بلوغ المرام - كتاب البيوع (17)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني -رحمه الله تعالى-:
باب: المساقاة والإجارة
عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من تمر أو زرع. متفق عليه.
وفي رواية لهما: فسألوه أن يقرهم بها على أن يكفوا عملها ولهم نصف التمر، فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((نقركم بها على ذلك ما شئنا)) فقروا بها حتى أجلاهم عمر -رضي الله تعالى عنه-.
ولمسلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر وأرضها على أن يعتملوها من أموالهم، ولهم شطر تمرها.
وعن حنظلة بن قيس -رضي الله تعالى عنه- قال: سألت رافع بن خديج -رضي الله تعالى عنه- عن كراء الأرض بالذهب والفضة، فقال: لا بأس به، إنما كان الناس يؤاجرون على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الماذيانات وأقبال الجداول وأشياء من الزرع، فيهلك هذا ويسلم هذا، ويسلم هذا ويهلك هذا، ولم يكن للناس كراء إلا هذا، فلذلك زجر عنه، فأما شيء معلوم مضمون فلا بأس به، رواه مسلم.
وفيه بيان لما أجمل في المتفق عليه من إطلاق النهي عن كراء الأرض.
وعن ثابت بن الضحاك -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن المزارعة وأمر بالمؤاجرة، رواه مسلم أيضاً.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: المساقاة والإجارة
المساقاة مفاعلة من السقي، وهي دفع الشجر لمن يقوم بسقيه، وعمل سائر ما يحتاج إليه، والمزارعة دفع الأرض لمن يزرعها، وجاء في المزارعة والمساقاة ما جاء من المنع، حدث رافع بن خديج بالمنع عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكان ابن عمر يفعلها، ثم امتنع لما سمع رافعاً ينقل عن النبي -عليه الصلاة والسلام- المنع منها.
وهنا في حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عامل أهل خيبر، أهل خيبر لما فتحها النبي -صلى الله عليه وسلم- عنوة، وصارت ملكاً له، واليهود هم أهلها، هم سكانها، هم الذين يعملون فيها، عاملهم النبي -عليه الصلاة والسلام- لأنها انتقلت إلى ملكه -صلى الله عليه وسلم-، بشطر ما يخرج منها، الشطر النصف، نصف ما يخرج منها من غلة من تمر أو زرع، متفق عليه.
فهذا دليل على جواز المزارعة والمساقاة، فعاملهم على شطر ما يخرج منها، العلماء يختلفون في حكمها، يختلفون في حكم المزارعة نظراً لما جاء فيها من الأحاديث المتعارضة، فمنعها جمع من أهل العلم، وأباحها آخرون، ولكل دليله، فأحاديث المنع تمسك بها من قال بعدم الجواز، وأجابوا عن مثل هذا الحديث الذي هو من أدلة القائلين بالجواز، أجابوا عن هذا بقولهم: إن أهل خيبر لما فتحها النبي -عليه الصلاة والسلام- عنوة صاروا ملكاً له كأرضهم، فيعطيهم من ثمرتها ما شاء، ويأخذ ما شاء، وليس هذا عقد لازم بين طرفين، لا، وإنما هؤلاء ملك للنبي -عليه الصلاة والسلام- فيعطيهم منها ما شاء، ويأخذ ما شاء، لكن الأصل أن مثل هذا عامل أهل خيبر، يعني عاقدهم على العمل بها بشطر ما يخرج منها، أجرة لهم، بشطر ما يخرج منها من ثمرة أو زرع، متفق عليه.
فكون الأرض تدفع لمن يزرعها على أن يتفق الطرفان على جزء معلوم مشاع مما يخرج هذه الصورة لا إشكال فيها، وهي من أقرب الصور إن لم تكن أقرب من المضاربة، بحيث يأخذ العامل المال، ويعمل فيه الثاني ببدنه ويكون الربح بينهما، وقد تقدم الكلام فيها، هذا يدفع الأرض والثاني يعمل في هذه الأرض، وتكون الثمرة بينهما، أو على ما يتفقان عليه، على أن يكون الشطر المتفق عليه، أو الأجرة المتفق عليها جزء مشاع من الثمرة، جزء معلوم مشاع، إيش معنى معلوم؟ يعني يقال للعامل: لك النصف، لك الربع، لك الثلث، ويرضى بذلك، ويكون مشاعاً من جميع ما تنتجه المزرعة لا من جهة بعينها، ما يقال للعامل: لك النصف، النصف الذي ينتجه النصف الشمالي، ولصاحب الأرض ما ينتجه النصف الجنوبي، مثل هذا قد يكون فيه ضرر على الطرفين، قد يسلم هذا ويهلك هذا، فيتضرر هذا ويربح هذا، وقد يسلم هذا ويهلك هذا ويكون العكس، هذا هو الذي نزل عليه أهل العلم ما جاء من النصوص التي تمنع من المزارعة والمساقاة، أما إذا قيل للعامل خذ هذه الأرض وازرعها على أن يكون لك النصف أو الثلث أو الربع مما تخرجه من الثمرة، فيكون معلوم بالنصف بالربع بالثلث، ويكون أيضاً مشاع، ليس بنتاج جزء معين من الأرض، فعلى هذا تحمل النصوص.
"وفي رواية لهما سألوه أن يقرهم بها على أن يكفوا عملها" يريحوه من عملها، يقوموا بعملها، "ولهم نصف الثمر" والنصف هو الشطر الذي تقدم ذكره "فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((نقركم بها على ذلك ما شئنا))" فهل تجوز المزارعة إلى أجل مجهول؟ لأن ما شئنا مجهول ((نقركم بها على ذلك ما شئنا)) لأنه -عليه الصلاة والسلام- يريد إجلائهم عن جزيرة العرب، قد أمر بذلك وفعله عمر -رضي الله تعالى عنه-، فالمشيئة هذه مردها إلى تقرير الحكم الذي أراده -عليه الصلاة والسلام- وهو إجلائهم، وليس في هذا دليل على أن المزارعة تصح مع الجهالة، قد تصح مع العلم من وجه، والجهل من وجه، إيش معنى هذا الكلام؟ تصح على أن تكون إلى نتاج الزرع، يعني لمدة سنة، حتى ينتج هذا الزرع الذي اتفق عليه، وأما بالنسبة لأعداد السنوات القادمة، قد يجدد العقد وقد لا يجدد، ولذا يقول: ((نقركم بها على ذلك ما شئنا)) يعني إلى أن تنتج الثمرة، وتستحقوا ما اتفقنا عليه، وبعد ذلك ننظر إلى ما شئنا.
"فقروا بها" قروا يعني استقروا وثبتوا ومكثوا بها في عهده -عليه الصلاة والسلام-، وفي عهد أبي بكر إلى أن جاء عمر فأجلاهم إلى تيما وأريحا، "فقروا بها حتى أجلاهم عمر"، "ولمسلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر، وأرضها على أن يعتملوها" يعني على أن يعملوا فيها من أموالهم، ويكون البذر والسقي، وكل ما يتطلبه الحرث والزرع عليهم "على أن يعتملوها من أموالهم ولهم شطر ثمرها" في بعض النسخ: "وله -عليه الصلاة والسلام- شطر ثمرها" والخلاف غير مؤثر؛ لأنه إذا كان لهم الشطر فالباقي لمن؟ له -عليه الصلاة والسلام-، وإذا كان له -عليه الصلاة والسلام- الشطر فالباقي لهم.
في الحديث الذي يليه، يقول:
"وعن حنظلة بن قيس -رضي الله تعالى عنها- قال: سألت رافع بن خديج" رافع هو الذي يحفظ أحاديث المزارعة، وهو المرجع في هذا، يقول حنظلة بن قيس: "سألت رافع بن خديج -رضي الله عنه- عن كراء الأرض بالذهب والفضة، فقال: لا بأس به" لا بأس بكراء الأرض؛ لأنه لما كثرت رواية الحديث في هذا الباب عند رافع بن خديج بالمنع ظن بعض الناس أنها لا تجوز ولا إجارة في الأرض، فسئل عن كراء الأرض بالذهب والفضة، يعني شخص عنده أرض، فقال له شخص: أنا أريد أن استأجر منك هذه الأرض لأزرعها بعشرة آلاف سنوي، بمائة ألف سنوي، بالذهب والفضة لا بأس.
"فقال: لا بأس، إنما كان الناس" شوف على هذا تنزل أحاديث المنع "إنما كان الناس يؤاجرون على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الماذيانات" مسايل المياه، يؤاجرون على الماذيانات فيكون الذي على مسيل الماء، القريب من الماء الذي تكثر ثمرته، وتضمن ثمرته يكون لصاحب الأرض "وأقبال الجداول" أوائل الجداول والسواقي والأنهار الصغيرة، يعني أوائلها يكون أكثر ثمراً، فصاحب الأرض يشترط هذه المواقع الإستراتيجية له، ويترك للعامل بقية الأرض.
"إنما كان الناس يؤاجرون على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الماذيانات، وأقبال الجداول، وأشياء من الزرع" المعينة، محددة المكان "فيهلك هذا" يهلك ما اشترط، ويسلم غيره، وقد يسلم غيره أو يهلك المشترَط ويسلم غيره، المقصود أنه قد يهلك المشترط، ويسلم غيره أو العكس، فيكون الضرر على واحد، فيكون عمل العامل هدراً، والشرع إنما جاء بالعدل والإنصاف والمساواة والرحمة لجميع الأطراف، فإذا اشتركوا في الغنم والغرم لا بأس، أما إذا كان الغنم لأحدهم والغرم على واحد فقط فمثل هذا لا يأتي به الشرع.
"فيسلم هذا ويهلك هذا –والعكس- ولم يكن للناس كراء إلا هذا" ما كان الناس يعملون في الأراضي إلا على هذه الطريقة، بهذا الشرط "فلذلك زجر عنه" نهى عنه لهذه العلة "فأما شيء معلوم مضمون فلا بأس به" شيء معلوم مضمون من أجر بالذهب والفضة، أو من جزء معلوم مشاع من جميع الأرض، يكون لطرف والباقي للطرف الثاني، بأن يكون مشاعاً، جزء معلوم مشاع، يعني جزء معلوم قدره ربع ثلث نصف، ومشاع لا يتعلق بجهة معينة من الأرض، فهذا لا باس به "رواه مسلم" يقول المؤلف: "وفيه بيان لما أجمل في المتفق عليه من إطلاق النهي عن كراء الأرض" هذا الحديث مبين ومفسر للأحاديث التي فيها النهي عن كراء الأرض، والنهي عن المزارعة، والنهي على هذا يتنزل، إذا اشترط صاحب الأرض جهة معينة يغلب على ظنه أن غلتها تكون أكثر تمنع، وإذا قال: على النصف على الربع وأطلق وقبل العامل انتهى الإشكال، ليشتركا في الغنم والغرم، من أهل العلم من حمل النهي على أول الأمر، لما هاجر الصحابة من مكة إلى المدينة صاروا بحاجة إلى عمل، وليس لديهم ما يعملون به، تركوا أهلهم وأموالهم لله -جل وعلا-، تركوا وطنهم وأموالهم لله -جل وعلا-، فجاءوا إلى المدينة وهم بحاجة إلى عمل يعملونه يتقوتون منه، فنهى عن كراء الأرض، وأمر بأن يزرع صاحب الأرض أرضه بنفسه أو يدفعها لمن يزرعها بدون مقابل، يعني يحسن بها الأنصاري على أخيه المهاجر ليستفيد منها، فنظراً لحاجتهم نهى عن كراء المزارع سواء كان بالنسبة أو بالذهب والفضة، نهى عنها مطلقاً ليستفيد المهاجر الذي ترك ماله لله -جل وعلا-، فمراده بالنهي الإحسان على المهاجرين من قبل الأنصار.
ولمثل هذه الظروف تصدر بعض الأحكام، وقد نهى النبي -عليه الصلاة والسلام- عن ادخار لحوم الأضاحي، ثم أباح ذلك، وبين أنه إنما نهى من أجل الدافة، قوم قدموا إلى المدينة لحاجة شديدة، فلو ادخر الناس لحوم الأضاحي ما صار لهؤلاء شيء يأكلونه، فأراد النبي -عليه الصلاة والسلام- ألا يدخر الناس بل يعطوا هؤلاء المحتاجين.
هذا ما يتعلق بالشق الأول من الترجمة، باب المساقاة، والشق الثاني الإجارة، وعطفها من باب عطف العام على الخاص؛ لأن حقيقة المساقاة والمزارعة إجارة؛ لأن حقيقتها إجارة.
سم.
وعن ثابت بن الضحاك -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن المزارعة وأمر بالمؤاجرة. رواه مسلم أيضاً.
الحديث تابع وقد قرئ، تابع للشق الأول من الترجمة، حديث ثابت بن الضحاك -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن المزارعة، والنهي عن المزارعة إنما كان سببه ما ذُكر، إما الإحسان إلى المهاجرين، أو المزارعة التي كانت موجودة في أول عهده -عليه الصلاة والسلام- أنهم كانوا يؤاجرون على الماذيانات، وأقبال الجداول، وأشياء من زرع، فنهوا عن ذلك، يحمل النهي على ما ذكرنا سابقاً على هذه الصورة، وأمر بالمؤاجرة بالدراهم والدنانير أو بالجزء المشاع، وهذه كلها مؤاجرة.
وعن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال: احتجم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأعطى الذي حجمه أجره، ولو كان حراماً لم يعطه. رواه البخاري.
وعن رافع بن خديج -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((كسب الحجام خبيث)) رواه مسلم.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: احتجم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأعطى الذي حجمه أجره، ولو كان حراماً لم يعطه" وهذا دليل على أن مزاولة هذه المهنة حلال وليست حراماً، بدليل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- احتجم، والناس بحاجة إلى الحجام، ولو حرمت الحجامة لما وجد من يحجم الناس، فهذه المهنة مباحة للحاجة إليها؛ ولأن النبي -عليه الصلاة والسلام- احتجم وأعطى الحجام أجره، ويقول الراوي: ولو كان حراماً لم يعطه، وكأن ابن عباس ساق الحديث مستدلاً به على من يحرم الحجامة، أو يحرم كسب الحجام، مستدلاً بالحديث الذي يليه حديث رافع بن خديج -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((كسب الحجام خبيث)) رواه مسلم، وإذا جاء النص بهذا اللفظ فقد جاء قوله -جل وعلا-: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [(157) سورة الأعراف] فإذا كان كسبه خبيث فالحجامة محرمة، وما يترتب عليها من كسب محرم؛ لأنه خبيث، لكن لا يلزم من وصف الشيء بكونه خبيثاً أن يكون حراماً؛ لأن الخبيث كما يطلق على الحرام يطلق أيضاً على المهن الوضيعة، وعلى الأعيان الدنيئة {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ} [(267) سورة البقرة] يعني لو كان عندك نوع جيد من الطعام، ونوع أقل رديء، قلنا: إن هذا الرديء خبيث، لكن هل نقول: إن أكله حرام؟ اشتريت كيس من الرز مثلاً، فلما جربه الأهل وطبخوه وجدوه ما يناسبهم، فقالوا: تصدق به، واشترِ لنا أفضل منه، يعني وجد رز يباع معروض بسبعين بثمانين قال: فرصة هذا رخيص نجربه، فلما اشتراه وطبخوا منه قالوا: هذا ما يناسبنا، هذا تصدق به، واشترِ لنا من أبو مائة وخمسين، مائة وأربعين الذي تعودنا عليه {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ} [(267) سورة البقرة] لو لك رز سلم عند شخص فيأتي لك بمثل هذا الرز وأنت اشترطت عليه من النوع الطيب تقبل وإلا ما تقبل؟ {وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ} [(267) سورة البقرة] تتسامح وتتنازل إما طلباً لما عند الله -جل وعلا-، أو بعد خشية على مالك، تقول: إن ما أخذت هذا ما هو بجايب غيره، {وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ} [(267) سورة البقرة] فهذا خبيث لأنه رديء لا لأنه محرم، فالخبيث مشترك بين المحرم {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [(157) سورة الأعراف] وبين الأدنى، فلا شك أن مهنة الحجامة دناءة، والكسب المترتب على الدنيء دنيء فكسبه خبيث، وجاء ما يدل على حله أنه جاء قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((أطعمه ناضحك)) أو ((أطعمه غلامك)) يعني لا تأكله أنت، من هذا الطعام الدنيء، أبحث عن طعام جيد تقيم به نفسك ومن تحت يدك، لكن هذا المال الدنيء ابحث له عما يناسبه من الأدنياء، وعلى هذا الأموال التي فيها الشبهات، أو ما يراد التخلص منه من الأموال الخبيثة يُبحث لها عن المصارف المناسبة، شخص تاب من ربا وعنده ملايين، هل نقول: إن مثل هذا المال يصرف في مصارف البر وأعمال البر؟ نقول: ((إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً)) ومثل هذا لا تجوز الصدقة به، وإنما يتخلص منه، ويبحث له عن المصارف المناسبة، فلو وضع في دورات المياه أو في المجاري وما أشبه ذلك مناسب، وقال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أطعمه ناضحك)) ولو كان حراماً لأمره بإتلافه، ولم يأمر بإعلافه النواضح، فالحجامة جائزة لا إشكال فيها، وما ترتب عليها من أجرة جائز إلا أنه ليس بطعام مناسب للأحرار، لعلية القوم، يناسب لسفلة الناس وأرذالهم وأدنيائهم، ويطعم النواضح ويطعم الرقيق لا بأس، وليس بحرام، وعلى هذا على الإنسان أن يترفع عن مثل هذه الأعمال، وإن وجدت بين الناس فالأدلة تدل على أن هذا مما ينبغي أن يتعاون فيه الناس بعضهم مع بعض من دون أخذ أجرة، ولذا وصف الكسب المرتب عليها بالخبث؛ لكي تسود بين الناس روح التعاون، وأن مثل هذا يتداوله الناس فيما يبنهم من غير مشاحنة ولا مشاحة، ولا أخذ أجرة.
وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((قال الله -عز وجل-: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فأستوفى منه ولم يعطه أجره)) رواه مسلم.
الكتاب مخرج اللي معك؟ مخرج؟
طالب:........
ويش يقول؟
قال: ليس عنده، وإنما أخرجه البخاري، وانظر التعليق من حاشية المخطوط.
يعني هذا وهم من الحافظ -رحمه الله- في عزوه الحديث لمسلم، بل هو في البخاري، وكأن الحافظ -رحمه الله- يملي الكتاب من حفظه، أو يكتبه من حفظه.
يقول: "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((قال الله -عز وجل-))" هذا حديث قدسي، يضيفه النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى ربه -عز وجل-، ((ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة)) يقولون: العدد لا مفهوم له، بل الذين يخاصمهم فيخصمهم -عز وجل- أكثر من ثلاثة، لكن ينص على هؤلاء الثلاثة لعظم جرمهم، وللتنفير من صنيعهم، فمثل هذا العدد لا مفهوم له، أو يقال: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- أخبر بهذا ثم زيد عليه فيما بعد.
((قال الله -عز وجل-: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة)) من هم؟ ((رجل أعطى بي ثم غدر)) أعطى العهد والأمان بالله -جل وعلا-، أعطى ذمة الله وعهده وميثاقه ثم غدر به، لما استأمن وأعطاه ذمة الله وأمنه خصمه غدر به، وهذا جاء الأمر بالوفاء بالعهود {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ} [(1) سورة المائدة] الغدر ينافي هذا، ومن صفات المنافقين وخصال النفاق ((وإذا عاهد غدر)) والغدر: هو نقض العهد، ((أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه)) اغتصبه من أهله أو من بلده وذهب به إلى بلد أخر فباعه، وهذا حصل كثير على مر العصور، وبعضهم يبيعه بشرط العتق، فإذا اشترط العتق فالذي يغلب على الظن أنه حر، يتفقان على أن أحدهما السيد والثاني المملوك فيبعه على من يشتريه على أنه رقيق، فيشترط عليه العتق، بشرط العتق لا للخدمة، فإذا وجد مثل هذا الشرط عرفنا أن المسألة لا تسلم من تلاعب واحتيال، لكن هل مثل هذا الشرط لازم أو لا يلزم؟ هذا الشرط منافٍ لمقتضى العقد فلا يلزم؛ لأنه ماذا يتضرر مثلاً لو اتفقا..، اتفق اثنان من المحتالين والنصابين وجدوا وفي كتب الأدب وجد مثل هذا، وجد من المحتالين والنصابين من قال أحدهما للآخر: نتفق على أني أنا السيد وأنت العبد أو العكس وأبيعك ويعتقك وترجع لحالك، إيش يصير؟ وبعضهم من عظمه حيلته يبيع ولده ويشترط هذا، فمثل هذا الشرط ليس بلازم، لكن المسألة فيما إذا أغتصب حراً فباعه وأكل ثمنه، إذا كان الاتفاق بين الطرفين بين البائع والمبيع مثل الصورة التي ذكرناها فالوعيد على من؟ على الاثنين، كلهم بائع لأنهم اشتركوا في القيمة، يقول: أبيعك واشترط العتق ولي النصف ولك النصف، مثل هذا الإثم على الاثنين، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، أما إذا باع حراً على أنه عبد، واشتراه المشتري على أنه عبد واستعمله في الخدمة، هذا نسأل الله جرم عظيم وقهر.
فبقدر هذا الجرم تكون العقوبة، ولذا قال الله -عز وجل-: ((أنا خصمهم يوم القيامة)) فماذا عن هذا الذي بيع وامتهن؟ وماذا عن والديه؟ ماذا عن ما في قلب أمه وأبيه من الحسرة والحرقة؟ يسرق الولد ويباع في بلد آخر! جرم قد لا يتصوره العقل، يعني لو أن إنسان تصور مثل هذا في ولده، فزع وقلق قلقاً شديداً وهو مجرد تخيل، فضلاً عن كونه واقع، وقد وقع، ولا يكون هذا كما يقال في بعض المجتمعات أن هذا مبرر لإلغاء الرق، هذا ليس بمبرر لإلغاء الرق، يعني وجد مثل هذا النوع، ووجدت سرقة الأحرار وبيعهم في بلدان أخرى، لكن مثل هذا لا يقضي على حكم شرعي، يقضي على هذه الظاهرة نعم، أما على الحكم الشرعي فلا.
((ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره)) هذا الأجير المستضعف لماذا عمل؟ لماذا امتهن نفسه بخدمة غيره وتعب في هذا العمل؟ وقد يكون العمل شاقاً، وما عمل فيه إلا لحاجته، استأجر الأجير فاستوفي منه العمل، استوفي منه العمل ولم يعطه أجره، وهذا في سائر الأعمال، في البناء، في غيرها من الأعمال الكتابية وغيرها، إذا استأجرت أجيراً على أي عمل كان مجرد ما يستحق الأجرة باستيفاء العمل تدفع له أجرته؛ لأن تأخير الأجرة مطل، والمطل ظلم يبيح العرض والعقوبة، ((ولم يعطه أجره)) رواه مسلم، كذا يقول الحافظ، وهو في البخاري، نعم.
وعن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله)) أخرجه البخاري.
وعن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه)) رواه ابن ماجه.
وفي الباب عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- عند أبي يعلى والبيهقي وجابر -رضي الله تعالى عنه- عند الطبراني، وكلها ضعاف.
وعن أبي سعيد -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من استأجر أجيراً فليسمِ له أجرته)) رواه عبد الرزاق، وفيه انقطاع، ووصله البيهقي من طريق أبي حنيفة.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله))" تعليم القرآن، أخذ الأجر على تعليم القرآن، جاء فيه هذا الحديث الصحيح، وجاء فيه أيضاً ما في قصة أبي سعيد من رقيته على اللديغ، وأنه قرأ عليه الفاتحة في مقابل قطيع من الغنم، ثلاثين رأس من الغنم، وأقره النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقال: ((اضربوا لي بسهم)) فدل على جواز مثل ذلك.
((إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله)) فأخذ الأجرة على مثل هذه القربة التي هي من أعظم القرب جائز، عملاً بهذا الحديث، وبهذا قال مالك والشافعي، ويرى الإمام أبو حنيفة أنه لا يجوز الأخذ على القرب، لا على تعليم القرآن ولا علي غيره، وهو رواية عن أحمد، ويستدلون بحديث عبادة بن الصامت عند أبي داود أنه علم أناساً من أهل الصفة الكتاب فأهدى له رجل منهم قوساً، فقال عبادة: القوس ليست بمال، وإنما أرمي بها في سبيل الله -عز وجل-، فذكر ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال له: ((إن كنت تحب أن تطوق طوقاً من نار فاقبلها)) هذا حديث عبادة يدل على تحريم أخذ الأجرة على تعليم القرآن، عبادة -رضي الله عنه- من البداية أراد أن يعلم هؤلاء الفقراء من أهل الصفة القرآن مجاناً بدون ذكر أجرة، ثم بعد ذلك قبل الهدية، والهدية بمثابة الأجرة، فحذره النبي -عليه الصلاة والسلام- منها، فاستدل به أبو حنيفة على المنع من أخذ الأجرة على تعليم القرآن، ولا شك أن الورع عدم الأخذ، الورع عدم الأخذ على تعليم القرآن، ولا على تعليم العلم الشرعي، ولا على الإمامة، ولا على المئذنة، هذه الأجرة التي تتبع المشارطة، لا أعلمك القرآن إلا كل آية بكذا، والحديث بكذا، والفصل من كتاب كذا بكذا، الورع معروف، العبادات البدنية الخاصة التي لا تعوق الإنسان عن مصالحه، مثل هذه إذا شارط عليها حُرم اتفاقاً، إذا قال: لا أصلي بكم إلا بكذا؛ لأن مثل هذا لا يعوقه عن تحصيل دينه ولا دنياه، بخلاف التعليم التعليم يحتاج إلى وقت، وجلوس للطلاب فمثل هذا يبيحه جمع من أهل العلم أخذاً بحديث الباب ((إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله)) أخذ الأجرة على التحديث مسألة يختلف فيها أهل العلم، فيمنعها أهل التحري والورع، يمنعونها، وينبغي أن يعلم ابن آدم كما جاء في الخبر: ((يا ابن آدم علم مجاناً كما علمت مجاناً)) ويستدل جمع من أهل العلم بمثل هذا الحديث فيجيز أخذ الأجرة على التحديث؛ لأنه إذا جاء أخذ الأجرة على تعليم القرآن فالحديث من باب أولى، وبعضهم يفرق بين العلوم الشرعية فيمنع، وما عداها فيجيز، حتى أنه وجد من يعلم ألفية بن مالك كل بيت بدرهم، هذا التعليم، الكتابة مثلاً هل يدخل في التعليم إذا قال: أنا أكتب لك المصحف بكذا، أكتب لك البخاري بكذا، يدخل وإلا ما يدخل؟ قال: والله أنا أحتاج مصحف، قال: أنا مستعد أكتب لك مصحف، لكن أكتب لك المصحف بكذا، بمبلغ كذا، يعني وجد من ينسخ يسمون الوراقين في العصور المتعاقبة قبل الطباعة، فيأتي طالب العلم إلى هذا الوراق فيقول له: أنا أريد نسخة من بلوغ المرام، فيقول: هات عشرة دراهم وأنسخ لك نسخة، فهل نقول: بأن هذا الكتابة مثل التعليم لا يجوز أخذ الأجرة عليها أو نجري عليها الخلاف المذكور؟ نعم؟
طالب:........
وهذا فيه جهد، التعليم فيه جهد، فيه عمل، يعني من يمنع التعليم، تعليم القرآن بأجرة هل يمنع كتابة القرآن بأجرة، أو هذه لها حكم بيع المصحف؟ على خلاف بين العلماء فيه، وليس من خلاف من هذه الحيثية إنما قالوا: بيعه امتهان ورغبة عنه، يعني هل في فرق بين شخص تقول له: أنا أريد أن أقرأ عليك صحيح البخاري وأرويه عنك، وتشرح لي الألفاظ المشكلة، ثم يقول لك: بألف، ما أنا بجالس لك ليل نهار حتى تنتهي من صحيح البخاري ومنقطع عن أشغالي وأولادي وأسرتي إلا بأجرة، أنا أنحبس من أجلك، واترك الارتزاق من أجلك، لا بد من أن تدفع لي مبلغ كذا، ووجد من يشارط على هذا، وجد من يأخذ الأجرة على التحديث من كبار المحدثين؛ لأنه يلزم على التحديث الانقطاع عن الارتزاق، فرق بين الأجرة ومشارطة المتعلم وبين ما يعطى المعلم من بيت المال.
بعد هذا حديث: "ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه)) رواه ابن ماجه" وسند ابن ماجه ضعيف جداً، وفي الباب عن أبي هريرة يعني يشهد لحديث ابن عمر عند أبي يعلى والبيهقي، وفيه أيضاً عن جابر عند الطبراني، والأحاديث كلها ضعاف، لكن مجموعها، وكون الحديث يأتي من طرق، وعن جمع من الصحابة يدل على أن للأمر أصلاً، يدل على أن له أصلاً، ولذا حسنه بعضهم بشواهده، وهو جارٍ على الأصل في أن الأجير يبادر بإعطائه أجرته، وكونه قبل أن يجف عرقه هذه مبالغة في المبادرة؛ لأن التأخير مطل، والمطل حرام، المطل حرام لا سيما إذا طلب، فإذا كان المستأجر اتفق مع الأجير على مبلغ معين فبمجرد ما ينتهي يكون قد استحق، استحق هذا الأجر، فلا يجوز أن يماطل مع القدرة على الدفع، وإذا كان لا يستطيع الدفع بعد الفراغ من العمل لأنه لا يجد الأجرة فعليه أن يبين أن الأجرة قد تتأخر، أنا لا أملك الأجرة الآن انتظر علي أسبوع، شهر، فإذا رضي بذلك فالأمر لا يعدوه.
((أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه)) قلنا: إن هذه مبالغة في عدم التأخير، وعدم المطل للأجير، والأجير الذي تعب في إنجاز هذا العمل، وعرق بسببه، والعرق لا يأتي إلا بسبب التعب، أو بسبب الحر الشديد، وقد يكون مضطراً إلى هذا العمل، فمثل هذا يجب أن يراعى، وأن لا يماطل، وأن لا يشق عليه، وأن لا يردد، وأن لا يضاع وقته، وعلى كل حال الحديث بجميع طرقه فيها ضعف، وبمجموعها يدل على أن للأمر أصلاً، وهو جارٍ على القواعد، وأن من استحق شيئاً لا يجوز تأخيره إلا بإذنه.
يليه حديث أبي سعيد وهو ضعيف "عن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من استأجر أجيراً فليسم له أجرته))" حديث ضعيف، لكن الاتفاق على الأجرة، أن تكون الأجرة معلومة هذا شرط من شروط صحة الإجارة، أن تكون الأجرة معلومة، إذا لم تكن الأجرة معلومة، وقال: تعال أصلح لي كذا، وقال له: بكم؟ قال: ما نختلف، هذه يفعلونها، يفعلها كثير من الناس، ثم إذا انتهى حصل الجدال والنزاع والخصام، أصلح السيارة بكم؟ إن شاء الله ما يحصل بيننا خلاف، خلص -إن شاء الله-، ما نختلف، أنا بأرضيك، ثم إذا انتهت السيارة قال: أخذ عشرة، قال: لا أريد مائة، يحصل الشقاق والنزاع، ولا شك أن تسمية الأجرة يحسم مثل هذه الخصومة، لكن إذا حصل مثل ذلك فالقول قول من؟ من الذي يقبل قوله؟ يقبل قول العامل باعتبار أنه..؟ أو يقبل قول الذي لم يفرط؟ لأنه عندنا طرف مفرط وطرف غير مفرط؛ لأنه أحياناً يأتي بسيارته ويقول له العامل: بكم؟ فيقول صاحب السيارة: ما نختلف، حينئذٍ يكون القول قول العامل، لكن لو قال صاحب السيارة: بكم؟ وقال العامل: ما نختلف، فالمفرط العامل، يأخذ ما يعطى، ولو رجع إلى أهل الصنف وأعطي أجرة المثل هذا أبرأ للذمة بلا شك، وإلا على كل حال الذي يفرط يتحمل تبعة تفريطه.
طالب:.......
إيه لكن ما يبدأ بإصلاحها حتى يعرف، يقول: دعني أكشف وأحدد، دعني أتأكد ماذا تطلب؛ لأن بعض أصحاب الورش يحتال على صاحب السيارة، يقول صاحب السيارة: أنا مستعجل، يقول: لا يا أخي سيارتك تحتاج إلى ثلاثة أيام، علشان يزيد في الأجرة، اذهب وبعد ثلاثة أيام تجي، وهي ما تحتاج إلا إلى سلك يربط بسلك آخر وتنتهي، ولا دقيقة، من أجل إيش؟ أن تكثر الأجرة؛ لأنه لو رآه يعقد سلك بسلك ما سمحت نفسه يعطيه ولا خمسة ريال، وهو يريد مبلغ جامد من الرجل، فمثل هذه الحيل موجودة سواء كانت من أصحاب المحلات، أو من أصحاب الحاجات ممن يحتاج إلى هؤلاء، فالحيل لا تجوز على أكل أموال الناس بالباطل، لا يجوز له، وإنما يأخذ بقدر عمله، وإذا أخذ بقدر عمله يبارك له فيه، فإذا قرر ما تحتاجه السيارة من العمل، والجهد الذي يبذل في تركيب هذه القطع، وحسب عليه قيمة القطع، وأجرة تركيبها هذا ما يستحقه، فإذا اتفقوا عليه من الأصل قال: أنا أشتري القطع وأعطيك الفواتير، وأحسب أجرة يدي كالمعتاد، مثل هذا -ووثق به- يدفع له ما يطلب إذا وثق به، وعلى كل حال التلاعب في أسواق المسلمين موجود بكثرة، فعلى مثل هؤلاء أن يتقوا الله -جل وعلا-، وأن يرفقوا بالناس ليبارك لهم، ومن صفة المسلم في بيعه وشرائه، في أجرته في تأجيره كله أن يكون سمح، سمح إذا باع، سمح إذا اشترى، سمح إذا قضى، سمح إذا اقتضى، يعطي بطيب نفس، يأخذ بطيب نفس، لا تكون المشاحة هي عادته وهي ديدنه، حينئذٍ تنزع البركات.
"رواه عبد الرزاق، وفيه انقطاع" يعني في إسناده انقطاع، وهذا الانقطاع وصله البيهقي لكن من طريق الإمام أبي حنيفة -رحمه الله-، وهو إمام عند جمهور المسلمين، الإمام الأعظم، وإمام مقتدى به، وإمام متبوع، لا إشكال في كونه إماماً معظماً عند جمع غفير من المسلمين، لكنه في هذا الباب، في باب الرواية، يعني في باب الفقه إمام، جبل، إمام عظيم، بل يقولون: الأعظم، لكن في باب الرواية تكلم فيه أهل العلم من جهة حفظه، لا من جهة ديانته إنما من جهة حفظه، ورموه بسوء الحفظ، وهذا لا ينافي هذا، يوجد من الفقهاء الكبار من ضعف حفظه؛ لأن الحديث يصعب ضبطه وحفظه وإتقانه، وجمع أطرافه، لا سيما بالنسبة لمن يلتفت إليه مؤخراً، الذي يعتني بالحديث من أول الأمر بالتدريج يدرك، لكن الذي لا يلتفت إليه إلا بعد أن يكبر في السن، ويطعن في السن، مثل هذا يصعب عليه أن يجمع الحديث، ولذا وجد في كبار الأئمة في سائر العلوم من يوصف بسوء الحفظ، يوجد، القرآن يمكن ضبطه، وقد يكون أتقن القراء، أو من أتقن القراء، ومع ذلك إذا جاءت روايته للحديث ضُعف؛ لأن ضبط القرآن ممكن، وقد تكون عناية هذا الشخص بالقرآن من الصغر، فيضبطه ويتقنه، وإذا التفت إلى الحديث ضعف، قد تكون عنايته بالفقه من أبوابه ومن أصوله وعلى قواعده وضوابطه، ويتقن الفقه والنظر، يكون لديه النظر التام في المسائل العلمية، لكنه الحفظ عنده أقل، وهذا مشاهد، تجد بعض طلاب العلم، بل بعض أهل العلم إذا بحث مسألة أمامه هذه المسألة ذكر كل ما يتعلق بها مما يدور في فلكها، لكن إذا أراد أن يستدل لها بدليل نقلي صعب عليه؛ لأنه ما اعتنى بالحفظ من أول الأمر، وهذه عادة أهل الرأي، تجدهم في مسائلهم الفقيه فيها شيء من البسط، وفيها شيء من الاستطراد والتوضيح، وذكر الأشباه والنظائر، مسائل كثيرة يفرعونها على قواعد، لكن عند الاستدلال قد يضعف الواحد منهم، ولا يقال: إن أهل الرأي، ويقصد بذلك من مدرسة الكوفة كأبي حنيفة وغيره من أهل العلم أنهم لا يعتمدون على النصوص، عمدتهم النصوص، ولا فقه إلا بنص، لكن قد يكون الغالب على هذا الفقيه الرأي فينسب إليه، وقد يكون الغالب على هذا الفقيه الأثر فينسب إليه، وعلى كل حال العناية بالحديث ينبغي أن تكون هم طالب العلم بعد العناية بالقرآن، ولا مانع أن يضبط علم من العلوم ويكون فيه خلل في علوم أخرى، هذا موجود، ولا يوصم بأنه ضعيف في كل العلوم لأنه ضعف في علم من العلوم، فأبو حنيفة إمام في الفقه لكنه في الرواية أقل، عاصم بن أبي النجود إمام من أئمة القراء، قراءته من أجود القراءات، قراءته متواترة ومع ذلك هو في حفظه بالنسبة للسنة أقل، مغموز في حفظه، ومثل هذا لا يطعن في هذا، لماذا؟ لأن الاهتمام بباب أو بفن من الفنون يجعل الإنسان يتقنه، ولا يلزم منه أن يتقن جميع العلوم، لا يلزم في إنسان ولا يفترض في شخص أنه يتقن العلم كله بجميع فروعه وأبوابه، قد يكون الإنسان معروف مرجع في العربية، لكن إذا سألته عن العلوم الشرعية أقل، قد يكون في باب الفرائض مثلاً إمام، لكن تسأله في أبواب أخرى من أبواب الفقه أقل، وهذا لا يقدح فيه، ولا يعني أنه لا يستفاد منه في هذا الباب، أو يقال: إن في تحصيله لهذا الفن أو لهذا العلم خلل، فعاصم بن أبي النجود إمام من أئمة القراء، وضعفه في الحديث الذي ذكر عنه لا يؤثر على إمامته وقراءته أبداً في وجه من الوجوه، وكون الإمام أبي حنيفة ضعيف من ناحية الحفظ، لا يعني أنه ضعيف في مسألة النظر الصائب في المسائل الفقهية، لكن باعتبار ارتباط الفقه بالأثر الذي يجمع بينهما لا شك أنه أولى بالإتباع، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن الرجل إذا نظر إلى امرأته ونظرت إليه نظر الله تعالى إليهما نظرة رحمة، فإذا أخذ بكفها تساقطت ذنوبهما من خلال أصابعهما)) يقول: هذا الحديث موجود في صحيح الجامع صفحة ألف وتسعمائة وسبعة وسبعين.
هو صحيح أو حسن عند الشيخ، وأنا ما بحثت الحديث بنفسي.
على ما ذكرنا سابقاً الضرر اللاحق بالشريك أو المصلحة الراجحة المترتبة على ملكه لهذا القسم، قد تكون الأرض عشرة آلاف متر، وهذا يكفيه خمسة آلاف، ثم أراد الشريك أن يبيع نصيبه هل نقول: إن عليه ضرر إذا باع خمسة آلاف على غيره؟ هو منتفع إذا كانت له رغبة في شراء النصف الثاني، وتثبت له الشفعة.
دفع ضرر المقاسمة إذا كان المنزل لا يقبل القسمة.
لا شك أن مثل هذا ضرر ظاهر.
دفع أذى الجوار.
يعني إذا كان الجار بما يشترك مع جاره في منفعة من المنافع يحصل بسببها خصومة أو شجار أو نزاع أو يتضرر أحدهما بها تثبت الشفعة على ما تقدم.
إيش معنى جائحة؟ الجائحة التي تأتي على جميع المال فلا تبقي له ما يقوم به، فالذي تعرض للجائحة أو تحمل حمالة إذا أتى بالبينة يعطى من الزكاة؛ لحديث قبيصة بن مخارق.
الصواب الذي عليه الفقهاء والأصوليون ومحققو المحدثين أنه إذا روي الحديث مرفوعاً وموقوفاً أو موصولاً ومرسلاً حكم بالرفع والوصل لأنها زيادة ثقة، وسواء كان الرافع والواصل أكثر أو أقل في الحفظ والعدد، والله أعلم. انتهى.
فهل الحال كما ذكره -رحمه الله-؟ وهل خالف في ذلك أحد من الحفاظ؟ وما الصواب في مسألة زيادة الثقة على من هو أوثق منه في المتن؟
معروف الكلام في زيادة الثقة والوصل، ومنها الوصل والإرسال، وتعارض الوقف والرفع، كلام كثير لأهل العلم، وفيها أربعة أقوال بل خمسة، القول الذي حكاه النووي، وأن الحكم لمن وصل ولمن رفع ولمن زاد؛ لأن كلاً من الرافع والواصل والزائد معه زيادة خفيت على غيره، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، والقول الثاني: العكس، وهو أن الحكم لمن وقف، والحكم لمن أرسل، الحكم لمن نقص؛ لأن القدر الزائد على ذلك مشكوك فيه، فيقتصر على المتيقن، والقول الثالث: الحكم للأكثر، فإن كان الزائد أكثر حكم له، والقول الرابع: الحكم للأحفظ، والخامس: وهو الذي عليه صنيع الأئمة أنه لا يحكم بحكم عام مطرد، بل ينظر في كل حديث بعينه، فإذا دلت القرائن على أن الرفع هو المحفوظ حكم به أو العكس، الوصل هو المحفوظ حكم به أو بالعكس، قد يحكم للأكثر، وقد يحكم للأقل، قد يحكم للأحفظ، وقد يحكم لمن دونه إذا دلت القرائن على أنه ضبط وأتقن، هذا هو الذي عليه صنيع الأئمة.
هذه الحاشية للصنعاني، وفيها بحوث ونقول طيبة، يستفاد منها.
كيف يد عاملة؟ عامل يعني؟ اليد هذه مقحمة، نعم العمل باليد في الأصل كما هو معروف.
اشترطت أن يشتغل خارج ملكي، وإذا أردت أن يشتغل عندي أن يأتي ويترك شغله خارجاً من دون مال.
يعني إذا جاء بعامل، كفل عامل، وأحضره إلى البلد، وتركه يشتغل لنفسه، جاء بسباك وإلا كهربائي قال: اشتغل، لكن بشرط إن احتجتك تجي، انكسر عنده ماسورة، أو تعطل عنده جهاز، اترك عملك فوراً وتعال، وأصلح لي ما فسد عندي من دون مقابل، هذا من أكل أموال الناس بالباطل.
طالب:.......
كيف المقابل؟
طالب:.......
يعني جئت بعامل كفتله وقلت: اشتغل لك، يعني من باب التعاون معه، ثم احتجته في أن يعمل لك وأعطيته المقابل كما يعمل للناس ما في إشكال، الإشكال فيمن يأتي بالعمال ويبثهم في الأسواق، ويتشرط عليهم، ويكلفهم من أموالهم التي لا يستحقها مع مخالفته لما ورد في الأنظمة التي سنت لمصالح الناس، وليس فيها ضرر، وليس فيها مخالفة، وما دام ولي الأمر يمنع من هذا فهو ممنوع؛ لأنه ليس بمعصية، ((لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)).
لا لا يعمم، إنما يطلب تصريحه في كل حديث.
هذه المسألة من عشر سنوات سئلت عنها وأجبت بهذا، أن الآية محتملة {فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ} [(279) سورة البقرة] هل المراد به عند التوبة أو عند الدخول في التجارة، وإذا كان المراد بها عند الدخول في التجارة فقد يصد هذا عن التوبة، وما دامت الآية محتملة على حد سواء {وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ} [(279) سورة البقرة] ورأس ماله عند التوبة بحيث لا يأخذ ربا بعد أن تاب {فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ} [(275) سورة البقرة] يعني الذي سلف بعد هذه الموعظة وهذه التوبة له بنص الآية، ثم وقفت على كلام لشيخ الإسلام -رحمه الله- يفهم منه هذا.
هذا كذب، وقد يضر المريض وأنت لا تدري، وقد يكون القياس له أثر في مقدار العلاج الذي يعطاه.
على كل حال اللفظ توقيفي لا يتغير في حياته ولا بعد وفاته -عليه الصلاة والسلام-.
بالنسبة له هو يلزمه أن يحرم من الميقات الذي يمر به، فإن ذهب إلى مكة عن طريق الرياض الطائف فعليه أن يحرم من قرن، من السيل، وإن ذهب عن طريق الرياض القصيم المدينة فعليه أن يحرم من ذي الحليفة، ولا يجوز له أن يؤخر الإحرام إلى جدة، فإن أخر الإحرام إلى جدة عليه أن يعود إلى الميقات الذي مر به ثم يحرم منه، وإن أحرم دونه ألزمه الجمهور بدم، والإمام مالك يقول: إن عاد إلى أقرب المواقيت له لا سيما إذا كان هذا الأقرب هو ميقاته الأصلي الذي حدد في الحديث فيكفيه، والجمهور يلزمونه بأن يعود إلى الميقات الذي مر به، هذا بالنسبة له هو، وأما بالنسبة لأهله فعليهم أن يحرموا من يلملم، ميقات أهل اليمن، فإن تجاوزوه إلى جدة فحكمهم حكمه، عليهم أن يعودوا إلى يلملم ويحرموا منه، فإن عادوا إلى ميقات هو أقرب منه فالأمر فيه شيء من السعة عند الإمام مالك -رحمه الله تعالى-، وإن أحرموا من جدة لزمهم دم.
هو أذن لكم في هذا، فيما أذن فيه وهو الفطور، فإذا طلبت منه أن تترك الفطور وتصلي في وقتها لا بأس.
عمل الموظف ممنوع من قبل ولاة الأمر، والتحايل عليه بمثل هذا لا يجعله سائغاً، على كل حال إذا وجدت الضرورة لمثل هذا العمل بأن كان الموظف عنده أسرة كبيرة وراتبه لا يكفيه، ووجدت مثل هذه الحيلة قد تقبل؛ لأنها أفضل من أن يتكفف الناس ويسأل الناس، لكن إذا كان راتبه يكفيه، وولاة الأمر يمنعون مثل هذا هذا لا يجوز، هذا مجرد حيلة.
منهم من يشترط أن يكون البذر من صاحب الأرض، ومنهم من يجيز أن يكون من العامل، وعلى كل حال بالنسبة للقدر الزائد على الأرض والعمل، الأرض من جهة، والعمل من جهة أخرى القدر الزائد من ذلك على ما يتفقان عليه، فالمسلمون على شروطهم.
هذا عكس ما يصنعه كثير من المسلمين، كثير من المسلمين يعتني بصلاة الجمعة، ويفرط في غيرها، وشأن الجمعة أعظم، كل الفرائض والصلوات الخمس شأنها عظيم، لكن الجمعة شأنها أعظم لا تصح في البيوت، إن صلاها جمعة في بيته باطلة، وإن صلاها ظهر وترك الجمعة مع المسلمين ((من ترك ثلاث جمع متوالية طبع الله على قلبه)) أهل العلم يقولون: لا شك أن ترك الجمعة -وهذا مر بنا- من باب تيسير العسرى -نسأل الله السلامة والعافية-، فالجمعة لا تصح في البيت، وإذا صلاها ظهراً وترك الجمعة ارتكب أمراً عظيماً وعلى خطر عظيم -نسأل الله السلامة والعافية-.
هذا طلب جيد ووجيه، لكنه يتطلب وقت، يعني دراسة العلة كذا مجرد سرد ما تنفع، بل لا بد من بسطها، وإذا قصدنا بيان العلة من أصلها، ووجوه الاختلاف على الرواة هذا يحتاج إلى وقت طويل، والإخوان من بداية الدورات قالوا: إنهم يريدون إنهاء الكتاب في مدة لا تتجاوز أربع سنوات، نحن مشينا على هذا، ترون بسطنا بعض البسط في أول الكتاب ثم في النهاية أخذنا نستعجل، إنما يبين خلاصة الحكم، وأما العلل فتترك للمكتوب -إن شاء الله تعالى-.
هذا التأجير ما فيه إشكال -إن شاء الله-.
طالب:.......
نعم إذا كانوا يزاولون المحرم في المحل الذي أجرت عليهم فلا يجوز بحال، مثل من يؤجر بيته ليجعل حانة خمر أو ما أشبه ذلك، أو تزاول فيه المحرمات.
لا فرق بينهما، الدين هو البيع إلى أجل.
السلام في الأصل سنة، ومن حق المسلم على أخيه أن يسلم عليه، ثم إذا سلم المسَلم وهو خيرهما الذي يبدأ بالسلام، فيجب على الثاني أن يرد السلام، يرد التحية بخير منها، بأحسن منها، وإن ردها بمثلها كفى، هذا على سبيل الوجوب ويأثم إن لم يرد السلام، هناك أشياء حقيقة منها ما أشير إليه، ومنها ما لم يشر إليه، السلام على من يزاول عبادة، والسلام على من يزاول معصية بالمقابل، يعني إذا دخلت وشخص يصلي النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يسلمون عليه ويرد بالإشارة وهو يصلي، وإذا كان هذا بالنسبة للمصلي فقارئ القرآن أمره أيسر من المصلي يسلم عليه، ومن يدعو كذلك يسلم عليه ويرد السلام، هذا بالنسبة لمن يشتغل في عبادة، لكن من يزاول معصية، مررت على شخص يدخن مثلاً تسلم عليه أو لا تسلم عليه؟ هل نعتبر السلام عليه باعتباره مسلم له من الحقوق ما للمسلمين؟ أو نقول: إن ترك السلام أولى لكي يرتدع ويزدجر عما هو فيه ويكون هذا من باب الهجر؟ المسألة هذه تقدر بقدرها؛ لأن السلام بذله سنة، فإذا عارضه ما هو أقوى منه من مصلحة راجحة لا مانع من النظر إلى هذه المصلحة، وإذا كان عدم السلام عليه يجعله يصر ويعاند ويرتكب من المعاصي ما هو أكبر مما هو عليه مثل هذا يسلم عليه، وبعض الناس تجده في وقت الصلاة جالس، تمر عليه هل تقول: السلام عليك الآن الصلاة حان وقتها أو أقيمت الصلاة؟ وأنت تعرف أو يغلب على ظنك أنه لن يستجيب وإن قال: إن شاء الله، مثل هذه الأمور لا بد أن تدرس بعناية، وينظر إلى حال كل شخص بعينه؛ لأنه بعض الناس مشكلة أنت بتروح تصلي وترجع وهو في مكانه وتلقي عليه السلام، مثل هذا لا يستحق السلام، ولا يدعى له بالسلامة مثل هذا، لكن إذا كان من باب مصلحة الدعوة، وأنه يستجيب إذا سلمت عليه ويستحي ويقوم يصلي، وحصل منه شيء من هذا لا بأس، أو غلب على الظن أنه يحصل منه هذا، نعم؟
طالب:........
هو يرد بالإشارة وإذا سلم يصرح، إذا سلم من صلاته يصرح.
السنن الكبرى.
يعني من الأسباب الوجيه إشباع الرغبات؛ لأن بعض الناس لا تكفيه واحدة ولا تكفيه ثنتين ولا ثلاث، ويتطلع إلى ما عدا ذلك فهذه من الأسباب.
فأعتقد أن الرجل إذا وصل إلى درجة أن زوجتين أو ثلاث أو واحدة لا تكفي شبقه الجنسي فيعني أن هذا الرجل يتصف بصفة الشهواني، ويندرج في خانة الحيوان.
هذا الكلام ليس بصحيح، هذه قوة، والعرب تتمدح بالقوة الجنسية، لكن لا يعني أن هذه القوة الجنسية تصرف فيما حرمه الله -جل وعلا-، يعني في حدود ما أباح الله -جل وعلا- {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [(29-30) سورة المعارج] وجد من الصحابة ومن خيار الأئمة من الأئمة من يتزوج الأربع، ويتخذ السراري، ومع ذلك هم على إمامتهم.
نعم إذا أردت العمرة من داخل مكة، إذا أنشأت العمرة من داخل مكة فتخرج إلى الحل فتحرم من أدنى الحل، كما أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- عبد الرحمن بن أبي بكر أن يعمر أخته عائشة من التنعيم.
هذا الشيخ معروف أنه من أهل الاختصاص والعناية، ومعروف بالتحري والدقة، لكن الذي في نفسي أنهم عدلوا بعض الأبيات في المتن، وأنا اختلف معهم في هذا، الأصل أن يذكر المتن كما صنعه مؤلفه، يحرص من خلال مقابلة النسخ الأصلية الموثقة أن يثبت المتن كما هو، حتى لو فيه خطأ، ويعدل في الحاشية، وأحسنوا حينما ألحقوا بها شريطين، بصوت جيد ومتقن، تضبط منه الألفية؛ لأن طالب العلم يحتاج إلى أن يتلقى الشعر تلقي، يعني بعض طلاب العلم قد لا يحسن قراءة الشعر.
ليس الأمر كذلك، وإنما الذين قالوا عن ابن مسعود ما قالوا، أنها لا توجد في مصحفه، المعوذتان ما توجد في مصحفه؛ لأنها معروفة عند كل أحد، ولا تحتاج إلى كتابة.
وإن ثبت ذلك فكيف نرد على الرافضة حين ننكر عليهم قولهم بنقص القرآن فيردون علينا أن من الصحابة من كان يرى بذلك؟
ليس بصحيح، القرآن الذي أجمع عليه الصحابة هو ما بين الدفتين مصون محفوظ من الزيادة والنقصان، وأما ما في مصاحف الصحابة قبل الاتفاق، وقبل الإجماع على ما بين الدفتين لا شك أن منهم من يحفظ بعض القرآن دون بعض، وقليل منهم من يجمع القرآن كاملاً، منهم من كتب بعض السور، وترك البعض؛ لأنه لم يحفظها، المقصود أن القرآن بوفاته -عليه الصلاة والسلام- قد كمل، قد كمل في العرضة الأخيرة فيها القرآن كامل، إلا ما نزل بعدها ثم ألحق به، بعد العرضة الأخيرة، قبل وفاته -عليه الصلاة والسلام-، ثم جمعت هذه الصحف التي بأيدي الصحابة، وأجمع على ما بين الدفتين، والقرآن تكفل الله بحفظه، فلا يجوز لأحد أن يخطر بباله شيء من هذا الخلل أو هذا النقص، أو هذه الزيادة أو النقصان.
يقول: دخلت فوجدت الإمام في التشهد الأخير، ولغلبة الظن علي قدوم من تقوم بهم جماعة ثانية لم أدخل مع الإمام، وانتظرت حتى تأتي وأطلب من القادمين الانتظار معي حتى يسلم الإمام ونقيم جماعة ثانية، فهل هذا الفعل صحيح أم أن الدخول مع الجماعة الأولى أفضل وأولى ولو في آخر الصلاة مثل التشهد الأخير؟
على كل حال التشهد الأخير عند جمع من أهل العلم تدرك به الجماعة، عند الحنابلة إذا كبر تكبيرة الإحرام قبل سلام إمامه التسليمة الأولى أدرك الجماعة، ولو لم يجلس، وهذا قول جمع غفير من أهل العلم، ومنهم من يرى أن الجماعة لا تدرك إلا بإدراك الركعة، ومع هذا الخلاف نعود إلى حديث: ((إذا جاء أحدكم والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا)).
إذا لم يكن أصل الشراء للتجارة فلا زكاة فيها حتى تباع.
ما رأيته، يعني ما أطلعت عليه؛ لأن عنايتي بالطبعات القديمة.
يقول، وهل شرحكم على الروض وعلى سبل السلام مسجل؟
منه ما هو مسجل، ومنه ما هو مضيع.
يأتي الخلاف الذي ذكرناه ((إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله)) والمسألة التي أريد أن توضح في مثل هذا المجال أن هناك غاية، وهي القرآن قراءة القرآن، العمل بالقرآن، تعليم القرآن، تعلم القرآن، هذه غايات، هناك وسائل لهذه الغايات، مسألة كتابة القرآن التي أشرنا إليها وسيلة لتعلمه وتعليمه وحفظه وقراءته وإقرائه، هذه مسألة أخف من الأولى بكثير، هناك الورق وصناعة الورق الذي يكتب به القرآن، يعني يلحق بكتابة القرآن طباعة القرآن، هذه وسيلة لقراءته، وحكمها أخف من مسألة قراءة القرآن، وتعليم القرآن، مسألة صناعة الورق الذي يطبع به القرآن، تجليد القرآن، المجلد الذي يجلد القرآن، يقال له: أنت تجلد كتاب الله لا يجوز لك أن تأخذ أجر؟ أو أنت تصنع ورق يكتب به أو يطبع عليه القرآن لا تأخذ عليه قيمة؟ لا، هذه وسائل، نعم إن احتسب الأجر، وجلد مصاحف مجاناً ليكون أحفظ لها له أجره، لكن هذا التجليد ليس غاية وإنما هو وسيلة، والوسيلة بمثل هذا أمرها أوسع، فلا مانع أن يسجل ويباع التسجيل، ويستفاد منه، والقارئ أيضاً يكون له نصيبه تبعاً للخلاف الذي ذكرناه.
القرض هو بذل المال لمن يحتاجه من غير فائدة، والأصل فيه أنه بدون أجل، والدين لا بد أن يكون بأجل، والغالب أنه تبعاً لهذا الأجل يكون فيه فائدة للبائع زائد على قدر الثمن، فالقرض يختلف عن الدين؛ لأن الدين لا بد أن يكون مؤجلاً، كما قال الله -جل وعلا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [(282) سورة البقرة] والقرض لا أجل له، وعند الجمهور لا يقبل التأجيل، يعني لو قال: أقرضك هذا الألف إلى مدة سنة، لا يقبل التأجيل عند الأكثر، المالكية يرون قبوله التأجيل، ويرجحه شيخ الإسلام، والمسلمون على شروطهم، وعلى كل حال الفرق ظاهر بينهما، في الدين ينتفع صاحب الدين، وفي القرض لا ينتفع نفعاً في الدنيا وإن كان له الأجر والثواب من الله -جل وعلا-.
عمومات الأحاديث ((العمرة إلى العمرة)) و((تابعوا بين الحج والعمرة)) يدل على أنه لا بأس به على ألا يشغل عما هو أهم منه، وعائشة -رضي الله عنها- اعتمرت بعد عمرتها التي مع حجها، فلا يظهر في هذا وجه للمنع، كونه لم يفعله -عليه الصلاة والسلام-، وجاءت النصوص التي تدل على جوازه، عرفنا أنه قد يترك الفعل -عليه الصلاة والسلام- خشية المشقة على أمته، قد يترك العمل الفاضل خشية أن يشق على أمته، وجاء التصريح بذلك، وجاء ما يدل على أن العمرة إلى العمرة كفارة، وتابعوا بين الحج والعمرة يدل على التكرار، فلا مانع من التكرار على أن لا يكون عائقاً عن عمل الأفضل، ما يترك الأعمال الفاضلة ويكرر العمرة.
إذا كانت تعقل فلا بد من إذنها، فإن كانت تنطق فبالنطق، وإلا فبالإشارة، إذا أذنت وهي عاقلة لا بأس، أما إذا لم تأذن أو كانت لا تعقل فمثل هذه لا يتصرف بشيء من مالها البتة إلا في الواجب، تخرج منه الزكاة والديون والنفقات الواجبة، من أراد أن يتصدق عنها من ماله هو لا بأس، جزاه الله خير.
أولاً: مسألة التورق شرحناها مراراً، والخلاف فيها بين أهل العلم معروف، وفي أصلها ضعف، وأجازها جمهور أهل العلم للحاجة الداعية إليها، تزداد ضعفاً بالتوسع الذي يزاوله الناس في الأسواق، السيارة لا شك أنها أسلم من الأسهم بكثير، لماذا؟ لأن السيارة بضاعة مستقلة يملكها صاحبها ملك تام مستقل ثم يبيعها على من أراد التورق، ثم يقوم بدوره بقبضها القبض الشرعي المعتبر، يحوزها إلى رحله، وقد نهى النبي -عليه الصلاة والسلام- أن تبتاع السلع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم، فالسيارة تمتاز عن الأسهم بهذا، فإذا حازها وباعها على طرف ثالث هذه لا إشكال فيها، أما الأسهم لا يستطيع أن يحوزها، ولا يستطيع أن يبيعها بنفسه، الإشكالات كثيرة، والتساهل والتهاون فيها كثير، حتى اكتفى بعضهم بتوكيل البنك، يقول: اقبض لي، وبع لي، واشترِ لي، إذاً ما لك دور أبداً، مسألة التورق مثلما سمعنا فيها ضعف، والخلاف فيها قوي تزداد ضعفاً بالتوسع، حتى قال بعضهم بل صرح أن القبض أمر اعتباري، يمكن في يوم من الأيام أن يستغنى عنه، كيف يستغنى عنه والرسول -عليه الصلاة والسلام- نهى أن تبتاع السلع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم؟ يعني بمجرد العد، مجرد النظر، مجرد القبض الاعتباري الذي يسمونه بالتخلية هذا كله الذي دعت إليه الحاجة، حاجة عدم القدرة على الحيازة، وإلا فالأصل الحيازة، اشتريت أسهم من شركة لا بد أن تنقل نصيبك هذا الأصل، اشتريت جزء مشاع، أو جزء من حديد أو من أسمنت لازم تحوزه إلى رحلك؛ لأن هذه سلعة، هذا الأصل، لكن قالوا: إن هذا مستحيل، يصعب مع الأموال الطائلة الكثيرة التي نقلها فيه مشقة، فأفتوا بجوازه، فهو على خلاف الأصل، فإذا وجد سلعة مثل السيارة على الأصل تحوزها إلى رحلك، فلا شك أنها أسلم.
الأصل أنك مؤتمن، ولا تتصرف فيه إلا إذا كان مضموناً ضماناً في حكم الموجود متى ما وجد مصرفه يكون موجوداً، ومع ذلك مع الحاجة الشديدة، والأصل والورع والأحوط أن لا تتصرف فيه.
على كل حال من يجيز مسألة الظفر، ويستدل بحديث هند امرأة أبي سفيان، يقول: أبداً إذا وجد في ماله ما يقابل ما عنده له وجده في بيته أو في أي مكان له يأخذ، سواء كان مال من النقد أو من العروض التي تقابل، لكن عليه أن يتحرى براءة ذمته.
هذا حرمان؛ لأن الإمامة فيها فضل، وفيها أجر، وكذلك التعليم فيه ما فيه من الأجور، وجاء فيه النصوص الكثيرة، فالتخلي عن مثل هذا حرمان.
علماً بأن بعضهم يقول: إنه لا يستطيع تعليم الناس حتى يرسخ في العلم.
وأقول له: لن يرسخ في العلم حتى يعلم الناس، وعلى هذا يلزم الدور، فعليه أن يعلم قبل أن يرسخ، يعلم ما تعلم، لا يلزم أن يقحم نفسه في كل مسألة يحسنها أو لا يحسنها، إنما يعلم ويبين للناس ما تعلمه.
هذا لا يخلو إما أن يكون خبر أو دعاء، فإن كان خبراً فهو كذب، وإن كان دعاء فلا يجوز الدعاء على المسلم.
ومن ضمن ذلك قولهم: استعنت عليك بعبلة.
الاستعانة لا تجوز إلا بالله -جل وعلا-، الاستعانة بالمخلوق لا تجوز إلا بما يقدر عليه.
على ما اتفقا، إذا كان الاتفاق بينهما على أنه هو الذي يجدد فالأمر على ما اتفقا عليه، وإن كان الاتفاق على أن الشركة تجدد له فالأمر كذلك.
لا شك أن شيخ القبيلة آثم؛ لأنه باع ما لا يملك، والمشتري إن كان لديه علم بأن شيخ القبيلة لا يملكها فهو شريك له في الإثم، ومتعاون معه على الإثم والعدوان، وبيعه باطل، وزراعته باطلة.
علماً بأن شيخ القبيلة لا يملك الإقطاع، إنما الذي يملك الإقطاع هو ولي الأمر، ومن ينيبه في هذا الباب، علماً بأن المسألة خلافية، هل يملك بالإقطاع وهبة ولي الأمر؟ أو هو مجرد اختصاص لا بد من الإحياء؟ وعلى كل حال هذا التصرف باطل.