شرح متن الورقات في أصول الفقه (02)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فقد قال إمام الحرمين رحمه الله:
والأحكام سبعة الواجب والمندوب والمباح والمحظور والمكروه والصحيح والفاسد، فالواجب: ما يثاب على فعله ويعاقب على تركه، والمندوب: ما يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه، والمباح: ما لا يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه، والمحظور: ما يثاب على تركه ويعاقب على فعله، والمكروه: ما يثاب على تركه ولا يعاقب على فعله، والصحيح: ما يتعلق به النفوذ ويعتد به، والباطل: ما لا يتعلق به النفوذ ولا يعتد به.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، يقول -رحمه الله تعالى-:
والأحكام سبعة: ثم ذكرها: الواجب والمندوب والمباح والمحظور والمكروه والصحيح والباطل.
الأحكام: جمع حكم والحكم مصدر حكم يحكم إذا قضى، ومعنى الحكم في الأصل المنع، ومنه حكمة الدابة؛ لأنها تمنعها، ومنه قول جرير:
أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم
|
|
إني أخاف عليكمُ أن أغضبا
|
الحكم في الاصطلاح: يعرفه بعض العلماء بأنه خطاب الله، خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين طلباً أو تخييراً أو وضعاً، خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين طلباً أو تخييراً أو وضعاً، فجعلوا الحكم نفس الخطاب، هذا تعريف أكثر الأصوليين، جعلوا الحكم نفس الخطاب {أَقِيمُواْ الصَّلاَةَ} [(43) سورة البقرة] هذا حكم، {لاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى} [(32) سورة الإسراء] هذا حكم، {إِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ} [(2) سورة المائدة] هذا حكم، {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [(78) سورة الإسراء] هذا حكم، فجعلوا الحكم نفس الخطاب.
لكن الفقهاء جعلوا الحكم ما يقتضيه الخطاب، فجعلوا الحكم الوجوب المأخوذ من هذا الأمر في قوله -جل وعلا-: {أَقِيمُواْ الصَّلاَةَ}، وجعلوا الحكم تحريم الزنا المأخوذ من قوله تعالى: {لاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى}، ولعل هذا أقرب.
والمراد بخطاب الله ما هو أعم مما جاء في القرآن فقط، بحيث يشمل ما جاء عن الله -عز وجل- على لسان نبيه -عليه الصلاة والسلام- فخطاب الله سواء كان في كتابه، أو على لسان رسوله -عليه الصلاة والسلام- كله خطاب من الله، والذي يجيء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- هو من عند الله؛ {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [(3-4) سورة النجم]، فالذي يقوله النبي -عليه الصلاة والسلام- ابتداءً، ولا ينبه على أنه خلاف مراد الله -عز وجل- هو خطاب الله -عز وجل- أما اجتهاده -عليه الصلاة والسلام- وله أن يجتهد- فإن وافق ما عند الله -عز وجل- وهذا هو الكثير الغالب- فهو من عند الله حقيقة، وإن أخطأ -عليه الصلاة والسلام- في اجتهاده نبّه على خطئه في ارتكابه خلاف الأولى، كما جاء في قصة الأسرى، أسرى بدر، المقصود أن ما يجيء من عند النبي -عليه الصلاة والسلام- هو من عند الله حقيقةً.
والمراد بأفعال المكلفين: ما يشمل الأفعال من جميع الجوارح، من أفعال القلوب وأفعال اللسان، أقوال اللسان والبدن.
طلباً: سواءً كان الطلب لفعل الشيء أو الطلب للكف عن شيء، وطلب الفعل يشمل الطلب الجازم وهو ما يعرف بالواجب، ويشمل الطلب من غير جزم فيشمل المندوب، وطلب الكف يشمل ما كان مع جزم فيدخل فيه المحظور، وما كان من غير جزمٍ فيدخل فيه المكروه.
أو تخييراً: من غير طلب لا فعل ولا كف، وهو غير مطلوب أصلاً، والمكلف مخير بين فعله وعدم فعله، وهذا هو المباح. أو وضعاً: فيدخل فيه ذلك الحكم الوضعي.
ما جاء من قولهم: خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين طلباً أو تخييراً هذا هو ما يعرف بالحكم التكليفي، أو وضعاً يشمل الحكم الوضعي، والوضع يشمل ما ستأتي الإشارة إليه من الصحيح والفاسد وغيرهما.
إذا عرفنا هذا فالأحكام عند أهل العلم تنقسم إلى قسمين: أحكام تكليفية، وأحكام وضعية، أحكام تكليفية وأخرى وضعية، والأحكام التكليفية..، والأصل في التكليف أنه إلزام ما فيه كلفة ومشقة، هذا الأصل فيه، ولا شك أن الشرع فيه تكاليف وفيه ما يشق على النفوس؛ لأن الجنة حفّت بالمكاره، هذا هو السبب في تسمية الأحكام بالتكليف؛ لأن الجنة حفت بالمكاره، ولا يمنع أن يكون هذا التكليف..، يكون في بداية الأمر، ثم بعد ذلك يكون تلذذ بالطاعة، يعالج الإنسان نفسه على هذه التكاليف حتى تصير ديدناً لها فتتلذذ بها، وهذا معروف عند المسلمين قديماً وحديثاً، كثير من الناس يتلذذ بالطاعة، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((أرحنا يا بلال بالصلاة))، وحال أو لسان حال كثيرٍ من المسلمين يقول: أرحنا من الصلاة.
لا شك أن الصلاة تكليف على خلاف ما ترضاه النفس، لكن إذا اعتادها الإنسان وتعلق قلبه بها حدِّث ولا حرج من اللذة وانشراح الصدر في الصلاة، وجاهد السلف -بل كثير من الناس في القديم والحديث- جاهدوا أنفسهم من أجل قيام الليل، جاهدوا مدة ثم صار من شأنهم وديدنهم فتلذذوا به، وهكذا غير الصلاة من العبادات كالصيام في الهواجر من أشقّ الأمور على النفس، الصيام في الهواجر، لكنه من ألذ الأشياء عند من عوّد نفسه عليها وصار شأناً له وديدناً له والله المستعان، وقل مثل ذلك في سائر العبادات، كتلاوة القرآن، التلذذ بمناجاة الله -عز وجل- والخلوة به، والله المستعان، وهذا محروم منه كثير من الناس، والسبب انشغالهم بهذه الدنيا، والله المستعان.
فالأحكام التكليفية خمسة استوعبها المؤلف فذكرها كلها، الواجب والمندوب والمباح والمحظور والمكروه، وطريق الحصر في الخمسة الاستقراء؛ لأن الطلب إما أن يكون طلباً للفعل أو الكف عنه أو للتخيير، فالأول إن كان جازماً على ما تقدم فهو الواجب، وإن كان من غير جزمٍ فهو المندوب، والثاني طلب الكف، إن كان مع جزمٍ فهو المحظور، وإن كان من غير جزم فهو المندوب، وإن كان الثالث الذي هو التخيير هو الإباحة، فالإباحة حكم شرعي؛ لأنها بخطابٍ من الله -عز وجل- على خلافٍ بين أهل العلم في ذلك، منهم من يقول: إن ذكر الإباحة وإدراجها ضمن الأحكام من باب تتميم القسمة؛ إذ ليست هي حكم، وليست بتكليف، وليس فيها كلفة ولا مشقّة، والذي يقول: إنها من التكليف وأدرجها في الأحكام التكليفية قال: إنها جاءت بخطابٍ من الله، وخطاب الله هو الحكم،
والأحكام الوضعية، والمراد بالحكم الوضعي: خطاب الشرع المتعلق بأفعال المكلفين لا بالاقتضاء ولا بالتخيير، والأحكام الوضعية كثيرة: السبب، والعلة، والشرط، والمانع، والرخصة، والعزيمة، والصحة، والفساد، وأما المؤلف فاقتصر منها على اثنين، وساقها مساقاً واحداً مع أحكام التكليف اختصاراً؛ لأن الكتاب ألف للمبتدئين، وهم لا يستوعبون ذكر جميع الأقسام.
وأنتم تلاحظون أن الكتب التي تؤلف بالتدريج -ولنأخذ على سبيل المثال مؤلفات الموفق ابن قدامة في الفقه- العمدة، المقنع، الكافي، المغني، فللمبتدئين العمدة، وللطبقة الذين يلونهم من المتوسطين المقنع، وللطبقة الثالثة الكافي، وللمنتهين المغني، وطريقتهم في التأليف أنهم يقتصرون على ما يحتاج إليه المبتدئ، ثم الطبقة الذين يلونهم، يذكرون ما ذكروه للمبتدئين، ويزيدون عليه مما يحتاجه المتوسطون، فهل المقنع مجرد من الأحكام الموجودة في العمدة؟ لا، وهل الكافي مجرد عما اشتمل عليه المقنع؟ لا، موجود فيه كل ما ذكر في هذه الكتب، والتكرار عند أهل العلم مقصود، ولذا يعمد بعض الناس إلى ذكر زوائد الكافي على المقنع مثلاً، أو ذكر زوائد المقنع على العمدة، هذه طريقة ما غابت عن بال أهل العلم حينما ألفوا هذه الكتب، إنما يستفيد الطالب من هذا التكرار.
يقول الناظم -رحمه الله تعالى-:
والحكم واجــب ومنـدوب ومـا
|
|
أبيـح والمكـروه مـع ما حرمـا
|
ثم شرع -رحمه الله تعالى- في تعريف هذه الأحكام التي سردها، عرّفها بلوازمها على طريقة اللف والنشر المرتب، لو نظرنا في كلام المؤلف:
الواجب المندوب المباح المكروه المحظور الصحيح الفاسد، فالواجب والمندوب والمباح والمحظور والمكروه الصحيح والباطل، على نفس ترتيب اللف، نشرها بعد أن لفها، واللف والنشر أسلوب عند أهل العلم، يذكرون الأقسام على سبيل الإجمال ثم يفصلونها، وهو موجود في نصوص الكتاب والسنة أيضاً.
اللف والنشر: تذكر الأمور إجمالاً ثم بعد ذلك تفصّل، فإن كان ترتيب التفصيل على نفس ترتيب الإجمال سمي اللف والنشر المرتب، وإن كان ترتيب التفصيل يختلف عن ترتيب الإجمال سمي اللف والنشر المشوش يعني غير المرتب، وكل من اللف والنشر المرتب والمشوش جاء في أفصح الكلام، جاء في أفصح الكلام، ففي مثل قوله تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ} [(106) سورة آل عمران]، {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ} [(107) سورة آل عمران]، هذا لف ونشر، لكنه مشوش غير مرتب؛ لأنه بدأ باللفظ، بالذين ابيضت وجوههم، وثنى بالذين اسودت وجوههم، لكنه في النشر بدأ بالذين اسودت وجوههم، ثم ثنى بالذين ابيضت وجوههم.
والفائدة البلاغية اعتنى بها المفسرون في تقديم الذين اسودت وجوههم على الذين ابيضت وجوههم تراجع في مظانها.
وفي سورة هود: {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ* فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ} [(105-106) سورة هود]، {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ} [(108) سورة هود]، لف ونشر مرتب.
ثم ذكر..، سرد الأحكام التكليفية واستوعبها؛ لشدة حاجة المبتدئ إليها، واقتصر من الأحكام الوضعية على قسمين وسردها وساقها مع الأحكام التكليفية مساقاً واحداً، ولا اعتراض عليه في ذلك؛ فالكل أحكام، لو أردت أن تذكر أسماء أشخاص تسردهم، تفهرس كتاب، تقول: أسماء الرواة مثلاً، أو أسماء الأعلام، فإما أن تفرد الرجال ثم تتبعهم بالنساء وهذه طريقة، أو تخلط الجميع وترتب على الحروف هذه أيضاً طريقة، فكل من الطريقتين معروف ومعمول بهما؛ لأن الجميع يشمله الحكم، هذا حكم وهذا حكم، نعم إن ميّزت التكليفية عن الوضعية بعنوانٍ مستقل هذا أدق، لكن إن سردتها مساقاً واحداً فلا بأس، وهذا وهذا كله معمول به.
ثم أخذ يعرف هذه الأحكام فقال:
فالواجب: الفاء هذه إيش يسمونها؟
طالب:.......
فالواجب: نعم
طالب:.......
تعرفوا معاني الحروف؟ ما في فاء يقال لها: التفريعية؟
نعم؟
طالب:.......
لا، فالواجب: أنا أقصد الفاء هذه.. أيش؟
طالب:.......
هل نقول تفريعية أو فصيحة؟ أو ما تعرفون الفرق؟
وجاء سؤال وطلب يقول: لا تفصلون في المسائل النحوية والله المستعان، يا إخوان العلوم مترابطة لا ينفك بعضها عن بعض، ولذا الذين يطالبون بفصل أصول الفقه عن علوم الحديث يطالبون بأمرٍ غير سائغ، ويأتينا علم السنة مبحث مهم من مباحث أصول الفقه، ومباحث علوم السنة لا تستغني عن مباحث أصول الفقه على ما سيأتي إن شاء الله تعالى.
يقول: فالواجب ما يثاب على فعله ويعاقب على تركه: الواجب في اللغة هو الساقط كما في قوله تعالى: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا} [(36) سورة الحـج]: يعني إذا سقطت على الأرض بعد نحرها؛ لأن الأصل أن الإبل تنحر قائمة، فإذا نحرت وهي قائمة ثم سقطت فكلوا منها.
اصطلاحاً: عرفه المؤلف -رحمة الله عليه- بأنه ما يثاب على فعله ويعاقب على تركه: يثاب المكلف على فعله إذا فعله على جهة الامتثال، واستحضار التعبد لله -عز وجل- به، من يفعل الواجب وهو غافل عن التعبد به، أو لا يعرف أنه واجب هذا يثاب عليه؟ يفعل الواجب، لكن على سبيل التقليد، رأى الناس يفعلون ففعل، لا على جهة التعبد لله عز وجل؟
((إنما الأعمال بالنيات))، إذا ما نوى التعبد لله -عز وجل- بهذا الفعل فلا ثواب له.
ويعاقب على تركه: أي يستحق العقاب تاركه، وإلا فهو عاصٍ، وحكم العصاة معروف، الذين لم تبلغ معصيتهم إلى درجة الشرك، هم تحت المشيئة، {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [(48) سورة النساء]، فتارك الواجب معرض نفسه لعقوبة الله عز وجل.
وهذا التعريف للواجب باللازم والأثر المترتب عليه، وأما حقيقته وماهيته: فهو ما طلب الشارع فعله على سبيل الجزم.
واختار الطوفي في تعريفه أنه ما ذمّ تاركه مطلقاً، يذم تاركه فيخرج بذلك جميع الأحكام، يخرج المندوب؛ لأنه لا يذم تاركه، ويخرج بذلك المحظور والمكروه؛ لأنه يمدح تاركه على ما سيأتي.
والواجب مرادف للفرض عند جمهور العلماء، خلافاً للحنفية الذين يفرقون بين الفرض والواجب، فيجعلون الفرض ما ثبت بدليلٍ قطعي، والواجب ما ثبت بدليلٍ ظني.
فزكاة الفطر الثابتة بقول ابن عمر: "فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر"، فرض وإلا واجب عند الحنفية؟
واجبة، والصحابي يقول: "فرض"؛ لأنها ثبتت بدليلٍ ظني عندهم.
وصلاة العيد عندهم واجبة؛ لأنها ثبتت بدليلٍ ظني، دليل ظني: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [(2) سورة الكوثر]، هذا دليل ظني وإلا قطعي؟!
طالب:.......
هم عندهم صلاة العيد واجبة وليست بفرض؛ لأنها ثبتت بدليل ظني، وهو قوله تعالى:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}؟
طالب:.......
نعم، ظني الدلالة، وإن كان قطعي الثبوت.
والواجب له تقاسيم باعتبارات، منه تقسيم باعتبار الفعل نفسه، فالفعل منه المعيّن: وهو الذي لا يقوم غيره مقامه كالصلاة والزكاة والصوم، ومنه المبهم من غير تعيين كخصال الكفارة. وقسمه أهل العلم باعتبار الوقت،سعة وضيقاً إلى موسع ومضيق، فالموسع الذي يتسع وقته لغيره فيزيد على فعله كأوقات الصلوات، والمضيق ما لا يتسع وقته إلى فعل غيره كشهر رمضان.
وقسم أيضاً باعتبار الفاعل إلى قسمين: عيني وكفائي. فالعيني: ما يلزم كل مكلف بعينه ونفسه بحيث لا ينوب غيره ولا يقوم غيره مقامه، والكفائي: ما يثبت من فعل البعض فينوب بعض الناس عن بعض بفعله، واجب على الأعيان وواجب على الكفاية فالذي يلزم به الناس كلهم –المكلفون- إذا توافرت الشروط ألزموا به هذا يسمى واجب على الأعيان.
الصلوات هل يصلي أحد عن أحد؟ هل تسقط بفعل البعض؟ لكن هناك ما يسمى بالواجب على الكفاية، إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين، وأيهما أفضل؟
جماهير أهل العلم على أن الواجب العيني أفضل من واجب الكفاية؟ والمؤلف يرى أن الواجب على الكفاية أفضل من الواجب العيني، والتفصيل في هذه المسألة يطول.
من الواجبات ما هو محدد -عيّن له الشارع مقداراً- كالصلوات المفروضة، ومنه ما هو غير محدد، يجب لكنه من غير تحديد، تحدده الحاجة، كإنقاذ الغرقى وإغاثة الملهوفين هذا واجب لكن هل له حد محدد؟ أنقذت اليوم غريقاً، ورأيت غريقاً من الغد تقول: يكفي أنا أنقذت أمس واحد؟ لا ليس له حد محدد؛ هذا مربوط بسببه.
يقول الناظم -رحمه الله تعالى-:
فالواجــب المحكـوم بالثـواب |
|
فـي فعلـه والتــرك بالعقـاب
|
ثم قال -رحمه الله-: والمندوب ما يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه: المندوب في اللغة اسم مفعول من الندب وهو الدعاء إلى الفعل، أو الدعاء إلى الأمر المهم، وقد عرفه المؤلف -رحمه الله تعالى- بلازمه كسابقه، بلازمه والأثر المترتب عليه.
قال: ما يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه: ويأتي فيه ما ذكر في الواجب من أن الثواب معلق بقصد الامتثال؛ لأن الأعمال بالنيات، قصد الامتثال ونية التعبد لله -عز وجل-.
وعرّف المندوب باعتبار حقيقته بأنه مأمور به، يجوز تركه لا إلى بدل، أو ما طلب فعله لا على سبيل الجزم، وهو مرادف للسنة والمستحب، وهو مأمور به، خلافاً لبعضهم، المندوب مأمور به، خلافاً لبعضهم ممن قال: لو كان مأموراً به لعصى تاركه؛ إذ المعصية مخالفة الأمر كما في قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} [(63) سورة النــور]: هذا تهديد لمخالفي الأمر، فدل على أن مخالف المندوب حيث لم يدخل في هذا الوعيد أنه ليس بأمر ولا مأمور به، وفي الحديث الصحيح: ((لولا أن أشقّ على أمتي لأمرتهم بالسواك)) مع أنه مندوب إجماعاً، إذن المندوب ليس بمأمور به، هذا ما قاله بعضهم.
والصواب أنه مأمور به، وهو قول عامة أهل العلم، والمقصود بالأمر في الآية وفي الحديث: أمر الإيجاب لا أمر الاستحباب، أمر الإيجاب لا أمر الاستحباب، فأمر الاستحباب أمر لكنه لم يتوعّد على تركه، وهذا يدل على أن الأمر في الأصل الوجوب، أن الأمر في الأصل للوجوب، ولا يصرف عنه إلا بصارف، بدليلٍ شرعي.
يقول الناظم:
والندب مـا في فعلـه الثـواب
|
|
ولـم يكـن في تركـه عقاب
|
ثم قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
والمباح ما لا يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه: المباح في اللغة الموسع فيه، ويسمى طلق، يعني مطلق من غير تقييد لا بأمر إيجاب ولا بأمر ترك وكف، فهو مأذون فيه، وتعريفه عند المؤلف كسابقيه بلازمه: ما لا يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه: وحقيقته وماهيته: ما خيّر المكلف بين فعله وتركه لذاته، فلم يقصد الشارع أن يفعله المكلف، ولم يقصد أن يكفّ عنه لذاته، لا باعتبارٍ آخر؛ لأنه قد يكون الفعل هذا في الأصل مباح، لكنه لذاته، أما إذا نظرنا إليه باعتبارٍ آخر فقد يكون حراماً وقد يكون واجباً، يكون واجباً متى؟
إذا لم يتم الواجب إلا به، ويكون حراماً إذا شغل عن واجب أو أدى إلى ارتكاب محظور، فالمباح من حيث هو مباح لذاته لم يطلب فعله ولا تركه، فهو مخير فيه -المكلف مخير فيه- لكن إن أدى المباح إلى ترك واجب أو ارتكاب محظور صار محظوراً، لكن لا لذاته وإنما لأمرٍ عارض، إذا توقف فعل الواجب على هذا المباح صار واجباً؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
يقول الناظم -رحمه الله تعالى-:
وليس فـي المباح مـن ثواب
|
|
فعلا ًوتركـاً بـل ولا عقـاب
|
وعرفنا أن المباح من أهل العلم من قال: إنما ذكر في الأحكام التكليفية من باب تتميم القسمة، فالقسمة خماسية، إما طلب فعل، أو طلب كف، أو تخيير لا طلب فعل ولا طلب كف، مخير المكلف، تتميم للقسمة العقلية، وعلى هذا ليس من الأحكام التكليفية.
ومنهم من يقول: إنه من الأحكام التكليفية، يعني ما الذي يدريك أن هذا مباح إلا بخطاب الشرع، وأهل العلم يختلفون في الأعيان المنتفع بها قبل ورود الشرع، الأعيان المنتفع بها قبل ورود الشرع، وفي حكمها ما سكت الشرع عنه، وعلى هذا هل الأصل في الأشياء الحظر أو الإباحة؟
من أهل العلم من يقول: الحلال ما أحله الله، ومنهم من يقول: الحرام ما حرّمه الله، هناك فرق بين الجملتين؟
طالب:.......
فرق وإلا ما فيه؟ نعم، في فرق، فرق كبير، الحلال ما أحله الله، وبعضهم يقول: الحرام ما حرّمه الله.
إذا كنت في مكانٍ ما فوجدت شيئاً -نبات أو حيوان- وليس عندك فيه نص يدلك على جواز أكله ولا على المنع منه، تأكل وإلا ما تأكل؟ إذا قلنا: الحرام ما حرمه الله؟
طالب:.......
تأكل، تأكل نعم، على هذا تأكل؛ لأنه ما عندك نص يدل على تحريمه، وإذا قلنا: الحلال ما أحله الله ليس عندك نص يدل على حله، إذن قف لا تأكل، هناك فرق كبير بين العبارتين، والذي يسمعها في بادئ الأمر يقول: صح، الحرام ما حرمه الله والحلال ما أحله الله، شو يصير؟
فعلى سبيل المثال: بعض الناس إذا صار عنده مرض أو نقص في بعض الأمور في جسده قيل له: تأكل من لحم السقنقور، معروف وإلا ما هو بمعروف؟
هو موجود عند العطارين على كل حال، مجفف وموجود عندهم، وبعض الناس يخرج إلى البر وفي الرمال يصطاده فيأكله، هذا جاري على قاعدة أيش؟ الحرام ما حرمه الله، لكن الذي يمنعه جارٍ على قاعدة: الحلال ما أحله الله، نعم، وصف لك مثل هذه الدويبة، وصفت لك علاج تحتاج إلى دليل لتأكل هذه الدويبة؟
الورع بابه معروف، كون الإنسان يتورع ولا يدخل في جوفه إلا ما يطمئن إليه ويجزم بحله هذا شيء، لكن أيضاً منع الناس من غير دليل يحتاج إلى..، أقول: منع الناس لما يحتاجون إليه يحتاج إلى دليل: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاًٌ} [(29) سورة البقرة]، على كل حال هذه المسألة تحتاج إلى بسط وتمثيل وتنظير، وذكر أقوال أهل العلم، والمقام لا يحتمل هذا، لكن هذا يورث بحث أصل المسألة إن شاء الله تعالى.
والمحظور: وهو القسم الرابع ما يثاب على تركه ويعاقب على فعله: والمحظور اسم مفعول من الحظر، وهو المنع، يقول تعالى: {وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا} [(20) سورة الإسراء]، عرفه المؤلف كسوابقه بلازمه فقال: ما يثاب على تركه ويعاقب على فعله: والمقصود أنه يستحق العقاب، لا أنه يجزم بعقابه كما مضى في تعريف الواجب، ففاعل المحظور معرض نفسه لعقاب الله -عز وجل- المرتب على فعل هذا المحظور، وإن كان في الأصل تحت المشيئة إذا لم يكن تركُه..، أو يكون ما تركه مكفراً أو يكون من الأمور المتفق عليها وتركها جاحداً لها.
وحقيقته ما طلب الشارع تركه طلباً جازماً، خرج بطلب الترك الواجب والمندوب والمباح، وخرج بالجازم المكروه، والمحظور ضد الواجب، ضد وإلا نقيض؟ ضد وإلا نقيض؟
طالب:.......
لماذا؟
طالب:.......
نعم؟
طالب:.......
صحيح صحيح
طالب:.......
يجتمعان؟ لا يجتمعان، هنا يمكن ارتفاع الواجب والمحظور؟
لا يمكن أن يجتمعا مع اتحاد الجهة، لكن هل يمكن أن يرتفعا ويحل محلهما شيء ثالث؟ يمكن، يرتفع الحظر والوجوب، وتحل الإباحة أو الكراهة أو الاستحباب، الندب والاستحباب، فهما ضدان.
قد يجتمع الواجب مع المحظور في عملٍ واحد، باعتبارين، يعني مع انفكاك الجهة كالصلاة في الدار المغصوبة، وهو ما حرم من الواجبات لأمرٍ عارض لا لذاته، فإذا انفكت الجهة يمكن أن يوصف الفعل بأنه واجب، وفي الوقت نفسه محظور، ولذا يختلف أهل العلم في حكم الصلاة في الدار المغصوبة، والمعروف عند أهل العلم أن النهي إذا عاد إلى ذات العبادة أو إلى شرطها فإنها تبطل مع التحريم، أما إذا عاد النهي إلى أمرٍ خارج عن الذات والشرط وما لا تقوم إلا به، فإنها تصح مع التحريم، يعني فرق بين أن يصلي شخص وعليه عمامة حرير، أو خاتم حرير أو ستر عورته بسترة حرير أو ما أشبه ذلك أو سترة مغصوبة محرمة، مع انفكاك الجهة: يبالغ بعض الناس بالانفكاك، كما أن من أهل العلم والمعروف عن الظاهرية أن كل نهي يقتضي الفساد، كل نهي يقتضي الفساد، ولو لم يعد إلى العبادة نفسها ولا إلى شرطها.
الصلاة في المسجد المزخرف على هذا إذا قلنا: كل نهي يقتضي الفساد، الصلاة في المسجد المزخرف المشيّد المنهي عنه فاسدة عند الظاهرية؛ لوجود النهي وهو نهي خارج عن العبادة، لكن كل نهي يقارن هذه العبادة ولو كان خارجاً عنها فإنه يقتضي الفساد.
وبالمقابل من يبالغ بانفكاك الجهة، ومن أوضح الأمثلة على ذلك ما يقوله بعض الأشعرية من وجوب غض البصر من قبل الزاني عن المزني بها، نعم، يجب عليه أن يغض بصره؛ لأن هذا حرم بخطاب وهذا حرم بخطاب، ارتكب هذا لا يجوز له أن يرتكب هذا، هذه مبالغة في فك الجهات؛ إنما حرم النظر من أجل الوقوع في الفاحشة، لا شك أن الجهات قد تنفك وقد تتحد فإذا اتحدت الجهة لم يصح العمل وإذا انفكت الجهة قد يصح وقد لا يصح كما مثّلنا.
يطلق الحرام المرادف للمحظور من حيث الحقيقة ضد الحلال، والحلال هو في الأصل المباح، الحلال المباح، فكيف يكون الحرام ضد الحلال؟
جاء في قوله تعالى: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ} [(116) سورة النحل]، كيف جاء الحلال ضد الحرام؟ ونقول: التحليل والتحريم لله عز وجل؟
نحن عرفنا أن الحرام في حده ضد الواجب، كما قلنا في الواجب أنه ضد الحرام.
المقابلة هنا من حيث الحد والحقيقة وإلا..؟
طالب:.......
نعم، الحد والحقيقة، نعم، طيب، وكونه ضد الحلال؟
طالب:.........
كيف؟ أيوه؟
طالب:.......
الحلال يعني أعم من أن يكون مخيراً في فعله أو تركه، أعم من ذلك، فيشمل ما يفعله المكلف، سواء كان مقتضىً فعله مع جزم أو من غير جزم أو مأذون فيه.
ثم قال -رحمه الله تعالى- في القسم الخامس وهو المكروه:
والمكروه ما يثاب على تركه ولا يعاقب على فعله: هو اسم مفعول من الكراهة، وهو المبغض، وتعريفه عند المؤلف بلازمه كسوابقه، وحقيقته هو ما طلب الشارع تركه من غير جزم، وطلب الترك يخرج الواجب والمندوب والمباح؛ لأن الواجب والمندوب مطلوب فعلهما، والمباح غير مطلوب لا فعله ولا تركه، مخير فيه، وقوله: من غير جزم: يخرج المحظو، وهذا ما استقر عليه الاصطلاح عند المتأخرين، هذا ما استقر عليه الاصطلاح عند المتأخرين، ويطلق المكروه ويراد به الحرام، ولذا يقسم أهل العلم الكراهة إلى قسمين: كراهة تنزيه، وكراهة تحريم، وجاء في قوله تعالى: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} [(38) سورة الإسراء] بعد أن ذكر جملة من المحرمات، {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا}، وجاء في كلام السلف والأئمة ما يوافق ذلك، يطلق السلف من الصحابة والتابعين والأئمة الكراهة ويريدون بها كراهة التحريم، ولو قيل: إن هذا هو الغالب في إطلاقهم الكراهة لما بعد؛ لأنهم يتورعون من إطلاق اللفظ الشديد، فالإمام أحمد كثيراً ما يقول: "أكره كذا"، "لا يعجبني كذا"، وإن كانت الأمور محرمة: "أكره المتعة"، وهو يحرمها ويجزم بتحريمها، ولذا يخطئ كثير من أتباع الأئمة في فهم نصوصهم لمخالفتها لما جرى عليه الاصطلاح.
يقول الناظم -رحمه الله تعالى-:
وضابط المكـروه عكس ما نـدب
|
|
كذلك الحــرام عكس مـا يجـب
|
وبهذا تكون الأحكام التكليفية الخمسة قد انتهى الكلام عنها، وأما الحكم الوضعي وهو داخل في الحد السابق للحكم: خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين طلباً أو تخييراً أو وضعاً، هذا هو الخطاب، أو الحكم الوضعي، وهو ما وضعه الشارع علامة ونصبه دلالة للمكلف.
مثال يوضح الفرق بين الحكم التكليفي والحكم الوضعي:
مثال: الزكاة تجب في مال من اكتمل عليه النصاب، من اكتمل عنده النصاب تجب عليه الزكاة، فإن كان مكلفاً فحكمه من باب التكليف، الحكم التكليفي يجب عليه، ووجوبها في مال غير المكلف -في مال الصبي والمجنون- حكم تكليفي وإلا وضعي؟
وضعي، من باب ربط الأسباب بالمسببات، وجد السبب فليوجد المسبب، وجد المال فلتوجد الزكاة، هذا المثال يوضح الفرق بين الحكم التكليفي والحكم الوضعي، ظاهر وإلا مو ظاهر؟
عند وجوب الزكاة في من اكتمل عنده النصاب: زيد من الناس مكلف حر بالغ عاقل عنده مبلغ من المال، تجب عليه الزكاة، نقول: تجب عليه الزكاة، لماذا؟ لأنه مكلف، فالحكم حينئذٍ تكليفي، الوجوب من الأحكام التكليفية، وأما وجوبها في مال الصبي والمجنون فليس من باب الأحكام التكليفية لماذا؟ لأنه غير مكلف؟ إنما وجوبها من باب الحكم الوضعي، من باب ربط الأسباب بالمسببات، وجد السبب، وجد المال فليوجد المسبب وهو الزكاة.
والأحكام الوضعية كثيرة من السبب والعلة والشرط والمانع والرخصة والعزيمة والصحة والبطلان، فالسبب ما جعله الشارع علامةً على مسببه، أقول: فالسبب: ما جعله الشارع علامةً على مسببه، وربط وجود السبب بوجوده وعدمه، ويطلق أيضاً بإزاء علة الحكم.
والشرط: ما يتوقف وجود الحكم على وجوده، ويلزم من عدمه عدم الحكم، والمانع: ما يلزم من وجوده عدم الحكم، والرخصة: ما شرعه الله من الأحكام تخفيفاً على المكلفين في حالاتٍ خاصة تقتضي ذلك التخفيف، وقيل في تعريفها: ما ثبت على خلاف دليلٍ شرعي لمعارضٍ راجح، لكنها تثبت بأدلة؛ المعارض الراجح هو الدليل الآخر الذي اقتضى ذلك التخفيف لوجود سببه.
والعزيمة: ما شرعه الله -عز وجل- أصالةً من الأحكام العامة التي لا تختص بحالٍ دون حال، ولا بمكلفٍ دون مكلف، وقيل: ما ثبت على وفق دليلٍ شرعي لعدم المعارض.
عرف المؤلف الصحيح بقوله: الصحيح ما يتعلق به النفوذ، ويعتد به: وهو في اللغة السليم من المرض والعيب، يقال: زيد صحيح إذا كان سليماً من المرض، والدينار والدرهم صحيح إذا سلم من العيب والتكسير والغش.
فالصحيح من العبادات والمعاملات ما تعلق به النفوذ والاعتداد، وذلك بأن يكون قد جمع ما يعتبر فيه شرعاً من الشروط والأركان وانتفت موانعه، والنفوذ من فعل المكلف والاعتداد كما هو معروف من فعل الشارع، وقيل في الصحيح: ما ترتبت آثاره عليه وسقط به الطلب، تترتب آثاره عليه في العبادات، تترتب الآثار من ثواب الله -عز وجل- ويسقط به الطلب بحيث لا يؤمر بالعبادة مرةً أخرى، فالصلاة المكتملة بشروطها وأركانها وواجباتها صحيحة.
والباطل عرفه المؤلف بقوله: ما لا يتعلق به النفوذ ولا يعتد به: وذلك بأن لا يستجمع ما يعتبر فيه شرعاً، عبادةً كان أو عقداً، وقيل: ما لا يسقط به الطلب ولا تتربت آثاره عليه.
البيع الصحيح المكتمل للشروط: اشترى زيد من عمرو سيارة إذا كانت الشروط مكتملة والموانع منتفية والعقد صحيح فالعقد صحيح، إذن تترتب الآثار على هذا العقد، فينتفع المشتري بالسلعة وينتفع البائع بالثمن وهكذا، وأما إذا كان مختلاً من بعض الشروط، اختل فيه بعض الشروط فإنه لا تترب آثاره عليه، وهو مرادف -أعني الباطل للفاسد- عند جمهور العلماء، خلافاً للحنفية الفاسد والباطل بمعنىً واحد، إلا في مسائل يسيرة فرّق بين الفاسد والباطل في المناسك وفي النكاح.
يقول الناظم -رحمه الله تعالى-:
وضابـط الصحـيح مـا تعلقا
|
|
بــه نفـوذ واعتـداد مطلقا
|
والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أج
يقرأ في هذا الكتاب وما كتب حوله والمناقشات التي نوقش فيها المؤلف وما كتب على الكتاب، ثم ينتقل إلى ما هو أعلى منه، إما مختصر التحرير مع شرحه أو مختصر الروضة مع شرحه.
ذكرنا أن المبتدئ يبتدئ بمثل هذا الكتاب ثم ينتقل بعده إلى مختصر الروضة مع شرحه أو مختصر التحرير مع شرحه، ثم إذا فهم هذه الكتب يبقى المسألة مراجعات، عند الحاجة يراجع الكتب المبسوطة.
من أخطأ، من يعرى من الخطأ كما قال الإمام أحمد -رحمه الله- {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [(286) سورة البقرة]، لكن يذكر المثال الذي ذكرناه بالأمس أن من أخطأ في إعراب كلمة من حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- يدخل..، هذا من باب التحذير والتحري والتثبت ونقل الحديث كما هو بفصه وبلفظه إن أمكن، وإلا فبمعناه.
ذكرنا هذا بالنسبة للأصول.
ويقول بالنسبة لعلم النحو؟
علم النحو يقرأ الآجرومية وتتمتها وما كتب عليهما، وإن نشطت نفسه لحفظ الألفية إذا كانت الحافظة تسعفه فهي خير زادٍ لطالب النحو.
أقول: كتب العلماء التي هي الجادة في التحصيل عند أهل العلم لا بد من العناية بها، وما فيها من أخطاء لا تعدو أن تكون وجهات نظر، يصوبها البعض ويحكم عليها البعض الآخر بأنها خلاف الصواب، ومن يشرح هذه الكتب عليه أن يبيّن الخطأ من الصواب، ويبقى أيضاً أن هذا من وجهة نظره هو.
ولذا نجد في شراح الورقات وفي غيرها من الكتب التي ألفها أهل العلم، وليسو من أهل العصمة، فيها ما فيها، كل يؤخذ من كلامه ويرد إلا الرسول -عليه الصلاة والسلام- فالجادة التي اعتمدها أهل العلم وسلكها الأئمة المتقدمون في تربية أولادهم أو أبنائهم الطلاب وتنشئتهم على التحصيل العلمي لا بد من سلوكها، فيؤخذ مثل هذا المتن؛ لأنه أخصر متن في أصول الفقه، وألفاظه سهلة ميسرة.
وأما ما يكتبه المتأخرون وهم يكتبون بلغة العصر لا شك أنها كتب نافعة وجليلة ومفيدة، لكن ليتنبه طالب العلم أنه كلما قوي الأسلوب وصعب على الطالب أنه هو الذي يربي فيه ملكة الأخذ والرد والنقاش، وهو الذي يفتّق ذهنه، أما ما يكتبه المعاصرون فهم يكتبون بلغة العصر، وهذه ليس فيها إشكال في الجملة، كتب واضحة ومبسطة، فهذه في الغالب لا تحتاج إلى شرح، يفهمها الطالب بمفرده.
فعلى طالب العلم أن يتمرّن على كتب المتقدمين؛ لأنه إذا سار على الدرب والطريق والجادة المسلوكة، وحصل من العلم ما يؤهله لتعليم الناس، أو للقضاء وفصل الخصومات بينهم، أو لإفتائهم لا يأمن أن يعيّن في بلدٍ ليس فيه غيره ممن ينتسب إلى العلم، فقد يحتاج إلى مراجعة هذه الكتب، وهو لم يتعود على أساليب المتقدمين فيصعب عليه الإفادة منها، بخلاف كتب المتأخرين، وهذا واضح وظاهر في الدراسة النظامية؛ نجد كثير من الطلاب الذين اعتمدوا على المذكرات التي يكتبها الأساتذة يصعب عليهم كل شيء من العلم، ولا يستطيعون التعامل مع كتب أهل العلم، بينما الذين تربوا على الكتب التي ألفها المتقدمون بأساليب قوية متينة هم الذين في الغالب حصلوا واستفادوا؛ لأنه من اليسير جداً أن تنزل من الصعب إلى السهل، لكن العكس هذا صعب.
على كل حال ما كتبه الشيخ -رحمة الله عليه- جدير بالعناية والإفادة منه، لكن ما سلكه أهل العلم في تربية الناشئة على أسلوبٍ معين في التحصيل أمر لا بد منه.
على كل حال هذه أمور نسبية، وقد يكون الإنسان إمام في باب وهو في الباب الآخر أقل منه في ذلك، فلا يمنع أن يقال: فلان إمام في باب كذا، إمام في النحو وإن كان ضعيفاً في باب الرواية، إمام في الحديث وإن كان ضعيفاً في باب العربية، وهكذا، الإمام أحمد قالوا: إنه إمام في السنة، إمام في الفقه، إمام في الزهد، إمام في الفقر رحمة الله عليه.
هذا موجود في بعض النسخ، هذا موجود في بعض النسخ الخطية، لكن أكثر النسخ مجردة من الحمد والشهادة والصلاة، حتى مجردة من (أما بعد)، ليس فيها إلا ذكر البسملة.
كتاب أصول الفقه للشيخ عبد الوهاب خلاف كتاب جيد ومرتب ومنظم، إلا أنه لا يناسب المبتدئين، يعني من فهم هذا الكتاب وقرأ شروحه يقرأ في مثل كتاب الشيخ خلاف رحمه الله.
الذين حسّن من ألفاظه لفظ الحمد، ((كل أمرٍ ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله..)) أما سائر ألفاظه وطرقه فهي ضعيفة.
الخروج: إن كان المراد به الخروج عن هذه البلاد إلى بلاد الكفر مثلاً، فالسفر إلى بلاد الكفر معروف عند أهل العلم حكمه والإقامة فيها أيضاً -في بلاد الكفر- حكمها التحريم، والهجرة واجبة وباقية إلى قيام الساعة، حسب الإمكان إذا أمكن ذلك، وإلا فالله -سبحانه وتعالى- استثنى المستضعفين.
يقول ما حكم خروج بعض المشايخ والدعاة...؟
ما هو موضح، الخروج إلى بلاد الكفر، إلى غيرها من البلدان، الخروج في القنوات ابتلي الناس به أيضاً ووجد من ينتسب إلى العلم يخرج إلى الناس في هذه القنوات مما يكسبها الشرعية، على كل حال هذه أمور تحتاج إلى شيءٍ من البسط، ولعل الشيخ يعرض عليه مثل هذا السؤال.
هذه موجودة في الشريط، وأظن الشريط يوزع اليوم أو.... متى؟
طالب: بعدما تنتهي الدورة؟
بعد الدورة، مو كل يوم بيومه؟
طالب:.......
سوف يوزع بعد الدورة وهو موجود في غالب الشروح المختصرة.
السؤال ركيك، لكن الواضح أنه يسأل عن البسملة في الفاتحة، أهل العلم يختلفون هل البسملة آية في أوائل السور، بعد اتفاقهم على أنها آية من سورة النمل، واتفاقهم على أنها ليست بآية في أول سورة التوبة، والخلاف معروف.
والذي يراه شيخ الإسلام وبه يقول كثير من الحنفية أنها آية واحدة نزلت للفصل بين السور، وليست بآية في كل سورة، هي آية واحدة نزلت للفصل بين السور، ومنهم من يرى أنها آية في كل سورة، ومنهم من يرى أنها ليست بآية مطلقاً، والآية مبسوطة في كتب أحكام القرآن، وفي –أيضاً- كتب الفقه.
النحو عرض..، عارض لبيان أهمية النحو لطالب العلم، ولن نرجع إليه إلا عند الحاجة والضرورة القصوى، وعدم التفصيل والاستطراد جاء من كثيرٍ من الإخوان، وجاء ضده من بعضهم، وطلب بعضهم الاستطرادات والفوائد التي لا توجد في كثيرٍ من الشروح الموجودة بين أيديهم.
على كل حال هذه مسألة نعاني منها في كل الدروس، فمن الطلاب من يرى الاقتصار على تحليل اللفظ، وفهم الكتاب الذي بأيدينا، والاستطرادات لها موضع آخر، وبعض الإخوان يرى أن الفائدة في الاستطراد، وأما تحليل اللفظ فالكتاب مشروح بشروحٍ كثيرة.
ذكرناها في مناسبات كثيرة، ذكرنا أفضل الطبعات في مناسباتٍ كثيرة، ولو الوقت يسعف ذكرنا الآن، لكن الوقت ضيق والله المستعان.
أقول: طالب العلم المبتدئ عليه أن يتفقّه على ما ذكره أهل العلم، وكل يعتني بالكتاب المعروف المشهور في بلده، وليس معنى هذا أنه إذا اعتنى بالكتاب الفقهي -كالزاد عندنا مثلاً أو العمدة أو الدليل، أو مختصر خليل عند المالكية أو المتون الأخرى في المذاهب الأخرى- ليس معنى هذا أنه يأخذ هذه الأحكام قضايا مسلمة وهذه الكتب دساتير لا يحاد عنها، لا، إنما تكون هذه الكتب كعناصر بحث يفهم الطالب المسألة ويتصورها ويستدل لها، وينظر من قال بها من أهل العلم وأدلتهم ومن خالف أدلتهم، ثم يوازن بين هذه الأدلة ويخرج بالقول الصحيح الراجح، فإذا أتم كتاباً على هذه الطريقة فإنه يدرك من الفقه ما لا يدركه غيره ممن ينادي بالتفقه رأساً من الكتاب والسنة.
طالب العلم إذا تأهل فرضه أن يتفقه من الكتاب والسنة ولا ينظر إلى أقوال الرجال، إلا من باب الاستئناس، أما إذا لم يتأهل طالب العلم فإن عليه أن يسلك ما سلكه أهل العلم، ولا نقول بالتقليد، لا، إنما نقول بالاتباع، يأخذ هذا الكتاب المختصر، ويتصور مسائل هذا الكتاب، ويستدل لهذه المسائل، ثم بعد ذلك ينظر من وافق ومن خالف وأدلة الجميع ويوازن، وحينئذٍ يكون قد أتقن هذا الفن ومعوله وعمدته في الأدلة.
السحار لا شك أنهم كفرة فحدهم القتل فضلاً عن كونهم يذمون، ويخبر عنهم وعن أفعالهم ويحذر منهم، والمبتدعة من كفر ببدعته فحكمه حكمهم، من كانت بدعته مكفرة فحكمه حكم الكفار، ومن كانت بدعته مفسقة ولا تخرجه من الملة فحكمه حكم المسلمين، لكن إذا خشي من ضرره على المسلمين يحذر منه.