التعليق على تفسير القرطبي - سورة طه (05)
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
قال الإمام القرطبي –رحمه الله تعالى-:
قوله تعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مهدًا} [طه:53] الذي في موضع نعتٍ.
رفع، الذي في موضع رفع نعتٍ لربي.
الذي في موضع رفع نعتٍ لربي. أي لا يضل ربي الذي جعل. ويجوز أن يكون خبر ابتداءٍ مضمر أي هو الذي. ويجوز أن يكون منصوبًا بإضمار أعني. وقرأ الكوفيون (مهدًا) هنا، وفي (الزخرف).
تجويز الأوجه هذه؛ لأن الإعراب لا يظهر على الاسم الموصول، الذي مبني على السكون، وعلى هذا يجوز أن يعرب نعتًا لربي في قوله –جل وعلا-: {لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى*الَّذِي} [طه:53]، يجوز أيضًا أن يكون خبرًا لمبتدأ، أي هو الذي، وإعرابه منصوبًا بأعني سائغ.
وقرأ الكوفيون (مهدًا) هنا وفي (الزخرف) بفتح الميم وإسكان الهاء. والباقون (مهادًا) واختاره أبو عبيدٍ وأبو حاتم؛ لاتفاقهم على قراءة (ألم نجعل الأرض مهادا). قال النحاس: والجمع أولى؛ لأن مهدًا مصدر، وليس هذا موضع مصدرٍ إلا على حذف؛ أي ذات مهد. قال المهدوي: ومن قرأ مهدًا جاز أن يكون مصدرًا.
المهد والمهاد واحد، وهو معروفٌ بالنسبة للطفل يمهد في أيامه الأولى وهو ملازمٌ لمهاده ومهدهه، كما أن من على ظهر الأرض ملازمٌ لها كملازمة الطفل لمهده ومهاده، ولا فرق بين القراءتين، ولا يحتاج إلى تقدير، فالمهد والمهاد بمعنىً واحد، الذين أدخلوا الآيات، الأصل أن التفسير ما فيه آيات، هذا الأصل ما في آيات مقاطع، أما أجزاء من آيات يفسرها فهذا موجود في الأصل، لكن مقاطع آيتين، ثلاث آيات، أربع آيات هذه لا توجد في التفسير، الذين أدخلوا هذه الآيات في التفسير اعتمدوا على المصحف، مصحف يسمونه مصحف فاروق مطبوع بمصر، مصحف مضبوط ومتقن، لكنه يختلف، القراءة فيه تختلف عن القراءة التي اعتمدها المؤلف، فإذا تصرّف على هذا التصرف ينبغي أن تكون القراءة المعتمدة في الآيات المدخلة على قراءةٍ اعتمدها المؤلف.
ويمكن أن نقول مثل هذا في الفتح الباري، لما أدخلوا الأحاديث، والأصل أنه مجرد ما فيه أحاديث، الحافظ ابن حجر جرده من الأحاديث، فالذين أدخلوا حديث الصحيح في فتح الباري اعتمدوا على روايات لم يعتمدها المؤلف، ولذا يحصل إرباك عند الطالب حينما يقرأ ثمة شيئًا يختلف عما اعتمده الشارح، وهنا قوله تعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْدًا} [طه:53]، هذه قراءة المؤلف، والآيات التي أدخلها الطابع {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْدًا} [طه:53]، إذا حصل مثل هذا يحصل إرباك للطالب، فإذا تصرف في الكتب وأدخل فيها ما ليس منها في الأصل يؤتى بقراءةٍ أو بروايةٍ موافقة لما اعتمده المؤلف.
قال المهدوي: ومن قرأ: مهدًا جاز أن يكون مصدرًا. كالفرش أي مهد لكم الأرض مهدًا، وجاز أن يكون على تقدير حذف المضاف؛ أي ذات مهد. ومن قرأ (مهادًا) جاز أن يكون مفردًا كالفراش. وجاز أن يكون جمع (مهد) استُعمل استعمال الأسماء فكسر. ومعنى "مهادًا" أي فراشًا وقرارًا تستقرون عليها.
هو مشبه للمهد والمهاد الذي يلازمه الطفل في أول عمره، فمن على وجه الأرض ملازمٌ لها كملازمة الطفل لمهاده.
{وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا} [طه:53]، أي طرقًا. نظيره {والله جعل لكم الأرض بساطًا لتسلكوا منها سبلا فجاجا}. وقال تعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مهادًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الزخرف:10].
{وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} [طه:53] تقدم معناه، وهذا آخر كلام موسى، ثم قال الله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا بِهِ} [طه:53] وقيل: كله من كلام موسى. والمعنى فأخرجنا به أي بالحرث والمعالجة؛ لأن الماء المنزل سبب خروج النبات. ومعنى أزواجًا ضروبًا وأشباهًا.
يعني أخرجنا بالتسبب، والمنبت والمخرج الله –جل وعلا-، لكن قد يضاف الفعل إلى المتسبب فيه، وإن كان غير الفاعل الحقيقي.
أي أصنافًا من النبات المختلفة الأزواج والألوان. وقال الأخفش: التقدير أزواجًا شتى من نبات. قال: وقد يكون النبات شتى؛ فـ (شتى) يجوز أن يكون نعتًا لأزواج، ويجوز أن يكون نعتًا للنبات. وشتى مأخوذٌ من شت الشيء أي تفرق. يقال: أمرٌ شتٌ أي متفرق. وشت الأمر شتًّا وشتاتًا تفرق؛ واستشت مثله. وكذلك التشتت. وشتته تشتيتًا: فرقه. وأشت بي قومي أي: فرقوا أمري. والشتيت: المتفرق. قال رؤبة يصف إبلا:
جاءت معًا واطرقت شتيتًا وهي تثير الساطع السختيتا |
وثغر شتيتٌ أي مفلج. وقومٌ شتى، وأشياءٌ شتى، وتقول: جاؤوا أشتاتا؛ أي متفرقين؛ واحدهم شت، قاله الجوهري.
وشتت الله شملهم أي فرقهم، نعم.
قوله تعالى: {كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ} [طه:54] أمر إباحة. وارعوا من رعت الماشية الكلأ، ورعاها صاحبها رعاية؛ أي أسامها وسرحها؛ لازمٌ ومتعدٍّ. {إن في ذلك لآيات لأولي النهى} أي العقول. الواحدة نهية. قال لهم ذلك؛ لأنهم الذين ينتهى إلى رأيهم. وقيل: لأنهم ينهون النفس عن القبائح.
لاشك أن العقل ينهى صاحبه أن يرتكب ما لا يليق به، أو ما يتضرر به.
وهذا كله من موسى احتجاجٌ على فرعون في إثبات الصانع جوابًا لقوله: {قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى} [طه:49]. وبين أنه إنما يستدل على الصانع اليوم بأفعاله.
قوله تعالى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ} [طه:55] يعني آدم -عليه السلام-؛ لأنه خلق من الأرض، قاله أبو إسحاق الزجاج وغيره. وقيل: كل نطفةٍ مخلوقةٍ من التراب، على هذا يدل ظاهر القرآن. وروى أبو هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ‹‹ما من مولودٍ إلا وقد ذر عليه من تراب حفرته›› أخرجه أبو نعيمٍ الحافظ في باب ابن سيرين.
يعني في ترجمته من الحلية.
وقال: هذا حديثٌ غريبٌ من حديث عون لم نكتبه إلا من حديث أبي عاصمٍ النبيل، وهو أحد الثقات الأعلام من أهل البصرة. وقد مضى هذا المعنى مبينًا في سورة (الأنعام) عن ابن مسعود.
خرجه؟
طالب:........... إسناده ضعيف جدًّا .....
واضح، الضعف واضح، نعم.
طالب:...........
نعم. تنزيه الشريعة، هي في الأحديث الموضوعة في الشريعة لابن عراق كذا مطبوع في مجلدين.
وقال عطاءٌ الخراساني: إذا وقعت النطفة في الرحم انطلق الملك الموكل بالرحم فأخذ من تراب المكان الذي يدفن فيه فيذّره على النطفة فيخلق الله النسمة من النطفة ومن التراب؛ فذلك قوله تعالى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه:55].
إنا خلقناكم أي خلقنا أصلكم وهو آدم.
وفي حديث البراء عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: ‹‹إن العبد المؤمن إذا خرجت روحه صعدت به الملائكة فلا يمرون بها على ملأٍ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الطيبة، فيقولون: فلانٌ بن فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا، فيستفتحون لها فيفتح فيشيعه من كل سماءٍ مقربوها إلى السماء التي تليها، حتى ينتهي بها إلى السماء السابعة، فيقول الله -عز وجل-: اكتبوا لعبدي كتابًا في عليين، وأعيدوه إلى الأرض، فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارةً أخرى، فتعاد روحه في جسده›› وذكر الحديث.
الحديث مطول في ذكر الفريقين.
وقد ذكرناه بتمامه في كتاب (التذكرة)، وروي من حديث عليٍ -رضي الله عنه-، ذكره الثعلبي. ومعنى {وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} [طه:55]. أي بعد الموت. {وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ} [طه:55] أي للبعث والحساب. {تَارَةً أُخْرَى} [طه:55] يرجع هذا إلى قوله: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ} [طه:55] لا إلى {نُعِيدُكُمْ} [طه:55]. وهو كقولك: اشتريت ناقةً ودارًا وناقةً أخرى؛ فالمعنى: من الأرض أخرجناكم ونخرجكم بعد الموت من الأرض تارةً أخرى.
قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا} [طه:56] أي المعجزات الدالة على نبوة موسى، وقيل: حجج الله الدالة على توحيده فكذب وأبى أي لم يؤمن، وهذا يدل على أنه كفر عنادًا؛ لأنه رأى الآيات عيانًا لا خبرًا، نظيره {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلمًا وعلوا}.
قوله تعالى: {قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى} [طه:56] لما رأى الآيات التي أتاه بها موسى قال: إنها سحر؛ والمعنى: جئت لتوهم الناس أنك جئت بآيةٍ توجب اتباعك والإيمان بك، حتى تغلب على أرضنا وعلينا. فلنأتينك بسحرٍ مثله، أي لنعارضنك بمثل ما جئت به؛ ليتبين للناس أن ما أتيت به ليس من عند الله. فاجعل بيننا وبينك موعدًا هو مصدر؛ أي وعدًا. وقيل: الموعد اسمٌ لمكان الوعد؛ كما قال تعالى: {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر:43] فالموعد هاهنا مكان. وقيل: الموعد اسمٌ لزمان الوعد؛ كقوله تعالى: {إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ} [هود:81].
الصيغة صالحة للزمان والمكان، كالمقام مكان القيام، وزمان قيام، كلٌّ يقال له قيام.
فالمعنى: إجعل لنا يومًا معلومًا، أو مكانًا معروفًا. قال القشيري: والأظهر أنه مصدر، ولهذا قال: لا نخلفه. أي لا نخلف ذلك الوعد، والإخلاف أن يعد شيئًا ولا ينجزه. وقال الجوهري: والميعاد المواعدة والوقت والموضع، وكذلك الموعد. وقرأ أبو جعفر بن القعقاع وشيبة والأعرج: (لا نخلفه) بالجزم جوابًا لقوله: اجعل. ومن رفع فهو نعت لـ(موعد)، والتقدير موعدًا غير مخلف. مكانًا سوى قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة (سوى) بضم السين. والباقون بكسرها، وهما لغتان مثل عدًا وعدا وطوىً وطوى. واختار أبو عبيدٍ وأبو حاتم كسر السين؛ لأنها اللغة العالية الفصيحة.
أما سوى التي بمعنى الاستثناء غير، أو إلا فهي مكسورة، أما سوى بمعنى مستوٍ فيجوز فيها الوجهان، مكانٌ نستوي فيه نحن وإياك، نستوي فيه ومثلها سواء، {فانبذ إليهم على سواء} يعني نستوي في العلم بترك الوعد، ترك العهد، ونستوي في ذلك نحن وإياك، يعني من غير غدر ولا خيانة.
وقال النحاس: والكسر أعرف وأشهر. وكلهم نونوا الواو، وقد روي عن الحسن، واختلف عنه ضم السين بغير تنوين. واختلف في معناه فقيل: سوى هذا المكان، قاله الكلبي. وقيل مكانٌ مستويًا يتبين للناس ما بيّنا فيه، قال ابن زيد: ابن عباس: نصفًا. وقال مجاهد: منصفًا؛ وعنه أيضًا وقتادة: عدلًا بيننا وبينك.
يعني نستوي فيه نحن وإياك، بمعني أنهم يأخذون راحتهم لهم وله يستوون فيه، لا يظلم فيه أحد.
قال النحاس: وأهل التفسير على أن معنى سوى نصفٌ وعدل، وهو قولٌ حسن؛ قال سيبويه يقال: سوىً وسوى أي عدل؛ يعني مكانًا عدلًا؛ بين المكانين فيه النصفة؛ وأصله من قولك: جلس في سواء الدار بالمد أي في وسطها؛ ووسط كل شيء أعدله.
{فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ} [الصافات:55] يعني في وسطه.
وفي الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: ‹‹وكذلك جعلناكم أمة وسطا›› أي عدلاً.
يعني عدولًا خيارًا.
وقال زهير:
أرونا خطةً لا ضيم فيها يسوي بيننا فيها السواء |
وقال أبو عبيدة والقتبي: وسطًا بين الفريقين؛ وأنشد أبو عبيدة لموسى بن جابرٍ الحنفي:
وإن أبانا كان حل ببلدةٍ |
| سوىً بين قيسٍ قيس عيلان والفزر |
والفزر: سعد بن زيد مناة بن تميم. وقال الأخفش: (سوى) إذا كان بمعنى غير أو بمعنى العدل يكون فيه ثلاث لغات: إن ضممت السين أو كسرت قصرت فيهما جميعًا.
إن ضممت السين أو كسرت قصرت فيهما جميعًا.
إن ضممت السين أو كسرت قصرت فيهما جميعا. وإن فتحت مددت، تقول: مكانٌ سوى وسوى وسواء؛ أي عدلٌ ووسطٌ فيما بين الفريقين. قال موسى بن جابر:
وجدنا أبانا كان حلَّ ببلدةٍ |
البيت. وقيل: مكانًا سوى أي قصدًا؛ وأنشد صاحب هذا القول:
لو تمنت حبيبتي ما عدتني |
| أو تمنيت ما عدوت سواها |
وتقول: مررت برجلٍ سواك وسُواك وسوائك أي غيرك. وهما في هذا الأمر سواء، وإن شئت سواءان. وهم سواءٌ للجمع وهم أسواء؛ وهم سواسية مثل ثمانية على غير قياس. وانتصب مكانًا على المفعول الثاني لـ(جعل). ولا يحسن انتصابه بالموعد على أنه مفعولٌ أو ظرف له؛ لأن الموعد قد وصف، والأسماء التي تعمل عمل الأفعال إذا وصفت أو صغرت لم يسغ أن تعمل؛ لخروجها عن شبه الفعل.
لم ينبغِ أن تعمل لخروجها عن شبه الفعل.
طالب:..............
أين؟
طالب:..............
وتمنيت ما عدوت غيرها.
طالب:..............
يعني غيرها، ما في غيرها، لكن هنا الأسماء التي تعمل عمل الأفعال من المصدر واسم الفاعل واسم المفعول سيان، كلها تعمل عمل الفعل، لكن إذا وصفت لا ينبغي أن تعمل؛ لأنها أبعدت عن الفعل؛ لأن وصفها من مقتضيات الأسماء، والأصل في الاسم عدم العمل، والعمل من خصائص الأفعال وما يشبه الأفعال، فإذا وصف الاسم الذي مشتق في الأصل يعمل عمل فعله، مثل هذا إذا وصف أبعد عن مشابهة الفعل، وتمحض في الاسمية، والعمل إنما هو للأفعال.
ولم يحسن حمله على أنه ظرفٌ وقع موقع المفعول الثاني؛ لأن الموعد إذا وقع بعده ظرف لم تجره العرب مجرى المصادر مع الظروف، لكنهم يتسعون فيه كقوله تعالى: {إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ} [هود:81]. و{مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ} [طه:59].
واختلف في يوم الزينة، فقيل: هو يوم عيدٍ كان لهم يتزينون ويجتمعون فيه، قاله قتادة والسدي وغيرهما. وقال ابن عباسٍ وسعيدٍ بن جبير: كان يوم عاشوراء. وقال سعيد بن المسيب: يوم سوقٍ كان لهم يتزينون فيها؛ وقاله قتادة أيضًا. وقال الضحاك: يوم السبت.
وقيل: يوم عاشوراء، يوم عاشوراء ما عرفت مزيته إلا بعد إهلاك فرعون، كونها بعيدة.
وقيل: يوم النيروز؛ ذكره الثعلبي. وقيل: يومٌ يكسر فيه الخليج؛ وذلك أنهم كانوا يخرجون فيه يتفرجون ويتنزهون، وعند ذلك تأمن الديار المصرية من قبل النيل. وقرأ الحسن والأعمش وعيسى الثقفي والسلمي وهبيرة عن حفص: يوم الزينة بالنصب. ورويت عن أبي عمرو؛ أي في يوم الزينة إنجاز موعدنا. والباقون بالرفع على أنه خبر الابتداء.
وأن يحشر الناس ضحى أي وجمع الناس؛ فـ(أن) في موضع رفع على قراءة من قرأ (يوم) بالرفع. وعطف وأن يحشر يقوي قراءة الرفع؛ لأن أن لا تكون ظرفًا، وإن كان المصدر الصريح يكون ظرفًا كمقدم الحاج؛ لأن من قال: آتيك مقدم الحاج لم يقل: آتيك أن يقدم الحاج. قال النحاس: وأولى من هذا أن يكون في موضع خفض عطفًا على الزينة.
يعني أنه إذا دخلت عليه يؤول بمصدر وهو في موضع خفض.
والضحا مؤنثةٌ تصغرها العرب بغير هاء؛ لئلا يشبه تصغيرها ضحوة؛ قاله النحاس.
الضحى يصغر على ضحي.
وقال الجوهري: ضحوة النهار بعد طلوع الشمس، ثم بعده الضحى وهي حين تشرق الشمس؛ مقصورةٌ تؤنث وتذكر؛ فمن أنث ذهب إلى أنها جمع ضحوة؛ ومن ذكر ذهب إلى أنه اسمٌ على فعل مثل صردٌ ونغر؛ وهو ظرفٌ غير متمكن مثل سحر؛ تقول: لقيته ضحًا؛ وضحا إذا أردت به ضحا يومك لم تنونه، ثم بعده الضحاء ممدودٌ مذكر، وهو عند ارتفاع النهار الأعلى. وخص الضحى؛ لأنه أول النهار، فلو امتد الأمر فيما بينهم كان في النهار متسع.
الخلاف لو كان عصرًا، حينئذٍ لو امتد الزمان معهم جاء الليل.
وروي عن ابن مسعودٍ والجحدري وغيرهما (وأن يحشر الناس ضحا) على معنى: وأن يحشر الله الناس ونحوه. وعن بعض القراء (وأن تحشر الناس) المعنى: وأن تحشر أنت يا فرعون الناس، وعن الجحدري أيضًا (وأن نحشر) بالنون، وإنما واعدهم ذلك اليوم؛ ليكون علو كلمة الله، وظهور دينه، وكبت الكافر، وزهوق الباطل على رءوس الأشهاد، وفي المجمع الغاص.
نعم. إذا شهدوا الدلائل والعلامات الدالة على صدقه آمنوا بخلاف ما إذا كانت هذه المناظرة بينهما، والمقاولة بينهما منفردين، مثل هذا لا يطلع عليه أحد فلا يؤدي النتيجة المرجوة؛ لأنه قد لا يرجى نفس الخصم، وإنما يرجى بعض الحضور، قد يكون حصر الخصم ميؤوسًا منه، لكن من يطلع على مثل هذا يستفيد؛ لأنه قد يقول قائل يمكن أن يستدل بمثل هذا على مناظرات، المناظرات تلقى بين الجموع؛ ليكثر المستفيد منها، نقول: هذه المناظرات إن كانت بين محق ومبطل فلا تكون بين عموم المسلمين؛ لأن الإسلام مضمون. ويبقى أن هذه المناظرات تؤثر عليهم سلبًا بحيث يطلعون على شبه العدو والخصم قد يتأثر بها بعضهم، هو مستفيد، لكن إذا كانت في غير بلاد المسلمين، بين مسلم يناظر غيره، فالذي يستفيد من غير المسلم من مكسب، بينما لو صارت المناظرة في بلاد المسلمين الذي يكسب من؟
الإسلام مضمون بين هؤلاء. فلا تطلب دعوته من خلال هذه المناظرة، إنما يستفيد الخصم، يستفيد واحدًا على الأقل. يقتنع بشبهه من هذه الشبه، بينما لو كانت المناظرة في غير بلاد المسلمين كانوا علنًا أفضل؛ لأن الأصل فيهم كفار إذا استفاد منهم واحد فمكسب. مثل هذا ما ذهب إليه موسى -عليه السلام- أنه أراد أن يحشر الناس؛ ليستفيد منهم من يستفيد، لكن لو كانوا كلهم على الإسلام فما يحسن أن يلقى بينهم شبه، لو يضل واحد بسبب هذه الشبه فهذا مكسب للخصم، ففرقٌ بين هذا وهذا.
لتقوى رغبة من رغب في الحق. ويكل حد المبطلين وأشياعهم، ويكثر المحدث بذلك الأمر العلم في كل بدوٍ وحضر، ويشيع في جمع أهل الوبر والمدر.
نعم يتناقله الناس، يتناقلون هذا الخبر، ومثل ما قلنا: إنه إذا كان في مجتمع مسلم فلا ينبغى أن تلقى هذه المناظرات بينهم؛ لئلا يتأثر بها بعضهم، وإذا كانت في مجتمعٍ كافر والأصل فيه الكفر ويستفاد لو واحد من هذه المناظرة فمكسب، ففرقٌ بين هذا وهذا.
قوله تعالى: {فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ} [طه:60] أي حيله وسحره؛ والمراد جمع السحرة. قال ابن عباس: كانوا اثنين وسبعين ساحرًا، مع كل ساحرٍ منهم حبال وعصي. وقيل: كانوا أربعمائة. وقيل: كانوا اثني عشر ألفًا. وقيل: أربعة عشر ألفًا. وقال ابن المنكدر: كانوا ثمانين ألفًا. وقيل: كانوا مجمعين.
مجتمعين على رئيسٍ.
وقيل: كانوا مجتمعين على رئيسٍ يقال له شمعون. وقيل: كان اسمه يوحنا معه اثنا عشر نقيبًا، مع كل نقيبٍ عشرون عريفًا، مع كل عريفٍ ألف ساحر. وقيل: كانوا ثلثمائة ألف ساحرٍ من الفيوم، وثلثمائة ألف ساحرٍ من الصعيد، وثلثمائة ألف ساحرٍ من الريف، فصاروا تسعمائة ألف، وكان رئيسهم أعمى. ثم أتى، أي أتى الميعاد.
بالنسبة للعدد فلا يثبت بخبرٍ ملزم، كلها متلقاةٍ عنهم.
طالب:..................
نعم؟
طالب:..................
لما جاز لهم الاستسلام؟ نعم لما أسلموا خروا سجدًا، لما أسلموا عليهم أن يقاتلوا؛ لأن عددهم يؤهلهم للقتال، لكن هذه الأعداد لا دليل عليها.
ثم أتى، أي أتى الميعاد. قال لهم موسى أي قال لفرعون والسحرة: {وَيْلَكُمْ} دعاءٌ عليهم بالويل. وهو بمعنى المصدر. وقال أبو إسحاق الزجاج: هو منصوبٌ بمعنى ألزمهم الله ويلاً. قال: ويجوز أن يكون نداءً كقوله تعالى: {قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا} [يس:52]، {لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} [طه:61] أي لا تختلقوا عليه الكذب، ولا تشركوا به، ولا تقولوا للمعجزات إنها سحر. {فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ} [طه:61] أي يستأصلكم بالإهلاك يقال فيه: سحت وأسحت بمعنى. وأصله من استقصاء الشعر. وقرأ الكوفيون (فيسحتكم) من أسحت، والباقون (فيسحتكم) من سحت.
من سحت الثلاثي، ومن الرباعي، من أسحت من الثاني.
(فيسحتكم) من سحت. وهذه لغة أهل الحجاز والأولى بني تميم. وانتصب على جواب النهي.
ومنه السُّحت، السُّحت والسَّحتْ، يستحت سحتًا والمراد به الإستئصال.
وقال الفرزدق:
وعض زمانٍ يا ابن مروان لم يدع |
| من المال إلا مسحتًا أو مجلفًا |
الزمخشري: وهذا بيت لا تزال الركب تصطك في تسوية إعرابه. {وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى} [طه:61] أي خسر وهلك، وخاب من الرحمة والثواب من ادعى على الله ما لم يأذن به.
قوله تعالى: {فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} [طه:62] أي تشاوروا؛ يريد السحرة. {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى} [طه:62] قال قتادة: قالوا إن كان ما جاء به سحرًا فسنغلبه، وإن كان من عند الله فسيكون له أمر؛ وهذا الذي أسروه. وقيل: الذي أسروا قولهم: إن هذان لساحران الآية، قاله السدي ومقاتل. وقيل: الذي أسروا قولهم: إن غلبنا اتبعناه؛ قاله الكلبي؛ دليله ما ظهر من عاقبة أمرهم. وقيل: كان سرهم أن قالوا حين قال لهم موسى: ويلكم، لا تفتروا على الله كذبًا: ما هذا بقول ساحر.
نعم، الساحر ما يرتبط بالله، الساحر معروف أنه لا يرتبط بالله، بل هو مشركٌ بالله –جل وعلا- وفي مثل هذاك الكلام لا يكون ساحرًا.
والنجوى المناجاة يكون اسمًا ومصدرًا. وقد تقدم في (النساء) بيانه.
قوله تعالى: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ} [طه:62] قرأ أبو عمرو: (إن هذين لساحران).
إن هذه، لأن إن هذه إذا خففت قل عملها، الأصل أنها تنصب، فإذا خففت قل العمل فرفعت كما في القراءة المشهورة {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} [طه:62]، لما قرأ أبو عمرو إن شدد، وقد تعمل لكنه على قلة، وخففت إن فقل العمل، قد تعمل وهي مخففة لكن العاملة هي المشددة.
وقرأ أبو عمرو (إن هذين لساحران).
مع أنها قرئت بالتشديد مع عدم عملها الرفع، ولعله على لغة من يلزم المثنى الألف قرئت: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} [طه:62]، يعني على لغة من يلزم المثنى الألف.
ورويت عن عثمان وعائشة -رضي الله عنهما- وغيرهما من الصحابة؛ وكذلك قرأ الحسن وسعيدٌ بن جبير وإبراهيم النخعي وغيرهم من التابعين؛ ومن القراء عيسى بن عمر وعاصمٌ الجحدري؛ فيما ذكر النحاس. وهذه القراءة موافقةٌ للإعراب مخالفةٌ للمصحف.
لأن المصحف بالألف.
وقرأ الزهري والخليل بن أحمد والمفضل وأبان وابن محيصنٍ وابن كثيرٍ وعاصم في رواية حفص عنه إن هذان بتخفيف (إن) (لساحران)، وابن كثيرٍ يشدد نون (هذان). وهذه القراءة سلمت من مخالفة المصحف ومن فساد الإعراب، ويكون معناها ما هذان إلا ساحران. وقرأ المدنيون والكوفيون (إن هذان) بتشديد (إن).
لسنا في حاجة إلى الاستثناء، إلا إذا قلنا إن هذه نافية، ولا دليل على كونها نافية إلا وجود الاستثناء بعدها ولم يوجد، {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} [طه:62] الأصل فيها إن مخففة مؤكدة، وإذا جاء بعدها الاستثناء عرفنا أنها نفي، {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ} [النساء:159]، يعني ما من أحدٍ من أهل الكتاب إلا سيؤمن به.
وقرأ المدنيون والكوفيون (إن هذان) بتشديد (إن). (لساحران) فوافقوا المصحف وخالفوا الإعراب.
خالفوا الإعراب عند الأكثر، لكن على لغة من يلزم المثنى الألف، ما في مخالفة هي لغةٌ معروفة عند العرب.
قال النحاس: فهذه ثلاث قراءات قد رواها الجماعة عن الأئمة، وروي عن عبد الله بن مسعودٍ أنه قرأ (إن هذان إلا ساحران)، وقال الكسائي في قراءة عبد الله: (إن هذان ساحران) بغير لام؛ وقال الفراء في حرف أبي (إن ذان إلا ساحران) فهذه ثلاث قراءاتٍ أخرى تحمل على التفسير لا أنها جائزٌ أن يقرأ بها؛ لمخالفتها المصحف.
قلت: وللعلماء في قراءة أهل المدينة والكوفة ستة أقوال ذكرها ابن الأنباري في آخر كتاب الرد له، والنحاس في إعرابه، والمهدوي في تفسيره، وغيرهم أدخل كلام بعضهم في بعض. وقد خطأها قوم حتى قال أبو عمرو: إني لأستحي من الله أن أقرأ (إن هذان).
إنّ هذان؛ لأنها مخالفة للعربية.
إني لأستحي من الله أن أقرأ (إن هذان). وروى عروة عن عائشة -رضي الله عنها- أنها سئلت عن قوله تعالى: {لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} بالنساء:162] ثم قال: والمقيمين وفي (المائدة): {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ} [المائدة:69] و(إن هذان لساحران) فقالت يا ابن أختي! هذا خطأٌ من الكاتب. وقال عثمان بن عفان -رضي الله عنه-: في المصحف لحنٌ وستقيمه العرب بألسنتهم. وقال أبان بن عثمان: قرأت هذه الآية عند أبي عثمان بن عفان، فقال لحنٌ وخطأ؛ فقال له قائل: ألا تغيروه؟ فقال: دعوه فإنه لا يحرم حلالًا ولا يحلل حرامًا.
كل هذا لا يثبت عن هؤلاء، كل هذا لا يثبت عن هؤلاء؛ لأن القرآن محفوظ، تكفل الله بحفظه، وهذا خدشٌ فيما تكفل الله به، ومدخل للطعن في القرآن، القرآن نزل بلغة العرب، ونزل بما يوافق اللغات، وقد يكون على لغة قريش، وقد يكون على لغة تميم، ويكون على لغة هزيل، وفيه نوع على اللغات من القبائل الأخرى.
القول الأول من الأقوال الستة أنها لغة بني الحرث بن كعب.
الحارث، الحارث هم يكتبونها بدون ألف.
أنها لغة بني الحارث بن كعب. وزبيد وخثعم وكنانة بن زيد يجعلون رفع الاثنين ونصبه وخفضه بالألف.
هؤلاء هم الذين يلزمون المثنى الألف.
يقولون: جاء الزيدان ورأيت الزيدان ومررت بالزيدان، ومنه قوله تعالى: {وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ} [يونس:16] على ما تقدم. وأنشد الفراء لرجلٍ من بني أسد -قال: وما رأيت أفصح منه:
فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى مساغًا لناباه الشجاع لصمما |
ويقولون: كسرت يداه وركبت علاه؛ بمعنى يديه وعليه؛ قال شاعرهم هوبر الحارثي:
تزود منا بين أذناه ضربةً |
| دعته إلى هابي التراب عقيم |
وقال آخر:
طاروا علاهن فطر علاها |
أي عليهن وعليها. وقال آخر:
إن أباها وأبا أباها |
| قد بلغا في المجد غايتاها |
أي إن أبا أبيها وغايتيها. قال أبو جعفرٍ النحاس: وهذا القول من أحسن ما حملت عليه الآية؛ إذ كانت هذه اللغة معروفة، وقد حكاها من يرتضى بعلمه وأمانته؛ منهم أبو زيدٍ الأنصاري، وهو الذي يقول: إذا قال سيبويه: حدثني من أثق به فإنما يعنيني؛ وأبو الخطاب الأخفش وهو رئيسٌ من رؤساء اللغة، والكسائي والفراء كلهم قالوا هذا على لغة بني الحارث بن كعب. وحكى أبو عبيدة عن أبي الخطاب أن هذه لغة بني كنانة.
نعم أبو الخطاب الأخفش الأكبر.
قال المهدوي: وحكى غيره أنها لغة لخثعم. قال النحاس: ومن أبين ما في هذا قول سيبويه: واعلم أنك إذا ثنيت الواحد زدت عليه زائدتين، الأولى منهما حرف مدٍ ولين وهو حرف الإعراب؛ قال أبو جعفر: فقول سيبويه: وهو حرف الإعراب، يوجب أن الأصل ألا يتغير، فيكون (إن هذان) جاء على أصله ليعلم ذلك، وقد قال تعالى: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ} [المجادلة:19] ولم يقل استحاز.
ولم يقل استحاذ.
ولم يقل استحاذ؛ فجاء هذا ليدل على الأصل، وكذلك (إن هذان) ولا يفكر في إنكار من أنكر هذه اللغة إذا كان الأئمة قد رووها.
طالب:...............
على إنكار هذه اللغة، إذ كان الأئمة قد رووها.
إذ كان الأئمة قد رووها.
القول الثاني: أن يكون (إن) بمعنى نعم، كما حكى الكسائي عن عاصم قال: العرب تأتي بـ إن بمعنى نعم، وحكى سيبويه أن (إن) تأتي بمعنى أجل، وإلى هذا القول كان محمد بن يزيد وإسماعيل بن إسحاق القاضي يذهبان، قال النحاس: ورأيت أبا إسحاق الزجاج.
محمد بن يزيد المبرد، وإسماعيل بن إسحاق القاضي معروف.
ورأيت أبا إسحاق الزجاج وعلي بن سليمان يذهبان إليه. قال الزمخشري: وقد أعجب به أبو إسحاق. قال النحاس: وحدثنا علي بن سليمان، قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن عبد السلام النيسابوري، ثم لقيت عبد الله بن أحمد هذا فحدثني.
نعم، كان يرويه بواسطة ما رواه عنه مباشرة.
قال: حدثني عمير بن المتوكل، قال: حدثنا محمد بن موسى النوفلي من ولد حارث بن عبد المطلب، قال: حدثنا عمر بن جميع الكوفي عن جعفر بن محمدٍ عن أبيه عن علي -وهو ابن الحسين- عن أبيه عن علي بن أبي طالب -رضوان الله عليهم أجمعين-، قال: لا أحصي كم سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول على منبره: ‹‹إن الحمد لله نحمده ونستعينه››، ثم يقول: ‹‹أنا أفصح قريشٍ كلها، وأفصحها بعدي أبان بن سعيد بن العاص››. قال أبو محمدٍ الحفاف:
الخفاف.
قال أبو محمد الخفاف: قال عمير: إعرابه عند أهل العربية والنحو: إن الحمد لله بالنصب.
هذا الأصل بالنصب.
إلا أن العرب تجعل (إن) في معنى نعم كأنه أراد -صلى الله عليه وسلم-؛ نعم الحمد لله؛ وذلك أن خطباء الجاهلية كانت تفتتح خطبها بنعم. وقال الشاعر في معنى نعم:
قالوا غدرت فقلت إن وربما |
| نال العلا وشفى الغليل الغادر |
وقال عبد الله بن قيس الرقيات:
بكر العواذل في الصبا |
| ح يلمنني وألومهنه |
ويقلن شيبٌ قد علا |
| ك وقد كبرت فقلت إنه |
طالب:................
هذا الأصل من الحمد.
فعلى هذا جائزٌ أن يكون قول الله -عز وجل-: إن هذان لساحران بمعنى نعم ولا تنصب. قال النحاس: أنشدني داود بن الهيثم، قال: أنشدني ثعلب:
ليت شعري هل للمحب شفاءٌ |
| من جوى حبهن إن اللقاء |
قال النحاس: وهذا قولٌ حسن إلا أن فيه شيئًا؛ لأنه إنما يقال: نعم زيدٌ خارج، ولا تكاد تقع اللام هاهنا، وإن كان النحويون قد تكلموا في ذلك فقالوا: اللام ينوى بها التقديم؛ كما قال:
خالي لأنت ومن جريرٌ خاله |
| ينل العلاء ويكرم الأخوالا |
وقال آخر:
أم الحليس لعجوز شهربه |
| ترضى من الشاة بعظم الرقبه |
أي لخالي ولأم الحليس؛ وقال الزجاج: والمعنى في الآية إن هذان لهما ساحران ثم حذف المبتدأ. قال المهدوي: وأنكره أبو علي وأبو الفتح بن جني. قال أبو الفتح.
يعني أم الحليس لعجوز لدخول اللام، لام التوكيد بدون إن.
قال أبو الفتح: (هما) المحذوف لم يحذف إلا بعد أن عرف، وإذا كان معروفًا فقد استغني بمعرفته عن تأكيده باللام، ويقبح أن تحذف المؤكد وتترك المؤكد. القول الثالث قاله الفراء أيضًا: وجدت الألف دعامةً ليست بلام الفعل فزدت عليها نونًا ولم أغيرها كما قلت: (الذي) ثم زدت عليه نونًا فقلت: جاءني الذين عندك، ورأيت الذين عندك، ومررت بالذين عندك. القول الرابع قاله بعض الكوفيين قال: الألف في (هذان) مشبهةٌ بالألف في يفعلان فلم تغير. القول الخامس: قال أبو إسحاق: النحويون القدماء يقولون الهاء هاهنا مضمرة، والمعنى إنه هذان لساحران؛ قال ابن الأنباري: فأضمرت الهاء التي هي منصوب (إن) و(هذان) خبر و(إن) و(ساحران) يرفعها (هما) المضمر، والتقدير: إنه هذان لهما ساحران. والأشبه عند أصحاب أهل هذا الجواب أن الهاء اسم (إن) و (هذان) رفع بالابتداء وما بعده خبر الابتداء.
والجملة مبتدأ الثاني وخبر، خبر إن.
القول السادس: قال أبو جعفر النحاس: وسألت أبا الحسن بن كيسان عن هذه الآية، فقال: إن شئت أجبتك بجواب النحويين، وإن شئت أجبتك بقولي، فقلت: بقولك، فقال: سألني إسماعيل بن إسحاق عنها فقلت. القول عندي أنه لما كان يقال (هذا) في موضع الرفع والنصب والخفض على حالٍ واحدة، وكانت التثنية يجب ألا يغير لها الواحد أجريت التثنية مجرى الواحدة، فقال: ما أحسن هذا لو تقدمك أحدٌ بالقول به حتى يؤنس به.
كل هذا مجرد التماس وإلا فهذان مثنى، إعرابه إعراب المثنى يرفع بالألف وينصب ويجر بالياء، لكن كل هذا من باب الإجابة، والقول على أنه جاء على لغة من ألزموا المثنى لا شك أنه يقطع كل هذه الأقوال، وهي لغة معروفة عند العرب وعليها الشواهد، ولسنا بحاجة إلى كل هذا.
قال ابن كيسان: فقلت له: فيقول القاضي به حتى يؤنس به، فتبسم.
قوله تعالى: {يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى} [طه:63] هذا من قول فرعون للسحرة؛ أي غرضهما إفساد دينكم الذي أنتم عليه؛ كما قال فرعون: {إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد}. ويقال: فلانٌ حسن الطريقة أي حسن المذهب. وقيل: طريقة القوم أفضل القول، وهذا الذي ينبغي أن يسلكوا طريقته ويقتدوا به، فالمعنى: ويذهبا بسادتكم ورؤسائكم؛ استمالةً لهم. أو يذهبا ببني إسرائيل وهم الأماثل وإن كانوا خولًا لكم لما يرجعون إليه من الانتساب إلى الأنبياء.
الخول: العبيد والخدم.
أو يذهبا بأهل طريقتكم فحذف المضاف. والمثلى تأنيث الأمثل؛ كما يقال الأفضل والفضلى. وأنث الطريقة على اللفظ، وإن كان يراد بها الرجال. ويجوز أن يكون التأنيث على الجماعة. وقال الكسائي: بطريقتكم بسنتكم وسمتكم. والمثلى نعتٌ كقولك: امرأةٌ كبرى. تقول العرب: فلان على الطريقة المثلى، يعنون على الهدى المستقيم.
قوله تعالى: {فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ} [طه:64] الإجماع: الإحكام والعزم على الشيء. تقول: أجمعت الخروج، وعلى الخروج أي عزمت. وقراءة كل الأمصار فأجمعوا بالوصل وفتح الميم. واحتج بقوله: فجمع كيده ثم أتى. قال النحاس: وفيما حكي لي عن محمد بن يزيد أنه قال: يجب على أبي عمرو أن يقرأ بخلاف قراءته هذه، وهي القراءة التي عليها أكثر الناس. قال: لأنه احتج بـ(جمع) وقوله -عز وجل-: {فَجَمَعَ كَيْدَهُ} [طه:60] قد ثبت، هذا فيبعد أن يكون بعده (فاجمعوا) ويقرب أن يكون بعده فأجمعوا أي اعزموا وجدوا، ولما تقدم ذلك وجب أن يكون هذا بخلاف معناه يقال: أمرٌ مجمعٌ ومجمعٌ عليه. قال النحاس: ويصحح قراءة أبي عمرو (فاجمعوا) أي اجمعوا كل كيدٍ لكم وكل حيلة فضموه مع أخيه. وقاله أبو إسحاق. قال الثعلبي: القراءة بقطع الألف وكسر الميم لها وجهان: أحدهما: بمعنى الجمع، تقول: أجمعت الشيء جمعته بمعنىً واحد، وفي الصحاح: وأجمعت الشيء جعلته جميعًا؛ وقال أبو ذؤيبٍ يصف حمرا:
فكأنها بالجزع بين نبايعٍ |
| وأولات ذي العرجاء نهب مجمع |
أي مجموع. والثاني: أنه بمعنى العزم والإحكام؛ قال الشاعر:
يا ليت شعري والمنى لا تنفع |
| هل أغدون يوما وأمري مجمع |
أي محكم. ثم ائتوا صفًّا قال مقاتلٌ والكلبي: جميعًا. وقيل: صفوفًا ليكون أشد لهيبتكم وهو منصوبٌ بوقوع الفعل عليه على قول أبي عبيدة؛ قال يقال: أتيت الصف يعني المصلى؛ فالمعنى عنده ائتوا الموضع الذي تجتمعون فيه يوم العيد. وحكي عن بعض فصحاء العرب: ما قدرت أن آتي الصف؛ يعني المصلى.
المراد مكانه، مكان الصف المصلى.
وقال الزجاج: يجوز أن يكون المعنى ثم ائتوا والناس مصطفون؛ فيكون على هذا مصدرًا في موضع الحال. ولذلك لم يجمع. وقرئ (ثم ايتوا) بكسر الميم وياء. ومن ترك الهمزة أبدل من الهمزة ألفا. وقد أفلح اليوم من استعلى أي من غلب. وهذا كله من قول السحرة بعضهم لبعض. وقيل: من قول فرعون لهم.
نكمل يا إخوان، أما أن الوقت تأخر عليكم؟
طالب:..............
ما فيه مشقة؟
قوله تعالى: {قَالُوا يَا مُوسَى} [طه:71] يريد السحرة. إما أن تلقي عصاك من يدك وإما أن نكون أول من ألقى تأدبوا مع موسى فكان ذلك سبب إيمانهم. قال بل ألقوا فإذا حبالهم في الكلام حذف، أي فألقوا؛ دل عليه المعنى. وقرأ الحسن: (وعصيهم) بضم العين. قال هارون القارئ: لغة بني تميم: (وعصيهم) وبها يأخذ الحسن. الباقون بالكسر اتباعًا لكسرة الصاد. ونحوه دلي ودلي وقسي وقسي. يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى وقرأ ابن عباسٍ وأبو حيوة وابن ذكوان وروحٌ عن يعقوب: (تخيل) بالتاء؛ وردوه إلى العصي والحبال إذ هي مؤنثة. وذلك أنهم لطخوا العصي بالزئبق، فلما أصابها حر الشمس ارتهشت واهتزت.
نعم؛ لأن الزئبق يتحرك مع الحرارة.
قال الكلبي: خيل إلى موسى أن الأرض حياتٌ وأنها تسعى على بطنها. وقرئ (تخيل) بمعنى تتخيل وطريقه طريق (تخيل) ومن قرأ يخيل بالياء رده إلى الكيد. وقرئ (نخيل) بالنون على أن الله هو المخيل للمحنة والابتلاء. وقيل: الفاعل أنها تسعى فـ(أن) في موضع رفع؛ أي يخيل إليه سعيها؛ قاله الزجاج. وزعم الفراء أن موضعها موضع نصب؛ أي بأنها ثم حذف الباء. والمعنى في الوجه الأول: تشبه إليه من سحرهم وكيدهم حتى ظن أنها تسعى. وقال الزجاج ومن قرأ بالتاء جعل (أن) في موضع نصب أي تخيل إليه ذات سعي، قال: ويجوز أن تكون في موضع رفعٍ بدلاً من الضمير في (تخيل) وهو عائدٌ على الحبال والعصي، والبدل فيه بدل اشتمال. وتسعى معناه تمشي.
بهذا يستدل من يقول: إن السحر تخييل، مجرد تخييل لا حقيقة له ولا يغير من الواقع شيئًا، هذه حجته أنها مجرد تخييل، يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى، مجرد تخييل ولا يغير من الواقع شيئًا، والجمهور الذين يرون أنه له تأثير حقيقي وهو تغيير في الواقع يقولون: إن سحر التخييل نوعٌ من أنواع السحر، منه ما هو مجرد تخييل، ومنه ما له أثر في الواقع، يغير في الحقائق.
قوله تعالى: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى} [طه:67] أي أضمر. وقيل: وجد.
التغيير على تغييره في الواقع، إن التصوير يصور ما تأخذه العين؛ لأنه مجرد تخييل وتلبيس على الناظر والرائي، فالتصوير ما يمكن أن تلبس عليه. فثبت بالتجربة أن السحر تأخذه كاميرا التصوير كما تأخذه العين، دل على أن له تغييرًا في الواقع.
وقيل: أوجس. أي من الحيات، وذلك على ما يعرض من طباع البشر على ما تقدم. وقيل: خاف أن يفتتن الناس قبل أن يلقي عصاه. وقيل: خاف حين أبطأ عليه الوحي بإلقاء العصا أن يفترق الناس قبل ذلك فيفتتنوا.
وهذا الخوف جبلي، يبعث عليه شدة الحرص على النتائج، شدة الحرص على النتائج يبعث على مثل هذا الخوف، وإن كان الله -جل وعلا- الذي أمره بما أمره لن يخلفه، ولن يخذله.
وقال بعض أهل الحقائق: إنما كان السبب أن موسى -عليه السلام- لما التقى بالسحرة وقال لهم: {وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ} [طه:61] التفت فإذا جبريل على يمينه فقال له: يا موسى ترفق بأولياء الله. فقال موسى: يا جبريل، هؤلاء سحرة جاؤوا بسحرٍ عظيم ليبطلوا المعجزة، وينصروا دين فرعون، ويردوا دين الله، تقول: ترفق بأولياء الله! فقال جبريل: هم من الساعة إلى صلاة العصر عندك، وبعد صلاة العصر في الجنة. فلما قال له ذلك، أوجس في نفس موسى وخطر أن ما يدريني ما علم الله في، فلعلي أكون الآن في حالة، وعلم الله في على خلافها كما كان هؤلاء. فلما علم الله ما في قلبه أوحى الله إليه: {لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى} [طه:68] أي الغالب لهم في الدنيا، وفي الدرجات العلا في الجنة؛ للنبوة والاصطفاء الذي آتاك الله به.
أتاك.
الذي أتاك الله به. وأصل خيفة خوفة فانقلبت الواو ياءً؛ لانكسار الخاء.
قوله تعالى: {وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا} [طه:69] ولم يقل: وألق عصاك، فجائزٌ أن يكون تصغيرًا لها؛ أي لا تبال بكثرة حبالهم وعصيهم، وألق العويد الفرد الصغير الجرم الذي في يمينك، فإنه بقدرة الله يتلقفها على وحدته وكثرتها، وصغره وعظمها. وجائزٌ أن يكون تعظيمًا لها أي لا تحفل بهذه الأجرام الكثيرة الكبيرة، فإن في يمينك شيئًا أعظم منها كلها، وهذه على كثرتها أقل شيء وأنزره عندها؛ فألقه يتلقفها بإذن الله ويمحقها. و(تلقف) بالجزم جواب الأمر؛ كأنه قال: إن تلقه تتلقف؛ أي تأخذ وتبتلع.
جواب الطلب معروف، فهو جواب شرط مقدر كما في نظائره.
وقرأ السلمي وحفص: (تلقف) ساكنة اللام من لقف يلقف لقفًا. وقرأ ابن ذكوان وأبو حيوة الشامي ويحيى بن الحارث: (تلقف) بحذف التاء ورفع الفاء، على معنى فإنها تتلقف. والخطاب لموسى. وقيل: للعصا. واللقف: الأخذ بسرعة، يقال: لقفت الشيء (بالكسر) ألقفه لقفًا، وتلقفته أيضًا أي تناولته بسرعة. عن يعقوب: يقال رجلٌ لقفٌ ثقف أي خفيفٌ حاذق. واللقف (بالتحريك) سقوط الحائط. وقد لقف الحوض لقفًا أي تهور من أسفله واتسع. وتلقف وتلقم وتلهم بمعنى. وقد مضى في الأعراف لقمت اللقمة (بالكسر) لقمًا، وتلقمتها إذا ابتلعتها في مهلة وكذلك لهمه (بالكسر) إذا ابتلعه.
ما صنعوا أي الذي صنعوه وكذا إنما صنعوا أي إن الذي صنعوه. كيد بالرفع (سحرٍ) بكسر السين وإسكان الحاء، وهي قراءة الكوفيين إلا عاصمًا. وفيه وجهان: أحدهما: أن يكون الكيد مضافًا إلى السحر على الإتباع من غير تقدير حذف. والثاني: أن يكون في الكلام حذف أي كيد ذي سحر. وقرأ الباقون (كيد) بالنصب بوقوع الصنع عليه، وما كافة، ولا تضمر هاء ساحرٍ بالإضافة، والكيد في الحقيقة على هذه القراءة مضاف للساحر لا للسحر.
إنما صنعوا، ماذا؟
طالب: كيد.
كيد ساحر، وليس كيد سحر؛ لأنها قرأت بسحر على ما تقدم، قراءة الكوفيين، والكيد لا يكون للسحر نفسه، وإنما يكون لمن له إرادة وهو الساحر.
ويجوز فتح أن على معنى لأن ما صنعوا كيد ساحر. ولا يفلح الساحر حيث أتى: أي لا يفوز ولا ينجو حيث أتى من الأرض. وقيل: حيث احتال. وقد مضى في (البقرة) حكم الساحر ومعنى السحر، فتأمله هناك.
قوله تعالى: {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا} [طه:70] لما رأوا من عظيم الأمر وخرق العادة في العصا؛ فإنها ابتلعت جميع ما احتالوا به من الحبال والعصي، وكانت حمل ثلاثمائة بعير ثم عادت عصًا لا يعلم أحد أين ذهبت الحبال والعصي إلا الله تعالى. وقد مضى في (الأعراف) هذا المعنى وأمر العصا مستوفى.
{قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى} [طه:70] قال: آمنتم له أي به؛ يقال: آمن له وآمن به، ومنه فآمن له لوط وفي الأعراف. قال: {آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ} [طه:71] لكم إنكار منه عليهم؛ أي تعديتم وفعلتم ما لم آمركم به.
{إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ} [طه:71] أي رئيسكم في التعليم، وإنما غلبكم؛ لأنه أحذق به منكم. وإنما أراد فرعون بقوله هذا ليشبه على الناس حتى لا يتبعوهم فيؤمنوا كإيمانهم، وإلا فقد علم فرعون أنهم لم يتعلموا من موسى، بل قد علموا السحر قبل قدوم موسى وولادته. {فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه:71] أي على جذوع النخل. قال سويد بن أبي كاهل:
هم صلبوا العبدي في جذع نخلةٍ فلا عطست شيبان إلا بأجدعا |
فقطع وصلب حتى ماتوا -رحمهم الله تعالى-. وقرأ ابن محيصنٍ هنا وفي الأعراف: فلأقطعن، ولأصلبنكم بفتح الألف والتخفيف من قطع وصلب.
{وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى} [طه:71] يعني أنا أم رب موسى.
اللهم صلِّ على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
طالب:...............
نعم؟
طالب:...............
منهم من قال: إنها مبالغة، وأنه أراد أن يبالغ في الصلب، فيشق الجزوع فيدعون فيها، تكون غرفًا له، منهم من حمله كما هو مكتوب بالعرفية وعامة المفسرين على أنه خلافٍ بمعنى علا.
طالب:...............
لأنهم يريدون أن لا يجعلوا بين الحروف تقاربًا؛ لأنه إذا جعلنا بين الحروف تقاربًا يحدث خلاف فيها، يريد شيخ الإسلام أن يضمن الفعل معنى فعل آخر، يضمن الصلب معنى فعل يتعدى بعلى؛ لأن تقارب الأفعال عنده أولى من تقارب الحروف.
طالب: ثلاثة؟
إن شاء الله.
"