شرح الموطأ - كتاب الصيام (4)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للسامعين، يا ذا الجلال والإكرام.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب ما جاء في الصيام في السفر:
حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج إلى مكة عام الفتح في رمضان، فصام حتى بلغ الكديد، ثم أفطر فأفطر الناس، وكانوا يأخذون بالأحدث فالأحدث من أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وحدثني عن مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن بعض أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر الناس في سفره عام الفتح بالفطر، وقال: ((تقووا لعدوكم)) وصام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال أبو بكر: قال الذي حدثني: "لقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالعرج يصب الماء على رأسه من العطش، أو من الحر، ثم قيل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يا رسول الله إن طائفة من الناس قد صاموا حين صمت، قال: فلما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالكديد دعا بقدح فشرب، فأفطر الناس".
وحدثني عن مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه قال: "سافرنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في رمضان فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم".
وحدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن حمزة بن عمرو الأسلمي -رضي الله عنه- قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يا رسول الله إني رجل أصوم، أفأصوم في السفر؟ فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن شئت فصم وإن شئت فأفطر)).
وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان لا يصوم في السفر.
وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه "أنه كان يسافر في رمضان، ونسافر معه فيصوم عروة، ونفطر نحن، فلا يأمرنا بالصيام".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب ما جاء في الصيام في السفر:
يعني في حكمه، ودلت أحاديث الباب على جواز الصيام في السفر، وجاءت أحاديث أخرى تدل على كراهته والأمر بالفطر، وجاء ما هو أشد من ذلك من وصف من تابع الصيام بالعصيان، حيث قال -عليه الصلاة والسلام- في حق بعضهم: ((أولئك العصاة)).
فصام النبي -عليه الصلاة والسلام-، وصام أصحابه معه، وثبت عنه أنه أفطر في السفر، صام وأفطر، وكان الصحابة يسافرون معه -عليه الصلاة والسلام- فمنهم الصائم، ومنهم المفطر، لا يعيب هذا على هذا ولا هذا على هذا، وبهذا أخذ جمهور أهل العلم على أن الصوم في السفر صحيح ومجزئ ومسقط للطلب، وأنه إذا كان لا يشق على المسافر فهو أفضل من الفطر؛ لأنه ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام-، ويشمله قوله -جل وعلا-: {وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ}[(184) سورة البقرة] أما من شق عليه الصيام فالفطر في حقه أفضل، وإن زادت المشقة عصى بصيامه، فالمسألة تتبع المشقة.
من أهل العلم من يرى أن الصيام في السفر لا يصح، وليس من البر، والصائم في السفر ((أولئك العصاة)) يعني نظروا إلى بعض النصوص دون بعض {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}[(184) سورة البقرة] هذا يقول بعض أهل الظاهر أن الصيام في السفر لا يجزئ؛ لأن الواجب عليه عدة، صام أو لم يصم، عليه القضاء، فدل على أنه لا يجزئ الصيام في السفر، وعامة أهل العلم يقدرون: من كان منكم مريضًا أو على سفر فأفطر فالواجب عدة، يقدرون (فأفطر) لكي تلتئم النصوص وتجتمع.
يقول -رحمه الله تعالى-: حدثني يحيى عن مالك عن الإمام الجليل محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن عبيد الله بن عتبة بن مسعود أحد الفقهاء المشهورين عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-، وهذا من مراسيل الصحابة؛ لأن ابن عباس لم يشهد القصة؛ لأنه كان مقيمًا مع أبويه في مكة، ولم يكن معهم حال السفر، ومراسيل الصحابة معروفة أنها على حكم الاتصال، ونقل عليه الاتفاق، وإن خالف من خالف كأبي إسحاق الإسفرائيني.
أما الذي أرسله الصحابي |
| فحكمه الوصل على الصوابِ |
أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج لعشر خلون من رمضان، سنة ثمان عام الفتح خرج إلى مكة في رمضان لعشر خلون منه فصام حتى بلغ الكديد، قال البخاري بعد رواية الحديث: قال أبو عبد الله: الكديد ماء بين عُسْفان وقديد، جاء في رواية صحيحة: حتى إذا بلغ عسفان، وفي مسلم فلما بلغ كراع الغميم، وهي قصة واحدة، فالذي عندنا الكديد، وجاء في رواية صحيحة عسفان، وجاء في أخرى وهي صحيحة أيضًا كراع الغميم.
يقول القاضي عياض: "اختلفت الروايات في الموضع الذي أفطر فيه النبي -عليه الصلاة والسلام-، والكل في قصة واحدة، وكلها متقاربة، المواضع الثلاثة: الكديد، كراع الغميم، وعسفان، كلها متقاربة، والجميع من عمل عسفان، يعني كلها تابعة لعسفان، فمن قال: أفطر بعسفان نظر إلى المعنى الأعم الأشمل، ومن ذكر الكديد، أو كراع الغميم فلتقاربهما، ولعل بعضهم أفطر في الكديد، وبعضهم أفطر في كراع الغميم، وبعضهم استمر إلى أن وصل الثاني، المقصود أنها متقاربة فلا اختلاف.
فصام حتى بلغ الكديد ثم أفطر، أفطر النبي -عليه الصلاة والسلام- لأنه بلغه أن بعض الناس شق عليه الصيام، فأفطر -عليه الصلاة والسلام- دفعًا للحرج والمشقة على أصحابه؛ لأنه لو لم يفطر لن يفطر من معه، ولو شق عليهم الصيام؛ لأنهم لا يسهل عليهم مخالفة النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولو مع المشقة، لما عرف من حرصهم على الخير، وعدم تساهلهم في أمور دينهم.
فأفطر فأفطر الناس، منهم من استمر على صيامه مع وجود المشقة، ومع رؤيته للنبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو يفطر وهو يشرب، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام- لما أخبر عنهم قال: ((أولئك العصاة)) لأن الدين دين رحمة {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}[(78) سورة الحـج]، وهذه رخصة من الله -جل وعلا-، فعلى المسلم أن يقبل هذه الرخصة، لا سيما إذا شقت عليه العزيمة.
يقول الزهري: وكانوا -يعني الصحابة- يأخذون بالأحدث فالأحدث من أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ظاهر السياق يدل على أن الزهري يرى أن الصيام في السفر منسوخ؛ لكنه لم يوافق على ذلك، والقاعدة صحيحة يأخذون بالأحدث فالأحدث من أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند التعارض، وعدم إمكان الجمع، فيأخذون بالأحدث فيعدونه ناسخًا لما قبله عند التعارض وعدم إمكان الجمع، أما إذا أمكن الجمع بالقول الذي أسلفناه فإنه لا يلجئ إلى النسخ؛ لأنه إبطال كلي للحكم، رفع كلي للحكم، نعم قد يحمل على حالة خاصة، فالتخصيص رفع جزئي، وهو أخف من القول بالنسخ.
يقول القاضي عياض: "إنما يكون ناسخًا إذا لم يمكن الجمع، والجمع ممكن، بأن يحمل الفطر على من يشق عليه الصيام، والصيام على من لم يشق عليه" يعني كما قدمنا، وفي الحديث رد على من يرى أنه من استهل عليه الشهر في الحضر ثم سافر بعد ذلك أنه ليس له أن يفطر لقوله -جل وعلا-: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}[(185) سورة البقرة]، وهذا شهد الشهر، شهد أول الشهر فيلزمه أن يصوم بقية الشهر؛ لكن الحديث نص في الموضع، وهو مبين لما أجمل في الآية.
يقول: وحدثني عن مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن مولاه أبي بكر بن عبد الرحمن عن بعض أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، مبهم، وإبهام الصحابي لا يضر؛ لأن الصحابة كلهم عدول، فلا يضر إبهام الصحابي، البيهقي في مواضع وصف ما جاء على هذا النحو مما أبهم فيه الصحابي وصفه بالإرسال، قال: "هذا حديث مرسل" على كل حال هو ليس بمرسل متصل، فيه راو لم يسم، ما سمي هذا الراوي وجهالته لا تضر؛ لأنه صحب النبي -عليه الصلاة والسلام- عن بعض أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر الناس في سفره عام الفتح، وكانت العدة عشرة آلاف، النبي -صلى الله عليه وسلم- خرج بعشرة آلاف من المدينة إلى مكة للفتح، وقيل: هم اثني عشر ألفًا، وجُمع بين القولين بأن الذين خرجوا معه من المدينة عشرة، ثم لحق به من خارج المدينة تكملة العدة.
أمر الناس في سفره عام الفتح بالفطر، وقال: ((تقووا لعدوكم)) هذا تعليل للأمر بالفطر؛ لأن فيه التقوي على العدو، لا سيما مع السفر؛ هذه العلة المنصوصة لا شك أنها معتبرة وجودًا وعدمًا، فإذا كان عدم فطرهم أنشط لهم وأقوى لهم على سرعة الجري والكر والفر هذه مسألة أخرى، ولا تطرد هذه العلة في غير هذا الموضع ((تقووا لعدوكم )) لوجود عدو؛ لكن قد يقول قائل: إذا كان الفطر يتقوى به الطالب مثلًا في دراسته أو يتقوى به العامل في عمله، كما أفتى بعض الناس بمن يشق عليه الصوم أثناء العمل أو أثناء الدراسة يفطر ليتقوى بعمله؛ لأن العمل متعدي النفع، وهذا قاصر إلى غير ذلك من التعليلات؛ لكن هذه الأقاويل لا عبرة بها؛ لأن صوم رمضان فريضة، وركن من أركان الإسلام، لا تنتهك هذه الفريضة بمثل هذه الأعذار، فالتقوي إنما هو على العدو، وهنا في السفر أيضًا؛ لكن لو دهم العدو بلدًا من بلدان المسلمين، وأرادوا الدفاع عن بلدهم، وهم صيام فشق عليهم ذلك قلنا: التقوي بالفطر على العدو منصوص عليه؛ لكن لا بد أن يكون لهذا الفطر أثر في صد العدو بأن يكون الصيام يضعف المسلمين عن صد عدوهم، ويمكن العدو من الاستيلاء عليهم، يتقووا على عدوهم؛ لأن العلة منصوصة، نعم الوصف مؤثر وهو السفر؛ لكن السفر وصف مؤثر مبيح للفطر، ولو لم يوجد عدو، فدل على أن التقوي بالإفطار على العدو قدر زائد على مجرد السفر، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ الآن عندنا وصفان في الحديث، وكلاهما مؤثر، وصف السفر هم مسافرون، الوصف الثاني: ((تقووا لعدوكم)) وهذه علة تستقل بالحكم إذا وجد العدو، فعلى هذا يفطر المسلم ولو كان بالحضر إذا كان بمواجهة عدو، يريد أن يستولي على بلده، أو ما أشبه ذلك، فإنه حينئذ يفطر ليتقوى عليه، وأما السفر لا شك أنه وصف معتبر ومؤثر؛ لكنه مؤثر وحده، بدليل النصوص الأخرى ليس فيها عدو ومع ذلك أفطروا.
وصام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأخذ منه الصوم في السفر، وأنه أفضل من الفطر؛ لأنه فعله -عليه الصلاة والسلام- أمرهم بالفطر وصام، ويشمله عموم قوله -جل وعلا-: {وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ}[(184) سورة البقرة].
قال أبو بكر بن عبد الرحمن: قال الذي حدثني، هذا أيضًا مبهم لكنه موصوف بأنه صحب النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي حدثه في مطلع الكلام، قال الذي حدثني: لقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالعرج، العرج بإسكان الراء قرية على نحو ثلاث مراحل من المدينة، يصب الماء على رأسه من العطش أو من الحر، يصب على رأسه من العطش أو من الحر، (أو) هذه للشك هل كان الصب من أجل الحر للتبريد؟ أو هو من أجل العطش؟ ولا شك أن البرودة تكسر شدة العطش، وإن كانت خارجية، ثم قيل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- يا رسول الله: إن طائفة من الناس قد صاموا حين صمت؛ لأنهم فهموا أن أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بالفطر أمر إرشاد لا أمر وجوب، بدليل أنه استمر صائم -عليه الصلاة والسلام- قال: فلما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالقديد دعا بقدح من ماء فشرب، فأفطر الناس؛ ولذا ينبغي أن يقرن القول بالعلم من أجل الاقتداء، فالذي يصدر الأوامر، ويصدر الأنظمة، ثم يخالف هذه الأوامر، وهذه الأنظمة لا شك أن غيره سوف يخالف.
النبي -عليه الصلاة والسلام- لما أمرهم بحلق رؤوسهم زمن الحديبية ترددوا، ودخل على أم سلمة وشكا إليها ما حصل من عدم امتثالهم لأمره -عليه الصلاة والسلام-، فقالت: "احلق رأسك" فحلق النبي -عليه الصلاة والسلام- رأسه، فكادوا أن يقتتلوا، بادروا إلى الحلق، وهنا لما أفطر -عليه الصلاة والسلام- أفطر الناس، يؤخذ من هذا أن مبادرة الآمر لا شك أن لها أثرًا في تمام الائتساء والاقتداء، ومثل هذا لا يظن بهم أنهم خالفوا أمره معاندة، إنما خالفوا أمره رغبة في الخير؛ لأن الصيام من أفضل الأعمال، وظنوا أن هذا الأمر الذي وجهه إليهم -عليه الصلاة والسلام- إنما هو من أجل الرأفة بهم، وإن كان الأفضل الاستمرار على الصيام، فرأوا الأخذ بالعزيمة؛ لكن لما أفطر تضافر القول والفعل منه -عليه الصلاة والسلام-، فلم يكن لهم مندوحة حينئذ من الفطر، فأفطر الناس.
طالب:.......
الرسول -عليه الصلاة والسلام- يأخذ بالعزيمة؛ ولذا قام -عليه الصلاة والسلام- حتى تفطرت قدماه، ونهى عن ذلك عن طول القيام الذي يشق على المصلي بحيث يحمله على الترك ((مه، أكلفوا من العمل ما تطيقون)) لكنه -عليه الصلاة والسلام- غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فأحب أن يكون -عليه الصلاة والسلام- عبدًا شكورًا، اللهم صلي على محمد.
وحدثني عن مالك عن حميد الطويل عن أنس في وراية مسلم أخبرني أنس بن مالك، وقد سئل عن صوم رمضان في السفر أنه قال: "سافرنا" في البخاري: "كنا نسافر" سافرنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في رمضان فلم يعب الصائم على المفطر" مجزوم بـ(لم) وحرك لالتقاء الساكنين، ولا المفطر على الصائم، في مسلم يرون أن من وجد قوة فصام فإن ذلك حسن، ومن وجد ضعفًا فأفطر فإن ذلك حسن، يقول الحافظ ابن حجر في فتح الباري: "وهذا التفصيل هو المعتمد، وهو نص رافع للنزاع" يرون أن من وجد قوة فصام فإن ذلك حسن، ومن وجد ضعفًا فأفطر فإن ذلك أيضًا حسن، هذا فيه توفيق بين النصوص التي في الباب.
طالب:.......
لا، الأصل في السفر وجود المشقة، الأصل أن السفر من لازمه المشقة؛ لكن ارتفعت المشقة، وارتفع الخوف الذي فيه الترخص، وثبت أن السفر علة مستقلة؛ ولذا الذي لم يجد مشقة في سفره فأفطر عليه شيء؟ ما عليه شيء، لا يلزمه شيء، ولو كان في سفره أكثر راحة واطمئنانًا منه في بلده، هذه رخصة، صدقة من الله -جل وعلا- تصدق بها على عباده، فالسفر وصف مؤثر، ومستقل بالحكم، لكن من صام مع عدم المشقة فهو أفضل، ومن أفطر مع وجود المشقة فهو أفضل، وبهذا تلتئم النصوص.
طالب:.......
يعني إذا كان أميرًا عليهم، يعني اتفقوا بأن يجعلوه أميرًا عليهم، ورأى أن الصيام يشق عليهم أو لا يشق عليهم، فرأى أن من مصلحتهم أن يستمروا في صيامهم أو يأمرهم بالفطر له ذلك؛ لكن القدوة والأسوة هو النبي -عليه الصلاة والسلام-.
طالب:...........
((ليس من البر الصيام في السفر)) هذا بالنسبة لمن يشق عليه، يحمل على هذا.
وحدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه كذا في رواية يحيى وجميع أصحاب مالك يروونه كما في البخاري عن أبيه عن عائشة أن حمزة بن عمر الأسلمي، أما السياق الذي معنا عن أبيه عن حمزة مرسل؛ لأن عروة يحكي قصة لم يشهدها، عروة تابعي، فهو يحكي ويروي قصة لم يشهدها، هذا إرسال، لكن إذا رواها عن خالته عائشة اتصلت القصة، وفي بعض طرق الحديث روايته عن صاحبها عن حمزة بن عمرو الأسلمي، قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا رسول الله إني رجل أصوم" في رواية للبخاري: "إني أسرد الصوم" وفي رواية: "وكان كثير الصيام" "إني رجل أصوم، أفأصوم في السفر؟" فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر)) والمشيئة هذه لا شك أنها بناءً على الأصل في الحكم، وأن المسافر يجوز له أن يصوم، ويجوز له أن يفطر؛ لكن إن اعترى هذا الأصل ما يرجح الصيام، فالأفضل الصيام، وإن اعتراه ما يرجح الفطر ترجح الفطر، وإن زادت المشقة تعين الفطر على التفصيل السابق.
يقول: وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان لا يصوم في السفر؛ لأنه يرى أن الفطر عزيمة، وجاء وصف من استمر في صيامه بالعصيان، وجاء أيضًا قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((ليس من البر الصيام في السفر)) كل هذه جعلت ابن عمر لا يصوم في السفر، مع حرصه على الخير، وتحريه للاقتداء والاتساء، ومع ذلك كان لا يصوم في السفر.
يروى هذا عن عمر -رضي الله عنه- أنه كان لا يصوم في السفر، يروى أيضًا عن أبي هريرة، وعبد الرحمن بن عوف، ومعروف عن أهل الظاهر أو عن بعضهم أن الصوم في السفر لا يجزئ ولا يصح، بل يتعين الفطر، وأسلفنا أنهم استدلوا بقوله -جل وعلا-: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}[(184) سورة البقرة] يعني فالواجب عدة، صام أو أفطر، والجمهور يقدرون قبل ذلك فأفطر فعدة، يعني فيلزمه عدة.
طالب:........
كيف؟ نعم؟ على حسب ما تقدم تفصيله، إن كان لا يشق بحال من الأحوال هذا الأفضل أن يستمر في صومه؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- صام في السفر، ولعموم قوله -جل وعلا-: {وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ}[(184) سورة البقرة] لكن الذي يشق عليه الفطر في حقه أفضل.
طالب:........
هذا الأصل العصيان يترتب عليه، وإذا فعل الإنسان ما يضر به أثم، بعض الناس مريض، وينصحه الأطباء ألا يصوم، ومع ذلك يصوم، ويتضرر، يزيد مرضه، ويتأخر برؤه، ومع ذلك يصوم، نقول: "أولئك العصاة" لهذا الأمر؛ لأن من يرتكب ما يضر به آثم.
وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يسافر في رمضان -عروة بن الزبير فقيه أحد الفقهاء، والإمام مالك -رحمه الله- يعنى بأقوال الفقهاء السبعة الذين هم فقهاء المدينة من التابعين.
(فخذهم عبيد الله) تكرر مرارًا عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود (فخذهم عبيد الله عروة) الذي معنا، و(قاسم) القاسم بن محمد (سعيد أبو بكر سليمان خارجة).
عن أبيه أنه كان يسافر في رمضان ونسافر معه فيصوم عروة، عروة يصوم؛ لأنه يرى أن الصيام أفضل، وثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه صام في السفر، وثبت أن من الصحابة من كان يصوم في السفر، وكان المفطر لا يعيب على الصائم، والصائم لا يعيب على المفطر، فيأخذ بالعزيمة فيصوم عروة ونفطر نحن، فلا يأمرنا بالصيام؛ لأن فعلهم جائز أيضًا، فالذي يترخص لا يعاب عليه ولا يؤمر بالفطر.
وعلى هذا لو سافر مجموعة لرحلة أو نزهة، وصام بعضهم وأفطر بعضهم، لا يعيب بعضهم على بعض، لكن لو كانوا اثنين قال واحد: نبغي نجمع، وقال الثاني: ما نحن بجامعين، اثنان؛ قال واحد: نبغي نجمع الصلاة، وقال الثاني: والله ما نحن بجامعين، التوقيت أفضل، مادمنا جالسين التوقيت أفضل، قال الثاني: دعنا نجمع لا تضيعوا علينا؛ لأنه هنا يفوت شيء، في الصيام ما يفوت شيء، لو أفطر واحد وصام واحد ما يفوت شيء، لكن هنا يفوت شيء وهو ماذا؟ الجماعة، فهل نقول: يرتكب الأدنى الذي يريد التوقيت يجمع من أجل تحصيل الجماعة، أو نقول: يصر ويصلي كل صلاة في وقتها ولو فاتته الجماعة؟ المسألة افترضت في الثاني رفض قال: لا بد أن نجمع، يقول: أنا جامع جامع، تبغي تجمع وإلا بكيفك، هل نقول لهذا: يفوت الجماعة ويصر، ويصلي كل صلاة في وقتها؛ لأنه أفضل؟ أما بالنسبة لمن يقول: أنه لا يصح الجمع إلا لمن جد به السير هذه مسألة أخرى، لا يوافق صاحبه إذا كان يرى هذا الرأي، ولو أدى إلى أن يصلي منفردًا؛ لكن إذا كان يرى أن له جمع، وهو جالس، كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يفعل في تبوك، يجمع وهو جالس، ما جد به السير، وهذا معروف، والجمع رخصة -ولله الحمد- وفيه سعة، فمثل هذا يحرص على الجماعة ولو فاته الأفضل في التوقيت، ويستمر في صيامه.
طالب:.......
على كل حال الأصل الجواز؛ لكن إذا كان يشق عليه مشقة يتضرر بها يأثم وصيامه صحيح.
طالب:........
سفر المعصية الجمهور على أنه من سافر سفرًا يعصي فيه الله -جل وعلا- فإنه لا يترخص خلافًا لأبي حنيفة، وشيخ الإسلام يميل إلى قول أبي حنيفة، النصوص العامة تشمل من سافر سفر طاعة كالحج والعمرة والجهاد وصلة الأرحام، ومن سافر سفرًا مباحًا كالنزهة، أو سافر سفر معصية، النصوص ما فرقت؛ لكن منزع الجمهور ومأخذهم من كون العاصي ينبغي أن يعاق عن متابعة سفره، فلا ييسر عليه السفر، ويسهل عليه ارتكاب الرخص، يعني بدلًا من أن يقال له: صلِّ الصلاتين، واجمع وتابع سفرك، ويوفر له الوقت، وهو عاصٍ في سفره، سافر ليقطع الطريق، أو لينتهك حرمات، أو ما أشبه ذلك يوفر له وقت، الجمهور ما يرون هذا، ويؤيد قولهم في أكل المضطر من الميتة {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ}[(173) سورة البقرة] فقيد تناول الأكل من الميتة وهو رخصة بعدم عصيانه في ذلك، وهو منزع حسن.
باب ما يفعل من قدم من سفر أو أراده في رمضان:
حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان إذا كان في سفر في رمضان فعلم أنه داخل المدينة من أول يومه دخل وهو صائم، قال يحيى: قال مالك -رحمه الله تعالى-: "من كان في سفر فعلم أنه داخل على أهله من أول يومه، وطلع له الفجر قبل أن يدخل دخل وهو صائم".
قال مالك: "وإذا أراد أن يخرج في رمضان فطلع له الفجر، وهو بأرضه قبل أن يخرج فإنه يصوم ذلك اليوم".
قال مالك: "في الرجل يقدم من سفره وهو مفطر، وامرأته مفطرة حين طهرت من حيضها في رمضان أن لزوجها أن يصيبها إن شاء".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب ما يفعل من قدم من سفر أو أراده في رمضان:
حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان إذا كان في سفر في رمضان فعلم أنه داخل المدينة من أول يومه، يعني في أول النهار وبعد طلوع الفجر، كان في سفر وطلع عليه الفجر وهو يعلم أنه يدخل المدينة من أول النهار بعد طلوع الفجر دخل وهو صائم، وإن دخل قبل الفجر يصوم وإلا ما يصوم؟ يلزمه الصيام، هذا شده الشهر، لا يجوز له بحال أن يفطر، وإذا تصور الخلاف فيمن دخل بعد طلوع الفجر فإنه لا يتصور أو يذكر مثل هذا فيمن دخل قبل طلوع الفجر.
دخل وهو صائم، قال يحيى: قال مالك -رحمه الله تعالى-: "من كان في سفر فعلم أنه داخل على أهله من أول يومه، وطلع له الفجر قبل أن يدخل دخل وهو صائم" يعني على سبيل الاستحباب؛ لأنه في أول النهار مخير، يعني بعد طلوع الفجر مخير، متلبس بالوصف المبيح للفطر، وهو مخير بين أن يصوم ويفطر، ثم إذا دخل من أول النهار هل يمسك أو لا يمسك؟ دخل وهو صائم يعني استحبابًا.
قال مالك: "وإذا أراد أن يخرج للسفر في رمضان فطلع عليه الفجر وهو بأرضه قبل أن يخرج فإنه يصوم ذلك اليوم وجوبًا" يصوم ذلك اليوم وجوبًا، يعني يلزمه الإمساك، مادام طلع عليه الفجر وهو في البلد، يصوم وجوبًا، وبذلك قال أبو حنيفة والشافعي، وقال أحمد وإسحاق: يجوز له الفطر، يعني في رواية عند أحمد، يعني يجوز له الفطر؛ لأنه وإن طلع عليه الفجر إلا أنه عازم على السفر، واللفظ يحتمل أيضًا أن الإمام مالك يرى أنه إذا دخل عليه الفجر ولزمه الصيام أنه يلزمه الاستمرار فيه، ولا يجوز له أن يفطر، ولو باشر السفر، يعني يلزمه صيام ذلك اليوم، يعني اللفظ هذا يقول: "وإذا أراد أن يخرج للسفر في رمضان فطلع له الفجر وهو بأرضه قبل أن يخرج فإنه يصوم ذلك اليوم" يعني هل يصوم ذلك اليوم إلى أن يباشر السبب وهو السفر أو أنه يصوم ذلك اليوم بكامله إلى غروب الشمس باعتبار أنه شرع في واجب فلا يجوز له أن يخرج منه؟
طالب:.......
نعم، لكن الأحاديث السابقة النبي -عليه الصلاة والسلام- سافر وأفطر في السفر؛ لكن هل شرع في صيام اليوم الذي أفطر فيه في الحضر وإلا في السفر؟ يعني شرع في الصيام بالحضر وإلا في السفر؟ في السفر؛ لأن المكان الذي أفطر فيه النبي -عليه الصلاة والسلام- عن المدينة مراحل.
الآن عندنا مسألتان واللفظ يحتملهما: إذا أراد أن يخرج في رمضان فطلع الفجر وهو بأرضه، يعني في بلده قبل أن يخرج فإنه يصوم ذلك اليوم وجوبًا، يعني يلزمه الإمساك، مع طلوع الفجر، كأنه مقيم، ثم إذا غادر البلد فارق العمران، وباشر السبب المبيح للفطر، وهو السفر هل له أن يفطر أو ليس له أن يفطر؟ على كلام مالك ليس له أن يفطر.
طالب:........
هذا احتمال، ليس له أن يفطر، طيب تجيب له النصوص التي فيها أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أفطر في السفر، يقول لك: ما طلع عليه الفجر وهو بأرضه، طلع عليه الفجر وهو في السفر؛ لأن المكان الذي أفطر فيه النبي -عليه الصلاة والسلام- عن مكة على مراحل، فلا يرد عليه مثل هذا، وهذا يقول به أبو حنيفة والشافعي وأيضًا مالك، مادام شرع في هذا الواجب لا يجوز له أن يخرج منه، وقال أحمد وإسحاق: يجوز له أن يفطر؛ لأنه باشر السبب الذي من أجله -الذي هو السفر- الذي يبيح الفطر بالنص، والنبي -عليه الصلاة والسلام- صام ثم أفطر، والصوم صوم في رمضان أيضًا، يعني شرع في صيام الواجب ثم قطعه للسبب المبيح، ولا فرق بين أن يشرع فيه في بلده أو في السفر، نقول: هذا الاحتمال ظاهر من اللفظ، احتمال ثان: وهو أنه إذا أراد أن يخرج في رمضان فطلع له الفجر وهو بأرضه قبل أن يخرج فإنه يصوم ذلك اليوم يلزمه الإمساك، إلى أن يخرج، هذا الاحتمال الثاني.
والقول الثاني في المسألة: أنه يجوز له أن يفطر قبل أن يخرج، على كل حال مسألة ابتداء الترخص هل هو من العزم على السفر؟ أو هو من مفارقة البلد ومباشرة السبب؟ الجمهور على مباشرة السبب، وجاء عن أنس -رضي الله عنه- أنه أفطر قبل أن يخرج، أفطر وهو في بيته ثم خرج، وقال رفع ذلك إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن الحديث لا يخلو من ضعف، وعلى كل حال الوصف المؤثر والمبيح للفطر هو السفر، ولا يسمى مسافرًا حتى يخرج من البلد، ما دام في بلده لا يقال له: مسافر، فعلى هذا لا يترخص إلا إذا باشر الوصف المبيح للفطر وهو السفر.
هذه مسألة أخرى، قال مالك: في الرجل يقدم من سفره وهو مفطر...
طالب:.......
كيف؟ كذلك ما يجمع ولا يقصر حتى يباشر السبب.
طالب:.......
مسألة تغليب جانب الحضر المقصود أنه باشر السبب المبيح للترخص.
طالب:.......
دخل الوقت وهو في الحضر؟ الجمهور يغلبون جانب الحضر وإن باشر السبب، على كل حال نرى المسألة الثانية، وهي تحتاج إلى تأمل.
قال مالك: "في الرجل يقدم من سفره وهو مفطر، وامرأته مفطرة" الذي يقدم من السفر في أثناء النهار يلزمه الإمساك أو ما يلزمه؟ خلاف، طيب المرأة إذا طهرت في الظهر مثلًا يلزمها الإمساك وإلا ما يلزمها؟ مثله خلاف، نرى رأي مالك، قال مالك: "في الرجل يقدم من سفره وهو مفطر وامرأته مفطرة حين طهرت من حيضها -يعني أو نفاسها- في رمضان أن لزوجها أن يصيبها –يجامعها- إن شاء".
على هذا الكلام يلزمه الإمساك؟ ما يلزمه الإمساك، يلزمها هي الإمساك؟ لا يلزمها الإمساك على رأي مالك، يعني أصل المسألة: أن من أفطر لسبب مبيح للفطر، سبب شرعي مبيح للفطر، هل يستديم الفطر بقية يومه إذا زال السبب، أو يلزمه الإمساك؛ لأن الفطر معلق بسبب وارتفع السبب؟ هذه أصل المسألة، يعني إن زالت العلة، وزال السبب المبيح للفطر هل يستمر؟ كما يقول أحمد والشافعي: هل يمسك باعتبار أنه زال السبب، هل يمسك كما يقول أحمد والشافعي، أو يستمر في فطره لأن الصوم لا يتجزأ، أفطر في أوله نصف النهار هل هو صوم شرعي؟ نعم، وبهذا يقول مالك وأبو حنيفة.
في المغني لابن قدامة يقول: "فصل: فأما من يباح له الفطر في أول النهار ظاهرًا وباطنًا" يعني يخرج من يباح له الفطر باطنًا فقط، يعني كمن رأى الهلال وردت شهادته، وما أشبه ذلك.
فأما من يباح له الفطر في أول النهار ظاهرًا وباطنًا كالحائض والنفساء والمسافر والصبي والمجنون والكافر والمريض إذا زالت أعذارهم في أثناء النهار ففيهم روايتان:
إحداهما: يلزمهما الإمساك بقية اليوم وهو قول أبي حنيفة.
والثاني: لا يلزمهما الإمساك وهو قول مالك والشافعي، وروي عن ابن مسعود أنه قال: "من أكل في أول النهار فليأكل في آخره" ووجهه أنه وجد السبب المبيح للفطر في أول النهار، وآخر النهار ما هو محل للصيام؛ لأن الصيام لا بد أن يستوعب طرفي الوقت، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فإذا مضى عليه وقت وهو مفطر لا يسمى بقية اليوم صيام شرعي، فكيف يلزم بغير ذلك؟ هذه وجهة نظر مالك وأبي حنيفة، وأما بالنسبة للرواية الأولى وهي قول الشافعي أنه شهد الشهر، وارتفع العذر المبيح، فكيف يأكل وهو غير معذور {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}[(185) سورة البقرة] ولا شك أن مثل هذا القول أحوط، والأدلة محتملة.
طالب:.......
لا، أبو حنيفة مع مالك، والشافعي مع أحمد، عندنا هنا في المسألة افترض المسألة في مسافر وصل البيت الساعة تسعة، وكان مفطرًا مثلًا في جدة، وفي الطائف جاء على الطائرة وصل البلد الساعة تسعة، من تسع إلى خمس ونصف يلزمه الإمساك أم لا؟ أو امرأة حائض طهرت بعد صلاة الصبح وقبل طلوع الشمس هي في أول النهار مفطرة وجوبًا، فهل يلزمها الإمساك في بقية النهار؟ أفطرت لعذر مبيح يبيح لها الفطر ظاهرًا وباطنًا، والمسافر أفطر لعذر مبيح يبيح له الفطر ظاهرًا وباطنًا، في أول النهار لهم عذر مبيح، في أثنائه وفي آخره، نعم ليس هناك عذر، ارتفع العذر، أفطروا لعذر وارتفع العذر، شهدوا الشهر يلزمهم أن يصوموا على قول أحمد والشافعي، والرواية الأخرى عن أحمد توافق قول مالك وأبي حنيفة، وهي أنه من ساغ له أن يأكل في أول النهار ما الفرق بينه وبين آخره؟ صوم لا يعتد به، يلزمه قضاؤه، فكيف يلزم بالإمساك؟
هذا يقول: وقال أبو حنيفة: متى زالت علة الفطر وجب إمساك بقية اليوم.
يعني مثل قول أحمد، والذي قاله في المغني يلزمهم الإمساك بقية اليوم وهو قول أبي حنيفة، يعني أنا خلطت يعني جعلت الشافعي مع أحمد وأبو حنيفة مع مالك، لا العكس أبو حنيفة مع أحمد والشافعي مع مالك.
ماذا تقول؟
طالب:.......
يلزمه الإمساك؟ على كل حال تعرفون أنتم المذاهب فيها أكثر من قول، فنقول: أن أخذ المذاهب لا بد أن يكون من كتب أربابها، هذا الأصل؛ لأن الذي ينقل عن المذاهب، وهو من غير المذهب، قد يعتمد رواية غير المعروفة في المذهب، وقد يعتمد على قول غير معتبر في المذهب؛ لأن بعض المذاهب فيها روايات، روايتان، ثلاث، أربع، أكثر، والشافعية عندهم القول القديم والجديد، وأبو حنيفة عندهم الرواية، وظاهر الرواية وعندهم الأصحاب، هل يقدم قول أبي حنيفة ويعتبر قول الصاحبين؟ يعني مسائل معروفة عندهم، فلا شك أن مثل الشراح، شراح الحديث إذا كان ما هو من نفس المذهب، يعني تعتمد على النووي وعلى ابن حجر في نقل إمام الشافعية؛ لأنهم أئمة في هذا الباب، تعتمد على ابن عبد البر في نقل أقوال مالك؛ لأنه إمام من أئمة المالكية، تعتمد على العيني في نقل أقوال أبي حنيفة؛ لأنه فقيه من فقهاء الحنفية؛ لكن تجد في كثير من الأحيان في الشروح ينقلون عن الإمام أحمد رواية ليست هي المذهب، وقل مثل هذا إذا نقل ابن قدامة عن الشافعية أو نقل الزرقاني عن الحنفية، كله موجود، والتحري أن تنقل المذاهب من كتب أصحابها، وهذا كلام صاحب المغني، يقول: "والثاني لا يلزمهم الإمساك، وهو قول مالك والشافعي" ولا يعني أن الشافعية كلهم على هذا القول، يعني قد يكون هذا القول الجديد أو القديم، وعندهم أيضًا المفتى به هو ماذا عند الشافعية؟ القول الجديد إلا في بضع عشرة مسألة، ذكرت في مقدمة المجموع، وفي الأشباه والنظائر، وغيرها يرجع إليها، فالفتوى فيها على القديم، فاحتمال أن ابن قدامة وقف على القول الجديد، والمفتى به على القديم أو العكس، فيتحرى في نقل المذاهب من كتب أصحابها.
داخل المدينة من أول يومه، يعني بعد طلوع الفجر، خارج المدينة....
طالب:........
كيف؟
طالب:........
هو في الأصل مباح له الفطر في أول النهار، يعني لو أفطر في السفر ودخل المدينة ولو في أول النهار ما يلزمه الإمساك، بدليل أن له أن يطأ زوجته المفطرة، فالذي يظهر أنه دخل وهو صائم، كأنه يقول: إن الصيام أفضل، يمسك وهو في سفره، يعني مثلما نقول: إن الإنسان إذا كان يغلب على ظنه أنه يدخل البلد في أول وقت صلاة العصر، فالأفضل له ألا يجمع العصر مع الظهر، وإن كان السبب المبيح قائمًا، وهنا مثله..
طالب:.......
يعني إذا أراد أن يخرج؟ وهو صائم استحبابًا؛ لأنه في أول النهار العذر قائم.
كيف؟
طالب:.......
لأنه يسوغ له أن يفطر، الآن ما بعد وصل، ما بعد دخل، باقي مائة كيلو على البلد وطلع الفجر، السبب قائم.
طالب:........
لأن السبب قائم ما فيه أحد يقول: ما يجوز له يفطر، السبب قائم، مسافر، باقي مائة كيلو ما هو بواصل إلا بعد ساعة من طلوع الفجر.
طالب:.......
إذا أراد أن يخرج غير كونه مسافرًا بالفعل، الآن ما بعد باشر السبب؛ لكن هو السبب قائم قبل أن يدخل البلد باقي ساعة على وصول البلد، السبب قائم والأصل السفر ما هو بالأصل الحضر، لاحظ الأصل في المسألة الأولى السفر، افترض أنه يقول: والله أنا ما أنا بداخل اليوم، احتمال، حصل عليه حادث ولا دخل، ما دام السبب قائم فله أن يفطر، فيستحب له ما دام يصل أول النهار ومدة المشقة المصاحبة للسفر مدة يسيرة وما المانع أنه يمسك استحبابًا؟ نعم، وصومه صحيح؛ لأن الحكم من حيث الأفضل وعدمه الحكم للغالب، الغالب هو السفر أو الغالب الحضر؟ أيضًا المسألة الأولى: الأصل فيها السفر، والمسألة الثانية: الأصل فيها الحضر؛ لأن الأصل يتبع طلوع الفجر، طلع عليه الفجر وهو مسافر في المسألة الثانية طلع عليه الفجر، وهو مقيم.
باب كفارة من أفطر في رمضان:
حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلًا أفطر في رمضان فأمره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يكفر بعتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكينًا، فقال: لا أجد، فأتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعرق تمر فقال: ((خذ هذا فتصدق به)) فقال: يا رسول الله ما أجد أحوج مني، فضحك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى بدت أنيابه، ثم قال: ((كله)).
وحدثني عن مالك عن عطاء بن عبد الله الخراساني عن سعيد بن المسيب أنه قال: جاء أعرابي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يضرب نحره، وينتف شعره، ويقول: هلك الأبعد، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((وما ذاك؟)) فقال: أصبت أهلي وأنا صائم في رمضان، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((هل تستطيع أن تعتق رقبة؟)) فقال: لا، فقال: ((هل تستطيع أن تهدي بدنة؟)) قال: لا، قال: ((فاجلس)) فأتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعرق تمر، فقال: ((خذ هذا فتصدق به)) فقال: ما أجد أحوج مني، فقال: ((كله، وصم يومًا مكان ما أصبت)).
قال مالك -رحمه الله-: قال عطاء: فسألت سعيد بن المسيب كم في ذلك العرق من التمر؟ فقال: "ما بين خمسة عشر صاعًا إلى عشرين".
قال مالك -رحمه الله-: سمعت أهل العلم يقولون: "ليس على من أفطر يومًا في قضاء رمضان بإصابة أهله نهارًا أو غير ذلك الكفارة التي تذكر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيمن أصاب أهله نهارًا في رمضان، وإنما عليه قضاء ذلك اليوم، قال مالك: "وهذا أحب ما سمعت فيه إلي".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب كفارة من أفطر في رمضان:
وأطلق الفطر ولم يقيده بالجماع؛ لأنه لا فرق عنده -رحمه الله- بين المفطرات من أكل وشرب وجماع، فمن أكل في رمضان متعمدًا أو شرب في نهار رمضان متعمدًا، أو جامع في نهار رمضان متعمدا ًعليه الكفارة، هذا رأيه -رحمه الله-؛ ولذا أطلق في الترجمة، واختار من ألفاظ الرواة اللفظ المجمل.
قال: حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة –رضي الله عنه- أن رجلًا أفطر في رمضان، والذي في البخاري عن أبي هريرة: بينما نحن جلوس عند النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله هلكت، قال: ((ما لك؟)) قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، جاء باللفظ المجمل ليشمل جميع المفطرات -رحمه الله-، قال: ((ما لك؟)) قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، قال: ((هل تجد رقبة تعتقها؟)) تمسك بهذا الحنابلة والشافعية أن الكفارة خاصة بمن جامع في نهار رمضان، واللفظ المجمل قال به الإمام مالك وأبو حنيفة: من أكل متعمدًا، أو شرب متعمدًا، أو جامع عن عمد فإنه تلزمه الكفارة وإلا فلا، طيب، ما الفرق بين المتعمد والناسي بالنسبة للأكل والشرب؟
طالب:.......
هذا عند الحنابلة والشافعية؛ لكن مالك يلزمه القضاء، ولا كفارة عليه، ستأتي المسألة؛ لكن من شرب متعمدًا أو أكل متعمدًا، أو جامع عن عمد هذه تلزمه الكفارة عند مالك، بينما عند أحمد والشافعي لا تلزمه الكفارة إلا بالجماع؛ ولذا اختار الإمام مالك أن رجلًا أفطر في رمضان، أفطر بأي شيء يشمل كل المفطرات.
والرجل هذا جاء وصفه بأنه أعرابي، سماه بعض الشراح بأنه سلمان أو سلمة بن صخر البياضي، والأكثر على عدم تسميته، وقيل: إن سلمان هذا هو الذي ظاهر، وليس هو الذي جامع، المقصود أن اسمه لا يهمنا، كثير من الشراح قال: لم يسم.
أن رجلًا أفطر في رمضان فأمره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يكفر بعتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكينًا.
(أو) هذه أخذ منها مالك أن الكفارة على التخيير، وقال الجمهور: هي على الترتيب ((هل تجد رقبة؟)) قال: لا، ((هل تستطيع صيام شهرين؟)) قال: لا، قال: ((تطعم ستين مسكينًا؟)) فهي مرتبة على الترتيب، لا يجزئ الصيام مع القدرة على العتق، ولا يجزئ الإطعام مع القدرة على الصيام؛ ولذا يقول أهل العلم: إن من جامع في نهار رمضان فعليه كفارة ظهار، كفارة الظهار الترتيب ظاهر مقيد، الخصلة الثانية مقيدة بعدم الاستطاعة على الأولى، وهكذا فالترتيب ظاهر.
يقول أهل العلم: "من جامع في نهار رمضان فعليه كفارة ظهار" ما يقولون: عليه كفارة مجامع في نهار رمضان لماذا؟ هي مضبوطة كفارة الجماع في نهار رمضان مضبوطة بالأحاديث الصحيحة؛ لكن يقولون: "من جامع في نهار رمضان فعليه كفارة ظهار" لماذا؟ لأن كفارة الظهار مضبوطة بالقرآن المعروف عند الخاص والعام، فيحال عليه، أما مثل هذا الحديث أو مثل هذه الأحاديث قد تخفى على كثير من الناس، لو قيل: عليك كفارة مجامع في نهار رمضان، تخفى على كثير من الناس، بخلاف القرآن الذي يعنى به كل مسلم عالم وجاهل، كلهم يعنون بكتاب الله، بينما السنة لا يعتني بها إلا أهل العلم، فيحال على المعروف لدى الخاص والعام.
ولذا جاء في حديث عبادة: بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على بيعة النساء، وبيعة النساء متأخرة عن بيعة الرجال، فكيف يحال بالمتقدم على المتأخر؟ لأن بيعة النساء مضبوطة بالقرآن، بيعة الرجال ما أشير لها وما ذكرت في القرآن، لكن يحال على ما في القرآن؛ لأنه معروف لدى الخاص والعام، وعلى هذا فالكفارة على الترتيب يعتق رقبة، لم يجد، يصوم شهرين متتابعين، لم يجد، يطعم ستين مسكينًا.
لكن لماذا لا يقال: إن من جامع في نهار رمضان عليه كفارة قتل؟ يقال: عليه كفارة ظهار، لماذا لا يقال: عليه كفارة قتل؟ لأن كفارة القتل لا إطعام فيها عند جمع من أهل العلم، يعني لم ينص عليها، من قال بالإطعام في كفارة القتل فعلى سبيل الإلحاق، في كفارة القتل بكفارة الظهار.
فأمره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يكفر بعتق رقبة، وهذه الرقبة جاءت مطلقة هنا، ومطلقة أيضًا في كفارة الظهار من غير تقييد بوصف، وجاء تقييدها بالإيمان في كفارة القتل، فهل نحمل المطلق على المقيد أو لا؟ يحمل المطلق على المقيد لماذا؟ للاتحاد في الحكم، وإن اختلف السبب، معروف أنه إذا اتحد الحكم والسبب حمل المطلق على المقيد بالإجماع، إذا اتحد الحكم والسبب؛ لكن إذا اتحد الحكم دون السبب فالجمهور على حمل المطلق على المقيد كما هنا، والعكس لا يحمل المطلق على المقيد كما في اليد مقيدة في آية الوضوء، ومطلقة في آية التيمم، وإذا اختلف الحكم والسبب لا يحمل المطلق على المقيد إجماعًا، كاليد في آية الوضوء واليد في آية السرقة.
أو صيام شهرين متتابعين: التتابع لازم، فإن أفطر يومًا استأنف، إلا لعذر يبيح له الفطر في رمضان.
أو إطعام ستين مسكينًا قال: لا أجد، فأتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعرق فيه تمر، والعرق بفتح العين والراء.
طالب:.......
أو صيام شهرين متتابعين رواية من؟ على كل حال نحن اعتمدنا من الأول رواية يحيى، رواية يحيى المعتمدة في الشرح.
بعرق تمر: العرق بفتح العين والراء، ويروى بإسكان الراء، قال عياض: والصواب بفتح الراء، وهو المكتل زنبيل فيه تمر، قال: ((خذ هذا فتصدق به)) أي بالتمر الذي فيه، فقال: يا رسول الله ما أحد أحوج مني، ما أحد أحوج، هذه (ما) عاملة أو غير عاملة؟ عاملة، حجازية وإلا تميمية؟ حجازية.
"ما أحد أحوج مني" وفي رواية: "فو الله ما بين لابتيها" يريد الحرتين حرتي المدينة "أهل بيت أفقر من أهل بيتي"، وأخذ منه جمع من أهل العلم جواز القسم على غلبة الظن.
فضحك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى بدت أنيابه، جمع ناب، وهي الأسنان الملاصقة للرباعيات وهي أربعة، والضحك فوق التبسم، ثم قال: ((كله)) وفي رواية: ((أطعمه أهلك)) وفي رواية: ((عيالك)) الآن هذا العرق الذي فيه التمر هو المطلوب أن يتصدق به، وعلى هذا ما دام تحمله غيره، وتصدق على أهله به سقطت عنه الكفارة أو مازالت الكفارة لازمة له؟ يعني الأقعد الماشي على القواعد أن الكفارة تلزمه، وتبقى دين في ذمته كديون الآدميين، متى ما أيسر يكفر، وأن هذا التمر الذي جيء به وتصدق به عليه لا علاقة له بالكفارة، رجل أفقر ما في المدينة يستحق صدقة، بل يستحق إسعافًا، يعني جاء هذا التمر فرصة أن يدفع إليه، ما يوجد في البلد أفقر منه، هو أحق الناس به، وحينئذ تبقى الكفارة دين في ذمته، ومنهم من يرى أنه إذا كان معسرًا تسقط عنه الكفارة، واستدلوا بظاهر هذا الحديث.
طالب:.......
ولم يجد؟ على كل حال الأقعد والماشي على القواعد وهو اختيار كثير من أهل العلم أن الكفارة تبقى كديون الآدميين، دين في ذمته متى أيسر يدفعها.
يقول: وحدثني عن مالك عن عطاء بن عبد الله الخرساني، وفيه مقال لأهل العلم، صدوق يهم كثيرًا، عن سعيد بن المسيب أنه قال: جاء أعرابي، لم يسم، وهو الأعرابي السابق، إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يضرب نحره، وينتف شعره، وزاد الدار قطني: "ويحثو على رأسه التراب" ويقول: هلك الأبعد، يعني نفسه، وفي بعض طرقه: "هلكت وأهلكت" على ما تقدم، هلك الأبعد، يعني هلك بنفسه، وأهلك زوجته التي واقعها، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((وما ذاك؟)) أي الذي أهلك، فقال: "أصبت أهلي" أي جامعت زوجتي وأنا صائم في رمضان، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((هل تستطيع أن تعتق رقبة؟)) والرقبة مقيدة بالإيمان عند الجمهور، فقال: "لا" قال: ((هل تستطيع أن تهدي بدنة)) يعني تقدر أن تهدي بدنة؟ وهذه الجملة نص الحفاظ على أنها غير محفوظة، قال البخاري: لا يتابع عطاء عليها ((هل تستطيع أن تهدي بدنة؟)) قال: "لا" يعني لا أستطيع، قال: ((فاجلس)) انتظارًا للحل، إما يأتي أحد بشيء، أو ينزل وحي يعفيك، المقصود اجلس، قال: ((فاجلس)) فأتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعرق تمر أي فيه تمر، فقال: ((خذه هذا فتصدق به)) فقال: "ما أحد أحوج مني" فقال: ((كُلْه)) ظاهره أنه صدقة عليه، كُله ما دام ما فيه أحد أحوج منك إليه، كله، ظاهر اللفظ أنه صدقة عليه لا أنه هو الكفارة، فعلى هذا تبقى الكفارة دين في ذمته، فقال: ((كله وصم يومًا مكان ما أصبت)) وعلى هذا يلزمه قضاء ذلك اليوم.
قال مالك –رحمه الله-: قال عطاء: فسألت سعيد بن المسيب: كم في ذلك العرق من التمر؟ فقال: "ما بين خمسة عشر صاعًا إلى عشرين" في حديث أبي هريرة عند أحمد: خمسة عشر بدون تردد، وفي حديث عائشة عند ابن خزيمة: عشرون صاعًا.
قال مالك: "سمعت أهل العلم يقولون: "ليس على من أفطر يومًا في قضاء رمضان بإصابة أهله نهارًا عمدًا أو غير ذلك سواءً كان عن عمد أو غير عمد، يعني لقضاء رمضان عليه يوم أو أيام من رمضان صامها في شوال في القعدة من غيرهما من الشهور، ثم جامع أهله يقول مالك: سمعت أهل العلم يقولون: "ليس على من أفطر يومًا في قضاء رمضان، يعني في غير شهر رمضان بإصابة أهله نهارًا سواءً كان عمدًا أو غير ذلك الكفارة التي تذكر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيمن أصاب أهله نهارًا في رمضان، لحرمة رمضان، لحرمة الزمن، وإنما عليه قضاء ذلك اليوم فقط، قال مالك: "وهذا أحب ما سمعت فيه إلي" وعليه عامة أهل العلم إلا ما يروى عن قتادة وحده، فقال: عليه الكفارة، وقيل: عليه قضاء يومين، كمن أفسد الحج يكمل الحج، وأيضًا يمضي في فاسده، ويحج حجة مكانها، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"