التعليق على تفسير القرطبي - سورة القصص (02)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى-:
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغًا } قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةٌ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ وَأَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ وَأَبُو عُبَيْدَةَ:" فارِغًا " أَيْ خَالِيًا مِنْ ذِكْرِ كُلِّ شي فِي الدُّنْيَا إِلَّا مِنْ ذِكْرِ مُوسَى وَقَالَ الْحَسَنُ أَيْضًا وَابْنُ إِسْحَاقَ وَابْنُ زَيْدٍ:" فارِغًا " مِنَ الْوَحْيِ إِذْ أَوْحَى إِلَيْهَا حِينَ أُمِرَتْ أن تلقيه في البحر{لا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي} وَالْعَهْدُ الَّذِي عَهِدَهُ إِلَيْهَا أَنْ يَرُدَّهُ وَيَجْعَلَهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ لَهَا الشَّيْطَانُ: يَا أُمَّ مُوسَى كَرِهْتِ أَنْ يَقْتُلَ فِرْعَوْنُ مُوسَى فَغَرَّقْتِيهِ أَنْتِ! ثُمَّ بَلَّغَهَا أَنَّ وَلَدَهَا وَقَعَ فِي يَدِ فِرْعَوْنَ فَأَنْسَاهَا عِظَمُ الْبَلَاءِ مَا كَانَ مِنْ عَهْدِ اللَّهِ إِلَيْهَا وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ:" فارِغًا " مِنَ الْغَمِّ وَالْحُزْنِ لِعِلْمِهَا أَنَّهُ لَمْ يَغْرَقْ، وَقَالَهُ الْأَخْفَشُ أَيْضًا وَقَالَ الْعَلَاءُ بْنُ زِيَادٍ:" فارِغًا " نَافِرًا الْكِسَائِيُّ: نَاسِيًا ذَاهِلًا وَقِيلَ: وَالِهًا، رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: هُوَ ذَهَابُ الْعَقْلِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهَا حِينَ سَمِعَتْ بِوُقُوعِهِ فِي يَدِ فِرْعَوْنَ طَارَ عَقْلُهَا مِنْ فَرْطِ الْجَزَعِ وَالدَّهَشِ، وَنَحْوَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ} أَيْ جَوْفٌ لَا عُقُولَ لَهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ" إِبْرَاهِيمَ". وَذَلِكَ أَنَّ الْقُلُوبَ مَرَاكِزُ الْعُقُولِ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى{ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها} وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ:" فَزِعًا". النَّحَّاسُ: أَصَحُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الْأَوَّلُ، وَالَّذِينَ قَالُوهُ أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-".
ولأنه أصبح فارغًا من كل شيء، وهذا أمر جبلي عادي إذا تعرض الولد لشيء فوق طاقته وقدرة الأم لا شك أنها تنسى كل شيء، وهذا أمر مشاهد ومجرب، الأم إذا تعرض ولدها لشيء فوق المعتاد فإنها تفزع فزعًا شديدًا، ويفرغ قلبها من كل شيء إلا هذا الولد وما يتعلق به.
"فإذا كان فارغًا من كل شيء إِلَّا مِنْ ذِكْرِ مُوسَى فَهُوَ فَارِغٌ مِنَ الْوَحْيِ."
نعم هذا أيضًا إذا حصل للولد مثل ما ذكر حادثة أو أرق أو أمر عظيم لا تحتمله قلوب بعض الناس، لا شك أن من أهل العلم من يحصل له شيء من هذا، وكتاب الله في جوفه تجده ينسي كل ما بلغه من كتاب وسنة، ينسى كل شيء إذا حصل لولده ما حصل من الأمر الذي يخرج عن المعتاد، أما الأمور المعتادة فالتعامل معها معروف وسهل، لكن الأمور فوق المعتادة يعني فجأة غرق الولد، أو حصل حادث، أو تعرض لأمر لا يطيقه نسي الأب، ونسيت الأم من باب أولى كل ما كان في جوفها، ولو كان القرآن كاملًا في جوفه نسيه، وآيات الصبر وآيات الاحتساب يسمعها في الغالب، لكن من الناس من يربط الله على قلبه فيثبت في مثل هذه الشدائد، وهذه أوقات امتحان واختبار.
من الناس من يحصل على الدرجة كاملة؛ لأنه ربط على قلبه، وعنده من الإيمان ما يجعله يصبر ويحتسب، حتى بلغ الأمر ببعضهم أنه ضحك؛ ليكون مراد الله أحب إليه من مراده، لكن هذا ليس بمطلوب شرعًا؛ لأن النبي –عليه الصلاة والسلام- حزن، وقلبه يحزن، والعين تدمع، لكن المطلوب التسديد والمقاربة، الحزن ودمع العين من الرضا التام بقضاء الله وقدره، فمن الناس من يحصل على هذه الدرجات العليا والمرتبة الثانية، ومنهم من ينقص بقدر نقص صبره إلى أن يصل إلى حد الصفر إلا إنه كأنه لم يبلغه شيء من الوحي –والله المستعان-، فهذه مواطن ابتلاء وامتحان، ولولا أن الإنسان يتسلى بالنصوص لكان بعض الفواجع ممكن أن تقضي عليه، والذي تعتبر به عن النصوص وتغييب عنه بالفعل قضت عليه بالفعل من الناس من مات من هول بعض المصائب، ومنهم من جن، ومنهم من أصيب بأمراض مستعصية، المقصود أن مثل هذا على الإنسان أن ينظر في حياة الصبر والاحتساب، ويتصرف على مقتضى شرع الله، ولابن القيم كتاب نفيس جدًّا اسمه علة الصابرين وذخيرة الشاكرين، هذا كتاب ينبغي لطالب العلم أن يعني به ويقرأه، إضافة إلى ما جاء من نصوص الكتاب والسنة في الباب.
" وَقَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ فَارِغًا مِنَ الْغَمِّ غَلَطٌ قَبِيحٌ؛ لِأَنَّ بَعْدَهُ {إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها}. رَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كادت تقول: وا ابناه!"
يعني تخبر به، كادت أن تخبر به، لكن الله ربط على قلبها وصبرها، فلم تخبر به، ولو أخبرت به لقتل؛ لأنه لما وقع في يد فرعون الاحتمال قائم أنه من بني إسرائيل أو من غيرهم، لكن لو قالت: وابناه وعرفت أمه عرف أنه من بني إسرائيل وقتل.
"وقرأ فضالة بن عُبَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وَمُحَمَّدُ بْنُ السَّمَيْقَعِ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ: "فَزِعًا" بِالْفَاءِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ مِنَ الْفَزَعِ، أَيْ خَائِفَةٌ عَلَيْهِ أَنْ يُقْتَلَ، وعن ابْنُ عَبَّاسٍ: "قَرِعًا" بِالْقَافِ وَالرَّاءِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ، وَهِيَ رَاجِعَةٌ إِلَى قِرَاءَةِ الْجَمَاعَةِ: " فارِغًا " وَلِذَلِكَ قِيلَ لِلرَّأْسِ الَّذِي لَا شَعْرَ عَلَيْهِ: أَقْرَعُ؛ لِفَرَاغِهِ مِنَ الشَّعْرِ، وَحَكَى قُطْرُبٌ أَنَّ بَعْض أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَرَأَ: " فِرْغًا" بِالْفَاءِ وَالرَّاءِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ مِنْ غَيْرِ أَلِفٍ، وَهُوَ كَقَوْلِكَ: هَدَرًا وَبَاطِلًا، يقال: دِمَاؤُهُمْ بَيْنَهُمْ فِرْغٌ أَيْ هَدَرٌ، وَالْمَعْنَى بَطَلَ قَلْبُهَا وَذَهَبَ، وَبَقِيَتْ لَا قَلْبَ لَهَا مِنْ شِدَّةِ مَا وَرَدَ عَلَيْهَا.
وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَصْبَحَ} وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا أَلْقَتْهُ لَيْلًا فَأَصْبَحَ فُؤَادُهَا فِي النَّهَارِ فَارِغًا.
الثَّانِي: أَلْقَتْهُ نَهَارًا وَمَعْنَى:" وَأَصْبَحَ" أَيْ صَارَ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
مَضَى الْخُلَفَاءُ بِالْأَمْرِ الرَّشِيدِ ... وَأَصْبَحَتِ الْمَدِينَةُ لِلْوَلِيدِ"
يعني ألقت ثمرة فؤادها فلذة كبدها في البحر، والذي يغلب على السنة الإلهية أنه يغرق ويموت، لكنها أمرت بذلك فاستجابت، وهي بين أمرين إما أن يقتل على يد فرعون أو يلقى في البحر امتثالاً لأمر الله -جل وعلا-، فألقته، فهل للإنسان أن يصل به التوكل أن يصنع مثل هذا الصنيع إذا خاف على ولده أو ماله؟ هذه فيها نص، وأمرت بذلك أمرت بذلك، لكن الرجل من بني إسرائيل الذي اقترض الألف دينار ووعد صحابه في يوم محدد، فخرج إلى الساحل فلم يجد أحدًا يوصله إلى صاحبه، فوجد خشبة، وجعل المال في جوفها، وألقى في البحر فوصلت إلى صاحبها، وسيقت في شرعنا مساق المدح؛ لأن هذا غاية في التوكل، ووصلت إلى صاحبها، فهل للإنسان إذا بلغ به التوكل فيفعل مثل هذا الفعل؟
طالب:.......
ما فيه وسيلة أن يوصل المال إلى صاحبه إلا هذا، لكن فيه وسيلة لو تأخر يومًا أو يومين بالطريق ماشٍ، لكن وعده في هذا اليوم، فأراد إنجاز الوعد.
طالب:.......
هذا ما فيه ضرر، لكن البحر فيه هلاك للولد فيما عندنا، وفيه هلاك للمال في قصة الإسرائيلي.
طالب:......
لكن افترض أن إنسانًا يقول: إنه يصل إلى هذه المرتبة، وروض نفسه على هذا، وأراد أن يبعث ولده إلى بلد في صندوق بالبحر؛ لأنه خاف عليه، وكذلك المال، أما في قصة موسى- عليه السلام- هذا فيها نص أمرت الأم بأن تلقيه في البحر، فلا محيص ولا محيد عنها، لكن المال الذي ليس فيه نص، هذا ما أُمر أن يلقيه في البحر، نهي عن إضاعة المال.
طالب:......
ما يخالف، نحن ما عندنا شك أن الذي يغلب على الظن بنسبة تسعة وتسعين بالمائة أنها لن تصل.
فما الذي جعل هذا يغلب على ظنه أنها تصل أو لا تصل أيضًا، ما عنده يقين أنها تصل، ولذلك بعثها مرة ثانية.
طالب:.....
نقول: هل للإنسان أن يبلغ به مثل هذا الظن أن يفعل مثل هذا؛ لأن القصة سيقت في سياق المدح.
طالب:......
أنت بإمكانك أن ترسل هذا المال بالبحر؟ عندك من التوكل وعندك نصوص تمنع من إضاعة المال، يغلب على ظنك أنه يضيع.
طالب:.....
لكن في هذه القصة هو إبدال السبب، ولم يجد من يوصله، ويريد أن يفي بالوعد، وعنده جانب من التوكل على الله –جل وعلا-.
طالب:...........
يعني ضعف المبلغ أمام جانب التوكل، المبلغ من المال وهو ألف دينار ضعف أمام التوكل على الله -جل وعلا- والوفاء بالوعد، لكن المسألة مسألة شرعية عندنا، عندنا نصوص تمنع من إضاعة المال، حل الدين وما فيه أحد أن يوصله، الدائن في مصر، وبينك وبينه البحر صنعت مثل ما صنع هذا الرجل، تلام أم ما تلام؟
طالب: تلام.
المسألة شبيهة من مسألة الإقسام على الله -جل وعلا-، يعني هل للإنسان إذا وقع في ضائقة أن يُقسم على الله -جل وعلا-، يعني من ثقته بنفسه أن يصل إلى هذا الحد، وأن الله –جل وعلا- يحفظ ماله أو يبر قسمه، من العباد من لو أقسم على الله لأبره، لكن من يرشح نفسه لمثل هذه المنزلة؟ ففيه شبه من هذا، فهل للإنسان يعني لو عُرِف بشيء من العلم والورع والتقوى كان المسألة فيها إذا رأى الإنسان نفسه لهذه المرتبة اللهم إذا نزل به نازلة أو ضائقة، وما فيه مفر، ولا أحد يعلم عنها؛ لأنه بعد كونه يقسم على الله في مجمع من الناس ومحضر قد يقول قائل في مثل هذه الصورة إذا ترتب عليه مصلحة عامة، مصلحة دعوة أو غيره أن يقسم، لكن إذا لم يجب فما النتيجة؟ النتيجة عكسية، فأقول: مثل هذه الموطن مضائق أنظار تحتاج إلى الكمل من الناس، ليست لعادي الناس.
طالب: قرب من المباح على شيء.
وكذلك المباهلة، المباهلة مثل هذا القسم.
طالب:.....
ماذا تفعل؟
طالب: .....
ويبعث المال بالبحر؟
نعم، لكن عندنا نصوص تمنع من إضاعة المال، والذي يبلغ على الظن أن هذه إضاعة للمال.
طالب:..........
نعم؟
طالب: ........
لا، غالب الظن تلقي المال في البحر وغالبًا سيضيع.
طالب: هذه القصة ما سيقت إلا لأخذ العبرة.
ما عندنا إشكال أن القصة سيقت مساق المدح وهذه القصة في الصحيح
طالب:......... هذه القصة تساق لتعظيم هذا الرجل لله -جل وعلا- حتى إن تعظيمه له كان فعلاً؛ لأنه رضي بالله شاهدًا...............
هذا واضح من القصة، لكن يبقي هل في هذه القصة معارضة لنصوص إضاعة المال أم لا؟
لأن الذي يغلب على الظن إضاعة المال، يعني في مواطن المضايق ومواطن الكرامات ما فيه شك أن الإنسان لاسيما من له صلة بالله -جل وعلا- أو صدق قد يتعرض لمثل هذا، لكن نصوص إضاعة المال قطعية في شرعنا، وهذا لاشك أنها من صور إضاعة المال في غالب الظن، وهل يفرق بين المال الكثير والقليل، المسألة تحتاج إلى نظر، هذه المسألة لاشك أنها من الدقائق، والمخرج منها فيه عسر، لكن إذا بلغ بالإنسان من اليقين والتوكل على الله ما بلغ فليصنع.
طالب: يكون مشروعًا يا شيخ.
لكن ليس هو مشروعًا لكل الناس، لو أن إنسانًا فاتته الباخرة أو السفينة وقال: خلاص وهو ما يسبح، وقام توكل على الله ويمشي، وألقى بنفسه في البحر وبالتوكل أن يصل، وافترض أنه ذاهب إلى الجهاد، وحز في نفسه أن يذهب الناس إلى الجهاد وهو مخلّف، فألقى نفسه في البحر وقال: أصل إن شاء الله، يجوز أو لا يجوز؟
طالب: ...........
هو توكل على الله وقصد الخير.
طالب: لكن عندنا غالب الظن أن مثل هذا لا يمكن أن يعود، ينبغي عليه كل شيء.
عندنا غالب الظن أن موسي سيغرق، عندنا أن غالب الظن أن المال يتلف، عندنا شيء ما يصير أن هذه قضايا عيان لا تتعدى موقعها، ولا يؤخذ منها أحكام، يؤخذ منها عبرة أن قوة التوكل على الله تنفع في المضايق بغض النظر عن كونه أرسل ماله أو لم يرسل، أو يخوض البحر وهو لا يسبح أو لا، هذا لا شك أن العبرة حاصلة، وأن من يتوكل على الله -جل وعلا- يقيه ويحفظه، لكن مع هذا مثل هذه الأمور...
الآن لو قيل لشخص من الدعاة: لا نصدقك حتى تدخل في هذه النار، أو لا نصدقك حتى تستسقي لنا فنُسقى، لا شك أنها مواطن حرجة؛ لأنها إما سقوا أو صاروا أشر مما قبل، المقصود أن مثل هذه المضايق تجريب النفس فيه صعوبة، كون الإنسان يجرب نفسه فيه، فيه ما فيه، فيه شيء من التزكية، الأمر الثاني أنه تعريض لنفسه في مثل هذه المخالفات إلا إذا وقع في موطن لا مفر له إما كذا أو الهلاك، المسألة هنا يعني ينظر في أمره.
طالب: شيخ الإسلام ما حصل له مع شيخ البطائحية لما قال له: نحن نسلم إذا دخلنا إلى النار، فقال: أنا وأنتم نغتسل بماء حار وخل، فمن احترق فعليه لعنة الله، هل شيخ الإسلام قال له؟
نعم ليختبرهم.
طالب: الشيخ قال: لو فعلوا لفعلت.
على كل حال إذا بلغ الإنسان هذه المنزلة، لكن فيها ضيق جدًّا؛ لأن بعض الناس يظن أنه وصل إلى مثل هذه المراتب وهو ما وصل، فلا يحرج نفسه إلى مثل هذه المواطن إلا إذا لم يكن هناك خيار.
طالب: أيضًا خالد بن الوليد لما شرب السم.
مسائل الكرامات ما نشك فيها، الكرامات لمن كان على الجادة وعلى الصراط هذا ما نشك فيها، هذه عقيدة أهل السنة والجماعة، لكن أنا أقول في مثل هذه المضايق تقدر بقدرها، تدرس في وقتها، وليس للإنسان في حال السعة أن يجرب مثل هذه الأمور .
طالب:.....
الأسباب لا بد منها، لكن المسألة ما فيها خيار، الآن أنت في وقت السعة لا يجب أن تدخل في النار، لو دخل ما خرج منها، ولا يجوز أن تلقي بنفسك في البحر، ولا تلقي بمالك، لكن ما هناك خيار إلا هذا، يعني طارق لما أحرق السفن أو الدواب أو مثل ذلك، وقال: البحر أمامكم والعدو خلفكم ما فيه خيار، فلا شك أن مثل هذه المضايق تقدر بقدرها وفي وقتها، أما في أوقات السعة والتنظير فهذا من الصعوبة بمكان.
"{إِنْ كادَتْ} أَيْ إِنَّهَا كَادَتْ، فَلَمَّا حُذِفَتِ الْكِنَايَةُ سُكِّنَتِ النُّونُ فَهِيَ" إِنْ" الْمُخَفَّفَةُ".
المراد بالكناية الضمير.
"فَهِيَ" إِنْ" الْمُخَفَّفَةُ، وَلِذَلِكَ دَخَلَتِ اللَّامُ فِي {لَتُبْدِي بِهِ} أَيْ لَتُظْهِرَ أَمْرَهُ، مِنْ بَدَا يَبْدُو إِذَا ظَهَرَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أي تصيح عند إلقائه: وا ابناه. قال السُّدِّيُّ: كَادَتْ تَقُولُ لَمَّا حُمِلَتْ لِإِرْضَاعِهِ وَحَضَانَتِهِ هُوَ ابْنِي، وَقِيلَ: إِنَّهُ لَمَّا شَبَّ سَمِعَتِ الناس يقولون: موسى بن فِرْعَوْنَ، فَشَقَّ عَلَيْهَا وَضَاقَ صَدْرُهَا، وَكَادَتْ تَقُولُ هُوَ ابْنِي، وَقِيلَ: الْهَاءُ فِي" بِهِ" عَائِدَةٌ إلى الوحي تقديره: إن كانت لَتُبْدِي بِالْوَحْيِ الَّذِي أَوْحَيْنَاهُ إِلَيْهَا أَنْ نَرُدَّهُ عَلَيْهَا، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: كَادَتْ تقول: أنا أمه، وقال الفراء: إن كانت لتبدي باسمه؛ لضيق صدرها".
باسمه يعني بنسبه، فاسمه متفق عليه موسى، لكن نسبه إلى فرعون أو إلى عمران كادت تبدي به.
طالب: كيف وصل أنه اسمه موسى.
كيف وصل أن اسمه موسى، ممكن اتفق، على سبيل الاتفاق، هذا إن صح ما يقال قيل: إنه لما شب...
طالب: فيروز آبادي في رسالة لتلميذه يقول بأنه يعني موشى ماء وشجر، سمي بها هكذا.
ما المناسبة بين اسمه والأصل؟
طالب: هم وجدوه عند ماء وشجر ...
فاتفق على اسمه سواء وجده فرعون أو غير فرعون مادام وجد في هذا المكان، وهل يلزم بأن يسمي باسم المكان؟ هذه مسائل تحتاج إلى توقيف.
"وقال الفراء: إن كانت لتبدي باسمه لضيق صدرها. {لَوْلا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها} قَالَ قَتَادَةُ: بِالْإِيمَانِ. السُّدِّيُّ: بِالْعِصْمَةِ. وَقِيلَ: بِالصَّبْرِ. وَالرَّبْطُ عَلَى الْقَلْبِ: إِلْهَامُ الصَّبْرِ. {لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} أَيْ مِنَ الْمُصَدِّقِينَ بِوَعْدِ اللَّهِ حِينَ قَالَ لَهَا: "إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ". وَقَالَ: " لَتُبْدِي بِهِ" وَلَمْ يَقُلْ: لَتُبْدِيهِ؛ لِأَنَّ حُرُوفَ الصِّفَاتِ قَدْ تُزَادُ فِي الْكَلَامِ، تَقُولُ: أَخَذْتُ الْحَبْلَ وَبِالْحَبْلِ. وَقِيلَ: أَيْ لَتُبْدِي الْقَوْلَ بِهِ."
حروف الجر التي هي في الأصل حروف صفات يعني حروف معانٍ ينوب بعضها عن بعض، وقد يعدى الفعل بنفسه وقد يعدى بالحرف كما هنا .."
" قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ} أَيْ قَالَتْ أُمُّ مُوسَى لِأُخْتِ مُوسَى: اتَّبِعِي أَثَرَهُ حَتَّى تَعْلَمِي خَبَرَهُ."
ومثل هذا لتبدي به لو ضمن الفعل تبدي تخبر، تضمين الفعل عند شيخ الإسلام أولى من كون الحرف يقوم مقام غيره أو يزاد كما هنا، فمعنى تبدي به تخبر به فتبدي الكلام.
"قَالَتْ أُمُّ مُوسَى لِأُخْتِ مُوسَى: اتَّبِعِي أَثَرَهُ حَتَّى تَعْلَمِي خَبَرَهُ. وَاسْمُهَا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَافَقَ اسْمُهَا اسْمَ مَرْيَمَ أُمِّ عِيسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، ذَكَرَهُ السُّهَيْلِيُّ وَالثَّعْلَبِيُّ، وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ عَنِ الضَّحَّاكِ: أَنَّ اسْمَهَا كَلْثَمَةُ، وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: كُلْثُومُ، جَاءَ ذَلِكَ فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِخَدِيجَةَ: «أَشَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ زَوَّجَنِي مَعَكَ فِي الْجَنَّةِ مَرْيَمَ بِنْتَ عِمْرَانَ وَكُلْثُومَ أُخْتَ مُوسَى وَآسِيَةَ امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ» فَقَالَتْ: اللَّهُ أَخْبَرَكَ بِهَذَا؟ فَقَالَ: «نَعَمْ» فَقَالَتْ: بِالرَّفَاءِ وَالْبَنِينَ."
خبر ضعيف، ضعيف جدًّا، جاء من طرق كلها ضعيفة جدًّا، لكن لماذا لا يكون موسى بن عمران خالًا لعيسى ابن مريم؟ ما المانع من أن يكون؟ فهو يقول: واسمها مريم بنت عمران وافق اسمها اسم مريم أم عيسى.
طالب:....
نعم، بينهم قرون طويلة، بينهم مفاوز، بينهم كام سنة؟
طالب:......
كم سنة العبرية؟
طالب: ...........
على كل حال بينهم مثل ما بين صلاة الظهر والعصر، مع ما بين صلاة العصر والمغرب مثل ما بين عيسى ومحمد –عليه السلام-، بينهم مفاوز وقرون، ومنهم من قال: إن الأمم السابقة تطول أعمارها، فيحصل مثل هذا، كما قيل في شعيب صاحب مدين هل هو شعيب الثاني أو هما اثنان؟ شعيب صاحب مدين هل هو شعيب صاحب موسى، مع أنه ما سمي صاحب مدين؟ منهم من يقول هو؛ لأن الأعمار في القرون الخالية والأمم الماضية تطول جدًّا، ومنهم من يقول: لا؛ لأن شعيبًا قريبًا من لوط في الزمان، وصاحب موسى متأخر جدًّا عنهم، وعلى كل حال هذه الأمور المحتملة ما يجزم فيها بشيء.
طالب: لو كان موسى من بني إسرائيل ومريم أم عيسى....
لا هو يبعد؛ لأن النصارى لهم موقف من موسى، واليهود كذلك لهم موقف من عيسى، ولو وجد مثل هذه القرابة لتقاربوا.
طالب: قول: {يا أخت هارون} على القول إنه هارون...
نفس الشيء، نفس الخلاف.
طالب: ولماذا لم يقل يا أخت موسى يعني أشهر لصاحب كتاب منزل؟
يعني هل له أثر في الخلاف الذي ذكرناه؟ هارون أخو موسى وأكبر منه، إذا أردنا موسى بن عمران وهارون بن عمران، وإذا قلنا: إنهم ينسبون إلى المشاهير، إلى رجل مشهور في القبيلة أو شيء من هذا ولو كان بعيدًا عنه فينسبون لأدني مناسبة.
" {فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ} أَيْ بعد، قاله مُجَاهِدٌ وَمِنْهُ الْأَجْنَبِيُّ.
قَالَ الشَّاعِرُ:
فَلَا تَحْرِمَنِّي نَائِلًا عَنْ جَنَابَةٍ ... فَإِنِّي امْرُؤٌ وَسْطَ الْقِبَابِ غَرِيبُ
وَأَصْلُهُ عَنْ مَكَانٍ جُنُبٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:" عَنْ جُنُبٍ" أي عن جانب، وقرأ النعمان بن سَالِمٍ:" عَنْ جَانِبٍ" أَيْ عَنْ نَاحِيَةٍ، وَقِيلَ: عَنْ شَوْقٍ، وَحَكَى أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ أَنَّهَا لُغَةٌ لِجُذَامٍ، يَقُولُونَ: جَنَبْتُ إِلَيْكَ أَيِ اشْتَقْتُ".
المناسبة بين الجنب هنا والاشتياق من جهة أن المشتاق إلى الشيء يود أن يكون بجانبه وبجنبه باستمرار، واللفظ لاشك أنه من الأضداد يطلق على القرب، ويطلق على البعد .
"وَقِيلَ:" عَنْ جُنُبٍ" أَيْ عَنْ مُجَانَبَةٍ لها منه، فلم يعرفوا أنها منه بِسَبِيلٍ، وَقَالَ قَتَادَةُ: جَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ بِنَاحِيَةٍ كَأَنَّهَا لَا تُرِيدُهُ، وَكَانَ يَقْرَأُ: " عَنْ جَنْبٍ" بِفَتْحِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ النُّونِ. {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} أَنَّهَا أُخْتُهُ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ تَمْشِي عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ حَتَّى رَأَتْهُمْ قَدْ أَخَذُوهُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ} أَيْ مَنَعْنَاهُ مِنْ الِارْتِضَاعِ مِنْ قَبْلُ، أَيْ مِنْ قَبْلِ مَجِيءِ أُمِّهِ وَأُخْتِهِ. وَ" الْمَراضِعَ" جَمْعُ مُرْضِعٍ، ومن قال: مراضيع فهو جمع مرضاع، ومفعال يَكُونُ لِلتَّكْثِيرِ، وَلَا تَدْخُلُ الْهَاءُ فِيهِ فَرْقًا بَيْنَ الْمُؤَنَّثِ وَالْمُذَكَّرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِجَارٍ عَلَى الْفِعْلِ، وَلَكِنْ مَنْ قَالَ: مِرْضَاعَةٌ جَاءَ بِالْهَاءِ لِلْمُبَالَغَةِ، كَمَا يُقَالُ مِطْرَابَةٌ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا يُؤْتَى بِمُرْضِعٍ فَيَقْبَلُهَا، وَهَذَا تَحْرِيمُ مَنْعٍ لَا تَحْرِيمُ شَرْعٍ".
التاء هنا مرضع ومرضاع لا يحتاج أن نقول: مرضعة؛ لأنها خاصة بالنساء، كما نقول: حائض ما يقال: حائضة، هذا الأمر خاص بالنساء.
التحريم في حرمنا عليه المراضع معروف ليس من أقسام أحكام التكليف؛ لأنه ليس بمكلف، لكن المقصود من ذلك المنع كما أن الله -جل وعلا-حرم الظلم على نفسه امتنع منه.
" وَهَذَا تَحْرِيمُ مَنْعٍ لَا تَحْرِيمُ شَرْعٍ.
قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
جَالَتْ لِتَصْرَعَنِي فَقُلْتُ لَهَا اقْصُرِي ... إِنِّي امْرُؤٌ صَرْعِي عَلَيْكِ حَرَامُ
أَيْ مُمْتَنِعٌ. فَلَمَّا رَأَتْ أُخْتُهُ ذَلِكَ قَالَتْ: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ} الْآيَةَ. فَقَالُوا لَهَا عِنْدَ قَوْلِهَا: " وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ"، وَمَا يُدْرِيكِ؟ لَعَلَّكِ تَعْرِفِينَ أَهْلَهُ؟ فَقَالَتْ: لَا، وَلَكِنَّهُمْ يَحْرِصُونَ عَلَى مَسَرَّةِ الْمَلِكِ، وَيَرْغَبُونَ فِي ظِئْرِهِ. وَقَالَ السُّدِّيُّ وَابْنُ جُرَيْجٍ: قِيلَ لَهَا لَمَّا قَالَتْ:" وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ" قَدْ عَرَفْتِ أَهْلَ هَذَا الصَّبِيِّ، فَدُلِّينَا عَلَيْهِمْ، فَقَالَتْ: أَرَدْتُ وَهُمْ لِلْمَلِكِ نَاصِحُونَ، فَدَلَّتْهُمْ عَلَى أُمِّ مُوسَى، فَانْطَلَقَتْ إِلَيْهَا بِأَمْرِهِمْ فَجَاءَتْ بِهَا، وَالصَّبِيُّ عَلَى يَدِ فِرْعَوْنَ يُعَلِّلُهُ شَفَقَةً عَلَيْهِ، وَهُوَ يَبْكِي يَطْلُبُ الرَّضَاعَ، فَدَفَعَهُ إِلَيْهَا، فلما وجد الصبي رِيحَ أُمِّهِ قَبِلَ ثَدْيَهَا. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: اسْتَرَابُوهَا حِينَ قَالَتْ ذَلِكَ فَقَالَتْ: وَهُمْ لِلْمَلِكِ نَاصِحُونَ. وَقِيلَ: إِنَّهَا لَمَّا قَالَتْ: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ}" وَكَانُوا يُبَالِغُونَ فِي طَلَبِ مُرْضِعَةٍ يَقْبَلُ ثَدْيَهَا فَقَالُوا: مَنْ هِيَ؟ فَقَالَتْ: أُمِّي، فَقِيلَ: لَهَا لَبَنٌ؟ قَالَتْ: نعم! لبن هرون- وَكَانَ وُلِدَ فِي سَنَةٍ لَا يُقْتَلُ فِيهَا الصِّبْيَانُ- فَقَالُوا: صَدَقْتِ وَاللَّهِ.
"وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ" أَيْ فِيهِمْ شَفَقَةٌ وَنُصْحٌ، فَرُوِيَ أَنَّهُ قِيلَ لِأُمِّ مُوسَى حِينَ ارْتَضَعَ مِنْهَا: كَيْفَ ارْتَضَعَ مِنْكِ وَلَمْ يَرْتَضِعْ مِنْ غَيْرِكِ؟ فَقَالَتْ: إِنِّي امْرَأَةٌ طَيِّبَةُ الرِّيحِ طَيِّبَةُ اللَّبَنِ، لَا أَكَادُ أُوتَى بِصَبِيٍّ إِلَّا ارْتَضَعَ مِنِّي. قَالَ أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ: وَكَانَ فِرْعَوْنُ يُعْطِي أُمَّ مُوسَى كُلَّ يَوْمٍ دِينَارًا. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ كَيْفَ حَلَّ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ الْأَجْرَ عَلَى إِرْضَاعِ وَلَدِهَا؟ قُلْتُ: مَا كَانَتْ تَأْخُذُهُ عَلَى أَنَّهُ أَجْرٌ عَلَى الرَّضَاعِ، وَلَكِنَّهُ مَالُ حَرْبِيٍّ تَأْخُذُهُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِبَاحَةِ."
لكن إذا امتنعت الأم عن إرضاع ولدها إلا بأجرة من أبيه؟
طالب: {فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن}.
لها حق أخذ الأجرة من أبيه، فالإيراد ما هو واردها.
" قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ} أَيْ رَدَدْنَاهُ وَقَدْ عَطَفَ اللَّهُ قَلْبَ الْعَدُوِّ عَلَيْهِ، وَوَفَّيْنَا لَهَا بِالْوَعْدِ. {كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها} أَيْ بِوَلَدِهَا. {وَلا تَحْزَنَ} أَيْ بِفِرَاقِ وَلَدِهَا. {وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} أَيْ لِتَعْلَمَ وُقُوعَهُ، فَإِنَّهَا كَانَتْ عَالِمَةً بِأَنَّ رَدَّهُ إِلَيْهَا سَيَكُونُ. {وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} يَعْنِي أَكْثَرَ آلِ فِرْعَوْنَ لَا يَعْلَمُونَ، أَيْ كانوا في غفلة عن التقرير وشر القضاء. وقيل: أي أكثر الناس يَعْلَمُونَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ فِي كُلِّ مَا وَعَدَ حَقٌّ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْمًا وَعِلْمًا} قَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي الْأَشُدِّ فِي" الْأَنْعَامِ". وَقَوْلُ رَبِيعَةَ وَمَالِكٍ أَنَّهُ الْحُلُمُ أَوْلَى مَا قِيلَ فِيهِ؛ لِقَوْلِهِ تعالى: {حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ} وذلك أَوَّلُ الْأَشُدِّ، وَأَقْصَاهُ أَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةً، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ. {وَاسْتَوى} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَالْحُكْمُ: الْحِكْمَةُ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَقِيلَ: الْفِقَهُ فِي الدِّينِ، وَقَدْ مَضَى بَيَانُهَا في" البقرة" وغيرها، والعلم: الفهم قَوْلِ السُّدِّيِّ. وَقِيلَ: النُّبُوَّةُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْفِقْهُ. محمد ابن إِسْحَاقَ: أَيِ الْعِلْمُ بِمَا فِي دِينِهِ وَدِينِ آبَائِهِ، وَكَانَ لَهُ تِسْعَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَسْمَعُونَ مِنْهُ، وَيَقْتَدُونَ بِهِ، وَيَجْتَمِعُونَ إِلَيْهِ، وَكَانَ هذا قبل النبوة."
هنا في حق موسى قال: واستوى، ولما بلغ أشده واستوى، وفي حق يوسف فيه استوى أم ما فيه؟
طالب:....
ما فيه ما السبب؟
طالب:....
نعم، من؟
طالب: يوسف –عليه السلام– لما سجن كان كبيرًا قد بلغ.
ولما بلغ أشده ...
طالب: ذكرت استوى في موسى ...
في موسى هناك ما ذكر استوى.
طالب:........
يقول هنا في التفسير: الأشد أولى ما قيل فيه الحلم الذي هو البلوغ والتكليف؛ لقوله تعالى: {حتى إذا بلغ النكاح} فإن ذلك أول الأشد وأقصاه أربع وثلاثون سنة، إلى هذا الحد يتفقان فيه، وهو قول سفيان الثوري قال: واستوى قال ابن عباس: بلغ أربعين سنة، يعني زاد على الأشد، يتفقان في الأشد الذي أقصاه أربع وثلاثون سنة، ويزيد موسى إلى أنه بلغ إلى أربعين، واضح أم ما هو بواضح؟
هذا كلام المفسرون، يقول: مضى الكلام في الأشد في الأنعام.
طالب: .............
بلغ أشده، وبلغ أربعين يدل على أن الأشد غير الأربعين صفحة ،134 ليس البحث في الأشد، البحث في الفرق بين يوسف وموسى -عليهما السلام- حتى يبلغ أشده أي قوته، قد تكون في البدن، وقد تكون في المعرفة بالتجربة، ولابد من حصول الوجهين؛ لأن الأشد وقعت مطلقة، واختلف العلماء في أشد اليتيم فقال ابن زيد: بلوغه، وقال أهل المدينة: بلوغه، وأنس: رشده، وعند أبي حنيفة: خمس وعشرون سنة. قال ابن العربي: وعجبًا من أبي حنيفة فإنه يرى أن المقدرات لا تثبت قياسًا ولا نظرًا، وإنما تثبت نقلاً، وهو يثبتها بالأحاديث الضعيفة، ولكنه سكن دار الضرب، فكثر عنده المدلس، ولو سكن المعدن لما صدر عنه إلا إبريز الدين، يعني أبو حنيفة من الكوفة كوفي يعني دار الخلافة، يعني سكن دار الخلافة، وقصده: ولو سكن المعدن كما قيض الله لمالك يعني المدينة لما صدر عنه إلا إبريز الدين، وابن العربي معروف مالكي، وكثير عندهم مثل هذا الكلام، كثير.
طالب:......
نعم.
طالب"..... موسى ... الإسلام كان في شدة في شبابه، وهذا فيه استواء، بينما يوسف.......
يعني فيه شدة، معروف في هذه السورة أشياء، وذكر عنه –عليه السلام- أشياء من البطش بالخصم سيأتي هذا، لكن هل لهذا أثر معين؟ بلغ أشده واستوى، يعني بلغ أشده بالنسبة للجسم والجسد، واستوى يعني الحلم والتصرف بما يتعلق بالعقل؟
طالب: يعني يا شيخ يكون قويًّا قوة مفرطة، ولم يكن عنده تقصير، لذلك جاء الرأي قبل شجاعة الشجعان.
هل نحمل الأشد على قوة البدن، والشدة الاستواء على العقل؟
طالب: لا تزل الشدة ملزمة حتى الاستواء.
يعني بعد ذلك لما جاء ملك الموت وذكره فقع عينه ماذا قال عن هذا؟
طالب: يمكن الله –سبحانه وتعالى- ربى موسى قبل النبوة بعد ما شعيب تأخر ........ يمكن تربى موسى قبل أن يوحى إليه.
أشده جبلة فطر عليها واستمرت معه، لكنه استعملها في الحق.
طالب: قول ابن عباس إنه لم يؤت النبوة إلا بعد الأربعين كما هو حال النبي -عليه الصلاة والسلام- بينما يوسف -عليه السلام- أُتي النبوة قبل ذلك قبل الاستواء.
أو نقول: إن عدم الذكر لا يعني عدم الوجود، يعني هل يلزم أن يقال: استوى في كل الأنبياء، لكن موسى لما احتيج إلى هذه اللفظة نص عليها وإلا فيوسف استوى، ومحمد-عليه الصلاة والسلام- استوى، وعيسي استوى، كلهم استوى، ما فيه ما يمنع، يعني عدم الذكر لا يعني عدم الوجود.
طالب: ما الحاجة إلى الذكر؟
الحاجة إلى الذكر هنا أنه استوى أي نضج عقله وتصرفه كذا؛ لأنه عنده شيء، هو مشهور بالشدة، ويخشى أن يتطاول الناس عليه بهذه الشدة؛ فنص على أنه استوى.
"{وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} أَيْ كَمَا جَزَيْنَا أُمَّ مُوسَى لَمَّا اسْتَسْلَمَتْ لِأَمْرِ اللَّهِ، وَأَلْقَتْ وَلَدَهَا فِي الْبَحْرِ، وَصَدَّقَتْ بِوَعْدِ اللَّهِ، فَرَدَدْنَا وَلَدَهَا إِلَيْهَا بِالتُّحَفِ وَالطُّرَفِ وَهِيَ آمِنَةٌ، ثُمَّ وَهَبْنَا لَهُ الْعَقْلَ وَالْحِكْمَةَ وَالنُّبُوَّةَ، وَكَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ محسن.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها} قِيلَ: لَمَّا عَرَفَ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ فِي دِينِهِ، عَابَ مَا عَلَيْهِ قَوْمُ فِرْعَوْنَ، وَفَشَا ذَلِكَ، مِنْهُ فَأَخَافُوهُ فَخَافَهُمْ، فَكَانَ لَا يَدْخُلُ مَدِينَةَ فِرْعَوْنَ إِلَّا خَائِفًا مُسْتَخْفِيًا. وَقَالَ السُّدِّيُّ: كَانَ مُوسَى فِي وَقْتِ هَذِهِ الْقِصَّةِ عَلَى رَسْمِ التَّعَلُّقِ بِفِرْعَوْنَ، وَكَانَ يَرْكَبُ مَرَاكِبَهُ، حَتَّى كان يُدعى موسى بن فِرْعَوْنَ، فَرَكِبَ فِرْعَوْنُ يَوْمًا وَسَارَ إِلَى مَدِينَةٍ مِنْ مَدَائِنِ مِصْرَ يُقَالُ لَهَا: مَنْفُ- قَالَ مُقَاتِلٌ: عَلَى رَأْسِ فَرْسَخَيْنِ مِنْ مِصْرَ-، ثُمَّ عَلِمَ مُوسَى بِرُكُوبِ فِرْعَوْنَ".
بمصر لا يراد به القطر الأعم، وإنما يراد به البلدة التي يقال لها: الفسطاط؛ لأن مصر القطر الأعم مصطلح حادث، كونه عمم اللفظ على جميع القطر، ولذلك يعطفون مصر على القاهرة أو القاهرة على مصر، وهي من مصر.
طالب:......
هي القطر الخاص، البلد الخاص، الفسطاط هي في مصر.
"ثُمَّ عَلِمَ مُوسَى بِرُكُوبِ فِرْعَوْنَ، فَرَكِبَ بَعْدَهُ وَلَحِقَ بِتِلْكَ الْقَرْيَةِ فِي وَقْتِ القائلة، وهو وقت الغفلة، قاله ابْنُ عَبَّاسٍ، وَقَالَ أَيْضًا: هُوَ بَيْنَ الْعِشَاءِ وَالْعَتَمَةِ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: بَلِ الْمَدِينَةُ مِصْرُ نَفْسُهَا، وَكَانَ مُوسَى فِي هَذَا الْوَقْتِ قَدْ أَظْهَرَ خِلَافَ فِرْعَوْنَ، وَعَابَ عَلَيْهِمْ عِبَادَةَ فِرْعَوْنَ وَالْأَصْنَامِ، فَدَخَلَ مَدِينَةَ فِرْعَوْنَ يَوْمًا عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا. قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةُ: وَقْتَ الظَّهِيرَةِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: كَانَ فِرْعَوْنُ قَدْ نَابَذَ مُوسَى، وَأَخْرَجَهُ مِنَ الْمَدِينَةِ، وَغَابَ عَنْهَا سِنِينَ، وَجَاءَ وَالنَّاسُ عَلَى غَفْلَةٍ بِنِسْيَانِهِمْ لِأَمْرِهِ، وَبُعْدِ عَهْدِهِمْ بِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ يَوْمَ عِيدٍ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: طَلَبَ أَنْ يَدْخُلَ الْمَدِينَةَ وَقْتَ غَفْلَةِ أَهْلِهَا، فَدَخَلَهَا حِينَ عَلِمَ ذَلِكَ مِنْهُمْ، فَكَانَ مِنْهُ مِنْ قَتْلِ الرَّجُلِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْمَرَ بِقَتْلِهِ، فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ فَغَفَرَ لَهُ، وَيُقَالُ فِي الْكَلَامِ: دَخَلْتُ الْمَدِينَةَ حِينَ غَفَلَ أَهْلُهَا، وَلَا يُقَالُ: عَلَى حِينِ غَفَلَ أَهْلُهَا، فَدَخَلَتْ " عَلى " فِي هَذِهِ الْآيَةِ؛ لِأَنَّ الْغَفْلَةَ هِيَ الْمَقْصُودَةُ، فَصَارَ هَذَا كَمَا تَقُولُ: جِئْتُ عَلَى غَفْلَةٍ، وَإِنْ شئتَ قُلْتَ: جِئْتُ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ، وَكَذَا الْآيَةُ.
{فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ} وَالْمَعْنَى: إِذَا نَظَرَ إِلَيْهِمَا النَّاظِرُ قَالَ: هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ، أَيْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. {وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ} أَيْ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ. {فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ} أَيْ طَلَبَ نَصْرَهُ وَغَوْثَهُ، وَكَذَا قَالَ فِي الْآيَةِ بَعْدَهَا: {فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ} أَيْ يَسْتَغِيثُ بِهِ عَلَى قِبْطِيٍّ آخَرَ، وَإِنَّمَا أَغَاثَهُ؛ لِأَنَّ نَصْرَ الْمَظْلُومِ دِينٌ فِي الْمِلَلِ كُلِّهَا عَلَى الْأُمَمِ، وَفَرْضٌ فِي جَمِيعِ الشَّرَائِعِ. قَالَ قَتَادَةُ: أَرَادَ الْقِبْطِيُّ أَنْ يُسَخِّرَ الْإِسْرَائِيلِيَّ؛ لِيَحْمِلَ حَطَبًا لِمَطْبَخِ فِرْعَوْنَ فَأَبَى عَلَيْهِ، فَاسْتَغَاثَ بِمُوسَى. قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: وَكَانَ خَبَّازًا لفرعون.
{فَوَكَزَهُ مُوسى} قَالَ قَتَادَةُ: بِعَصَاهُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: بِكَفِّهِ، أَيْ دَفَعَهُ، وَالْوَكْزُ وَاللَّكْزُ وَاللَّهْزُ وَاللَّهْدُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَهُوَ الضَّرْبُ بِجُمْعِ الْكَفِّ مَجْمُوعًا كَعَقْدِ ثَلَاثَةٍ وَسَبْعِينَ، وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ: "فَلَكَزَهُ". وَقِيلَ: اللَّكْزُ فِي اللَّحْيِ، وَالْوَكْزُ عَلَى الْقَلْبِ. وَحَكَى الثَّعْلَبِيُّ أَنَّ فِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ " فَنَكَزَهُ" بِالنُّونِ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ: اللَّكْزُ الضَّرْبُ بِالْجُمْعِ عَلَى الصَّدْرِ. وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ: فِي جَمِيعِ الْجَسَدِ، وَاللَّهْزُ: الضَّرْبُ بِجُمْعِ الْيَدِ فِي الصَّدْرِ مِثْلُ اللَّكْزِ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ أَيْضًا. وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ: هُوَ بِالْجُمْعِ فِي اللَّهَازِمِ وَالرَّقَبَةِ، وَالرِّجْلُ مِلْهَزٌ بكسر الميم.
وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: نَكَزَهُ، أَيْ ضَرَبَهُ وَدَفَعَهُ. وقال الْكِسَائِيُّ: نَهَزَهُ مِثْلُ نَكَزَهُ وَوَكَزَهُ، أَيْ ضَرَبَهُ وَدَفَعَهُ. وَلَهَدَهُ لَهْدًا أَيْ دَفَعَهُ لِذُلِّهِ فَهُوَ مَلْهُودٌ، وكذلك لهده، قال طرفة يذم رجلاً:
بطيء عَنِ الدَّاعِي سَرِيعٌ إِلَى الْخَنَا ... ذَلُولٌ بِأَجْمَاعِ الرِّجَالِ مُلَهَّدِ"
المقصود أن الضرب من موسى –عليه السلام- مع قوته وشدته أصابت مقتل فمات، فقضى عليه.
"قال طرفة يذم رجلاً:
بطيء عَنِ الدَّاعِي سَرِيعٌ إِلَى الْخَنَا ... ذَلُولٌ بِأَجْمَاعِ الرِّجَالِ مُلَهَّدِ
أَيْ مُدَفَّعٌ وَإِنَّمَا شُدِّدَ لِلْكَثْرَةِ، وَقَالَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: فَلَهَدَنِي- تَعْنِي النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهْدَةً أَوْجَعَنِي، خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ. فَفَعَلَ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- ذَلِكَ وَهُوَ لَا يُرِيدُ قَتْلَهُ، إِنَّمَا قَصَدَ دَفْعَهُ فَكَانَتْ فِيهِ نَفْسُهُ، وَهُوَ مَعْنَى: " فَقَضى عَلَيْهِ". وكل شي أَتَيْتَ عَلَيْهِ وَفَرَغْتَ مِنْهُ فَقَدْ قَضَيْتَ عَلَيْهِ قَالَ:
قَدْ عَضَّهُ فَقَضَى عَلَيْهِ الْأَشْجَعُ
{قالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ} أَيْ مِنْ إِغْوَائِهِ، قَالَ الْحَسَنُ: لَمْ يَكُنْ يَحِلُّ قَتْلُ الْكَافِرِ يَوْمَئِذٍ فِي تِلْكَ الْحَالِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ حَالَ كَفٍّ عَنِ الْقِتَالِ. {إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ} خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ. {قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ} نَدِمَ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- عَلَى ذَلِكَ الْوَكْزِ الَّذِي كَانَ فِيهِ ذَهَابُ النَّفْسِ، فَحَمَلَهُ نَدَمُهُ عَلَى الْخُضُوعِ لِرَبِّهِ وَالِاسْتِغْفَارِ مِنْ ذَنْبِهِ، قَالَ قَتَادَةُ: عَرَفَ وَاللَّهِ الْمَخْرَجَ فَاسْتَغْفَرَ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعَدِّدُ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ، مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ قَدْ غُفِرَ لَهُ، حَتَّى إِنَّهُ فِي الْقِيَامَةِ يَقُولُ: إِنِّي قَتَلْتُ نَفْسًا لَمْ أُومَرْ بِقَتْلِهَا، وَإِنَّمَا عَدَّدَهُ عَلَى نَفْسِهِ ذَنْبًا، وَقَالَ: "ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي" مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ يَقْتُلَ حَتَّى يُؤْمَرَ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ يُشْفِقُونَ مِمَّا لَا يُشْفِقُ مِنْهُ غَيْرُهُمْ."
وهذا يدل على أن ترك المعصية أكمل من فعلها مع التوبة، ولو بدلت حسنات، ولذلك الأنبياء كلهم عددوا، آدم –عليه السلام- عد أكله من الشجرة، وموسى عد القتل، وهكذا، ولو تاب منه قبلت توبته وبدلت سيئاته حسنات.
وهذا فيه مسألة، وهي أن شخصين بلغا من العمر سبعين سنة، أحدهما لم يعصِ، وليست له صبوة، بل أعماله طاعات، ووقته معمور بطاعة الله –جل وعلا-، والثاني بالعصيان، فلما بلغا هذا السن تاب العاصي توبة نصوحًا بشروطها، وبدلت سيئاته حسنات، لا شك أن الذي لم يعصِ أصلاً أكمل من الذي عصى ثم تاب، وقبلت توبته وبدلت سيئاته حسنات؛ لأن حسنات الثاني مضاعفة، الحسنة بعشر أمثالها، وحسنات هذا الذي بدلت كانت سيئات ليست مضاعفة؛ لأن البدل له حكم المبدل؛ فلا شك أن عدم الإقدام على المعصية أكمل من الإقدام عليها والتوبة منها، وإن كان قد يحتف بهذا الإقدام والندم عليه والانكسار لله -جل وعلا- ما يجعلها أفضل من عدمها، لكن هذا ليس لكل الناس، الإنسان يقدم على المعصية ويتوب منها وينساها، وآخر يقدم على المعصية وتزاوله، ويكون منكسرًا لله-جل وعلا-. عديم الحياء من الله بسبب هذه المعصية هذه يستفيد منها صاحبها.
ولذلك يقولون في كتب الوعظ: أنين الذنبين أفضل من زجل المسبحين، لماذا؟ لأن هذا المذنب مع أنينه وانكساره بين يدي الله واعترافه بذنبه وخضوعه لله واحتقاره لنفسه أن يرفع بهذا.
طالب:....
مسألة خلافية، معروف الخلاف، لكن الأنبياء لا شك أنهم أفضل من الملائكة، والخلاف في سائر البشر منهم من يفضل الملائكة؛ لأنهم لا يعصون الله، ومنهم من يفضل البشر؛ لأن لهم شهوات، فمن قمع شهوته من البشر لا شك أن له مزية.
طالب:....... المراد بذلك هنا بالقلب وأعمال القلب.
لا شك أن الخضوع لله –جل وعلا- له أثر كبير في مثلها، والاعتراف على النفس والانكسار بين يدي الله له شأن.
طالب: هل ترفع من شأن التائب مثل ذلك الثلاثة الذين خلفوا....... المهاجرين والأنصار في آية والثلاثة الذين خلفوا في أية......
على كل حال كل إنسان قد يحتف بمعصيته ما يرفعه على المطيع، وبعض المطيعين قد يحتف بطاعتهم ما يجعلهم أنزل من العاصين؛ لأن الإدلال بالعمل ورؤية النفس هذا لا شك أن له أثرًا على نقص العمل، بل قد يأتي على العمل فيهدمه.
والعجب فاحذره إن العشب مجترف أعمال صاحبه في سيله العرم
بينما الإنسان إذا عصى وتاب وأناب لله –جل وعلا- خير الخطائين التوابون.
"قَالَ النَّقَّاشُ: لَمْ يَقْتُلْهُ عَنْ عَمْدٍ مُرِيدًا لِلْقَتْلِ، وَإِنَّمَا وَكَزَهُ وَكْزَةً يُرِيدُ بِهَا دَفْعَ ظُلْمِهِ.
لأنه في حكم الصائل، فأراد دفعه، الصائل يدفع بالأسهل لا بالأشد.
"قَالَ: وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ. وَقَالَ كَعْبٌ: كَانَ إِذْ ذَاكَ ابْنَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، وَكَانَ قَتْلُهُ مَعَ ذَلِكَ خَطأً، فَإِنَّ الْوَكْزَةَ وَاللَّكْزَةَ فِي الْغَالِبِ لَا تَقْتُلُ."
خطأ أم شبه عمد؟
طالب:.....
قاصد ضربه بما لا يقتل فقتل، الخطأ لا يقصد.
طالب:.......
لا، قصد الضرب، اللكز موجود ومقصود، ما قصد القتل قصد الإيذاء في الجملة، فقتل الرجل ولا يقتل غالبًا، لكن الخطأ يختلف يصيد طائرًا، فضرب إنسانًا هذا خطأ ليس فيه قصد بالكلية، وشبه العمد فيه قصد لكنه بما لا يقتل، يعني ليس قاصدًا القتل للقتل، قاصد أذى الطرف الثاني المقتول بما لا يقتل فحصل القتل.
طالب: وإن كان عمره اثني عشرة سنة لم يبلغ.
اثني عشر سنة، قبل التكليف قبل النبوة لأن سياق السورة سياق السورة إن كان ترتيبه تاريخيًّا فهذا قبل النبوة.
طالب:......
عمد الصبي والمجنون خطأ هذا من جهة، لكن لو قدرنا أنه مكلف حصل منه مثل هذا، ضرب إنسانًا ضربة يريد أن يؤدبه فسقط ومات.
طالب:....
هذا شبه عمد.
طالب:....الطبعة الجديدة للتفسير.
التركي جيدة طيبة، يعني فيها عزو للأحاديث وإن كان فيها تقصير في تخريج الأحاديث والحكم عليها، لكنها نافعة بالجملة.
طالب:.......
رسالة.
طالب:.....
... الطبعة التدميرية.
طالب:.....
متي.
طالب:....
............
"وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ، مَا أَسْأَلَكُمْ عَنِ الصَّغِيرَةِ، وَأَرْكَبَكُمْ لِلْكَبِيرَةِ!".
هذه أفعل التفضيل يجعلهم أشد الناس سؤالاً عن الصغائر، وركوبًا للكبائر يقال: يا أهل العراق تسألون عن دم البعوض وتقتلون الحسين؟ دم البعوض الذي يأخذه من غيره من إنسان أو حيوان هل هو طاهر أو نجس، يسألون عن هذا ويقتلون الحسين.
"سَمِعْتُ أَبِي عَبْدَ اللَّهِ بن عمر يقول: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: «إن الفتنة تجيء من ها هنا -وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ- مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنَا الشَّيْطَانِ، وَأَنْتُمْ بَعْضُكُمْ يَضْرِبُ رِقَابَ بَعْضٍ، وَإِنَّمَا قَتَلَ مُوسَى الَّذِي قَتَلَ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ خَطأً فَقَالَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونا}».
وهذا يفسر ما جاء من أن نجد هي قرن الشيطان المراد بها نجد العراق، وأشار بيديه نحو المشرق حيث يطلع قرن الشيطان، وجاء التصريح بها في رواية عند الطبراني.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ} فِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى...".
نقف على هذا.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على محمد.
"