التعليق على تفسير القرطبي - سورة التحريم (03)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، قال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى:
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[سورة التحريم:6] فيه مسألة واحدة- وهي الأمر بوقاية الإنسان نفسه وأهله النار. قال الضحاك: معناه قوا أنفسكم، وأهلوكم فليقوا أنفسهم نارا. وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: قوا أنفسكم وأمروا أهليكم بالذكر والدعاء حتى يقيهم الله بكم. وقال علي رضي الله عنه وقتادة ومجاهد: قوا أنفسكم بأفعالكم وقوا أهليكم بوصيتكم. قال ابن العربي: وهو الصحيح، والفقه الذي يعطيه العطف الذي يقتضي التشريك بين المعطوف والمعطوف عليه في معنى الفعل، كقوله:
علفتها تبنا وماء باردا. وكقوله: ورأيت زوجك في الوغى ... متقلدا سيفا ورمحا
فعلى الرجل أن يصلح نفسه بالطاعة، ويصلح أهله إصلاح الراعي للرعية. ففي صحيح الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته فالإمام الذي على الناس راعٍ وهو مسؤول عنهم والرجل راعٍ على أهل بيته وهو مسؤول عنهم»."
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فما ذكره المؤلف رحمه الله تعالى في اختلاف الوقاية المطلوبة بين النفس والأهل، الإنسان يقي نفسه النار بمباشرة أسباب الوقاية، بالمباشرة، ويقي أهله النار بالتسبب، فيُنسب إليه الفعل في الحالين. المباشِر يُنسَب إليه الفعل، والمتسبب يُنسَب إليه الفعل، فهو مباشِر لأسباب الوقاية بالنسبة لنفسه ومتسبب لمباشرة أهله أسباب الوقاية، لأنه قال: والفقه الذي يعطيه العطف الذي يقتضي التشريك بين المعطوف والمعطوف عليه {قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} [سورة التحريم:6] الإنسان يقي نفسه بفعل ما يكون وقاية بينه وبين عذاب الله جل وعلا، لكن كيف يقي أهله بما يكون وقاية بينهم وبين عذاب الله جل وعلا إلا بالسبب بالتسبب. هو يبذل السبب، يباشر الأفعال التي تكون وقاية له من عذاب الله بالنسبة لنفسه ويتسبب في وجود هذه الأفعال بالنسبة لأهله، وحينئذ (قوا) يُضَمَّن ما يشمل المباشرة والتَّسَبُّب أو يُقَدَّر (قوا أنفسكم) يماشي، لكن قوا أهليكم يقدر فعل مناسب إما أن يُضمَّن قوا ما يشمل المباشرة والتسبب أو يُقَدَّر لأهليكم فعل يناسبه، كما أشار إلى قول إليه في قوله: كقوله علَّفْتَها تبنا وماء باردا، يعني وسقيتها ماء باردًا علَّفتها تبنا وسقيتها ماء باردا، لأن الفعل علَّفتها ما يصلح للماء. التبن يُعَلَّف أو يُعْلَف، لكن الماء البارد يُسْقَى ومثله البيت الذي يليه:
ورأيت زوجكِ في الوغى |
| متقلدا سيفا......... |
يعني ومتوشحا رمحا، لأن السيف والرمح يختلف وضعهما. على كل حال مثل هذا ظاهر لأن، الفعل يُنسَب للمباشِر ويُنسَب للمتسبب، كما يقال: حَفَر العامل البئر، هذا مباشِر، لكن: حفَر الأمير البئر، مباشِر أو متسبِّب؟ متسبِّب آمر به.
"وعن هذا عَبَّر الحسن في هذه الآية بقوله: يأمرهم وينهاهم. وقال بعض العلماء لما قال: {قُوا أَنفُسَكُمْ} [سورة التحريم:6] دخل فيه الأولاد، لأن الولد بعض منه. كما دخل في قوله تعالى: {وَلا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ} [سورة النــور:61] فلم.."
أفرد القرابات دون الأولاد، لأن بيت الولد بيت للوالد وغير الولد لا بد أن يُنَص عليه، وقد نُصَّ عليه.
"فلم يُفْرَدوا بالذكر إفراد سائر القرابات. فيُعِلِّمه الحلال والحرام، ويجنِّبه المعاصي والآثام، إلى غير ذلك من الأحكام. وقال -عليه السلام: «حق الولد على الوالد أن يحسن اسمه ويعلمه الكتابة ويزوجه إذا بلغ» وقال -عليه السلام: «ما نحل والد ولدا أفضل من أدب حسن» وقد روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي -صلى الله عليه وسلم: «مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع» خرجه جماعة من أهل الحديث. وهذا لفظ أبي داود. وخرَّج أيضًا عن سمرة بن جندب قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين فإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها» وكذلك يخبر أهله بوقت الصلاة ووجوب.."
التخريج، تخريج الحديث الأول.
طالب: .........
«حق الولد على الوالد..» ضعيف نعم «ما نحل والد..».
طالب: .........
يعني، أضعف من الذي قبله.
طالب: .........
عمرو بن شعيب؟ حديث عمرو بن شعيب؟
طالب: .........
إي، غير التخريج الأول.
طالب: .........
نعم، عمرو بن شعيب، خرَّجه جماعة من أهل الحديث.
طالب: .........
أخرجه أيضا.
طالب: .........
من حديث من حديث..
طالب: .........
قبله من حديث.. أخرجوه من حديث..
طالب: .........
ابن جندب عندنا!
طالب: .........
إي، غيره..
طالب: .........
يعني شاهد له؟
طالب: .........
سمرة بن جندب، صوابه سمرة بن معبد؟ ماذا يقول؟
طالب: .........
إي، ابن معبد، ما هو سمرة.
طالب: .........
إي، يعلَّق ويصحح، يُعَلَّق عليه: صوابه كذا.
"وكذلك يخبر أهله بوقت الصلاة ووجوب الصيام ووجوب الفطر إذا وجب، مستندا في ذلك إلى رؤية الهلال. وقد روى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوتر يقول: «قومي فأوتري يا عائشة» وروي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «رحم الله امرءًا قام من الليل فصلى فأيقظ أهله فإن لم تقم رش وجهها بالماء. رحم الله امرأة قامت من الليل تصلي وأيقظت زوجها فإذا لم يقم رشت على وجهه من الماء» ومنه قوله -صلى الله عليه وسلم: «أيقظوا صواحب الحُجَر». ويدخل هذا في عموم قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى} [سورة المائدة:2] وذكر القشيري أن عمر رضي الله عنه قال لما نزلت هذه الآية: يا رسول الله، نقي أنفسنا، فكيف لنبإ علينا؟ فقال: « تنهونهم عما نهاكم الله وتأمرونهم بما أمر الله». وقال مقاتل:
خرَّجه؟ ماذا يقول؟
طالب: .........
إي القشيري.
طالب: .........
يقول: نقي أنفسنا، يعني بمباشرة، ما يكون وقاية لنا فكيف بأهلينا؟ يعني بالتسبب ومع قوله: نقي أنفسنا، مثل هذا لا يصلح إلا بإعانة من الله جل وعلا، ولو تُرك الإنسان لحوله وطَوله وقوته ما استطاع أن يقي نفسه.
"وقال مقاتل: ذلك حق عليه في نفسه وولده وأهله وعبيده وإمائه. قال الكيا: فعلينا تعليم أولادنا وأهلينا الدين والخير، وما لا يستغنى عنه من الأدب. وهو قوله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [سورة طـه:132] ونحو قوله تعالى للنبي -صلى الله عليه وسلم: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [سورة الشعراء:214] وفي الحديث: «مروهم بالصلاة وهم أبناء سبع». {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [سورة البقرة:24] تقدم في سورة البقرة القول فيه. {عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ} [سورة التحريم:6] يعني الملائكة الزبانية غلاظ القلوب لا يرحمون إذا استرحموا، خلقوا من الغضب، وحبب إليهم عذاب الخلق كما حبب لبني آدم أكل الطعام والشراب. شداد أي شداد الأبدان. وقيل: غلاظ الأقوال شداد الأفعال. وقيل غلاظ في أخذهم أهل النار شداد عليهم. يقال: فلان شديد على فلان، أي قوي عليه يعذبه بأنواع العذاب. وقيل: أراد بالغلاظ ضخامة أجسامهم، وبالشدة القوة. قال ابن عباس: ما بين منكبي الواحد منهم مسيرة سنة، وقوة الواحد منهم أن يضرب بالمقمع فيدفع بتلك الضربة سبعين ألف إنسان في قعر جهنم. وذكر ابن وهب قال: وحدثنا عبد الرحمن بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خزنة جهنم: «ما بين منكبَي أحدهم كما بين المشرق والمغرب»."
ماذا قال عنه؟
طالب: .........
ما فيه شك أن أحوال الآخرة تختلف اختلافا كبيرا عن أحوال الدنيا. وقد جاء في ضرس الكافر أنه مثل الجبل الكبير، مثل جبل أحد ضرس. وجاء في أوصاف أخرى تدل على شيء من الأمور المهولة التي لا يحتملها العقل إذا قارنها بأمور الدنيا، لكن عليه أن يرضى ويسلم، ليس له أن يناقش مثل هذه الأمور، لأنه إذا كان ضرس الكافر مثل الجبل العظيم، فكيف ببقية بدنه وجسمه؟ وإذا كان هذا لفرد، فكيف بجميع من يدخل النار. المقصود أن الإنسان قد يقع في نفسه شيء كما وقع في نفس من قال: إذا كانت الجنة عرضها السموات والأرض فأين تكون النار؟! الله جل وعلا الذي يعطي آخر من يدخل الجنة، قالوا له: تمنى فيتمنى، تنقطع به الأماني، آخر من يدخل الجنة، فيقال له: أترضى أن يكون لك مثلُ مُلْك أعظم مَلِك من ملوك الدنيا؟ يعني تصوَّر هذا قيل له مثل هارون الرشيد، قال: إي ورب إي يا رب، فيقال: لك مثله ومثله ومثله إلى أن بلغ عشرة أمثاله. هذا آخر من يدخل الجنة ويخرج من النار، فكيف بأوَّلهم؟ كيف بباقيهم؟ كيف بمجموعهم إذا كان هذا فرد؟ القدرة الإلهية لا يمكن أن تدركَها الأفهام ولا تبلغها الأوهام.
طالب: .........
على كل حال، غلاظ شداد ما أعظم من هذا؟! غلاظ شداد، ما فيه أشد من هذا، إي لكن لا بد أن يكون خلقهم مناسبًا وأجسامهم مناسبة لمثل هذا.
طالب: .........
إي، ما هو ببعيد، ما هو ببعيد.
طالب: .........
المسؤولية لا شك أنه كل ما قرب الإنسان من الشخص عظمت مسؤوليته عليه، فأقرب الناس أحق ببذل الجهد لإنقاذه من النار، ولذلك لما نزل قول الله جل وعلا: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [سورة الشعراء:214] بدأ النبي -عليه الصلاة والسلام- بأقرب الناس إليه يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار لا أغني عنك من الله شيئا. يا صفية عمة رسول الله افعلي... يا فلان يا فلان... الأقرب فالأقرب، لأنه قد لا يستوعب جهد الإنسان أن يشمل الجميع، فيبدأ بالأقرب.
"قوله تعالى: {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ} [سورة التحريم:6] أي لا يخالفونه في أمره من زيادة أو نقصان. {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [سورة النحل:50] أي في وقته، فلا يؤخرونه ولا يقدمونه. وقيل أي لذتهم في امتثال أمر الله، كما أن سرور أهل الجنة في الكون في الجنة، ذكره بعض المعتزلة. وعندهم أنه يستحيل التكليف غدا. ولا يخفى معتقد أهل الحق في أن الله يكلف العبد اليوم وغدا، ولا ينكر التكليف في حق الملائكة. ولله أن يفعل ما يشاء. قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا} [سورة التحريم:7]."
انقطاع التكليف بالموت بالنسبة للمكلفين من الجن والإنس، تكليفهم ينقطع بالموت. وأما بالنسبة للملائكة فهم يؤمرون، وكلٌّ فيما يناسبه: ملائكة العذاب يؤمرون بما يناسبهم وملائكة الرحمة يؤمرون ويوكل إليهم ما يناسبهم، وهذا فيه نوع تكليف.
طالب: .........
إي، أهل البرزخ امتحان في البرزخ، إي.
"قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ} [سورة التحريم:7] فإن عذركم لا ينفع. وهذا النهي لتحقيق اليأس. {إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [سورة الطور:16] في الدنيا. ونظيره: {فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يَنفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} [سورة الروم:57] وقد تقدم.
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً} [سورة التحريم:8] فيه مسألتان: الأولى- قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ} [سورة التحريم:8] أمر بالتوبة وهي فرض على الأعيان في كل الأحوال وكل الأزمان. وقد تقدم بيانها والقول فيها في النساء وغيرها. {تَوْبَةً نَّصُوحاً} [سورة التحريم:8] اختلفت عبارة العلماء وأرباب القلوب في التوبة النصوح على ثلاثة وعشرين قولا، فقيل: هي التي لا عَودة بعدها كما لا يعود اللبن إلى الضرع."
يعني إلى الذنب، لا عودة بعدها إلى الذنب الذي ارتكبه.
"وروي عن عمر وابن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل رضي الله عنهم. ورفعه معاذ إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وقال قتادة.."
خرَّجه؟
طالب: .........
"وقال قتادة: النصوح الصادقة الناصحة. وقيل الخالصة، يقال: نصح أي أخلص له القول. وقال الحسن: النصوح أن يبغض الذنب الذي أحبه ويستغفر منه إذا ذكره. وقيل: هي التي لا يثق بقبولها ويكون على وجل منها. وقيل: هي التي لا يحتاج معها إلى توبة. وقال الكلبي: التوبة النصوح الندم بالقلب، والاستغفار باللسان، والإقلاع عن الذنب، والاطمئنان على أنه لا يعود. وقال سعيد بن جبير: هي التوبة المقبولة، ولا تقبل ما لم يكن فيها ثلاثة شروط: خوف ألا تقبل، ورجاء أن تقبل، وإدمان الطاعات. وقال سعيد بن المسيب: توبة تنصحون بها أنفسكم. وقال القرظي: يجمعها أربعة أشياء: الاستغفار باللسان، وإقلاع بالأبدان، وإضمار ترك العود بالجنان، ومهاجرة سيئ الخلان. وقال سفيان الثوري: علامة التوبة النصوح أربعة: القلة والعلة والذلة والغربة. وقال الفضيل بن عياض: هو أن يكون الذنب بين عينيه، فلا يزال كأنه ينظر إليه. ونحوه عن ابن السماك: أن تنصب الذنب الذي أقللت فيه الحياء من الله أمام عينك وتستعد.."
لمنتَظِرك الذي هو الموت.
"وتستعد لمنتَظِرك."
الذي هو الموت.
"وقال أبو بكر الوراق: هو أن تضيق عليك الأرض بما رحبت، وتضيق عليك نفسك، كالثلاثة الذين خلفوا. وقال أبو بكر الواسطي: هي توبة لا لفقد عوض، لأن من أذنب في الدنيا لرفاهية نفسه ثم تاب طلبا لرفاهيتها في الآخرة، فتوبته على حفظ نفسه لا لله."
لا بد أن تكون التوبة خالصة لوجهه جل وعلا ومع ذلك لا إشكال في ملاحظة ما جاء في النصوص. لا يؤثِّر ولا يخدش في الإخلاص ملاحظة ما جاءت به النصوص. فكون الإنسان يتوب لينجو من عذاب الله، كونه يتوب ليتنعَّم في الجنة، هذا لا إشكال، لأن النصوص جاءت بها، وكون الإنسان يقول هذا الذكر من أجل أن يحفظه الله جل وعلا، لأنه رتَّب الحفظ على هذا الذكر... لو كان فيه شيء من المحظور لما جاءت به النصوص وما ذكر إلا لأن ملاحظته لا تؤثِّر في الإخلاص يعني يحصل الإخلاص مع هذا. والذي يتوب إلى الله جل وعلا خشية من عذابه فهو خشية لله جل وعلا وقصدا لثوابه، فرارا من عقابه، وهذا لا يمنع ولا ينافي الإخلاص. وقلنا مرارا أن الشخص الذي يرى آخر وبيده سيف مثلا، هل خشيته من السيف أو من حامل السيف؟ من حامل السيف، فالذي يخشى عذاب الله في النار هو في الحقيقة يخشى الله جل وعلا الذي يعذِّب بالنار. فمثل هذا ملاحظة هذه الأمور لا تقدح، وعلى كل حال، الإخلاص لله جل وعلا شرط في صحة التوبة مع الإقلاع عن الذنب فورًا والندم على ما فات والعزم على ألا يعود. وإذا كان الذنب يتعلق بمخلوق، فلا بد من إبراء الذمة من هذا الحق، إما بإرجاعه أو بتوفيته ما يساويه ويعادله، أو بالطلب طلب السماح منه وإبراؤه منه.
طالب: .........
القلة: التقلل من الدنيا، والعلة يعني: كون الإنسان يعيش بين الناس كأنه عليل من إشفاقه وخوفه، والذلة: يتذلل بين الناس بمعنى أنه لا يتكبَّر بينهم ويتجبَّر، يعني يتواضع، والغربة: يعمل بوصيته -عليه الصلاة والسلام- «كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ» على كل حال معروفة التوبة. وابن القيم رحمه الله أطال في منزلة التوبة في مدارج السالكين، أطال إطالة يعني تشفي، وفي نهاية المطاف قال: احرص على هذا الموضع فعلَّك ألا تجده في مصنَّف آخر ألبتة. ابن القيم وغيره من أهل العلم حينما يقولون مثل هذا الكلام لا يقصدون بذلك يعني الاغترار بما فعلوه وصنعوه أو ألفوه وصنفوه والترفع به على الخلق، وإنما يقصدون به إغراء طالب العلم أن يحرص على مثل هذا الكلام، فيستفيد ويستفيدوا من ورائه.
"وقال أبو بكر الوراق: هو أن تضيق عليك الأرض. وقال أبو بكر الدقاق المصري: التوبة النصوح هي رد المظالم، واستحلال الخصوم، وإدمان الطاعات. وقال رويم: هو أن تكون لله وجها بلا قفا، كما كنت له عند المعصية قفا بلا وجه. وقال ذو النون: علامة التوبة النصوح ثلاث: قلة الكلام، وقلة الطعام، وقلة المنام. وقال شقيق: هو أن يكثر صاحبها لنفسه الملامة، ولا ينفك من الندامة، لينجو من آفاتها بالسلامة. وقال سري.."
سَرِيُّ سَرِيُّ.
"وقال سَرِيُّ السَّقْطِي."
السَّقَطِيّ.
"وقال سري السقطي: لا تصلح التوبة النصوح إلا بنصيحة النفس والمؤمنين، لان من صحب توبته أحب أن يكون الناس مثله. وقال الجنيد: التوبة النصوح هي أن.."
هو.
" هو أن ينسى الذنب فلا يذكره أبدا، لأن من صحت توبته صار محبا لله، ومن أحب الله نسي ما دون الله. وقال ذو الأذنين: هو أن يكون لصاحبها دمع مسفوح، وقلب عن المعاصي جموح."
علَّق محقق الكتاب على قوله: وقال ذو الأذنين. قال: ذو الأذنين لقب أنس بن مالك رضي الله عنه، قال له النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك. قيل: معناه الحظ على حسن الاستماع والوعي. وقيل: إن هذا القول من جملة مزحه صلوات الله وسلامه عليه. إن صحَّ اللقب لأنس بن مالك فإن الكلام ليس مما يمشي على قاعدة الصدر الأوَّل في تفسير النصوص. نعم هو وُجِد في المتأخرين من المتصوفة وغيرهم بعض الكلام الذي مر بنا وكلام متصوفة، لكن لا يمنع أن يستفاد منه أن يكون لصاحبها دمع مسفوح وقلب عن المعاصي جموح هذا مناسب للقرن الثالث يعني مثل ما ينقل أبو نعيم في الحلية عمن يترجم لهم كلام كثير من هذا النوع، لكن ما تجد في كلام الصحابة والتابعين مثل هذا على هذا النَّسَق.
طالب: .........
إي، ما عُرِف بها.
طالب: .........
لا لا، ما يلزم أن تكون، قد تكون صفة مدح. إذا قيل لشخص: يحسن الإنصات والاستماع يحسن الإنصات والاستماع صارت صفة مدح.. فيه تعليق عليها من التحقيقات الجديدة؟
طالب: .........
ما قال شيء؟
"وقال فتح الموصلي: علامتها ثلاث: مخالفة الهوى، وكثرة البكاء، ومكابدة الجوع والظمأ. وقال سهل بن عبد الله التَّسْتُرِي."
التُّسْتَري.
التُّسْتَرِي: هي التوبة لأهل السنة والجماعة، لأن المبتدع لا توبة له، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: «حجب الله على كل صاحب بدعة أن يتوب»."
هذا بالنسبة لشهادة الواقع أن أهل السنة، العاصي منهم يتوب، لأنه يعرف أنه مخالف والمبتدع في الغالب أنه لا يتوب، لأنه يحسب أنه يحسن صنعًا، فكيف يتوب مما يظنه حسنًا؟
ماذا قال..؟
طالب: .........
واضح، ضعفه ظاهر، لأن من المبتدعة من تاب، لكن الكلام على الغالب.
طالب: .........
لا، ولكن الكلام ما هو مناسب، ما هو أسلوب الصحابة هذا.
طالب: .........
نعم، وضعه هنا ما يناسب واللفظ أيضًا ليس من أسلوب الصحابة. هذه الأقوال كلها يعني مما يذكره ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين وغيره من مصنفاته وشيخ الإسلام أيضًا له عناية بأقوال المعتدلين من المتصوفة.
"وعن حذيفة: بحسب الرجل من الشر أن يتوب من الذنب ثم يعود فيه. وأصل التوبة النصوح من الخلوص، يقال: هذا عسل ناصح إذا خلص من الشمع. وقيل: هي مأخوذة من النصاحة وهي الخياطة. وفي أخذها منها وجهان: أحدهما- لأنها توبة قد أحكمت طاعته وأوثقتها كما يحكم الخياط الثوب بخياطته ويوثقه. والثاني.."
لأن الذنب مثل الفَتْق في حياة المسلم والتوبة ترفو وتخيط هذا الفتق كما يخيط الخياط فتق الثوب ونحوه.
"والثاني- لأنها قد جمعت بينه وبين أولياء الله وألصقته بهم، كما يجمع الخياط الثوب ويلصق بعضه ببعض. وقراءة العامة نصوحا بفتح النون، على نعت التوبة، مثل امرأة صبور، أي توبة بالغة في النصح. وقرأ الحسن وخارجة وأبو بكر عن عاصم بالضم، وتأويله على هذه القراءة: توبة نصح لأنفسكم. وقيل: يجوز أن يكون نصوحا، جمع نصح، وأن يكون مصدرا، يقال: نصح نصاحة ونصوحا. وقد يتفق فعالة وفعول في المصادر، نحو الذهاب والذهوب. وقال المبرد: أراد توبة ذات نصح، يقال: نصحت نصحا ونصاحة ونصوحا.
الثانية- في الأشياء التي يتاب منها وكيف التوبة منها. قال العلماء: الذنب الذي تكون منه التوبة.."
الذي الذي...
"قال العلماء: الذنب الذي تكون منه التوبة لا يخلو، إما أن يكون حقا لله أو للآدميين. فإن كان حقا لله كترك صلاة فإن التوبة لا تصح منه حتى ينضم إلى الندم قضاء ما فات منها. وهكذا إن كان ترك صوم أو تفريطا في الزكاة. وإن كان ذلك قتل نفس بغير حق فأن يمكن من القصاص إن كان عليه وكان مطلوبا به. وإن كان قذفا يوجب الحد فيبذل ظهره للجلد إن كان مطلوبا به. فإن عفي عنه كفاه الندم والعزم على ترك العود بالإخلاص. وكذلك إن عفي عنه في القتل..."
والندم توبة، كما جاء في الخبر: «الندم توبة». وجاء في قصة ابني آدم: كان من النادمين. فهل كفاه هذا الندم؟ وكل قتيل يُقتل إلى يوم القيامة فعلى ابن آدم كِفْل من وِزْره، لأنه هو الذي سن القتل، فما كفاه ذلك الندم. فإما أن يقال أن الندم توبة في شرعنا وإما أن يقال إن ندمه على حمله لا على قتله. وهذا قول الأكثر. (فأصبح من النادمين).
"وكذلك إن عفي عنه في القتل بمال فعليه أن يؤديه إن كان واجدا له، قال الله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [سورة البقرة:178]. وإن كان ذلك حدا من حدود الله كائنا ما كان فإنه إذا تاب إلى الله تعالى بالندم الصحيح سقط عنه. وقد نص الله تعالى على سقوط الحد عن المحاربين إذا تابوا قبل القدرة عليهم. وفي ذلك دليل على أنها لا تسقط عنهم إذا تابوا بعد القدرة عليهم، حسب ما تقدم بيانه. وكذلك الشراب والسراق والزناة إذا أصلحوا وتابوا وعرف ذلك منهم، ثم رفعوا إلى الإمام فلا ينبغي له أن يحدهم. وإن رفعوا إليه فقالوا: تبنا، لم يتركوا، وهم في هذه الحالة كالمحاربين إذا غلبوا. هذا مذهب الشافعي. فإن كان الذنب من مظالم العباد فلا تصح التوبة منه إلا برده إلى صاحبه والخروج عنه- عينا كان أو غيره- إن كان قادرا عليه، فإن لم يكن قادرا فالعزم أن يؤديه إذا قدر في أعجل وقت وأسرعه. وإن كان أضر بواحد من المسلمين وذلك الواحد لا يشعر به أو لا يدري من أين أتي، فإنه يزيل ذلك الضرر عنه، ثم يسأله أن يعفو عنه ويستغفر له، فإذا عفا عنه فقد سقط الذنب عنه. وإن أرسل من يسأل ذلك له، فعفا ذلك المظلوم عن ظالمه- عرفه بعينه أو لم يعرفه."
عرَفه، عرَفه...
يعني ما يلزم أن يقال: ظلمك فلان. لو قال: أرسلني شخص يقول: إني ظلمتُ فلانا ويطلب المسامحة والعفو فعفا عنه، ما يلزم أن يعرف عينه أو اسمه. يكفي أنه سامحه إجمالا، لكن إذا كان عنده مال لشخص وأراد أن يستحله منه فلا بد أن يذكر قَدْره، لأنه قال: عندي لك مال، فتوقع صاحب المال أنه يسير فعفا عنه وهو في الواقع كثير. مثل هذا لا يكفي، ولا بد أن يبين له مقدار ذلك المال.
طالب: .........
إن كان مطلوبا به، يعني طالبه أهله بحثوا عنه، فلم يجدوه. وإن كان ماذا؟ بعده..
طالب: .........
يمكِّن ظهره.
طالب: .........
هذا حق مخلوق، إن طولب به، عليه أن يمكِّن ولا يُنكِر إن طولب وأنكر. أما إذا طولب فالمخلوق ما طالب بحقه، فلا يقام الحد، ولو عرفت عينه.
طالب: .........
على كل حال، هو ارتكب ذنب، والذنب فيه حق لله وحق للمخلوق. فالتوبة تسقط حق الله ويبقى حق المخلوق. فإذا عفا عنه انتهى. وإذا لم يطالِب به فيتوب بينه وبين ربه ويدعو لمن قذفه، مثل الغيبة.
طالب: .........
على كل حال، إذا كان مثل ما قالوا في التوبة من الغيبة أنه إذا كان المغتاب الذي اغتيب إذا طُلِب منه العفو والمسامحة ترتب على ذلك شر وضرر عظيم ومثل هذا يدعى له ويمدح في المواطن التي اغتيب فيها، وإذا كان الأمر عنده سهل ويمكن أن يبلَّغ بما حصل ويعفو ويسامح، هو الأصل.
طالب: .........
أين؟
طالب: .........
كل ذنب في الأصل قادح في الأصل، أن كل ذنب خلل، لكن إذا تاب منه تاب الله عليه «التوبة تهدم ما كان قبلها».
"وإن أرسل من يسأل ذلك له، فعفا ذلك المظلوم عن ظالمه- عرفه بعينه أو لم يعرفه- فذلك صحيح. وإن أساء رجل إلى رجل بأن فزعه بغير حق، أو.."
غمَّه.
"غَمَّه أو لطمه، أو صفعه بغير حق، أو ضربه بسوط فآلمه، ثم جاءه مستعفيا نادما على ما كان منه، عازما على ألا يعود، فلم يزل يتذلل له حتى طابت نفسه فعفا عنه، سقط عنه ذلك الذنب. وهكذا إن كان شانه بشتم لا حد فيه.."
ذُكِر عن ابن شهاب الزهري أن عفو المخلوق عن ظالمه لا يكفي، بل لا بد من رد المظلمة ولا بد من التمكين مِن أخْذ مِن القصاص إذا كان بشيء يؤثر، إما بضرب أو شتم أو ما أشبه ذلك، يُمَكَّن من القصاص. والعفو هذا ما يكفي، لكن عامة أهل العلم على خلافه وأن ذلك يجزي والحق له ولا يعدوه، فإن سامحه وعفا عنه قُبِل.
طالب: .........
أو الإحراج أو الإحراج، كثير من الناس إحراج يعفو وهو في قرارة قلبه ما يعفو. الناس ما لهم إلا الظاهر.
طالب: .........
يقع، نعم.
طالب: .........
إذا حللت خذ حقك، اصنع ما شئت.
طالب: .........
على كل حال، يقفون بين يدي حكَم عدْل.
طالب: .........
لا، إذا كان إذا كان المظلوم لا يتصور مقدار المظالم وفيها الأموال وفيها الأعراض وفيها كذا، لا بد من التفصيل ليقع الحل موافق للمظالم.
"قوله تعالى: {عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [سورة التحريم:8] عسى من الله واجبة."
هذا الأصل عسى من الله واجبة، يعني أمر أوجبه الله جل وعلا على نفسه إلا فيما مضى {عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ} [سورة التحريم:5] هذه كما قالوا: ليست بواجبة لأنها معلَّقة.
"وهو معنى قوله -عليه السلام: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له». وأن في موضع رفع اسم عسى. قوله تعالى: (ويدخلكم) معطوف على يكفر. وقرأ ابن أبي عبلة (ويدخلكم) مجزوما عطفا على محل عسى أن يكفر. كأنه قيل: توبوا يوجب تكفير سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار. {يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ} [سورة التحريم:8] العامل في يوم: يدخلْكم أو فعل مضمر. ومعنى يخزي هنا يعذِّب، أي لا يعذِّبه ولا يعذب الذين آمنوا معه، {نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} [سورة التحريم:8] تقدم في سورة الحديد. {يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [سورة التحريم:8] قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما: هذا دعاء المؤمنين حين أطفأ الله نور المنافقين، حسب ما تقدم بيانه في سورة "الحديد".
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [سورة التوبة:73] فيه مسألة واحدة- وهو التشديد في دين الله. فأمره أن يجاهد الكفار بالسيف والمواعظ الحسنة والدعاء إلى الله. والمنافقين بالغلظة وإقامة الحجة، وأن يعرفهم أحوالهم في الآخرة، وأنهم لا نور لهم يجوزون به الصراط مع المؤمنين. وقال الحسن: أي جاهدهم بإقامة الحدود عليهم، فإنهم كانوا يرتكبون موجبات الحدود. وكانت الحدود تقام عليهم."
لكن مثل هذه الآية لا تعجب بعض الكتبة اليوم الذين يكتبون حول التسامح والتعايش والتنازل والمداهنة. {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [سورة التوبة:73] ماذا يكتب الآن؟! ضد هذا الذي يُكتَب ويُطالَب به، والله المستعان. نعم الضعف له ظروفه والإثارة في مثل هذه الأوقات، أوقات الضعف، يجب اجتنابها لئلا تجر إلى مآسي وكوارث، لكن ينبغي أن نقف عند الحد. المداراة مطلوبة والمداهنة محرَّمة. {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [سورة القلم:9] وفرق بين المداراة والمداهنة.
طالب: .........
إي، ما يمنع أنه إذا طال الفصل يعيد تفسيرها وإذا قَرُب يكون القارئ على ذكر منه.
"{وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ} [سورة التوبة:73] يرجع إلى الصنفين. {وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [سورة البقرة:126] أي المرجع.
قوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} [سورة التحريم:10]. ضرب الله تعالى هذا المثل تنبيها على أنه لا يغني أحد في الآخرة عن قريب ولا نسيب إذا فرق بينهما الدين. وكان اسم امرأة نوح والهة، واسم امرأة لوط والعة، قاله مقاتل. وقال الضحاك عن عائشة رضي الله عنها: إن جبريل نزل على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره أن اسم امرأة نوح.."
واغلة.
"واغلة واسم امرأة لوط والهة."
لو كانت التسمية لها أثر لما أُهمِلَت في القرآن والسنة الصحيحة، لكن مثل هذه التسمية يعني تتبعها، إنما هو من الترف والقدر الزائد على العلم النافع.
"{فَخَانَتَاهُمَا} [سورة التحريم:10] قال عكرمة والضحاك: بالكفر. وقال سليمان بن رقية عن ابن عباس: كانت امرأة نوح تقول للناس إنه مجنون. وكانت امرأة لوط تخبر بأضيافه. وعنه: ما بغت امرأة نبي قط. وهذا إجماع من المفسرين فيما ذكر القشيري. إنما كانت خيانتهما في الدين وكانتا مشركتين. وقيل: كانتا منافقتين. وقيل: خيانتهما النميمة إذا أوحى الله إليهما شيئا أفشتاه إلى المشركين، قاله الضحاك. وقيل: كانت امرأة لوط إذا نزل به ضيف دخنت لتعلم.."
دخَّنَت، يعني أوقدت نارا لها دخان، فيخرج يصعد ويرتفع حتى يراه الناس.
"إذا نزل به ضيف دخنت لتعلم قومها أنه قد نزل به ضيف، لما كانوا عليه من إتيان الرجال. الرجال. {فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً} [سورة التحريم:10] أي لم يدفع نوح ولوط مع كرامتهما على الله تعالى عن زوجتيهما- لما عصتا- شيئا من عذاب الله، تنبيها بذلك على أن العذاب يدفع بالطاعة لا بالوسيلة..."
ولا بالقرابة. لا بالوسيلة ولا بالقرابة. فأقرب الناس إلى نوح ولده وزوجته لم يغنِ عنهما من الله شيئا. وبذل السبب ونصح وأدى الرسالة على أكمل وجه ومع ذلك النتيجة بيد الله جل وعلا، كما كان الحال مع عم النبي -عليه الصلاة والسلام- {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ} [سورة القصص:56]. فعلى الإنسان أن يبذل السبب والنتيجة بيد الله.
"ويقال: إن كفار مكة استهزءوا وقالوا: إن محمدا صلى الله عليه وسلم يشفع لنا، فبين الله تعالى أن شفاعته لا تنفع كفار مكة وإن كانوا أقرباء، كما لا تنفع شفاعة نوح لامرأته وشفاعة لوط لامرأته، مع قربهما لهما لكفرهما. وقيل لهما: ادخلا النار مع الداخلين في الآخرة، كما يقال لكفار مكة وغيرهم. ثم قيل: يجوز أن تكون امرأت نوح بدلا من قوله: مثلا على تقدير حذف المضاف، أي ضرب الله مثلا مثل امرأة نوح. ويجوز أن يكونا مفعولين.
قوله تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ} [سورة التحريم:11] واسمها آسية بنت مزاحم قال يحيى بن سلَّام: قوله: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا} [سورة التحريم:10] مثل ضربه الله يحذر به عائشة وحفصة في المخالفة حين تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ضرب لهما مثلا بامرأة فرعون ومريم بنة عمران، ترغيبا في التمسك بالطاعة والثبات على الدين. وقيل: هذا حث للمؤمنين على الصبر في الشدة، أي لا تكونوا في الصبر عند الشدة أضعف من امرأة فرعون حين صبرت على أذى فرعون. وكانت آسية آمنت بموسى. وقيل: هي عمة موسى آمنت به. قال أبو العالية: اطلع فرعون على إيمان امرأته فخرج على الملأ فقال لهم: ما تعلمون من آسية بنت مزاحم؟ فأثنوا عليها. فقال لهم: إنها تعبد ربا غيري. فقالوا له: اقتلها. فأوتد لها أوتادا وشديديها ورجليها فقالت: {رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ} [سورة التحريم:11] ووافق ذلك حضور فرعون، فضحكت حين رأت بيتها في الجنة. فقال فرعون: ألا تعجبون من جنونها! إنا نعذبها وهي تضحك، فقبض روحها. وقال سلمان الفارسي فيما روى عنه عثمان النهدي.."
أبو أبو عثمان أبو عثمان النهدي.
"فيما روى عنه أبو عثمان النهدي: كانت تعذب بالشمس، فإذا أذاها حر الشمس أظلتها الملائكة بأجنحتها. وقيل: سمر يديها ورجليها في الشمس ووضع على ظهرها رحى، فأطلعها الله. حتى رأت مكانها في الجنة. وقيل: لما قالت: {رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ} [سورة التحريم:11] أريت بيتها في الجنة يبنى. وقيل: إنه من درة، عن الحسن. ولما قالت: (ونجني) نجاها الله أكرم نجاة فرفعها إلى الجنة، فهي تأكل وتشرب وتتنعم. ومعنى (من فرعون وعمله)."
المعروف أنها كغيرها من البشر، ماتت، نعم أنها تُنَعَّم وروحها، وكما يُنَعَّم أهل الجنة في هذا المقام، في البرزخ ينعَّمون نعيما، لكن مسألة الأكل والشرب وبقية نعيم الجنة، معروف أنه إذا دخلوا الجنة. {رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً} [سورة التحريم:11] أشار بعضهم إلى أن في هذا اختيار الجار قبل الدار، فطلبت أن يكون البيت عنده جل وعلا قبل أن تذكر البيت طلبت الجوار {رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ} [سورة التحريم:11] ما قالت: بيتا عندك، تطلب الدار قبل الجار، العكس.
طالب: .........
الشهداء يأكلون ويشربون؟!
طالب: .........
يقول: رُفِعَت، نعم رفعها الله إلى الجنة، يعني نظير رفْع عيسى؟ لا.
"ومعنى {مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ} [سورة التحريم:11] تعني بالعمل الكفر. وقيل: من عمله من عذابه وظلمه وشماتته. وقال ابن عباس: الجماع. {وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [سورة التحريم:11] قال الكلبي: أهل مصر. مقاتل: القبط. قال الحسن وابن كيسان: نجاها الله أكرم نجاة، ورفعها إلى الجنة، فهي فيها تأكل وتشرب."
مثل ما مضى.
"قوله تعالى: {وَمَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ} [سورة التحريم:12] أي واذكر مريم. وقيل: هو معطوف على امرأة فرعون. والمعنى: وضرب الله مثلا لمريم بنة عمران وصبرها على أذى اليهود. {الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} [سورة الأنبياء:91] أي عن الفواحش. وقال المفسرون: إنه أراد بالفرج هنا الجيب لأنه قال: {فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا} [سورة التحريم:12] وجبريل عليه السلام إنما نفخ في جيبها ولم ينفخ في فرجها. وهي.."
الآية صريحة في أن الإحصان للفرج {أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} [سورة الأنبياء:91]، فلا داعي أن يقال أن المراد بالفرج.. نعم الفرج يراد به في الأصل الشَّق والجِيْب شَقٌّ في الثوب، لكن المراد بالفرج إذا أُطلِق، لاسيما وقد اقترن بالإحصان، أنه الفرج المعروف.
"في قراءة أبي فنفخنا في جيبها من روحنا. وكل خرق في الثوب يسمى جيبا، ومنه قوله تعالى.."
أو قال: يسمى فرجًا. كل خرق في الثوب يسمى فرجا، ومنه قوله تعالى: (وما لها من فروج) يعني شقوق.
طالب: يسمى فرجا؟
يسمى فرج، لعل المراد فرجا، لأن التمثيل بالآية يدل على هذا.
"وكل خرق"
ومنه الفرجة، الفرجة تكون في الجدار والخوخة، يعني الشق والفتحة.
"وكل خرق في الثوب يسمى فرجا، ومنه قوله تعالى: {وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ} [سورة ق:6] ويحتمل أن تكون أحصنت فرجها ونفخ الروح في جيبها. ومعنى فنفخنا: أرسلنا جبريل فنفخ في جيبها من روحنا أي روحا من أرواحنا وهي روح عيسى. وقد مضى في آخر سورة "النساء" بيانه.."
والإضافة هنا ليست من باب إضافة الجزء، وإنما هي إضافة تشريف.
" وقد مضى في آخر سورة "النساء" بيانه مستوفى والحمد لله. {وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا} [سورة التحريم:12] قراءة العامة: وصدّقت بالتشديد وقرأ حُمَيد والأَمَوِي.."
والأُمَوِي الأُمَوِية.
"والأُمَوِي.."
نسبة إلى أُمَيَّة، وأما أبو الخير الإشبيلي أَمَوِي، نسبة إلى جبل بالأندلس، يقال له أَمَو بالفتح.
"وقرأ حميد والأُمَوِي: وصدَقت بالتخفيف. {بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا} [سورة التحريم:12] قول جبريل لها: {إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ} [سورة مريم:19] الآية. وقال مقاتل: يعني بالكلمات عيسى وأنه نبي وعيسى كلمة الله. وقد تقدم. وقرأ الحسن وأبو العالية (بكلمة ربها وكتابه) وقرأ أبو عمرو وحفص عن عاصم "وكتبه" جمعا. وعن أبي رجاء" وكتبه" مخفف التاء. والباقون" بكتابه" على التوحيد. والكتاب يراد به الجنس، فيكون في معنى كل كتاب أنزل الله تعالى."
يعني، مفرد مضاف، فيعم.
"{وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} [سورة التحريم:12] أي من المطيعين. وقيل: من المصلين بين المغرب والعشاء. وإنما لم يقل من القانتات، لأنه أراد وكانت من القوم القانتين. ويجوز أن يرجع هذا إلى أهل بيتها، فإنهم كانوا مطيعين لله. وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لخديجة وهي تجود بنفسها: «أتكرهين ما قد نزل بك ولقد جعل الله في الكره خيرا فإذا قدمتِ على ضرّاتكِ فأقرئيهن مني السلام مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم وكُلَيْمَة -أو قال حَكِيْمَة- بنت عمران أخت موسى ابن عمران». فقالت: بالرفاء والبنين يا رسول الله."
مخرَّج؟
طالب: .........
وروى..
"وروى قتادة عن أنس عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «حسبك من نساء العالمين أربع: مريم مريمُ بنت عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وآسية امرأة فرعون بنت مزاحم». وقد مضى في آل عمران الكلام في هذا مستوفى والحمد لله."
ماذا قال عن الأخير؟ حسبك..
طالب: .........
على كل حال الجمعة ما فيه درس ثم بعد ذلك لا يبقى إلا درس واحد فإن رأيتم نبدأ بسورة الملك أو نقف إلى ما بعد الحج فالأمر إليكم.
"