التعليق على تفسير القرطبي - سورة الصافات (01)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.
قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى-: "تَفْسِيرُ سُورَةِ الصَّافَّاتِ مَكِّيَّةٌ فِي قَوْلِ الْجَمِيعِ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {والصَّافَّاتِ صَفًّا فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ}.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا} هَذِهِ قِرَاءَةُ أَكْثَرِ الْقُرَّاءِ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ بِالْإِدْغَامِ فِيهِنَّ وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ.
إدغام التاء في الصاد، والتاء في الزاي، والتاء بالذال، هذه قراءة قرأ بها حمزة، ولم يوافَق عليها.
"وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ الَّتِي نَفَرَ مِنْهَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ لَمَّا سَمِعَهَا. قال النَّحَّاسُ".
لأن هذه الحروف ليست مما يدغم بعضها ببعض؛ لأنها لا تتفق في المخارج.
"قال النحاس: وَهِيَ بَعِيدَةٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ مِنْ ثَلَاثِ جِهَاتٍ: إِحْدَاهُنَّ: أَنَّ التَّاءَ لَيْسَتْ مِنْ مَخْرَجِ الصَّادِ، وَلَا مِنْ مَخْرَجِ الزَّايِ، وَلَا مِنْ مَخْرَجِ الذَّالِ، وَلَا مِنْ أَخَوَاتِهِنَّ، وَإِنَّمَا أُخْتَاهَا الطَّاءُ وَالدَّالُ، وَأُخْتُ الزَّايِ الصَّادُ وَالسِّينُ، وَأُخْتُ الذَّالِ الظَّاءُ وَالثَّاءُ. وَالْجِهَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ التَّاءَ فِي كَلِمَةٍ وَمَا بَعْدَهَا فِي كَلِمَةٍ أُخْرَى. وَالْجِهَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّكَ إِذَا أَدْغَمْتَ جَمَعْتَ بَيْنَ سَاكِنَيْنِ مِنْ كَلِمَتَيْنِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ سَاكِنَيْنِ فِي مِثْلِ هَذَا إِذَا كَانَا فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، نَحْوَ دَابَّةٍ وَشَابَّةٍ".
دابة الألف ساكنة، وشابة كذلك الألف ساكنة، والأول من الحرف المشدد؛ لأن الحرف المشدد عبارة عن حرفين أولهما ساكن، فالباء من دابة الأولى ساكنة، والألف ساكنة، ومثلها شابة فإذا كانا في كلمة واحدة فلا بأس، أما الجمع بين ساكنين في كلمتين فهذا لم يقل به أحد.
طالب: أحسن الله إليك، هناك فرق بين الجهة الثانية، والجهة الثالثة؟
الجهة الثانية أن التاء في كلمة، وما بعدها في كلمة أخرى، لكن باعتبار أنها جمع بين ساكنين.
طالب: ساكنين فقط.
نعم.
"وَمَجَازُ قِرَاءَةِ حَمْزَةَ أَنَّ التَّاءَ قَرِيبَةُ الْمَخْرَجِ مِنْ هَذِهِ الْحُرُوفِ".
يعني مما يسهل قراءة حمزة أن التاء قريبة.
"{وَالصَّافَّاتِ} قَسَمٌ، الْوَاوُ بَدَلٌ مِنَ الْبَاءِ. وَالْمَعْنَى بِرَبِّ الصَّافَّاتِ".
الواو ليست بدلاً من الباء، لكنها أخت الباء في القسم؛ لأن حروف القسم ثلاثة: الواو، والباء، والتاء، ولا يبدل بعضهم من بعض، لكن هي كلها أصول.
طالب: ...قراءة حمزة متواترة.
كيف؟
طالب: قراءة حمزة متواترة.
لعلها فيما يروي عنه بطريق من الطرق التي تُروى عنه، ما أدري والله هذه؛ لأن الإمام أحمد نفر منها، وغيره من الأئمة أنكروها، ولا ينكرونها إلا إذا كان لا يظن بها التواتر.
"وَ{الزَّاجِرَاتِ} عَطْفٌ عَلَيْهِ" .
يقول: والواو بدلاً من الباء، والمعنى برب الصافات تقدير هذا للخروج من القسم بغير الله- جل وعلا- والمعلوم أن الرب -جل وعلا- له أن يقسم بما شاء خلاف المخلوق، وفي مواضع كثيرة أقسم الله تعالى بكثير من مخلوقاته.
" وَ{الزَّاجِرَاتِ} عَطْفٌ عَلَيْهِ .{إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ} جَوَابُ الْقَسَمِ. وَأَجَازَ الْكِسَائِيُّ فَتْحَ إِنَّ فِي الْقَسَمِ. وَالْمُرَادُ بِ {الصَّافَّاتِ} وَمَا بَعْدَهَا إِلَى قَوْلِهِ: {فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا}".
يعني إذا كان يجوز أن يكون جواب القسم مفردًا جاز أن تُفتح همزة إن، وإذا كان جوابه لا بد أن يكون جملة فإنه حينئذٍ لا يجوز.
"وَالْمُرَادُ بِ{الصَّافَّاتِ} وَمَا بَعْدَهَا إِلَى قَوْلِهِ: {فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا} الْمَلَائِكَةُ فِي قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعِكْرِمَةَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ. تُصَفُّ فِي السَّمَاءِ كَصُفُوفِ الْخَلْقِ فِي الدُّنْيَا لِلصَّلَاةِ. وَقِيلَ: تَصُفُّ أَجْنِحَتَهَا فِي الْهَوَاءِ وَاقِفَةً فِيه حَتَّى يَأْمُرَهَا اللَّهُ بِمَا يُرِيدُ. وَهَذَا كَمَا تَقُومُ الْعَبِيدُ بَيْنَ أَيْدِي مُلُوكِهِمْ صُفُوفًا. وَقَالَ الْحَسَنُ :{صَفًّا} لِصُفُوفِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ فِي صَلَاتِهِمْ. وَقِيلَ: هِيَ الطَّيْرُ؛ دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ} وَالصَّفُّ تَرْتِيبُ الْجَمْعِ عَلَى خَطٍّ كَالصَّفِّ فِي الصَّلَاةِ".
الصف؛ يمكن أن يوصف به أشياء كثيرة، كل ما يصف على خطٍ واحد يقال: هو صافات، لكن ما المراد به في هذا الموضع؟ أكثر المفسرين من السلف، وغيرهم على أنها الملائكة، وجاء في الحديث: «ألا تصفون كما تصف الملائكة»، نعم.
طالب: يا شيخ تنطق تصف بالسماء ولا تصف في السماء؟
هي ثابت عندنا تصف، ولكن يمكن أن تنسب لها الفعل.
طالب: ..... الآية الصافات.
نعم، النسبة إليها ما فيه إشكال، يُنسب الشيء إلى المباشر، ويُنسب إلى المتسبِّب ما فيه مانع يقال: توفي، يقال: مات.
"{وَالصَّافَّاتُ} جَمْعُ الْجَمْعِ، يُقَالُ: جَمَاعَةٌ صَافَّةٌ ثُمَّ يُجْمَعُ صَافَّاتٍ. وَقِيلَ: الصَّافَّاتُ؛ جَمَاعَةُ النَّاسِ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا قَامُوا صَفًّا فِي الصَّلَاةِ أَوْ فِي الْجِهَادِ، ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيُّ. فَالزَّاجِرَاتِ الْمَلَائِكَةُ فِي قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَمَسْرُوقٍ وَغَيْرِهِمْ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، إِمَّا لِأَنَّهَا تَزْجُرُ السَّحَابَ وَتَسُوقُهُ فِي قَوْلِ السُّدِّيِّ. وَإِمَّا لِأَنَّهَا تَزْجُرُ عَنِ الْمَعَاصِي بِالْمَوَاعِظِ وَالنَّصَائِحِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: هِيَ زَوَاجِرُ الْقُرْآنِ. {فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا} الْمَلَائِكَةُ تَقْرَأُ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَابْنُ جُبَيْرٍ وَالسُّدِّيّ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ جِبْرِيلُ وَحْدَهُ فَذُكِرَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ؛ لِأَنَّهُ كَبِيرُ الْمَلَائِكَةِ فَلَا يَخْلُو مِنْ جُنُودٍ وَأَتْبَاعٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ: الْمُرَادُ كُلُّ مَنْ تَلَا ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى وَكُتُبَهُ. وَقِيلَ: هِيَ آيَاتُ الْقُرْآنِ، وَصَفَهَا بِالتِّلَاوَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ}، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لِآيَاتِ الْقُرْآنِ: تَالِيَاتٌ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْحُرُوفِ يَتْبَعُ بَعْضًا، ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيُّ. وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّالِيَاتِ الْأَنْبِيَاءُ".
ولأنها تلت ما نزل على الأنبياء من كلام الله -جل وعلا-.
"وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّالِيَاتِ الْأَنْبِيَاءُ يَتْلُونَ الذِّكْرَ عَلَى أُمَمِهِمْ. فَإِنْ قِيلَ: مَا حُكْمُ الْفَاءِ إِذَا جَاءَتْ عَاطِفَةً فِي الصِّفَاتِ؟ قِيلَ لَهُ: إِمَّا أَنْ تَدُلَّ عَلَى تَرَتُّبِ مَعَانِيهَا فِي الْوُجُودِ كقوله".
لأن الأصل أنها ترتب، الأصل أنها ترتب، وإذا كانت صفات لموصوف واحد فكيف تترتب هذه الصفات؟ هي موجودة الآن، كلها موجودة فيه، في آن واحد، فكيف يُعطف بعضها على بعض في الفاء التي تقتضي الترتيب وهي موصوفة في صفات لموصوف واحد؟
طالب:......
يعني لو قيل: جاء محمد الشارب، فالآكل، فالضاحك، فالراكب هو في آن واحد يأكل، ويشرب ويضحك، وهو راكب.
طالب:......
لا لا، هو في آن واحد بدأ، وهذا الذي أشكل، قيل: ما حكم الفاء إذا جاءت عاطفة في الصفات؟ الموجودة في آن واحد، أما في الصفات التي يعقب بعضها بعضًا فهذا ما فيه إشكال.
"قِيلَ لَهُ: إِمَّا أَنْ تَدُلَّ عَلَى تَرَتُّبِ مَعَانِيهَا فِي الْوُجُودِ كَقَوْلِهِ سَلَمَةُ بْنُ ذُهْلٍ
يَا لَهْفَ زَيَّابَةَ لِلْحَارِثِ الصَّابِحِ فَالْغَانِمِ فَالْآيِبِ، كَأَنَّهُ قَالَ: الَّذِي صَبَّحَ فَغَنِمَ فَآبَ. وَإِمَّا عَلَى تَرَتُّبِهَا فِي التَّفَاوُتِ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ كَقَوْلِكَ: خُذِ الْأَفْضَلَ فَالْأَكْمَلَ، وَاعْمَلِ الْأَحْسَنَ فَالْأَجْمَلَ. وَإِمَّا عَلَى تَرَتُّبِ مَوْصُوفَاتِهَا فِي ذَلِكَ كَقَوْلِهِ: رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ فَالْمُقَصِّرِينَ. فَعَلَى هَذِهِ الْقَوَانِينِ الثَّلَاثَةِ يَنْسَاقُ أَمْرُ الْفَاءِ الْعَاطِفَةِ فِي الصِّفَاتِ، قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيّ.
{إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ} جَوَابُ الْقَسَمِ. قَالَ مُقَاتِلٌ: وَذَلِكَ أَنَّ الْكُفَّارَ بِمَكَّةَ قَالُوا: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا} وَكَيْفَ يَسَعُ هَذَا الْخَلْقَ فَرْدُ إِلَهٍ؟! فَأَقْسَمَ اللَّهُ بِهَؤُلَاءِ تَشْرِيفًا. وَنَزَلَتِ الْآيَةُ. قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيُّ: وَهُوَ وَقْفٌ حَسَن ٌثم تبتدئ. {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} عَلَى مَعْنَى هُوَ رَبُّ السَّمَوَاتِ قال النَّحَّاسُ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ خَبَرًا بَعْدَ خَبَرٍ".
الخبر الأول المقترن باللام يسمونها المزحلقة هذا واحد، والثاني رب السماوات والأرض.
" وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ " وَاحِدٍ".
قُلْتُ: وَعَلَى هَذَيْنَ الْوَجْهَيْنِ لَا يُوقَفُ عَلَى " لَوَاحِدٌ". وَحَكَى الْأَخْفَشُ رَبَّ السَّمَاوَاتِ وَرَبَّ الْمَشَارِقِ " بِالنَّصْبِ عَلَى النَّعْتِ لِاسْمِ إِنَّ، بَيَّنَ سُبْحَانَهُ مَعْنَى وَحْدَانِيَّتِهِ وَأُلُوهِيَّتِهُ وَكَمَالِ قُدْرَتِهِ بِأَنَّهُ {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أَيْ: خَالِقُهُمَا وَمَالِكُهُمَا وما بينهما وَرَبُّ الْمَشَارِقِ أَيْ: مَالِكُ مَطَالِعِ الشَّمْس. قال ابْنُ عَبَّاسٍ: لِلشَّمْسِ كُلُّ يَوْمٍ مَشْرِقٌ وَمَغْرِبٌ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ لِلشَّمْسِ ثَلَاثَمِائَةٍ وَخَمْسَةً وَسِتِّينَ كُوَّةً فِي مَطْلِعِهَا، وَمِثْلَهَا فِي مَغْرِبِهَا عَلَى عَدَدِ أَيَّامِ السَّنَةِ الشَّمْسِيَّةِ".
هذا على الجمع المشارق، والمغارب، وجاء بالإفراد {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ}[الشعراء:28]، وجاء بالتثنية أيضًا {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ}[الرحمن:17]، فالجمع علي إرادة المطالع التي في السنة ثلاثمائة وخمس وستين، ورب المشرق الجنس، والمغرب الجنس؛ لأن الجهة واحدة، مشرق جهة واحدة، والمغرب جهة واحدة، رب المشرقين مشرق الشتاء غير مشرق الصيف، والمغربين كذلك.
طالب: من قال: إن الشمس تغرب وتشرق في فصل الشتاء ........
يعني مشرقها واحد؟
طالب:....
هي تستأذن وسيأتي، وتقدم أيضًا ما يدل على أنها تسجد تحت العرش، وتستأذن في أن تخرج من حيث جاءت، يعني من مغربها، وجاء في الأخبار أنها تقول: كيف أشرق على أناس يعبدونني دونك؟ ومع ذلك يقال لها: ارجعي إلى أن يؤذن لها أن تخرج من مغربها.
طالب:....
نعم، انحراف معروف؛ لأنها لقصر النهار تأتي مستقيمة هكذا من المشرق إلى المغرب، لكن الصيف من طول النهار تأتي من جهة اليسار إلى جهة اليمين.
"وَمِثْلَهَا فِي مَغْرِبِهَا عَلَى عَدَدِ أَيَّامِ السَّنَةِ الشَّمْسِيَّةِ، تَطْلُعُ فِي كُلِّ يَوْمٍ فِي كُوَّةٍ مِنْهَا، وَتَغِيبُ فِي كُوَّةٍ، لَا تَطْلُعُ فِي تِلْكَ الْكُوَّةِ إِلَّا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ. وَلَا تَطْلُعُ إِلَّا وَهِيَ كَارِهَةٌ فَتَقُولُ: رَبِّ لَا تُطْلِعْنِي عَلَى عِبَادِكَ؛ فَإِنِّي أَرَاهُمْ يَعْصُونَكَ. ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ فِي كِتَابِ التَّمْهِيدِ، وَابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِي كِتَابِ الرَّدِّ عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَرَأَيْتَ مَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ آمَنَ شِعْرُهُ وَكَفَرَ قَلْبُهُ، قَالَ: هُوَ حَقٌّ، فَمَا أَنْكَرْتُمْ مِنْ ذَلِكَ؟ قُلْتُ: أَنْكَرْنَا قَوْلَهُ:
وَالشَّمْسُ تَطْلُعُ كُلَّ آخِرِ لَيْلَةٍ |
حَمْرَاءَ يُصْبِحُ لَوْنُهَا يَتَوَرَّدُ |
لَيْسَتْ بِطَالِعَةٍ لَهُمْ فِي رِسْلِهَا |
إِلَّا مُعَذَّبَةً وَإِلَّا تُجْلَدُ |
«مَا بَالُ الشَّمْسِ تُجْلَدُ؟ فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا طَلَعَتْ شَمْسٌ قَطُّ حَتَّى يَنْخُسَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، فَيَقُولُونَ لَهَا: اطْلُعِي اطْلُعِي، فَتَقُولُ: لَا أَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ يَعْبُدُونَنِي مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَيَأْتِيهَا مَلَكٌ فَيَسْتَقِلُّ لِضِيَاءِ بَنِي آدَمَ، فَيَأْتِيهَا شَيْطَانٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّهَا عَنِ الطُّلُوعِ فَتطلع بَيْنَ قَرْنَيْهِ فَيُحْرِقُهُ اللَّهُ تَعَالَى تَحْتَهَا، فَذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَا طَلَعَتْ إِلَّا بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، وَلَا غَرَبَتْ إِلَّا بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ»".
لذا جاء النهي عن التطوع في هذين الوقتين إضافة إلى الأوقات الأخرى، لكن هذان الوقتان أشد الأوقات في النهي عند طلوع الشمس، وعند غروبها، وكذلك حين يقوم قائم الظهيرة، وما عدا ذلك من الوقتين الموسعين فإنما نهي عن الصلاة فيهما احتياطًا لهذين الوقتين المضيقين.
"«وَلَا غَرَبَتْ إِلَّا بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ وَمَا غَرَبَتْ قَطُّ إِلَّا خَرَّتْ لِلَّهِ سَاجِدَةً، فَيَأْتِيهَا شَيْطَانٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّهَا عَنِ السُّجُودِ، فَتَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْهِ فَيُحْرِقُهُ اللَّهُ تَعَالَى تَحْتَهَا»، لَفْظُ ابْنِ الْأَنْبَارِيِّ. وَذُكِرَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: صَدَّقَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُمَيَّةَ بْنَ أَبِي الصَّلْتِ فِي هَذَا الشِّعْرِ:
زُحَلٌ وَثَوْرٌ تَحْتَ رِجْلِ يَمِينِه"
في البداية والنهاية: "رَجُلٌ وثور"، المحقق ما ذكر فيها شيئًا؟
طالب: .....
ما المكتوب؟
طالب: .....
ما المثبت؟ ماذا أثبت عندك؟
طالب: رجل.
رَجُل؟
طالب: نعم.
يعني من أنواع المخلوقات.
"زُحَلٌ وَثَوْرٌ تَحْتَ رِجْلِ يَمِينِهِ |
وَالنَّسْرُ لِلْأُخْرَى وَلَيْثٌ مُرْصَدُ |
وَالشَّمْسُ تَطْلُعُ كُلَّ آخِرِ لَيْلَةٍ |
حَمْرَاءَ يُصْبِحُ لَوْنُهَا يَتَوَرَّدُ |
لَيْسَتْ بِطَالِعَةٍ لَهُمْ فِي رِسْلِهَا |
إِلَّا مُعَذَّبَةً وَإِلَّا تُجْلَدُ |
قَالَ عِكْرِمَةُ: فَقُلْتُ لِابْنِ عَبَّاس: يا مَوْلَايَ أَتُجْلَدُ الشَّمْسُ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا اضْطَرَّهُ الرَّوِيُّ إِلَى الْجَلْدِ لَكِنَّهَا تَخَافُ الْعِقَابَ. ودَلَّ بِذِكْرِ الْمَطَالِعِ عَلَى الْمَغَارِبِ، فَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرِ الْمَغَارِبَ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَر} وَخَصَّ الْمَشَارِقَ بِالذِّكْرِ".
يعني من باب الاكتفاء يعني وتقيكم البرد.
"وَخَصَّ الْمَشَارِقَ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّ الشُّرُوقَ قَبْلَ الْغُرُوبِ. وَقَالَ فِي سُورَةِ [الرَّحْمَنِ[: {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} أَرَادَ بِالْمَشْرِقَيْنِ أَقْصَى مَطْلَعٍ تَطْلُعُ مِنْهُ الشَّمْسُ فِي الْأَيَّامِ الطِّوَالِ، وَأَقْصَرَ يَوْمٍ فِي الْأَيَّامِ الْقِصَارِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي [يس]، وَاللَّهُ أَعْلَمُ".
طالب: السلام عليكم قول ابن عباس.....
تخاف؟
طالب:......
هو تقدم في كلامه أنه سبعون ألف ملكًا ينخسونها.
"قَوْلُهُ تَعَالَى :{إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ} قَالَ قَتَادَةُ: خُلِقَتِ النُّجُومُ ثَلَاثًا، رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ، وَنُورًا يُهْتَدَى بِهَا، وَزِينَةً لِسَمَاءِ لدُّنْيَا. وَقَرَأَ مَسْرُوقٌ وَالْأَعْمَشُ وَالنَّخَعِيُّ وَعَاصِمٌ وَحَمْزَة": بِزِينَةٍ " مَخْفُوض مُنَوَّن. "الْكَوَاكِبِ" خَفْضٌ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ زِينَةٍ؛ لِأَنَّهَا هِيَ. وَقَرَأَ أَبُو بَكْرٍ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ نَصَبَ الْكَوَاكِبَ بِالْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ زِينَةٌ. وَالْمَعْنَى بِأَنْ زَيَّنَّا الْكَوَاكِبَ فِيهَا. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا بِإِضْمَارِ أَعْنِي، كَأَنَّهُ قَالَ: إِنَّا زَيَّنَّاهَا بِزِينَةٍ أَعْنِي الْكَوَاكِبَ. وَقِيلَ: هِيَ بَدَلٌ مِنْ زِينَةٍ عَلَى الْمَوْضِعِ. وَيَجُوزُ بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبُ بِمَعْنَى أَنَّ زِينَتَهَا الْكَوَاكِبُ. أَوْ بِمَعْنَى هِيَ الْكَوَاكِبُ. والْبَاقُونَ "بِزِينَةِ الْكَوَاكِبِ" عَلَى الْإِضَافَةِ. وَالْمَعْنَى زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِتَزْيِينِ الْكَوَاكِبِ، أَيْ: بِحُسْنِ الْكَوَاكِبِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَقِرَاءَةِ مَنْ نَوَّنَ إِلَّا أَنَّهُ حَذَفَ التَّنْوِينَ اسْتِخْفَافًا. وَحِفْظًا مَصْدَرٌ أَيْ: حَفِظْنَاهَا حِفْظًا.
{مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ} لَمَّا أَخْبَرَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تتَنْزِلُ بِالْوَحْيِ مِنَ السَّمَاءِ، بَيَّنَ أَنَّهُ حَرَسَ السَّمَاءَ عَنِ اسْتِرَاقِ السَّمْعِ بَعْدَ أَنْ زَيَّنَهَا بِالْكَوَاكِبِ. وَالْمَارِدُ؛ الْعَاتِي مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّيهِ شَيْطَانًا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَأِ الْأَعْلَى} قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: أَيْ: لِئَلَّا يَسْمَعُوا، ثُمَّ حُذِفَ "أَنْ" فَرُفِعَ الْفِعْلُ. الْمَلَأُ الْأَعْلَى: أَهْلُ السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَمَا فَوْقَهَا، وَسُمَّيَ الْكُلُّ مِنْهُمْ أَعْلَى بِالْإِضَافَةِ إِلَى ملأ الْأَرْضَ، والضَّمِيرُ فِي يَسَّمَّعُونَ لِلشَّيَاطِينِ.
وَقَرَأَ جُمْهُورُ النَّاسِ "يَسْمَعُونَ" بِسُكُونِ السِّينِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَعَاصِمٌ فِي رِوَايَةِ حَفْصٍ :لَا يَسَّمَّعُونَ بِتَشْدِيدِ السِّينِ وَالْمِيمِ مِنَ التَّسْمِيعِ. فَيَنْتَفِي عَلَى الْقِرَاءَةِ الْأُولَى سَمَاعُهُمْ وَإِنْ كَانُوا يَسْتَمِعُونَ، وَهُوَ الْمَعْنَى الصَّحِيحُ، وَيُعَضِّدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ}، وَيَنْتَفِي عَلَى الْقِرَاءَةِ الْأَخِيرَةِ أَنْ يَقَعَ مِنْهُمُ اسْتِمَاعٌ أَوْ سَمَاعٌ. قَالَ مُجَاهِدٌ: كَانُوا يَتَسَمَّعُونَ وَلَكِنْ لَا يَسْمَعُونَ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَأِ} قَالَ: هُمْ لَا يَسْمَعُونَ وَلَا يَتَسَمَّعُونَ. وَأَصْلُ يَسَّمَّعُونَ يَتَسَمَّعُونَ، فَأُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي السِّينِ؛ لِقُرْبِهَا مِنْهَا. وَاخْتَارَهَا أَبُو عُبَيْدٍ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ لَا تَكَادُ تَقُولُ: سَمِعْتُ إِلَيْهِ، وَتَقُولُ: تَسَمَّعْتُ إِلَيْه".
يعني هذا مما يرجِّح التشديد، هذا مما يرجِّح التشديد، والمؤلف رجَّح قراءة الأكثر، جمهور الناس التخفيف، بدليل أنهم قد يستمعون، لكنهم لا يسمعون، قد يستمعون، يحاولون السماع، لكنهم لا لا يسمعون، والواقع هم يستمعون أو لا يستمعون؟
طالب: يستمعون.
نعم، يستمعون، لكن هل يسمعون، أو لا يسمعون؟ قد يدركه الشهاب قبل أن يسمع، كما جاء في الحديث، وحراسة السماء من علامة نبوة النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن المشركين استنكروا كثرة نزول هذه الشهب وكانت غير موجودة، وجلوا من ذلك، وخافوا، وقربوا القرابين؛ خشية أن تكون نهاية الدنيا، حتى قيل لهم: انظروا إن كانت النجوم التي يرمى بها هي النجوم التي يحتاجها الناس، هي التي يحتاجها الناس يهتدون بها فلا شك أنه أمر خطير، وإن كان قدرًا زائدًا على ما يحتاجه الناس فالأمر إنما هو لأمر حدث، لا لأنه نهاية الدنيا.
"{وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ} أَيْ يُرْمَوْنَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، أَيْ: بِالشُّهُبِ. {دُحُورًا} مَصْدَرٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَى يُقْذَفُونَ يُدْحَرُونَ".
يعني تمكينهم من هذا، ثم رميهم بالشهب، وإفلات بعضهم بالكلمة، والكلمتين يلقيها على وليه من شياطين الإنس من السحرة، والكهان، هذا كله من باب الابتلاء والاختبار، وإلا فالقدرة الإلهية تمنعهم لو أراد الله -جل وعلا- ذلك، لكن أراد بذلك الامتحان والابتلاء، يعني يظفر بشيء لا يؤثر على الوحي، وإنما يُفتن به بعض الناس يظفر بكلمة، ويلقيها إلى الساحر، ثم الساحر يزيد عليها مائة يقره في أذنه كقر الدجاج كما جاءت في ذلك الأخبار.
"{دُحُورًا} مَصْدَرٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَى يُقْذَفُونَ: يُدْحَرُونَ. دَحَرْتُهُ دَحْرًا وَدُحُورًا أَيْ: طَرَدْتُهُ. وَقَرَأَ السُّلَمِيُّ وَيَعْقُوبُ الْحَضْرَمِيّ:" دَحُورًا" بِفَتْحِ الدَّالِ يَكُونُ مَصْدَرًا عَلَى فَعُولَ. وَأَمَّا الْفَرَّاءُ فَإِنَّهُ قَدَّرَهُ عَلَى أَنَّهُ اسْمُ الْفَاعِلِ. أَيْ: وَيُقْذَفُونَ بِمَا يَدْحَرُهُمْ أَيْ: بِدُحُورٍ، ثُمَّ حَذَفَ الْبَاءَ، وَالْكُوفِيُّونَ يَسْتَعْمِلُونَ هَذَا كَثِيرًا كَمَا أَنْشَدُوا:
تَمُرُّونَ الدِّيَارَ وَلَمْ تَعُوجُوا
وَاخْتُلِفَ هَلْ كَانَ هَذَا الْقَذْفُ قَبْلَ الْمَبْعَثِ، أَوْ بَعْدَهُ لِأَجْلِ الْمَبْعَثِ، عَلَى قَوْلَيْنِ. وَجَاءَتِ الْأَحَادِيثُ بِذَلِكَ عَلَى مَا يَأْتِي مِنْ ذِكْرِهَا فِي سُورَةِ [الْجِنِّ] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَدْ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا: لَمْ تَكُنِ الشَّيَاطِينُ تُرْمَى بِالنُّجُومِ قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ رُمِيَتْ، أَيْ: لَمْ تَكُنْ تُرْمَى رَمْيًا يَقْطَعُهَا عَنِ السَّمْعِ، وَلَكِنَّهَا كَانَتْ تُرْمَى وَقْتًا وَلَا تُرْمَى وَقْتًا، وَتُرْمَى مِنْ جَانِبٍ وَلَا تُرْمَى مِنْ جَانِبٍ. وَلَعَلَّ الْإِشَارَةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :{وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ} إِلَى هَذَا الْمَعْنَى، وَهُوَ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يُقْذَفُونَ إِلَّا مِنْ بَعْضِ الْجَوَانِبِ فَصَارُوا يُرْمَوْنَ وَاصِبًا، وَإِنَّمَا كَانُوا مِنْ قَبْلِ كَالْمُتَجَسِّسَةِ مِنَ الْإِنْسِ، يَبْلُغُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ حَاجَتَهُ، وَلَا يَبْلُغُهَا غَيْرُهُ، وَيَسْلَمُ وَاحِدٌ وَلَا يَسْلَمُ غَيْرُهُ، بَلْ يُقْبَضُ عَلَيْهِ، وَيُعَاقَبُ، وَيُنَكَّلُ. فَلَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زِيدَ فِي حِفْظِ السَّمَاءِ، وَأُعِدَّتْ لَهُمْ شُهُبٌ لَمْ تَكُنْ مِنْ قَبْلُ، لِيُدْحَرُوا عَنْ جَمِيعِ جَوَانِبِ السَّمَاءِ، وَلَا يُقَرُّوا فِي مَقْعَدٍ مِنَ الْمَقَاعِدِ الَّتِي كَانَتْ لَهُمْ مِنْهَا، فَصَارُوا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى سَمَاعِ شَيْءٍ مِمَّا يَجْرِي فِيهَا، إِلَّا أَنْ يَخْتَطِفَ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِخِفَّةِ حَرَكَتِهِ خَطْفَةً، فَيَتْبَعُهُ شِهَابٌ ثَاقِب ٌقَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ إِلَى الْأَرْضِ فَيُلْقِيَهَا إِلَى إِخْوَانِهِ فَيُحْرِقُهُ، فَبَطَلَتْ مِنْ ذَلِكَ الْكِهَانَةُ وَحَصَلَتِ الرِّسَالَةُ وَالنُّبُوَّةُ.
فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ هَذَا الْقَذْفَ إِنْ كَانَ لِأَجْلِ النُّبُوَّةِ فَلِمَ دَامَ بَعْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّهُ دَامَ بِدَوَامِ النُّبُوَّةِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَ بِبُطْلَانِ الْكهَانَةِ فَقَالَ:» لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَكَهَّنَ» فَلَوْ لَمْ تحْرَسْ بَعْدَ مَوْتِهِ لَعَادَتِ الْجِنُّ إِلَى تَسَمُّعِهَا، وَعَادَتِ الْكِهَانَةُ. وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ بَطَلَ، وَلِأَنَّ قَطْعَ الْحِرَاسَةِ عَنِ السَّمَاءِ إِذَا وَقَعَ لِأَجْلِ النُّبُوَّةِ فَعَادَتِ الْكِهَانَةُ دَخَلَتِ الشُّبْهَةُ عَلَى ضُعَفَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يَظُنُّوا أَنَّ الْكِهَانَةَ إِنَّمَا عَادَتْ لِتَنَاهِي النُّبُوَّةِ، فَصَحَّ أَنَّ الْحِكْمَةَ تَقْضِي دَوَامَ الْحِرَاسَةِ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم-، وَبَعْدَ أَنْ تَوَفَّاهُ اللَّهُ إِلَى كَرَامَتِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ-. {وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ} أَيْ دَائِمٌ، عَنْ مُجَاهِد ٍوَقَتَادَةَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ."
على كل حال المسألة متعلقة بحكم شرعي، فدوامها واستمرارها باستمرار الحكم الشرعي، والحكم الشرعي جاء في شريعة آخر الأنبياء، وخاتم الأنبياء الذي شريعته إلى قيام الساعة.
طالب .......
نعم.
طالب: .....
لا لا، واقع السحرة والكهان يدل على شيء من هذا، حتى بعد مبعث النبي -عليه الصلاة والسلام- لما سأل ابن صياد قال: «مَا خبأتُ لك قال: الدُّخُّ»، نصف الكلمة سمع، ما سمع الكلمة كاملة «فَقَالَ: اخْسَأْ، فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ».
"وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: شَدِيدٌ. وقال: الْكَلْبِيُّ وَالسُّدِّيُّ وَأَبُو صَالِحٍ: مُوجِعٌ، أَيِ: الَّذِي يَصِلُ وَجَعُهُ إِلَى الْقَلْبِ، مَأْخُوذٌ مِنَ الْوَصَبِ وَهُوَ الْمَرَضُ، "إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ" اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ : وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَقِيلَ: الِاسْتِثْنَاءُ يَرْجِعُ إِلَى غَيْرِ الْوَحْيِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ فَيَسْتَرِقُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ شَيْئًا مِمَّا يَتَفَاوَضُ فِيهِ الْمَلَائِكَةُ، مِمَّا سَيَكُونُ فِي الْعَالَمِ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَهُ أَهْلُ الْأَرْضِ، وَهَذَا لِخِفَّةِ أَجْسَامِ الشَّيَاطِينِ فَيُرْجَمُونَ بِالشُّهُبِ حِينَئِذٍ. وَرُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ أَحَادِيثُ صِحَاحٌ، مُضَمَّنُهَا".
قالوا: لخفة أجساد الشياطين؛ لأن هذا لم يحصل لغيرهم ما حصل لسائر المخلوقات مثل هذا، وإنما هؤلاء مع خفة أجسامهم، وغيرهم مع ثقل أجسامهم هم أمام القدرة الإلهية سواء، يعني لو أراد الله منع الجميع ما تمكن لا خفيف، ولا ثقيل، لكن مكن هؤلاء دون غيرهم لخفة أجسامهم ابتلاءً وامتحانًا.
"وَرُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ أَحَادِيثُ صِحَاحٌ، مُضَمَّنُهَا أَنَّ الشَّيَاطِينَ كَانَتْ تَصْعَدُ إِلَى السَّمَاءِ، فَتَقْعُدُ لِلسَّمْعِ وَاحِدًا فَوْقَ وَاحِدٍ، فَيَتَقَدَّمُ الْأَجْسَرُ نَحْوَ السَّمَاءِ ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ، فَيَقْضِي اللَّهُ تَعَالَى الْأَمْرَ مِنْ أَمْرِ الْأَرْضِ، فَيَتَحَدَّثُ بِهِ أَهْلُ السَّمَاءِ فَيَسْمَعُهُ مِنْهُمُ الشَّيْطَانُ الْأَدْنَى، فَيُلْقِيهِ إِلَى الَّذِي تَحْتَهُ، فَرُبَّمَا أَحْرَقَهُ شِهَابٌ، وَقَدْ أَلْقَى الْكَلَامَ، وَرُبَّمَا لَمْ يُحْرِقْهُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ. فَتَنْزِلُ تِلْكَ الْكَلِمَةُ إِلَى الْكُهَّانِ، فَيَكْذِبُونَ مَعَهَا مِائَةَ كِذْبَةٍ، وَتَصْدُقُ تِلْكَ الْكَلِمَةُ فَيُصَدِّقُ الْجَاهِلُونَ الْجَمِيعَ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي [الْأَنْعَامِ]".
تصدق يعني تطابق الواقع، تطابق الواقع، وإن كانت كذبًا، وإن كانت في الحكم الشرعي كاذبة فلا يجوز تصديقها يعني لا يجوز أن يقال للكاهن: صدقت، ولو في هذه الكلمة التي تطابق هذا الواقع؛ لأن هذا حكم شرعي، وإن كان التعريف للصدق أنه ما يطابق الواقع، هذه الكلمة قد تطابق الواقع، ومع ذلك لا يجوز تصديقه فيها كما أن القاذف ولو رأى الزنى بعينه الزنى الكامل الصريح إن لم يأتِ بتكملة النصاب فهو كاذب، ولو طابق خبره الواقع.
"فَلَمَّا جَاءَ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ حُرِسَتِ السَّمَاءُ بِشِدَّةٍ، فَلَا يُفْلِتُ شَيْطَانٌ سَمِعَ بَتَّةً".
بتة يعني ألبتة.
"وَالْكَوَاكِبُ الرَّاجِمَةُ هِيَ الَّتِي يَرَاهَا النَّاسُ تَنْقَضُّ. قَالَ النَّقَّاشُ وَمَكِّيٌّ: وَلَيْسَتْ بِالْكَوَاكِبِ الْجَارِيَةِ فِي السَّمَاءِ؛ لِأَنَّ تِلْكَ لَا تُرَى حَرَكَتُهَا، وَهَذِهِ الرَّاجِمَةُ تُرَى حَرَكَتُهَا؛ لِأَنَّهَا قَرِيبَةٌ مِنَّا. وَقَدْ مَضَى فِي هَذَا الْبَابِ فِي سُورَةِ [الْحِجْرِ] مِنَ الْبَيَانِ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ. وَذَكَرْنَا فِي [سَبَأٍ] حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِيهِ «وَالشَّيَاطِينُ بَعْضُهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ» وَقَالَ فِيهِ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَفِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:» وَيَخْتَطِفُ الشَّيَاطِينُ السَّمْعَ فَيُرْمَوْنَ، فَيَقْذِفُونَهُ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ، فَمَا جَاءُوا بِهِ عَلَى وَجْهِهِ فَهُوَ حَقٌّ وَلَكِنَّهُمْ يُحَرِّفُونَهُ وَيَزِيدُونَ» قَالَ: هَذَا" .
يعني يحق أنه صدق يطابق الواقع، لكنه باطل من جهة كونه على يد ساحر، أو كاهن، ولا يجوز تصديقه.
" قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالْخَطْفُ: أَخْذُ الشَّيْءِ بِسُرْعَةٍ، يُقَالُ: خَطَفَ وَخَطِفَ وَخَطَّفَ وَخِطَّفَ وَخِطِّفَ. وَالْأَصْلُ فِي الْمُشَدَّدَاتِ اخْتُطَفَ، فَأُدْغِمَ التَّاءُ فِي الطَّاءِ؛ لِأَنَّهَا أُخْتُهَا، وَفُتِحَتِ الْخَاءُ؛ لِأَنَّ حَرَكَةَ التَّاءِ أُلْقِيَتْ عَلَيْهَا. وَمَنْ كَسَرَهَا فَلِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ. وَمَنْ كَسَرَ الطَّاءَ أَتْبَعَ الْكَسْرَ الْكَسْرَ. {فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} أَيْ مُضِيءٌ، قَالَهُ الضَّحَّاكُ وَالْحَسَنُ وَغَيْرُهُمَا. وَقِيلَ: الْمُرَادُ كَوَاكِبُ النَّارِ تَتْبَعُهُمْ حَتَّى تُسْقِطَهُمْ فِي الْبَحْرِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي الشُّهُبِ: تُحْرِقُهُمْ مِنْ غَيْرِ مَوْتٍ. وَلَيْسَتِ الشُّهُبُ الَّتِي يُرْجَمُ النَّاسُ بِهَا مِنَ الْكَوَاكِبِ الثَّوَابِتِ. يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ رُؤْيَةُ حَرَكَاتِهَا، وَالثَّابِتَةُ تَجْرِي وَلَا تُرَى حَرَكَاتُهَا لِبُعْدِهَا. وَقَدْ مَضَى هَذَا. وَجَمْعُ شِهَابٍ شُهُبٌ، وَالْقِيَاسُ فِي الْقَلِيلِ أَشْهِبَةٌ وَإِنْ لَمْ يُسْمَعْ مِنَ الْعَرَبِ، وَ"ثَاقِبٌ" مَعْنَاهُ مُضِيءٌ، قَالَهُ الحسن ومجاهد وَأَبُو مِجْلَزٍ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ: وَزَنْدُكَ أَثْقَبُ أَزْنَادِهَا أَيْ: أَضْوَأُ. وَحَكَى الْأَخْفَشُ فِي الْجَمْعِ: شُهُبٌ ثُقُبٌ وَثَوَاقِبُ وَثِقَابٌ. وَحَكَى الْكِسَائِيُّ: ثَقَبَتِ النَّارُ تَثْقُبُ ثَقَابَةً وَثُقُوبًا إِذَا اتَّقَدَتْ، وَأَثْقَبْتُهَا أَنَا. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ فِي الثَّاقِبِ: إِنَّهُ الْمُسْتَوْقِدُ، مِنْ قَوْلِهِمْ: أَثْقِبْ زَنْدَكَ أَيِ: اسْتَوْقِدْ نَارَكَ، قَالَهُ الْأَخْفَشُ. وَأَنْشَدَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
بَيْنَمَا الْمَرْءُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ |
ضَرَبَ الدَّهْرُ سَنَاهُ فَخَمَدْ" |
يعني إذا مات، نعم.
"قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَاسْتَفْتِهِمْ} أَيْ سَلْهُمْ يَعْنِي أَهْلَ مَكَّةَ، مَأْخُوذٌ مِنِ اسْتِفْتَاءِ الْمُفْتِي".
الاستفتاء طلب الفتوى السين، والتاء للطلب فالاستفتاء طلب الفتوى السائل مستفتي، والمجيب مفتٍ بعض من يسأل يقول للمسئول: يا شيخ أنا عندي فتوى، يا شيخ أنا عندي فتوى، هذا ليس بصحيح، عندك فتوى الحمد الله، رعاك الله بها، عندك شيء ينفعك، فالأصل أنه مستفتٍ، والمسؤول مفتٍ، وعنده استفتاء، وليس عنده فتوى.
طالب: معنى ثاقب.....
ماذا؟
طالب: معنى ثاقب....
ثاقب أي شديد الإضاءة.
"{أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا} قَالَ مُجَاهِدٌ أَيْ: مَنْ خَلَقْنَا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ وَالْبِحَارِ. وَقِيلَ: يَدْخُلُ فِيهِ الْمَلَائِكَةُ وَمَنْ سَلَفَ مِنَ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ. يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْهُمْ "بِمَنْ" قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ."
التي هي للعقلاء، هي للعقلاء "من"، ولو كان المراد خلق السموات والأرض والجبال وغيرها، البحار هذه ليست بعاقل كأن يقول: "أهم أشد خلقًا أم ما خلقنا" لكن قال: {مَنْ}، وهي للعاقل يراد بها من يعقل من الملائكة، ومن الأمم الماضية التي جبلت على الشدة في الخلق.
"قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْر: الْمَلَائِكَةُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: "مَنْ" الْأُمَمُ الْمَاضِيَةُ وَقَدْ هَلَكُوا وَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا مِنْهُمْ نَزَلَتْ فِي أَبِي الْأَشَدِّ بْنِ كَلَدَةَ، وَسُمِّيَ بِأَبِي الْأَشَدّ؛ِ لِشِدَّةِ بَطْشِهِ وَقُوَّتِهِ. وَسَيَأْتِي فِي [الْبَلَدِ] ذِكْرُهُ. وَنَظِيرُ هَذِهِ: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} وَقَوْلِهِ: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ}، قوله تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ} أَيْ لَاصِقٍ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَمِنْهُ قَوْلُ عَلِيّ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: تَعَلَّمْ فَإِنَّ اللَّهَ زَادَكَ بَسْطَةً وَأَخْلَاقَ خَيْرٍ كُلُّهَا لَكَ لَازِبُ"، وَقَالَ قَتَادَةُ وَابْنُ زَيْدٍ: مَعْنَى لَازِبٌ: لَازِقٌ".
معنى اللازب؛ هي الصفات التي يُعبر عنها بالملكات الثابتة أما الصفات التي تطرأ، وتزول في وقت دون وقت فهذه لا يقال لها لازب.
"قال: الْمَاوَرْدِيُّ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ اللَّاصِقِ وَاللَّازِقِ أَنَّ اللَّاصِقَ: هُوَ الَّذِي قَدْ لَصِقَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، وَاللَّازِقَ: هُوَ الَّذِي يَلْتَزِقُ بِمَا أَصَابَهُ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: لَازِبٌ: لَزِجٌ. وقال سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ".
واضح الفرق بين اللاصق، واللازق، واللازب؟ واضح من كلامه، أم غير واضح؟
طالب: نعم.
واضح؛ لأن اللصق هذا إذا أردت أن تلصق به شيئًا، إن قرنت بعضه ببعض فلصق بعضه ببعض إضافة إلى الملصق صار لاصقًا، وإن جعلته بجواره بحيث لا يلصق بعضهما ببعض فهذا يسمى لازقًا.
"قال سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَيْ: جَيِّدٌ حُرٌّ يَلْصَقُ بِالْيَدِ. مُجَاهِدٌ: لَازِبٌ: لَازِمٌ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: طِينٌ لَازِبٌ وَلَازِمٌ، تُبْدِلُ الْبَاءَ مِنَ الْمِيمِ. وَمِثْلُهُ قَوْلُهُمْ: لَاتِبٌ وَلَازِمٌ. عَلَى إِبْدَالِ الْبَاءِ بِالْمِيمِ. وَاللَّازِبُ، الثَّابِتُ، تَقُولُ: صَارَ الشَّيْءُ ضَرْبَةِ لَازِبٍ، وَهُوَ أَفْصَحُ مِنْ لَازِمٍ. قَالَ النَّابِغَةُ:
وَلَا تَحْسَبُونَ الْخَيْرَ لَا شَرَ بَعْدَهُ |
وَلَا يَحْسَبُونَ الشَّرَّ ضَرْبَةَ لَازِبِ |
وَحَكَى الْفَرَّاءُ عَنِ الْعَرَبِ: طِينٌ لَاتِبٌ بِمَعْنَى لَازِمٍ. وَاللَّاتِبُ الثَّابِتُ، تَقُولُ مِنْهُ: لَتَبَ يَلْتُبُ لَتْبًا وَلُتُوبًا، مِثْلَ لَزُبَ يَلْزُبُ بِالضَّمِّ لُزُوبًا، وَأَنْشَدَ أَبُو الْجَرَّاحِفِي اللَّاتِبِ:
فَإِنْ يَكُ هَذَا مِنْ نَبِيذٍ شَرِبْتُهُ |
فَإِنِّيَ مِنْ شُرْبِ النَّبِيذِ لَتَائِبُ |
صُدَاعٌ وَتَوْصِيمُ الْعِظَامِ وَفَتْرَةٌ |
وَغَمٌّ مَعَ الْإِشْرَاقِ فِي الْجَوْفِ لَاتِبُ |
وَاللَّاتِبُ أَيْضًا: اللَّاصِقُ مِثْلُ اللَّازِبِ، عَنِ الْأَصْمَعِيِّ حَكَاهُ الْجَوْهَرِيُّ. وَقَالَ السُّدِّيُّ وَالْكَلْبِيُّ فِي اللَّازِبِ: إِنَّهُ الْخَالِصُ. وقال: مُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ: إِنَّهُ الْمُنْتِنُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُون} قِرَاءَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَبِي عَمْرٍو وَعَاصِمٍ بِفَتْحِ التَّاءِ، خِطَابًا لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَيْ: بَلْ عَجِبْتَ مِمَّا نَزَلَ عَلَيْكَ مِنَ الْقُرْآنِ وَهُمْ يَسْخَرُونَ بِهِ. وَهِيَ قِرَاءَةُ شُرَيْحٍ، وَأَنْكَرَ قِرَاءَةَ الضَّمِّ وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَعْجَبُ مِنْ شَيْءٍ، وَإِنَّمَا يَعْجَبُ مَنْ لَا يَعْلَمُ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى".
القراءة: بل عجبت من القراءات {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ}[آل عمران:159] قراءتان معروفتان، لكن أنكرها بعضهم باعتبار أن هذه لا تضاف إلى الله -جل وعلا-، ولذا يختلفون أما العجب فجاءت فيه النصوص، العجب جاءت فيه الأحاديث، وأما بالنسبة للعزم {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} جاء عن أم سلمة في كتاب الجنائز من صحيح مسلم: «فعزم الله لي فقلتها» تعني كلمة، أضافت العزم إلى الله -جل وعلا- وإن كان من قولها إلا أن مثل هذا لا يدرك بالرأي، ولا يدخله الاجتهاد، فلا بد أن تكون سمعت مثله من النبي -عليه الصلاة والسلام- يختلفون في إثبات صفة العزم كما قال شيخ الإسلام: أهل السنة يختلفون في إثباتها ذكر أن القول الأصح هو إثبات صفة العزم لقول أم سلمة، ولما جاء في الباب عن عمر وغيره، واستنادًا لهذه القراءة.
"وقيل: المعنى بَلْ عَجِبْتَ مِنْ إِنْكَارِهِمْ لِلْبَعْث. وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ إِلَّا عَاصِمًا بِضَمِّ التَّاءِ. وَاخْتَارَهَا أَبُو عُبَيْدٍ وَالْفَرَّاء، وَهِيَ مَرْوِيَّةٌ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ، رَوَاها شُعْبَةُ عَن ِالْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَرَأَ: "بَلْ عَجِبْتُ" بِضَمِّ التَّاءِ. وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} قَرَأَهَا النَّاسُ بِنَصْبِ التَّاءِ وَرَفْعِهَا، وَالرَّفْعُ أَحَبُّ إِلَيَّ؛ لِأَنَّهَا عَنْ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ وَابْنِ عَبَّاسٍ . وَقَالَ أَبُو زَكَرِيَّا الْفَرَّاءُ: الْعَجَبُ إِنْ أُسْنِدَ إِلَى اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فَلَيْسَ مَعْنَاهُ مِنَ اللَّهِ كَمَعْنَاهُ مِنَ الْعِبَادِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} لَيْسَ ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ كَمَعْنَاهُ مِنَ الْعِبَادِ".
للخالق ما يخصه من الصفة، وللمخلوق ما يليق به.
"وَفِي هَذَا بَيَانُ الْكَسْرِ لِقَوْلِ شُرَيْحٍ حَيْثُ أَنْكَرَ الْقِرَاءَةَ بِهَا".
نعم إذا أثبتنا لله -جل وعلا- ما أثبته لنفسه وما أثبته له رسوله -عليه الصلاة والسلام- على ما يليق بجلاله وعظمته انتهينا من المسؤولية، فرغنا، قد أحسن من انتهى إلى ما سمع، لكن الإشكال فيمن يدخل في التأويلات، ويدخل في بيان الكيفيات، ويتوغل في مثل هذا هو الذي يلزمه الحرج في إثبات مثل هذه الأمور؛ لأنه -جل وعلا- ليس كمثله شيء، ومن لازم إثبات الكيفية إثبات المثلية.
طالب:......
شيخ الإسلام يقول: القول الثاني هو الأصح أنها تثبت.
طالب:......
قد يكون هذا من أدلتها على كل حال اعتمادهم الأول على ما جاء في صحيح مسلم عن أم سلمة.
"وَفِي هَذَا بَيَانُ الْكَسْرِ لِقَوْلِ شُرَيْحٍ، حَيْثُ أَنْكَرَ الْقِرَاءَةَ بِهَا. رَوَى جَرِيرٌ وَالْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي وَائِلٍ شَقِيقِ".
شقيق، أبو وائل هو شقيق.
طالب: بدون واو؟
بدون واو، نعم.
"بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: قَرَأَهَا عَبْدُ اللَّهِ، يَعْنِي: ابْنَ مَسْعُودٍ بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُون".
وهي من خواص عبد الله.
" قَالَ شُرَيْحٌ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَعْجَبُ مِنْ شَيْءٍ، إِنَّمَا يَعْجَبُ مَنْ لَا يَعْلَمُ. قَالَ الْأَعْمَشُ".
جاء في الخبر: عجب ربُّنا مِنْ قُنوط عباده وقرب غِيَرِهِ.
"قَالَ الْأَعْمَشُ: فَذَكَرْتُهُ لِإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ: إِنَّ شُرَيْحًا كَانَ يُعْجِبُهُ رَأْيُهُ، إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ كَانَ أَعْلَمَ مِنْ شُرَيْحٍ وَكَانَ يَقْرَؤُهَا عَبْدُ اللَّه {بَلْ عَجِبْتُ}. قَالَ الْهَرَوِيُّ: وَقَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ: مَعْنَى قَوْلِهِ: {بَلْ عَجِبْتُ} بَلْ جَازَيْتُهُمْ عَلَى عَجَبِهِمْ".
تفسير باللازم، ليس تأويل هروب من الإثبات.
"لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ عَنْهُمْ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ بِالتَّعَجُّبِ مِنَ الْحَقِّ، فَقَالَ: {وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ} وَقَالَ: {إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَاب}، {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ} فَقَالَ تَعَالَى: {بَلْ عَجِبْتُ} بَلْ جَازَيْتُهُمْ عَلَى التَّعَجُّب. ِقُلْتُ: وَهَذَا تَمَامُ مَعْنَى قَوْلِ الْفَرَّاءِ وَاخْتَارَهُ الْبَيْهَقِيّ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ سُلَيْمَانَ: مَعْنَى الْقِرَاءَتَيْنِ وَاحِدٌ، التَّقْدِيرُ: قِيلَ يَا مُحَمَّدُ بَلْ عَجِبْتَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُخَاطَبٌ بِالْقُرْآنِ قال النَّحَّاسُ: وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ ، وَإِضْمَارُ الْقَوْلِ كَثِيرٌ. قال الْبَيْهَقِيُّ: وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. الْمَهْدَوِيُّ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إِخْبَارُ اللَّهِ عَنْ نَفْسِهِ بِالْعَجَبِ مَحْمُولًا عَلَى أَنَّهُ أَظْهَرَ مِنْ أَمْرِهِ وَسُخْطِهِ عَلَى مَنْ كَفَرَ بِهِ مَا يَقُومُ مَقَامَ الْعَجَبِ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ، كَمَا يُحْمَلُ إِخْبَارُهُ تَعَالَى عَنْ نَفْسِهِ بِالضَّحِكِ لِمَنْ يَرْضَى عَنْهُ عَلَى مَا جَاءَ فِي الْخَبَرِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى أَنَّهُ أَظْهَرَ لَهُ مِنْ رِضَاهُ عَنْهُ مَا يَقُومُ لَهُ مَقَامَ الضَّحِكِ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ مَجَازًا وَاتِّسَاعًا".
كل هذا فرار عن إثبات هذه الصفات الفعلية لله -جل وعلا- التي ثبتت له في كتابه وعلى سنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، ومذهب أهل الحق أهل السنة والجماعة من سلف هذه الأمة وأئمتها الإثبات على ما يليق بجلاله وعظمته من غير دخول في تفاصيل هذه الصفات، وكيفيتها بأن نقف على ما سمعنا.
طالب:........
هذا صحيح، لكن لما كُمِّل فما يُدرى من كلامه، أو من تأويل من فهم كلامه.
طالب: العقيدة يا شيخ.
ما أدري الآن بالتفصيل ما أدري.
"قَالَ الْهَرَوِيُّ: وَيُقَالُ مَعْنَى (عَجِبَ رَبُّكُمْ) أَيْ: رَضِيَ وَأَثَابَ، فَسَمَّاهُ عَجَبًا وَلَيْسَ بِعَجَبٍ فِي الْحَقِيقَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَيَمْكُرُ اللَّهُ} مَعْنَاهُ وَيُجَازِيهِمُ اللَّهُ عَلَى مَكْرِهِمْ، وَمِثْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: «عَجِبَ رَبُّكُمْ مِنْ إِلِّكُمْ وَقُنُوطِكُمْ». وَقَدْ يَكُونُ الْعَجَبُ بِمَعْنَى وُقُوعِ ذَلِكَ الْعَمَلِ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا. فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ: {بَلْ عَجِبْتُ} بَلْ عَظُمَ فِعْلُهُمْ عِنْدِي. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مَعْنَى حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ– يَقُولُ: «عَجِبَ رَبُّكَ مِنْ شَابٍّ لَيْسَتْ لَهُ صَبْوَةٌ»، وَكَذَلِكَ مَا خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ– قَالَ: « عَجِبَ اللَّهُ مِنْ قَوْمٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ فِي السَّلَاسِلِ» قال الْبَيْهَقِيّ: وَقَدْ يَكُونُ هَذَا الْحَدِيثُ وَمَا وَرَدَ مِنْ أَمْثَالِهِ أَنَّهُ يَعْجَبُ مَلَائِكَتُهُ مِنْ كَرَمِهِ وَرَأْفَتِهِ بِعِبَادِهِ، حِينَ حَمَلَهُمْ عَلَى الْإِيمَانِ بِهِ بِالْقِتَالِ وَالْأَسْرِ فِي السَّلَاسِلِ، حَتَّى إِذَا آمَنُوا أَدْخَلَهُمُ الْجَنَّةَ. وَقِيلَ: مَعْنَى {بَلْ عَجِبْتُ} بَلْ أَنْكَرْتُ. حَكَاهُ النَّقَّاشُ. وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: التَّعَجُّبُ مِنَ اللَّهِ إِنْكَارُ الشَّيْءِ وَتَعْظِيمُهُ، وَهُوَ لُغَةُ الْعَرَبِ. وَقَدْ جَاءَ فِي الْخَبَرِ عَجِبَ رَبُّكُمْ مِنْ إِلِّكُمْ وَقُنُوطِكُمْ {وَيَسْخَرُونَ}".
يعني فُسر الإل بأنه شدة القنوط، تمام الحديث من وقرب غِيَرِهِ يعني أنتم تقنطون، وتيأسون، وتغيير الله -جل وعلا- قريب، لكن عليكم بذل السبب وانتفاء المانع، والذي عند الله قريب.
"{وَيَسْخَرُونَ} قِيلَ: الْوَاوُ وَاوُ الْحَالِ، أَيْ: عَجِبْتُ مِنْهُمْ فِي حَالِ سُخْرِيَتِهِمْ. وَقِيلَ: تَمَّ الْكَلَامُ عِنْدَ قَوْلِهِ: بَلْ عَجِبْتَ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ فَقَالَ: {وَيَسْخَرُونَ} أَيْ: مِمَّا جِئْتَ بِهِ إِذَا تَلَوْتَهُ عَلَيْهِمْ. وَقِيلَ: يَسْخَرُونَ مِنْكَ إِذَا دَعَوْتَهُمْ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذَا ذُكِّرُوا أَيْ: وُعِظُوا بِالْقُرْآنِ فِي قَوْلِ قَتَادَةَ: لَا يَذْكُرُونَ لَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: أَيْ: إِذَا ذُكِرَ لَهُمْ مَا حَلَّ بِالْمُكَذِّبِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَلَمْ يَتَدَبَّرُوا. {وَإِذَا رَأَوْا آيَةً} أَيْ مُعْجِزَةً {يَسْتَسْخِرُونَ} أَيْ يَسْخَرُونَ فِي قَوْلِ قَتَادَةَ. وَيَقُولُونَ: إِنَّهَا سِحْرٌ. وَاسْتَسْخَرَ وَسَخِرَ بِمَعْنًى، مِثْلٌ اسْتَقَرَّ وَقَرَّ، وَاسْتَعْجَبَ، وَعَجِبَ. وَقِيلَ: {يَسْتَسْخِرُونَ} أَيْ: يَسْتَدْعُونَ السُّخْرِيَةَ مِنْ غَيْرِهِمْ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يَسْتَهْزِئُونَ. وَقِيلَ: أَيْ: يَظُنُّونَ أَنَّ تِلْكَ الْآيَةَ سُخْرِيَةٌ. وَقَالُوا: {إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} أَيْ: إِذَا عَجَزُوا عَنْ مُقَابَلَةِ الْمُعْجِزَاتِ بِشَيْءٍ قَالُوا: هَذَا سِحْرٌ وَتَخْيِيلٌ وَخِدَاعٌ. أَئِذَا مِتْنَا أَيْ أَنُبْعَثُ إِذَا مِتْنَا؟ فَهُوَ اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ مِنْهُمْ وَسُخْرِيَةٌ. أَوَ آبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ أَيْ: أَوَتُبْعَثُ آبَاؤُنَا، دَخَلَتْ أَلِفُ الِاسْتِفْهَامِ عَلَى حَرْفِ الْعَطْفِ. وَقَرَأَ نَافِعٌ :أَوْ آبَاؤُنَا".
يحتاج إلى تقدير معطوف عليه، يحتاج إلى تقدير معطوف عليه، نعم.
"وَقَرَأَ نَافِعٌ: " أَوْ آبَاؤُنَا " بِسُكُونِ الْوَاوِ. وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي سُورَةِ (الْأَعْرَافِ). فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَو أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى} قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ نَعَمْ} أَيْ نَعَمْ تُبْعَثُونَ. وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ أَيْ: صَاغِرُونَ أَذِلَّاءُ، لِأَنَّهُمْ إِذَا رَأَوْا وُقُوعَ مَا أَنْكَرُوهُ فَلَا مَحَالَةَ يَذِلُّونَ. وَقِيلَ: أَيْ: سَتَقُومُ الْقِيَامَةُ وَإِنْ كَرِهْتُمْ، فَهَذَا أَمْرٌ وَاقِعٌ عَلَى رَغْمِكُمْ وَإِنْ أَنْكَرْتُمُوهُ الْيَوْمَ بِزَعْمِكُمْ. {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ} أَيْ صَيْحَةٌ وَاحِدَةٌ، قَالَهُ الْحَسَنُ وَهِيَ النَّفْخَةُ الثَّانِيَةُ. وَسُمِّيَتِ الصَّيْحَةُ زَجْرَةً؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهَا الزَّجْرُ أَيْ: يُزْجَرُ بِهَا كَزَجْرِ الْإِبِلِ وَالْخَيْلِ عِنْدَ السَّوْقِ. فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ أَيْ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ وَقِيلَ: الْمَعْنَى يَنْتَظِرُونَ مَا يُفْعَلُ بِهِمْ. وَقِيلَ: هِيَ مِثْلُ قَوْلِهِ: { فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُو}ا وَقِيلَ: أَيْ: يَنْظُرُونَ إِلَى الْبَعْثِ الَّذِي أَنْكَرُوهُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقَالُوا".
يعني ينظرون بعد أن كانوا أمواتًا، والميت لا ينظر بعد أن شخص بصره بقبض روحه لا ينظر إلا مكانه من الجنة، أو من النار على ما جاء في الأخبار، الأصل أن الميت بطلت حركاته وتعطلت أعضاؤه فلا يسمع، ولا يبصر، هذا الأصل، فإذا بعث فإذا هو ينظر.
"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ} نَادَوْا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْوَيْلِ؛ لِأَنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ يَعْلَمُونَ مَا حَلَّ بِهِمْ. وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ. وَزَعَمَ الْفَرَّاءُ أَنَّ تَقْدِيرَهُ: يَا وَيْ لَنَا، وَوَيْ بِمَعْنَى حُزْنٍ .قال النَّحَّاسُ: وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ لَكَانَ مُنْفَصِلًا، وَهُوَ فِي الْمُصْحَفِ مُتَّصِلٌ، وَلَا نَعْلَمُ".
يعني كما تقدم في تفسير {وَيْكَأَنَّهُ}.
"ولا نعلم أَحَدًا يَكْتُبُهُ إِلَّا مُتَّصِلًا. وَ{يَوْمَ الدِّينِ} يَوْمَ الْحِسَابِ. وَقِيلَ: يَوْمَ الْجَزَاءِ".
الويل هذا قالوا عذاب، كلمة عذاب نسأل الله، أو وادٍ في جهنم.
"{هَذَا يَوْم الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} قِيلَ: هُوَ مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، أَيْ: هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي كَذَّبْنَا بِهِ. وَقِيلَ: هُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى لَهُمْ. وَقِيلَ: مِنْ قَوْلِ الْمَلَائِكَةِ، أَيْ: هَذَا يَوْمُ الْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ فَيَبِينُ الْمُحِقُّ مِنَ الْمُبْطِلِ. فَفَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ".
الكلام على هذا طويل، فلنقف على هذا.