شرح العقيدة الطحاوية (68)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا واجزه عنا خير الجزاء برحمتك يا أرحم الراحمين، قال الإمام الطحاوي- رحمه الله-:
قَوْلُهُ: (وَاللَّهُ يَغْضَبُ وَيَرْضَى، لَا كَأَحَدٍ مِنَ الْوَرَى)".
قال الشارح –رحمه الله-: قَالَ الله تَعَالَى:"{رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ} [سورة الْمَائِدَةِ:119] [سورة الْمُجَادَلَةِ:22] [ الْبَيِّنَة:8].ِ وقال تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الْفَتْحِ:18]. وَقَالَ تَعَالَى: {مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ} [سورة الْمَائِدَةِ:60] {وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ} [سورة النِّسَاءِ:93]. {وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّه} [سورة الْبَقَرَةِ:61]. وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ.
وَمَذْهَبُ السَّلَفِ وَسَائِرِ الْأَئِمَّةِ إِثْبَاتُ صِفَةِ الْغَضَبِ، وَالرِّضَى، وَالْعَدَاوَةِ، وَالْوِلَايَةِ، وَالْحُبِّ، وَالْبُغْضِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الصِّفَاتِ، الَّتِي وَرَدَ بِهَا الْكِتَابُ وَالسَّنَةُ، وَمَنْعُ التَّأْوِيلِ الَّذِي يَصْرِفُهَا عَنْ حَقَائِقِهَا اللَّائِقَةِ بِاللَّهِ تَعَالَى. كَمَا يَقُولُونَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْكَلَامِ وَسَائِرِ الصِّفَاتِ، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الشَّيْخُ فِيمَا تَقَدَّمَ بِقَوْلِهِ: إِذْ كَانَ تَأْوِيلُ الرُّؤْيَةِ وَتَأْوِيلُ كُلِّ مَعْنًى يُضَافُ إِلَى الرُّبُوبِيَّةِ - تَرْكَ التَّأْوِيلِ، وَلُزُومَ التَّسْلِيمِ، وَعَلَيْهِ دِينُ الْمُسْلِمِين".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المؤلف المصنف الطحاوي –رحمه الله- فرّق الكلام في الصفات في عقيدته، ولو جمعها في موضعٍ واحد لكان أنسب، لكن نظرًا لتقدم المؤلف والعادة جرت أن المتقدم يترك للمتأخر شيئًا، كما هو شأن البشر الذين ينتقد صنيعهم لا سيما في الترتيب والتنظيم، ويأتي من يكمل العمل ويرتب العمل ويهذبه، وهذا شأن التأليف في بدايته، وذكرنا ذلك مرارًا في مختصر الخرقي، بينما الكتب والمتون التي أُلفت بعد ذلك استدرك ما ينتقد به الأول، وليس الانتقاد في موضعنا هذا في المضمون، وإنما هو في الترتيب، فلو جمع النظائر وتكلم عليها في مقامٍ واحد لكان أولى وأجمع للذهن، لكن الأمر سهل إذا عرفنا المؤلف –رحمه الله- على الجادة مقررًا لعقيدة السلف الصالح من إثبات ما أثبته الله لنفسه، وعلى ما يليق بجلالته وعظمته من الصفات الذاتية والصفات الفعلية.
وطريقة السلف أنهم يثبتون ما أثبته الله لنفسه، سالكين بذلك المنهج الوسط بين الإفراط والتفريط، بين الجفاء والغلو، بين التشبيه والتأويل، وكذلك في جميع أبواب الدين، فهم في هذا الباب وغيره من أبواب الدين وسطٌ بين الفرق، كما أن هذه الأمة وسطٌ بين الملل.
وما أحسن ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة المباركة الوسطية، قرر وسطية السلف، وسطية أهل السنة والجماعة بين الفرق في جميع أبواب الاعتقاد، بطريقةٍ محصورة لا تشتت ولا تفرق، والله المستعان.
"وَانْظُرْ إِلَى جَوَابِ الْإِمَامِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فِي صِفَةِ الِاسْتِوَاءِ كَيْفَ قَالَ: الِاسْتِوَاءُ مَعْلُومٌ، وَالْكَيْفُ مَجْهُولٌ. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- مَوْقُوفًا عَلَيْهَا، وَمَرْفُوعًا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ -رَحِمَهُ اللَّهُ- فِيمَا تَقَدَّمَ: مَنْ لَمْ يَتَوَقَّ النَّفْيَ وَالتَّشْبِيهَ، زَلَّ وَلَمْ يُصِبِ التَّنْزِيهَ. وَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ أَنَّ الْإِسْلَامَ بَيْنَ الْغُلُوِّ وَالتَّقْصِيرِ، وَبَيْنَ التَّشْبِيهِ وَالتَّعْطِيلِ.
فَقَوْلُ الشَّيْخِ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: لَا كَأَحَدٍ مِنَ الْوَرَى، نَفْيُ التَّشْبِيهِ، وَلَا يُقَالُ: إِنَّ الرِّضَى إِرَادَةُ الْإِحْسَانِ، وَالْغَضَبُ إِرَادَةُ الِانْتِقَام،ِ فَإِنَّ هَذَا نَفْيٌ لِلصِّفَةِ".
تأويله هو هروب من إثبات الصفة بذكر اللازم، إذا قيل: الرضى إرادة الإحسان، والغضب إرادة الانتقام، هذا هروب من إثبات الرضى والغضب، وذكر اللازم بالإرادة هذا تأويل مخالفٌ ومجانبٌ لما عليه سلف الأمة وأئمتها، بل أئمة السلف من الصحابة ومن تبعهم بإحسان، يثبتون ما أثبته الله لنفسه، وأثبته له رسوله -عليه الصلاة والسلام-.
"وَقَدِ اتَّفَقَ أَهْلُ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُرِيدُهُ وَلَا يَشَاؤُهُ، وَيَنْهَى عَمَّا يَسْخَطُهُ وَيَكْرَهُهُ، وَيُبْغِضُهُ وَيَغْضَبُ عَلَى فَاعِلِهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ شَاءَهُ وَأَرَادَهُ".
نعم لا تلازم بين الإرادة والمحبة؛ ولذلك قال: وَقَدِ اتَّفَقَ أَهْلُ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ، الأمر مع المحبة والنهي مع الكراهة، والمشيئة قد توجد مع ما يحبه، وقد توجد مع ما يكرهه ولا يرضاه، فالله يريد من المؤمن أن يؤمن، يريد منه أن يأتمر وينتهي، ويحب ذلك منه، فإن حصل فقد شاءه، وإن لم يحصل مع محبته إياه فإن الله لم يشؤه؛ ولذلكم تعليق الأمور بالمشيئة يخرج من أمورٍ كثيرة، منها الحنث في اليمين، ومنه عدم لزوم النذر وغير ذلك، حتى لو قال لك: بلغ سلامي فلانًا، إذا قلت: نعم التزمت لابد أن تبلغه، وإذا قلت: إن شاء الله فحسب التيسير، إن بلغته فقد شاءه الله، وإن لم تبلغه فإن الله حينئذٍ لم يشأه، ولا عليك منه شيء.
"فَقَدْ يُحِبُّ عِنْدَهُمْ وَيَرْضَى مَا لَا يُرِيدُهُ، وَيَكْرَهُ وَيَسْخَطُ وَيَغْضَبُ لِمَا أَرَادَهُ.
وَيُقَالُ لِمَنْ تَأَوَّلَ الْغَضَبَ وَالرِّضَى بِإِرَادَةِ الْإِحْسَانِ: لِمَ تَأَوَّلْتَ ذَلِكَ؟ فَلَابُدَّ أَنْ يَقُولَ: لِأَنَّ الْغَضَبَ غَلَيَانُ دَمِ الْقَلْبِ، وَالرِّضَى الْمَيْلُ وَالشَّهْوَةُ، وَذَلِكَ لَا يَلِيقُ بِاللَّهِ تَعَالَى! فَيُقَالُ لَهُ: غَلَيَانُ دَمِ الْقَلْبِ فِي الْآدَمِيِّ أَمْرٌ يَنْشَأُ عَنْ صِفَةِ الْغَضَبِ، لَا أَنَّهُ الْغَضَبُ. وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا: وَكَذَلِكَ الْإِرَادَةُ وَالْمَشِيئَةُ فِينَا".
الآن غليان دم القلب وارتفاع الضغط، هل هو الغضب أو ناشئ عن الغضب؟ هو ناشئ عن الغضب، وهم يؤولون الغضب بإرادة الانتقام؛ لأن الغضب عندهم غليان دم القلب، أولاً: هذا غضب الآدمي، يعني ينشأ عنه غليان دم القلب، وهذا بالنسبة للآدمي، فقد جمعوا في صنيعهم بين التشبيه أولاً: شبهوا الخالق بالمخلوق، وأن غضب الخالق مثل غضب المخلوق، ثم بعد ذلك توصلوا بذلك إلى النفي، نفي ما أثبته الله لنفسه بالتأويل.
"وَكَذَلِكَ الْإِرَادَةُ وَالْمَشِيئَةُ فِينَا، فَهِيَ مَيْلُ الْحَيِّ إِلَى الشَّيْءِ أَوْ إِلَى مَا يُلَائِمُهُ وَيُنَاسِبُهُ، فَإِنَّ الْحَيَّ مِنَّا لَا يُرِيدُ إِلَّا مَا يَجْلِبُ لَهُ مَنْفَعَةً أَوْ يَدْفَعُ عَنْهُ مَضَرَّةً، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى مَا يُرِيدُهُ وَمُفْتَقِرٌ إِلَيْه".
هذا الإنسان السوي الذي على فطرته، لا يرضى ولا يحب ولا يميل إلا لما ينفعه، لكن ترى الناس اليوم يحبون ويميلون ويريدون أشياء تضرهم، وهذا من أعجب العجب أن يكون العاقل يبحث بطوعه واختياره عما يضره، والله المستعان.
"وَيَزْدَادُ بِوُجُودِهِ، وَيَنْتَقِصُ بِعَدَمِهِ. فَالْمَعْنَى الَّذِي صَرَفْتَ إِلَيْهِ اللَّفْظَ كَالْمَعْنَى الَّذِي صَرَفْتَهُ عَنْهُ سَوَاءٌ، فَإِنْ جَازَ هَذَا جَازَ ذَاكَ، وَإِنِ امْتَنَعَ هَذَا امْتَنَعَ ذَاكَ.
فَإِنْ قَالَ: الْإِرَادَةُ الَّتِي يُوصَفُ اللَّهُ بِهَا مُخَالِفَةٌ لِلْإِرَادَةِ الَّتِي يُوصَفُ بِهَا الْعَبْدُ، وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا حَقِيقَةً. قِيلَ لَهُ: فَقُلْ: إِنَّ الْغَضَبَ وَالرِّضَى الَّذِي يُوصَفُ اللَّهُ بِهِ مُخَالِفٌ لِمَا يُوصَفُ بِهِ الْعَبْدُ، وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا حَقِيقَةً. فَإِذَا كَانَ مَا يَقُولُهُ فِي الْإِرَادَةِ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي هَذِهِ الصِّفَاتِ، لَمْ يَتَعَيَّنِ التَّأْوِيلُ، بَلْ يَجِبُ تَرْكُهُ؛ لِأَنَّكَ تَسْلَمُ مِنَ التَّنَاقُضِ".
وإلا فما معنى أنك تثبت الإرادة من غير التزام بمشابهة المخلوق، ولا تثبت الغضب والرضى؛ لأنه يلزم مشابهة المخلوق؟ فما صنعته في هذا يجب أن تمشي عليه في هذا، وتسلم حينئذٍ من التناقض، أما أن تفرق بين المتماثلات وتقول: هذا يلزم منه، وهذا لا يلزم منه، فهذا عين التناقض.
"وَتَسْلَمُ أَيْضًا مِنْ تَعْطِيلِ مَعْنَى أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ بِلَا مُوجِبٍ. فَإِنَّ صَرْفَ الْقُرْآنِ عَنْ ظَاهِرِهِ وَحَقِيقَتِهِ بِغَيْرِ مُوجِبٍ حَرَامٌ، وَلَا يَكُونُ الْمُوجِبُ لِلصَّرْفِ مَا دَلَّهُ عَلَيْهِ عَقْلُهُ؛ إِذِ الْعُقُولُ مُخْتَلِفَةٌ، فَكَلٌّ يَقُولُ: إِنَّ عَقْلَهُ دَلَّهُ عَلَى خِلَافِ مَا يَقُولُهُ الْآخَرُ "!
ولذلك لا تجدون طوائف البدع يتفقون، هم رجعوا في تأويلاتهم إلى عقولهم، وهذا عقله يدله على كذا، وهذا عقله يدله على كذا، ويختلفون، ومن أولى منهم بالاتباع؟ هؤلاء الذي اعتمدوا على عقولهم التي دخلها ما دخل من الدخل، وعلى فطرهم التي اجتالتها الشياطين وتغيرت، وتأثروا بما وفد إليهم من علوم الأولين من الفلاسفة وغيرهم، تأثروا بذلك وقالوا: هذه هي الأدلة العقلية القطعية، أيهم أنظف عقولاً هم أم الصحابة الذين عاشوا مع النبي-عليه الصلاة والسلام- واستمروا على فطرهم المستقيمة التي فطرهم الله عليها، وعاصروا التنزيل ورأوا النبي- عليه الصلاة والسلام- كيف يفعل، وكيف يفسر القرآن، وكيف يطبق ما أنزل إليه؟! هؤلاء أولى بالاتباع ممن جاء بعدهم بعد قرون تغيرت فيه الفطر، وتغيرت فيه الفهوم بما وفد إليها من المؤثرات -والله المستعان- حتى لو كانت عقولهم متفقة على شيءٍ واحد، لو اتفقت عقولهم على شيءٍ واحد يعني أئمتهم الذين يزعمون فيه الإمامة، قيل: فيها نوع اتفاق، ولكن كما قيل: كفاهم عيبًا تناقض قولهم، أقوالهم متناقضة، فمن منهم الأولى بالاقتداء؟ ما فيه واحد أولى من الثاني بالاقتداء؛ لأنهم لا يأوون إلى نص من كتابٍ ولا سنة، وإذا كان قدوتهم وإمامهم وهاديهم العقل والفطر الممسوخة، فهؤلاء ليسوا بأهلٍ أن يقتدى بهم.
وأيضًا علومهم كما في كتبهم كتب أهل الكلام، يعني تكليف الناس بها قد لا يطاق؛ لأنها مسائل متناقضة ومتضاربة، ولا تأوي إلى نص، وكل له رأيه؛ ولذلكم المسائل العقدية التي تقرر في وريقات يكتبون عنها مجلدات؛ لأن كل واحد ينساق وراء عقله وما يمليه عليه، ويذهب وراء الأوهام مع ضلال الأفهام، وبعد ذلك لا ينتهي إلى شيء، ويتمنى بعد ستين، سبعين سنة من هذا التعب والعناء أن يموت على عقيدة العجايز، يعني شرح المواقف في ثمانية مجلدات كبار لا تكاد تخرج منه بفائدة.
شيخ الإسلام بسلاحهم أرداهم، وبمنطقهم رد عليهم.
ومن العجيب أنه بسلاحهم |
| أرداهم نحو الحضيض الداني |
بمقدماتهم ونتائجهم رد عليهم؛ ولذلك تجد في كلام شيخ الإسلام الكلام الكثير مئات الصفحات التي لا يحتاجها مسلم، يعني في المجلد الثاني من هدي السنة حوالي ثلاثمائة صفحة هذه لو أتلفت ما ضر؛ لأن طالب العلم لا يستفيد منها، إلا من وصل لمستوى شيخ الإسلام بفهم علومهم وأراد أن يرد عليهم بها، وفي المجلد السادس كذلك كلام طويل، وفي درء تعارض العقل والنقل كلامٌ يطوى يقرأ على شيوخنا ويقولون: اتركوه، لماذا؟ لأنه لا يستفيد من طالب العلم. شيخ الإسلام اضطر من أجل الرد عليهم؛ أن يقرأ في كتبهم وعلومهم، وخلص منها ونجى منه، وكثيرٌ ممن اقتحمها وخاض غمراتها لم يستطع أن يتخلص منها؛ ولذلك يُنهى طلاب العلم أن يقرءوا في مثل هذه الكتب التي لا طائل تحتها، ويقتصر على نصوص الوحيين وما يعينه على فهم الوحيين.
"وَهَذَا الْكَلَامُ يُقَالُ لِكُلِّ مَنْ نَفَى صِفَةً مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِامْتِنَاعِ مُسَمَّى ذَلِكَ فِي الْمَخْلُوقِ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُثْبِتَ شَيْئًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى خِلَافِ مَا يَعْهَدُهُ حَتَّى فِي صِفَةِ الْوُجُودِ، فَإِنَّ وُجُودَ الْعَبْدِ كَمَا يَلِيقُ بِهِ، وَوُجُودَ الْبَارِي تَعَالَى كَمَا يَلِيقُ بِهِ، فَوُجُودُهُ تَعَالَى يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ الْعَدَمُ، وَوُجُودُ الْمَخْلُوقِ لَا يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ الْعَدَمُ، وَمَا سَمَّى بِهِ الرَّبُّ نَفْسَهُ وَسَمَّى بِهِ مَخْلُوقَاتِهِ، مِثْلَ الْحَيِّ وَالْعَلِيمِ وَالْقَدِيرِ، أَوْ سَمَّى بِهِ بَعْضَ صِفَاتِهِ، كَالْغَضَبِ وَالرِّضَى، وَسَمَّى بِهِ بَعْضَ صِفَاتِ عِبَادِهِ - :فَنَحْنُ نَعْقِلُ بِقُلُوبِنَا مَعَانِيَ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ حَقٌّ ثَابِتٌ مَوْجُودٌ، وَنَعْقِلُ أَيْضًا مَعَانِيَ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ فِي حَقِّ الْمَخْلُوقِ، وَنَعْقِلُ أَنَّ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ قَدْرًا مُشْتَرَكًا، لَكِنَّ هَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ فِي الْخَارِجِ مُشْتَرَكًا، إِذِ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكُ الْكُلِّيُّ لَا يُوجَدُ مُشْتَرَكًا إِلَّا فِي الْأَذْهَانِ، وَلَا يُوجَدُ فِي الْخَارِجِ إِلَّا مُعَيَّنًا مُخْتَصًّا. فَيَثْبُتُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا يَلِيقُ بِهِ. بَلْ لَوْ قِيلَ: غَضَبُ مَالِكٍ خَازِنِ النَّارِ وَغَضَبُ غَيْرِهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ -: لَمْ يَجِبْ أَنْ يَكُونَ مُمَاثِلًا لِكَيْفِيَّةِ غَضَبِ الْآدَمِيِّينَ؛ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَيْسُوا مِنَ الْأَخْلَاطِ الْأَرْبَعَةِ، حَتَّى تَغْلِيَ دِمَاءُ قُلُوبِهِمْ كَمَا يَغْلِي دَمُ قَلْبِ الْإِنْسَانِ عِنْدَ غَضَبِهِ. فَغَضَبُ اللَّهِ أَوْلَى".
الأخلاط الأربعة ما هي؟
طالب:........
صح، الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة.
فنحن نعقل بقلوبنا معاني هذه الأسماء في حق الله تعالى، الاستواء معلوم، لكن المجهول الكيف، ونعقل أيضًا معاني هذه الأسماء في حق المخلوق أيضًا، وإذا اتحد اللفظ نعقل أن هناك معنى مشتركًا، لكن هل معنى هذا المشترك يقتضي التطابق أو التماثل أو التشابه؟ لا، فكلٌ له ما يخصه من هذه المعاني، نحن نعقل بقلوبنا معاني هذه الأسماء في حق الله تعالى؛ لأنها بالكلام العربي الذي تطبق عليه قواعد وأصول العربية، هذا من حيث اللفظ، لكن حقيقة الكيفية لا نعقلها؛ ولذا غالى بعضهم من أجل نفي المشابهة ونفى المعنى عن الله –جل وعلا- أو فوض قال: ما نعقل معناه، وكل واحد من يدرك الفرق بين الخالق والمخلوق، وأنه لا يمكن إدراك الكيفية بالنسبة للخالق؛ لأنه لم يره ولم ير نظيره، مثل هذا ما تستطيع أن تدركه، لكن المخلوق أدركته رأيته، أو رأيت نظيره فتعرف هذه الكيفية، لكن الدقة في الكيفية قد تخفى عليك، الآن لو قيل لك: زيد عالم بالمغرب اسمه زيد أو ابن أبي زيد، أنت تعرف أن زيدًا هذا مثل زيد الذي بالهند في الجملة في كيفيات الصفات وفي معاني الصفات في الجملة، لكن تفاصيل هذه الصفات وأنت ما رأيت واحدًا منهما، ما تدري هذا أطول أو هذا أقصر أو هذا أضخم أو هذا أبيض أو هذا كذا، ما تدرك مثل هذه الأمور؛ لأنك ما رأيت، لكن في الجملة المخلوق مشابهته للمخلوق كبيرة.
يبقى أن أهل التفويض، نحن نعرف معنى زيد وإن لم نره؛ لأنه شخص قائم آدمي مشبه في الجملة لغيره من الآدميين، لكن التفاصيل لأننا لم نر لا نعرفها، أهل التفويض يقولون: لا نحن ما رأينا زيدًا، والذي لم نره بالنسبة لله –جل وعلا- تعالى الله عما يقولون، ولله المثل الأعلى- زيد مثل ديز، نحن ما رأيناه فلا فرق عندنا بين زيد وبين ديز، زيد ليس لها معنى؟ ديز لها معنى عكس زيد؟ ما لها معنى.
وهؤلاء يقولون أهل التفويض: ما جاءنا عن الله –جل وعلا- كأنه بمنزلة ديز، لا معنى له ألبتة، هذا هو التفويض.
لأن بعض من يكتب في وسائل التواصل في العام الماضي والذي قبله، أرادوا أن يشبهوا ويلبسوا على الأمة وعلى طلاب العلم، وقالوا: قول السلف أنها تمر كما جاءت؛ لأنها لا معنى لها، وهذا هو مذهب التفويض، نقول: إن لها معاني، لكن الكيفيات لا نفقهها، وهي مجهولة بالنسبة لنا، كما قال الإمام مالك وأم سلمة وغيرهم.
"وَقَدْ نَفَى الْجَهْمُ وَمَنْ وَافَقَهُ كُلَّ مَا وَصَفَ اللَّهَ بِهِ نَفْسَهُ، مِنْ كَلَامِهِ وَرِضَاهُ وَغَضَبِهِ وَحُبِّهِ وَبُغْضِهِ وَأَسَفِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَقَالُوا: إِنَّمَا هِيَ أُمُورٌ مَخْلُوقَةٌ مُنْفَصِلَةٌ عَنْهُ، لَيْسَ هُوَ فِي نَفْسِهِ مُتَّصِفًا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ!!"
لأن إثبات هذه الصفات يلزم منها على مذهبهم التشبيه، فشبهوا أولاً، ثم عطلوا ثانيًا، ترقّوا من التشبيه إلى التعطيل، ولو سلَّموا لله ما وصف به نفسه على مراده مع الاعتراف بمعرفة المعاني وجهل الكيفيات، لسَلِموا من التشبيه والتعطيل.
"وَعَارَضَ هَؤُلَاءِ مِنَ الصِّفَاتِيَّةِ ابْنُ كُلَّابٍ وَمَنْ وَافَقَهُ، فَقَالُوا: لَا يُوصَفُ اللَّهُ بِشَيْءٍ يَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ أَصْلًا، بَلْ جَمِيعُ هَذِهِ الْأُمُورِ صِفَاتٌ لَازِمَةٌ لِذَاتِهِ، قَدِيمَةٌ أَزَلِيَّةٌ".
يلزم عليه التناقض هذا؛ لأن مقتضى مذهبهم أنه راضٍ أبدًا وغضبان أبدًا، فلا يرضى في وقتٍ دون وقت، ولا يغضب في وقتٍ دون وقت، صفاته لازمة ذاتية ملازمة له، وفيها الصفات المتضادة مثل الغضب والرضى، هل يمكن اجتماعها؟ لا يمكن.
طالب:........
من وجه في تفاصيل المذهبين ما يجعل بعضهم أحسن من بعض في بعض المسائل.
"فَلَا يَرْضَى فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ، وَلَا يَغْضَبُ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ، كَمَا قَالَ فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ: «إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ»، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، فَيَقُولُ :هَلْ رَضِيتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: وَمَا لَنَا لَا نَرْضَى يَا رَبُّ؟ وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، فَيَقُولُ: أَلَا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُونَ: يَا رَبُّ، وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ: أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي، فَلَا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا».
فَيُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ يُحِلُّ رِضْوَانَهُ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ، وَأَنَّهُ قَدْ يُحِلُّ رِضْوَانَهُ ثُمَّ يَسْخَطُ..".
وعلى قوم دون قوم، كما أنه يحل سخطه على قوم دون قوم وفي وقتٍ دون وقت.
"وَأَنَّهُ قَدْ يُحِلُّ رِضْوَانَهُ ثُمَّ يَسْخَطُ، كَمَا يُحِلُّ السَّخَطَ ثُمَّ يَرْضَى، لَكِنَّ هَؤُلَاءِ أَحَلَّ عَلَيْهِمْ رِضْوَانًا لَا يَتَعَقَّبُهُ سَخَطٌ.
"وَهُمْ قَالُوا: لَا يَتَكَلَّمُ إِذَا شَاءَ، وَلَا يَضْحَكُ إِذَا شَاءَ، وَلَا يَغْضَبُ إِذَا شَاءَ، وَلَا يَرْضَى إِذَا شَاءَ، بَلْ إِمَّا أَنْ يَجْعَلُوا الرِّضَى وَالْغَضَبَ وَالْحُبَّ وَالْبُغْضَ هُوَ الْإِرَادَةُ، أَوْ يَجْعَلُوهَا صِفَاتٍ أُخْرَى، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَلَا يَتَعَلَّقُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَا بِمَشِيئَتِهِ وَلَا بِقُدْرَتِهِ، إِذْ لَوْ تَعَلَّقَتْ بِذَلِكَ لَكَانَ مَحَلًا لِلْحَوَادِثِ!! فَنَفَى هَؤُلَاءِ الصِّفَاتِ الْفِعْلِيَّةَ الذَّاتِيَّةَ بِهَذَا الْأَصْلِ، كَمَا نَفَى أُولَئِكَ الصِّفَاتِ مُطْلَقًا بِقَوْلِهِمْ: لَيْسَ مَحَلًّا لِلْأَعْرَاضِ. وَقَدْ يُقَالُ: بَلْ هِيَ أَفْعَالٌ، وَلَا تُسَمَّى حَوَادِثَ، كَمَا سُمِّيَتْ تلْكَ صِفَاتٍ، وَلَمْ تُسَمَّ أَعْرَاضًا، وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى".
الألفاظ ألفاظ اصطلاحية تلقفوها من قومٍ قد لا يكونون يتدينون بدين أو بأديانٍ محرفة، والتزموها بتفسيراتها عند أولئك الأقوام، وطبقوا عليها نصوص الكتاب والسنة، والتزموا بلوازمها فهذه اللوازم أوقعتهم فيما وقعوا فيه، وأصول البدع نشأت في أمورٍ يسيرة، نشأت في خلافاتٍ يسيرة، لكن هؤلاء المبتدعة لما نوقشوا فيما خالفوا فيه وقالوا: يلزم على قولكم كذا، أخذتهم العزة بالإثم فلم يرجعوا؛ لأن هذه اللوازم تقود إلى الضلال، فالتزموا بها فوصلوا إلى النتيجة التي هي الضلال المبين، نسأل الله العافية.
"وَلَكِنَّ الشَّيْخَ -رَحِمَهُ اللَّهُ- لَمْ يَجْمَعِ الْكَلَامَ فِي الصِّفَاتِ فِي الْمُخْتَصَرِ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ، وَكَذَلِكَ الْكَلَامُ فِي الْقَدَرِ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَعْتَنِ فِيهِ بِتَرْتِيبٍ.
وَأَحْسَنُ مَا يُرَتَّبُ عَلَيْهِ كِتَابُ أُصُولِ الدِّينِ تَرْتِيبُ جَوَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِجِبْرِيلَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- حِينَ سَأَلَهُ عَنِ الْإِيمَانِ، فَقَالَ: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْقَدَرِ» الْحَدِيثَ - فَيَبْدَأُ بِالْكَلَامِ عَلَى التَّوْحِيدِ وَالصِّفَاتِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ، ثُمَّ بِالْكَلَامِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ، ثُمَّ وَثُمَّ، إِلَى آخِرِهِ".
يعني إلى آخر الأركان الستة.
طالب:.........
الذاتية الملازمة التي لا توجد في وقتٍ دون وقت.
طالب:.........
يعني التي لها شوب من هذا وشوبٌ من هذا مثل الكلام مثلاً ذاتيةٌ فعلية، ذاتية باعتبار أنه لم يزل متكلمًا ولا يزال متكلمًا، وفعلية باعتبارها مربوطة بالمشيئة يتكلم متى شاء إذا شاء.
طالب:.........
فعلية، لكنه لم يزل متصفًا بهذه الصفات منذ أن كان، إذ لم يكن موجودًا من غير هذه الأفعال والصفات المترتبة عليها.
طالب:.........
هل فيه فعلية تنفك عن الذات؟ من هذه الحيثية، لا، لكن ارتباط الصفة بالمشيئة، بمعنى أنها توجد في وقتٍ دون وقت كالغضب والرضى يجعلها فعلية.
"قَوْلُهُ: (وَنُحِبُّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَلَا نُفَرِطُ فِي حُبِّ أَحَدٍ مِنْهُمْ، وَلَا نَتَبَرَّأُ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ)".
الإفراط الغلو.
"(وَنُبْغِضُ مَنْ يُبْغِضُهُمْ، وَبِغَيْرِ الْخَيْرِ يَذْكُرُهُمْ. وَلَا نَذْكُرُهُمْ إِلَّا بِخَيْرٍ. وَحُبُّهُمْ دِينٌ وَإِيمَانٌ وَإِحْسَانٌ، وَبُغْضُهُمْ كُفْرٌ وَنِفَاقٌ وَطُغْيَانٌ).
قال الشارح –رحمه الله-: يُشِيرُ الشَّيْخُ -رَحِمَهُ اللَّهُ- إِلَى الرَّدِّ عَلَى الرَّوَافِضِ وَالنَّوَاصِبِ .وَقَدْ أَثْنَى اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الصَّحَابَةِ هُوَ وَرَسُولُهُ، وَرَضِيَ عَنْهُمْ، وَوَعَدَهُمُ الْحُسْنَى.
كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [سورة التَّوْبَةِ:100].
وَقَالَ تَعَالَى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا} [سورة الْفَتْحِ:29] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ.
وَقَالَ تَعَالَى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [سورة الْفَتْحِ:18].
وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [سورة الْأَنْفَالِ:72]. إِلَى آخِرِ السُّورَة.
وَقَالَ تَعَالَى: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [سورة الْحَدِيدِ:10ٍ].
وَقَالَ تَعَالَى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [سورة الْحَشْرِ: 8- 10].
وَهَذِهِ الْآيَاتُ تَتَضَمَّنُ الثَّنَاءَ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَعَلَى الَّذِينَ جَاؤوا مِنْ بَعْدِهِمْ، يَسْتَغْفِرُونَ لَهُمْ، وَيَسْأَلُونَ اللَّهَ أَنْ لَا يَجْعَلَ فِي قُلُوبِهِمْ غِلًّا لَهُمْ، وَتَتَضَمَّنُ أَنَّ هَؤُلَاءِ هُمُ الْمُسْتَحِقُّونَ لِلْفَيْءِ. فَمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ غِلٌّ لِلَّذِينِ آمَنُوا وَلَمْ يَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَا يَسْتَحِقُّ فِي الْفَيْءِ نَصِيبًا، بِنَصِّ الْقُرْآنِ".
بهذا استدل شيخ الإسلام وغيره من أهل العلم، أن الروافض لا نصيب لهم في الفيء، لماذا؟ لأنهم ما اتصفوا بالوصف {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا} [سورة الحشر:10] هذا الأوصاف منطبقة عليهم؟ ما يوجد منها شيء، إلا على نفرٍ يسير من الصحابة.
"وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْه- قَالَ: كَانَ بَيْنَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَبَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ شَيْءٌ، فَسَبَّهُ خَالِدٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَا تَسُبُّوا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِي، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَوْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذُهُبًا، مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ»".
قد يقول قائل: خالد من الصحابة، لكن الحديث سيق لبيان فضل الصحابة وأنهم لا يُسَبون، وكون السابّ من الصحابة –رضي الله عنهم- لا يخرجه من كونه صحابيًّا، وأنه لا يدخل في كونه لا يُسَبّ أيضًا، لا يجوز السب؛ لأنه من جنس أصحابه –عليه الصلاة والسلام-، وإن كانت الصحبة تتفاوت بسبب طولها وقصرها، خالد بن الوليد ليس مثل عبد الرحمن بن عوف، وليس أي واحد من الصحابة مثل أبي بكرٍ أو عمر، يختلفون ويتفاوتون في مقدار هذه الصحبة وشرفها وطولها، وإن كان الكل يشملهم اسم الصحبة وشرف الصحبة، ولا يجوز سبهم بحال.
"انْفَرَدَ مُسْلِمٌ بِذِكْرِ سَبِّ خَالِدٍ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ –رضي الله عنهم- دُونَ الْبُخَارِيِّ"، فَالنَّبِيُّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-يَقُولُ لِخَالِدٍ وَنَحْوِهُ:
ممن تأخر إسلامهم، ولا يعني أنهم ليسوا بالصحابة، وإنما من ضمن الصحابة، فالصحابي من لقي النبي –عليه الصلاة والسلام- مؤمنًا به ومات على ذلك، ولو تخلل ذلك ردة، ثم يعود إلى الإسلام؛ لأنه ينطبق عليه الحد.
"فَالنَّبِيُّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-يَقُولُ لِخَالِدٍ وَنَحْوِهُ: «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي» يَعْنِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَأَمْثَالَهُ؛ لِأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَنَحْوَهُ هُمُ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ، وَهُمُ الَّذِينَ أَسْلَمُوا مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلُوا، وَهُمْ أَهْلُ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ، فَهُمْ أَفْضَلُ وَأَخَصُّ بِصُحْبَتِهِ مِمَّنْ أَسْلَمَ بَعْدَ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ، وَهُمُ الَّذِينَ أَسْلَمُوا بَعْدَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَبَعْدَ مُصَالَحَةِ النَّبِيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَهْلَ مَكَّةَ، وَمِنْهُمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَهَؤُلَاءِ أَسْبَقُ مِمَّنْ تَأَخَّرَ إِسْلَامُهُمْ إِلَى فَتْحِ مَكَّةَ، وَسُمُّوا الطُّلَقَاءَ، مِنْهُمْ أَبُو سُفْيَانَ وَابْنَاهُ يَزِيدُ وَمُعَاوِيَةُ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ نَهَى مَنْ لَهُ صُحْبَةٌ آخِرًا أَنْ يَسُبَّ مَنْ لَهُ صُحْبَةٌ أَوَّلًا".
ولم ينفِ الصحبة عن الآخر، ما نفاها عن الآخر، لكن نهاه أن يسب السابق، وكل من جاء بعدهم منهيون أن يسبوا الصحابة المتقدمين والمتأخرين.
"لِامْتِيَازِهِمْ عَنْهُمْ مِنَ الصُّحْبَةِ بِمَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَشْرَكُوهُمْ فِيهِ، حَتَّى لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُهُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ «مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ» .
فَإِذَا كَانَ هَذَا حَالَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا بَعْدَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ فَكَيْفَ حَالُ مَنْ لَيْسَ مِنَ الصَّحَابَةِ بِحَالٍ مَعَ الصَّحَابَةِ؟ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ.
وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ -مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ- هُمُ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلُوا، وَأَهْلُ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ كُلُّهُمْ مِنْهُمْ، وَكَانُوا أَكْثَرَ مِنْ أَلْفٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ.
وَقِيلَ :إِنَّ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مَنْ صَلَّى إِلَى الْقِبْلَتَيْنِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ. فَإِنَّ الصَّلَاةَ إِلَى الْقِبْلَةِ الْمَنْسُوخَةِ لَيْسَ بِمُجَرَّدِهِ فَضِيلَةً؛ لِأَنَّ النَّسْخَ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِمْ، وَلَمْ يَدُلَّ عَلَى التَّفْضِيلِ بِهِ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ، كَمَا دَلَّ عَلَى التَّفْضِيلِ بِالسَّبْقِ إِلَى الْإِنْفَاقِ وَالْجِهَادِ وَالْمُبَايَعَةِ الَّتِي كَانَتْ تَحْتَ الشَّجَرَةِ.
وَأَمَّا مَا يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَال :«أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ، بِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ»".
حديثٌ باطل لا يثبت ولا يصح عن أهل العلم.
"فَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، قَالَ الْبَزَّارُ: هَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَيْسَ هُوَ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ الْمُعْتَمَدَةِ.
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قِيلَ لِعَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- إِنَّ نَاسًا يَتَنَاوَلُونَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ! فَقَالَتْ: وَمَا تَعْجَبُونَ مِنْ هَذَا! انْقَطَعَ عَنْهُمُ الْعَمَلُ، فَأَحَبَّ اللَّهُ أَنْ لَا يَقْطَعَ عَنْهُمُ الْأَجْر".
هذا عزاه إلى مسلم وليس في صحيح مسلم، وليس الحديث في الصحيح.
"وَرَوَى ابْنُ بَطَّةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ :لَا تَسُبُّوا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَقَامُ أَحَدِهِمْ سَاعَةً يَعْنِي مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْرٌ مِنْ عَمَلِ أَحَدِكُمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً. وَفِي رِوَايَةِ وَكِيعٍ :خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ أَحَدِكُمْ عُمْرَهُ".
وبهذا نفهم الحديث الوارد في السنن، وهو حديثٌ ثابت لا ينزل عن درجة الحسن «للعامل في آخر الزمان أجر خمسين» قالوا: منا أو منهم يا رسول الله؟ قال: «منكم» مما استدل به ابن عبد البر وغيره، بأنه قد يأتي من بعد الصحابة من يكون أفضل من بعض الصحابة، لكن عامة أهل العلم وأئمة الإسلام على خلاف في هذا، وأن أقل الصحابة وأدناهم- وما فيهم دني- لا ينال أحدٌ شرف صحبته، وعيشه مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ممن تأخر عنهم مهما بلغ من الأعمال، ومهما فعل.
طالب:.........
أجل، أجر الصحبة احذفها من الموازنة، إذا حذفت أجر الصحبة، وهذا تصدق بمبلغ، وذاك تصدق بمبلغ، هذا أكثر أجرًا، ويتبين لنا أيضًا السبب في تفضيل {مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا} [سورة الْحَدِيدِ:10] لماذا؟ لأنه قبل الفتح المعين قليل، والمال عسير جدًّا، فالنفقة فيه عظيمة ولو كانت يسيرة، بينما من بعد الفتح فُتحت الدنيا، وقل مثل هذا في آخر الزمان الذي ينفق قبل خمسين سنة مائة ريال، أو ينفق اليوم مائة ألف، أيهم أفضل؟ مائة ريال أفضل في ذلك الوقت؛ لأن ما فيه من ينفق، ما فيه أموال تنفق، يعني تمرة تنقذ إنسانًا، لكن الآن تدخل على بيت مائة كرتون تمر، تقوم مقام التمرة التي أنقذت النفس في ذلك الوقت؟
"وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَغَيْرِهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» قَالَ عِمْرَانُ : فَلَا أَدْرِي أَذَكَرَ بَعْدَ قَرْنِهِ قَرْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً، الْحَدِيثَ.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ :«لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ».
وَقَالَ تَعَالَى: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ} [سورة التَّوْبَةِ:117]، الْآيَاتِ.
وَلَقَدْ صَدَقَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فِي وَصْفِهِمْ، حَيْثُ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ، وَابْتَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ، ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَجَعَلَهُمْ وُزَرَاءَ نَبِيِّهِ، يُقَاتِلُونَ عَلَى دِينِهِ، فَمَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ، وَمَا رَأَوْهُ سَيِّئًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ سَيِّئ.
وَفِي رِوَايَةٍ: وَقَدْ رَأَى أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ جَمِيعًا أَنْ يَسْتَخْلِفُوا أَبَا بَكْرٍ. وَتَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُود :مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُسْتَنًّا فَلْيَسْتَنَّ بِمَنْ قَدْ مَاتَ . . . إِلَخْ".
يعني فإن الحي لا تُؤمن عليه الفتنة، وهذا أمرٌ مشاهَد يصبح المرء على حال ويمسي على حال، قد تكون أقل وهذا كثير، وقد تكون حاله أفضل من الأمس، وهذا للموفقين، «وفي آخر الزمان يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا»، نسأل الله الثبات.
"عِنْدَ قَوْلِ الشَّيْخِ: وَنَتَّبِعُ السُّنَّةَ وَالْجَمَاعَةَ.
فَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَكُونُ فِي قَلْبِهِ غِلٌّ لِخِيَارِ الْمُؤْمِنِينَ، وَسَادَاتِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ النَّبِيِّينَ، بَلْ قَدْ فَضَلَتْهُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى بِخَصْلَةٍ، قِيلَ لِلْيَهُودِ :مَنْ خَيْرُ أَهْلِ مِلَّتِكُمْ؟ قَالُوا: أَصْحَابُ مُوسَى، وَقِيلَ :لِلنَّصَارَى مَنْ خَيْرُ أَهْلِ مِلَّتِكُمْ؟ قَالُوا: أَصْحَابُ عِيسَى، وَقِيلَ لِلرَّافِضَةِ: مَنْ شَرُّ أَهْلِ مِلَّتِكُمْ؟ قالُوا: أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ!!".
هو عندهم ترتيب لدركات النار -نسأل الله العافية-، وهذا تألٍّ على الله، إضافة إلى أنه مصادمة لما ثبت عنه عن النبي –عليه الصلاة والسلام- يقولون: الدرك الأسفل -الله جل وعلا يقول-: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [سورة النساء:145].
آخر طبقة الذين هم على النار مباشرة آخر شخص عندهم عمر، ثم أبو بكر، ثم إبليس- نسأل الله العافية، نعوذ بالله من الخذلان- ويقول المؤلف: من خيركم يعني اليهود والنصارى، يقال لليهود.. أصحاب موسى، وللنصارى.. أصحاب عيسى، ويقال للرافضة: من شركم؟ يقال: أصحاب محمد -عليه الصلاة والسلام-.
طالب: عندي -أحسن الله إليك- قيل لليهود: من خير أهل أمتكم؟ قالوا: أصحاب عيسى.. فيه سقط..
لا، فيه سقط..
قِيلَ لِلْيَهُودِ :مَنْ خَيْرُ أَهْلِ مِلَّتِكُمْ؟ قَالُوا: أَصْحَابُ مُوسَى، وَقِيلَ :لِلنَّصَارَى مَنْ خَيْرُ أَهْلِ مِلَّتِكُمْ؟ قَالُوا: أَصْحَابُ عِيسَى، وَقِيلَ لِلرَّافِضَةِ: مَنْ شَرُّ أَهْلِ مِلَّتِكُمْ؟ قالُوا: أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ.
ما استثنوا منهم إلا القليل أقل من العشرة سبعة أو ثمانية، والباقين كلهم ارتدوا، نسأل الله السلامة والعافية.
قال بعضهم في الرد عليهم: لو عندنا معلم عنده ألف طالب، ما نجح إلا عشرة، فهذا معلم ناجح ولا فاشل؟ فاشل بلا شك، وحج مع النبي –عليه الصلاة والسلام- حجة الوداع أكثر من مائة ألف، وكلهم ارتدوا إلا هؤلاء السبعة أو الثمانية، نسأل الله السلامة والعافية.
طالب:........
العدد مختلف فيه بينهم، بعضهم يتجاوز عن بعضهم ويدخله فيمن نجى، وبعضهم لا، يشدد، لكن على كل حال أكثر ما قيل: سبعة، نسأل الله العافية.
"قِيلَ لِلْيَهُودِ :مَنْ خَيْرُ أَهْلِ مِلَّتِكُمْ؟ قَالُوا: أَصْحَابُ مُوسَى، وَقِيلَ :لِلنَّصَارَى مَنْ خَيْرُ أَهْلِ مِلَّتِكُمْ؟ قَالُوا: أَصْحَابُ عِيسَى، وَقِيلَ لِلرَّافِضَةِ: مَنْ شَرُّ أَهْلِ مِلَّتِكُمْ؟ قالُوا: أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ!!
لَمْ يَسْتَثْنُوا مِنْهُمْ إِلَّا الْقَلِيلَ، وَفِيمَنْ سَبُّوهُمْ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِمَّنِ اسْتَثْنَوْهُمْ بِأَضْعَافٍ مُضَاعَفَةٍ".
هم سبوا الثلاثة: أبو بكر، عمر، عثمان، وبقية العشرة لم يستثنوا من ذلك إلا عليًّا- رضي الله عن الجميع، والله المستعان- لأن أبا بكر، عمر، عثمان، أفضل من علي –رضي الله عنه وأرضاه- مع أنه عندنا في المكان الرفيع والمحل الأثنى، ومن مثل أبي الحسن، لكن الله المستعان.
طالب:.........
لا ما هو إسلام، هم هدفهم القضاء على الإسلام، وما سبّوا أبا بكر وعمر وطعنوا فيهما؛ إلا لأنهم أرغموا الفرس على الدخول في الإسلام، يريدون استمرار دولة الفرس، وعمر أشد؛ لأنه فتح من الفتوح في بلاد فارس أكثر مما فُتح في عهد غيره، لو تنظرون في الأشد سبًّا عندهم هو الأجدى والأنفع للإسلام، والطعن من الصحابة فيمن هو أكثر رواية للسنة وحفظ الإسلام.
" وَقَوْلُهُ: وَلَا نُفَرِّطُ فِي حُبِّ أَحَدٍ مِنْهُمْ -أَيْ لَا نَتَجَاوَزُ الْحَدَّ فِي حُبِّ أَحَدٍ مِنْهُمْ، كَمَا تَفْعَلُ الشِّيعَةُ، فَنَكُونُ مِنَ الْمُعْتَدِينَ. قَالَ تَعَالَى: { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} [سورة النِّسَاءِ:171].
وَقَوْلُهُ: وَلَا نَتَبَرَّأُ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ -كَمَا فَعَلَتِ الرَّافِضَةُ !فَعِنْدَهُمْ لَا وَلَاءَ إِلَّا بِبَرَاءٍ، أَيْ لَا يَتَوَلَّى أَهْلَ الْبَيْتِ حَتَّى يَتَبَرَّأَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-!!".
كأنهم أضداد لا يجتمعون، والله المستعان.
"وَأَهْلُ السُّنَّةِ يُوَالُونَهُمْ كُلَّهُمْ، وَيُنْزِلُونَهُمْ مَنَازِلَهُمِ الَّتِي يَسْتَحِقُّونَهَا، بِالْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ، لَا بِالْهَوَى وَالتَّعَصُّبِ. فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنَ الْبَغْيِ الَّذِي هُوَ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} [سورة الْجَاثِيَةِ:17]. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنَ السَّلَفِ : الشَّهَادَةُ بِدْعَةٌ، وَالْبَرَاءَةُ بِدْعَةٌ".
الشهادة يعني بالجنة والنار لمن لم تثبت له الشهادة من النبي –عليه الصلاة والسلام- هذه بدعة، ولا نشهد لأحد بجنةٍ أو نار، بل نرجو للمحسن الثواب، ونخشى على المسيئ العقاب.
"يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، مِنْهُم : أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَالضَّحَاكُ، وَغَيْرُهُمْ .
وَمَعْنَى الشَّهَادَةِ: أَنْ يَشْهَدَ عَلَى مُعَيَّنٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، أَوْ أَنَّهُ كَافِرٌ، بِدُونِ الْعِلْمِ بِمَا خَتَمَ اللَّهُ لَهُ بِهِ.
وَقَوْلُهُ: وَحُبُّهُمْ دِينٌ وَإِيمَانٌ وَإِحْسَانٌ؛ لِأَنَّهُ امْتِثَالٌ لِأَمْرِ اللَّهِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَ النُّصُوصِ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّل ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي، لَا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا بَعْدِي، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ، وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِي، وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللَّهَ، وَمَنْ آذَى اللَّهَ فَيُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ»".
الحديث مخرج عند أحمد والترمذي، وفيه كلام كثير لأهل العلم، بل هو مضعف.
ومعناه الصحيح، لماذا نحب أبا بكر وعمر؟ لمواقفهم مع النبي –عليه الصلاة والسلام- ولنصرهم دينه، ما أحببنا لأن هذا أبا بكر أو لأن هذا عمر فقط، وما أبغضنا أبا طالب وأبا لهب وهم عما رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لقرابتهم منه أبدًا.
"وَتَسْمِيَةُ حُبِّ الصَّحَابَةِ إِيمَانًا مُشْكِلٌ عَلَى الشَّيْخِ -رَحِمَهُ اللَّهُ-؛ لِأَنَّ الْحُبَّ عَمَلُ الْقَلْبِ، وَلَيْسَ هُوَ التَّصْدِيقُ، فَيَكُونُ الْعَمَلُ دَاخِلًا فِي مُسَمَّى الْإِيمَانِ".
وما قرره في أول الكتاب أن العمل لا يدخل في مسمى الإيمان، وجماهير أهل السنة أن العمل من مسمى الإيمان، الإيمان قولٌ وعملٌ واعتقاد.
"وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِهِ: أَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ الْإِقْرَارُ بِاللِّسَانِ وَالتَّصْدِيقُ بِالْجَنَانِ، وَلَمْ يَجْعَلِ الْعَمَلَ دَاخِلًا فِي مُسَمَّى الْإِيمَانِ، وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ هَذِهِ التَّسْمِيَةُ مَجَازًا.
وَقَوْلُهُ: وَبُغْضُهُمْ كُفْرٌ وَنِفَاقٌ وَطُغْيَانٌ، تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي تَكْفِيرِ أَهْلِ الْبِدَعِ، وَهَذَا الْكُفْرُ نَظِيرُ الْكُفْرِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [سورة الْمَائِدَةِ:44]. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ".
مراده أن هذا التكفير كفرٌ دون كفر، وليس بكفرٍ أكبر مخرج عن الملة، مع أن في رؤوس البدع والمبتدعة مَن بدعته مكفرة مخرجة من الملة، كما عرف ذلك في كتب الملل والنحل.
طالب:........
الإمام عليه أن يقاتله.
طالب:........
لكن ما أظهروه في العمل بالسيف العقائد ما يُنبش عنها، ولا قوتل أهل البدع من أجل عقائدهم حتى يبدؤوا بالقتال، حتى الخوارج.
طالب:.........
على كل حال ما أظهروا ولا حملوا السيف، فالعقائد لا يُنبش عنها، وقد طولب بمنع مثل الرافضة من الحج مثلاً أو العمرة، لاسيما وقد قرر عند من تقرر عنده كفرهم أو خروجهم من الملة، بسب الصحابة، وبنقص القرآن، وبقذف عائشة، وبالأمور المكفرة الظاهرة، الجواب أنهم ما مُنعوا على مر العصور في عهد السلف إلى يومنا هذا، لكن من أظهر منكره يوقف عند حده.
طالب:.........
خطرهم أشد، لكن يبقى أن الأصل أنهم ما مُنعوا على مر العصور، لكن إذا وجد منهم خطأ أو منكرٌ ظهر فلا بد من إيقافهم عند حدهم.
طالب:........
على حسب السبب الباعث لبغضهم، فمن أبغض عمر؛ لأنه نصر الإسلام هذا ما تردد في كفره،
أو أبا بكر أو أحد الصحابة، لكن أبغضه لأمرٍ أو لقضيةٍ شخصية، أو لأنه لأمرٍ يقبل التأويل مع أن سب الصحابة في الجملة ما يسبهم من في قلبه شيء من الإيمان، ولا مثقال ذرة، الإمام مالك –رحمه الله- في آخر سورة الفتح في تفسير آخر آية في الفتح كفر الرافضة، والشافعي حينما يقول: أقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية من الرافضة؛ لأنهم يشهدون بالزور لموافقيهم، كونه يقبل شهادتهم هل كفرههم أم لا؟ لا.
والتكفير بالعموم غير تكفير الأشخاص الذين يقولون أو يفعلون ما يخرج به من الملة، الذي يقذف عائشة بعد أن برأها الله في كتابه، هذا إيش حكمه؟ كافر، الذي يقول: القرآن ناقص، وقد أجمع عليه الصحابة، الذي يقول: يا علي، يا حسين، يا زينب، يا بدوي، يدعو مع الله إلهًا آخر..
لكن هذه مسائل مقررة بالاعتقاد، ولا تنزل على الأشخاص، إلا إذا اجتمعت الأسباب، وانتفت الموانع، ثم بعد ذلك يبقى التطبيق لحد الردة، هل هو لكل أحد؟ هذا لابد أن يصدر به حكم من حاكم معتبر، وينفذه ولي أمر أو من يقوم مقامه، وبهذا ننفصل عن الدعاوى التي تقال: إنكم تحثون على التكفير، وتحثون على كذا، والتكفير آثاره قتل وتفجير وغيرهما، الأمور النظرية تختلف عن التطبيق، التطبيقات لا بد فيها من اجتماع أسباب وتوافر أسباب وانتفاء موانع، وليس كل شخصٍ يقول كلمة يكون ملتزمًا بها ويفهم معناها، لابد أن يكون فاهمًا لمعناها، ملتزمًا بمقتضاها وهكذا؛ ولذلك كتب أهل العلم مليئة، كتب الحنفية أكثر، في باب الردة أكثر مسائل التكفير عندهم، والخروج من الإسلام والحكم بالردة، لكن هل حصل بذلك دماء في شوارع المسلمين وفي بلدانهم؟ ما حصل شيء؛ لأن التطبيق لولي الأمر، ولابد من توافر أسباب تجتمع كل الأسباب، وتنتفي كل الموانع.
يعني لما قيل: بكفر تارك الصلاة، وهو المذهب عند الحنابلة، هل كل واحد من أهل البلد معه سيف، وكل ما شاف من لا يصلي أبان رأسه؟ أبدًا، ولا حصل ولا قضية واحدة.
لما كان الولاء والبراء على أشده في بلادنا، يعني قبل الخوض في المسائل الأخيرة والتكفير وتفرق الكلمة، هل حصل شيء من الاعتداء؟ ولا بالضرب ولا بشيءٍ أبدًا، كونك تهجره تهجره، لكن حصل آثار من هذا الهجر؟ ما حصل شيء، وكل الناس مجتمعون منضوون تحت لواءٍ واحد وتحت إمامٍ واحد، ولا يستطيع أحد أن يتكلم بولي الأمر ولا بكلمة، والكلمة مجتمعة، والناس مجتمعون، ولا حصل أي أثر مع أن الولاء والبراء على أشده، ترى الفاسق تضبطه وتنكر فعله، وقد لا تجيب دعوته، وقد تهجره، لكن ما حصل من ذلك آثار عملية، الآن العكس خفَّ الدين، وخفَّ الولاء والبراء، والدماء على أشدها، يفجر بالناس في مساجدهم، نسأل الله العافية.
طالب:.........
بلا شكل، لكن عندنا حينما يقال إن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الإمام المجدد، وهذا مع الأسف قيل وأُكد عليه ورُكِّز عليه من قبل بعض من في قلوبهم دخل، دعوة الشيخ هي التي أججت هذه المسائل، وهي التي بعثت على التكفير، أين؟ لما كان الناس أشد تمسكًا بدعوة الشيخ، وكتب الشيخ، وكتب أئمة الدعوة، وأتباعهم من تلاميذهم، لما كانت تقرأ في المساجد كل الأوقات، وتُحفظ، يحفظها طلاب العلم، والله ما حصل شيء من هذا، لكن لما زهدنا بها ورجعنا إلى غيرها، واستبدلناها بغيرها حصل ما حصل من الخلل، والله المستعان.
طالب:........
مات على الإسلام صحابي يترضى عليه مادام مات على الإسلام.
طالب:........
هم قامت عليهم الحجة، لكن يبقى أن لو حكمنا بتكفيرهم؛ لأن عندهم مكفرات، فالذي يأتي إلى القبر: يا علي أنقذني، يا علي، يا حسين، يا فلان، هذا مشرك، هذا الشرك الأكبر، والذي يطوف بالبيت يقول: يا أبا عبد الله جئنا بيتك وقصدنا حرمك نرجو مغفرتك، أيش هذا؟ لكن الآثار المترتبة على هذا التكفير لولي الأمر ما هي لآحاد الناس، للعلماء أن يصدروا الأحكام، لكن التنفيذ لمن بيده التنفيذ، كتنفيذ الحدود، حد الزنا كل واحد يرى زانيًا يجلده أو يرجمه؟ لا.
طالب: يقول المعروف من مذهب أبي حنيفة إلا أن تكون هذه تسمية مجاز..
مجازية، يقول إيمان مجازًا.
كيف يا شيخ؟
مجاز ما هو بحقيقة الإيمان المعروفة عندهم؛ لأن العمل خارج، إدخاله من باب التجوز والمجاز يعني ما هو بحقيقة.
"