كتاب الإيمان (24)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد، فيقول الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: بَابُ حَلاَوَةِ الإِيمَانِ". قال: "حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَنَسِ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ»".
قرأنا الشرح عند الحافظ ابن حجر، نتبعه بما عند الكرماني، ثم الحافظ ابن رجب -رحم الله الجميع-.
يقول الكرماني: (باب حلاوة الإيمان) إلى (قوله: "محمد بن المثنى" بلفظ المفعول من التثنية بالمثلثة)، (بلفظ المفعول) مُثنى مفعول (من التثنية بالمثلثة، هو أبو موسى العَنَزي بفتح المهملة والنون وبالزاي البصري المعروف بالزَّمِن، روى عنه الشيوخ الخمسة، توفي بالبصرة وهو في العشرة التاسعة)، (وهو في العشرة التاسعة) يعني؟
طالب: التسعين.
التسعين من عمره؟ ما رأيك يا أبا عبد الله؟
طالب: ..........
نعم.
يعني في التسعين من عمره (سنة اثنتين وخمسين ومائة.
قوله: "عبد الوهاب" هو أبو محمد بن عبد المجيد الثقفي البصري، منسوب إلى ثقيف جد القبيلة، روى عنه الإمامان الشافعي وأحمد، وكان غَلَّة عبد الوهاب كل سنة قريبًا من خمسين ألفًا، ولا يحول الحول على شيء منها، كان ينفقها على أصحاب الحديث، وُلد سنة ثمان ومائة، وتوفي سنة أربع وتسعين ومائة).
يعني قد يقول قائل: ما هذه العناية أو ما سبب هذه العناية بهذا الشرح، مع أن مقاصده موجودة في الشروح الأخرى؛ لأنه متقدم على فتح الباري وعلى عمدة القاري، ومقاصد الشرح في الجملة موجودة في الشروح الأخرى؟
نقول: عنايته بالتراجم وذِكر شيء من لطائف ما يمكن أن يقال في هذه التراجم لا توجد إلا عنده؛ لأن ابن حجر ما يهمه أن يقول: كانت غلته خمسين ألفًا وينفقها على أهل الحديث، ما يهمه هذا، وكلٌّ له ملحظ يناسب طريقته ومنهجه في الحياة، وقلنا: إن منهج أو طريقة ابن حجر تختلف عن طريقة النووي في تراجم الرواة أيضًا، ابن حجر يهتم بالدرجة الأولى إلى ما يصحح الخبر أو يضعفه، فيذكر ما يقال في الرجل، ما يقال في الرجل من التوثيق والتضعيف، ولا يَلوي على شيء غير ذلك. النووي عابد يهمه ما يُذكر من أحوال العباد والزهاد، فتجده يهتم بهذه الأمور أكثر مما يتعلق بالتصحيح والتضعيف؛ لأنه يشرح كتابًا في الصحيح، البخاري مثلاً أو مسلم، ما يهتم إلى أن هذا الراوي ثقة ومخرج له في الصحيحين جاز القنطرة.
الكرماني له نظرة، وله اختيار، يذكر في الترجمة أطرف ما قيل في هذا الراوي؛ تنشيطًا لطالب العلم، طالب العلم يهمه أن يسمع أن هذا الرجل أنه دخله خمسين ألفًا في السنة ولا يحول الحول على شيء منها، الخمسين الألف لا تعرف تحسبونها بمقاييسنا، الخمسين الألف الآن عند كثير من الناس لا شيء، يعني أربعة آلاف شهريًّا وشيء يسير هذه تؤخذ مع الزكاة في عرف كثير من الناس، ما هو ينفق على أهل الحديث، هذا يُنفق عليه، وكانت في بلادنا تعدل شيئًا كبيرًا، لكن مع انفتاح الدنيا صارت لا تساوي شيئًا تؤخذ معها الزكاة، في الصدر الأول حد الغنى خمسون درهمًا الذي لا تجوز معه أخذ الزكاة فجاء فيما يدل عليه، خسمون ألفًا.
قالوا عن سعيد بن المسيب إن له دخلاً كبيرًا لكن الدراهم والدنانير عنده كالبعر لا تساوى شيئًا، وليس معناه أنه يفرط فيها بغير منفعة ولا مصلحة «نهى عن إضاعة المال»، لكنها بالنسبة إلى ما يقربه إلى الله -جَلَّ وعَلا- لا شيء، والله المستعان.
(كان ينفقها على أصحاب الحديث، وُلد سنة ثمان ومائة وتوفي سنة أربع وتسعين ومائة)، الآن محمد بن المثنى توفي سنة ثنتين وخمسين ومائة، وشيخه عبد الوهاب توفي سنة يقول: (أربع وتسعين ومائة)، هل هذا صحيح؟
طالب: فيه غلط يا شيخ.
طالب: فيه بُعد.
طالب: ..........
نعم.
طالب: ..........
بلا شك؛ لأنه شيخ الترمذي، فإذا توفي سنة ثنتين وخمسين ومائة فكيف يروي عنه الترمذي وهو من شيوخ الأئمة، روى عنه الأئمة كلهم، الستة كلهم رووا عن محمد بن المثنى، فالصواب: سنة اثنتين وخمسين ومائتين.
(قوله: "أيوب" هو الإمام الجليل أبو بكر بن كَيسان بن أبي تَميمة)، نعرف أن أبا تميمة هو كَيسان، أيوب بن أبي تميمة كَيسان.
ننظر الأول في التقريب التقريب.
(أبي تَميمة بفتح المثناة الفوقانية)، تَميمة (السَّختياني)، والسَّختياني بفتح السين نسبة إلى الجلود السَّختيان، وهي معروفة بهذا الاسم إلى الآن.
طالب: أيوب بن أبي تميمة كيسان ..........
نعم على ما قلته؛ لأنه يقول: أبو بكر بن كيسان بن أبي تميمة، فابن الثانية زائدة.
(ويقال له السَّختياني؛ لأنه كان يبيع السَّختيان وهو بفتح السين الجِلد، والظاهر أنه فارسي معرَّب)، (فارسي معرَّب) يسأل سائل يقول: النطق ببعض الألفاظ الأعجمية هل يعاب عليه الشخص الآن أو لا لأنها وُجدت في الصدر الأول، ووجد بعض الألفاظ غير العربية في القرآن، فيتداول الناس بعض الألفاظ الآن ويثرب بعض أهل التحري على مَن ينطق بها، ويقول: هي موجودة في الصدر الأول، المنجنيق مثلاً، يعني القاعدة أن الجيم والقاف لا يجتمعان في كلمة عربية، إلى غير ذلك من الألفاظ الموجودة في لغة العرب تداولها ومشوا عليها وعرَّبوها.
طالب: والأسماء ..........
الأسماء بالإجماع، حتى موجودة في القرآن أعجمية، أعلام أعجمية موجودة في القرآن اتفاقًا، وهذا ليس مما يتناوله الخلاف، ولذلك ممنوعة من الصرف. المقصود أن هذا سؤال يَرد، وبعضهم إذا انتهى من كلامه وأراد أن يؤكد قال: أوكيه [ok]، وأنا مرة سُئلت سؤالاً على الهاتف ويوم انتهينا قال السائل: أوكيه [ok]، واللهِ أنا ما صبرت، تكلمت بكلام عام له ولغيره. يقول: لماذا يُثرب على أمثال هؤلاء وهو موجود في الصدر الأول؟ نقول: فرق بين أن نكون غالبين وبين أن نكون مغلوبين، وبين أن ننطق بها لحاجتنا إليها وبين أن ننطق بها إعجابًا بأهلها، فرق بين هذا وهذا.
يقول: (والظاهر أنه فارسي معرَّب)، كيف نتأكد؟ هناك كتب من أهمها وأجلها كتاب المعرَّب للجواليقي، والكتاب مطبوع بتحقيق الشيخ أحمد شاكر في طبعة نفيسة.
(قال شعبة: أيوب سيد الفقهاء، وقال الحسن: أيوب سيد شباب البصرة، وفي رواية: سيد الفتيان، توفي بالبصرة سنة إحدى وثلاثين ومائة.
قوله: "أبي قِلَابة" بكسر القاف وتخفيف اللام وبالموحدة عبد الله بن زيد بن عمرو بن العاص البصري)، معقول؟ (البصري التابعي الكبير، قال أيوب: كان أبو قلابة واللهِ من الفقهاء ذوي الألباب، أُريدَ على القضاء بالبصرة فهرب إلى الشام، فمات بها سنة أربع ومائة، ورواة هذا الحديث كلهم بصريون، فاحفظ فإنه من اللطائف.
قوله: «ثلاث» هو مبتدأ)، «ثلاث» مبتدأ، كيف يبتدئ بنكرة؟ يقول: (وليس نكرةً صِرفة؛ لأن التنوين عِوض عن المضاف إليه)؛ لأن من التنوين ما يعرف بتنوين العوض، يكون عوضًا عن كلمة، عوضًا عن جملة، فالتنوين هنا في قوله: «ثلاثٌ» عوض عن المضاف إليه، يعني: ثلاث خصال. (أي: ثلاث خصال، أو لأنه صفة موصوف محذوف، وهو مبتدأ بالحقيقة أي: خصال ثلاث، قال المالكي في شرح التسهيل)، المالكي ابن مالك، يقول: المالكي، كان مالكيًّا لما كان بالأندلس، ثم صار شافعيًّا لما انتقل إلى مصر، ابن مالك صاحب الألفية، لكن جرت عادته أن يقول: المالكي، وهو وغيره يقول لان قتيبة: القُتَبِي.
(قال المالكي في شرح التسهيل: مثال الابتداء بنكرة هي وصف، قولهم: ضعيف عاذ بقِرْمِلة، أي إنسان ضعيف التجأ إلى قِرمِلة أي شجرة ضعيفة، وأقول: لا تمسك فيه لاحتمال أن يكون من باب شَرٌّ أَهَرَّ ذا نابٍ)، لماذا لا نتمسك فيه؟ معي يا أهل اللغة؟ (ضعيف عاذ بقِرْمِلة، أي إنسان ضعيف التجأ إلى قِرمِلة)، تكون نكرة موصوفة، يقول: (وأقول: لا تمسك فيه؛ لاحتمال أن يكون من باب شَرٌّ أَهَرَّ ذا نابٍ، أو لأن الجملة الشرطية صفة، والخبر على هذا التقدير هو «أن يكون»)، يعني في قوله: «أن يكون الله ورسوله»؛ (إذ على التقديرين الأولين الشرطية خبر، و«أن يكون» هو بدل عن ثلاث أو بيان، وأما «من»)، «ثلاث مَن» (وأما «من» فهو مبتدأ، والشرط والجزاء معًا خبره، أو الشرط فقط على اختلاف فيه، و«من» إما شرطية وإما موصولة فهي متضمنة لمعنى الشرط.
و«وجد» بمعنى أصاب، ولهذا عُدي بمفعول واحد.
فإن قلت: لِم ما ثنَّى «أحب»)، «أن يكون الله ورسوله أحب» مفرد، وهو خبر عن اثنين؟ (فإن قلت: لِم ما ثنى «أحب» حتى يطابق خبرُ كان اسمَه؟ قلت: أفعل إذا استُعمل بمَن فهو مفرد مذكر لا غير ولا تجوز المطابقة لمَن هو له)، «ثلاث من كن فيه وجد فيه حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب»، ما لها علاقة «من» هنا؟ الجملة: «أن يكون الله ورسوله أحب»، «أحب»: خبر كان، «الله»: اسمها، «ورسوله»: معطوف عليه، أفعل التفضيل يُفرد، وحينئذٍ يصلح للمفرد والمثنى والجمع، {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ...} [التوبة: 24] في سورة التوبة، كم ذَكر من أمور متعاطفة؟ كم؟
طالب: سبعة.
طالب: ..........
ماذا؟
طالب: ثمانية.
ثمانية، والخبر؟
طالب: {أَحَبَّ}.
{أَحَبَّ} [التوبة: 24]، لا تلزم المطابقة في مثل هذا، أو يكون الخبر للأول منها وما بقي معطوف عليه، وما بقي منها معطوف عليه.
(قوله: «وأن يحب المرءَ» بنصب المرء لأنه مفعوله وفاعله الضمير الراجع إلى «مَن»، و«لا يحبه إلا لله» جملة حالية تحتمل بيانًا لهيئة الفاعل أو المفعول أو كليهما)، جملة حالية وصاحبة الحال إما الفاعل وإما المفعول، «لا يحبه إلا لله» إما (بيانًا لهيئة الفاعل)، وأن هذا صدر منه أن هذا الحب صدر منه تقربًا إلى الله -جَلَّ وعَلا- ومحبة فيه، أو يكون المحبوب يُحَب في الله، فيه من الأوصاف ما تقتضي أن يكون محبوبًا في الله، (أو كليهما معًا)، وهذا لا بد منه أن يكون كلٌّ منهما ممن يُحَب في الله، لكن قد يكون الحابُّ لا يحَب في الله، عنده أشياء تقتضي أن يبغَض في الله، لكنه يحب هذا الشخص لله، ممكن أم ليس بممكن؟
طالب: يمكن.
وعلى هذا يتجه أن يكون بيانًا لحال المفعول، والفاعل قد يكون ممن يحَب في الله وقد لا يكون ممن لا يحَب في الله، يعني يتصور أن يأتي رجل فاسق إلى عبد صالح ويقول: أنا أحبك في الله، فيرد عليه ويقول: وأنا أبغضك في الله! ما يُتصور هذا؛ لأن هذا متصف بما يُحب من أجله، وهذا متصف بما يُكره ويبغض من أجله.
(قوله: «يعود في الكفر»)، «يعود» يعني يرجع، فيه أو إليه؟
طالب: إليه.
الأصل إلى، أنه يُعدَّى بإلى، لكن ما السر في التعبير بـ«في»؟ هل نقول: إن هذا من تعبير الرواة وهذا فهم الراوي؟ أو أن عوده في الكفر بمعنى الدخول فيه؟
طالب: ..........
ماذا؟
طالب: ..........
فيه يعني بمعنى الدخول، يعني يُضمن «يعود» يدخل، ويكون هذا من باب المبالغة مثل: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71]، كأن هذه الجذوع تُنقر ويدخل في جوفها، مبالغة ما هو بصلب عليها، أشد.
(فإن قلتَ: المشهور عاد إليه مُعدًّى بكلمة الانتهاء لا بآلة الظرف)، آلة الظرف التي هي في، (قلتُ: قد ضُمن فيه معنى الاستقرار)، استقر فيه أو دخل فيه، (قد ضُمن فيه معنى الاستقرار كأنه قال: يعود مستقرًّا فيه)، لكن معنى الاستقرار أنه لا يدخل فيه كراهة العود إليه مع الخروج عنه مرة ثانية، يعني ما يكره أن يعود إلى الكفر ثم يعود إلى الإسلام إذا قلنا معناه الاستقرار والاستمرار. فالذي يظهر أن عاد معناه دخل، ويستوي في ذلك القليل والكثير، وأن الردة -نسأل الله السلامة والعافية- أمر قبيح شنيع أسهل منها أن يَدخل في النار أن يُلقى في النار، والآن هان أمرها عند كثير من الناس، وتركوا بعض الكُتاب وبعض من فُتن قالوا: للإنسان الحرية يختار من الأديان ما يشاء، كما أن للنصراني أن يُسلم للمسلم أن يتنصر، وألغوا بذلك حد الردة، وهذا يُكتب فيه الآن مع الأسف ويبث في القنوات ويدخل في أعماق البيوت مثل هذا الكلام، نعوذ بالله من الفتن. وأهل العلم يقرِّرون أن اليهود والنصارى كفار بالإجماع، حتى قالوا: إن من شك في كفرهم كفر إجماعًا. وهم يقولون: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256]، نسأل الله العافية.
(قد ضُمن فيه معنى الاستقرار كأنه قال: يعود مستقرًّا فيه، والكراهة هي ضد الإرادة، وتُستعمل عُرفًا بمعنى التنفير، هذا ما يتعلق بأصل التركيب)، يعني تركيب الجمل، (وأما ما يتعلق بخاصيته فهو أن الحلاوة إنما هي في المطعومات، والإيمان ليس مطعومًا، فتُصرف فيه بأن شُبه الإيمان بالعسل ونحوه للجهة الجامعة، أي وجه الشَّبه الذي بينهما وهو الالتذاد وميل القلب إليه، فذَكر المشبَّه وأضيف إليه ما هو من خواص المشبَّه به ولوازمه، وهي الحلاوة على سبيل التخيُّل له، ومثله يسمى بالاستعارة بالكناية)، يعني استعارة مكنية عند أهل البلاغة، وأظن أنه أشار في فتح الباري إلى شيء من هذا، وقلنا لبعض الإخوان يحضره، لكن طال العهد وأظنه نسي، يعني يحضر مثل هذا من كتب البلاغة، ويتجدد الطلب حينئذٍ، لأننا انقطعنا قريب من ستة أشهر.
(واعلم أن في الحديث إشارة أولاً إلى التحلي بالفضائل، وهو كون الله ورسوله أحب اليه، وهذا هو التعظيم لأمر الله تعالى، وكون محبته للخلق خالصًا لله تعالى، وفيه إشارة إلى الشفقة على خلق الله تعالى، وآخرًا إلى التخلي عن الرذائل وهو كراهية الكفر وما يلزمه من سائر النقائص، وهذا بالحقيقة لازم للأول؛ لأن إرادة الكمال مستلزمة لكراهة النقصان)، ما هو بالمعروف عند أهل العلم أن التخلية قبل التحلية، التخلية قبل التحلية، لا إله إلا الله، وهنا العكس:
(واعلم أن في الحديث إشارة أولاً إلى التحلي بالفضائل، وهو كون الله ورسوله أحب اليه، وهذا هو التعظيم لأمر الله تعالى، وكون محبته للخلق خالصًا لله تعالى، وفيه إشارة إلى الشفقة على خلق الله تعالى، وآخرًا إلى التخلي عن الرذائل وهو كراهية الكفر وما يلزمه من سائر النقائص، وهذا بالحقيقة لازم للأول؛ لأن إرادة الكمال مستلزمة لكراهة النقصان. التيمي:)، من الشراح شراح البخاري وشرحه غير مطبوع (حلاوة الايمان حسنه، يقال: حلا الشيء في الفم إذا صار حلوًا، وإن حلا في العين أو القلب قيل: حلا بعيني أي حسن. النووي:)، أي قال النووي: (هذا حديث عظيم أصل من أصول الإسلام، ومعنى "حلاوة الإيمان": استلذاذ الطاعات وتحمل المشاق في الدين وإيثار ذلك على أعراض الدنيا، ومحبة العبد لله بفعل طاعته وترك مخالفته، وكذا محبة الرسول -صلى الله عليه وسلم-)، بعض الناس يدعي أنه يحب الله، وظاهره يكذب هذه الدعوة ويقول: إن المحبة والتقوى أمور قلبية، الرسول -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- قال: «التقوى هاهنا»، نقول: هذا الكلام ليس بصحيح، حقيقة التقوى أن تفعل الأوامر وتجتنب النواهي وأنت مرتكب للنواهي، أنت تكذب دعواك، أنت تعصي الرب -جَلَّ وعَلا- وتقول: أنا أحبه، تعصي الإله وأنت تزعم حبه هذا لعمري في القياس شنيع، لو كان حبك صادقًا لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع.
يقول: (النووي: هذا حديث عظيم أصل من أصول الإسلام، ومعنى "حلاوة الإيمان": استلذاذ الطاعات وتحمل المشاق في الدين وإيثار ذلك على أعراض الدنيا، ومحبة العبد لله بفعل طاعته وترك مخالفته، وكذلك محبة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وقال: إنما قال: «مما سواهما»)، «مما»، ما قال: ممن سواهما، (وقال: إنما قال: «مما سواهما» ولم يقل: ممن؛ لأن [ما] أعم)، أعم التي تشمل غير العقلاء (وفيه دليل على أنه لا بأس بمثل هذه التثنية)، «سواهما» (لا بأس بمثل هذه التثنية).
يعني الخطيب لما قال: «ومن يعصهما»، قال: «بئس خطيب القوم أنت»، قاله الرسول -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-، «قل: ومن يعص الله ورسوله»، (وفيه دليل على أنه لا بأس بمثل هذه التثنية، وأما قوله للذي خطب وقال: ومن يعصهما فقد غوى «بئس الخطيب أنت» فليس من هذا النوع؛ لأن المراد في الخطب الإيضاح لا الرموز، أما هنا فالمراد الإيجاز في اللفظ ليُحفظ، ومما يدل عليه ما جاء في سنن أبي داود: «ومن يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فلا يضر إلا نفسه». القاضي عياض:).
كأن هذا الجواب يعني، يعني هل الضمائر في الخطب كلها ما تثنى ولا تُجمع؟ ولو كانت غير متعلقة بالله -جَلَّ وعَلا- ورسوله -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-، يعني ما تُثنى الضمائر ولا تُجمع طلبًا للإيضاح؟ الأصل أنه إذا أمكن الضمير أنه أولى من الظاهر، هذا الأصل، والإيجاز مطلوب حتى في الخطب إلا إيجازًا لا يفهمه السامع يصل إلى حد الإلغاز، لكن الفرق هنا أنه إذا جمع الرسول -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- بين ضميره وبين ضمير الله -جَلَّ وعَلا- فإنه لا يُتصور بحال من الأحوال أن يخطر على باله شيء من التسوية أو التشريك، بخلاف غيره الذي يُتوقع؛ ولذا الله -جَلَّ وعَلا- قد يوجد في كتابه من الأساليب ما جاء النهي عنه بالنسبة للمخلوق، كالقسم بغير الله، الله -جَلَّ وعَلا- له أن يُقسم بما شاء من خَلقه، لكن هل يُتصور أن يكون هذا القسم يصل إلى التعظيم الذي نُهي عنه المخلوق؟ لا، الرسول -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- حينما يجمع بين ضميره وبين ضمير ربه -جَلَّ وعَلا- لا يُتصور منه أن يخطر على باله أنه له شيء من المنزلة التي تسامي أو تداني منزلة الرب -جَلَّ وعَلا- وبالنسبة للمخلوق، وقد وُجد من يبالغ في تعظيمه -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- إلى أن صرف له بعض حقوق الرب -جَلَّ وعَلا-، والغلاة موجودون، والأمثلة على ذلك كثيرة نثرًا ونظمًا.
طالب: لكن يا شيخ ..........
«بئس»، ذمه؛ لأنه جمع.
طالب: ..........
ماذا؟
طالب: ..........
أو كلاهما، أو كلاهما، المقصود مثل ما قلنا: الرسول -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- أعلم الخلق بالله- جَلَّ وعَلا-، وحصل منه أشياء من المضائق التي قد لا يُتصور مثلها أو نظيرها أو قريب منها في غيره -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-، مضائق أنظار، أحيانًا يحتار الإنسان إذا مات له ابن أو أب أو أم وما أشبه ذلك ويحزن قلبه وتدمع عينه ويكون راضيًا تمام الرضا بالقدر، وقد لا يُتصور عند كثير من الناس، ما يتصورون مثل هذا، حتى إن الذي مات ابنه ضحك، يقول: لو بكيت وجدت في نفسي شيئًا، والرسول -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- قال: «القلب يحزن والعين تدمع ولا نقول إلا ما يرضي الرب». فهذه المسائل من المضائق التي تجعل بعض الناس لا يحتملها فيتصرف على خلاف ما ورد عنه -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-، أنت اقتدِ به في الظاهر، ولعلك تُوفّق أن توافقه في الباطن، وإلا فهذه أمور دقيقة جدًّا لا يحتملها كثير من الناس.
طالب: لكن أيهما أتبع للسنة، فِعل من ضحك أم من دمعت عينه؟
لا لا، من دمعت عينه وحزن قلبه، الموافقة في الظاهر تقوده إلى الموافقة في الباطن، يُوفق الإنسان للموافقة، وإلا الأمر صعب. مثل ما تقدم في حديث: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه»، هذه في غاية الصعوبة على عموم الناس، حتى قال بعضهم: إن مثل هذا مستحيل، وصرح بعض الشراح بهذا. لكن بعضهم قال: إن هذا بالنسبة لمن كان سليم القلب لا يبعد أن يوجد، والناس يتحدثون كل يتحدث من واقعه، القلوب مدخولة، في وقتنا هذا حدث ولا حرج، القلوب إلى الموت أقرب منها إلى الحياة. فلذلك نستبعد ونستغرب مثل هذه الأمور ونراها مستحيلة.
طالب: ..........
الأصل أن من للعاقل وما لغير العاقل، هذا الأصل، لكن إذا كان التعبير عن عاقل وغير عاقل فلا شك أن غير العاقل أكثر في الوجود من العاقل، ويدخل العاقل ضمنًا.
طالب: .......... بها عاقل.
وما هي؟
طالب: ..........
عاقل وغير عاقل، لكن لا يدخل فيها من يكره العبادة، يعني من رضي بأن يكون معبودًا من دون الله يدخل فيها ولو كان عاقلاً.
طالب: ..........
قد ذكرنا هذا في وقت مسارعة ومسابقة، وأحيانًا يستحيل أن يُجمع بينه وبين غيره في هذه المحاب، الأمر لا يحتمل إلا واحدًا، يعني الآن القاعة فيها مائة طالب هل يُتصور أن يتمنى هذا الشخص أن يكون كل المائة الأول مكررًا؟ يمكن أن يُطلب مثل هذا؟
قال: (القاضي عياض: لا تصح محبة الله ورسوله حقيقة وحب المرء في الله وكراهة الرجوع في الكفر، إلا لمن قوي بالإيمان يقينه واطمأنت به نفسه وانشرح له صدره وخالط لحمَه ودمَه، فهذا الذي وجد حلاوة الايمان، والحب في الله من ثمرات حب الله تعالى. وقال مالك: المحبة في الله من واجبات الإسلام وهو دأب أولياء الله تعالى. وقال يحيى بن معاذ الرازي: حقيقة المحبة أن يزيد في البر ولا ينقص بالجفاء)، (أن يزيد في البر) تزيد المحبة في البر ولا ينقص في الجفاء، وبعضهم يقول: أن لا تزيد مع الصفاء ولا تنقص مع الجفاء، لا تزيد مع الصفاء يعني بينك وبينه، لكن إذا زاد في البر من الأعمال الصالحة تزيد، فلا اختلاف بين القولين.
الآن لما تقول وتضحك على نفسك أنك ذهبت لتزور فلانًا من الناس في الله، هل رغبتك في الزيارة مرة أخرى لا تتفاوت فيما إذا أحسن الاستقبال وفيما إذا أساء الاستقبال؟ إذا أحسن استقبالك ورحَّب بك وفرح بك وعظمك وقدرك واستقبلك استقبالاً واحتفى بك، تزور في نفسك أنك ودك أن تجيء كل يوم. لكن لو ما ألقى لك بال؟ أو قال لك: ارجع؟ محبته واحدة على مستوى واحد مثل ما أنها في اليوم تجيء؟ لا تنقص مع الجفاء. لكن إذا استحضرنا ما قاله ابن عباس -رضي الله عنهما-: ولقد صارت عامة مؤاخاة الناس من أجل الدنيا، وذلك لا يجدي عند الله شيئًا. هذه مشكلتنا أننا لا نفرق.
وأيضًا مسألة الزيارة وتشييع الجنائز، يعني موجود في المسلمين من يقصد بذلك وجه الله فقط، وتجدهم يحرصون على الصلاة على الجنائز وتشييعها وزيارة المرضى وزيارة القبور ابتغاء ما عند الله -جَلَّ وعَلا-، وبعضهم من باب المكافئة حتى إنه يصرح: ما رأيناك بجنازة فلان، واللهِ يا أخي مات أبي ولا جاء عياله يصلون على أبي ولا يشيعون جنازته ولا، هذه مكافئة، هذا ما فيها الأجر المرتب على الصلاة على الجنازة، وتشييع الجنازة من الأجور العظيمة القيراط الذي يزن الجبل الكبير حتى قيل: إنه يزن جبل أُحد، والإنسان جرى على عادة، والذي في قلبه الله أعلم به. فعلى الإنسان أن يتفقد مثل هذه الأمور وأن يعيد النظر في كثير من تصرفاته لتكون أعماله كلها لله -جَلَّ وعَلا-.
يقول: (القاضي البيضاوي: المراد بالحب هاهنا الحب العقلي الذي هو إيثار ما يقتضي العقل رجحانه ويستدعي اختياره، وإن كان خلاف الهوى، ألا ترى أن المريض يعاف الدواء وينفر عنه طبعه، وهو يميل إليه باختياره، ويهوى تناوله بمقتضى عقله؛ لَما علم أن صلاحه فيه، فالمرء لا يؤمن إلا إذا تيقن أن الشارع لا يأمر ولا ينهى إلا بما فيه مصلحة أو صلاح عاجل أو خلاص آجل، والعقل يقتضي ترجيح جانبه وكماله بأن تتمرن نفسه بحيث يصير هواه تبعًا لعقله ويلتذ به التذاذًا عقليًّا؛ إذ اللذة إدراك ما هو كمال وخير من حيث هو كذلك، وليست بين هذه اللذة واللذات الحسية نسبة يعتد بها، والشارع عبر عن هذه الحالة بالحلاوة؛ لأنها أظهر اللذائذ المحسوسة، وإنما جعل هذه الأمور الثلاثة عنوانًا لكمال الإيمان المحصل لتلك اللذة؛ لأنه لا يتم إيمان عبد حتى يتمكن في نفسه أن المنعم باللذات هو الله -سبحانه وتعالى- ولا مانح ولا مانع سواه، وما عداه وسائط ليس لها في ذاتها أضرار ولا أنفاع، وأن الرسول -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- هو العطوف الساعي في صلاح شأنه، وذلك يقتضي أن يتوجه بكليته نحوه، ولا يحب ما يحبه إلا لكونه وسطًا بينه وبينه، وأن يتيقن أن جملة ما وعد وأوعد حق تيقنًا يخيل إليه الموعود كالواقع والاشتغال بما يؤول إلى الشيء ملابسة به، فيحسب مجالس الذكر رياض الجنة).
يعني قد يكون مثل هذا التشبيه في بداية الأمر مجرد اعتقاد ليس بواقع، يعني ما هو بخلف في وعد الله ووعد الصادق الذي لا ينطق عن الهوى، لا. لكن هل تلذذ الإنسان بمجلس الذكر في بداية أمره مثل تلذذه في روضة من الرياض الموجودة في البراري في أوقات الربيع؟ في أول الأمر يعني؟ هل تلذذ الإنسان بقيام الليل في الليالي الشاتية أو الصيفية القصيرة يجد لها لذة ورغبة في أول الأمر، إلا أنه امتثال، لكنه بعد ذلك مع المجاهدة إذا علم الله -جَلَّ وعَلا- منه صدق النية والعزيمة صارت ألذ عنده من كل لذيذ، والواحد منا ما حصل منه ولا مجاهدة ولا محاولة فضلاً عن مجاهدة، يقولون: كابدنا قيام الليل عشرين سنة ثم تلذذنا به. نعم، اللذة يصل إليها الإنسان، لكن بعد انتهاء مرحلة الامتحان وتجاوز الاختبار والابتلاء، وإلا تجد بعض الناس تجده من أهل العلم يعلم العلم خمسين ستين سنة، وفي كل درس يتمنى أن يوجد ما يمنع من إقامة الدرس؛ لأنه ما بعد يتلذذ، وبعضهم يتمنى أن تكون حياته كلها دروسًا، وإذا أذن المؤذن أو أقيمت الصلاة انقطع الدرس وهو في خير إلى خير، لكنه وصل إلى مرحلة يتلذذ فيها، ويرى أن هذا أفضل ما يتمتع به في الدنيا.
بعضهم من المتقدمين، ومر علينا لما حضرته الوفاة بكى، سئل: ما يبكيك وما عند الله خير؟ قال: واللهِ ما أبكي إلا على قيام الليل وصيام الهواجر!
قصة لشخص موجود الآن ذكرها بعض المشايخ من مصر في إحدى القنوات قال: هذا الشخص قُرر له عملية جراحية، فقال: كم تستغرق العملية؟ قالوا: ست ساعات، قال: والبنج متى ينتهي من أجل أن يصحو؟ قالوا: ما ندري واللهِ احتمال ساعتين ثلاث ساعات، قال: فبكى بكاء شديدًا، قال: يا رجل أنت رجل طيب وخير وطالب علم ومرض ما الذي تبكي عليه؟ يجيئنا أناس فساق يدخلون العمليات ما يفعلون مثل هذا؟ قال: أبكي؛ لأن هذا موعد حزبي من القرآن، يقول: أنا أقرأ عشرة في اليوم، وهذا موعده، إذا راح راح، لكن أرجوكم أن تنظروني ربع ساعة أو ثلث ساعة أقرأ لو جزأً واحدًا، تركوه يقرأ جزءًا واحدًا فضرب إبرة البنج، فاستمر يقرأ بنفس الصوت إلى أن انتهى من العملية! والله المستعان.
(فيحسب مجالس الذكر رياض الجنة، وأكل مال اليتيم أكل النار، والعود إلى الكفر إلقاء في النار. قال: وأما تثنية الضمير هاهنا فللإيماء على أن المعتبر هو المجموع المركب من المحبتين لا كل واحدة، فإنها وحدها ضائعة لاغية)، لو كان يحب الله ولا يحب رسوله، أو يحب الرسول ولا يحب الله، تنفع هذه المحبة؟
يقول: (لا كل واحدة منهم فإنها وحدها ضائعة لاغية، وأُمر بالإفراد في حديث الخطيب؛ إشعارًا بأن كل واحد من العصيانين مستقل باستلزام الغواية؛ إذ العطف في تقرير التكرير، والأصل الاستقلال)، من يعص الله فقد غوى، لو ما عصى رسوله على حد زعمه، من يعص الرسول فقد غوى، ولو كان في حد زعمه أنه مطيع لله مع أنهما متلازمان.
قريب من هذا ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية في الرابط في النكاح بين العقد والدخول، ففرق بين النكاح المأمور به والنكاح المنهي عنه، المنهي عنه يتجه إلى كل واحد على حدة، سواء حصل العقد فقط في هذا النكاح المنهي عنه وقعت في النهي، حصل الوطء فقط وقعت في المنهي عنه، بينما المأمور به لا يتم إلا بالأمرين معًا، «من استطاع منكم الباءة فليتزوج» يقول: يتزوج يعقد فقط، يكفي؟ لا بد من الأمرين. لكن {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} [النساء: 22]، نقول: لا، العقد فقط محرم، والوطء فقط محرم.
(والأصل استقلال كل من المعطوفين في الحكم. وأقول: وهذا الجواب أحسن مما تقدم. وقال الأصوليون: أُمر بالإفراد؛ لأنه أشد تعظيمًا والمقام يقتضي ذلك)، يعني يقتضي التعظيم.
انتهى كلامه -رَحِمَهُ اللهُ-.
***
يقول: هل يتضاعف أجر صلاة الجنازة وهو القيراط من الأجر إذا كان المتوفي الذي يصلى عليه في المسجد اثنين أو أكثر؟
فضل الله واسع، كل جنازة لها قيراط، كل جنازة من هذه الجنائز لها قيراط.
وهذا يقول: ألا يقال: إن الذم للخطيب من أجل الوقف على: يعصهما، بأن كان كلام الخطيب: من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما؟
وقف ثم استأنف، الوقوف هنا يحيل المعنى أم ما يحيله؟ يحيل المعنى. يقول: سمعت هذا الجواب. هذا محتمل، لكنه يحتاج إلى نقل، ما نعرف أين وقف الخطيب.
يقول: هل يجوز تكرار الآيات في صلاة الفريضة للإمام في الجهرية؟
الله -جَلَّ وعَلا- يقول: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ} [ق: 45]، فإذا كانت الآية مما يحسن التذكير بها؛ لعموم المصلين فلا مانع من تكرارها، وقد ثبت ذلك في النفل، ولا يوجد ما يمنع منه في الفريضة؛ لأن هذا من التذكير بالقرآن، لكن لا يعني أن الإنسان أو الإمام يُذكر بآية واحدة ويترك ما عداها فيلزمها في صلوات عديدة أو في صلاة طويلة يطيل على الناس يرددها مرارًا.
على كل حال الإمام عليه أن يتوخى ما ينفع المأمومين.
اللهم صل على محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
يقول: هل تقام الحدود، تُقطع يد السارق والرجم في دولة الإسلام على غير المسلمين؟
النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- أقام الحد على اليهوديين فرجمهما، يعني فيما حُرم عليهم في دينهم يشتركون فيه مع المسلمين، ولما سأل النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: «ماذا تصنعون في الزاني المحصن؟»، قالوا: يُسود وجهه ويطاف به في الناس، فأمر بالتوراة فجيء بها، فوضع أبو صوريا يده على آية الرجم، فأمر النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- برفع يده فإذا آية الرجم تلوح.
طالب: .......
نعم؟
طالب: ..........
هي التي فيها أيش؟
طالب: ..........
نعم.
طالب: ..........
نعم، لكن الواقع إذا قلنا: الضابط في معرفة محبة الله ورسوله إيثار أمر الله ورسوله على غيرهما، هذا أمر إلهي بالقرآن تعارض مع أمر عادي عنده أو ما يتعلق بمن يحبه جِبلة، نعم، لا شك أن هذا متفاوت بين الناس تفاوتًا كبيرًا، يتفاوت، منهم من يأتي إلى ما يحبه الله وهو منشرح الصدر، ومنهم من يأتي إليه وهو مستثقل له كاره له لكنه يقدمه، ومنهم من يقدم ويؤثر أمور دنياه على ما يرضي الله -جَلَّ وعَلا-، فهو متفاوت حتى فيما يتعلق بمحبة الله -جَلَّ وعَلا-.
طالب: ..........
ماذا؟
طالب: ..........
ما أحل لهم في دينهم على أن لا يجاهروا به ويؤثروا به على عموم المسلمين.
طالب: ..........
يعني لو شرب الخمر في بيته ما يقام عليه الحد، لكنه يُمنع من شربه بين الناس.
طالب: ..........
«فله قيراطان».
طالب: ..........
لا ما يلزم، من أهل العلم من يرى ذلك؛ لأنه ثنى القيراطين، فما قال: فله قيراط، يعني ما أفرده، مما يدل على أنه تابع للقيراط الأول، لكن الذي يظهر أنه لا ارتباط بينهما، هذا له حكمه وهذا له حكمه.
يقول: ظهرت طبعة جديدة لجامع الأصول بإشراف الأرناؤوط، ما تقييمكم لها وما مدى استفادة طالب العلم من الكتاب؟
الأرناؤوط مشرف على طبعة جامع الأصول المطبوعة قبل أربعين سنة، فهي معروفة ومشهورة، وهذا تجديد لها وتفنن في الطباعة وألوان، فما أدري ما الفرق بينها وبين الطبعة الأولى للأرناؤوط نفسه. وأما الاستفادة من جامع الأصول، فجامع الأصول جمع الكتب الخمسة: البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وأضاف إليها الموطأ بدلاً من ابن ماجه. جامع الأصول يستفيد منه طالب العلم؛ لأنه يجمع الأحاديث في باب واحد من الكتب الستة هذه. لكن الإشكال أنه يعتمد على الفروع، ولا يعتمد على الأصول، يعني لو أن ابن الأثير لما جمع هذه الأحاديث رجع إلى الأصول، إلى البخاري نفسه، وما رجع إلى المستخرجات، ولا رجع إلى كتب الجمع بين الصحيحين التي تعتمد على المستخرجات، كان نافعًا جدًّا. لكن هذا مما يؤخذ عليه.
فطالب العلم لا يجزم بأن هذا اللفظ في البخاري، نعم المعنى موجود، لكن قد يكون اللفظ مختلف وهو يعزوه للبخاري. والأصل يعني البيهقي ومن عزا، يعني مثل جامع الأصول. وليت إذ زاد الحميدي ميزا. يعني يأخذون من المستخرجات، المستخرج على البخاري والمستخرج على مسلم، والمستخرجات ما يلتزمون بألفاظ الصحيح؛ لأنهم يروون الأحاديث من طريقهم هم لا من طريق صاحب الصحيح، فلا يلتزمون بألفاظهم. ثم جاء من جاء بعدهم من الكتب الفرعية، فصاروا يعتمدون على هذه المستخرجات.
وعلى كل حال إذا قارن طالب العلم بين اللفظ في الفرع وبينه في الأصل طيب، لكن مثل هذا يحتاج إلى وقت طويل.
طالب: ..........
ماذا؟
طالب: ..........
التحقيق القديم لو كان شاب هو الذي يباشر، وما ظهرت مسألة الورش ورش العمل إلا في وقت متأخر لما كبر الناس، وصاروا ما يغطون على هذه الأمور، فصاروا يوظّف عندهم مجموعة يشتغلون وهو يشرف عليهم، وإلا فواحد ظهر باسمه يمكن أكثر من مائتي مجلد وثلاثمائة مجلد، متى عمل هذا؟ هو مشغول ليل نهار وعليهن اسمه. لكن الشيء غير المقبول أن يوجد في بعض التعليقات أخطاء عقدية تمشي من بعض المعلقين وعليها اسمه، هذا غير مقبول، وهذه المسألة صارت في الغالب تجارة. نعم قد يُقصد نشر العلم ونشر الكتب الشرعية والعلمية، ولا يمكن أن يباشر الإنسان كل شيء بنفسه، لكن المسألة تسديد ومقاربة، لا مانع أن يشتغل معه فريق عمل، لكن لا يجوز له بحال أن يخرج شيئًا باسمه إلا وقد مر عليه وأقره ولو إقرارًا ولو لم يكتبه.
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"