التعليق على تفسير القرطبي - سورة النجم (04)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه. قال الإمام القرطبي –رحمه الله تعالى-:
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى (43) وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا (44) وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى}
"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} ذَهَبَتِ الْوَسَائِطُ وَبَقِيَتِ الْحَقَائِقُ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَلَا فَاعِلَ إِلَّا هُوَ...."
لأنه في عرف الناس واصطلاحهم وتعاملاتهم ينسبون الأفعال إلى الأسباب، وإلى الوسائط فتجد الواحد منهم يقول أحزني فلان وأفرحني فلان، وأضحكنا فلان، وبكانا فلان يعني الشخص إلذي يؤثر في الناس بالوعظ يذكرهم، ويخوفهم بالله فيبكون فيقولون: أبكانا فلان، والمشهور بالطرائف والنكت إن تضحك الناس ويقولون ضحكنا فلان والمضحك والمبكي، السار والمحزن، والنافع والضار في الحقيقة هو الله -جل وعلا-، وأنه وأضحك وأبكى. هو الذي ساق لك هذا الشخص وجعلك تضحك، وهو الذي يسر لك هذا الأمر الذي سرك فضحكت من أجله وهو الذي ساق لك هذا الشخص فجعلك تبكي بسبب خبره أو يسر لك هذا الأمر الذي هو ضرر عليك في تقديرك، أو مصيبة في حقك فبكيت من أجله فالمضحك والمبكي هو الله -جل وعلا-، ولذا يقول المفسر رحمه الله: ذهبت الوسائط. عموم الناس لا يعرفون في هذه الدنيا إلا هذه الوسائط التي يتعاملون معها مباشرة. ذهبت الوسائط وبقيت الحقائق لله -سبحانه وتعالى- فلا فاعل إلا هو.
"وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: لَا وَاللَّهِ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ قَطُّ: إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَحَدٍ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: «إِنَّ الْكَافِرَ يَزِيدُهُ اللَّهُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَذَابًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى {وَمَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}»."
هذا فهم عائشة -رضي الله عنها- لهذا الحديث وأنكرته في الأول لمعارضته للآية، ثم أولته بهذا التأويل وعامة أهل العلم على أن الميت يعذب ببكاء أهله على ما جاء في الحديث لا أنهم بكوا من غير نسبة أي عمل له لكن هو تسبب فإما أن يكون من عادتهم، وديدنهم البكاء فلم ينههم عن ذلك، أو يكون الأمر أشد من ذلك أمرهم به كما كانت عادة العرب يأمرون أهلهم وذويهم ونسائهم بالبكاء لمدة سنة.
إلى الحَوْلِ ثمَّ اسمُ السّلاَمِ علَيكُما وَمَنْ يَبْكِ حَوْلاً كاملاً فقدِ اعتذرْ
"وَعَنْهَا قَالَتْ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَهُمْ يَضْحَكُونَ، فَقَالَ: «لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا» فَنَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ لَكَ: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى}. فَرَجَعَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: «مَا خَطَوْتُ أَرْبَعِينَ خُطْوَةً حَتَّى أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ: ايْتِ هَؤُلَاءِ فَقُلْ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى}» أَيْ قَضَى أَسْبَابَ الضَّحِكِ وَالْبُكَاءِ."
وكون الإضحاك والإبكاء من الله -جل وعلا- لا ينفي المسئولية والتبعة على المباشر. هذا من ضمن ما كتبه الله على بني آدم وكتب عليهم ما يؤجرون بسببه وكتب عليهم ما يأثمون به وهداهم النجدين وجعل فيهم من الحرية، والاختيار ما يختارون النافع ويدفعون الضار، أو العكس.
"وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي مُسْلِمٍ: يَعْنِي أَفْرَحَ وَأَحْزَنَ؛ لِأَنَّ الْفَرَحَ يَجْلِبُ الضَّحِكَ وَالْحُزْنَ يَجْلِبُ الْبُكَاءَ. وَقِيلَ لِعُمَرَ: هَلْ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْحَكُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ! وَالْإِيمَانُ وَاللَّهِ أَثْبَتُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْجِبَالِ الرَّوَاسِي. وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى فِي (النَّمْلِ) وَ(البراءة). قَالَ الْحَسَنُ: أَضْحَكَ اللَّهُ أَهْلَ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ، وَأَبْكَى أَهْلَ النَّارِ فِي النَّارِ. وَقِيلَ: أَضْحَكَ مَنْ شَاءَ فِي الدُّنْيَا بِأَنْ سَرَّهُ وَأَبْكَى مَنْ شَاءَ بِأَنْ غَمَّهُ. قال الضَّحَّاكُ: أَضْحَكَ الْأَرْضَ بِالنَّبَاتِ وَأَبْكَى السَّمَاءَ بِالْمَطَرِ."
أضحك من شاء في الدنيا بان سره وأبكى من شاء بأن غمه ومقتضى هذا الكلام أن الناس صنفان: قسم مسرور وقسم مغموم فالمسرور هو الضاحك والمغموم هو الباكي لكن قد يكون المسرور هو المغموم والمغموم هو المسرور ساعة دون ساعة، والمكدرات في هذه الدنيا تتوالى، وتتابع فلا تأتي على حال واحدة فتجد هذا الشخص مسرورا في هذا اليوم، ومغموم في اليوم الذي يليه ويهنئ في هذا اليوم ويعزى في اليوم الذي يليه وهكذا، على هذا طبعت الدنيا طبعت على كدر من الأكدار.
"وَقِيلَ : أَضْحَكَ الْأَشْجَارَ بِالنَّوَّارِ، وَأَبْكَى السَّحَابَ بِالْأَمْطَارِ. وَقَالَ ذُو النُّونِ: أَضْحَكَ قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْعَارِفِينَ بِشَمْسِ مَعْرِفَتِهِ، وَأَبْكَى قُلُوبَ الْكَافِرِينَ وَالْعَاصِينَ بِظُلْمَةِ نُكْرَتِهِ وَمَعْصِيَتِهِ."
يعني الظواهر لا تدل على البواطن دائماً فكم من شخص تراه مسرور في الظاهر سعيد في الظاهر، وهو من أشقى الناس، وأتعسهم في الباطن والعكس تجد هذا الشخص تقول هذا المسكين وفاته، أو موته خير له من حياته، وهو في حقيقة أمره من أسعد الناس فالظواهر لا تدل على البواطن. والله -جل وعلا- قسم السعادة بين الناس فتجد منهم السعيد وإن كان في ظاهره شقياً، والعكس، والحكمة الإلهية إن كلما أقبلت الدنيا على شخص، وتيسرت أموره فيها أنك تجده في الباطن على عكس من ذلك، وشواهد الأحوال في أعيان الناس والملء وعظماء الناس والأغنياء هؤلاء عندهم من المشاكل ما لا مبيح إلا الله -جل وعلا-، وتجدهم في أمور الحياة البسيطة السهلة كل شيء متيسر لديهم، ومع ذلك يحال بينهم وبينه. فتجد الثري شديد الثراء محجوب عن كثير من المأكولات، وممنوع من كثير من ملذات الدنيا وتجد الشخص الذي لا يجد شيئاً، وينام على الرصيف على ما يقولون تجده أكثر الناس ضحكًا، وهذا شيء مشاهد وكم واقعة وحادثة حصلت من ثري ينظر إلى فقير نام نومًا عميقًا، وأخذه السبات ولا يهتم بشيء ويتمنى أن ينام مثل نومته على الرصيف لأنه يتقلب في فراشه الليل كله ينتظر الصباح وينتظر هذه البضائع وصلت أو ما وصلت سليمة، أو عاطبة زادت أقيامها، أو نزلت ويصاب بسبب ذلك من الأمراض ما لا يسعد معه في الدنيا. والسعيد من جعل هدفه في هذه الدنيا ما خلق من أجله وهو تحقيق العبودية لله -جل وعلا- ولو كان في يده شيء من الدنيا لكن على ألا تدخل إلى قلبه وتؤثر عليه.
"وَقَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: أَضْحَكَ اللَّهُ الْمُطِيعِينَ بِالرَّحْمَةِ وَأَبْكَى الْعَاصِينَ بِالسَّخَطِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ التِّرْمِذِيُّ..."
الحكيم المعروف.
"أَضْحَكَ الْمُؤْمِنَ فِي الْآخِرَةِ وَأَبْكَاهُ فِي الدُّنْيَا."
في الآخرة لأنها جنته وأبكاه في الدنيا لأنها سجنه مع أن في الدنيا جنة يتلذذ بها المؤمن وإن كان في الظاهر على خلاف ذلك لا يدركها كثير ممن لن تتيسر له في هذه الدنيا.
"وَقَالَ بَسَّامُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ : أَضْحَكَ اللَّهُ أَسْنَانَهُمْ وَأَبْكَى قُلُوبَهُمْ. وَأَنْشَدَ:
السِّنُّ تَضْحَكُ وَالْأَحْشَاءُ تَحْتَرِقُ وَإِنَّمَا ضَحِكُهَا زُورٌ وَمُخْتَلَقُ |
يَا رُبَّ بَاكٍ بِعَيْنٍ لَا دُمُوعَ لَهَا وَرُبَّ ضَاحِكِ سِنٍّ مَا بِهِ رَمَقُ |
وَقِيلَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَصَّ الْإِنْسَانَ بِالضَّحِكِ وَالْبُكَاءِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْحَيَوَانِ، وَلَيْسَ فِي سَائِرِ الْحَيَوَانِ مَنْ يَضْحَكُ وَيَبْكِي غَيْرَ الْإِنْسَانِ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْقِرْدَ وَحْدَهُ يَضْحَكُ وَلَا يَبْكِي، وَإِنَّ الْإِبِلَ وَحْدَهَا تَبْكِي وَلَا تَضْحَكُ."
مسألة قيل لا داعي لها في أمور واقعية. من عاشر هذه الحيوانات قد يدرك منها شيأ مؤكدا محققا لا يحتاج إلى قيل إنما يقال قيل في الخبريات وتعتمد على الخبر أما الأمور المشاهدة فلا يحتاج أن يقال فيها قيل فهل بالفعل القرد يضحك، ولا يبكي، والإبل وحدها تبكي ولا تضحك يعني كون الدموع تخرج من أعين الإبل هذا واضح وهو مقرونة أيضاً بظلمها أو جوعها أو فقدها لولدها أما كونها تبكي مثل بكاء الآدمي، أو أن القرد يضحك يقهقه فهذا يحتاج إلى شخص عاشر معاشرة تامة.
"وَقَالَ يُوسُفُ بْنُ الْحُسَيْنِ: سُئِلَ طَاهِرُ الْمَقْدِسِيُّ أَتَضْحَكُ الْمَلَائِكَةُ؟ فَقَالَ: مَا ضَحِكُوا وَلَا كُلُّ مَنْ دُونَ الْعَرْشِ مُنْذُ خُلِقَتْ جَهَنَّمُ..."
"{وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا} أَيْ قَضَى أَسْبَابَ الْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ. وَقِيلَ: خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ كَمَا قَالَ: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} قَالَهُ ابْنُ بَحْرٍ. وَقِيلَ: أَمَاتَ الْكَافِرَ بِالْكُفْرِ وَأَحْيَا الْمُؤْمِنَ بِالْإِيمَانِ؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَوَ مَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} الْآيَةَ. وَقَالَ: {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ} عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَإِلَيْهِ يَرْجِعُ قَوْلُ عَطَاءٍ: أَمَاتَ بِعَدْلِهِ وَأَحْيَا بِفَضْلِهِ. وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: أَمَاتَ بِالْمَنْعِ وَالْبُخْلِ وَأَحْيَا بِالْجُودِ وَالْبَذْلِ. "
لأن الحياة والموت في تقدير الناس عموماً إنما هو بالذكر والبخيل الجماع المناع هذا لا يذكر فكأنه ميت بين الأحياء والجواد المعطي الباذل هذا الذي يذكر...
"وَقِيلَ: أَمَاتَ النُّطْفَةَ وَأَحْيَا النَّسَمَةَ. وَقِيلَ: أَمَاتَ الْآبَاءَ وَأَحْيَا الْأَبْنَاءَ. وَقِيلَ: يُرِيدُ بِالْحَيَاةِ الْخِصْبَ وَبِالْمَوْتِ الْجَدْبَ. وَقِيلَ: أَنَامَ وَأَيْقَظَ. وَقِيلَ: أَمَاتَ فِي الدُّنْيَا وَأَحْيَا لِلْبَعْثِ. {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} أَيْ مِنْ أَوْلَادِ آدَمَ."
يعني هذه الأمور في جميع مدلولاتها هي بيد الله جل وعلا بغض النظر عن التفاصيل التي تذكر بجميع ما تدل عليه، أضحك وأبكى، أمات وأحيا، خلق زوجين الذكر والأنثى، كلها بيد الله -جل وعلا-.
"{وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} أَيْ مِنْ أَوْلَادِ آدَمَ وَلَمْ يُرِدْ آدَمَ وَحَوَّاءَ بِأَنَّهُمَا خُلِقَا مِنْ نُطْفَةٍ."
ولم يرد آدم وحواء بأنهما خلقا من نطفة لأنهما لم يخلقا من نطفة.
"وَالنُّطْفَةُ الْمَاءُ الْقَلِيلُ، مُشْتَقٌّ مِنْ نَطَفَ الْمَاءَ إِذَا قَطَرَ. تُمْنَى تُصَبُّ فِي الرَّحِمِ وَتُرَاقُ؛ قَالَهُ الْكَلْبِيُّ وَالضَّحَّاكُ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ. يُقَالُ: مَنَى الرَّجُلُ وَأَمْنَى مِنَ الْمَنِيِّ، وَسُمِّيَتْ مِنًى بِهَذَا الِاسْمِ لِمَا يُمْنَى فِيهَا مِنَ الدِّمَاءِ أَيْ يُرَاقُ. وَقِيلَ: تُمْنَى تُقَدَّرُ؛ قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ. يُقَالُ: مَنَيْتُ الشَّيْءَ إِذَا قَدَّرْتُهُ، وَمُنِيَ لَهُ أَيْ قُدِّرَ لَهُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
حَتَّى تُلَاقِي مَا يَمْنِي لَكَ الْمَانِي
أَيْ مَا يُقَدِّرُ لَكَ الْقَادِرُ..."
"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى} أَيْ إِعَادَةَ الْأَرْوَاحِ فِي الْأَشْبَاحِ لِلْبَعْثِ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو "النَّشَاءَةَ " بِفَتْحِ الشِّينِ وَالْمَدِّ؛ أَيْ وَعَدَ ذَلِكَ وَوَعْدُهُ صِدْقٌ. {وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى} قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: أَغْنَى مَنْ شَاءَ وَأَفْقَرَ مَنْ شَاءَ؛ ثُمَّ قَرَأَ: {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ} وَقَرَأَ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَاخْتَارَهُ الطَّبَرِيُّ. وَعَنِ ابْنِ زَيْدٍ أَيْضًا وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَالْحَسَنِ: أَغْنَى: مَوَّلَ، وَأَقْنَى: أَخْدَمَ.."
البيت الذي نسيته هو يقول:
عُمرُ الفتى ذكرُهُ لا طولُ مُدّتِهِ وَمَوْتُهُ خِزْيُهُ لا يَوْمُهُ الدّاني
الأبيات في هذا المعنى كثيرة، والذكر للإنسان عمر ثاني.
"وَقِيلَ: {أَقْنَى} جَعَلَ لَكُمْ قِنْيَةً تَقْتَنُونَهَا، وَهُوَ مَعْنَى أَخْدَمَ أَيْضًا. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَرْضَى بِمَا أَعْطَى أَيْ أَغْنَاهُ ثُمَّ رَضَّاهُ بِمَا أَعْطَاهُ؛ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: قَنِيَ الرَّجُلُ يَقْنَى قِنًى، مِثْلُ غَنِيَ يَغْنَى غِنًى، وَأَقْنَاهُ اللَّهُ أَيْ أَعْطَاهُ اللَّهُ مَا يُقْتَنَى مِنَ الْقِنْيَةِ وَالنَّشَبِ. وَأَقْنَاهُ اللَّهُ أَيْضًا أَيْ رَضَّاهُ. وَالْقِنَى الرِّضَا، عَنْ أَبِي زَيْدٍ..."
أغنى معروف أغناه بأموال وأقناه ملكه ما يقتنيه مما ينتفع به وهما متقاربتان إلا أن القنى غالباً تكون فيما ينتفع به يعني الغنى بالأثمان والقنى بما يقتنى وينتفع به.
"قَالَ: وَتَقُولُ الْعَرَبُ: مَنْ أُعْطِيَ مِائَةً مِنَ الْمَعْزِ فَقَدْ أُعْطِيَ الْقِنَى، وَمَنْ أُعْطِيَ مِائَةً مِنَ الضَّأْنِ فَقَدْ أُعْطِيَ الْغِنَى، وَمَنْ أُعْطِيَ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ فَقَدْ أُعْطِيَ الْمُنَى. وَيُقَالُ: أَغْنَاهُ اللَّهُ وَأَقْنَاهُ أَيْ أَعْطَاهُ مَا يَسْكُنُ إِلَيْهِ. وَقِيلَ: أَغْنَى وَأَقْنَى أَيْ أَغْنَى نَفْسَهُ وَأَفْقَرَ خَلْقَهُ إِلَيْهِ؛ قَالَهُ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ..."
والغنى أعم من القنا، وأوسع لأنه قد يكون عنده ما يقتنيه، ولا يدخل في حيز الأغنياء، عنده عنز واحدة قنية يشرب من لبنها أقناه الله -جل وعلا- هذه العنز عنده ما ينتفع به ويتكسب من ورائه لكن قد لا يصل إلى حد الغنى فالله -جل وعلا- جمع الأمرين بتمام منة له على خلقه...
يعني الشر لا يضاف إلى الله مباشرة، وإن كان هو خالق الخير، والشر لكن مع ذلك لا يضاف إلى الله ينسب إليه نسبة صريحة وإنما يبنى للمجهول، {وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا}، رشد مضاف مباشرة إلى الله والشر ليس أليك، مثل قال: أريد بهم فالله -جل وعلا- هو المغنى والمفقر لكن يبقى أنه إن نسبته نسبة صريحة بالبناء للمعلوم لا تأتي بها النصوص.
"وَقَالَ سُفْيَانُ: أَغْنَى بِالْقَنَاعَةِ وَأَقْنَى بِالرِّضَا. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: أَقْنَى أَفْقَرَ. قَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: أَوْلَدَ. وَهَذَا رَاجِعٌ لِمَا تَقَدَّمَ."
كما أن القنية والإقناء يفهم منه شيء من التوسعة على الإنسان بأن أعطاه ما ينتفع به إلا أناه قد يفهم منها أنها لا تنفي أن تكون مع الحاجة لأنه أعطاه شيأ يقتنيه لكنه لا يكفي حاجته بينما الغنى يكفي حاجته..
ما يحتاج إليه بحاجاته الأصلية هذا قنية ما يستعمله، ويستهلكه هذا قنية... على كل حال لا يلزم بغير لازم إذا اشتراها لغير التجارة فلا يلزمه فيها زكاة إلا إذا باعها. الآلات، آلات المصانع بمئات الملايين هذه لا زكاة عليها إنما الزكاة في غيرها، يعني الشرع كما جاء بحماية حق الفقير، والحرص عليه أيضاً جاء لا تهدر حق الغني والتوازن موجود...
الأول متردد ما يدري يسكن ما يدري يستثمر ما يدري يبيع هذا متردد. احتمال يسكن لكن هذا يريد تمسك الدراهم مثل إلى بالبيت ما عنده نية استثمار لها.
لا، فيه نوع من التوافق ونوع من التغاير، يعني بيهم شيء من الاتفاق والاختلاف. الغنى أشمل بلا شك، وقد يكون بالأموال وقد يكون بالأعيان والعروض، وأما القنية فهي بالعروض وما ينتفع به ولا يلزم منها الغنى.
"{وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى} الشِّعْرَى الْكَوْكَبُ الْمُضِيءُ الَّذِي يَطْلُعُ بَعْدَ الْجَوْزَاءِ، وَطُلُوعُهُ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، وَهُمَا الشِّعْرَيَانِ الْعَبُورُ الَّتِي فِي الْجَوْزَاءِ وَالشِّعْرَى الْغُمَيْصَاءُ الَّتِي فِي الذِّرَاعِ؛ وَتَزْعُمُ الْعَرَبُ أَنَّهُمَا أُخْتَا سُهَيْلٍ. وَإِنَّمَا ذُكِرَ أَنَّهُ رَبُّ الشِّعْرَى وَإِنْ كَانَ رَبًّا لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَعْبُدُهُ؛ فَأَعْلَمَهُمُ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ أَنَّ الشِّعْرَى مَرْبُوبٌ لَيْسَ بِرَبٍّ. وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ كَانَ يَعْبُدُهُ؛ فَقَالَ السُّدِّيُّ: كَانَتْ تَعْبُدُهُ حِمْيَرُ وَخُزَاعَةُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: أَوَّلُ مَنْ عَبَدَهُ أَبُو كَبْشَةَ أَحَدُ أَجْدَادِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قِبَلِ أُمَّهَاتِهِ، وَلِذَلِكَ كَانَ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ يُسَمُّونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَ أَبِي كَبْشَةَ حِينَ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَخَالَفَ أَدْيَانَهُمْ؛ وَقَالُوا: مَا لَقِينَا مِنَ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ! وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَقَدْ وَقَفَ فِي بَعْضِ الْمَضَايِقِ وَعَسَاكِرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمُرُّ عَلَيْهِ: لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ. وَقَدْ كَانَ مَنْ لَا يَعْبُدُ الشِّعْرَى مِنَ الْعَرَبِ يُعَظِّمُهَا وَيَعْتَقِدُ تَأْثِيرَهَا فِي الْعَالَمِ."
الحديث الطويل في أوائل الصحيح في قصة هرقل مع أبي سفيان وقد أرسل إليه النبي-صلى الله عليه وسلم- خطاب يدعوه فيه إلى الإسلام، دعا هرقل من كان حوله من العرب فإذا فيهم أبو سفيان وسأله عن النبي-صلى الله عليه وسلم- أسئلة ويجيبها أبو سفيان فقال هرقل: لأن كان ما تقول حقا ليملكن ما تحت قدمي هاتين، فقال أبو سفيان: لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ، لقد أمر يعني عظم أمره، أمر أمر ابن أبي كبشة وإنه ليهابه ملك بني الأصفر. أبو كبشة هذه قالوا إنه جد من أجداده من جهة أمه كما قال هنا وأنه كان يعبد الشعرى وخالف الناس بعبادتها والنبي-صلى الله عليه وسلم- لما دعا هذه الدعوة الحقة إلى الله -جل وعلا-، وإلى توحيده، وخالف الناس فيها قالوا: إن له سلف جده أبو كبشة خالف الناس ومنهم من يقول أنه لا صلة له به في النسب لكن جاء بدعوة إلى بعض الفضائل التي نسيت من قبل العرب أو تركت أبو كبشة دعا إلى بعض الفضائل والنبي-صلى الله عليه وسلم- دعا دعوة إلى فضائل الصدق، والصدقة والعفاف وكذا، قالوا أنه يشبه أبا كبشة كأنه ابنه لأن ذاك متقدم عليه.
"قَالَ الشَّاعِرُ:
مَضَى أَيْلُولُ وَارْتَفَعَ الْحَرُورُ وَأَخْبَتَ نَارَهَا الشِّعْرَى الْعَبُورُ
وَقِيلَ: إِنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ فِي خُرَافَاتِهَا: إِنَّ سُهَيْلًا وَالشِّعْرَى كَانَا زَوْجَيْنِ، فَانْحَدَرَ سُهَيْلٌ فَصَارَ يَمَانِيًّا، فَاتَّبَعَتْهُ الشِّعْرَى الْعَبُورُ فَعَبَرَتِ الْمَجَرَّةَ فَسُمِّيَتِ الْعَبُورُ، وَأَقَامَتِ الْغُمَيْصَاءُ فَبَكَتْ لِفَقْدِ سُهَيْلٍ حَتَّى غَمِصَتْ عَيْنَاهَا فَسُمِّيَتْ غُمَيْصَاءُ لِأَنَّهَا أَخْفَى مِنَ الْأُخْرَى."
هذه من الخرافات التي تجري على ألسنة بعض الناس الذين يروون مثل هذا الكلام الذي لا أصل له.
"{وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى} سَمَّاهَا الْأُولَى لِأَنَّهُمْ كَانُوا مِنْ قبل ثَمُودَ."
يعني أولية نسبيه بالنسبة لما ذكر معها ولذا قالوا قوم نوح من قبله، وليست أولى بالنسبة للوجود بل وجد قبلها أمم. {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى}، سماها الأولى لأنهم قالوا من قبل ثمود في الزمان... إلى الثانية التي تقول إن ثمود من قبل عاد. لا، عاد هي الأولى، ولعل الكلمة الثانية نسل أصح. لكن في مقابلة القول الأول قد يصح أنه من قبل عاد قول ثاني في المسألة وإن كان الأول هو الصحيح.
"وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: قِيلَ لَهَا عَادٌ الْأُولَى لِأَنَّهَا أَوَّلُ أُمَّةٍ أُهْلِكَتْ بَعْدَ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: هُمَا عَادَانِ؛ فَالْأُولَى أُهْلِكَتْ بِالرِّيحِ الصَّرْصَر، ثُمَّ كَانَتِ الْأُخْرَى فَأُهْلِكَتْ بِالصَّيْحَةِ. وَقِيلَ: عَادٌ الْأُولَى هُوَ عَادُ بْنُ إِرَمَ بْنِ عَوْصِ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ، وَعَادٌ الثَّانِيَةُ مِنْ وَلَدِ عَادٍ الْأُولَى؛ وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ. وَقِيلَ: إِنَّ عَادًا الْآخِرَةَ الْجَبَّارُونَ وَهُمْ قَوْمُ هُودٍ. وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ عَادًا الْأُولَى بِبَيَانِ التَّنْوِينِ وَالْهَمْزِ. وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَأَبُو عَمْرٍو "عَادًا الُاولَى" بِنَقْلِ حَرَكَةِ الْهَمْزَةِ إِلَى اللَّامِ وَإِدْغَامِ التَّنْوِينِ فِيهَا."
تقول عادا الأولى بالتشديد.
"إِلَّا أَنَّ قَالُونَ وَالسُّوسِيُّ يُظْهِرَانِ الْهَمْزَةَ السَّاكِنَةَ. وَقَلَبَهَا الْبَاقُونَ وَاوًا عَلَى أَصْلِهَا؛ وَالْعَرَبُ تَقْلِبُ هَذَا الْقَلْبَ فَتَقُولُ: قُمِ الْآنَ عَنَّا وَضُمَّ لِثْنَيْنِ أَيْ قُمِ الْآنَ وَضُمَّ الِاثْنَيْنِ، {وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى} ثَمُودُ هُمْ قَوْمُ صَالِحٍ أُهْلِكُوا بِالصَّيْحَةِ. قُرِئَ "ثَمُودًا" وَقَدْ تَقَدَّمَ."
يعني بالتنوين وعدمه فالتنوين على أنه اسم عربي فيه العالمية لكن ليس فيه العجمة، وبعدمه على أنه أعجمي.
"وَانْتَصَبَ عَلَى الْعَطْفِ عَلَى عَادٍ، {وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ} أَيْ وَأَهْلَكَ قَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلِ عَادٍ وَثَمُودَ {إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى} وَذَلِكَ لِطُولِ مُدَّةِ نُوحٍ فِيهِمْ."
يعني في الدعوة ألف سنة إلا خمسين عاما وما استجاب إلا نفر يسير لا شك أن هذا دليل الظلم والطغيان نسأل الله العافية.
"حَتَّى كَانَ الرَّجُلُ فِيهِمْ يَأْخُذُ بِيَدِ ابْنِهِ فَيَنْطَلِقُ إِلَى نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَيَقُولُ: احْذَرْ هَذَا فَإِنَّهُ كَذَّابٌ، وَإِنَّ أَبِي قَدْ مَشَى بِي إِلَى هَذَا وَقَالَ لِي مِثْلَ مَا قُلْتُ لَكَ؛ فَيَمُوتُ الْكَبِيرُ عَلَى الْكُفْرِ، وَيَنْشَأُ الصَّغِيرُ عَلَى وَصِيَّةِ أَبِيهِ. وَقِيلَ: إِنَّ الْكِنَايَةَ تَرْجِعُ إِلَى كُلِّ مَنْ ذُكِرَ مِنْ عَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ نُوحٍ."
إن هؤلاء المذكورون كانوا هم أظلم، وأطغى.
"أَيْ كَانُوا أَكْفَرَ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَأَطْغَى. فَيَكُونُ فِيهِ تَسْلِيَةٌ وَتَعْزِيَةٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ لَهُ: فَاصْبِرْ أَنْتَ أَيْضًا فَالْعَاقِبَةُ الْحَمِيدَةُ لَكَ."
لكن مقتضى التقسيم في الآيات أن لكل أمة ما يخصها: أهلك عادا الأولى وأهلك أيضاً ثمود فما أبقى وقوم نوح أهلكهم من قبل هؤلاء إنهم يعني لأنهم كانوا أظلم وأطغى، قوم نوح والضمير يعود إلى آخر المذكور.
"{وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى} يَعْنِي مَدَائِنَ قَوْمِ لُوطٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ ائْتَفَكَتْ بِهِمْ، أَيِ: انْقَلَبَتْ وَصَارَ عَالِيَهَا سَافِلَهَا. يُقَالُ: أَفَكْتُهُ أَيْ قَلَبْتُهُ وَصَرَفْتُهُ. (أَهْوَى) أَيْ خُسِفَ بِهِمْ بَعْدَ رَفْعِهَا إِلَى السَّمَاءِ؛ رَفَعَهَا جِبْرِيلُ ثُمَّ أَهْوَى بِهَا إِلَى الْأَرْضِ. وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: جَعَلَهَا تَهْوِي. وَيُقَالُ: هَوَى بِالْفَتْحِ يَهْوِي هُوِيًّا أَيْ سَقَطَ وَ "أَهْوَى" أَيْ أَسْقَطَ. {فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى} أَيْ أَلْبَسَهَا مَا أَلْبَسَهَا مِنَ الْحِجَارَةِ؛
هوى يهوى يعني سقط وهوي يهوى أحب.
"قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ} وَقِيلَ: إِنَّ الْكِنَايَةَ تَرْجِعُ إِلَى جَمِيعِ هَذِهِ الْأُمَمِ."
كناية يعني الضمير فغشاها.
"أَيْ غَشَّاهَا مِنَ الْعَذَابِ مَا غَشَّاهُمْ، وَأَبْهَمَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ أُهْلِكَ بِضَرْبٍ غَيْرِ مَا أُهْلِكَ بِهِ الْآخَرُ."
جاء بلفظ يصلح للجميع. عقوباتهم مختلفة وما عذبوا به وأهلكوا به متفاوت في كل أمة نوع من العذاب فجاء بفعل يصلح لجميع ما تقدم، {فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى} [النجم:54] يعني يصلح لأن يكون بالصيحة ويصلح أن يكون قلب البلدان ويصلح أن يكون بأنواع العذاب السابقة...
{فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى} [النجم:54]، إذا حذف المفعول دل على العموم، عموم جميع ما يتصور يسرح الذهن فيه كل مسرح يعني كل ما تقدم يصلح.
"وَقِيلَ: هَذَا تَعْظِيمُ الْأَمْرِ. {فَبِأَيِ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى} أَيْ فَبِأَيِ نِعَمِ رَبِّكَ تَشُكُّ. وَالْمُخَاطَبَةُ لِلْإِنْسَانِ الْمُكَذِّبِ. وَالْآلَاءُ النِّعَمُ وَاحِدُهَا أَلًى وَإِلًى وَإِلْيٌ. وَقَرَأَ يَعْقُوبُ "تَّمَارَى" بِإِدْغَامِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ فِي الْأُخْرَى وَالتَّشْدِيدِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى} قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: يُرِيدُ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَذِيرٌ بِالْحَقِّ الَّذِي أَنْذَرَ بِهِ الْأَنْبِيَاءَ قَبْلَهُ، فَإِنْ أَطَعْتُمُوهُ أَفْلَحْتُمْ، وَإِلَّا حَلَّ بِكُمْ مَا حَلَّ بِمُكَذِّبِي الرُّسُلِ السَّالِفَةِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: يُرِيدُ الْقُرْآنَ، وَأَنَّهُ نَذِيرٌ بِمَا أَنْذَرَتْ بِهِ الْكُتُبُ الْأُولَى. وَقِيلَ: أَيْ هَذَا الَّذِي أَخْبَرْنَا بِهِ مِنْ أَخْبَارِ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ الَّذِينَ هَلَكُوا تَخْوِيفٌ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ أَنْ يَنْزِلَ بِهِمْ مَا نَزَلَ بِأُولَئِكَ مِنَ النُّذُر..."
يعني هذه الفائدة من ذكر الأمم السابقة قصص الأمم السابقة ليست للتسلية وإنما للاعتبار والخوف من المآل الذي يشبهم مآلهم. كان عمر يقرأ القصص فيقول: مضى القوم ولم يرد به سوانا، هذه القصص لا تقرأ على أساس أنها تسلية وإنما تقرأ للاعتبار، والأدكار لأنا لا نسلك مسالكهم فنهلك كما هلكوا وكذلك كالقراءة لكتب التاريخ ليست للتسلية والاستجمام فقط. قد يؤخذ من هذا ويستريح بها طالب العلم لكن أعظم من ذلك الاعتبار، وما أشبه الليلة بالبارحة والسنن الإلهية لا تتغير، ولا تتبدل. تولى القوم فاستبدلوا، وكذلك من يأتي بعدهم (وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ) وهكذا...
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ)
يعني لا يجوز الخروج عما اتفق عليه السلف في التفسير مثلاً لأن تواطئوا عليه في معنى في معنى من المعاني يتواطئون على أن هذه الكلمة معناها كذا لكن بعد الاستيعاب لجميع الأقوال لكن قد يلوح للمتأخر إضافة إلى هذا المعنى الذي اتفقوا عليه قدر ذائد على ذلك. قد يفتح الله عليه أن هذه الكلمة أن معناها النعم، لكن لماذا خصت الآلاء في هذا الموضع وفي سورة الرحمن ولم يؤت بالنعم، قد يلوح له معنى يعني ما ذكر قبله ما فيه إشكال وحينئذ لا يكون خرج عن اتفاق الأولين وهذا كثير. كل تفسير تجد فيه فوائد زائدة والتفسير بالرأي حرام. هل نقول إن هذه الزوائد محرمة؟ إذا اتفق على الأصول، ولم يخرج عما فسر به السلف، السلف أحيانا يفسرون بالمثال هل نقتصر على مثالهم الذين ذكروه؟ أو نقول إن اللفظ يتناول جميع ما يندرج تحته من مفردات لكن يبقى القدر المشترك الذي اتفقوا عليه لابد منه... لكن يأتي بالنعم ويزيد عليه ولماذا خصت هذه الكلمة في هذا الموضع ولو لم يطلع على قول سابق ما فيه إشكال.
"تَخْوِيفٌ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ أَنْ يَنْزِلَ بِهِمْ مَا نَزَلَ بِأُولَئِكَ مِنَ النُّذُرِ أَيْ مِثْلَ النُّذُرِ؛ وَالنُّذُرُ فِي قَوْلِ الْعَرَبِ بِمَعْنَى الْإِنْذَارِ كَالنُّكُرِ بِمَعْنَى الْإِنْكَارِ؛ أَيْ هَذَا إِنْذَارٌ لَكُمْ. وَقَالَ أَبُو مَالِكٍ: هَذَا الَّذِي أَنْذَرْتُكُمْ بِهِ مِنْ وَقَائِعِ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ هُوَ فِي صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى. وَقَالَ السُّدِّيُّ: أَخْبَرَنِي أَبُو صَالِحٍ قَالَ: هَذِهِ الْحُرُوفُ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ} إِلَى قَوْلِهِ: {هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى} كُلُّ هَذِهِ فِي صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى."
يعني مثل ما جاء في سورة الأعلى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى:14] إلى آخر السورة.
"قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَزِفَتِ الْآزِفَةُ} أَيْ قَرُبَتِ السَّاعَةُ وَدَنَتِ الْقِيَامَةُ. وَسَمَّاهَا "آزِفَةٌ" لِقُرْبِ قِيَامِهَا عِنْدَهُ؛ كَمَا قَالَ: {يَرَوْنَهُ بَعِيدًا وَنَرَاهُ قَرِيبًا}."
والنبي –صلى الله عليه وسلم- بعث والساعة كهاتين.
"وقِيلَ: سَمَّاهَا "آزِفَةٌ" لِدُنُوِّهَا مِنَ النَّاسِ وَقُرْبِهَا مِنْهُمْ لِيَسْتَعِدُّوا لَهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا هُوَ آتٍ قَرِيبٌ. قَالَ:
أَزِفَ التَّرَحُّلُ غَيْرَ أَنَّ رِكَابَنَا لَمَّا تَزَلْ بِرِحَالِنَا وَكَأَنْ قَدِ
وَفِي الصِّحَاحِ: أَزِفَ التَّرَحُّلُ يَأْزَفُ أَزَفًا أَيْ دَنَا وَأَفِدَ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَزِفَتِ الْآزِفَةُ} يَعْنِي الْقِيَامَةَ."
وأزف الرجل عجل، أي عجل.
"وَأَزِفَ الرَّجُلُ أَيْ عَجِلَ فَهُوَ آزِفٌ عَلَى فَاعِلٍ، وَالْمُتَآزِفُ الْقَصِيرُ وَهُوَ الْمُتَدَانِي. قَالَ أَبُو زَيْدٍ: قُلْتُ لِأَعْرَابِيٍّ مَا الْمُحْبَنْطِئُ؟ قَالَ: الْمُتَكَأْكِئُ. قُلْتُ: مَا الْمُتَكَأْكِئُ؟ قَالَ: الْمُتَآزِفُ. قُلْتُ: مَا الْمُتَآزِفُ؟ قَالَ: أَنْتَ أَحْمَقُ وَتَرَكَنِي وَمَرَّ."
نعم إذا كانت الكلمة غير دارجة وغير معروفة يعني ممكن يخفى معناها، الْمُحْبَنْطِئُ يمكن أن يسأل عن معناها ويجاب قال: المتكأكي قال ما المتكأكئ قال المتآزف يعني كان ما تعرف كلمة أبو زيد من أئمة اللغة ما تعرف كلمة موجودة في القرآن يعرفها الخاص والعام ما تفهم ما تحتاج أت تجاب.
"{لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ} أَيْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ يُؤَخِّرُهَا أَوْ يُقَدِّمُهَا. وَقِيلَ: {كَاشِفَةٌ} أَيِ: انْكِشَافٌ أَيْ لَا يَكْشِفُ عَنْهَا وَلَا يُبْدِيهَا إِلَّا اللَّهُ؛ فَالْكَاشِفَةُ اسْمٌ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ وَالْهَاءُ فِيهِ كَالْهَاءِ فِي الْعَاقِبَةِ وَالْعَافِيَةِ وَالدَّاهِيَةِ وَالْبَاقِيَةِ..."
يعني المبالغة.
"كَقَوْلِهِمْ: مَا لِفُلَانٍ مِنْ بَاقِيَةٍ أَيْ مِنْ بَقَاءٍ. وَقِيلَ: أَيْ لَا أَحَدَ يَرُدُّ ذَلِكَ؛ أَيْ أَنَّ الْقِيَامَةَ إِذَا قَامَتْ لَا يَكْشِفُهَا أَحَدٌ مِنْ آلِهَتِهِمْ وَلَا يُنْجِيهِمْ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَدْ سُمِّيَتِ الْقِيَامَةُ "غَاشِيَةٌ"، فَإِذَا كَانَتْ غَاشِيَةٌ كَانَ رَدُّهَا كَشْفًا، فَالْكَاشِفَةُ عَلَى هَذَا نَعْتُ مُؤَنَّثٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيْ نَفْسٌ كَاشِفَةٌ أَوْ فِرْقَةٌ كَاشِفَةٌ أَوْ حَالٌ كَاشِفَةٌ. وَقِيلَ: إِنَّ كَاشِفَةً بِمَعْنَى كَاشِفٍ وَالْهَاءُ لِلْمُبَالَغَةِ مِثْلُ رَاوِيَةٍ وَدَاهِيَةٍ."
يعني لا يستطيع أحد أن يكشفها دون الله -جل وعلا-.
"قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ} يَعْنِي الْقُرْآنَ. وَهَذَا اسْتِفْهَامُ تَوْبِيخٍ تَعْجَبُونَ تَكْذِيبًا بِهِ وَتَضْحَكُونَ اسْتِهْزَاءً وَلَا تَبْكُونَ انْزِجَارًا وَخَوْفًا مِنَ الْوَعِيدِ. وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا رُئِيَ بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ ضَاحِكًا إِلَّا تَبَسُّمًا."
طالب:.....
" وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَمَّا نَزَلَتْ {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ} قَالَ أَهْلُ الصُّفَّةِ: "إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ" ثُمَّ بَكَوْا حَتَّى جَرَتْ دُمُوعُهُمْ عَلَى خُدُودِهِمْ، فَلَمَّا سَمِعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بُكَاءَهُمْ بَكَى مَعَهُمْ فَبَكَيْنَا لِبُكَائِهِ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَا يَلِجُ النَّارَ مَنْ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مُصِرٌّ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ وَيَرْحَمُهُمْ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ»."
طالب: ......
مضعف.
"وَقَالَ أَبُو حَازِمٍ: نَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعِنْدَهُ رَجُلٌ يَبْكِي، فَقَالَ لَهُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا فُلَانٌ؛ فَقَالَ جِبْرِيلُ: إِنَّا نَزِنُ أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا إِلَّا الْبُكَاءَ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيُطْفِئُ بِالدَّمْعَةِ الْوَاحِدَةِ بُحُورًا مِنْ جَهَنَّمَ."
وكلها ضعيفة لكن جاء في البكاء من خشية الله جاء من نصوص كثيرة متضافرة.
«عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ الله، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ الله»
"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ} أَيْ لَاهُونَ مُعْرِضُونَ. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ رَوَاهُ الْوَالِبِيُّ وَالْعَوْفِيُّ عَنْهُ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ عَنْهُ: هُوَ الْغِنَاءُ بِلُغَةِ حِمْيَرَ؛ يُقَالُ: سَمِّدْ لَنَا أَيْ غَنِّ لَنَا، فَكَانُوا إِذَا سَمِعُوا الْقُرْآنَ يُتْلَى تَغَنَّوْا وَلَعِبُوا حَتَّى لَا يَسْمَعُوا."
ويوصي بعضهم بعضاً (لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ).
طالب:...
أحياناً هذا غالب. (حتى بدت نواجذه)
"وَقَالَ الضَّحَّاكُ: {سَامِدُونَ}: شَامِخُونَ مُتَكَبِّرُونَ. وَفِي الصِّحَاحِ: سَمَدَ سُمُودًا رَفَعَ رَأْسَهُ تَكَبُّرًا وَكُلُّ رَافِعٍ رَأْسَهُ فَهُوَ سَامِدٌ؛ قَالَ:
سَوَامِدُ اللَّيْلِ خِفَافُ الْأَزْوَادْ
يَقُولُ : لَيْسَ فِي بُطُونِهَا عَلَفٌ. وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: سَمَدْتُ سُمُودًا عَلَوْتُ. وَسَمَدَتِ الْإِبِلُ فِي سَيْرِهَا جَدَّتْ. وَالسُّمُودُ اللَّهْوُ، وَالسَّامِدُ اللَّاهِي؛ يُقَالُ لِلْقَيْنَةِ: أَسْمِدِينَا؛ أَيْ أَلْهِينَا بِالْغِنَاءِ. وَتَسْمِيدُ الْأَرْضِ أَنْ يَجْعَلَ فِيهَا السَّمَادَ وَهُوَ سِرْجِينٌ وَرَمَادٌ. وَتَسْمِيدُ الرَّأْسِ اسْتِئْصَالُ شَعْرِهِ، لُغَةٌ فِي التَّسْبِيدِ."
يعني جاء في الخوارج سيماهم التسبيد يعني حلق الرأس.
"وَاسْمَأَدَّ الرَّجُلُ بِالْهَمْزِ اسْمِئْدَادًا أَيْ وَرِمَ غَضَبًا. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ مَعْنَى سَامِدُونَ أَنْ يَجْلِسُوا غَيْرَ مُصَلِّينَ وَلَا مُنْتَظِرِينَ الصَّلَاةَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: وَاقِفُونَ لِلصَّلَاةِ قَبْلَ وُقُوفِ الْإِمَامِ؛ وَمِنْهُ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ خَرَجَ وَالنَّاسُ يَنْتَظِرُونَهُ قِيَامًا فَقَالَ: « مَا لِي أَرَاكُمْ سَامِدِينَ». حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيُّ عَنْ عَلِيٍّ، وَأَنَّهُ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ فَرَأَى النَّاسَ قِيَامًا يَنْتَظِرُونَهُ فَقَالَ: مَا لَكُمْ سَامِدُونَ."
مخرج؟
طالب: ......
"وَالْمَعْرُوفُ فِي اللُّغَةِ: سَمَدَ يَسْمُدُ سُمُودًا إِذَا لَهَا وَأَعْرَضَ. وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: سَامِدُونَ: خَامِدُونَ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
أَتَى الْحِدْثَانُ نِسْوَةَ آلِ حَرْبٍ بِمَقْدُورٍ سَمَدْنَ لَهُ سُمُودَا |
وَقَالَ صَالِحُ أَبُو الْخَلِيلِ: لَمَّا قَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ} لَمْ يُرَ ضَاحِكًا إِلَّا مُبْتَسِمًا حَتَّى مَاتَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ ذَكَرَهُ النَّحَّاسُ."
مخرج. هو الذي تقدم.
"قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} قِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ سُجُودُ تِلَاوَةِ الْقُرْآن. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ.."
وأحمد أيضاً فالأئمة الثلاثة على أن هذه من مواضع السجود كبقية سجدات المفصلة الثلاث، ومالك لا يراها موضعا للسجود لا هي ولا (الانشقاق) ولا (اقرأ) المفصل فيه السجود عند مالك والجمهور على أنها من مواضعه، وتقدم أن النبي-صلى الله عليه وسلم- سجد وسجد من معه من المسلمين والمشركين.
"وَقَدْ تَقَدَّمَ أَوَّلَ السُّورَةِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ فِيهَا وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُشْرِكُونَ. وَقِيلَ: إِنَّمَا سَجَدَ مَعَهُ الْمُشْرِكُونَ لِأَنَّهُمْ سَمِعُوا أَصْوَاتَ الشَّيَاطِينِ فِي أَثْنَاءِ قِرَاءَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} وَأَنَّهُ قَالَ: تِلْكَ الْغَرَانِيقُ الْعُلَا وَشَفَاعَتُهُنَّ تُرْتَجَى. كَذَا فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ تُرْتَجَى. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْعَالِيَةِ وَشَفَاعَتُهُنَّ تُرْتَضَى، وَمِثْلُهُنَّ لَا يُنْسَى. فَفَرِحَ الْمُشْرِكُونَ وَظَنُّوا أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي (الْحَجِّ)."
وهذا الخبر قصة الغرانيق هذه جاءت من طرق كثيرة متعددة. يقول بن حجر: مما يدل على أن لها أصلها، ولكن لفظها منكر وباطل لأنه ينافي العصمة في أخص الأمور الذي هو التبليغ الذي عليه أئمة التحقيق أنها باطلة ولا تصح بحال وموضوعة مكذوبة مختلقة، وللشيخ الألباني -رحمه الله- رسالة اسمها: نصب المجانيق على قصة الغرانيق فأجاد وأحسن رحمة الله عليه.
"فَلَمَّا بَلَغَ الْخَبَرَ بِالْحَبَشَةِ مَنْ كَانَ بِهَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجَعُوا ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ آمَنُوا؛ فَكَانَ أَهْلُ مَكَّةَ أَشَدَّ عَلَيْهِمْ وَأَخَذُوا فِي تَعْذِيبِهِمْ إِلَى أَنْ كَشَفَ اللَّهُ عَنْهُمْ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ سُجُودُ الْفَرْضِ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ؛ كَانَ لَا يَرَاهَا مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ. وَرَوَى أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَانَ آخِرُ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْكَ السُّجُودِ فِي الْمُفَصَّلِ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِيهِ آخِرَ (الْأَعْرَافِ) مُبَيَّنًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ."
ويقول والأول أصح؛ لأنها من عزائم السجود وهو قول الجمهور وبذلك يكون المفسر خالف مذهبه وخالف إمامه تبعًا للدليل...
"