شرح كتاب العلم لأبي خيثمة (4)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، نعم.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، قال: المصنف -رحمه الله تعالى-:
حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا جرير عن قابوس قال: قلت لأبي: كيف تأتي علقمة وتدع أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: يا بني إن أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- كانوا يسألونه".
في هذا الخبر يقول: "كيف تأتي علقمة، وتدع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم؟: علقمة من كبار التابعين وخيارهم وفقهائهم وعلمائهم، "وتدع أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم-": وعليهم المعول في الدين، ونقل العلم والفتوى.
"قال: يا بني إن أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- كانوا يسألونه": نعم، انقرض الجيل الأول من الصحابة -كبار الصحابة- وبقي أوساطهم وصغارهم، لا شك أنه يوجد في التابعين من هو أعلم من بعض الصحابة، وإن كان التفضيل الإجمالي للصحابة، والفضل المطلق للصحابة، لا يوجد من بعد الصحابة من هو أفضل من الصحابة، لكن قد يوجد من جمع من مسائل العلم وأحاط بها أكثر من بعض الصحابة ممن جاء بعدهم، ولا يعني هذا أنهم أفضل من الصحابة؛ لأن الصحبة لا يعادلها أي شرف؛ ولذا جاء في الحديث أن العامل المتمسك بالسنة في آخر الزمان له أجر خمسين من الصحابة، يعني بالنسبة للعمل أجر العمل أفضل من أجر خمسين؛ لأنه في عصر الصحابة يجد ما يعينه على هذا العمل، أما في آخر الزمان لا يجد من يعينه على العمل، فيؤجر وتضاعف له الأجور، لكن يبقى أن الصحبة شرف لا يناله أي شخص جاء بعدهم، بعد الصحابة.
"كيف تأتي علقمة وتدع أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: يا بني إن أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- كانوا يسألونه": وقد جاء من حديث أنس في آخر عمره، يقول: "سلوا الحسن فإنه قد حفظ ونسينا"، لا شك أن الإنسان إذا عمر وطالت به الحياة يدب إليه النسيان، فيوصي بأن يرجع إلى كبار تلاميذه، بل يرجع هو أحيانًا إليهم، والمسألة مسألة دين، ما هي بمسألة احتكار، لا، الدين يؤخذ ممن هو عنده والله المستعان، نعم.
حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا جرير عن عمارة بن القعقاع قال: قال لي إبراهيم: "حدثني عن أبي زرعة فإني سألته عن حديث ثم سألته عنه بعد سنتين فما أخرم منه حرفًا".
يقول: حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا جرير عن عمارة بن القعقاع قال: قال لي إبراهيم: "حدثني عن أبي زرعة: ابن عمرو، ابن جرير البجلي، يروي عن أبي هريرة، ويروي عنه عمارة بن القعقاع.
يقول: حدثني عن أبي زرعة، فإني سألته عن حديث: يعني أكثر لي من حديث أبي زرعة؛ لأني اختبرته فوجدته ضابطًا حافظًا متقنًا، ما يخل ولا بحرف، فكل ما عندك من حديث أبي زرعة هاته، أعطني إياه؛ ولذا يحرص طالب العلم على أحاديث الثقات المتقنين الحفاظ الضابطين.
يقول: حدثني عن أبي زرعة فإني سألته عن حديث ثم سألته عنه بعد سنتين فما أخرم منه حرفًا": يعني ما أسقط منه ولا حرف، دل على أنه حافظ متقن؛ لما يضبطه من أحاديث النبي -عليه الصلاة والسلام-، نعم.
حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي سفيان عن عبيد بن عمير قال: "من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين، ويلهمه رشده فيه".
نعم هذا الحديث، أو هذا الخبر موقوف على عبيد بن عمير، قال: "من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين": وهذا تقدم، وأنه في الصحيحين وغيره من حديث معاوية -رضي الله عنه-: ((من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين))، والمراد بذلك الفهم في جميع أبواب الدين، وعلى رأس ذلك الفقه الأكبر العقائد، وفقه العمل، فقه العبادات، فقه المعاملات إلى آخره، فقه القلوب، أعمال القلوب، والسلوك، أيضًا طالب العلم بأمس الحاجة إليه، فلا بد أن يتفقه طالب العلم بجميع أبواب الدين؛ ليكون ممن أراد الله به خيرًا.
هذه الزيادة: "ويلهمه رشده فيه": هذه لا توجد في الصحيحين ولا في غيرهما من الكتب الستة، وإنما هي عند البزار والطبراني وبعضهم يحسنها، نعم.
حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا جرير عن الأعمش عن عمرو بن مرَّة عن أبي البختري قال: حدثني شيخ من عبس قال: "صحبت سلمان فأردت أن أعينه وأتعلم منه وأن أخدمه، قال: فجعلت لا أعمل شيئًا إلا عمل مثله، قال: فانتهينا إلى دجلة وقد مدت وهي تطفح فقلنا: لو سقينا دوابنا؟ قال: فسقيناها، ثم بدا لي أن أشرب فشربت، فلما رفعت رأسي قال: يا أخا بني عبس عد فاشرب. قال: فعدت فشربت، وما أريده إلا كراهية أن أعصيه، ثم قال لي: كم تراك نقصتها؟ قال: قلت: يرحمك الله، وما عسى أن ينقصها شربي؟ قال: وكذلك العلم تأخذه ولا تنقصه شيئًا، فعليك من العلم بما ينفعك".
هذا الخبر عن سلمان المروي من طريق شيخ من عبس مجهول، قال: "صحبت سلمان فأردت أن أعينه وأتعلم منه": يعني يخدم سلمان الفارسي الصحابي الجليل، أراد أن يعينه ويخدمه في مقابل ما يسمعه منه من علم.
قال: "فجعلت لا أعمل شيئًا إلا عمل مثله": يعني لا أقدم له الخدمة إلا قدم لي مثلها، "لا أعمل شيئًا إلا عمل مثله": مكافأة؛ لذا بعض الناس يفرح أن يجد من يخدمه ويريحه من بعض الأمور، نعم خدمة أهل الفضل مطلوبة، لكن أيضًا أهل الفضل لا ينبغي أن يكونوا عالة على غيرهم، يَخدِمون ويُخدَمون، لكن إذا كانت خدمتهم من أجل إراحتهم وتفرغهم للعلم والتعليم ونشر الفضل هذه قربة وعبادة، أما خدمتهم لذواتهم فهذه مسألة أخرى، فمن صنع إليك معروفًا فكافئه، من خدمك اخدمه.
"فجعلت لا أعلم شيئًا إلا عمل مثله، قال: فانتهينا إلى دجلة": النهر المعروف في العراق، "وقد مدَّت": المد معروف، الذي يقال خلاف الجزر، نعم يعني زاد في مائه حتى طلع وتعدى حدَّه، هذا المد، والجزر نقصانه.
"قد مدت وهي تطفح": قد تناولت بعض اليابس، فقال: "لو سقينا دوابنا، فقلنا: لو سقينا دوابنا؟ قال: فسقينا": سقينا الدواب، "ثم بدا لي أن أشرب فشربت": شربت من دجلة، "فلما رفعت رأسي": من الشرب، "قال: يا أخا بني عبس عُـد فاشرب": اشرب ثانية؛ لأنه لو سأله قبل احتمال يقول: أنا ما شربت إلا شيئًا قليلًا، لكن اشرب ثانية، ولو شربت ثالثة وعاشرة ومائة، ماذا ينقص النهر شربه هذا؟
"يا أخا بني عبس عد فاشرب، قال: فعدت فشربت وما أريده": يعني ما له حاجة للشرب، روي قبل ذلك، "إلا كراهة أن أعصيه، ثم قال لي: كم تراك نقصتها؟": نقص؟ كم تراك نقصتها، نقصت هذه الجهة هذا النهر؟ "قال: قلت: يرحمك الله، وما عسى أن ينقصها شربي؟": يريد أن يمثل، يقارن المعقول ويبينه بالمحسوس، "قلت: يرحمك الله، وما عسى أن ينقصها شربي؟ قال: وكذلك العلم تأخذه ولا تنقصه شيئًا": نعم العلم مهما أخذ منه، ومهما تزود الإنسان منه، أولًا أنك لا تنقص من أخذت منه العلم؛ لأن العلم يزيد بالإنفاق، ما ينقص.
الأمر الثاني: أنك قد أخذت فأنت ومن أخذت منه وممن أخذ منه كل هذا شيء يسير لا يذكر في جانب علم الله -جل وعلا-؛ {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلًا} [(85) سورة الإسراء]، وما علم موسى والخضر إلا كما نقر العصفور من البحر بالنسبة لعلم الله -جل وعلا-.
"فعليك من العلم بما ينفعك": عليك من العلم بما ينفعك، أولًا العمر لا يستوعب كل العلم، فأنت تبدأ بالمهم؛ لتدرك هذا المهم، واترك غيره وإن كان فيه شيء من النفع والفائدة.
وبالمهم المهم ابدأ لتدركه |
| وقدم النص والآراء فاتهم |
لا بد أن يبدأ الإنسان بالمهم؛ لأنه إذا كان يخلط مهمًّا وغير مهم، ويلتقط من هذا ويمين ويسار ويخلط ما يصلح، يضيع العمر بدون فائدة، فعلى طالب العلم أن يرتب نفسه ويأخذ من العلم ما ينفعه؛ لأنه لن يحيط بالعلم، يقول: نبغي نأخذ ما ينفع وما لا ينفع، العمر ما يستوعب، عمرك لا يستوعب كل ما ينفع، فضلًا عما لا ينفع، نعم.
حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا معاوية بن عمرو قال: حدثنا زائدة عن الأعمش عن مسلم عن مسروق قال: "جالست أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكانوا كالإخاذ يروي الراكب، والإخاذ يروي الراكبين، والإخاذ يروي العشرة، والإخاذ لو نزل به أهل الأرض لأصدرهم، وإن عبد الله من تلك الإخاذ".
مسروق من التابعين الذين أدركوا جمعًا من الصحابة يقول: "جالست أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكانوا كالإخاذ": الإخاذ هو مجتمع الماء، نعم، مجتمع الماء مثل الغدير، هذه الإخاذات متفاوتة منها الكبير ومنها الصغير، منها من يؤثر فيه شرب الشخص الواحد، ومنها ما يؤثر فيه شرب الاثنين، ومنها ما لا يؤثر فيه شرب المئات، بل الألوف.
"فكانوا كالإخاذ يروي الراكب": يروي واحد مع رحله، "والإخاذ يُروي الراكبين": يكفي الاثنين، "والإخاذ يروي العشرة": أكبر منهم، "والإخاذ" لو نزل به أهل الأرض لأصدرهم": إخاذ كبير يصدرهم، "وإن عبد الله من تلك الإخاذ": لا شك أن أهل العلم يتفاوتون، منهم من مستواه لا يؤهله لأن يستقل في قرية، ومنهم من يستقل في قرية، منهم من يستقل ببلد أكبر، منهم من يستقل –ينوء- بعلم الأمة وحاجة الأمة وهو واحد، ترد عليه الفتاوى من كل بلد ومن كل فج، ومن كل صقع، مشاكل متعددة وأعراف مختلفة، ومع ذلك يصدرون عن رأيه، وهذا كل له نصيبه مما يعطيه الله -جل وعلا- من هذا العلم، فالله -جل وعلا- هو المعطي، والنبي قاسم، فعلى الإنسان أن يحرص أن يكون إخاذًا ليروي قدر ما يستطيعه من الناس، وإذا كان الذي يروي الناس من الماء المحسوس ثبت فضله العظيم في النصوص، فكيف بمن يرويهم بما ينفعهم في أمور دينهم؟
هو لا شك أن تعليم الناس أفضل من سقي الماء، لا شك أنه أفضل من سقي الماء، فبقدر ما تروي الناس من هذا العلم بعد تحصيله احرص على ذلك، احرص على أن تكون كالإخاذ الذي يروي أهل الأرض، احرص على ذلك إن تيسر، وإلا ما لك إلا ما كتب لك، لكن إذا حصلت شيئًا فابذله لغيرك، نعم.
حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي وائل قال: قال عبد الله: "لو أن علم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وضع في كفة الميزان": انظر كِفَّة إيه، فيه كِفَّة وفيه كُفَّة، ما الفرق بينهما؟
طالب:.......
ما هي؟
طالب:.......
يقولون: كل مستدير كِفة، وكل مستطيل كُفة، نعم، كل مستدير كِفة، وكل مستطيل كُفة؛ لأنه في كتاب اسمه (الكفة في فضائل أهل الصفة) بعضهم يقول الكِفة، لا، لا ما هو بصحيح؛ ليتم التناسق بين جملتي السجع تقول: الكُفَّة، كل مستطيل كُفَّة، كفة الثوب هذه مستطيلة، نعم، وكِفَّة الميزان كِفَّة، وهنا المطلوب كِفَّة الميزان، فهي بالكسر، نعم.
"لو أن علم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وضع في كِفة الميزان ووضع علم أهل الأرض في كِفَّة لرجح علم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-".
نعم قد يقول قائل: إنه لو جمع فقه عمر وما أثر عن عمر ما يعادل كتاب من هذه الكتب المطولة، يعني لو فقه عمر جمع من المصادر كلها يعادل المغني أو المجموع أو غيرها من الكتب المطولة؟ لا، لكن علم السلف الكلمة الواحدة تعادل مجلدات؛ لأنه علم مبارك مأخوذ من معدنه مباشرة، بخلاف علم الخلف الذي شيب بغيره، علم السلف مختصر وقليل لكنه مبارك، إذا تكلم بكلمة خلاص يصدر عنها الناس، تعادل كتاب بالنسبة لغيره هذه الكلمة، ومن أراد أن يعرف قدر علم السلف وقلة كلام السلف مع متين علمهم فليقرأ في (فضل علم السلف على الخلف) لابن رجب -رحمه الله تعالى-، علمهم وإن كان كلامهم قليل إلا أنه مبارك بخلاف علم الخلف، يكتب لك رسالة في مجلد كبير وهي مسألة واحدة، فيه مسألة واحدة، لكن مثل هذا لا يوجد عند السلف.
ويقول الحافظ ابن رجب -رحمه الله تعالى-: "ومن فضل عالمًا على آخر بكثرة كلامه فقد أزرى بالسلف"؛ لأنهم ليسو أهل كلام، وليسو أهل تشقيق للكلام وتفريع وتنظير لا، أبدًا يعطيك الجواب، يعجبني، أكره، لا يعجبني، وقد اقتفى أثرهم من جاء بعدهم من سادات هذه الأمة من علماء هذه الأمة كمالك وأحمد وغيرهما، جوابهم قصير مختصر، وتجد الآن إذا سئل الإنسان عن مسألة فأجاب بسطر قال: ما ينقد عليَّ؟ سطر ما يستحق الكتابة، فتجده يأتي بكلام له حاجة، وكلام لا حاجة إليه من أجل أن يقال: ما شاء الله عنده بحور العلم، ما هو بصحيح؛ ليس مرد هذا كثرة الكلام، وإلا يوجد من الكتب الغثاء التي يملأ المكتبات الآن، بسبب مسألة واحدة يطبع له كتاب كبير، نعم قد يحتاج إلى شيء من التوضيح، يحتاج إلى شيء من البيان، يحتاج إلى شيء من التفصيل، هذا مطلوب، لكن إذا كانت المسألة ليست بحاجة، المسألة لا تحتاج إلى هذا، شيخ الإسلام يسأل عن المسألة الواحدة يفتي بمائتي صفحة، لكن عصره وجيله ووقته قت شبه تحتاج إلى تجلية، وتحتاج إلى توضيح وبيان، كتب عن فتوى مائتين وثلاثين صفحة يقول: وصاحبها مستوفز يريدها، يعني ما تورث يبغي هذه الفتوى، لكن العصر والشبه التي نشرت فيه تحتاج إلى توضيح، تحتاج إلى تجلية، تحتاج إلى بيان، لكن أحيانًا كتب مسائل واضحة وما فيها شيء، أو ليست مسائل ما هن شيء، لكن لا بد يكتب، يقول: ها أنا موجود، لا بد أن يقول هذا، فتجده يفتح الأمور ويكرر ويزيد وينقص ويشرق ويغرب ويطلع للناس كتابًا ما يدرى ما رأسه من قدمه، هذا موجود، غثاء كثير في المكتبات، لكن علم السلف غير، فنصيحتي لكل طالب علم أن يقرأ كتاب (فضل علم السلف على الخلف) للحافظ ابن رجب؛ ليعرف مقدار السلف، لا يأتينا من يقول: أنه لو جمع علم الصحابة كلهم ما عادل فتاوى ابن تيمية، ما هو بصحيح.
هنا يقول: لو أن علم عمر بن الخطاب وضع في كفة الميزان ووضع علم الأرض في كفة لرجح علم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-": عمر بن الخطاب صدرت الأمة منذ أربعة عشر قرنًا من بعض اجتهاداته، ويكفينا أنه الخليفة الراشد الذي أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- باتباع سنته: ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي))، ((اقتدوا باللذين من بعدي)) نعم.
حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا جرير عن الأعمش عن إبراهيم قال: قال عبد الله: "إني لأحسب عمر قد ذهب بتسعة أعشار العلم".
وهذا أيضًا بين فيه ابن مسعود -رضي الله عنه وأرضاه- منزلة عمر في العلم ومتانته وأصالته، ولا يعني هذا أنه أفضل من أبي بكر -رضي الله عنه-؛ لأن بعض الناس يسمع هذه الأمور ويظن فيها إزراء لأبي بكر، لا، لو وضع إيمان أبي بكر في كفة لرجح بإيمان الأمة، والمعول على القلب، لكن الذي نقل عن عمر في كثير من القضايا أكثر مما نقل عن أبي بكر؛ لأن عمر طالت مدة خلافته، واحتاج الناس على ما عنده بخلاف أبي بكر لم تطل مدة خلافته فلم يحتج الناس، ما استطاع أن ينشر من العلم مثل ما نشره عمر في عشر سنين، فإيمان أبي بكر هو الذي رفعه وجعله أفضل الأمة بعد نبيها، فننتبه لمثل هذا؛ لأن بعض النصوص، وبعض من يكتب في التراجم يذكر أوصاف وأمور لعمر قد يقر في قلب الإنسان شيء يجعله أفضل، لا ما هو بصحيح، لا، إذا قارنا عمر بأبي بكر صار شبها لا شيء، إيمان أبي بكر لو وزن بإيمان الأمة لرجح، ويليه في الفضل عمر -رضي الله عنه- ثم عثمان ثم علي.
حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا جرير عن الأعمش عن مجاهد في قوله: {أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} [(59) سورة النساء] قال: "أولي الفقه والعلم".
{أَطِيعُواْ اللّهَ}: هذا هو الأصل، {وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ}: فطاعة ولاة الأمور واجبة على خلاف بين أهل العلم في المراد بولي الأمر في هذه الآية، وفي حديث ((الدين النصيحة))، ولاة الأمر هم أئمة المسلمين، وكما اختلف في ولاة الأمر هنا هل هم الولاة الذين هم الأمراء والحكام، أو هم العلماء؟
ولا شك أن كل طرف من هذين له نصيب من الولاية، فالعلماء لهم الولاية الدينية، ولهم التوجيه الديني، وطاعتهم في هذا الباب واجبة، لكن الأمراء والحكام لهم أيضًا طاعتهم فيما لا معصية فيه لله -جل وعلا-، .... "بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره"، لا بد من هذا ولا تتم الأمور ولا تنتظم أمور الدين والدنيا إلا بطاعة ولي الأمر، أولًا: لا بد من وجود ولي الأمر، ثم بعد ذلك لا بد من طاعته، وولي الأمر كما هو معروف في الشرع له حقوق، وعليه حقوق، لكن إذا أمر بما لا معصية فيه وجبت طاعته.
هنا يبين في هذا الخبر وهو من تفسير مجاهد أن أولي الأمر هم أولي الفقه والعلم، والمسألة خلافية بين أهل العلم، ولكل منهما نصيب، من هذه الآية ومن حديث: ((الدين النصيحة))، فالعلماء تجب طاعتهم، والأمراء والملوك والولاة تجب طاعتهم، وكما أن العلماء تجب نصيحتهم والأمراء والولاة تجب نصيحتهم، كما جاء في حديث تميم وكما هنا، نعم.
حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا جرير عن الأعمش قال: "كنت أسمع الحديث فأذكره لإبراهيم، فإما أن يحدثني به أو يزيدني فيه".
نعم، هذا من سعة علم إبراهيم، سعة محفوظه من سنة النبي -عليه الصلاة والسلام- فإذا سمع الأعمش حديث -وهو من الثقات الأثبات الحفاظ- إذا سمع حديثًا ذكره لإبراهيم، لعله أن يأتي له بما ليس عنده، يتحفه به، يظن أنه ليس عند إبراهيم منه علم –النخعي- "فإما أن يحدثني به": يعني يرويه لي من طريقه، يكون محفوظًا عنده قبل أن أذكره، "وإما أن يزيدني فيه": يكون قد ترك جملة منه أو كلمة أو شيئًا يزيده، نعم.
حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا جرير عن الأعمش عن مسعود بن مالك قال: قال لي علي بن الحسين: "تستطيع أن تجمع بيني وبين سعيد بن جبير؟ قال: قلت: وما حاجتك إليه؟ قال: أشياء أريد أن أسأله عنها إن الناس يأبنوننا فقال: بما ليس عندنا".
هذا علي بن الحسين زين العابدين بن علي بن أبي طالب، يقول لمسعود بن مالك: "تستطيع أن تجمع بيني وبين سعيد بن جبير؟ قلت: وما حاجتك إليه": ماذا تريد منه؟ يريد أن يسأله عن أمور يتهم أهل البيت فيها أن عندهم علمًا خصهم النبي -عليه الصلاة والسلام- به دون غيرهم، وهم ما عندهم علم، ما خصهم النبي -عليه الصلاة والسلام- بشيء أبدًا، كما جاء عن علي لما سئل قال: ما عندنا شيء، أبدًا، إلا ما استثني، ماذا عندهم؟ يحفظ ما عندهم؟ ما عندنا إلا....
طالب: إلا ما في هذه الصحيفة.
نعم، ما عندهم إلا الصحيفة التي يروونها عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وهي متاحة لهم ولغيرهم، ما عند أهل البيت شيء يستقلون به، وأما ما وضع عليهم وكذب عليهم، وافتري عليهم وادعي فيهم، هذا لا أساس له، بل هو من وضع الأتباع.
يقول: "قلت: وما حاجتك إليه؟ قال: أشياء أريد أن أسأله عنها، إن الناس يأبنوننا بما ليس عندنا": يتهموننا بأن عندنا علمًا غير، يعني أنهم مخصوصون بعلم لم يصل إلى الناس، والذي يتهم بالعلم، لا شك أنه يتعرض لمسألة الناس، يتعرض لسؤال الناس، فعليه أن يسعى لتكميل نفسه؛ خشية أن يسأل أسئلة يحرج فيها، لا يجد لها جوابًا، وهذا يريد أن يجتمع، وزين العابدين إمام من أئمة المسلمين معروف يريد أن يجتمع بسعيد بن جبير ليسأله عن بعض المسائل التي يخشى أن تطرح عليه، نعم بعض الناس يكون في موقع، أو يكون له ذكر بين الناس، بعض الناس يكون ذكره أعظم من واقعه، فمثل هذا يحرج إذا سئل عن مسائل مشكلة، مثل هذا يتعرض لإحراج، فعليه أن يسعى لتكميل نفسه، وهذا لما كان من أهل البيت، نعم، يتصور الناس أن النبي -عليه الصلاة والسلام- خصهم بشيء لا يوجد عندهم، فهو يحاول أن يكمل نفسه بحيث إذا سئل يجيب، نعم.
حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا جرير عن ليث عن مجاهد أن عمر -رضي الله تعالى عنه- نهى عن المكايلة يعني المقايسة".
هذا الخبر يرويه جرير عن الليث بن أبي سليم وهو ضعيف عن مجاهد، مجاهد أدرك عمر أم ما أدركه؟ نعم، مجاهد لم يدرك عمر، "أن عمر نهى عن المكايلة": و(أن) هذه لا تحمل على الاتصال مطلقًا، حكمها حكم السند المعنعن، لو قال: عن عمر، أو قال عمر، أو أن عمر نهى، هذه كلها لا تجب على الاتصال إلا بالشروط المعروفة إذا عرف، عرفت المعاصرة، وعرف اللقاء -على الخلاف في ذلك- وأمن من تدليس الراوي، تحمل على الاتصال وإلا فلا، وهنا لا توجد المعاصرة فضلًا عن اللقاء فلا اتصال.
هذا الخبر: "نهى عن المكايلة يعني المقايسة": وعمر -رضي الله عنه- قد يقول مثل هذا الكلام، احتياطًا للدين، وخشية أن يسترسل الناس في الأقيسة والرأي ويتركون النصوص، جاء ذم الرأي، جاء ذم القياس، لكنه مع وجود النصوص، أما مع عدم النصوص التي تدل على المسألة بعينها لا بد من استعمال الرأي؛ لأن هناك نوازل لم ينص عليها في الكتاب والسنة، وإنما لها أشباه ولها نظائر لا بد من استعمال القياس، والقول بالقياس هو قول جماهير العلماء، لكن شريطة ألا يوجد نص في المسألة؛ لأنه لا قياس مع النص، نعم.
حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا جرير عن الأعمش عن الحسن قال: "إن لنا كتبًا نتعاهدها".
نعم هذا من كلام الحسن -رحمه الله- معروف التابعي الجليل الحسن البصري، على حفظه وعلى سعة علمه واطلاعه وفهمه، وفقهه يشبه فقه السلف، وكلامه ومواعظه تشبه بكلام النبوة، يعني من كبار الوارثين من علم النبوة يقول: "إن لنا كتبًا نتعاهدها": نعم لا بد من التعاهد، يعني الذي يعتمد على حفظه ويترك المكتوب، ما يراجع الكتب، ولا ينظر فيها هذا ينسى، ويخلط، إذا طال به العهد نسي هل القول لفلان، أو لعلان؟ هل القول مذكور في كتاب كذا أو في كتاب كذا؟ يحصل عنده شيء من الخلط، فإذا كان يتعاهدها ويراجعها عند الحاجة ازداد علمًا وثبت ما عنده، نعم.
حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا جرير عن منصور عن أبي الضحى عن مسروق قال: "كنا عند عبد الله جلوسًا وهو مضطجع بيننا نراه، فأتاه رجل فقال: يا أبا عبد الرحمن إن قاصًّا عند أبواب كندة يزعم أن آية الدخان تجئ فتأخذ بأنفاس الكفار، ويأخذ المؤمنين منه كهيئة الزكام، فقال عبد الله -وجلس وهو غضبان-: يأيها الناس، اتقوا الله، فمن علم منكم شيئًا فليقل بما يعلم، ومن لا يعلم فليقل: الله أعلم، فإنه أعلم لأحدكم أن يقول لما لا يعلم: الله أعلم، فإن الله تعالى قال لنبيه -عليه السلام-: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [(86) سورة ص]".
نعم، وهذا من ابن مسعود -رضي الله عنه- توجيه للعلماء وطلاب العلم ألا يتكلفوا ما لا علم لهم به؛ لأن بعض الناس إذا سئل يحاول يعصر ذهنه ويتمحل ويتكلف لا بد أن يجيب، لا، الأمر أهون من ذلك، ما تعرف، قل: الله أعلم، ما أنت مكلف.
فهذا مثال، أن قاصًّا –القصاص: الوعاظ- وهم في الغالب عمدتهم على القصص والأخبار والحكايات، ويغفلون عن نصوص الكتاب والسنة؛ لأنها معروفة لدى الخاص والعام فلا تجذب الناس، لكن بالحكايات والقصص والأخبار ينبسط الناس ويجتمعون، يطربون لذكر القصص.
فهذا القاص يزعم أن آية الدخان المشار إليها في سورة الدخان، نعم {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ} [(10) سورة الدخان]، هذا الدخان يجيء فيأخذ بأنفاس الكفار ويأخذ المؤمنين، وعلى الخلاف بين أهل العلم هل هو حصل أو ما حصل؟ والمسألة معروفة.
"ويأخذ المؤمنين منه كهيئة الزكام، فقال عبد الله -وجلس وهو غضبان-: يأيها الناس اتقوا الله، فمن علم منكم شيئًا فليقل بما يعلم": نعم، قد أحسن من انتهى إلى ما سمع، من عنده شيء من العلم يقول به، من لا علم عنده يمسك، "ومن لا يعلم فليقل: الله أعلم": يكل العلم إلى عالمه ويرده إلى مصدره، "فإنه أعلم لأحدكم أن يقول لما لا يعلم: الله أعلم": هو أعلم، هو أسلم وأحكم، أن يقول: الله أعلم، قد يقول قائل: كلمة الله أعلم كل يتقنها ويستطيعها إذن ليست بعلم، نقول: هي علم، ولو لم تكن إلا علم الإنسان بقدر نفسه فهي علم، ولو لم يكن من ذلك إلا حرص الإنسان على سلامة نفسه فهي أسلم، والحكيم الذي يسعى لخلاص نفسه؛ ولذا يقرر أهل العلم أن المفتي يكون حرصه على خلاص نفسه أشد من حرصه على خلاص المستفتي.
"فإن الله تعالى قال لنبيه -عليه السلام-: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ}": إنما يريد الأجر والثواب من الله -جل وعلا-، {وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [(86) سورة ص]": جاءني علم، جاءني شيء عن الله -جل وعلا- بلغته، والذي لم يأت لا أتكلفه، وهكذا ينبغي للعالم وطالب العلم إن كان عنده علم متأكد منه محقق، يفتي به وإلا يقول: الله أعلم، نعم.
حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا إسحاق بن سليمان الرازي قال: سمعت أبا جعفر يذكر عن الربيع بن أنس قال: "مكتوب في الكتاب الأول: ابن آدم علم مجانًا كما عُلمت مجانًا".
هنا يقول: حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا إسحاق بن سليمان الرازي قال: سمعت أبا جعفر: الرازي، عيسى بن ماهان؟
طالب: عيسى بن أبي عيسى.
هو، هو؟
طالب: أبو عيسى اسمه عبد الله.
هو أبو جعفر الرازي نعم، لكنه ضعيف عند أهل العلم، هو هو؟
طالب: هذا الثاني أبو جعفر.......
نعم، صحيح معروف.
يقول: سمعت أبا جعفر يذكر عن الربيع بن أنس قال: "مكتوب في الكتاب الأول": يعني في الكتب المتقدمة: ابن آدم علم مجانًا كما عُلمت مجانًا": وقد يكون مكتوب في اللوح المحفوظ كما يقرر بعضهم، على كل حال التعليم مجانًا كما تعلم الإنسان هو الأفضل، وأما أخذ الأجرة على التعليم وعلى التحديث، وعلى قراءة القرآن وإقرائه هذه مسألة مختلف فيها بين أهل العلم، لكن جاء في الحديث الصحيح: ((إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله))، فإذا جاء أخذ الأجرة على كتاب الله -جل وعلا- وعلى تعليمه فمن باب أولى غيره من العلوم، ومن أهل العلم من يتورع من أخذ الأجرة على تعليم العلم الشرعي، ويأخذ الأجرة على غيره، يعلم الكتاب والسنة مجانًا، لكن يعلم التواريخ، يعلم الأدب يعلم العربية، يعلم غيرها من العلوم بالأجرة، فيتورع عن أن يعلم ما يبتغى به وجه الله يعلمه بالأجرة، وعلى كل حال المقرر عند أهل العلم أن التعليم بالأجرة لا سيما إذا لم يكن له مصدر ولا كسب يكفيه ويكفي أولاده، أنه يفرض له من بيت المال ولا شيء في ذلك، نعم.
حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن ليث عن مجاهد قال: "ذهب العلماء فلم يبق إلا المتكلمون، وما المجتهد فيكم إلا كاللاعب فيمن كان قبلكم".
يقول مجاهد: "ذهب العلماء فلم يبق إلا المتكلمون": نعم الكلام كثير، لكن هل الكلام هو العلم؟ لا، ما أكثر الكلام الذي لا ينفع ولا يفيد، لكن العلم ما يفيد.
"ذهب العلم فلم يبق إلا المتكلمون": أهل الكلام الكثير تشقيق الكلام تفريع المسائل نعم، "وما المجتهد فيكم": يعني بالنسبة لمن قبلكم "إلا كاللاعب": المجتهد كاللاعب إذن ما حال اللاعب؟ وإذا كان هذا يقوله في عصر التابعين في القرون المفضلة، فكيف لو رأى أزمانًا جاءت بعده؟ أزمان جاءت بعده تقضى على أحسن الوجوه بما لا خير فيه ولا فائدة، فضلًا عن كونها تقضى الأزمان والأوقات وتفنى الأعمار فيما لا يرضي الله -جل وعلا- والله المستعان! نعم.
حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا الوليد بن مسلم قال: سمعت الأوزاعي قال: سمعت بلال بن سعد يقول: "عالمكم جاهل، وزاهدكم راغب، وعابدكم مقصر".
هنا يقول: حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا الوليد بن مسلم قال: سمعت الأوزاعي قال: سمعت بلال بن سعد يقول: "عالمكم جاهل": يعني نسبي –بالنسبة- عالمكم جاهل؛ لأن هذه الأمور، العلم والجهل، والعبادة، والزهد وغيرهن، يعني زيادة ونقصًا أمور نسبية، أمور نسبية، يعني تصور أن العالم في هذا الوقت مثل العالم قبل خمسمائة سنة أو ستمائة؟ لا، يعني حتى من يقال له: حافظ في هذه الأوقات يعني لا يساوي شيء بالنسبة لحفاظ الصدر الأول، فالعالم بالنسبة لأولئك جاهل، يعني تجد العامي في عصر السلف عنده من العلم ما هو أفضل من علم كثير من علماء هذا الوقت، "عالمكم جاهل": لأنها أمور نسبية.
وجاء شخص من الجمهوريات بعد سقوط الشيوعية نائب مفتي، نائب مفتي في جمهورية من الجمهوريات، ماذا تتصورون عنده من العلوم؟ ما عنده شيء، يسأل عن أمور بدهية، يسأل عن أمور في الوضوء والصلاة، ...نائب مفتي!
أمور نسبية، نحن في هذه البلاد نعيش -ولله الحمد- صحوة علمية عارمة -ولله الحمد- على الجادة من القرآن والسنة، لكن في غيرها من البلدان عندهم جهل، جهل مطبق، بعد تيسر الأسباب وانتقال العلم بواسطة هذه الوسائل بدأت العلوم تصل إلى أقاصي الأرض، والدروس -ولله الحمد- دروس المشايخ الكبار والمتوسطين حتى الصغار تصل إلى أقصى المشرق وأقصى المغرب، وإشكالاتهم وأسئلتهم تصل إلينا، ويختبر بعضهم هناك ويجد عندهم خير كثير، ممن تحصل علمًا، وهذه نعمة ولله الحمد.
"عالمكم جاهل وزاهدكم راغب": يعني عندنا الزاهد الذي يترك الدنيا لكنه قلبه قد يكون متعلقًا بها، لكن هناك إذا زهد الإنسان خلاص قلبه قالب، نعم، هذا زاهدكم راغب بالنسبة لزاهدهم.
"وعابدكم مقصر": يعني لو نجد شخصًا يجلس بعد كل صلاة مثلًا نصف صلاة، قلنا: هذا أين، هذا راهب، هذا عابد، أين؟ ويمكن أنه بعد يظلم نفسه شيء عظيم، بينما لو قارناه بعباد مضوا في الصدر الأول لا شيء، وأخبارهم يعجز الإنسان عن بيانها، نعم.
"عابدكم مقصر": لا، هي أمور نسبية، لكن لا شك أنه مع كثرة المعين يسهل الأمر، ومع قلة المعين في هذه الظروف التي نعيشها إذا وجد العالم ولو عنده شيء من الخلل لو وجد الزاهد، لو تعلق قلبه بشيء من أمور الدنيا؛ لأنه لا يمكن أن ينفك عنها؛ لأن ظروف الحياة تضطره إلى هذا، لو وجد عابد لو كان عنده شيء من التقصير في العبادة أمور نسبية بالنسبة لغيره عابد، وبالنسبة لغيره زاهد، بالنسبة لغيره عالم، فالأمور تقاس بنظائرها وأمثالها، ما نقول: والله الآن نختبر قاضيًا أو داعية، نقول: لا، لازم هذا الداعية يصير مثل ابن تيمية، وإلا ما يصير ذا؟ ما هو بصحيح، أنت تنظر إليه إن كان أفضل قومه هو الأنسب، قاض إن كان أمثل زملائه هو الأنسب، نفترض أن بعض الشروط اختلت لكن موجود العلم، أفضل من كون المسألة تبقى خالية من *(كلمة غير مفهومة) 41:32 ما فيه شيء ممن يسد هذه الثغرة، نعم، لو وجد مجموعة فساق وجاء وقت إقامة الصلاة نقول: لا تصح إمامة الفاسق؟! هم يقولون المطوع *(كلمة غير مفهومة)41:43 وماذا يفعلون، لا بد أن تسد هذه الحاجة، فلا شك أن يقولون: الزكاة من نفس المال، من أين تبغي تطلع، الزكاة من نفس المال، نعم.
قال: حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا عبد الحميد بن عبد الرحمن أبو يحيى قال: حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن علقمة قال: "تذاكروا الحديث فإن حياته ذكره".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: حدثنا عبد الله، هذا هو الراوي عن المؤلف "قال: حدثنا أبو خيثمة": المؤلف، "قال: حدثنا عبد الحميد بن عبد الرحمن أبو يحيى قال: حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن علقمة قال: "تذاكروا الحديث فإن حياته ذكره": يعني ينتقي طالب العلم بعض الأقران المعروفين بجودة الفهم وقوة الحفظ والجد، فيذاكر معه أو معهم ما حفظ، يذاكر معهم ما فهم، والطريقة لحضور الدروس وتحضيرها ومذاكرتها، ولا يفلح طالب العلم حتى يعتني بدرسه، فيقرأ الدرس قبل الحضور، ويحفظ ما يراد حفظه، ويراجع ما يمكنه من الشروح، ثم يحضر الدرس إلى الشيخ ويناقش، ويسأل عما يشكل عليه، وينصت ويتأدب، ثم بعد ذلك إذا انتهى الدرس تذاكر الأقران، ذاكر الأقران بما حفظ وبما فهم وبما سمع، وقل أن يفلح طالب العلم الذي لا يعرف الكتاب إلا في الدرس، قل أن يفلح، فالعلم متين لا يأتي بسهولة ولا يستطاع براحة الجسم، فلا بد من المعاناة، لا بد من الاهتمام قبل حضور الدرس، والإنصات والإفادة والانتباه أثناء حضور الدرس، ومناقشة الشيخ عما يشكل، ثم بعد ذلك بعد الانصراف من الدرس يتذاكر الطالب مع أقرانه، لا سيما مع من عرف منهم بالجد، أما الأقران المعروفين بالهزل فهؤلاء يضيعون الوقت، فلا يحسن رفقتهم إلا على شيء يسير منهم بحيث يفيدهم ويستفيد منهم بقدر الحاجة، ولا يضيع وقته معهم، أما الطلاب -طلاب العلم الجادون- فهؤلاء هم الذين يصطفون، لا سيما إذا عرفوا مع حرصهم على العلم شيئًا من العمل، {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} [(28) سورة الكهف]، أما أهل اللهو والغفلة والطرائف والنكت هؤلاء يضيعون الوقت، والله المستعان نعم.
حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا محمد بن فضيل قال: حدثنا يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: "إحياء الحديث مذاكرته فذاكروه، قال: فقال عبد الله بن شداد: يرحمك الله، كم من حديث أحييته في صدري قد كان مات".
يعني ماذا مثله، "إحياء الحديث مذاكرته فذاكروه" لا بد من المذاكرة؛ ولذا يقول عبد الله بن شداد: "يرحمك الله": يعني، يعني من؟ عبد الرحمن بن أبي ليلى؟ نعم؟
طالب:.......
نعم، يعني عبد الرحمن بن أبي ليلى، يقول عبد الله بن شداد، يقصد بذلك يخاطب عبد الرحمن بن أبي ليلى، يقول: "يرحمك الله، كم من حديث أحييته في صدري قد كان مات": يعني هو يذاكر معه، يذاكر معه الأحاديث التي سمعوها، فيذكر الحديث الذي قد نسي، ونسيان العلم هو موته، وتذكره هو حياته، وتذكره إنما يكون بمذاكرته، والله المستعان نعم.
حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا محمد بن فضيل عن الأعمش عن إسماعيل بن رجاء قال: "كنا نجمع الصبيان فنحدثهم".
نعم يقول: "كنا نجمع الصبيان فنحدثهم": الصبي يحضر مجالس العلم من تمام الخامسة عند الأكثر؛ لأنه حينئذ يكون قد عقل، عملًا بحديث محمود الذي عقل المجة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو ابن خمس سنين وجعل الجمهور الحد الفاصل بين من يحضر المجالس ومن يحدث خمس سنين، وأهل التحقيق يرون أن الصبي لا يحدث إلا إذا عقل سواءً في الخمس أو قبلها أو بعدها، إذا توقع منه أنه يفهم ويلقن فيتلقن من الخمس، إذا كان يقبل التلقين من التمييز، سواءً ميز قبلها أو بعدها لكن قبل خمس يندر أن يميز، فإذا صار الصبي بحيث يفهم الكلام ويحفظ الكلام يبادر بتسميعه الحديث، وإضافة إلى أن من يحدث هذا الصبي الذي يرجى انتفاعه أيضًا ينتفع نفسه المحدث، فكونه يحدث هذه مذاكرة، نعم كونه يلقي هذا الحديث على هذا الصبي مذاكرة، وبعض الناس الذين صارت لهم مهمة في الوعظ والتوجيه والإرشاد لهم طرق في كيفية التعلم على هذا الأمر، منهم من يذهب إلى حوش غنم، يلقي عليهم كلمة؛ لأنه يتمرن، يعني لو ألقاها على كبار في مسجد أو في درس أو في شيء ما تمرن ولا تعلم يستمر هكذا، لكن بعضهم يجمع حصى أو أخشاب أو شيئًا يحدثهم، وهذا يجمع صبيانًا ويحدثهم، فالصبيان أفضل بلا شك يستفيدون ويستفيد هو، ويثبت علمه ويجرؤ على الكلام ويرتب أموره، وكل يوم أفضل من الثاني، هذه طريقة يسلكها بعضهم، يدخل على حوش الغنم ويتحدث، ليتمرن لا يقصد من هذا إفادتهم لكن ليتمرن هو على ذلك، وتحديث الصبيان أولى مما ذكر؛ لأنه قد يكون في الصبيان من يفهم، قد يكون فيهم من يحفظ، نعم، والناس يحتقرون الصبيان الصغار في الثلاث في الأربع، لا، وجد منهم نوابغ، يحفظون حتى في هذه السن، ذكر أهل الحديث في هذا قصصًا كثيرة، جيء للمأمون بصبي طلب منه قراءة قرآن فقرأ، من أي سورة يقرأ، وعمره ثلاث سنين، وطلب منه بعض الأحاديث فيحدث، يقولون: غير أنه إذا جاع يبكي، وهو صغير ما زال طفلًا، فلا نحتقر هؤلاء الصبيان، وفي هذا أكثر من فائدة:
أولًا: الإنسان يتذكر ما حفظه، ويتمرن أيضًا على الإلقاء على هؤلاء الصبيان، إذا عرفنا أن بعض الناس -هذه واقعة ما هي بنسج خيال- شيوخ جاءوا وافدين، ما تعلموا الخطابة إلا بهذه الطريقة، ندخل حوش الغنم ونخطب، ويزبد ويرعد ويزمجر قال لك قدام الغنم الظاهر أنهم ما هلم بلمه+ وفيه واحد يقول: جمعنا حصى وأخشاب وكذا وتصورناهم أناس وألقينا عليهم الخطب، وصاروا من الخطباء المشهورين، وتعلموا الخطابة، فكونهم يجمعون الصبيان ويحدثونهم الفائدة للطرفين، نعم.
رأيت أخوين شقيقين واحد في العاشرة والثاني في الحادية عشرة، يحفظون القرآن، وأتموا حفظ الصحيحين بالأسانيد، بالأسانيد يعني كما ألف المؤلف، وبدءوا بسنن أبي داود والترمذي معًا، كل يوم خمسين حديث من هذا وخمسين حديث من هذا بأسانيدها.
طالب:.......
الصبيان ما يحضرون، الله المستعان نعم.
حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا محمد بن فضيل عن عطاء عن أبي البختري عن حذيفة -رضي الله تعالى عنه- قال: "إن أصحابي تعلموا الخير وأنا أتعلم الشر، قيل: وما يحملك على هذا؟ قال: إنه من تعلم مكان الشر يتقه".
نعم هذا حذيفة -رضي الله عنه- صاحب السر، يسمونه الآن السكرتير، صاحب سر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن أصحابي": من الصحابة -رضوان الله عليهم- "تعلموا الخير": من النبي -عليه الصلاة والسلام- "وأنا أتعلم الشر"؛ ولذا تجدون جل أحاديث الفتن إنما يرويها حذيفة، وقد خص بشيء من ذلك حذيفة، يتعلم الشر، لماذا؟ لاتقائه:
تعلمت الشر لا للشر |
| ولكن لأتقيه |
الذي لا يعرف الشر لا شك أنه يكاد أن يقع فيه؛ ولذا كان أمتن الناس ديانة الذين عاشوا في الجاهلية وعرفوا الشرور ثم أسلموا، أمتن وأقوى ديانة ممن ولد في الإسلام ولا يعرفون الشر، وأيضًا تجد التائب الذي منَّ الله عليه بتوبة نصوح بعد أن زاول منكرات وجرائم تجده من أنفع الناس في كشف الجرائم وأهلها، يصير عنده خبرة، وعنده معرفة بوسائل الأشرار وطرقهم.
على كل حال تعلموا الشر، أولًا: ينبغي أن الإنسان يحصن نفسه بقدر ما يستطيع من الخير، ثم بعد ذلك يتعلم من الشر ما يجعله يتقيه، وبعض الخطباء قد يذكر قصة، قصة على المنبر حقيقة للتنفير من هذه الواقعة أو التحذير من أهلها، أو من وسائلهم وطرقهم في..، لكن قد يوجد من الناس من إذا سمع مثل هذه القصة تأثر بها وطبقها وزاولها؛ ولذلك تجدون كثيرًا من القضايا الموجودة الآن التي لا تخطر على بال الإنسان، لا تخطر على البال، إذا سئل عنها وجدها مطبقة في مسلسل أو في شيء، شاهدها الأطفال وطبقوها، فالذي يلقى إليه بمثل هذه القصص وهذه الشرور وهذه المخالفات من غير تحصيل سابق من غير ديانة متينة يخشى عليه، لكن إذا تأهل وتمكن ورسخ الإيمان في قلبه وتعلم الخير، يتعلم الشر ليتقه، وليحذر منه؛ لأن مثل هذا الخبر فيه انقطاع عن حذيفة لكنه معروف عنه، هو معروف عنه، وبسبر ما رواه من أحاديث وأخبار الواقع يشهد له، وأيضًا مثل هذا لا يتحرى فيه اتصال الأسانيد، أو نظافة الأسانيد، هذا معروف مستفيض عن حذيفة -رضي الله عنه-. نعم.
حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثنا موسى بن عُلي عن أبيه قال: "كان زيد بن ثابت -رضي الله عنه- إذا سأله رجل عن شيء قال: آلله لكان هذا؟ فإن قال: نعم تكلم فيه، وإلا لم يتكلم".
وهذا الأثر المروي عن زيد بن ثابت كان -رضي الله عنه وأرضاه- إذا سأله رجل عن شيء يستحلفه هل وقعت هذه المسألة؟ هل وقعت بالفعل؛ ليتكلف الجواب وإلا لم يتكلف جوابها؛ لأنها لم تقع، كان السلف يتورعون عن الفتيا عن شيء لم يقع، لكن أهل العلم لما صنفوا ودونوا من أجل تمرين الطلاب على فهم المسائل واستنباط المسائل، وتطبيق المسائل على الوقائع، صاروا يشققون المسائل، ويفترضون مسائل لم تقع للتنبيه، وفرق بين أن يلقى على العامة مسائل لم تقع، وهم ليسوا من أهل هذا الشأن، وبين أن يكون طالب علم يتمرن ليترقى حتى يكون فقيهًا ينفع الله به الأمة، فمثل هذا يفرع ويشقق، ويشقق له مسائل، أما إذا جاء شخص يستفتي -عامي لا علاقة له بالعلم ولا صلة له بالعلم، ولا ينوي التعلم- فمثل هذا يقتصر على ما وقع له، فيجاب، وما عدا ذلك يصرف عنه إلى ما هو الواقع، نعم.
حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن عبد الملك بن أبجر عن الشعبي عن مسروق قال: "سألت أبي بن كعب -رضي الله عنه- عن شيء فقال: أكان بعد؟ قلت: لا، قال: فأجمنا حتى يكون فإذا كان اجتهدنا لك رأينا".
وهذا أيضًا أثر عن أبي بن كعب إذا سئل عن شيء، سأله مسروق عن شيء، ومسروق طالب علم، سأله عن شيء فقال: "أكان بعد؟ قلت: لا، قال: فأجمنا حتى يكون": مثل هذا يسلك حتى مع طالب العلم أحيانًا إذا لم يكن الجواب واضحًا في ذهن المسؤول، واضح وضوحًا بينًا، والمسألة متصورة، يعني قد يصرف طالب العلم لعدم وضوح الصورة في ذهن المسؤول، يصرف عنها بهذه الطريق، أكان؟: يعني أوجد، أوجد الآن بعد؟ نعم، قلت: لا، "قال: فأجمنا": يعني أرحنا حتى يكون، فمثل هذا فرق بين المسائل التي حصلت فيطلب جوابها، وبين المسائل التي لم تحصل، وفرق بين سائل وسائل، سائل يصرف باستمرار؛ لأنه ليس من أوعية العلم، ولا يتمرن ليكون عالمًا، وبعض السائلين وإن كانوا من طلاب العلم قد يصرف أحيانًا من باب التمرين والتأديب له على هذا المنهج السلفي، وقد يصرفه الشيخ لعدم وضوح الجواب؛ لأنه أحيانًا الجواب يحتاج إلى تكلف، يحتاج إلى عناء، يحتاج إلى عصر ذهن؛ لأنه ليس بحاضر في ذهن الشيخ، فمثل هذا يصرف السائل بهذه الطريقة.
"قال: فأجمنا حتى يكون": يعني حتى يوجد هذا الشيء، "فإذا كان اجتهدنا لك رأينا": لكن لو كان في المسألة المسؤول عنها وضوح وفيها نص، مثل هذه يجاب طالب العلم ولو لم تقع، نعم.
حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا مالك عن الزهري عن سهل بن سعد -رضي الله تعالى عنهما- قال: "كره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المسائل وعابها".
نعم وهذا الحديث عن سهل بن سعد المرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه كره المسائل وعابها، والمقصود بالمسائل المكروهة، التي يظهر فيها التعنت وإفحام المسؤول، أو المسائل التي لا تكاد تقع، وقد نهوا عن المسألة، نهى النبي -عليه الصلاة والسلام- عن المسائل، وجاء النهي عن الأغلوطات، لكنه سأل -عليه الصلاة والسلام- وسألوه، جاءت الأسئلة في القرآن، {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ} [(189) سورة البقرة]، يسألونك، يسألونك لكن كثرة المسائل بحيث يظهر منها تعنت السائل، والأغاليط والمسائل العويصة التي لا تكاد تقع، مثل هذه يكره السؤال عنها، اللهم إلا للاختبار، للاختبار لا للتعنيت، اختبار ذكاء الطالب وجودته، ليلقى عليه ما يناسبه من العلم، فحصه ليوضع في منزلته التي أمر أن ينزل فيها، مثل هذا يسأل، وكانوا يحبون أن يأتي الرجل العاقل من أهل البادية ليسأل؛ لأنه ما بلغه النهي عن السؤال فيسأل فيجيبه النبي -عليه الصلاة والسلام- فيستفيد الحاضرون، نعم.
حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا سفيان عن زبيد قال: "ما سألت إبراهيم عن شيء قط إلا رأيت فيه الكراهية".
لا شك أن تعرض الإنسان لأسئلة الناس تكليف، تكليف لهم، وهو أيضًا مزلة قدم؛ يخطئ يصيب، عرضة لأن يخطئ وأن يصيب، وعلى هذا المكان الذي فيه..، أو الظرف الذي فيه خوف، الإنسان لا بد أن يكون خائفًا من هذا الباب، أما الذي يفتي الناس وهو يضحك هذا مشكلة، لا بد أن يكون خائفًا وجلًا، أولًا من مسألة الخطأ، أن يقع الخطأ في فتواه، وأن يقصر في بحث المسألة، أو يتسرع في جوابها قبل فهم سؤالها، لا بد أن يتحرى في كل ذلك، ومعروف أن هذه تتطلب جهدًا ذهنيًّا وعقليًّا من الشخص، وهذا الجهد العقلي وكد العقل مكروه لدى الإنسان؛ ولذا يقول: "ما سألت إبراهيم عن شيء قط إلا رأيت فيه الكراهية": والآن من شيوخنا منهم ممن رسخ في العلم إذا سئل، إن كان جالسًا قام، وإن كان قائمًا اضطجع، لازم يتغير وضعه؛ يحمل هم الفتوى، هؤلاء هم أهل التحري وأهل الورع، أما الآن كثيرًا من الطلاب الذين ما صار له شيء بعد، يفتي في عضل المسائل وهو مرتاح، والله المستعان نعم.
حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا هشيم قال: حدثنا حجاج عن عطاء وابن أبي ليلي عن عطاء قال: "كنا نكون عند جابر بن عبد الله -رضي الله تعالى عنهما- فيحدثنا، فإذا خرجنا من عنده تذاكرنا حديثه، فكان أبو الزبير من أحفظنا للحديث".
يقول: "حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا هشيم قال: حدثنا حجاج عن عطاء وابن أبي ليلي": معًا، حدثنا حجاج عن عطاء وابن أبي ليلى معًا، ثم اقتصر على لفظ عطاء، "عن عطاء قال": لما يكون تركيب الإسناد عن عطاء، وابن أبي ليلى عن عطاء، عطاء عن عطاء ما تجيء، نعم، إنما يحدثهم عن عطاء وابن أبي ليلى ثم اقتصر على لفظ عطاء، فقال: عن عطاء قال.
"كنا نكون عند جابر بن عبد الله": الصحابي الجليل، "فيحدثنا، فإذا خرجنا من عنده تذاكرنا الحديث: هذه عادتهم، المذاكرة، ماذا قال الشيخ، ماذا تحفظ في كذا؟ نعم، تذاكروا الحديث.
"فكان أبو الزبير": محمد بن مسلم بن تدرس، الراوي عن جابر بكثرة "من أحفظنا للحديث": مع أنه عرف بالتدليس، لكن هو معروف بملازمة جابر والأخذ عنه، فهو من أحفظهم للحديث، وهو حافظ من حفاظ الحديث لا إشكال فيه، ثقة حافظ إلا أنه موصوف بالتدليس، فيطلب تصريحه بالسماع من جابر في غير الصحيح، أما في الصحيح فتدليسه مقبول عند أهل العلم، خلافًا لمن أعله، نعم.
حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا جرير عن قابوس بن أبي ظبيان قال: "صلينا يوما خلف أبي ظبيان صلاة الأولى ونحن شباب كلنا من الحي إلا المؤذن فإنه شيخ، فلما سلم التفت إلينا ثم جعل يسأل الشباب: من أنت؟ من أنت؟ فلما سألهم قال: إنه لم يبعث نبي إلا وهو شاب، ولم يؤت العلم خير منه وهو شاب".
يقول: "حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا جرير عن قابوس بن أبي ظبيان قال: "صلينا يومًا خلف أبي ظبيان": يعني أباه، "صلاة الأولى": صلاة الظهر، هي الصلاة الأولى؛ لأنها أول ما أمَّم جبريل النبي -عليه الصلاة والسلام- فيها، سميت الصلاة الأولى، "ونحن شباب كلنا من الحي إلا المؤذن فإنه شيخ": المؤذن شيخ كبير والبقية كلهم شباب، صلوا خلف أبي ظبيان، "فلما سلم": التفت إليهم ثم جعل يسألهم، "من أنت؟ من أنت؟": من أنت هذه طريقة معروفة، السؤال عن الشخص، عن اسمه وعن أبيه، وعما يتم تعريفه به، لتتم معاملته والتعامل معه بما يليق به، فقد أمرنا أن ننزل الناس منازلهم، فيتعامل معهم على حسب منازلهم، وكل إنسان له معاملة خاصة.
"من أنت؟ من أنت؟ فلما سألهم قال": *(كلمة غير مفهومة) شباب كلهم في سن الشباب لم يصلوا إلى حد الكهولة ولا الشيخوخة، "قال: إنه لم يبعث نبي إلا وهو شاب": وهو شاب، يعني ما بعث شيخًا كبيرًا أبيض اللحية، تعدى مرحلة الكهولة والشباب، إنما بعث وهو شاب، ومعروف أن الأنبياء يبعثون على رأس الأربعين -عليهم الصلاة والسلام- هذا في الغالب، وعلى رأسهم نبينا محمد -عليه الصلاة والسلام- في الأربعين بعث.
"ولم يؤت العلم خير منه وهو شاب": وهذا حث لهم على طلب العلم، حث لهم على طلب العلم، فالشاب يحرص على طلب العلم؛ لأن السن يؤهله للتحمل، وأيضًا البال فارغ، والتبعات والمسؤوليات أقل، والقوى كلها مكتملة ومجتمعة، الشاب يحرص على طلب العلم، ولا ييأس الشيخ؛ يوجد من كبار السن من تعلم واستفاد.
يذكر عن صالح بن كيسان أنه تعلم وهو ابن تسعين سنة، وأدرك حتى صار من كبار الآخذين عن الزهري، ويختلفون في السن، يعني أقل ما قيل خمسين، لكنه كبير، كبير جدًّا لما بدأ الطلب، فلا ييأس كبير السن، والآن -ولله الحمد- دور التحفيظ للذكور والإناث من أكبر الشواهد على هذا، يعني في السبعين امرأة تحفظ القرآن كاملًا! أمية لا تقرأ ولا تكتب، الحمد لله فتحت آفاق وآمال، واليأس التام الذي كان مطبقًا ومسيطرًا على الناس انتهى ولله الحمد.
ليس على الإنسان إلا أن يعزم ويصدق مع الله -جل وعلا- ويدرك ما يريد -إن شاء الله تعالى- وإذا لم يدرك يكفيه أنه يموت وعنده هذه النية في طلب العلم، والله المستعان نعم.
حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار قال: "ما أوتي شيء إلى شيء أزين من حلم إلى علم".
نعم، "عن عطاء بن يسار قال: "ما أوتي شيء إلى شيء": يعني ما انضم شيء إلى شيء، أفضل وأحسن، "من حلم إلى علم"؛ لأن العلم دون حلم يصاحبه ما يصاحبه من شطط ما يصاحبه من عنف، فالعلم بمفرده..، نعم العلم الشرعي قال الله وقال رسوله يربي الناس، لكن يبقى أيضًا أن الإنسان إذا طبع وجبل على ما يحبه الله ورسوله وهو الحلم كان نورًا على نور، وازدان بذلك، وزان علمه، وانضم الحلم إلى علمه، فصار نورًا على نور، يبقى أنه إذا جبل على سوء الخلق مثلًا، عليه أن يتحلم ويحاول أن يقهر نفسه على الحلم، ويرفق ويتأدب بالآداب الشرعية، ولا يلبث -إن شاء الله تعالى- أن يكون سجية له، لكن لو حصل له في يوم من الأيام أنه غفل عن هذا التحلم ثم حصل منه ما ينتقد به، يعود إلى رشده، ويندم على ما فات وينتهي أثره.
فالحلم لا شك أنه غريزة والله -سبحانه وتعالى- جبل بعض خلقه على هذا الخلق العظيم، لكن بعض الناس ما عنده هذا الخلق، جبل على غيره، لكن إذا تحلم، الحلم بالتحلم، كما أن العلم بالتعلم، فإذا وجد حلم بدون علم صار نقصًا، وإذا وجد علم بدون حلم لا شك أنه نقص، فإذا انضم الأمران معًا صار نورًا على نور واكتملت الحياة، الحياة الطيبة نعم.
والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"ليس له شرح مطبوع.
مقتضى قوله -جل وعلا-: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ} [(17) سورة النساء]، فآدم عمل سوء، نهي عن أكل الشجرة فأكل، وتاب فتاب الله عليه، فهو داخل في هذه الآية، لكن من باب الأدب مع الأنبياء لا يقال: جاهل، هذا من باب الأدب وإن كانت الآية تشمله وتعمه كغيره، ولا يتصور في أحد أنه يشمل العلم كله، فالعلم نسبي والجهل نسبي.
هذا يطلب، طريقة المتقدمين التي ذكرت في أول الدرس الأول، فذكر الراوي وذكر المؤلف في سند الكتاب التي يستنكرها بعض من لم يعامل مصنفات المتقدمين بأن يذكر المؤلف وقد يذكر الراوي عنه، هذه لا يستسيغها كثير من الناس وهذه أطلنا فيها، هذه انقرضت في عصر أصحاب الكتب الستة وشيوخهم.
الشيعة طوائف متفاوتة، وفرق متعددة، منهم الغلاة الذين يدعون أئمتهم من دون الله -جل وعلا- ويشركون بهم الشرك الأكبر، ومنهم من يدعي العصمة لأئمتهم، ومنهم من يكفر الصحابة، ومنهم من يزعم نقص القرآن، ومنهم من يقذف عائشة، كل هؤلاء كفار ولا يجوز الزواج منهم، أما كونه يميل إلى أهل البيت، ويعظم ويقدر أهل البيت، وعنده شيء من تفضيل أهل البيت هذا تشيع لا شك، لكنه تشيع خفيف لا يبطل العقد، فالإشكال فيما يخرج عن الملة، فإذا كان الإنسان في دائرة الملة فيصح الزواج منه وإلا فلا، وهم مثل ما ذكرنا، وفصل أهل العلم فيهم، هم طوائف كثيرة، منهم من بدعته كبرى مغلظة تخرج من الملة، فهذا لا يجوز الزواج منه، ومنهم من بدعته صغرى، فمثل هذا ما زال في دائرة الإسلام ونكاحه صحيح.
الذي يجيب الناس في كل ما يسألونه مهما بلغ من العلم لن يجيب الناس في كل ما يسألونه، إذا كان مرده إلى علمه، أما إذا كان يجيب كل شيء فيضطر أن يجيب بغير علم؛ لأنه لا يتصور مهما كان من العلم والإحاطة أنه سوف يجيب عن كل ما يسأل عنه، لا بد أن يمر عليه أسئلة لا يعرفها، فإذا أجاب عن كل ما سئل عنه، لا شك أنه لمجنون.
على كل حال من تعلم شيئًا لزمه أن يعمل به، من بلغه شيء لزمه العمل به، فإذا علمه الناس وتعدى نفعه، كان لهم أجر الدلالة على هذا الخير، لكن لا يسمى عالمًا إلا إذا حوى جملة صالحة لهذه التسمية.
على خلاف بين أهل العلم في المراد بالكتاب، وعلى كل حال المقرر عند أهل العلم أن القرآن فيه أصول الأشياء كلها.
لا بد من استحلاله؛ لأنه لا يكفي عدم القصد؛ لأن هذه حقوق العباد تثبت ولو بالخطأ، حق الله معفو عنه في الخطأ، لكن ما يترتب على ذلك من حقوق العباد تلزم وتترتب آثارها على مجرد الفعل ولو لم يقصد الخطأ؛ ولذا قتل الخطأ معروف، هو خطأ يريد أن يقتل صيدًا فيرمي إنسان يدان به، عليه الدية بالكفارة إذا كان مسلمًا، فيقول هذا: وهو لم يقصد الإفساد، على كل حال يسعى في الإصلاح بقدر ما سعى في الإفساد، وبذلك ينتهي أثر هذه المعصية مع الندم على ذلك وعدم العود، وإذا تحلل وطلب أن يبيحوه وعادوا إلى..، يكفي إن شاء الله.
بالنسبة لمذهب الحنابلة معروف كتبهم مرتبة يعني بدءًا من آداب المشي إلى الصلاة في الفقه، للشيخ محمد بن عبد الوهاب، ثم العمدة، ثم الدليل ثم الزاد، ثم بعد ذلك الإقناع والمنتهى، ثم بعد ذلك المقنع والكافي، ثم الكافي، ثم المغني، كتبهم موجودة ومرتبة ومعروفة، لكن بعضها يغني عن بعض، لا سيما إذا أراد الإنسان التفقه من طريق كتاب يجعله خطة عمل يسير عليها، يكتفي بكتاب واحد ويراجع كتب أخرى.
المالكية عندهم كتب ومختصرات يعني بدءًا من العشماوية متن مختصر جدًّا، إلى مختصر خليل وهو في غاية الصعوبة والتعقيد، لكنه متن معتمد عندهم، يربون عليه طالب علم؛ لأنه صعب وشديد، إذا تربى عليه طالب العلم أصعب من الزاد عندنا، إذا تربى طالب العلم على مختصر خليل خلاص اتركه، يبحث على كيفه، يفهم كل كلام من كلام الفقهاء.
الشافعية عندهم متون كثيرة من أهمها المنهاج للنووي، وعليه شروح كثيرة جدًّا، ومنها التنبيه لأبي إسحاق الشيرازي وعليه أيضًا شروح وحواش، ومنها أطول منها المهذب لأبي إسحاق الشيرازي، كتب كثيرة جدًّا، والوجيز للغزالي، ثم بعد ذلك يتدرجون في الكتب التي تعنى بذكر الدليل والخلاف.
والحنفية عندهم مختصر القدوري وعندهم غير مختصر القدوري، عندهم الهداية مطولة قليلًا، بداية المبتدئ التي هي متن الهداية، الهداية في شرح البداية، يعني البداية يعني تعادل الزاد عندنا، وعندهم مختصر القدوري عندهم كتاب مفصل وله شروح.
بداية المبتدي عليها بعض الملاحظات اليسيرة، يعني ما هي مرضية من كل وجه عندهم، والهداية كذلك، لكن مع ذلكم هي عمدة عندهم،* وشرحوها شروحًا كثيرة، لها شرح للعيني، ولها شرح للكمال بن الهمام، وهو من أفضل شروحها؛ لأنه من تلاميذ الحافظ ابن حجر ويدعم اختياراته بالدليل، وهو كتاب مناسب لطالب العلم.
على كل حال وجد، نقول: وصلتنا عن طريق أهل الكتاب، ومثل هذه في الغالب أنها لا تكون أسانيد متصلة إلا إذا حفظت في دواوين الإسلام المعروفة المشهورة بالأسانيد الصحيحة.
نعم ويجعل محور درسه صحيح البخاري، ويعنى بصحيح البخاري ويدرس صحيح البخاري من كل وجه، هذا إذا تجاوز مرحلة حفظ المتون الأولى، الأربعين ثم العمدة ثم البلوغ أو المحرر، حينئذ يتسنى له النظر في صحيح البخاري ويجعله هو ديدنه، ثم بعد ذلك إذا مر بحديث يتفق مع البخاري في تخريجه مسلم يراجع صحيح مسلم، ويكتب على هذا الحديث أنه تمت مراجعته مع صحيح البخاري، وهكذا إلى أن ينتهي الكتاب، إذا مر حديث خرجه الترمذي يشير عليه أنه تمت دراسته من صحيح البخاري، إذا مر عليه حديث في سنن النسائي يشير عليه أنه درس من صحيح البخاري، إذا مر..، وهكذا، إذا انتهى من صحيح البخاري يأتي إلى مسلم، أحاديث مسلم عنده جزء كبير منها وافق فيها البخاري نزلت بحسابها، فيأخذ القدر الزائد من مسلم على صحيح البخاري، وهو يدرس صحيح مسلم يجعل بجانبه السنن الأربع، يوافق مسلم على تخريج هذا الحديث أبو داود يشير إليه أن هذا الحديث في سنن أبي داود تم مع صحيح مسلم، وافقه عليه النسائي يشير إلى أن هذا الحديث درس في صحيح مسلم، فإذا انتهى من صحيح مسلم يبدأ بسنن أبي داود، يصير الآن ممكن نصف سنن، أقل من..، ثلث سنن أبي داود يطرحها في حسابه، فيجعل محور العمل بعد ذلك زوائد سنن أبي داود على الصحيحين، طريقة سهلة يا إخوان، صحيح أنها تحتاج إلى وقت، لكن هذا العلم.
أنت الآن انتهيت مما في الصحيحين ومن سنن أبي داود، نسبة كبيرة، ثم بعد ذلك إذا هذا الحديث الذي ليس في الصحيحين من زوائد أبي داود على الصحيحين موجود في الترمذي تشير إلى أن هذا سبق دراسته في سنن أبي داود يطرح في حسابه، في سنن النسائي كذلك إلى أن ينتهي سنن أبي داود، فتأتي إلى الترمذي تجد عندك نصف الترمذي انتهى في الصحيحين وسنن أبي داود، هذا النصف الباقي تدرسه مع بقية السنن تشير على ما في سنن النسائي ما درس مع الترمذي هذه الزائدة، عندك مجموعة من سنن النسائي درست مع البخاري، درست مع مسلم، درست مع أبي داود، درست..، نعم ثم بعد ذلك بهذه الطريقة تصل إلى سنن ابن ماجه وعندك آخر الزوائد.
الآن كثير* تعتني بالكتب الستة بخمس سنن؟ هذا كثير؟ ليس بكثير، العمر ينتهي، يوم ثم يوم، ثم يوم وتنتهي الأيام وأنت ما سويت شيئًا، سوي شيئًا، ما مسكت الطريقة لكي تتفقه بها، فهذه الطريقة نقول: قبل أن ينشغل الإنسان عن تنفيذ هذه الطريقة يبدأ بها، وذلك بعد العناية بكتاب الله -جل وعلا-، فإذا طبقنا هذه الطريقة انتهينا من الكتب الستة، صار عندنا تصور كامل للكتب الأصلية، أما نعتمد على المختصرات، نأخذ مختصر الزبيدي، ثم نأخذ الزوائد من صحيح مسلم من مختصر المنذري ما يصلح هذا، يفوت طالب العلم خير كثير، نعم الطالب الصغير الذي يوجه للحفظ في بداية الأمر قد لا يستوعب كثيرًا من الأمور التي توجد في الأصول يقول: أنا أحفظ، خزن الآن، ثم بعد ذلك تفقه فيما بعد، لكن الطالب المتأهل ما فيه أنفع له من هذه الطريقة.
أولًا: كلمة ذهب العلماء، ما ذهب العلماء، والعلماء موجودون، أهل العلم والفضل والصلاح والخير والاستقامة موجودون، عندنا علماء، عندنا دعاة، عندنا قضاة، عندنا عُبّاد، والحمد لله الأرض فيها خير، لكن مع ذلكم عليهم تبعات كبيرة في تبليغ هذا العلم، وفي نشر هذا الدين، وفي متابعة ذلك.
أولًا: تحية المسجد سنة جاء الأمر بها، ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين))، لكن إذا كان هناك درس النبي -عليه الصلاة والسلام- في خطبة الجمعة قال للداخل: ((هل صليت ركعتين؟)) قال: لا، قال: ((قم فاركع ركعتين وتجوز فيهما)) هذه في خطبة الجمعة واجبة الاستماع، لكن لما دخل الثلاثة ما حفظ أنه قال للذي جلس هل صليت ركعتين، لكن من أهل العلم من يقول: إن هذا محفوظ ولا يحتاج التنصيص عليه، هذا ثابت بنصوص أخرى ما يحتاج إلى أن ينص عليه في كل مناسبة، فلعل النبي -عليه الصلاة والسلام- رآهم صلوا فما يحتاج إلى أن يسألهم، فتحية المسجد سنة مؤكدة، يبقى أن من خرج ليدخل، ما هو بقصده الخروج من المسجد، فمن خرج ليدخل بعض أهل العلم يتسامح في حقه، ومثله من تكرر منه الخروج أو خرج قريبًا ثم عاد، مثل هذا يتسامح في حقه، مع أن الأولى أن يصلي ركعتين.
إذا كان الهدف والباعث على دخوله الجامعة وطلب العلم هذا متوعد بالوعيد المذكور، وعليه أن يجاهد نفسه.
جاء في الحديث الصحيح: ((من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده)) ((من رأى منكم)): هذه (من) من صيغ العموم تتجه إلى كل من يسمع هذا الكلام، كل من يتجه إليه الخطاب يتعين عليه، ((من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه)) الذي لا ينكر المنكر بقلبه ليس عنده إيمان بالكلية، ليس له على ذلك من الإيمان حبة خردل -نسأل الله السلامة والعافية- لكن ينبغي أن نفقه كيف ننكر المنكر؛ بحيث لا يترتب على المنكر شر أعظم منه، مفسدة أعظم منه، منكر أعظم منه؛ لأن الإنسان قد يثق بنفسه ثم بعد ذلك يجرؤ على إنكار منكر بيده، أو بلسانه في بعض المناسبات، وبعض الأماكن يترتب على ذلك منكر أعظم منه، إما يختصه وهذا مسألة ارتكاب العزيمة، مسألة معروفة عند أهل العلم، وارتكبها بعض الصحابة، لكن الإشكال إذا كان هناك مفسدة متعدية إلى غيره، هنا حينئذ يلزمه أن يكف، يكف عن الإنكار ويكتفي بالإنكار بقلبه، وعلى كل حال خصيصة هذه الأمة وسبب تفضيلها على سائل الأمم هو ماذا؟ قيامها بهذه الشعيرة، {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} لماذا؟ لأنكم عرب؟ لا، لأنكم تسكنون هذه البلاد؟ لا، السبب: {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ} [(110) سورة آل عمران]، هذه خصيصة، هذه مزية هذه الأمة، أما إذا عطلنا هذه الشعيرة ما صار لنا مزية أبدًا على سائر الأمم، بل حلت بنا العقوبة، وحلت بنا المثلات، وصدمنا الغير، لكن إذا وجدت المدافعة للمنكرات والشرور بالطرق المناسبة والطرق المتاحة، يدفع الله عنا بذلك الشر العظيم، لكن الإشكال في التواطؤ على السكوت، وإقرار المنكرات هو الذي يجعلها تستشري وتزيد ثم يعلن الناس العجز، ثم يقولون: عمت بها البلوى، ما عمت البلوى حتى تواطئنا على السكوت، وإلا لو كل إنسان يمر على صاحب محل يبيع شيئًا محرمًا، يقول له: هذا محرم، ما صارت مثل هذه المنكرات، لو كل واحد منا يمر على مستوصف أو مستشفى به مخالفات لو يدخل فقط مع الباب يهابونه الفساق فضلًا عن كونه يسدي نصيحة أو كلمة أو يتحسس بعض الأمور التي قد توجد بل استفاضت في بعض المحافل، وقصور الأفراح والاجتماعات كلها فيها منكرات تحتاج إلى وقفة صادقة بالإنكار، بالطرق التي تتاح للإنسان بحيث لا يترتب عليها مفسدة أعظم منها.
الأحاديث التي مرت عبد الله من غير تبيين، ومن غير تمييز هو عبد الله بن مسعود.
الفاسق هو المعلن، المعلن بمعصيته الذي يتظاهر بها، أجاز جمع من أهل العلم غيبته، لا غيبة لفاسق عندهم، وقال غيرهم: إنه ما دام في دائرة الإسلام فعرضه محترم لا يجوز الكلام فيه، نعم إذا كان الباعث على الكلام فيه النصيحة فالنصيحة واجبة، وإلا فالأصل أن يكون الكلام بينك وبينه من باب النصيحة إليه سرًّا ليقبل.
وهل أي شخص نغتابه وفي بعض المجالس ننكر، فيقولون بعض طلبة العلم: فلان فاسق، الغيبة فيه جائزة، كيف الرد؟
على كل حال الأمور بمقاصدها، إذا كان الكلام في هذا الشخص -حتى على القول بجواز غيبة الفاسق- إذا كان القصد والهدف من الكلام فيه التحذير منه ومن فعله فلا بأس، أما إذا كان المراد من ذلك التشفي بعرضه لا يجوز، وينبغي أن يكون الكلام بقدر الحاجة، أن يكون الكلام مع الحاجة الشديدة والماسة إلى ذلك، ويكون أيضًا بقدر الحاجة، وعلى الإنسان أن يحفظ لسانه.
إذا كان إمامًا وخرج من المسجد لأداء الصلاة في جماعته لا شيء عليه، الكلام إذا لم يكن هناك حاجة.