التعليق على تفسير القرطبي - سورة الحج (01)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى-:

تفسير سورة الحج.

هي مكية سوى ثلاث آيات: قوله تعالى: {هَٰذَانِ خَصْمَانِ} [ سورة الحج: 19] إلى تمام ثلاث آيات، قاله ابن عباس، ومجاهد، وعن ابن عباس أيضا: أنهن أربع آيات، إلى قوله: {وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [ سورة الحج: 22] وقال الضحاك، وابن عباس أيضًا: هي مدنية، وقاله قتادة، إلا أربع آيات: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ} [ سورة الحج: 52] إلى {عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ} [ سورة الحج: 55] فهن مكيات، وعد النقاش ما نزل بالمدينة عشر آيات، وقال الجمهور: السورة مختلطة منها مكي ومنها مدني، وهذا هو الأصح؛ لأن الآيات تقتضي ذلك؛ لأن يا أيها الناس مكي، ويا أيها الذين آمنوا مدني."

غالبًا هذه قواعد أغلبية وليست كلية، كل ما جاء فيه يا أيها الناس أنه مكي هذا غالب، وكذلك يا أيها الذين آمنوا هذه من العلامات التي يستدلون بها على المكي والمدني، لكنها ليست كلية ولا قطعية، فالبقرة مدنية، وفيها يا أيها الناس اعبدوا ربكم، وهي مدنية.

"قال الغزنوي: وهي من أعاجيب السور نزلت ليلاً ونهارًا، سفرًا وحضرًا، مكيًّا ومدنيًّا، سلميًّا وحربيًّا، ناسخًا ومنسوخًا، محكمًا ومتشابهًا، مختلف العدد."

يعني فيها جميع هذه الأنواع؛ فيها المكي والمدني، فيها الليلي والنهاري، وفيها السفري والحضري والسلمي والحربي إلى آخره، فهي منوعة، اجتمع فيها جميع هذه الأنواع، وهذا يندر أن تجتمع فيه سورة من السور.

طالب:.............

مختلف العدد، يعني بالنسبة لهذا المكي أكثر والمدني.

"قلت: وجاء في فضلها ما رواه الترمذي، وأبو داود، والدارقطني، عن عقبة بن عامر قال: «قلت: يا رسول الله، فضلت سورة الحج بأن فيها سجدتين؟ قال: نعم، ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما» هذا لفظ الترمذي، وقال: هذا حديث حسن ليس إسناده بالقوي."

تقدم مرارًا الكلام على سجود التلاوة، وعدده في القرآن، وحكمه: الجمهور على أنه سنة، والحنفية رووا الوجوب وإليهم مال شيخ الإسلام- رحمه الله- أن سجود التلاوة واجب، مقتضي الحديث مع أن فيه لينًا، في الحديث يعني حديث الترمذي فيه كلام لأهل العلم، من لم يسجدهما فلا يقرأهما، معنى هذا أن الذي يري سنية السجود، وهم الجمهور، إذا لم يسجدوا تترك هذه الآيات التي فيها سجدات، من لم يسجدهما فلا يقرأهما، السجدة التي في أوائل السورة والتي في آخرها، مقتضي الحديث هكذا، وهذا ما يستدل به على الوجوب، وأن الذي يؤمر بالسجود عليه أن يسجد، يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجد.

الأمر الثاني في مسألة عدد السجدات في هذه السورة محل خلاف بين أهل العلم الشافعي وأحمد على أن فيها سجدتين وغيرهما يقول: سجدة واحدة، وهي السجدة التي في أوائل السورة، أما السجدة التي في آخرها فالمراد بها الأمر بالصلاة المشتمل على الركوع والسجود، وليس فيها الأمر بالسجود بمفرده، ولذا قرن بالركوع، وعلى كل حال السجدات في القرآن المذاهب فيها مختلفة: منهم من يقول: خمس عشرة سجدة، فيعد في الحج سجدتين مع سجدة ص والسجدات المفصلة، ومنهم من يقول: أربع عشرة ولا يعد سجدة ص فيعتبرها سجدة شكر أو لا يعد السجدة الثانية في الحج مع كونه يعد سجدة ص، وأما مالك فلا يرى في المفصل شيئًا، فعنده السجدات إحدى عشر.

"واختلف أهل العلم في هذا؛ فروي عن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- وابن عمر أنهما قالا: فضلت سورة الحج بأن فيها سجدتين، وبه يقول ابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، ورأى بعضهم أن فيها سجدة واحدة، وهو قول سفيان الثوري، وروى الدارقطني عن عبد الله بن ثعلبة قال: رأيت عمر بن الخطاب سجد في الحج سجدتين؛ قلت: في الصبح؟ قال: في الصبح.

قوله تعالي: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [ سورة الحج:1]."

لو أردنا تعداد السجدات سجدات التلاوة في القرآن أول سجدة هي سجدة الأعراف، والثانية في الرعد، والثالثة في النحل، والرابعة في الإسراء، والخامسة في مريم، والسادسة والسابعة في الحج، والثامنة في الفرقان، والتاسعة في النمل، والعاشرة في آلم السجدة، والحادية عشرة ص، والثانية عشرة فصلت، والثالثة عشرة النجم، والرابعة عشرة الانشقاق، والخامسة عشرة العلق. هذه سجدات القرآن خمسة عشرة.

 والخلاف معروف في سجدة ص هذه سجدة شكر كما قال الحنابلة أو من عزائم السجود كما يقول جمع من أهل العلم، ويترتب على هذا سجودها في الصلاة، ومن يقول: هي سجدة شكر يبطل الصلاة، يبطل الصلاة بها، ولذا ترون في المجامع مثل الحرم إذا سجد في ص بعض الناس لا يسجد، يظل واقفًا؛ لأنه يراها سجدة شكر، وتبطل الصلاة بها، ورؤي بعض الكبار على هذا، ثم بعد هذه الحادثة تركت في الصلاة، ما يسجدونها،  منذ سنوات خمس ما سجدوها؛ لأن فيه إحراجًا، يبقي بعض الناس المؤول عليهم من الكبار ما يسجد، والصلاة تنقل أمام العالم يحصل فيه تشويش، ولو سجدها الإمام وتوبع حتي من قبل من لا يراها سجدة، الخلاف شر، الخلاف في مثل هذا شر، لاسيما أن من يراها من عزائم السجود قول معتبر، وله دليله، فالله المستعان.

"روى الترمذي عن عمران بن حصين أن النبي- صلى الله عليه وسلم- لما نزلت: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} إلى قوله: {وَلَٰكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} قال: «أنزلت عليه هذه الآية وهو في سفر فقال: أتدرون أي يوم ذلك؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذاك يوم يقول الله لآدم ابعث بعث النار قال: يا رب، وما بعث النار؟ قال: تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار، وواحد إلى الجنة، فأنشأ المسلمون يبكون؛ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: قاربوا وسددوا، فإنه لم تكن نبوة قط إلا كان بين يديها جاهلية....»."

فأنشأ المسلمون يبكون خوفًا ووجلاً، وهذه عاداتهم في تغليب جانب الخوف واتهام النفس؛ لأنه لو كان العدد العكس، من كل بعث النار من كل ألف واحد لوجدنا السلف يخافون من أن كل واحد منهم هو ذلك الواحد، وهم مع ذلك أهل علم وعمل وأهل بصيرة، ومن جاء بعدهم من الخلوف على العكس من حاله، يعني تجد أشد الناس تفريطًا لو قيل له مثل هذا الحديث لغلب على ظنه أنه هو الواحد الناجي، لا شك أن هذا من تلبيس الشيطان على الناس وتهوينهم أمر الله وشأنه- نسأل الله العافية-.

"«قال: فيؤخذ العدد من الجاهلية، فإن تمت وإلا كملت من المنافقين، وما مثلكم والأمم إلا كمثل الرقمة في ذراع الدابة أو كالشامة في جنب البعير، ثم قال: إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة، فكبروا، ثم قال: إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة- فكبروا، ثم قال: إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة فكبروا، قال: لا أدري قال الثلثين أم لا»، قال: هذا حديث حسن صحيح، قد روي من غير وجه عن الحسن عن عمران بن حصين."

المراد بالمنافقين الذين يكمّل منهم العدة إذا لم يكن عدد من الكفار، لعل المراد به النفاق العملي، أما النفاق الاعتقادي فهم يدخلونها قبل الكفار؛ لأنهم في الدرك الأسفل من النار، لأنهم في الدرك الأسفل منهم، مفهوم الحديث أن من المنافقين أو المنافقون ناجون إلا اذا احتيج لتكميل العدد على مفهوم الحديث، لكن هل يقال مثل هذا في النفاق الاعتقادي الأكبر المخرج عن الملة؟ لا، هم كفار وزيادة؛ لأنهم في الدرك الأسفل من النار، فلعل من لازم صفات المنافقين وتشبه بهم في خصالهم العملية يكمل بهم العدد، ولو لم يخلدوا فيها، وإلا حمله على النفاق الاعتقادي الأكبر المخلف عن الملة فيه إشكال. خرج حديث الترمذي.

طالب:...

ما تكلم عنه بشيء.

طالب:....

الطريق الثاني، لكن هذا الطريق الذي فيه من المنافقين.

طالب:....

يقول فيه إشكال في كونه إذا تمت العدة مثل تسعمائة وتسعة وتسعون من الكفار وإلا كمل من المنافقين ويحمل على النفاق الاعتقادي إشكال كبير؛ لأن المنافقين نفاقًا اعتقاديًّا تحت الكفار في الدرك الأسفل من النار- نسأل الله السلامة- فهم كفار وزيادة، وهم من محققي العدة، فيكمل ممن نفاقه عملي، واجتمعت فيه الخصال كلها.

"وقد روي من غير وجه عن الحسن عن عمران بن حصين، وفيه: فيئس القوم حتى ما أبدوا بضاحكة، فلما رأى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «اعملوا وأبشروا، فوالذي نفسي بيده إنكم لمع خليقتين ما كانتا مع شيء إلا كثرتاه يأجوج ومأجوج، ومن مات من بني آدم وبني إبليس قال: فسري عن القوم بعض الذي يجدون، فقال: اعملوا وأبشروا فوالذي نفس محمد بيده ما أنتم في الناس إلا كالشامة في جنب البعير، أو كالرقمة في ذراع الدابة»."

إذا فلابد من العمل، لابد من العمل، البشرى هذه لمن يعمل، أما من لا يعمل، يفرط ويرتكب المحرمات والجرائم ويترك الواجبات، وقد يفعل بعض الموبقات والمكفرات فهذا لا يبشر؛ لأنه قال: «اعملوا وأبشروا»، بعض الناس يفرط يرتكب ما يرتكب من جرائم ومنكرات ويقول: النار تمتلئ من الصين والأمريكان والإنجليز. كل إنسان محاسب عن نفسه. يرى الأعداد الهائلة من الكفار يقول: لا، عددنا يسير، فنحن أهل الجنة، لكن ما يرى المؤمنين المخلصين من السابقين من هذه الأمة وغيرها من الأمم لينظر العدة وينسب بنفسه إلى هؤلاء، هذه سمعت، تسمع كثيرًا في الأيام الأخيرة، سافر الإنسان لأول مره فينسى يرى من المنكرات والجرائم والكفر وغيره ويقول: الحمد لله نحن كلنا بالجنة، هذه سمعت، قالها أكثر من واحد، وهذا من تلبيس الشيطان عليهم.

"وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «يقول الله تعالى: يا آدم، فيقول: لبيك وسعديك والخير في يديك، قال: يقول: أخرج بعث النار، قال: وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، قال: فذاك حين يشيب الصغير، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى، وما هم بسكارى، ولكن عذاب الله شديد قال: فاشتد ذلك عليهم، قالوا: يا رسول الله، أينا ذلك الرجل؟ فقال: أبشروا، فإن من يأجوج ومأجوج ألفًا ومنكم رجل»، وذكر الحديث بنحو ما تقدم في حديث عمران بن حصين."

مثل هذه النصوص لا شك أنها تأتي علاجًا لأحوال الناس جماعات وأفرادًا؛ فإذا وجدت شخصًا مفرطًا تأتي بشطر الحديث الأول، تقول: الجنة لا ينالها إلا واحد في الألف؛ من أجل أن تبعثه إلى العمل والاستقامة ثم إذا رأيت منه شيئًا من القنوط واليأس والحسرة  تقول أبشر واعمل وأبشر وآمل، فإن من يأجوج كذا وكذا، فهذه النصوص كما هي من الكتاب والسنة تأتي علاجًا لأمراض الأفراد والجماعات.

 "وذكر أبو جعفر النحاس قال: حدثنا أحمد بن محمد بن نافع، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر عن قتادة عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} إلى قوله: {وَلَٰكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ}  قال: نزلت على النبي- صلى الله عليه وسلم- وهو في مسير له، فرفع بها صوته حتى ثاب إليه أصحابه."

 أي اجتمعوا اجتمعوا عليه -عليه الصلاة والسلام-.

"فقال: «أتدرون أي يوم هذا؟ هذا يوم يقول الله- عز وجل- لآدم -صلى الله عليه وسلم-: يا آدم، قم فابعث بعث أهل النار من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار، وواحد إلى الجنة، فكبُر ذلك على المسلمين، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: سددوا، وقاربوا وأبشروا، فوالذي نفسي بيده ما أنتم في الناس إلا كالشامة في جنب البعير أو كالرقمة في ذراع الحمار، وإن معكم لخليقتين ما كانتا مع شيء إلا كثرتاه يأجوج ومأجوج، ومن هلك من كفرة الجن والإنس»."

ما أنتم يريد بذلك الصحابة أو الأمة، ما أنتم في الناس كان يريد الأمة، فلا شك أن من الأمة من سيدخل النار، من الأمة من سيدخل النار سواء كان من أهل الكبائر دخولاً مؤقتًا، أو الخلود إذا كان من أمة الدعوة وليس من أمة الإجابة، أو كان من أمة الإجابة ثم خرج منها بمكفر –نسـأل الله السلامة والعافية-، ما أنتم في الناس لعله يريد الصحابة الذين خوطبوا ووجه إليهم ما ذكر، وإلا الأمة خلال القرون فيهم كثرة، وفيهم من يدخل النار.

طالب:.....

لا لا ليست محفوظة.

يا سلعة الرحمن ليس ينالها          في الألف إلا واحد لا اثنان

 كالحديث.

 "قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ} المراد بهذا النداء المكلفون؛ أي اخشوه في أوامره أن تتركوها، ونواهيه أن تقدموا عليها. والاتقاء: الاحتراس من المكروه؛ وقد تقدم في أول البقرة القول فيه مستوفًى، فلا معنى لإعادته، والمعنى: احترسوا بطاعته عن عقوبته."

يعني اجعلوا بينكم وبين عذابه وقاية، اجعلوا بينكم وبين عذابه وقاية بفعل المأمورات وترك المحظورات.

"قوله تعالى: {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} الزلزلة شدة الحركة؛ ومنه {وزلزلوا حتى يقول الرسول}، وأصل الكلمة من زل عن الموضع؛ أي زال عنه وتحرك، وزلزل الله قدمه؛ أي حركها. وهذه اللفظة تستعمل في تهويل الشيء، وقيل: هي الزلزلة المعروفة التي هي إحدى شرائط الساعة التي تكون في الدنيا قبل يوم القيامة؛ هذا قول الجمهور."

يعني الزلزلة هي التي تعقبها الساعة كون التقدير فهي من علاماتها الكبرى.

"وقد قيل: إن هذه الزلزلة تكون في النصف من شهر رمضان، ومن بعدها طلوع الشمس من مغربها، فالله أعلم."

وفي آخر الزمان تكثر الزلازل، ويكثر الخسف والمسخ كما جاء في النصوص.

"قوله تعالى: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [ سورة الحج: 2]

قوله تعالى: يوم ترونها الهاء في ترونها عائدة عند الجمهور على الزلزلة؛ ويقوي هذا تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها والرضاع والحمل إنما هو في الدنيا. وقالت فرقة: الزلزلة يوم القيامة."

لكن يوم ترونها الضمير الهاء ضمير التأنيث يحتمل أن يعود على المضاف، ويحتمل أن يعود على المضاف إليه؛ لأن ما يتعقب المتضايفين فالاحتمال قائم بأن يعود على المضاف أو على المضاف إليه وهنا جعله عند الجمهور أن يعود على المضاف الذي هو الزلزلة، الاحتمال الثاني {يَوْمَ تَرَوْنَهَا} يعني الساعة، والمراد بذلك بدايتها، {تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا} وهي أعظم من مجرد الزلزلة، الساعة يعني قيامها ونهاية العالم أعظم من مجرد الزلزلة التي هي علامة من علامات الساعة.

"وقالت فرقة: الزلزلة في يوم القيامة؛ واحتجوا بحديث عمران بن حصين الذي ذكرناه، وفيه: أتدرون أي يوم ذلك... الحديث.

وهو يوم يقال لآدم: أخرج بعث النار، وهذا في يوم القيامة.

"وهو الذي يقتضيه سياق مسلم في حديث أبي سعيد الخدري.

قوله: ( تذهل) أي تشتغل، قاله قطرب، وأنشد:                                              

ضربًا يزيل الهام عن مقيله

 

ويذهل الخليل عن خليله

 

وقيل: تنسى. وقيل: تلهو، وقيل: تسلو، والمعنى متقارب. عما أرضعت قال المبرد...."

 لكن اللفظ القرآني أبلغ من الذهول النسيان والغفلة مع شيء من الاضطراب وشيء من الهلع؛ لأن الانسان قد يذهل قد ينسى، وقد يغفل عن الشيء، وهو آمن من غير شيء إلا النسيان، لكن هنا بسبب عظيم، ولذا عبر عن نسيان الشيء بالذهول، الإنسان ما يذهل إلا إذا كان هناك سبب قوي يجعله ينسى ما هو بصدده، وإذا كانت المرضعة تذهل عن ولدها الذي هو بأمس الحاجة إليها، بل يموت بفقدها، والحامل تضع حملها؛ بسبب ذلك، فالأمر عظيم جدًّا.

"قال المبرد: ما بمعنى المصدر؛ أي تذهل عن الإرضاع، قال: وهذا يدل على أن هذه الزلزلة في الدنيا؛ إذ ليس بعد البعث حمل ولا إرضاع."

هو يقول إن الذهول عن الإرضاع ما هو عن الولد، الولد حملته، لكن ذهلت عن إرضاعه، لكن أبلغ من هذا لو ذهلت وغفلت عنه وتركته، في بعض الحوادث التي ليست بعيدة منا حصل شيء من هذا امرأة عندها رضيع بشهرين أو ثلاثة، فلما حصل ما حصل حملت الوسادة وذهبت، تركت الولد، هذا أبلغ من كونها حملته وذهلت عن إرضاعه.

 والسبب الذي جعله يقول أن ما مصدرية؛ لأن المرضع عاقل، فالأصل أن يقال عمن أرضعت، العاقل يعبر عنه بمن لا بما لو أريد بذلك الموصول، لكن ما يمنع أن يكون المراد به الولد المرضع وباعتباره طفلًا صغيرًا جدًّا لا يدرك شيئًا مما يدور حوله يعبر عنه بما يعبر به عن غيره من العقلاء كما عبر عن النساء { فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ} [ سورة النساء: 3] لماذا؟ لأنهن ناقصات عقل، وهذا عقله أنقص من عقول النساء، فلا مانع أن يعبر عنه بما.

"إلا أن يقال: ما ماتت حاملاً تبعث حاملاً فتضع حملها للهول، ومن ماتت مرضعة بعثت كذلك، ويقال: هذا كما قال الله- عز وجل-: { يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا } [ سورة المزمل: 17]، وقيل: تكون مع النفخة الأولى، وقيل: تكون مع قيام الساعة، حتى يتحرك الناس من قبورهم في النفخة الثانية، ويحتمل أن تكون الزلزلة في الآية عبارة عن أهوال يوم القيامة؛ كما قال تعالى: {مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا } [ سورة البقرة: 214]، وكما قال: عليه السلام -: اللهم اهزمهم وزلزلهم، وفائدة ذكر هول ذلك اليوم التحريض على التأهب له، والاستعداد بالعمل الصالح. وتسمية الزلزلة بشيء."

هذه هي الفائدة من نصوص الترغيب والترهيب ومن أخبار الماضي من الأمم السابقة ومن أخبار ما سيأتي قرب الساعة ومعها وبعدها. الفائدة التحرير على التأهب والاستعداد وذكر القصص قصص الأمم السابقة، هل هو لمجرد التسلية كما تقرأ بكتب التاريخ؟ لا {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَاب ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ} [ سورة يوسف: 111] لكن عبرة لمن؟ لآبائهم ليس لكل أحد، تجد كثيرًا من المسلمين يقرأ هذه القصص، ويقرأ كثيرًا الآيات ولا تحرك ساكنًا.

"وتسمية الزلزلة بشيء إما لأنها حاصلة متيقن وقوعها، فيستسهل لذلك أن تسمى شيئًا وهي معدومة."

نعم إذا تحقق قبل وقوعها عبر عنها بشيء وإلا فالمعدوم ليس بشيء، فالمعدوم ليس بشيء كما قال بذلك شيخ الاسلام وغيره، المعدوم الذي لا يتصور وجوده، أما ما يتصور وجوده وما يتحقق وقوعه فهو شيء كما هنا، ولذا عند أهل العلم المستحيل ليس بشيء، والنقيران وجودًا وعدمًا مستحيل فلا يقارنهما بشيء شيخ الاسلام قرر هذا الكلام، وإن كان بعض المتكلمين ينازع في هذا ويبني على هذا قواعد فاسدة.

"إذ اليقين يشبه الموجودات."

قال- جل وعلا- في سورة النحل: {أَتَىٰ أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ} [ سورة النحل: 1] أتى، ما أتى في الحقيقة، لكن عبر عنه؛ لتحقق وقوعه، ولذا قال: فلا تستعجلوه، يعني هو آتٍ في المستقبل، ولتحقق إتيانه عبر عنه بالماضي كأنه واقع.

 "وإما على المآل؛ أي هي إذا وقعت شيء عظيم، وكأنه لم يطلق الاسم الآن، بل المعنى أنها إذا كانت فهي إذًا شيء عظيم، ولذلك تذهل المراضع وتسكر الناس، كما قال: وترى الناس سكارى أي من هولها ومما يدركهم من الخوف والفزع. وما هم بسكارى من الخمر، وقال أهل المعاني: وترى الناس كأنهم سكارى يدل عليه قراءة.."

كل ما يلهي الناس ويشغله فهو مسكر، نعم السكر الحقيقي الذي يترتب عليه الحد الخمر، وما في معناه مما يذهل العقل، لكن ما يشغله وما يلهيه عما خلق له كانشغاله بالدنيا ونحوها هذا سكر؛ لأنه يغطي العقل عما هو أهم منه، لاسيما عما هو خلق له من تحقيق العبودية لله- جل وعلا-، وترى بعض الناس كالسكران قد لا يحس من حوله إذا انهمك في أموره وأعماله من أمور الدنيا مثل السكران، كما قال الله- جل وعلا-: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [ سورة الليل: 4] الذي يشغل نفسه بطاعة الله- عز وجل- قد يغفل عما عداه، ولذا كثير من السلف إذا دخل في الصلاة لا يحس بمن حوله وذكر مثل هذه القصص، ولذا يحتاج مثل هذا أن يقال له: {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [ سورة القصص: 77]؛ لأنه قد ينهمك في أمور العبادة والقرب من الله- جل وعلا- وصدق الملجأ إليه، ثم بعد ذلك يغفل عما عداه، وبعض الناس يقرأ فلا يشعر إلا بطلوع الصبح إذا سمع المؤذن تعجب كيف مضى الوقت؟ بعض الناس يصلي كذلك، وبعض الناس في أعماله التجارية فإذا أذن سبحان الله ما يسعى، {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [ سورة الليل: 4].

 والسكر الذي يغطي العقل عن الأهم لا شك أنه مذموم، ولا ينهمك بسبب شرب خمر الانهماك في أمور الدنيا ويغفل عن الآخرة، هذا خلاف الهدف الذي من أجله خلق الإنس والجن.

"يدل عليه قراءة أبي زرعة هرم بن عمرو...."

هذا أحد الأقوال في اسمه فيه أقوال كثيرة؛ لأنه من اشتهر بالكنية، حتى قال بعضهم إن اسمه كنيته أبو زرعة.

"يدل عليه قراءة أبي زرعة هرم بن عمرو بن جرير بن عبد الله: وترى الناس بضم التاء؛ أي تظن ويخيل إليك، وقرأ حمزة، والكسائي، سكرى بغير ألف، والباقون سكارى وهما لغتان لجمع سكران؛ مثل كسلى وكسالى، والزلزلة: التحريك العنيف، والذهول الغفلة عن الشيء بطروء ما يشغل عنه من هم أو وجع أو غيره. قال ابن زيد: المعنى تترك ولدها للكرب الذي نزل بها.

قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} قيل: المراد النضر بن الحارث، قال: إن الله- عز وجل- غير قادر على إحياء من قد بلي وعاد ترابًا."

مثله ما جاء في آخر يس، كما جاء في آخر سورة يس {قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [سورة يس: 78]، لكن الرد القوي {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} [ سورة يس: 79] لا شك أن الابتداء أشد من الإعادة.

 "{وَيَتَّبِعُ} أي في قوله ذلك. {كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ} [ سورة الحج:3] متمرد. {كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلَّاهُ} قال قتادة، ومجاهد: أي من تولى الشيطان. {فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَىٰ عَذَابِ السَّعِيرِ} [ سورة الحج: 4]."

{يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ}: يضله عن الصراط المستقيم، ويهديه إلى عذاب السعير يعني ترادف الكلمتين المتضادتين عند أهل البلاغة تنافر لفظي، لكن ماذا يقول عن قوله- جل وعلا-: {فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ} يعني مع انفكاك المتعلق والجهة لا مانع، ولذا أهل الحديث ما يرون إطلاق المتصل على ما يضاف إلى التابعي، فإن رووا عن الحسن البصري بسند متصل خبرًا ما يرونه متصلاً، لماذا؟ لأنه في اصطلاحه مقطوع يقابل المرفوع إلى النبي- عليه الصلاة والسلام-، والموقوف عن الصحابة، فما يضاف إلى التابعي يسمونه مقطوعًا، فلا يقولون متصل مقطوع، تنافر لفظي، لكن إذا انفكت الجهة، متصل من حيث السند، مقطوع من حيث الإضافة، ما فيه ما يمنع.

 وذكرنا مثالاً مرارًا ذكرناه لو قيل: جاء الرجل الطويل القصير، مع انفكاك الجهة طويل في عمره، قصير في قامته مثلاً، أو العكس، ما فيه ما يمنع، لكن عند أهل البلاغة تنافر لفظي، فماذا يقولون عن قوله فأنه يضله ويهديه، اختلف المتعلق فلا مانع من التعبير بمثل هذا، بل هذا أفصح الكلام، وليس لأحد كلام مع كلام الله- جل وعلا-، يضله المتعلق ليس واحدًا أو متعلقًا الأمرين إلى عذاب السعير، يضله عن الصراط المستقيم، ويهديه إلى عذاب السعير وهذا مرتب على هذا.

"قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ} إلى قوله: {مُّسَمًّى} [ سروة الحج: 5]، فيه اثنتا عشرة مسألة:

الأولى: قوله تعالى: {إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ} هذا احتجاج على العالم بالبداءة الأولى، وقوله: إن كنتم في ريب متضمنة التوقيف، وقرأ الحسن بن أبي الحسن: {البعَث} بفتح العين؛ وهي لغة في البعث عند البصريين، وهي عند الكوفيين بتخفيف بعث، والمعنى: يا أيها الناس إن كنتم في شك من الإعادة."

البعَث الذي هو المصدر، مصدر بعث يبعث بعثًا عند البصريين بعثًا عند الكوفيين بالتحريك ولكنها خففت وسكنت، ماذا يقول ابن مالك؟

فعل قياس المصدر المعدى         من ذي ثلاثة  كرد ردًّا

وعند البصريين وهو الذي جرى عليه ابن مالك فعل بعث.

"{فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم} أي خلقنا أباكم الذي هو أصل البشر  يعني آدم- عليه السلام- {مِّن تُرَابٍ}. {ثُمَّ}: خلقنا ذريته. {مِن نُّطْفَةٍ}: وهو المني؛ سمي نطفة لقلته، وهو القليل من الماء، وقد يقع على الكثير منه؛ ومنه الحديث حتى يسير الراكب بين النطفتين لا يخشى جورًا أراد بحر المشرق وبحر المغرب. والنطف: القطر، نطف ينطف وينطف، وليلة نطوفة دائمة القطر."

مخرج؟

طالب:....

لأن مقتضى النطفة الشيء اليسير، وفي الخبر بحور، والأصل في النطفة أن الشيء اليسير ينطف يعني يبحر منه الشيء اليسير، نعم.

"{ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ} وهو الدم الجامد، والعلق الدم العبيط، أي الطري، وقيل: الشديد الحمرة. {ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ} وهي لحمة قليلة قدر ما يمضغ؛ ومنه الحديث: «ألا وإن في الجسد مضغة»، وهذه الأطوار أربعة أشهر."

يعني الثلاثة في أربعين بين كل طور وآخر، مائة وعشرين، في المائة وعشرين أربعة أشهر.

"قال ابن عباس: وفي العشر بعد الأشهر الأربعة ينفخ فيه الروح، فذلك عدة المتوفى عنها زوجها؛ أربعة أشهر وعشر.

الثانية: روى يحيى بن زكريا بن أبي زائدة: حدثنا داود عن عامر عن علقمة عن ابن مسعود وعن ابن عمر: أن النطفة إذا استقرت في الرحم أخذها ملك بكفه فقال: يا رب، ذكر أم أنثى، شقي أم سعيد، ما الأجل والأثر، بأي أرض تموت؟ فيقال له: انطلق إلى أم الكتاب، فإنك تجد فيها قصة هذه النطفة، فينطلق فيجد قصتها في أم الكتاب، فتخلق فتأكل رزقها وتطأ أثرها، فإذا جاء أجلها قبضت فدفنت في المكان الذي قدر لها؛ ثم قرأ عامر..."

 مما لا يعلمها إلا الله- جل وعلا-  أي لا تدري نفس بأي أرض تموت غير الله، هذا من المغيبات.

 "ثم قرأ عامر: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ}."

عامر، من هو؟

الشعبي.

"وفي الصحيح عن أنس بن مالك، ورفع الحديث، قال: «إن الله قد وكل بالرحم ملكًا فيقول: أي رب، نطفة، أي رب، علقة، أي رب، مضغة»."

 أي بعد مدة تمامه نطفة فيقول: أي رب علقة، يعني تنتقل إلى الطور الثاني أو تسقط، ثم إن انتقلت إلى الطور الثالث يستأذن.

 "فإذا أراد الله أن يقضي خلقًا قال: قال الملك: أي رب، ذكر، أو أنثى، شقي، أو سعيد. فما الرزق؟ فما الأجل؟ فيكتب كذلك في بطن أمه، وفي الصحيح أيضًا عن حذيفة بن أُسَيد الغفاري."

أَسِيد.

"وفي الصحيح أيضًا عن حذيفة بن أَسِيد الغفاري قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: « إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكًا فصورها، وخلق سمعها، وبصرها، وجلدها، ولحمها، وعظامها، ثم يقول: أي رب، أذكر أم أنثى... » وذكر الحديث."

ولعل الحديث مختصر، يعني في الطور الثالث إذا مر عليه ثنتان وأربعون قال الملكان، أي تجتمع النصوص كما هذا مع حديث ابن مسعود.

"وفي الصحيح عن عبد الله بن مسعود قال: حدثنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو الصادق المصدوق: «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد... » الحديث."

هذا قبل اطلاع الملك من المغيبات التي لا يعلمها إلا الله- جل وعلا-، فإذا اطلع عليها الملك خرج عن دائرة الغيب فبإمكانه أن يعلم.

"فهذا الحديث مفسر للأحاديث الأول؛ فإنه فيه: «يجمع أحدكم في بطن أمه أربعين يومًا نطفة، ثم أربعين يومًا علقة، ثم أربعين يومًا مضغة، ثم يبعث الملك، فينفخ فيه الروح، فهذه أربعة أشهر، وفي العشر ينفخ الملك الروح، وهذه عدة المتوفى عنها زوجها»."

تظهر علامات النفخ خلال العشر فينفخ فيه، تنفخ فيه الروح في تمام الأربعة أشهر، لكن العشر الزيادة هذه تظهر علامات النفخ والحركة، فقد يكون فيه شيء من الضعف فلا يتحرك إلا بعد تمام العشر، وقد يتحرك قبل ذلك بعد تمام الأربعة أشهر، فجُعلت المدة التي هي عشر إضافة إلى المدة السابقة؛ لتحقق نفخ الروح لاسيما وأن الناس قد يتفاوتون في بداية الحمل لأجل متمادى، والأطباء يجزمون بأن هذا الحمل في بطن هذه المرأة له من الأيام كذا ومن الأسابيع كذا، على كل إذا تحرك عرف أنه أتم أربعة أشهر.

"وقوله: إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه، قد فسره ابن مسعود، سئل الأعمش: ما يجمع في بطن أمه؟ فقا: حدثنا خيثمة قال: قال عبد الله: إذا وقعت النطفة في الرحم، فأراد أن يخلق منها بشرًا طارت في بشرة المرأة تحت كل ظفر وشعر، ثم تمكث أربعين يومًا، ثم تصير دما في الرحم؛ فذلك جمعها، وهذا وقت كونها علقة.

الثالثة: نسبة الخلق والتصوير للملك نسبة مجازية لا حقيقية... "

لأن الذي يخلق حقيقة ويصور هو الله- جل وعلا-.

" وأن ما صدر عنه فعل ما في المضغة كان عند التصوير، والتشكيل بقدرة الله، وخلقه، واختراعه؛ ألا تراه سبحانه قد أضاف إليه الخلقة الحقيقية، وقطع عنها نسب جميع الخليقة، فقال: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} [ سورة الأعراف: 11]، وقال: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ} [ سورة المؤمنون:12- 13]، وقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ} [ سورة الحج: 5]، وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ} [ سورة التغابن: 2]، ثم قال: {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ } [ سورة غافر: 64]، وقال: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [ سورة التين: 4]، وقال: {خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ} [ سورة العلق: 2]، إلى غير ذلك من الآيات."

يعني الخلق والرزق والإحياء والإماتة الحقيقية كلها بيد لله- جل وعلا-، هو الخالق الرازق المحيي المميت، قد يضاف شيء من ذلك إلى بعض المخلوقات على سبيل التجوز كما في قوله- جل وعلا-: {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا} [ سورة الأنعام:61 ]، والأصل أن الله يتوفى الأنفس، فهذا على سبيل التوسع والتجوز، كما يقولون: أنبت الربيع البقل، وأنبت المطر والمنبت هو الله- جل وعلا-، فإذا اعتقد الإنسان اعتقادًا جازمًا أن الله- جل وعلا- هو الخالق وهو الرازق والمدبر والمحي والمميت لا خالق غيره، ولا رازق غيره، ثم بعد ذلك جاءته مثل ذلك النصوص{ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا} [ سورة الأنعام:61] وعرف أن المتوفي الحقيقي هو الله، ولذا قد يضاف إلى الشخص نفسه فيقال: مات زيد، وتوفي عمرو مات زيد فالفاعل فاعل الموت هو زيد في هذا التركيب، والله- جل وعلا- هو الذي أماته، وكل هذا على سبيل التوسع.

 "مع ما دلت عليه قاطعات البراهين أن لا خالق لشيء من المخلوقات إلا رب العالمين، وهكذا القول في قوله: ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح أي أن النفخ سبب خلق الله فيها الروح والحياة، وكذلك القول في سائر الأسباب المعتادة؛ فإنه بإحداث الله تعالى لا بغيره. فتأمل هذا الأصل وتمسك به، ففيه النجاة من مذاهب أهل الضلال الطبعيين وغيرهم."

مسألة الأسباب، وأن المسبب هو الله- جل وعلا-، وهو خالق هذه الأسباب، وهو الذي يرتب عليه آثارها، والأسباب لها أثر، ولا ينكر أثر الأسباب إلا من في عقله شيء، أثر الأسباب مدرك، يعني كونك تجلس بجوار النار وتدفأ بسبب قربها، وكونك تتعرض للفح الهواء، والبرد الشديد مع عدم الاتقاء بالثياب لا شك أن هذا سبب، سبب في وقايتك من المرض، وهذا سبب في إصابتك بالمرض، والمسبب هو الله- جل وعلا- والسبب له أثر، ولكن الله- جل وعلا- هو المؤثر، وهو الذي جعل فيه هذا الأثر.

 خلافًا للأشعرية الذين يقولون: الأسباب وجودها مثل عدمها، ولا أثر لها ألبتة، يعني ما فيه فرق بين أن يلبس الإنسان عشرة من الثياب وفوقها الفروة، وبين أن يخرج مغتسلاً مجردًا، ما فيه فرق عندهم، نعم يحصل الدفء عند لبس الثياب لا بها، يحصل الدفء عند القرب من النار لا بها.

 ولا شك أن هذا مخالف للواقع ومكابرة، وأيضًا في الطرف الآخر من المعتزلة الذين يرون أن الأسباب مؤثرة بنفسها مؤثرة بنفسها، وهذا ضلال- نسأل الله السلامة والعافية-، فقول أهل السنه وسط بين المذهبين، هي مؤثرة، لكن المؤثر الحقيقي هو الله- جل وعلا-، هو الذي جعل فيها هذا الأثر.

المثال الذي يردده الأشعرية باستمرار بالنسبة لتأثير الأسباب وعدم تأثيرها يقولون ما المانع عقلاً أن يرى الأعمى وهو في الصين بقة الأندلس؛ لأن البصر سبب وجوده مثل عدمه، وهو أعمى بالصين، والتي هي أقصى المشرق يرى صغار البعوض التي في أقصى المغرب، يعني هذا قاله عباقرة كبار ما هم مجانين، لكن الاستدراج، الكلام يجر بعضه إلى بعض، فيأتي الإنسان بما يخالف النصوص بناءً على ما ارتضاه بعقله، ثم يعاقب بما هو أشد منه، ثم يقول كلمة بعيدة عن التصور، ثم يأتي بما يضحك عقوبة للكلمة التي تلاها، فيخشى، يحذر الإنسان أشد الحذر من البعد بالنصوص والاسترسال وراء العقل؛ لأنه يستدرج شيئًا فشيئًا وكلمة عقوبة لأخرى وهكذا وهكذا إلى أن يقع فيما يضحك حتى السفهاء والمجانين وإلا فمن يتصور عالمًا كبيرًا بعقله، لكنه لما بعد عن النصوص، واقتنع بعلومه من الكلام والفلسفة وغيرها أن يقول: إن الأعمى في الصين في أقصى المشرق يرى صغار البعوض في الأندلس، ويقول النار ما لها أثر، النار ما لها أثر تتصور هذا؟

الطفل إذا رميته على النار هرب، يقول: إن المؤثر تأثرت أنت عند وجودك بقربها لا بها، لا يقول هي التي أثرت فيك، والظمآن يروى عند شرب الماء لا به، والجائع يشبع عند الأكل لا به، يفرون من تأثير الأسباب، وقد يكون الداعي إليه شدة التنزيه من وجود الشريك لله- جل وعلا- في التأثير، لكن ما يمنع أن يكون الله- جل وعلا- هو الذي جعل الأثر فيه؟

يعني الطبيب حين يعالجك ويكشف عليك ويعطيك العلاج، يعني ذهبت إلى طبيب مثلما تذهب إلى مزارع ما فيه فرق؟ ما فيه فرق ألبتة؟ على كلامهم ما فيه فرق، لكن أنت وأنت تعترف بأن الطبيب بما أعطاه الله من الخبرة  فله أثره، والذي جعل الأثر فيه هو الله- جل وعلا-، بمعنى أنك لا تلتفت إلى الطبيب بقلبك وتنسب إليه شيئًا من الشفاء أبدًا، هو سبب، والعلاج سبب، ولذا قد تستعمل جميع ما يصرف لك من العلاج ولا تنفعك؛ لتخلف ذلك الأثر؛ لوجود مانع أو سبب أقوى منه معارض.

 المقصود على الإنسان أن يتوسط كما هو مذهب أهل السنة من بين سائر الفرق.

"الرابعة: لم يختلف العلماء أن نفخ الروح فيه يكون بعد مائة وعشرين يومًا، وذلك تمام أربعة أشهر ودخوله في الخامس، كما بيناه بالأحاديث، وعليه يعول فيما يحتاج إليه من الأحكام في الاستلحاق عند التنازع، وفي وجوب النفقات على حمل المطلقات؛ وذلك لتيقنه بحركة الجنين في الجوف، وقد قيل: إن الحكمة.."

إنه.

"وقد قيل: إنه الحكمة في عدة المرأة من الوفاة بأربعة أشهر وعشر، وهذا الدخول في الخامس يحقق براءة الرحم ببلوغ هذه المدة إذا لم يظهر حمل."

يعني الآن هذه الأشياء محسوسة، يعني كون البعث بعد تمام أربعة أشهر يتحرك الجنين بمعنى أنه نفخت فيه الروح ورتِّب على هذا حكم شرعي أن عدة المتوفى عنها أربعة أشهر بناءً على هذا الأمر محسوس هذا بالنسبة للحرة، فماذا عن الأمة؟ كما نقول: إن عدة من توفي عنها سيدها أو زوجها إذا كانت تزوجت من حر الذي لا يجد طول الحرة، نصف عدة الحرة؟

 مسألة عملية، فهل يختلف هذا الأمر بين الحرة والأمة؟ هل نقول: إن الجنين في بطن الأمة يتحرك لشهرين وخمسة أيام؟ أحد يقول هذا؟ ما فيه أحد يقول هذا، فلماذا قال جمع من أهل العلم: إن عدتها على النصف من الحرة؟ مثل الحيض ظاهر، عدتها قرءان؛ لأنه لا يتنصف، الحيض محسوس، لكن بالنسبة لعدة المتوفى عنها، يمكن أن نقول: إذا اعتدت شهرين وخمسة أيام وخرجت من العدة وتأبهت للخطاب، وفي بطنها حمل وما بدأ يتحرك، هذه مدة بعد شهرين يتحرك، فهل تخرج الأمة من العدة بشهرين وخمسة أيام؟ أو نقول: يستوي في هذا المحسوس الحرة والأمة؟ يستوون أم ما يستوون؟

طالب:.....

هذا يتحرك بعدما تزوجت. لمَ التعرض للأول والثاني، ونحن بإمكاننا أن نخرج بيقين.

طالب:....

وجد حمل؟

طالب: لا ما وجد حمل، انتهت العدة.

لا ما تنتهي، ما تنتهي، إلا بتمام العدة إلا بتمام العدة، لكن أن تفترض المسألة في أمة وقلنا عدتها النصف من عدة الحرة، وتنتهي العدة بشهرين وخمسة أيام، ثم قلنا: أنتِ تحلين للخطاب، وما في بطنك شيء، ثم يتحرك إما من سيدها أو من زوجها فتصبح أم ولد بعد فتعتق وتغير أحكامها بعد أن عقد عليها.

طالب:...

العلة معروفة أنها براءة الرحم، وأيضًا عدة الوفاة؛ لما للزوج على زوجته من حق من الإحداد.

طالب:....

أن تفترض أن ما لها أوحام ولا لها فرز ... لأنه يوجد من النساء من لا تعاني من هذه الأمور، كذلك ينازع بعضهم بقوة في كون الأمة على النصف من الحرة لا سيما في هذه المسألة، أما في مسألة الأقراء ظاهر وعدتها قرءان لعل المؤلف يتعرض لها.

"الخامسة: النطفة ليست بشيء يقينًا، ولا يتعلق بها حكم إذا ألقتها المرأة إذا لم تجتمع في الرحم."

 نعم لا يختلف خروجها من رحم المرأة أو خروجها من صلب الرجل، فما فيه فرق، وما يترتب عليه حكم شرعي.

"فهي كما لو كانت في صلب الرجل؛ فإذا طرحته علقة فقد تحققنا أن النطفة قد استقرت واجتمعت واستحالت إلى أول أحوال يتحقق به أنه ولد، وعلى هذا فيكون وضع العلقة، فما فوقها من المضغة وضع حمل، تبرأ به الرحم، وتنقضي به العدة، ويثبت به لها حكم أم الولد."

يعني انتقلت من طور إلى طور، وتمت أربعون يومًا انتقلت إلى الطور الثاني فصارت علقة، فهل تثبت بها الأحكام أو لا تثبت؟ والأحكام منها ما يتعلق بالحمل نفسه، ومنها ما يتعلق بأمه، بالحامل فالذي يتعلق بالأم متعلق بالتصوير مخلقة أو غير مخلقة إذا كانت مخلقة ثبتت أحكام الأم، وهذا يتم في منتصف الطور الثاني يعني اثنين وتسعين يومًا، وأحكام الحمل الذي هو الجنين إنما يترتب على نفخ الروح فيه.

"وعلى هذا فيكون وضع العلقة فما فوقها من المضغة وضع حمل، تبرأ به الرحم، وتنقضي به العدة، ويثبت به لها حكم أم الولد، وهذا مذهب مالك- رضي الله عنه – وأصحابه، وقال الشافعي- رضي الله عنه-: لا اعتبار بإسقاط العلقة، وإنما الاعتبار بظهور الصورة والتخطيط؛ فإن خفي التخطيط، وكان لحمًا فقولان بالنقل والتخريج."

بالنقل يعني عن الإمام، أو بالتخريج على أصوله وقواعده.

"والمنصوص أنه تنقضي به العدة ولا تكون أم ولد."

لأنه ليس بولد، تنقضي به العدة لأننا نجزم ببراءة الرحم، ولا تكون أم ولد؛ لأنه في الحقيقة ليس بولد، وإعادته إلى التخليق هو الأمر الواضح البارز الذي يمكن أن يعول عليه ويرتب عليه الأحكام، فإذا كان مصورًا ترتب عليه ولو إصبع أو شيء يدل على أنه إنسان بدليل مخلق أو غير مخلق، فتفريق مخلق أو غير مخلق بالنص، لكن ترتيب الأحكام اجتهاد، فالحد الفاصل كونه مخلقًا، فإذا ظهر تبين فيه خلق الإنسان ترتبت عليه أحكام الأم.

"قالوا: لأن العدة تنقضي بالدم الجاري، فبغيره أولى."

هذا بالنسبة لغير الحامل تنقضي بالدم الجاري إذا مضت عليها القروء المعروفة.
"السادسة: قوله تعالى: مخلقة وغير مخلقة قال الفراء: مخلقة  تامة الخلق، وغير مخلقة السقط، وقال ابن الأعرابي: مخلقة  قد بدأ خلقها، وغير مخلقة لم تصور بعد، قال ابن زيد: المخلقة التي خلق الله فيها الرأس، واليدين، والرجلين، وغير مخلقة التي لم يخلق فيها شيء. قال ابن العربي: إذا رجعنا إلى أصل الاشتقاق فإن النطفة، والعلقة، والمضغة مخلقة؛ لأن الكل خلق الله تعالى، وإن رجعنا إلى التصوير الذي هو منتهى الخلقة كما قال الله- تعالى-: ثم أنشأناه خلقًا آخر فذلك ما قال ابن زيد.

قلت: التخليق من الخلق، وفيه معنى الكثرة...."

الكثرة أنه جاء في الآية مشدد مخلّقة، ما قال مخلوقة، فالتشديد يدل على التكثير، يعني تعدد الأطوار؛ لأنه قال: جاء من مصدر التخليق فهي مخلقة.

 "قلت: التخليق من الخلق، وفيه معنى الكثرة فما تتابع عليه الأطوار فقد خلق خلقًا بعد خلق، وإذا كان نطفة فهو مخلوق؛ ولهذا قال الله تعالى: ثم أنشأناه خلقًا آخر، والله أعلم، وقد قيل: إن قوله: مخلقة وغير مخلقة يرجع إلى الولد بعينه لا إلى السقط؛ أي منهم من يتم الرب سبحانه مضغته فيخلق له الأعضاء أجمع، ومنهم من يكون خديجًا ناقصًا غير تام،"

خديج وخداج يعني ناقص، الصلاة التي لا يقرأ فيها بالفاتحة خداج يعني ناقصة.

 "وقيل: المخلقة أن تلد المرأة لتمام الوقت، قال ابن عباس: المخلقة ما كان حيًّا، وغير المخلقة السقط، قال:

أفي غير المخلقة البكاء

 

فأين الحزم ويحك والحياء"

 

يعني إذا سقط ولدها بكت هذا جبلي فالناس كلهم، وهذا يلومها على أنه ما دام هذا سقطًا ولا زال شيئًا إلى الآن هي عادة شهر أو شهران تبكي؛ لأنها طال انتظارها للحمل أو لأمور أخرى فلا لوم عليها، لكن البكاء يمنع على الكامل من يموت وهو حي يرزق فالبكاء إن كان معه صوت أو معه ما يدل على شدة الجزع فهذا يلام عليه، وأما مجرد الحزن بدمع العين فلا يلام عليه.

والله المستعان.

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد.

"