التعليق على تفسير القرطبي - سورة يوسف (02)
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى-:
"قوله -تعالى-: {وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ} [يوسف: 6] الكاف في موضع نصبٍ لأنها نعت لمصدر محذوف، وكذلك الكاف في قوله: {كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ} [يوسف: 6] و{ما} كافة.
وقيل: {وَكَذلِكَ} [يوسف: 6] أي كما أكرمك بالرؤيا فكذلك يجتبيك، ويحسن إليك بتحقيق الرؤيا.".
الكاف في موضع نصب؛ لأنها نعت لمصدر محذوف تقديره: الاجتباء، لكن أين موقع الاجتباء الموصوف؟ وكذلك الاجتباء يجتبيك، ومثل ذلك الاجتباء يجتبيك، أين الكاف التي في موضع نصب؟
طالب: ..........
أي كاف، عندنا كم كاف؟
طالب: ..........
{وَكَذلِكَ} [يوسف: 6] فيها اثنتان، و{يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ} [يوسف: 6] خمسة أو ستة، {وَكَذلِكَ} [يوسف: 6]، تقدير الكلام؟
طالب: ..........
{يَجْتَبِيكَ} [يوسف: 6]؟ التقدير: ومثل ذلك الاجتباء يجتبيك، لكن يستقيم هذا التعبير، لتكون الكاف نعتًا؟ على هذا التقدير تكون الكاف قبل المنعوت، ومثل ذلك الاجتباء يجتبيك، يمكن أن يتقدم النعت على المنعوت؟
طالب: ..........
كيف يكون تقدير الكلام؟
طالب: ..........
يكون فيه تقديم وتأخير، الكاف في موضع نصب؛ لأنها نعت لمصدر محذوف، المصدر المحذوف يدل عليه السياق وهو الاجتباء، هذا المصدر المحذوف، لكن أين موقع هذا المصدر ليتم وصفه بالكاف؟ اجتباءٌ مثل ذلك الاجتباء يجتبيك، تكون نكرة موصوفة بالكاف، وإتمام كالإتمام على أبويك من قبل.
"قال مقاتل: بالسجود لك. وقال الحسن: بالنبوة. والاجتباء: اختيار معالي الأمور للمجتبى".
الاجتباء، الاجتباء اختيار معالي الأمور للمجتبى، الاجتباء معناه الاختيار، ومعناه الاصطفاء، فالمجتبى والمصطفى والمختار معانيها متقاربة، المجتبى والمصطفى والمختار معانيها متقاربة، والاجتباء اختيار معالي الأمور للمجتبى، هذا الكلام صحيح ولا فيه ما فيه؟ أو اختيار للمجتبى نفسه؟ الاجتباء اختيار للمجتبى نفسه، للمختار نفسه، هل الاجتباء اختيار للشيء نفسه أو اختيار له؟
طالب: اختيار للشيء نفسه، اختيار الرسول، {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ المَلائِكَةِ رُسُلًا} [الحج: 75].
طالب: الاصطفاء اختيار الشيء نفسه، والاجتباء اختيار للشيء.
الاصطفاء اختيار الشيء نفسه، وقلنا: الاجتباء والاختيار والاصطفاء معناه متقاربة.
لو كان اجتناء غير الاجتباء، الاجتناء يجتني لك، وقد جنيتك يعني جنيت لك، أما اجتبيتك واخترتك واصطفيتك، يعني اخترت لك واصطفيت لك؟ أو اخترتك نفسك أنت؟ نعم، فالاختيار له نفسه، وهنا يقول: والاجتباء اختيار معالي الأمور للمجتبى، لكن من لازم المجتبى أن يكون مشتملًا على معالي الأمور، فهذا من لازم الاجتباء وليس هو معنى الاجتباء.
"وأصله من جبيت الشيء أي حصلته، ومنه جبيت الماء في الحوض، قاله النحاس. وهذا ثناء من الله -تعالى- على يوسف -عليه السلام-، وتعديد فيما عدده عليه من النعم التي آتاه الله- تعالى-، من التمكين في الأرض، وتعليم تأويل الأحاديث، وأجمعوا أن ذلك في تأويل الرؤيا.
قال عبد الله بن شداد بن الهاد: كان تفسير رؤيا يوسف -صلى الله عليه وسلم- بعد أربعين سنة، وذلك منتهى الرؤيا. وعنى بالأحاديث ما يراه الناس في المنام، وهي معجزة له، فإنه لم يلحقه فيها خطأ. وكان يوسف -عليه السلام- أعلم الناس بتأويلها، وكان نبينا -صلى الله عليه وسلم- نحو ذلك، وكان الصديق -رضي الله عنه- من أعبر الناس لها، وحصل لابن سيرين فيها التقدم العظيم، والطبع والإحسان، ونحوه أو قريب منه كان سعيد بن المسيب فيما ذكروا.
وقد قيل في تأويل قوله: {وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ} [يوسف: 6] أي أحاديث الأمم والكتب ودلائل التوحيد".
يوسف -عليه السلام- برز في تأويل الرؤيا، والنبي -عليه الصلاة والسلام- له من ذلك النصيب الوافر، فكان يسألهم ويؤول لهم، وطلب أبو بكر من النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ كما في الصحيح فأولها، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «أصبت شيئًا، وأخطأت شيئًا»، وهذا أبو بكر -رضي الله عنه-، وله من التقدم في الدين والسابقة والمنزلة الرفيعة العالية، وله أيضًا من هذا الباب الحظ الوافر أصاب وأخطأ، مع أن تأويله للرؤيا لا يكاد يخطر على بال أحد، وهو أقرب للإصابة من غيره، ويوجد من يجزم بتأويل كل رؤيا؛ كأنها الشمس، كأنه يلقى في روعه هذا التأويل، ويخبر ما تحتف به هذه الرؤيا من دقائق بعضها من علم الغيب.
لا شك أن تعبير الرؤيا له أصل، وأن الرؤيا منها ما يكون له حقيقة أنه يأتي مثل فلق الصبح، ومنها ما هو أضغاث أحلام لا تؤول، والرؤيا تختلف باختلاف السائلين، فلا بد من معرفة السائل، ومعرفة وضعه وظرفه، والله المستعان.
ابن سيرين حصل له في ذلك الباب التقدم العظيم مع أنه ما أُثر عنه في تعبير الرؤيا شيء قليل بالنسبة لما نُسب إليه، نسب إليه الشيء الكثير، لكن الكتب المطبوعة باسم ابن سيرين كلها موضوعة عليه، قد يكون فيها شيء من الصواب، لكن هي موضوعة؛ كما أن التفسير المنسوب لابن عباس موضوع عليه، وإن كان لابن عباس من ذلك القدح المعلى في التفسير، لكن فرق بين أن ينسب الشيء إلى الشخص وهو لم يقله، وإن كان بارعًا في ذلك الباب، ولولا براعته في هذا الباب لما نسب إليه كل هذه الأمور، فكتب التعبير الموجودة المنسوبة لابن سيرين موضوعة مكذوبة عليه، نعم هو متميز في هذا الباب، لكن لا يلزم أن يكون كل رؤيا تنسب إليه تكون ثابتة بالنسبة إليه؛ كما أن تنوير المقباس من تفسير ابن عباس موضوع على ابن عباس.
طالب: يا شيخ!
نعم.
طالب: أحسن الله إليك، هل بالنسبة لتفسير ابن عباس هو لم يقله أصلًا حتى ولو....
قد يوافق، قد يوافق، هو مروي عنه بهذه الطريقة بإسناد فيه بعض الوضاعين، لكن ابن عباس هل يمكن أن يمسك القرآن يفسره كلمة بكلمة بمقدارها مثل ما يفسر الجلالين؛ لأنه بحجم الجلالين الكلمة ومعناها، مروي عنه بإسناد مسلسل بالمتهمين والوضاعين.
طالب: فيه رسالة في.....
كونه يجمع تفسير ابن عباس المروي عنه بالأسانيد، وينظر في هذه الأسانيد، وينظر في الثابت وغيره، لا بأس، لكن يقال: هذا المجلد من وضع ابن عباس، نقول: ليس بصحيح.
طالب: ..........
يعني أهل التأويل، أهل التفسير أجمعوا على أن تعليم هذه الأحاديث في هذا الباب.
طالب: ..........
نقل الإجماع يسارع كثير من أهل العلم إلى حكايته إذا لم يطلع على مخالف، وبعضهم يتساهل فينقل الإجماع مع وجود المخالف، وأحيانًا هو يذكر نفسه المخالف، على أنه قد يكون هذا المخالف من يعتد بقوله، ومن لا يعتد بقوله، وهذا موجود عند ابن عبد البر، وابن قدامة، وابن المنذر، والنووي، كلهم يسارعون في نقل الإجماع في مسائل بعضها الخلاف موجود، وبعضهم يقتصر على نفي الخلاف علمه، لا يعلم في هذه المسألة مخالف، ولا يُعلم لهم مخالف -على حد علمه-، وهذا أسهل، لكن الكلام على نقل الإجماع الذي هو حجة، إجماع مجتهدي الأمة حجة، مع وجود المخالف في كثير من هذه الإجماعات، تجعل طالب العلم -كما قال الشوكاني- لا يهاب الإجماع، معنى الإجماع ينبغي -إذا ثبت-أن تكون له هيبة؛ لأن الأمة لا تجمع على ضلالة أبدًا حتى إن بعض الأصوليين قدم الإجماع على النصوص، على نصوص الكتاب والسنة؛ لأن النصوص تحتمل النسخ والتأويل أما الإجماع فلا.
النووي -رحمه الله- نقل الإجماع على أن صلاة الكسوف سنة مع قول أبي عوانة في صحيحه: باب وجوب صلاة الكسوف، نقل الإجماع على أن عيادة المريض سنة مع قول الإمام البخاري باب وجوب عيادة المريض، وغير ذلك.
الإمام مالك -رحمه الله- قال: لا أعلم مخالفًا أو أحدًا قال برد اليمين مع أن قضاة عصره يقولون بذلك، ابن أبي ليلى، وابن شبرمة، وغيرهما، قضاة عصره.
الشافعي ذكر، أو نفى الخلاف على حسب علمه، الخلاف في وجوب الزكاة في أقل من ثلاثين من البقر، مع أن الخلاف في العشر معروف عن عثمان وابن عباس.
المقصود أن مثل هذه الإجماعات لا بد أن يتثبت فيها ويتأكد منها.
طالب: ..........
ما يلزم، فراسة، فراسة ومهنة، دربة، دربة وفراسة.
طالب: ..........
يعني ما يمكن أن يطول أمدها أكثر من أربعين، يعني وقوع التأويل لا يطول أمده بعد الرؤيا أكثر من أربعين.
طالب: ..........
نعم.
"فهو إشارة إلى النبوة، وهو المقصود بقوله: {وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ} [يوسف: 6] أي بالنبوة. وقيل: بإخراج إخوتك، إليك، وقيل: بإنجائك من كل مكروه. {كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ} [يوسف: 6] بالخلة، وإنجائه من النار. {وَإِسْحاقَ} [يوسف: 6] بالنبوة. وقيل: من الذبح، قاله عكرمة".
معروف الخلاف في الذبيح، هل هو إسحاق أو إسماعيل؟ كلام طويل لأهل العلم، لكن المرجح عند المحققين منهم أنه إسماعيل.
"وأعلمه الله -تعالى- بقوله: {وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ} [يوسف: 6] أنه سيعطي بنى يعقوب كلهم النبوة، قاله جماعة من المفسرين".
والخلاف في نبوتهم معروف، أثبته شيخ الإسلام -رحمه الله-، أما الحافظ ابن كثير فيقول: لا أعلم ما يدل على نبوتهم.
"{إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ} [يوسف: 6] بما يعطيك. {حَكِيمٌ} [يوسف: 6] في فعله بك.
قوله -تعالى-: {لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ} [يوسف: 7] يعني، من سأل عن حديثهم. وقرأ أهل مكة (آية) [يوسف: 7] على التوحيد، واختار أبو عبيد {آياتٌ} [يوسف: 7] على الجمع، قال: لأنها خير كثير. قال النحاس: و(آية) [يوسف: 7] هنا قراءة حسنة، أي لقد كان للذين سألوا عن خبر يوسف آية فيما خبروا به؛ لأنهم سألوا النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو بمكة فقالوا: أخبرنا عن رجل من الأنبياء كان بالشام أخرج ابنه إلى مصر، فبكى عليه حتى عمي؟".
قد يقول قائل: ما هذا السؤال؟ صغار الطلاب يعرفون الجواب عليه، فكيف يُسأل نبي مؤيد بالمعجزة؟
أخبرنا عن رجل من الأنبياء كان بالشام أُخرج ابنه إلى مصر، فبكى عليه حتى عمي، لو تسأل طالبًا في أدنى المراحل التعليمية أجابك من هو؟ فكيف يُسأل عنه نبي؟ يعني هو تلقى هذا، هذا من القرآن، تلقى الجواب من القرآن، لكن المسألة مفترضة في شخص ما نزل عليه وحي أصلًا، أو ما نزل عليه إلا وحي من السماء، يعني ما تلقى علومًا من غير الوحي، فبذلك تثبت نبوته -عليه الصلاة والسلام-.
"ولم يكن بمكة أحد من أهل الكتاب، ولا من يعرف خبر الأنبياء، وإنما وجه اليهود إليهم من المدينة يسألونه عن هذا- فأنزل الله -عز وجل- سورة يوسف جملة واحدة، فيها كل ما في التوراة من خبر وزيادة، فكان ذلك آية للنبي -صلى الله عليه وسلم-، بمنزلة إحياء عيسى ابن مريم -عليه السلام- الميت. {آياتٌ} [يوسف: 7] موعظة، وقيل: عبرة. وروي أنها في بعض المصاحف (عبرة) [يوسف: 7]. وقيل: بصيرة. وقيل: عجب، تقول فلان آية في العلم والحسن أي عجب.
قال الثعلبي في تفسيره: لما بلغت الرؤيا إخوة يوسف حسدوه، وقال ابن زيد: كانوا أنبياء، وقالوا: ما يرضى أن يسجد له إخوته حتى يسجد له أبواه! فبغوه بالعداوة، وقد تقدم رد هذا القول".
رد هذا القول من جهة أن الأنبياء لا يقع منهم مثل هذه الأمور، وهذه التصرفات من محاولة قتله، أو إلقائه في الجب، أو حسده، لكن إن كان ذلك قبل النبوة فظاهر، وإن كان بعدها فالخلاف معروف، هل يقع من الأنبياء شيء من المعاصي ويوفقون للتوبة منها؟ والمسألة معروفة عند أهل العلم.
"قال الله -تعالى-: {لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ} [يوسف: 7] وأسماؤهم: روبيل وهو أكبرهم، وشمعون ولاوي ويهوذا وزيالون ويشجر، وأمهم ليا بنت ليان، وهي بنت خال يعقوب، وولد له من سريتين أربعة نفر، دان ونفتالى وجاد وآشر، ثم توفيت ليا فتزوج يعقوب أختها راحيل، فولدت له يوسف وبنيامين، فكان بنو يعقوب اثني عشر رجلا. قال السهيلي: وأم يعقوب اسمها رفقا، وراحيل ماتت في نفاس بنيامين، وليان بن ناهر بن آزر هو خال يعقوب.
وقيل: في اسم الأمتين ليا وتلتا، كانت إحداهما لراحيل، والأخرى لأختها ليا، وكانتا قد وهبتاهما ليعقوب، وكان يعقوب قد جمع بينهما، ولم يحل لأحد بعده، لقول الله -تعالى-: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ} [النساء: 23]. وقد تقدم الرد على ما قاله ابن زيد، والحمد لله".
يعني من زعمه أنهم أنبياء.
"قوله -تعالى-: {إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ} [يوسف: 8] {لَيُوسُفُ} [يوسف: 8] رفع بالابتداء، واللام للتأكيد، وهي التي يتلقى بها القسم، أي والله ليوسف. {وَأَخُوهُ} [يوسف: 8] عطف عليه. {أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا} [يوسف: 8] خبره، ولا يثنى ولا يجمع؛ لأنه بمعنى الفعل".
أحب، أحب خبر المبتدأ: {لَيُوسُفُ} [يوسف: 8]، اللام هذه موطئة لقسم محذوف، ما تجيء ابتدائية؟ تجيء أم ما تجيء؟
طالب: ...........
تأكيد، اللام المؤكدة، {لَمُرْسَلُونَ} [يس: 16]، هل يجر بالقسم؟ لا، هذه هي اللام التي يسمونها إيش؟ المزحلقة، والأصل أن تقترن بالمبتدأ، لكن زحلقت إلى الخبر.
لماذا لا نقول: {لَيُوسُفُ} [يوسف: 8] هذه اللام التي هي لام التأكيد؟ لماذا نقول: موطئة؟
طالب: ..........
يوسف رفعت بالابتداء، واللام للتأكيد، وهي التي يتلقى بها القسم؛ لأنه واقع في قسم محذوف، موطئة لقسم محذوف، تقديره للقارئ: والله ليوسف وأخوه أحبُّ، وأفرد أحب؛ لأنه أفعل تفضيل، أفعل التفضيل يثنى ويجمع أم يطابق ولا يلزم حالة واحدة؟
طالب: إذا كان مجردًا من (أل) يا شيخ، يلزم حالة واحدة.
والآن فيها (أل)، أحب؟ والأصل أنهما اثنان.
طالب: لكن هو يلزم الإفراد.
وهو إيش؟
طالب: يلزم إفراده.
التذكير.
طالب: والتذكير.
التذكير.
طالب: ..........
على القول بنبوتهم لا بأس بالتسمية بأسماء الأنبياء والملائكة، لا بأس، ما لم يقتضِ تزكية.
"وإنما قالوا هذا؛ لأن خبر المنام بلغهم فتآمروا في كيده. {وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} [يوسف: 8] أي: جماعة، وكانوا عشرة. والعصبة ما بين الواحد إلى العشرة، وقيل: إلى الخمسة عشر. وقيل: ما بين الأربعين إلى العشرة، ولا واحد لها من لفظها كالنفر والرهط. {إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [يوسف: 8] لم يريدوا ضلال الدين، إذ لو أرادوه لكانوا كفارًا".
يعرفون أنه نبي، ولو رموا نبيًّا بالضلال، أو رمى أحد نبيًّا بالضلال لكفر، نسأل الله العافية، لكن ما معنى هذا الضلال؟ لم يريدوا ضلال الدين، بل أرادوا.
"بل أرادوا لفي ذهاب عن وجه التدبير، في إيثار اثنين على عشرة مع استوائهم في الانتساب إليه. وقيل: لفي خطأ بيِّن بإيثاره يوسف وأخاه علينا.
قوله -تعالى-: {اقْتُلُوا يُوسُفَ} [يوسف: 9] في الكلام حذف، أي قال قائل منهم: {اقْتُلُوا يُوسُفَ} [يوسف: 9]؛ ليكون أحسم لمادة الأمر. {أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا} [يوسف: 9]".
لأن غير القتل من وجهة نظر هذا القائل ما يحسم المادة، ويقضي على الموضوع من مهده، لو ما فعل به غير القتل احتمال أن يعود إليهم فيحصل له ما يحصل مما يغيظه ويكيده.
"{أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا} [يوسف: 9] أي في أرض، فأسقط الخافض، وانتصب الأرض".
فيكون في هذا منصوبًا على نزع الخافض.
"وأنشد سيبويه فيما حذف منه (في):
لدن بهز الكف يعسل متنه |
| فيه كما عسل الطريق الثعلب" |
يعني عن الطريق.
"قال النحاس: إلا أنه في الآية حَسَن كثير".
حَسَنٌ كثير، يعني حذف الجار هنا في مثل هذا التركيب حَسَنٌ كثير.
طالب: ..........
ماذا؟
طالب: ..........
كيف؟
طالب: ..........
هو ما فيه شك أن يعقوب -عليه السلام- يؤثر يوسف بلا شك، يؤثره، ولا يمنع أن يكون في شريعته جواز ذلك، أو يؤثره بالميل إليه بالقلب الذي لا يُملك.
"إلا أنه في الآية حَسَن كثير؛ لأنه يتعدى إلى مفعولين، أحدهما بحرف، فإذا حذفت الحرف تعدى الفعل إليه. والقائل قيل: هو شمعون، قاله وهب بن منبه. وقال كعب الأحبار، دان. وقال مقاتل: روبيل، والله أعلم. والمعنى أرضًا تبعد عن أبيه، فلا بد من هذا الإضمار؛ لأنه كان عند أبيه في أرض. {يَخْلُ} [يوسف: 9] جزم؛ لأنه جواب الأمر، معناه: يخلص ويصفو".
إما جواب الأمر أو جواب شرط مقدر على خلاف في ذلك.
"{لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ} [يوسف: 9] فيقبل عليكم بكليته. {وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ} [يوسف: 9] أي من بعد الذنب، وقيل: من بعد يوسف. {قَوْمًا صالِحِينَ} [يوسف: 9] أي تائبين، أي تحدثوا توبة بعد ذلك فيقبلها الله منكم، وفي هذا دليل على أن توبة القاتل مقبولة؛ لأن الله -تعالى- لم ينكر هذا القول منهم.
وقيل: {صالِحِينَ} [يوسف: 9] أي يصلح شأنكم عند أبيكم من غير أثرة ولا تفضيل.
قوله -تعالى-: {قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ} [يوسف: 10]، فيه ثلاث عشرة مسألة:
الأولى: قوله -تعالى-: {قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ} [يوسف: 10] القائل هو يهوذا، وهو أكبر ولد يعقوب، قاله ابن عباس. وقيل: روبيل، وهو ابن خالته، وهو الذي قال: {فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ} [يوسف: 80] الآية. وقيل: شمعون. {وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ} [يوسف: 10] قرأ أهل مكة وأهل البصرة وأهل الكوفة: {فِي غَيابَتِ الْجُبِّ} [يوسف: 10]".
يعني على الإفراد، غيابة.
"وقرأ أهل المدينة: (في غيابات الجب) [يوسف: 10] واختار أبو عبيد التوحيد؛ لأنه على موضع واحد ألقوه فيه، وأنكر الجمع لهذا. قال النحاس: وهذا تضييق في اللغة، (وغيابات) على الجمع يجوز من وجهين: حكى سيبويه سير عليه عشيانات وأصيلانات، يريد عشية وأصيلًا، فجعل كل وقت منها عشية وأصيلًا، فكذا جعل كل موضع مما يغيب غيابة. والآخر: أن يكون في الجب غيابات جماعة. ويقال: غاب يغيب غيبًا وغيابة وغيابًا، كما قال الشاعر:
ألا فالبثا شهرين أو نصف ثالث |
| أنا ذاكما قد غيبتني غيابيا |
قال الهروي: والغيابة شبه لَجَفٍ أو طاق في البئر فويق الماء، يغيب الشيء عن العين. وقال ابن عُزَيْز: كل شيء عنك غيب شيئًا فهو غيابة. قلت: ومنه قيل للقبر: غيابة".
ابن عزيز هذا معروف؟ معروف أم ليس معروفًا؟
طالب: ..........
نعم، سجستاني، سجستاني، له غريب القرآن، جزء صغير، مطبوع ومتداول، ابن عزيز السجستاني.
طالب: ..........
لا، هو من حيث المعنى، تكلموا من حيث المعنى، والرد لا يعني أنها ترفض، يعني أنها تفضل تلك عليها، ومن حيث المعنى (غيابات) [يوسف: 10] الجب ما فيه إلا غيابة واحدة، كيف يقول: (غيابات الجب) [يوسف: 10]؟
هذا مجرد ترجيح.
طالب: ما يكون الجمع هذا على سبيل المبالغة مثل ما يقول: ظُلَم مدلهمات، وكذا؟
نعم، لكن ظلم جملة ظلمة، والظلم أكثر من واحدة.
طالب: ..........
لكن هل يتصور أن يوسف يدخل في غيابات كثيرة أو في غيابة واحدة في الجب؟
طالب: في غيابة واحدة، وعلى سبيل المبالغة تُجمع، يعني مثل ما قلنا: مشى في ظلمة مدلهمة، في ظلمات مدلهمات، يقصدون ظلم الليل.
ظلم الليل وغيره.
طالب: أو غيره، نعم.
ظلم الليل وغيره، {ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ} [الزمر: 6]، قد تزيد على ذلك.
طالب: ..........
هناك في الأول.
طالب: ..........
هو على حسب السياق، إن كانت سيقت مساق الإنكار، فلا يحتاج النص على إنكارها، إن كان السياق يقتضي الإنكار فهي منكر، إن كان السياق يقتضي الإقرار فهي مقرة، ولذا لما قال اليهودي: إن الله -سبحانه وتعالى- يضع السموات على إصبع، والأرضين على إصبع، إلى آخره، هل هذا إقرار أم إنكار لما ساقه النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ يسوقه مساق الإقرار أم الإنكار؟
إقرار، لكن النافي يقول: يسوقه مساق إنكار، الجهمية وغيرهم الذين ينكرون الصفات يقولون: أبدًا، يسوقه للتعجب منه، كيف يجرؤ ابن آدم أن يقول مثل هذا الكلام؟ فالسياق هو الذي يدل على إثباته وعلى نفيه.
طالب: ..........
كيف؟
طالب: ..........
لكن هو إقرار أم إنكار؟ سياقها، سياق إقرار أم إنكار؟ لا شك أنه إقرار، إقرار، يعني لما ساق النبي -عليه الصلاة والسلام- قصة الغلام، في قصة أصحاب الأخدود، وأنهم ذهبوا به ليرموه من شاهق، ويغرقوه في البحر، وأنه فعل وترك، وأنهم لم يستطيعوا قتله إلا بما دلهم عليه به، سيقت في شرعنا مساق إقرار أم إنكار؟
إقرار بلا شك، والسياق يدل على ذلك.
فالسياق له نصيب من الإقرار ونفيه.
طالب: ..........
أين؟
طالب: ..........
نعم، معروف.
طالب: ..........
لكنهم عزموا وألقوه، ألقوه في غيابة الجب، يعني يغلب على الظن هلاكه، ألقوه وتركوه، إما مات بالوقوع، أو بحية، أو بجوع، عطش، فالغالب على الظن هلاكه.
"ومنه قيل للقبر غيابة، قال الشاعر:
فإن أنا يومًا غيبتني غيابتي |
| فسيروا بسيري في العشيرة والأهل |
والجب الركية التي لم تطو، فإذا طويت فهي بئر، قال الأعشى:
لئن كنت في جب ثمانين قامة |
| ورقيت أسباب السماء بسلم |
وسميت جبًّا؛ لأنها قطعت في الأرض قطعًا، وجمع الجب جببة وجباب وأجباب".
يعني ما يكفي أنك على سطح الأرض فارتفعت هذا الارتفاع العظيم، لو أنت في جب ثمانين قامة، ثمانين رجلًا، طول ثمانين رجلًا مثلًا، يعني مائة وخمسين مترًا تحت الأرض، ثم بعد ذلك رُقِّيت إلى أسباب السماء، فلن تعدو قدرك، فأنت بشر مخلوق.
"وجمع بين الغيابة والجب؛ لأنه أراد ألقوه في موضع مظلم من الجب حتى لا يلحقه نظر الناظرين.
قيل: هو بئر بيت المقدس، وقيل: هو بالأردن، قاله وهب بن منبه. وقال مقاتل: وهو على ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب.
الثانية: قوله -تعالى-: {يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ} [يوسف: 10] جزم على جواب الأمر".
طالب: .........
ما أدري، ما أدري، الحين اختلف في مكانه بيت المقدس، أو بالأردن.
طالب: ..........
لا، لا، مثل هذا الوقوف عليه ما ينفع، ما ينفع، الله -سبحانه وتعالى- أقول: أضل الناس عن كثير من هذه المواقع التي قد يكون بسببها شيء من الشرك والغلو، فأعمى الناس عنها.
نعم.
"وقرأ مجاهد وأبو رجاء والحسن وقتادة: (تلتقطه) [يوسف: 10] بالتاء".
من نعم الله على خلقه أن ضاعت هذه الأمور، ولم تكن تعرف، تجدون في رحلة ابن بطوطة نصف وقته تتبع مثل هذه الآثار، شهرًا يطلع جبل في المشرق يشوف موضع قدم وطئ فيه آدم، طلوع في الجبل، ثم ماذا؟
من نعم الله -سبحانه وتعالى- على عباده أنهم أعماهم عن هذه الأمور وأضلهم عنها؛ لأنه لا يترتب عليها حكم شرعي، بل العكس، ضرر.
طالب: أقول يا شيخ -أحسن الله إليكم-من ضمن إفساد الآلات المرئية، حدثني أحدهم أنهم قدموا في إحدى القنوات برنامج عن القبور في العالم، قبور العلماء أو المزارات، ومثل هذا.
لا، وفيها مصنفات، فيها مصنفات.
"وهذا محمول على المعنى؛ لأن بعض السيارة سيارة، وقال سيبويه: سقطت بعض أصابعه، وأنشد:
وتشرق بالقول الذي قد أذعتَه |
| كما شرقت صدر القناة من الدم |
وقال آخر: |
|
|
أرى مر السنين أخذن مني |
| كما أخذ السرار من الهلال" |
يعني بدأ في النقص شيئًا فشيئًا إلى أن صار هلالًا بعد أن كان بدرًا، وهذا حال الإنسان، الله المستعان.
"ولم يقل: شرق ولا أخذت. والسيارة الجمع الذي يسيرون في الطريق للسفر، وإنما قال القائل هذا حتى لا يحتاجوا إلى حمله إلى موضع بعيد، ويحصل المقصود، فإن من التقطه من السيارة يحمله إلى موضع بعيد، وكان هذا وجهًا في التدبير حتى لا يحتاجوا إلى الحركة بأنفسهم، فربما لا يأذن لهم أبوهم، وربما يطلع على قصدهم".
نعم، لو قالوا لأبيهم: نريد أن نذهب به إلى بلد بعيد، ما وافق، إنما استأذنوا منه أن يذهبوا به إلى مكان قريب، وهذه نيتهم المبيتة، وعلى حد ظنهم أنه يأتي أناس يسيرون فيحملونه، يخرجونه من الجب، ويحملونه إلى بلد بعيد سيما إذا عرفوه أنه ابن فلان فلن يرجعوه إلى نفس البلد، يبيعونه في بلد ثانٍ.
السرخسي صاحب المبسوط، معروف أم ما هو معروف؟
طالب: .........
ما قصته؟
من أين أملى الكتاب؟ من الجب، مسجون في جب فرغانة، وأملى الكتاب هذا الذي يقع في ثلاثين جزءًا من الكبار، أملاه إملاءً وهو مسجون في الجب، والله المستعان.
طالب: ..........
أملى الكتاب، أنت وقفت على شيء؟
طالب: ..........
والله، هم يقولون: أملى الكتاب من جب فرغانة وهو مسجون فيه، وعلى كل حال؛ همة من الشيخ ومن الطلاب، والله المستعان.
"الثالثة: وفي هذا ما يدل على أن إخوة يوسف ما كانوا أنبياء لا أولًا ولا آخرًا؛ لأن الأنبياء لا يدبرون في قتل مسلم، بل كانوا مسلمين، فارتكبوا معصية ثم تابوا. وقيل: كانوا أنبياء، ولا يستحيل في العقل زلة نبي، فكانت هذه زلة منهم، وهذا يرده أن الأنبياء معصومون من الكبائر على ما قدمناه. وقيل: ما كانوا في ذلك الوقت أنبياء ثم نبأهم الله، وهذا أشبه، والله أعلم.
الرابعة: قال ابن وهب: قال مالك: طُرح يوسف في الجب وهو غلام، وكذلك روى ابن القاسم عنه، يعني أنه كان صغيرًا، والدليل عليه قوله -تعالى-: {لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ} [يوسف: 10]".
فالآية دلت على أنه صغير من وجوه؛ كأن الصغير لا يُلتقط، وأيضًا أبوه لا يخاف عليه لو كبيرًا من الذئب، المقصود أنه فيه دلائل كثيرة تدل على أنه كان صغيرًا.
طالب: ..........
لا يلتقط إلا الصغير.
"قال: ولا يلتقط إلا الصغير، وقوله: {وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ} [يوسف: 13] وذلك أمر يختص بالصغار، وقولهم: {أَرْسِلْهُ مَعَنا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ} [يوسف: 12]".
الكبير ما يرتع ولا يلعب.
"الخامسة: الالتقاط تناول الشيء من الطريق، ومنه اللقيط واللقطة، ونحن نذكر من أحكامها ما دلت عليه الآية والسنة، وما قال في ذلك أهل العلم واللغة، قال ابن عرفة: الالتقاط وجود الشيء على غير طلب، ومنه قوله -تعالى-: {يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ} [يوسف: 10] أي يجده من غير أن يحتسبه".
من ابن عرفة هذا؟
طالب: ..........
شرح إيش؟
طالب: ..........
له التعاريف، له التعاريف، له كتاب في التعاريف، التعريفات الفقهية، لكنه لا يسلم من تعقيد في كثير من التعاريف، إن رجعت لتعريف الإجارة عرفت كيف يعرف الإجارة.
"وقد اختلف العلماء في اللقيط، فقيل: أصله الحرية؛ لغلبة الأحرار على العبيد، وروي عن الحسن بن علي أنه قضى بأن اللقيط حر، وتلا {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ} [يوسف: 20]، وإلى هذا ذهب أشهب صاحب مالك، وهو قول عمر بن الخطاب، وكذلك روي عن علي وجماعة.
وقال إبراهيم النخعي: إن نوى رقه فهو مملوك، وإن نوى الحسبة فهو حر. وقال مالك في موطئه: الأمر عندنا في المنبوذ أنه حر، وأن ولاءه لجماعة المسلمين".
هذا هو الصحيح أنه حر؛ لأنه وإن كان مترددًا في وضعه هل كان من أبوين حرين أو مملوكين، فلا شك أنه وإن كان مملوكًا، وحُكم بحريته، فلا ضير ولا أثر، لكن الإشكال إن كان حرًّا ثم حكم برقه، وبيع على أساس أنه رقيق، وقد جاء الوعيد بالنسبة لمن باع حرًّا، فأكل ثمنه.
"هم يرثونه ويعقلون عنه، وبه قال الشافعي، واحتج بقوله -عليه السلام-: «وإنما الولاء لمن أعتق» قال: فنفى الولاء عن غير المعتِق. واتفق مالك والشافعي وأصحابهما على أن اللقيط لا يوالي أحدًا، ولا يرثه أحد بالولاء. وقال أبو حنيفة وأصحابه وأكثر الكوفيين: اللقيط يوالي من شاء، فمن والاه فهو يرثه ويعقل عنه، وعند أبي حنيفة له أن ينتقل بولائه حيث شاء، ما لم يعقل عنه الذي والاه، فإن عقل عنه جناية لم يكن له أن ينتقل عنه بولائه أبدًا.
وذكر أبو بكر بن أبي شيبة عن علي -رضي الله عنه-: المنبوذ حر، فان أحب أن يوالي الذي التقطه والاه، وإن أحب أن يوالي غيره والاه، ونحوه عن عطاء، وهو قول ابن شهاب وطائفة من أهل المدينة، وهو حر. قال ابن العربي: إنما كان أصل اللقيط الحرية؛ لغلبة الأحرار على العبيد، فقضى بالغالب، كما حكم أنه مسلم أخذًا بالغالب، فإن كان في قرية فيها نصارى ومسلمون قال ابن القاسم: يحكم بالأغلب، فإن وجد عليه زي اليهود فهو يهودي، وإن وجد عليه زي النصارى فهو نصراني، وإلا فهو مسلم، إلا أن يكون أكثر أهل القرية على غير الإسلام.
وقال غيره: لو لم يكن فيها إلا مسلم واحد قضي للقيط بالإسلام؛ تغليبًا لحكم الإسلام الذي يعلو ولا يعلى عليه، وهو مقتضى قول أشهب، قال أشهب: هو مسلم أبدًا، لأني أجعله مسلمًا على كل حال، كما أجعله حرًّا على كل حال".
يعني من باب الاحتياط، وإن كان الاحتمال الثاني قائمًا.
"واختلف الفقهاء في المنبوذ تدل البينة على أنه عبد، فقالت طائفة من أهل المدينة: لا يقبل قولها في ذلك، وإلى هذا ذهب أشهب لقول عمر: هو حر، ومن قضى بحريته لم تقبل البينة في أنه عبد.
وقال ابن القاسم: تقبل البينة في ذلك، وهو قول الشافعي والكوفي.
السادسة: قال مالك في اللقيط: إذا أنفق عليه الملتقط ثم أقام رجل البينة أنه ابنه فإن الملتقط يرجع على الأب إن كان طرحه متعمدًا، وإن لم يكن طرحه ولكنه ضل منه فلا شيء على الأب".
لأنه لم يفرط، لأنه لم يفرط، فلا شيء عليه، وهذه نفقة، أقول: نفقة، والنفقة تسقط؟
طالب: بالتبرع.
تسقط بالتبرع، نعم.
"والملتقط متطوع بالنفقة. وقال أبو حنيفة: إذا أنفق على اللقيط فهو متطوع، إلا أن يأمره الحاكم. وقال الأوزاعي: كل من أنفق على من لا تجب عليه نفقة رجع بما أنفق. وقال الشافعي: إن لم يكن للقيط مال وجبت نفقته في بيت المال، فإن لم يكن ففيه قولان: أحدهما: يستقرض له في ذمته. والثاني: يقسط على المسلمين من غير عوض".
يجب، يجب على المسلمين الإنفاق على مثل هذا إذا لم يكن بيت المال يقوم بمثل هذه الأمور؛ كما أنه يجب على المسلمين ألا يبيت فيهم جائع مع قدرتهم على إطعامهم، ولا عارٍ مع قدرتهم على كسوتهم، لا يجوز لمن عرف حاله أن يتركه، لا جائع ولا عارٍ؛ لأنه هذه من فروض الكفايات.
طالب: ..........
ينفق عليه؟
لا بد أن ينفق عليه، الحيوان يجب الإنفاق عليه، «كل كبد رطبة فيها أجر».
"السابعة: وأما اللقطة والضوال فقد اختلف العلماء في حكمها، فقالت طائفة من أهل العلم: اللقطة والضوال سواء في المعنى، والحكم فيهما سواء".
ما الفرق بين اللقطة والضوال؟
طالب: ..........
واللقطة؟
طالب: ..........
اللقطة؟ الفرق بين اللقطة واللقيط؟ اللقيط من بني آدم، واللقطة في الأموال.
والضوال؟
طالب: ..........
اللقطة، الضوال من الإبل والبقرة.
"وإلى هذا ذهب أبو جعفر الطحاوي، وأنكر قول أبي عبيد القاسم بن سلام- أن الضالة لا تكون إلا في الحيوان، واللقطة غير الحيوان- وقال هذا غلط، واحتج بقوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث الإفك للمسلمين: «إن أمكم ضلت قلادتها» فأطلق ذلك على القلادة.
الثامنة: أجمع العلماء على أن اللقطة ما لم تكن تافهًا يسيرًا أو شيئًا لا بقاء لها، فإنها تعرف حولًا كاملًا".
ما لا تتبعه همة أوساط الناس، الذي لا تتبعه همة أوساط الناس، مثل هذا يملك بمجرد التقاطه، بخلاف ما تتبعه همة أوساط الناس فإنه لا بد من تعريفه، لكن إن كان مما لا تتبعه همة أوساط الناس ثم جاء صاحبه؟ يجب رده إليه، ولو كان يسيرًا.
"وأجمعوا أن صاحبها إن جاء فهو أحق بها من ملتقطها إذا ثبت له أنه صاحبها، وأجمعوا أن ملتقطها إن أكلها بعد الحول وأراد صاحبها أن يضمنه فإن ذلك له، وإن تصدق بها فصاحبها مخير بين التضمين وبين أن ينزل على أجرها، فأي ذلك تخيَّر كان ذلك له بإجماع".
الملك بعد الحول من التعريف ملك مشروط على أنه إن جاء صاحبها يومًا من الدهر فإنه يأخذها، أو يأخذ قيمته إن كانت متقومة.
"ولا تنطلق يد ملتقطها عليها بصدقة، ولا تصرف قبل الحول. وأجمعوا أن ضالة الغنم المخوف عليها له أكلها".
ولا يلزمه أن يعرفها سنة.
"التاسعة: واختلف الفقهاء في الأفضل من تركها أو أخذها، فمن ذلك أن في الحديث دليلًا على إباحة التقاط اللقطة وأخذ الضالة ما لم تكن إبلًا. وقال في الشاة: «لك أو لأخيك أو للذئب» يحضه على أخذها، ولم يقل في شيء دعوه حتى يضيع أو يأتيه ربه. ولو كان ترك اللقطة أفضل لأمر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما قال في ضالة الإبل، والله أعلم".
لكن إن كان الشخص لا يأمن من نفسه القدرة، ولا يؤنس منه القدرة على التعريف، أو يخاف أن تمتد يده إليها بالكتمان، فمثل هذا يتركها أفضل؛ لأنه قد لا يملك نفسه ويتملكها ويستعملها قبل مضي الحول.
"وجملة مذهب أصحاب مالك أنه في سعة، إن شاء أخذها وإن شاء تركها، هذا قول إسماعيل بن إسحاق -رحمه الله-.
وقال المزني عن الشافعي: لا أحب لأحد ترك اللقطة، إن وجدها إذا كان أمينًا عليها".
لئلا يتركها فيأتي من ليس من أهل الأمانة، فيأخذها.
"قال: وسواء قليل اللقطة وكثيرها.
العاشرة: روى الأئمة مالك وغيره عن زيد بن خالد الجهني قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فسأله عن اللقطة فقال: «اعرف عفاصها ووكاءها، ثم عرفها سنة، فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها» قال: فضالة الغنم يا رسول الله؟ قال: «لك أو لأخيك أو للذئب» قال: فضالة الإبل؟ قال: «ما لك ولها؟ معها سقاؤها وحذاؤها، ترد الماء، وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها». وفي حديث أبيٍّ قال: «احفظ عددها ووعاءها ووكاءها، فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها»، ففي هذا الحديث زيادة العدد، خرجه مسلم وغيره. وأجمع العلماء أن عفاص اللقطة ووكاءها من إحدى علاماتها وأدلها عليها".
هذا من العلامات الظاهرة، لكن هل يلزم أن يكون صاحب اللقطة يعرف دقائق هذه الأمور؟ يعني لو وجد شخص ورقة من فئة خمسمائة، فجاء شخص فقال: أنا ضاع لي خمسمائة، تقول: مئات أو برأسها؟ يقول لك: برأسها، صحيح، تعرف رقمها؟ يقول: ما أعرف رقمها، تقول: إذًا، ما هي لك، يصلح هذا أم لا؟ لا، ما كل الناس يحفظون الأرقام، بل ولا أحد من الناس يحفظ هذه الأرقام، فإذا اطمأنت النفس ومالت وارتاحت إلى قبول قوله، يقبل.
"فإذا أتى صاحب اللقطة بجميع أوصافها دفعت له، قال ابن القاسم: يجبر على دفعها، فإن جاء مستحق يستحقها ببينة أنها كانت له لم يضمن الملتقط شيئًا، وهل يُحلَّف مع الأوصاف أو لا؟ قولان: الأول لأشهب، والثاني لابن القاسم".
قول الأشهب: يحلف، والقول الثاني: لا يحلف؛ لأنه قدر زائد على ما جاء في النص.
"ولا تلزمه بينة عند مالك وأصحابه وأحمد بن حنبل وغيرهم. وقال أبو حنيفة والشافعي: لا تدفع له إلا إذا أقام بينة أنها له، وهو بخلاف نص الحديث، ولو كانت البينة شرطًا في الدفع لما كان لذكر العفاص والوكاء والعدد معنى، فإنه يستحقها بالبينة على كل حال، ولما جاز سكوت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، فإنه تأخير البيان عن وقت الحاجة. والله أعلم".
يعني لو جاء شخص يدعي مالًا بيد شخص آخر، ظاهر، يُرى، بارز، لو قال: هذه الخمسمائة التي بيدك لي، يدعيها، وأحضر بينة أنها له، ما يحتاج أن يعرف لا وكاء ولا عفاص، ولا، لكن إذا عرف هذه الأمور منها ما يحتاج إلى بينة، وطلب البينة قدر زائد على ما جاء في النص، تأخير، ما جاز سكوت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، لقال، وبين أن مما يجب أو مع دفع هذه اللقطة مع الإتيان بالبينة، هذا وقت الحاجة، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.
طالب: أحسن الله إليك، ما يقال: إن البينة هي معرفة العفاص والوكاء؟
هم مقصودهم بالبينة الشهود، إذا أُطلقت فمرادهم الشهود، لكن قد تستعمل البينة فيما هو أعم من ذلك، حتى القرائن التي تحتف بالقضية ويحكم بها بعضهم بينات.
"الحادية عشرة: نص الحديث على الإبل والغنم وبين حكمهما، وسكت عما عداهما من الحيوان.
وقد اختلف علماؤنا في البقر هل تلحق بالإبل أو بالغنم؟ قولان، وكذلك اختلف أئمتنا في التقاط الخيل والبغال والحمير، وظاهر قول ابن القاسم أنها تلتقط، وقال أشهب وابن كنانة: لا تلتقط، وقول ابن القاسم أصح، لقوله -عليه السلام-: «احفظ على أخيك المؤمن ضالته»".
مخرج؟
طالب: ما خرجه.
خرج الحديث؟
طالب: .........
يمكن ما وجدوه، ما فيه تخريج؟ يعني ما وجده، لو وجدوه ما تركوه.
لعل هذا من قياس الشبه، البقر والخيل والبغال والحمير لها شبه من وجه بالإبل، ولها شبه من وجه آخر بالغنم، فهل تلحق بالإبل أو بالغنم؟ تلحق بأقربهما شبهًا لها، ولا شك أن الخيل والبغال والحمير إن كانت تمتنع من صغار السباع ومثلها البقر، فحكمها حكم الإبل، وإن كانت لا تمتنع فحكمها حكم الغنم.
طالب: ..........
نعم؟
طالب: .........
امتناع من صغار السباع، عدم التعرض للتلف والهلاك، «معها سقاؤها وحذاؤها، ترد الماء وتأكل الكلأ».
"الثانية عشرة: واختلف العلماء في النفقة على الضوال، فقال مالك فيما ذكر عنه ابن القاسم: إن أنفق الملتقط على الدواب والإبل وغيرها فله أن يرجع على صاحبها بالنفقة، وسواء أنفق عليها بأمر السلطان أو بغير أمره، قال: وله أن يحبس بالنفقة ما أنفق عليه ويكون أحق به كالرهن".
يعني لو وجد ضالة، فأنفق عليها خلال العام أكثر من قيمتها، يرجع على صاحبها أو لا يرجع؟ طالب: .........
أنفق عليها أكثر من قيمتها، وقد نوى بالنفقة الرجوع، جاء صاحبها فقال: ادفع قيمة نفقتها، أنفقت عليها ما قيمته ألف، وهي ما تسوى إلا خمسمائة، يرجع أم ما يرجع؟ هو ما فرط، يعني علف المثل ما زود، يعني نظير شخص أدخل سيارته الصيانة، يوم جاء للوكالة فإذا الصيانة عشرة آلاف، طلع بها للحراج ما جاءت بعد الصيانة ولا بسبعة، يضمن أم ما يضمن؟ يلزمه الدفع أم ما يلزمه؟
طالب: ..........
والأول؟
طالب: .........
لو ما أنفق عليها تلفت، لو ما أنفق عليها تلفت.
طالب: ..........
الذي ما يترتب عليها التلف، أمره أسهل، نقول: نخفف، بدل ما تعلن كل أسبوع، أعلن كل شهر؛ لئلا يتضرر صاحبها؛ لأن الضرر تجب إزالته، أنت الآن تقصد الإصلاح، على صنيعك يحصل الضرر، لكن الإنفاق عليها لا شك أنه لا بد منه، لكن إذا رأى المصلحة في أن هذه السلعة بيعها أنفع لصاحبها من الإنفاق عليها، يبيعها أم لا؟ أرفق بصاحبها من الإنفاق عليها؟ نعم؟
طالب: ..........
قبل تمام الحول، قبل الحول، والإنفاق في الحول، ها يا شيخ، بيعها أرفق بصاحبها أم يسلمها للحاكم ويبرأ من عهدتها، والحاكم له أن يتصرف بحسب المصلحة، هو ولي من لا ولي له، أم يجتهد؟
طالب: .........
لأنه أحيانًا تكون النفقة عليها أكثر من قيمتها، إذا أتى صاحبها يومًا من الدهر فهي له، مطلوب.
يعني لو أن شخصًا أدخل سيارة للصيانة، وما اتفقوا على شيء، لكن العرف جارٍ بأنه ما يمكن أن تصان سيارة بأكثر مما تستحق، هل يمكن أن يدخل شخص سيارة يصونها من أجل أن يبيعها بأقل من قيمة الصيانة؟
طالب: لا.
فإذا جاء وبحث عن السيارة ووجد الورقة ملصقة، وفيها التكاليف عشرة آلاف، جاء ناس من أهل الخبرة، ماذا تساوي الآن؟ قالوا: ما تساوي إلا سبعة، يلزمه دفع عشرة آلاف أم لا؟ يلزم أم ما يلزم؟
طالب: ..........
نعم.
طالب: .........
يعني ما سأل: كم تكلف؟ هو ينظر أيضًا في مكان الصيانة، يمكن ثلاثة أرباع هذا المبلغ أجرة، أجرة يد، يعني لو كان قطع غيار وأحضروا فواتير، فلا شك أنه يلزمه الدفع، لكن إذا كان أكثره أجرة يد، فما يلزم أن يدفع كل المبلغ.
طالب: ..........
نعم.
طالب: .........
هو إذا كانت قطع غيار وفرط، ما قال له: على ألا تزيد الصيانة عن كذا، وسأله كم تكلف الصيانة؟ وأحضر له فواتير القطع من المحلات، والمفترض فيه أنه ثقة، هو خسر عليها، وذاك مفرط، لكن لو كانت القطع بألفين مثلًا، وأجرة اليد قال: والله، عملنا تعبوا، أسبوعًا يفكون ويربطون، يكفينا ثمانية، يقول: لا، مثل هذا.
طالب: مسألة الضالة لو أنفق عليها أكثر من قيمتها.
ما أظن أن صاحب الضالة يغرم مرتين، يغرم ضالته، ويغرم علفها، لكن لو صارت عنده في بيته وأنفق عليها، ماذا سيصنع؟
طالب: ..........
لكن هل يتصور أن الشخص صاحب الضالة يجمع له بين ضالته التي فقدها، وما أنفق عليها وهو أكثر من قيمتها؟ هو يبحث عن المصلحة، الأصل أن من التقطها يريد مصلحة صاحبها، والشرع حينما رتب هذه الأحكام لحفظ حقوق الناس، لو تركها تهلك أحسن له من أنه صار ينفق عليها أكثر من قيمتها، فمراعاة الحكم والعلل أمر لا بد منه، لأنه ماذا يستفيد صاحب الضالة إذا كان يدفع أكثر من قيمتها؟
طالب: ..........
من غير تعدٍ ولا تفريط.
طالب: ..........
هذا التلف أمر ثانٍ، لكن هي موجودة، تباع بنصف، اللهم إلا إن كان على المذهب ما يذكر عن بعضهم من حلاوة الوجدان، حلاوة وجود الشيء، له حلاوة، من رأى الدابة له ألف، يا فلان ما قيمة هذه الدابة، قال: ما تساوي خمسمائة، قالوا: كيف؟
حلاوة الوجدان، أهم شيء أني أجد ما ضاع لي، يذكرونه، لكن المسألة حكم شرعي، هل يرجع أو لا يرجع؟ على الملتقط أن يرعى المصلحة لأخيه، يرعى المصلحة لأخيه.
"