ جريًا على القاعدة، تمشي على ما مشينا عليه، عن أنس بن مالك، أن أنسَ بن مالك، وأنس مصروف، أن محمدًا بن عبد الله، وإذا قلت: أن محمدًا رسول الله، تنون؟ الأصل التنوين، الأصل أنه منون، فتقول: أن أنسًا بن مالك، هذا الأصل، أن أبانًا بن عثمان، هذا هو الأصل، لكن لغة ربيعة حذف التنوين مطلقًا في مثل هذا السياق، نعم، حذف التنوين يسمونه اللغة الربيعية، هي لغة ربيعة، وهي أخف على اللسان، ولما كثر عند المحدثين مثل هذا الاستعمال تركوا التنوين تخفيفًا وإلا فالأصل أن يقال: وأن أبانًا بن عثمان، وأن أنسًا بن مالك... إلى آخره.
"أشار عليه بذلك" أشار عليه أن يهل إذا استوت به راحلته، استنادًا على الأحاديث السابقة، نعم.
طالب:........
عند المسجد؛ لأنه جاء الإحرام من بعد الصلاة، وجاء من عند المسجد، وجاء من عند الشجرة، وجاء أيضًا حينما استوت به دابته، نعم، وجاء عند ركوبه، وجاء أيضًا لما علا على ظهر البيداء، كل هذه جاءت وجوابها في حديث ابن عباس.
وهذا يقول لنا من بعد الصلاة، أنا خرجت من عند المسجد والدابة مربوطة عند المسجد وركبت وأهللت عندها، من عند المسجد لما علوت على الدابة في آن واحد، يسير جدًّا.
طالب:........
ما علينا منه، يثبت أو ما يثبت، العبرة بما تقدم، وهو موصول عند ابن عبد البر، نعم الخبر موصول.
على كل حال يهمنا نحن ما جاء عنه -عليه الصلاة والسلام- وفيه ما يكفي، نعم.
سم.
أحسن الله إليك.
باب: رفع الصوت بالإهلال:
حدثني يحيى عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عبد الملك بن أبي بكر بن الحارث بن هشام عن خلاد بن السائب الأنصاري عن أبيه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أو من معي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية أو بالإهلال)) يريد أحدهما.
وحدثني عن مالك أنه سمع أهل العلم يقولون: ليس على النساء رفع الصوت بالتلبية لتسمع المرأة نفسها.
قال مالك -رحمه الله-: لا يرفع المحرم صوته بالإهلال في مساجد الجماعات ليسمع نفسه ومن يليه إلا في المسجد الحرام ومسجد منى، فإنه يرفع صوته فيهما.
قال مالك -رحمه الله-: سمعت بعض أهل العلم يستحب التلبية دبر كل صلاة، وعلى كل شرف من الأرض.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: رفع الصوت بالإهلال" عرفنا فيما تقدم أن الإهلال رفع الصوت، الإهلال نفسه هو رفع الصوت، ثم استعمل في الإحرام الذي هو نية الدخول في النسك، فإذا استعمل بالإحرام ساغ التعبير بقوله: باب: رفع الصوت بالإهلال، وإلا فالأصل أن الإهلال رفع الصوت، فهل نقول: باب رفع الصوت برفع الصوت؟ نعم؟ نعم، فإذا لبى بما يريد من الأنساك ورفع صوته بذلك وتابع التلبية برفع الصوت ما صار فيه وهم في الفهم، بخلاف ما لو قلنا: باب رفع الصوت برفع الصوت كما هو الأصل؛ لأن الإهلال هو رفع الصوت، لكن لما استعمل الإهلال بالإحرام نفسه ساغ رفع الصوت بالإحرام، وبالإهلال الذي هو معنى الدخول في النسك والتلبية به.
ورفع الصوت جاء في هذا الحديث، وجاء أيضًا في الحديث: ((أفضل الحج العج والثج)) العج: رفع الصوت بالتلبية، والثج: إراقة دماء الهدي.
"حدثني يحيى عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عبد الملك بن أبي بكر بن الحارث بن هشام عن خلاد بن السائب الأنصاري عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أتاني جبريل))" يعني من قبل الله -جل وعلا-، ((فأمرني أن آمر أصحابي أو من معي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية)) ((أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي)) يعني الأمر بالأمر بالشيء هل هو أمر به أم لا؟ أو ليس بأمر به؟ ((مره فليراجعها)) أن يأمر ابنه أن يراجع ابنته ((مروا أولادكم بالصلاة لسبع)) هنا ((أمرني أن آمر أصحابي)) هل للنبي -عليه الصلاة والسلام- أن يلبي سرًّا؟ لأنه مأمور أن يأمر وأمر، عليه أن يجهر مثلهم؟ أو نقول: هو مأمور بالأمر وخلاص وأمر وانتهى، وامتثل الأمر، فلا يرفع صوته بالتلبية؟
طالب:.........
نعم، لكن مثل هذا الأمر هل يتناول النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ يعني هل مطلوب من النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يرفع صوته بالتلبية من خلال هذا النص الذي معنا؛ لأنها قاعدة عند أهل العلم، وهي مسألة خلافية، ومنشأ الخلاف أن من الأوامر المأمور بالأمر بها لا يمكن أن يتجه إلى المأمور، ومن الأوامر المأمور بالأمر بها يمكن اتجاهه إلى المأمور كغيره، صح وإلا لا؟
طالب:.........
دعنا من الآمر، الآن أمرنا أن نأمر أولادنا بالصلاة لسبع، فهل هذا الأمر يتجه إلينا أو يتجه إلينا أن نأمر أولادنا بهذا الأمر؟ بمعنى أن المأمور هل هو داخل في ضمن هذا الأمر؟
المسألة خلافية والسبب فيه ما سمعتم، أن من المأمورات ما يصلح أن يوجه للجميع ((مره فليراجعها)) عمر ما علاقته بالمرأة؟ يصلح وإلا ما يصلح؟ ما يصلح، إذًا الأمر بمثل هذا الأمر لا يتجه إلى المأمور، نعم، لكن مثل الذي أمر ((فأمرني أن آمر أصحابي)) يتجه إليه؛ لأن الأمر يصح أن يواجه به -عليه الصلاة والسلام-، يعني لو قال زيد من الناس لولده الأكبر: قل لمحمد يشتري خبزًا، هل يتجه الأمر إلى الجميع كلهم يذهبون يشترون خبزًا وإلا الأمر متجه إلى الأصغر في هذه الصورة؟ أو قل لزيد: لا يدخن، الكبير هذا المأمور بتبليغ هذا الأمر ما يدخن، قال: قل لأخيك زيد: لا يدخن، هذا ما يصلح أن يتجه إليه الأمر، فليس بمأمور به، إنما مأمور بتبليغ الأمر لمن يصح منه، وقل مثل هذا في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((مره فليراجعها)) أما إذا صح اتجاه الأمر إلى جميع الأطراف بأن كان التكليف به على الجميع على حد سواء ما يقال: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر أصحابه ولم يلبي، أمر أن يأمر أصحابه برفع الصوت بالتلبية وهو يلبي سرًّا، ما يمكن أن يقال مثل هذا، وقد ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يرفع صوته بها، بل كانوا يصرخون بها، ((أن آمر أصحابي أو من معي)) شك من الراوي ((أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية)) أو ماذا؟ ((أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية أو بالإهلال)) أيضًا شك من الراوي هل قال هذا أو هذا، يريد أحدهما.
يقول: "وحدثني عن مالك أنه سمع أهل العلم يقولون: ليس على النساء رفع الصوت بالتلبية لتسمع المرأة نفسها" المرأة لا يطلب منها رفع الصوت؛ ولذا لم تكلف بأذان؛ لأنه يتطلب رفع الصوت، فالمرأة ليس عليها رفع الصوت، وبهذا وبأمثاله من النصوص من يحتج على أن صوت المرأة عورة، لا يجوز أن يسمعه الرجال، ومنهم من يقول: هو ليس بعورة، وإنما المحظور الخضوع بالقول {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ} [(53) سورة الأحزاب] يعني تسمعون كلامهن {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [(32) سورة الأحزاب] فالمحظور الخضوع بالقول لا أصل الصوت، وينبغي أن يكون صوت المرأة وسماعه بقدر الحاجة، إذا احتاجت إلى ذلك يسمع صوتها واحتيج إليها، أما ما عدا ذلك فيبقى أن الأصل المرأة تقر في بيتها، ولا تخالط الرجال، ولا تكلم الرجال؛ لأنها مثار فتنة، نعم؟
طالب:........
هو لا بد من الاستدلال على كل قول، فالذي يقول: إن صوتها عورة، صوتها عورة يحرم أن يسمع صوتها، ويستدل على ذلك بأنها ليس في حقها أذان، ولا...، ليس عليها رفع صوت في التلبية، إنما تسمع المرأة نفسها، ووضع بالنسبة للمرأة من التشريع والاحتياط في حقها ما لم يوضع لغيرها، فدل على أن حكمها يختلف عن حكم الرجال، ويبقى أن مثل قوله -جل وعلا-: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ} [(53) سورة الأحزاب] يعني مثل هذا يمكن أن يتم بغير صوت؟ نعم؟
طالب:........
ما يمكن، إذا سألتموهن متاعًا، أعطينا كذا، فتدفعه إليه من غير صوت، يتم وإلا ما يتم بالمعاطاة؟
طالب:........
على كل حال هذا مما يستدل به على أن صوتها ليس بعورة.
{فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} [(32) سورة الأحزاب] دل على أن أصل القول لا بأس به، وإنما الممنوع الخضوع فيه، وعلى كل حال مثل هذا لا سيما مع وجود من في قلبه مرض وما أكثرهم -لا كثرهم الله- كثيرون جدًّا ممن يتربصون بالنساء الدوائر، وفي قلوبهم من أمراض الشهوات والشبهات ما يجعلهم يكثرون الطرق على هذا الباب، دعونا من عالم مخلص ناصح يبحث المسألة من أدلتها ليتوصل إلى الحق هذا مجتهد، إن أصاب له أجران، وإن أخطأ له أجر واحد، لكن من أراد أن يخرج المرأة من خدرها لمرض في قلبه، أو أراد أن يسمع صوتها، أو أراد أن تغشى أماكن الرجال لمرض في نفسه، ليخشى من قوله -عليه الصلاة والسلام- بعد أن أمر بالحجاب {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ} [(59) سورة الأحزاب] قال: {لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ} [(60) سورة الأحزاب] فإتباع هذه الآية بالآية الأولى ليس من طريق العبث، أما العالم المخلص الناصح التي توفرت عنده أدوات الاجتهاد ويجتهد في النصوص ويتوصل إلى رأي سواءً كان راجحًا أو مرجوحًا هذا لا يلام، مع أن على من يبحث مثل هذه المسائل أن يحذر أشد الحذر أن يؤخذ على غرة، ويحتاط لهذا الأمر؛ لأن أطراف متعددة تريد أن تبحث مثل هذه المسائل والذي عندها الله أعلم به، لكن الذي يغلب على الظن أنهم ليسوا بأهل أن يبحثوا مثل هذه المسائل؛ لأنه ولغ في مثل هذا أناس لا خلاق لهم، ولا مدخل لهم في مثل هذا، ولا مجال لهم في مثل هذه المسائل والبحوث، إنما هم لهم مآرب ولهم مقاصد، والله المطلع على السرائر.
يعني لماذا ما بحثوا غير هذه المسألة؟ يعني الذي يبحث في الصحف ووسائل الإعلام مسألة عورة المرأة، ووجه المرأة، وصوت المرأة هل يمكن أن يبحث شروط الصلاة وإلا أصناف من تصرف لهم الزكاة يبحث مثل هذه المسائل؟ ما يبحث مثل هذه المسائل، ولو طلب منه مثل هذا قال: أنا لست من أهل العلم، نعم، ثم إذا جاء الحجاب انبرى له وصار إمامًا يفتي ويعدل ويجرح ويصنع، فمثل هذا يتقون، ومثل هذه الظروف تبرز بعض من كان يختفي ويندس بين الناس، فالظروف الصعبة ينجم فيها النفاق، والله المستعان.
فليحذر من يبحث هذه المسائل لمرض في قلبه وشيء في نفسه، لا طلبًا للحق، أما من يطلب الحق هذا لا يلام، يعني قال بكشف الوجه أئمة ولا يلامون وهم مجتهدون ومأجورون على هذا، لكنهم يتفقون أنه في وقت الفتن أنه يجب ستر كل شيء، فنهتم لهذا الأمر، والله المستعان.
"لتسمع المرأة نفسها" يعني من غير صوت "قال مالك: لا يرفع المحرم صوته بالإهلال في مساجد الجماعات" يعني لئلا يشوش عليهم، "ليسمع نفسه ومن يليه إلا في المسجد الحرام ومسجد منى"؛ لأنه يكثر فيهما من يلبي فلا تشويش "فإنه يرفع صوته فيهما".
"قال مالك: سمعت بعض أهل العلم يستحبون التلبية دبر كل صلاة، وعلى كل شرف من الأرض" يعني إذا لم يباشروا أسباب التحلل فإنهم يلبون؛ ولذا قالوا في التكبير المقيد: إنه يبدأ من فجر يوم عرفة إلا الحاج، فإنه يبدأ من ظهر النحر، لماذا؟ لأنه قبل ذلك مشغول بالتلبية، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"الحج من دون ترخيص إن كانت الفريضة فلا يحتاج إلى ترخيص، وإذا لم يستطع المستطيع إليها إلا بالحيلة فليحتل على ذلك هذا بالنسبة لحج الفريضة، أما حج النافلة فالأمر فيه سعة، فإن تيسر له الحج من غير كذب ولا تحايل فجاء الندب إليه والمتابعة بين الحج والعمرة، وإن لم يستطع إلا بحيلة أو ارتكاب محظور أو ما أشبه ذلك فلا.
أما بالنسبة لأهل سواكن فنص أهل العلم أن جدة بالنسبة لهم محاذية للميقات، أما غيرهم من جهات السودان، والسودان بلد كبير مسافات كبيرة شاسعة تختلف أقاليمها، أهل سواكن نص العلماء على أن جدة محاذية لميقاتهم.
هؤلاء الأئمة يروون الأحاديث بالأسانيد وعصرهم عصر رواية، فمن سمع الإسناد في عصرهم عرف درجة الحديث، فتبرأ الذمة بمجرد ذكر الإسناد، هذا بالنسبة لعصور الرواية، كعصر الإمام مالك والشافعي وأحمد، هذه عصور الرواية، تبرأ الذمة بمجرد ذكر الإسناد، أما من بعدهم لا بد من التنصيص على درجة الحديث، لا بد أن يقال: هذا ضعيف، هذا صحيح، بعبارة يفهمها السامع، وفي العصور المتأخرة لا يكفي أن يقال: هذا صحيح وهذا ضعيف، بل لا بد من الإيضاح للسامع؛ لأن بعض السامعين وإن كانوا عربًا ينطقون بالعربية ويتكلمون بالعربية ويفهمون العربية، لكن فهمهم للمصطلحات العلمية ليس على وجهه.
هو ما مر من الميقات، وأيضًا هو لم يرد الحج في ذهابه إلى الساحل، لكن من رجوعه إلى الساحل إلى مكة مريدًا للحج.
وهو روى الحديث عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في المواقيت، وكذلك ذكر هذا الكلام في كتاب الإمام -أي الإمام الشافعي-، وكذلك ذكر المزني مختصرًا هذا الكلام.
لا يظن بابن عمر أنه يتجاوز الميقات ذي الحليفة من دون إحرام وهو يريد النسك، أقول: لعله تجاوزه إلى منزل له بالفرع، ثم تراءى له بعد ذلك أن يحج ويعتمر.
يحرم من ميقاته الذي مر به.
على كل حال هذه إذا لم يكن من عمل الكفار وليس فيه تشبه بالفساق فلبس ما يزيّن المرأة لا سيما في مثل هذه المواطن حفلات خاصة بالنساء، بحيث لا يوجد فيها رجال، فالتجمل من المرأة لا سيما لزوجها أو في المناسبات في الأعياد في الأفراح لا بأس به، أما إذا كان فيه تشبه بالكفار فلا.
إذا مر بالميقات عليه أن يحرم منه، فإن لم يحرم كما في السؤال ورجع إليه أجزأه وكفاه.
هي في سؤالها السابق تقول: إنها انتقلت من مدرسة إلى مدرسة، فوجدت في المدرسة الثانية موسيقى، فقلنا: الموسيقى محرمة عند أهل العلم تنتقل إلى مدرسة أخرى ليس فيها ذلك، لكن إذا لم يكن ثم مدرسة ولا دور للتعليم إلا بارتكاب هذا المحرم، فارتكاب مما يبتغى به ما عند الله جل وعلا وما عند الله لا ينال بسخطه، فتحرص على طيب مطعمها.
عرفنا أن النصوص بالعربية ﮋ ﮣ ﮤ ﮥ ﮊ الشعراء: ١٩٥ ، ولا شك أن معرفة العربية بجميع فروعها يعين على فهم الكتاب والسنة، لكن كثيرًا من نصوص الكتاب والسنة يفهمها العوام ويفهمها طلاب العلم من غير مراجعة، على أنه لا يمكن التقليل من شأن العربية حتى قائل القائل من المتقدمين: إنه أخذ ثلاثين سنة يفتي من كتاب سيبويه، فَهِم كتاب سيبويه وبواسطته فهم النصوص، ومع ذلك يؤخذ من علوم العربية ما يعين على فهم الكتاب والسنة، أما الإيغال في هذه العلوم والفنون التي هي وسائل وليست مقاصد هذا يعوق عن تحصيل العلوم الشرعية، يعني لو أن شخصا قال: أنا أدرس العربية فأبدأ بالآجرومية وجميع شروحها، واحتاج إلى سنة إذا قرأ جميع الشروح، ثم بعد ذلك القطر وشروحه شذور الذهب وشروحه، ألفية ابن مالك وجميع شروحها شرح الأشموني مع حاشية الصباني، يبغي له سنتين، ثم بعد ذلك مغني اللبيب وشروحه، ثم بعد ذلك المفصل وشروحه شرح المفصل لابن يعيش يحتاج إلى خمس سنين يفهمه ثم ينتهي العمر بهذه الطريقة، ثم عاد كتب المتقدمين يرجع إلى سيبويه والخصائص وغيرها، هذا يكفيه ما يقوم به لسانه في الخطابة ونحوها، وما يعرف به مواقع الكلمات من الإعراب للذي يترتب عليه فهم المعنى، ولو اقتصر على الآجرومية مع شرح من شروحها إما الكفراوي أو العشماوي أو الأزهري، والقطر مع واحد من شروحه، وشارك في الألفية في بعض المواطن التي يحتاج إليها مما لم يمر عليه يكفيه.
هذا ليس بصحيح، إنما أنا قلت: طفل الأنابيب أفتى به بعض أهل العلم مع الاحتياط الشديد لماء الرجل وماء المرأة وحفظهما، بحيث لا يختلطا في غيرهما، مع الاحتياط الشديد، أفتى به بعض الجهات، بعض المجامع أفتوا بهذا، وأنا أقول: على المسلم والمسلمة أن يرضيا بما كتب الله لهما، وألا يتصرفا أكثر من التصرف العادي الطبيعي، هذا الذي قلته، أما كونه يولد على الفطرة أو لا يولد على الفطرة ما تعرضت لهذا: «ما من مولود إلا ويولد على الفطرة».
عليه أن يعيد الطواف؛ لأن الطهارة شرط لصحة الطواف عند الجمهور.