شرح العقيدة الطحاوية (76)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: ففي هذا المجلس الأخير من مجالس التعليق على شرح الطحاوية لابن أبي العز نقرأ خاتمة المصنف ثم ما ذكره الشارح على هذه الخاتمة، وبذلك يكون قد انتهى التعليق على هذا الكتاب بإيجاز شديد، وإلا فمباحث الكتاب عظيمة وفي غاية الأهمية في الأصول؛ في أصول الدين، ولكن ما لا يدرك كله لا يترك جله،
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء برحمتك يا أرحم الراحمين، قال الإمام الطحاوي- رحمه الله تعالى-:
فَهَذَا دِينُنَا وَاعْتِقَادُنَا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَنَحْنُ بَرَاءٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ كُلِّ مَنْ خَالَفَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَبَيَّنَّاهُ، وَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُثَبِّتَنَا عَلَى الْإِيمَانِ، وَيَخْتِمَ لَنَا بِهِ، وَيَعْصِمَنَا مِنَ الْأَهْوَاءِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَالْآرَاءِ الْمُتَفَرِّقَةِ، وَالْمَذَاهِبِ الرَّدِيَّةِ، مِثْلِ الْمُشَبِّهَةِ، وَالْمُعْتَزِلَةِ، وَالْجَهْمِيَّةِ، وَالْجَبْرِيَّةِ، وَالْقَدَرِيَّةِ، وَغَيْرِهِمْ، مِنَ الَّذِينَ خَالَفُوا الْجَمَاعَةَ، وَحَالَفُوا الضَّلَالَةَ، وَنَحْنُ مِنْهُمْ بَرَاءٌ، وَهُمْ عِنْدَنَا ضُلَّالٌ وَأَرْدِيَاءُ. وَبِاللَّهِ الْعِصْمَةُ وَالتَّوْفِيقُ".
قال الشارح –رحمه الله-: "الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: فَهَذَا... إِلَى كُلِّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَوَّلِ الْكِتَابِ إِلَى هُنَا".
الإشارة إلى موجود في الأعيان؛ لأن الإشارة عند أهل العلم إما أن تكون في المقدمة فيقول: أما بعد: فهذا كتاب، والإشارة في المقدمة قبل التأليف تكون إشارة إلى موجود في الأذهان لا في الأعيان، وإن كانت المقدمة كُتبت بعد التأليف كانت الإشارة موجودة في الأعيان مثل ما عندنا الآن، فهذا ديننا واعتقادنا يعني ما تقدم، وبإمكانه أن يشير إليه؛ لأنه حاضر بين يديه.
طالب: قوله وبالله العصمة، هل يسأل الله العصمة؟
العصمة من الفتن وغيرها، الاعتصام بالكتاب والسنة من الفتن، وليس معنى هذا أنه لا يزاول ذنبًا ولا خطيئة أو لا يحصل منه شيء، لا.
طالب:...
ولذلك الاعتصام بالكتاب والسنة، كل كتب السنة فيها كتاب الاعتصام لمن هذا؟ لمن قرأه.
طالب:...
نعم أمرنا بالاعتصام وليست العصمة عصمة الأنبياء التي لا يحصل معها زلل.
"وَالْمُشَبِّهَةُ :هُمُ الَّذِينَ شَبَّهُوا اللَّهَ سُبْحَانَهُ بِالْخَلْقِ فِي صِفَاتِهِ، وَقَوْلُهُمْ عَكْسُ قَوْلِ النَّصَارَى، فإن النصارى شَبَّهُوا الْمَخْلُوقَ -وَهُوَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ – بِالْخَالِقِ تعالى وَجَعَلُوهُ إِلَهًا، وَهَؤُلَاءِ شَبَّهُوا الْخَالِقَ بِالْمَخْلُوقِ، كَدَاوُدَ الْجَوَارِبِيِّ وَأَشْبَاهِهِ".
أي يقول: له سمع كأسماعنا ويد كأيدينا وهكذا، فهم مشبِهة، يشبهون الخالق بالمخلوق.
"وَالْمُعْتَزِلَةُ : هُمْ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ، وَوَاصِلُ بْنُ عَطَاءٍ الْغَزَّالُ وَأَصْحَابُهُمَا، سُمُّوا بِذَلِكَ لَمَّا اعْتَزَلُوا الْجَمَاعَةَ بَعْدَ مَوْتِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-".
لأنهم اعتزلوا حلقة الحسن، اختلفوا معه في القدر فاعتزلوه، فسُموا معتزلة، ومن الغرائب أن السبب في تسميتهم معتزلة الحسن البصري، ومن أغرب ما يوضع في المصنفات أن يُجعل الحسن البصري في الطبقة الثانية من طبقات المعتزلة عند القاضي عبد الجبار، القاضي عبد الجبار له فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة، وضع في الطبقة الأولى أبا بكر وعمر، وفي الثانية على رأسهم الحسن البصري، كيف؟ ما يمكن! ما يمكن الحسن البصري الذي هو السبب في اعتزالهم وفي تسميتهم بهذا الاسم يصير واحدًا من المعتزلة، يعني دعونا من الأئمة الأربعة مثلًا والأئمة الحفاظ الستة تنازعتهم المذاهب، الحنبلي يقول هؤلاء حنابلة، والشافعي يقول هؤلاء تبعًا للإمام الشافعي، وهؤلاء يقلدون الإمام مالك وهكذا، يعني ما فيه شك أنه فخر لهذه المذاهب أن ينتسب إليها هؤلاء الكبار، لكن مع ذلك تجد موافقة في أقوال فلان من الناس في أقوال البخاري مما يوافق فيه الإمام أحمد ويوافق مثلًا الإمام الشافعي فيدعيه الشافعية، تجد كلهم مترجمون في طبقات الفقهاء، فهم مترجمون في طبقات الحنفية وفي طبقات الشافعية وطبقات المالكية وطبقات الحنابلة، هذه يمكن أن يمشي على بعض الناس، لكن يمشي على بعض الناس أن يُترجم الحسن البصري ويجعل رأس الطبقة الثانية من طبقات المعتزلة؟! هذا عبد الجبار إمامهم وضعه رأس الطبقة الثانية، ما وجه الشبه بينه وبينهم؟! يعني لو وضع المواردي وافقهم في مسألة أو مسألتين، وضع منذر بن سعيد وهو محسوب على أهل السنة وافقهم بالقول بفناء الجنة والنار، يعني لو وجد موافقة ولو يسيرة جدًّا ممكن، لكن الحسن البصري الذي هو سبب تسميتهم بالمعتزلة يوضع رأس الطبقة الثانية من طبقات المعتزلة فهذا لا يُقبل إطلاقًا.
طالب:...
لا، متقدم، مائة وواحد وثلاثون؛ لأن الحسن سنة 110.
"فِي أَوَائِلِ الْمِائَةِ الثَّانِيَةِ، وَكَانُوا يَجْلِسُونَ مُعْتَزِلِينَ، فَيَقُولُ قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ: أُولَئِكَ الْمُعْتَزِلَةُ.
وَقِيلَ: إِنَّ وَاصِلَ بْنَ عَطَاءٍ هُوَ الَّذِي وَضَعَ أُصُولَ مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ، وَتَابَعَهُ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ تِلْمِيذُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، فَلَمَّا كَانَ زَمَنُ هَارُونَ الرَّشِيدِ صَنَّفَ لَهُمْ أَبُو الْهُذَيْلِ كِتَابَيْنِ".
أبو الهذيل العلاف من رؤوس المعتزلة ومنظريهم.
"وَبَيَّنَ مَذْهَبَهُمْ، وَبَنَى مَذْهَبَهُمْ عَلَى الْأُصُولِ الْخَمْسَةِ، الَّتِي سَمَّوْهَا: الْعَدْلَ، وَالتَّوْحِيدَ، وَإِنْفَاذَ الْوَعِيدِ، وَالْمَنْزِلَةَ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ، وَالْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ! وَلَبَّسُوا فِيهَا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ".
يعني التسميات: العدل والتوحيد لكن إنفاذ الوعيد والمنزلة بين المنزلتين لا تدل على.. يعني قد لا يلبس بها، لكن يُلبس بالعدل والتوحيد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن حقائقها عندهم تختلف عن الحقائق الشرعية.
"إِذْ شَأْنُ الْبِدَعِ هَذَا، اشْتِمَالُهَا عَلَى حَقٍّ وَبَاطِلٍ.
وَهُمْ مُشَبِّهَةُ الْأَفْعَالِ؛ لِأَنَّهُمْ قَاسُوا أَفْعَالَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى أَفْعَالِ عِبَادِهِ".
لأنهم معطلة في الصفات.
"وَجَعَلُوا مَا يَحْسُنُ مِنَ الْعِبَادِ يَحْسُنُ مِنْهُ، وَمَا يَقْبُحُ مِنَ الْعِبَادِ يَقْبُحُ مِنْهُ! وَقَالُوا: يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَ كَذَا، وَلَا يَجُوزَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ كَذَا، بِمُقْتَضَى ذَلِكَ الْقِيَاسِ الْفَاسِدِ! فَإِنَّ السَّيِّدَ مِنْ بَنِي آدَمَ لَوْ رَأَى عَبِيدَهُ تَزْنِي بِإِمَائِهِ وَلَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ لَعُدَّ إِمَّا مُسْتَحْسِنًا لِلْقَبِيحِ، وَإِمَّا عَاجِزًا، فَكَيْفَ يَصِحُّ قِيَاسُ أَفْعَالِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى أَفْعَالِ عِبَادِهِ؟! وَالْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ".
"فَأَمَّا الْعَدْلُ، فَسَتَرُوا تَحْتَهُ نَفْيَ الْقَدَرِ، وَقَالُوا: إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْلُقُ الشَّرَّ وَلَا يَقْضِي بِهِ، إِذْ لَوْ خَلَقَهُ ثُمَّ يُعَذِّبُهُمْ عَلَيْهِ يَكُونُ ذَلِكَ جَوْرًا!".
فنفيه عدل، نفي الجور عدل، كيف؟ يخلق هذا ويكتبه على الإنسان المكلف ثم بعد ذلك يعذبه عليه هذا جور، وهذا هو القدر والإيمان به ركن من أركان الإيمان، فاضطروا إلى نفيه؛ لئلا يصفوا الله –جل وعلا- بالجور، ومن لازم إثبات العدل نفي الجور، هذا قولهم وضلالهم، نسأل الله العافية.
وَاللَّهُ تَعَالَى عَادِلٌ لَا يَجُورُ.
لأنهم رتبوا ذلك على أصلٍ جعلوه، يجعلون حركة المخلوق، لما نظروا إلى قول الجبرية ورأوا أن المخلوق حركته كحركة الشجر، كحركة يد المرتعش قالوا: المخلوق ليس كذلك، فإذا لم يكن مجبورًا وهو مختار اختيارًا تامًّا، ولم يوفقوا للتوفيق بين النصوص الواردة في هذا وهذا، فيوفقوا بينها ويجعلوا المخلوق له حرية واختيار، لكنه لا يستقل بذلك، بل هي مشيئة تابعة لمشيئة الله– جل وعلا-.
"وَاللَّهُ تَعَالَى عَادِلٌ لَا يَجُورُ، وَيَلْزَمُهُمْ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ الْفَاسِدِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَكُونُ فِي مُلْكِهِ مَا لَا يُرِيدُهُ، فَيُرِيدُ الشَّيْءَ وَلَا يَكُونُ، وَلَازِمُهُ وَصْفُهُ بِالْعَجْزِ! تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ".
"وَأَمَّا التَّوْحِيدُ فَسَتَرُوا تَحْتَهُ الْقَوْلَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، إِذْ لَوْ كَانَ غَيْرَ مَخْلُوقٍ لَزِمَ تَعَدُّدُ الْقُدَمَاءِ! وَيَلْزَمُهُمْ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْفَاسِدِ أَنَّ عِلْمَهُ وَقُدْرَتَهُ وَسَائِرَ صِفَاتِهِ مَخْلُوقَةٌ، أَوِ التَّنَاقُضُ!"
إما أن يقولوا القرآن مخلوق فقط وبقية الصفات غير مخلوقة، وهذا تناقض، فلابد حينئذٍ أن يطردوا جميع الصفات وأنها كلها مخلوقة؛ لإبقاء القديم واحدًا، وهذا هو التوحيد عندهم، نسأل الله العافية.
طالب: ما معنى جملة إِذْ لَوْ كَانَ غَيْرَ مَخْلُوقٍ لَزِمَ تَعَدُّدُ الْقُدَمَاءِ؟
معنى قديم ومحدث، المحدث هو المخلوق، والقديم هو الخالق، لو قلنا إن القرآن قديم مثل الخالق صار عندنا أكثر من قديم.
طالب: القول بأن القرآن مخلوق غير المخلوق ما الذي يترتب عليه؟
يترتب عليه عظائم الأمور، كونه مخلوقًا صار كسائر المخلوقات ليس كلامه –جل وعلا-، ولو تقرأ في النونية لابن القيم في مسألة خلق القرآن أو الصواعق المرسلة وجدت أن المسألة مهولة جدًّا، ولذلك كفّر من قال بخلق القرآن أكثر من خمسمائة عالم.
طالب:....
عذره، ما هو بعالم، عذره بجهله، بينما ابن أبي دؤاد كُفر.
"وَأَمَّا الْوَعِيدُ، فَقَالُوا: إِذَا أَوْعَدَ بَعْضَ عَبِيدِهِ وَعِيدًا فَلَا يَجُوزُ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ وَيُخْلِفَ وَعِيدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ، فَلَا يَعْفُو عَمَّنْ يَشَاءُ، وَلَا يَغْفِرُ لِمَنْ يُرِيدُ، عِنْدَهُم".
ولذلك يحكمون بخلود أهل المعاصي في النار وإن لم يحكموا بكفرهم وقالوا: هم في منزلة بين منزلتين، لكنهم خالدون ومخلدون في النار؛ لأنهم لا يجوز أن يعفى عنهم.
طالب...
على كل حال هو بعافية، حكم الأئمة الكبار الذين عاصروه ونظروا في أمره، والله المستعان.
"وَأَمَّا الْمَنْزِلَةُ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ، فَعِنْدَهُمْ أَنَّ مَنِ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً يَخْرُجُ مِنَ الْإِيمَانِ، وَلَا يَدْخُلُ فِي الْكُفْرِ.
وَأَمَّا الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَهُوَ أَنَّهُمْ قَالُوا: عَلَيْنَا أَنْ نَأْمُرَ غَيْرَنَا بِمَا أُمِرْنَا بِهِ، وَأَنْ نُلْزِمَهُ بِمَا يَلْزَمُنَا، وَذَلِكَ هُوَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ.."
يقولون على حد زعمهم إنهم يقومون بهذه الشعيرة مهما ترتب عليها من الآثار، وأدرجوا في ذلك الخروج على الأئمة، إذا نقموا عليهم خرجوا عليهم، ومعروف أن مذهبهم الذين يحكم بخلود أهل المعاصي والكبائر بالنار يثورون على أدنى شيء كالخوارج، لكن هم أدرجوا في ذلك المعاصي التي تحصل من عامة الناس حتى من الأئمة والولاة، فإذا حصل منهم منكر فلابد أن ينكر عليهم ويُخرج عليهم ولو ترتب على ذلك ما يترتب من المفاسد والمضار، وسموا هذا، لبسوه باسم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمقرر عند أهل العلم أن المنكر لا شك أنه يجب إنكاره؛ «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان»، لكن إذا ترتب على المنكر ما هو أعظم منه، منكر أعظم منه، كما هو مقتضى صنيعهم فلا يجوز إنكاره بأي حال؛ لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، كلها مفاسد، لكن درء أعظم المفسدتين بحصول أدناهما أمر مقرر في الشرع كما هو شأن المصالح في تحصيل أعلاها ودفع أدناها.
"وَضَمَّنُوهُ أَنَّهُ يَجُوزُ الْخُرُوجُ عَلَى الْأَئِمَّةِ بِالْقِتَالِ إِذَا جَارُوا! وَقَدْ تَقَدَّمَ جَوَابُ هَذِهِ الشُّبَهِ الْخَمْسِ فِي مَوَاضِعِهَا.
وَعِنْدَهُمْ أَنَّ التَّوْحِيدَ وَالْعَدْلَ مِنَ الْأُصُولِ الْعَقْلِيَّةِ الَّتِي لَا يُعْلَمُ صِحَّةُ السَّمْعِ إِلَّا بَعْدَهَا، وَإِذَا اسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَدِلَّةٍ سَمْعِيَّةٍ، إِنَّمَا يَذْكُرُونَهَا لِلِاعْتِضَادِ بِهَا، لَا لِلِاعْتِمَادِ عَلَيْهَا، فَهُمْ يَقُولُونَ: لَا تَثْبُتُ هَذِهِ بِالسَّمْعِ، بَلِ الْعِلْمُ بِهَا مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْعِلْمِ بِصِحَّةِ النَّقْلِ! فَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَذْكُرُهَا فِي الْأُصُولِ، إِذْ لَا فَائِدَةَ فِيهَا عِنْدَهُمْ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَذْكُرُهَا لِيُبَيِّنَ مُوَافَقَةَ السَّمْعِ لِلْعَقْلِ، وَلِإِينَاسِ النَّاسِ بِهَا، لَا لِلِاعْتِمَادِ عَلَيْهَا!".
يموهون على الناس أنهم يستدلون بالسمع بالدليل، وهم في حقيقة أمرهم لا يعولون على الدليل ولا يعرجون عليه، هم أهل عقل ونظر، ولذلك آل أمرهم إلى الشك، بل أوجبوا الشك في أول الأمر، بل منهم من عاش في الشك أربعين يومًا لا يدري من الخالق، ولا يدري من يعبد ولا يدري إلى أين يتجه، ومع الأسف أن تطالعنا بعض الصحف بمثل هذه الآراء، مع الأسف الشديد.
"وَالْقُرْآنُ وَالْحَدِيثُ فِيهِ عِنْدَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الشُّهُودِ الزَّائِدَيْنِ عَلَى النِّصَابِ! وَالْمَدَد اللَّاحِقِ بِعَسْكَرٍ مُسْتَغْنٍ عَنْهُمْ! وَبِمَنْزِلَةِ مَنْ يَتَّبِعُ هَوَاهُ وَاتَّفَقَ أَنَّ الشَّرْعَ مَا يَهْوَاهُ!" .
بعض من يتصدر لإفتاء الناس تجده يُسأل عن مسألة فيجيب، وهو لا يستحضر جوابها بدليله بالتفصيل، بوضوح وبيان، تجده يستعجل ويجيب، ثم إذا تبين له فيما بعد أن فتواه خطأ، ثم يذهب يبحث عن الأقوال الموافقة لفتواه؛ ليصر عليها ويقررها بدلًا من أن يقول: أخطأت، والراجح والصواب كذا، هذا موجود يا إخوان، ما هو افتراض، هذا موجود، يفتي بالشيء ثم يبحث عن تبريره، الأصل أن يبحث قبل أن يفتي، ولا يفتي إلا إذا علم، المسألة بدليلها، وهذا ضرب من الكبر بحيث تحمله نفسه على أن لا يتنازل عن قوله، ويصر عليه ويبحث عمن يدعمه ويؤيده { أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ}، نسأل الله العافية، {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ ۚ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ}[الزمر:60] نعم.
" كَمَا قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: لَا تَكُنْ مِمَّنْ يَتَّبِعُ الْحَقَّ إِذَا وَافَقَ هَوَاهُ، وَيُخَالِفُهُ إِذَا خَالَفَ هَوَاهُ
فَإِذًا أَنْتَ لَا تُثَابُ عَلَى مَا وَافَقْتَهُ مِنَ الْحَقِّ، وَتُعَاقَبُ عَلَى مَا تَرَكْتَهُ مِنْهُ.."
لأن حكم الحاكم القاضي إذا حكم بغير علم فهو آثم في كل حال ولو وافق الحق؛ لأنه حكم بغير علم.
"لِأَنَّكَ إِنَّمَا اتَّبَعْتَ هَوَاكَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ . وَكَمَا أَنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، وَالْعَمَلُ يَتْبَعُ قَصْدَ صَاحِبِهِ وَإِرَادَتَهُ، فَالِاعْتِقَادُ الْقَوِيُّ يَتْبَعُ أَيْضًا عِلْمَ ذَلِكَ وَتَصْدِيقَهُ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ تَابِعًا لِلْإِيمَانِ كَانَ مِنَ الْإِيمَانِ، كَمَا أَنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ إِذَا كَانَ عَنْ نِيَّةٍ صَالِحَةٍ كَانَ صَالِحًا، وَإِلَّا فَلَا، فَقَوْلُ أَهْلِ الْإِيمَانِ التَّابِعُ لِغَيْرِ الْإِيمَانِ، كَعَمَلِ أَهْلِ الصَّلَاحِ التَّابِعِ لِغَيْرِ قَصْدِ أَهْلِ الصَّلَاحِ. وَفِي الْمُعْتَزِلَةِ زَنَادِقَةٌ كَثِيرَةٌ، وَفِيهِمْ مَنْ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا وَالْجَهْمِيَّةُ :هُمُ الْمُنْتَسِبُونَ إِلَى جَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ التِّرْمِذِيِّ، وَهُوَ الَّذِي أَظْهَرَ نَفْيَ الصِّفَاتِ وَالتَّعْطِيلَ، وَهُوَ أَخَذَ ذَلِكَ عَنِ الْجَعْدِ بْنِ دِرْهَمٍ".
وهم أشد من المعتزلة؛ لأن الجهمية ينفون الأسماء والصفات بخلاف المعتزلة فهم ينفون الصفات فقط، معطلة في الصفات والجهمية معطلة في الأسماء والصفات، نسأل الله العافية.
طالب:...
عند الترمذي لكن ما في الحاشية يراجع.
طالب:...
والصواب.
طالب:...
سبع.
طالب:....
ما يثبتون لكن ما يقولون هي مخلوقة، ينفون فقط.
" وَهُوَ أَخَذَ ذَلِكَ عَنِ الْجَعْدِ بْنِ دِرْهَمٍ، الَّذِي ضَحَّى بِهِ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيُّ بِوَاسِطَ، فَإِنَّهُ خَطَبَ النَّاسَ فِي يَوْمِ عِيدِ الْأَضْحَى وَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، ضَحُّوا تَقَبَّلَ اللَّهُ ضَحَايَاكُمْ، فَإِنِّي مُضَحٍّ بِالْجَعْدِ بْنِ دِرْهَمٍ، فإِنَّهُ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَتَّخِذْ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، وَلَمْ يُكَلِّمْ مُوسَى تَكْلِيمًا، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الْجَعْدُ عُلُوًّا كَبِيرًا! ثُمَّ نَزَلَ فَذَبَحَهُ. وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ اسْتِفْتَاءِ عُلَمَاءِ زَمَانِهِ، وَهُمُ السَّلَفُ الصَّالِحُ -رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى-".
نجد من يكتب في قصة خالد بن عبد الله القسري ويقول: رجل ما عرف لا بعلم ولا بعمل ولا بشيء، وإنما قتله لظروف سياسية، وليس لأنه أنكر وفعل وترك.. لم يتخذ إبراهيم خليلًا، ولا كلم موسى تكليمًا، والأئمة جلهم تواطؤوا على ذكر هذه القصة، وربطوا ما حصل لخالد بن عبد الله من التضحية به عند قوله: إن الله لم يتخذ إبراهيم خليلًا، وإن الله لم يكلم موسى تكليمًا، لكن يلبِّسون على الناس ويجعلون ما يحصل من بعض الطغاة من جنس ما فعله خالد وغيره، والله المستعان.
"وَكَانَ جَهْمُ بَعْدَهُ بِخُرَاسَانَ، فَأَظْهَرَ مَقَالَتَهُ هُنَاكَ، وَتَبِعَهُ عَلَيْهَا نَاسٌ، بَعْدَ أَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا شَكًّا فِي رَبِّهِ! وَكَانَ ذَلِكَ لِمُنَاظَرَتِهِ قَوْمًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ يُقَالُ لَهُمُ السُّمَنِيَّة".
هؤلاء لا يؤمنون إلا بالحواس، الخبر الذي لا يصل إليهم عن طريق الحواس هذا لا قيمة له.
"مِنْ فَلَاسِفَةِ الْهِنْدِ، الَّذِينَ يُنْكِرُونَ مِنَ الْعِلْمِ مَا سِوَى الْحِسِّيَّاتِ، قَالُوا لَهُ: هَذَا رَبُّكَ الَّذِي تَعْبُدُهُ، هَلْ يُرَى أَوْ يُشَمُّ أَوْ يُذَاقُ أَوْ يُلْمَسُ؟ فَقَالَ: لَا، فَقَالُوا: هُوَ مَعْدُومٌ! فَبَقِيَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا لَا يَعْبُدُ شَيْئًا، ثُمَّ لَمَّا خَلَا قَلْبُهُ مِنْ مَعْبُودٍ يَأْلَهُهُ، نَقَشَ الشَّيْطَانُ اعْتِقَادًا نَحَتَهُ فِكْرُهُ".
إلى أي حد وصل الاعتقاد عنده واليقين والطمأنينة الذي تمت إزالتها بكلمة، ماذا عنده من اليقين والعلم والإيمان بحيث تعرض لشبهة وزال كل شيء؟! -نسأل الله الثبات- لكنه خلو القلب من الكتاب والسنة، إذا خلا الكتاب والسنة صار عرضة للنهب من قبل اللصوص، لصوص القلوب.
"فَقَالَ: إِنَّهُ الْوُجُودُ الْمُطْلَقُ! وَنَفَى جَمِيعَ الصِّفَاتِ، وَاتَّصَلَ بِالْجَعْدِ وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْجَعْدَ كَانَ قَدِ اتَّصَلَ بِالصَّابِئَةِ الْفَلَاسِفَةِ مِنْ أَهْلِ حَرَّانَ، وَأَنَّهُ أَيْضًا أَخَذَ شَيْئًا عَنْ بَعْضِ الْيَهُودِ الْمُحَرِّفِينَ لِدِينِهِمْ، الْمُتَّصِلِينَ بِلَبِيدِ بْنِ الْأَعْصَمِ، السَّاحِرِ الَّذِي سَحَرَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".
هي سلسلة، الجهم عن الجعد ويمكن فيه انقطاع بينه وبين لبيد بن الأعصم اليهودي الذي سحر النبي –عليه الصلاة والسلام-.
طالب:...
نعم عن طالوت عن لبيد. يعني تعرف من شيوخه لكي تعرف ما عنده، واحد من الرقاة جاء إلينا ويعرض رقيته وطريقته يقول إنه يضع شيئًا على رأس المرقي، وينفث عليه بالفاتحة وآية الكرسي والمعوذتين ثم يقول له: ماذا رأيت؟ يقول: رأيت كذا وكذا إما شبحًا أبيض أو أسود، هذا ما يهمنا، لكن قلت له: من أين تعلمت هذه الطريقة؟ قال من حاج إفريقي، أين علماء الكتاب والسنة؟ قلت: من أهل العلم؟ قال: لا، إذا عرفت شيخ الإنسان عرفت ماذا عنده، لكن إذا كان يتصل بلبيد بن الأعصم اليهودي، وهذا يتصل بحاج مجهول لا شيء عنده من العلم ويأخذ عنه هذه الطريقة، تعرف أن الطريقة ليست على الجادة.
"فَقُتِلَ جَهْمٌ بِخُرَاسَانَ، قَتَلَهُ سَلْمُ بْنُ أَحْوَز،َ وَلَكِنْ كَانَتْ قَدْ فَشَتْ مَقَالَتُهُ فِي النَّاسِ، وَتَقَلَّدَهَا بَعْدَهُ الْمُعْتَزِلَةُ . وَلَكِنْ كَانَ الْجَهْمُ أَدْخَلَ فِي التَّعْطِيلِ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الْأَسْمَاءَ حَقِيقَةً، وَهُمْ لَا يُنْكِرُونَ الْأَسْمَاءَ بَلِ الصِّفَاتِ.
وَقَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي الْجَهْمِيَّةِ : هَلْ هُمْ مِنَ الثِّنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً أَمْ لَا؟ وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ: وَمِمَّنْ قَالَ إِنَّهُمْ لَيْسُوا مِنَ الثِّنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً - عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، وَيُوسُفُ بْنُ أَسْبَاطٍ".
قال: «تفترق أمتي»، وهؤلاء ليسوا من الأمة باعتبار أن العلماء كفروهم على هذا القول، والقول الثاني يقول هم من الثنتين والسبعين، وهم ينتسبون للإسلام، وكون الأمة تطلق على أمة الإجابة تطلق أيضًا على أمة الدعوة، ولكن يلزم من ذلك دخول الملل الأخرى، فالذي يظهر أنه خاص بالمسلمين.
"وَإِنَّمَا اشْتَهَرَتْ مَقَالَةُ الْجَهْمِيَّةِ مِنْ حِينِ مِحْنَةِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِ مِنْ عُلَمَاءِ السُّنَّةِ، فَإِنَّهُ مِنْ إِمَارَةِ الْمَأْمُونِ قَوُوا وَكَثُرُوا، فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ أَقَامَ بِخُرَاسَانَ مُدَّةً وَاجْتَمَعَ بِهِمْ، ثُمَّ كَتَبَ بِالْمِحْنَةِ مِنْ طَرَسُوسَ سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ".
أو ثمانىَ مبني على فتح الجزئين.
"ثَمَانَ عَشْرَةَ وَمِائَتَيْنِ وَفِيهَا مَاتَ وَرَدُّوا الْإِمَامَ أَحْمَدَ إِلَى الْحَبْسِ بِبَغْدَادَ إِلَى سَنَةِ عِشْرِينَ، وَفِيهَا كَانَتْ مِحْنَتُهُ مَعَ الْمُعْتَصِمِ وَمُنَاظَرَتُهُ لَهُمْ بِالْكَلَامِ، فَلَمَّا رَدَّ عَلَيْهِمْ مَا احْتَجُّوا بِهِ عَلَيْهِ، وَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَأَنَّ طَلَبَهُمْ مِنَ النَّاسِ أَنْ يُوَافِقُوهُمْ وَامْتِحَانَهم إِيَّاهُمْ جَهْلٌ وَظُلْمٌ، وَأَرَادَ الْمُعْتَصِمُ إِطْلَاقَهُ، أَشَارَ عَلَيْهِ مَنْ أَشَارَ بِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ ضَرْبُهُ، لِئَلَّا تَنْكَسِرَ حُرْمَةُ الْخِلَافَةِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ! فَلَمَّا ضَرَبُوهُ قَامَتِ الشَّنَاعَةُ فِي الْعَامَّةِ، وَخَافُوا، فَأَطْلَقُوهُ. وَقِصَّتُهُ مَذْكُورَةٌ فِي كُتُبِ التَّارِيخِ وَمِمَّا انْفَرَدَ بِهِ جَهْمٌ : أَنَّ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ تَفْنَيَانِ، وَأَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ الْمَعْرِفَةُ فَقَطْ، وَالْكُفْرُ هُوَ الْجَهْلُ فَقَطْ.."
مقتضى كون الإيمان معرفة أن إبليس مؤمن وفرعون مؤمن وصُنف في إيمان فرعون وصنف في إيمان أبي طالب بناءً على هذا القول بأن المعرفة كافية.
"وَأَنَّهُ لَا فِعْلَ لِأَحَدٍ فِي الْحَقِيقَةِ إِلَّا لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَأَنَّ النَّاسَ إِنَّمَا تُنْسَبُ إِلَيْهِمْ أَفْعَالُهُمْ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ، كَمَا يُقَالُ تَحَرَّكَتِ الشَّجَرَةُ، وَدَارَ الْفَلَكُ، وَزَالَتِ الشَّمْسُ! وَلَقَدْ أَحْسَنَ الْقَائِلُ:
عَجِبْتُ لِشَيْطَانٍ دَعَا النَّاسَ جَهْرَةً |
| إِلَى النَّارِ وَاشْتُقَّ اسْمُهُ مِنْ جَهَنَّمَ" |
من جهنم يعني الجهم مادة واحدة؟ في الاشتقاق الكبير، على كل حال هذا الحاصل.
طالب:...
نعم من جهنم، اشتق اسمه من جهنم.
طالب:...
لا إلى النار.
"وَقَدْ نُقِلَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- لَمَّا سُئِلَ عَنِ الْكَلَامِ فِي الْأَعْرَاضِ وَالْأَجْسَامِ؟ فَقَالَ: لَعَنَ اللَّهُ عَمْرَو بْنَ عُبَيْدٍ، هُوَ فَتَحَ عَلَى النَّاسِ الْكَلَامَ فِي هَذَا".
"وَالْجَبْرِيَّةُ: أَصْلُ قَوْلِهِمْ مِنَ الْجَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ بِمَنْزِلَةِ طُولِهِ وَلَوْنِهِ!"
لا علاقة له به كون الإنسان وُجد على هذا الطول أو على هذا اللون هل له إرادة في هذا أو تدبير؟ ليس له ذلك وكذلك فعله، يعني جالس يريد أن يقوم، ما يقدر؟ ليست إليه إرادة ولا حرية أن يقوم أو يجلس كما أراد؟
نعم، مثل لونه، أين العقول؟ نسأل الله العافية.
لما سُئل عن هذه المسألة ولعن عمرو بن عبيد لكن في السنة أن ما ينقلونه بالأسانيد، نعم فيها ما لا يثبت، وفيها أشياء، والسنة مازالت تحتاج إلى شيء من التحقيق، الكتاب يحتاج إلى تحقيق وفي كلام شديد على أبي حنيفة وغيره، وهذا يُراعى فيه الظرف الذي أُلف فيه الكتاب ووقت نشوء الفتن، أنا أشرت إلى هذا، وأن وقت نشوء الفتن يحتاج إلى مزيد من التشديد ما لا يحتاجه الأمر بعد ذلك، وضربت مثالًا أنه لو طُولب بالاختلاط في المدارس، فهل يكون إنكار الناس له مثل إنكار الاختلاط في المستشفيات الذي وُجد من خمسين سنة؟ يعني ثورة الناس وإنكارهم له على نفس المستوى؟ لا، من أجل أن يُجتث من جذوره، وشدد العلماء على أهل البدع في وقت نشوئها؛ من أجل أن تجتث من جذورها، فهل يوجد أحد يتكلم عن الزمخشري مثل ما يتكلم عن عمرو بن عبيد؟ يعني بعد سنة خمسمائة، فيه أحد يتكلم عن الزمخشري مثل ما تكلموا عن عمرو بن عبيد وهم كلهم معتزلة؟ يختلف الأمر من بداية الشيء إلى أن يسري في الناس ويتوارثوه ويتواطؤوا عليه، ويقلد بعضهم بعضًا، وكثير منهم في تقليدهم قد لا يكون له نظر ولا روية ولا شيء، وأن تعامل مثلًا النووي حينما أوَّل الصفات مثل ما يُعامل به المنظرين لمذهب الأشعرية وغيرهم؟ لا، الناس يتفاوتون.
طالب: وأبو حنيفة؟
أبو حنيفة إمام، يعني استقر الأمر على أنه إمام من أئمة المسلمين، بل في كثير من أقطار المسلمين يقال له: الإمام الأعظم، فأنا أقول الكلام الذي وُجد في كتب السنة للإمام أحمد وغيره من أجل هذا، إن كان فيه شبهة بدعة تُجتث، يعني من يطبق كتاب السنة للإمام أحمد على المتأخرين من المبتدعة؟ فيهم شوب بدع يعني موجود، هل تقول.. ترفع اسم عمرو بن عبيد أو فلان وتضع الزمخشري؟ كثير ممن ينتسب إلى العلم يترحم على الزمخشري، هل نقول إن الزمخشري قال بخلق القرآن، وقد أفتى الأئمة بكفر من قال بخلق القرآن إذًا الزمخشري كافر؟ تستطيع أن تقول هذا؟ ما يستطيع أحد أن يقوله.
طالب:...
طبعة مكة.
على كل حال المسألة مسألة كتب الناس والأمانة العلمية شيء، وما يترتب عليه ضرر كبير شيء آخر، ولو أفرد بعض الفصول التي يُحتاج إليها، ما يخرج الكتاب كاملًا، فيكون انتقاءً أو تهذيبًا أو تصرفًا، أما بقاء الكتاب على اسمه واسم مؤلفه لابد أن يوجد كما هو، كما فعل الهنود في مصنف ابن أبي شيبة فيه ردود على أبي حنيفة، فيوم وقفوا عليه طبعوا خمسة ووقفوا، الهنود قبل سبعين سنة أو ثمانين سنة، على كل حال مثل هذه الأمور الكلام في ناس أثرهم حسن وليس بسيء في الأمة مثل أبي حنيفة ونظرائه، لكن الكلام في الجهم والجعد هؤلاء ما فيهم خير ألبتة، ما فيهم وجه خير، نسأل الله العافية.
"وَهُمْ عَكْسُ الْقَدَرِيَّةِ نُفَاةِ الْقَدَرِ، فَإِنَّ الْقَدَرِيَّةَ إِنَّمَا نُسِبُوا إِلَى الْقَدَرِ لِنَفْيِهِمْ إِيَّاهُ، كَمَا سُمِّيَتِ الْمُرْجِئَةُ لِنَفْيِهِمُ الْإِرْجَاءَ، وَأَنَّهُ لَا أَحَدَ مُرْجَأٌ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ".
كلهم مجزوم بهم ما في أحد مرجأ، كلهم مجزوم بهم ومجزوم عليهم ومعروف مصيره، والله –جل وعلا- نص في كتابه إما يعذبهم، هم مرجؤون، مأخرون إلى أن يقضي الله فيهم ما شاء.
"وَقَدْ تُسَمَّى الْجَبْرِيَّةُ " قَدَرِيَّةً"؛ لِأَنَّهُمْ غَلَوْا فِي إِثْبَاتِ الْقَدَرِ، كَمَا يُسَمَّى الَّذِينَ لَا يَجْزِمُونَ بِشَيْءٍ مِنَ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، بَلْ يَغْلُونَ فِي إِرْجَاءِ كُلِّ أَمْرٍ حَتَّى الْأَنْوَاعِ..".
فيكون هناك قدرية غلاة وقدرية نفاة، كلهم قدرية ينتسبون إلى القول في القدر سواء كان نفيًا أو إثباتًا.
"فَلَا يَجْزِمُونَ بِثَوَابِ مَنْ تَابَ، كَمَا لَا يجْزِمُ بِعُقُوبَةِ مَنْ لَمْ يَتُبْ، وَكَمَا لَا يُجْزَمُ لِمُعَيَّنٍ. وَكَانَتِ الْمُرْجِئَةُ الْأَوْلَى يُرْجِئُونَ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا، وَلَا يَشْهَدُونَ بِإِيمَانٍ وَلَا كُفْرٍ!"
طالب: عكس..
لا يجزمون بشيء من الوعد والوعيد، ولذلك لا يشهدون بإيمان ولا كفر، نعم، ما يجزمون بشيء، كل ما عُرض عليهم قالوا: مرجأ، مؤجل، حتى إنهم يرجئون عليًّا وعثمان يقولون: أمرهم بيد الله– جل وعلا- لا نحكم عليهم بشيء.
"وَقَدْ وَرَدَ فِي ذَمِّ الْقَدَرِيَّةِ أَحَادِيثُ فِي السُّنَنِ: مِنْهَا مَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ : «الْقَدَرِيَّةُ مَجُوسُ هَذِهِ الْأُمَّةِ، إِنْ مَرِضُوا فَلَا تَعُودُوهُمْ، وَإِنْ مَاتُوا فَلَا تَشْهَدُوهُمْ». وَرُوِيَ فِي ذَمِّ الْقَدَرِيَّةِ أَحَادِيثُ أُخَرُ كَثِيرَةٌ، تَكَلَّمَ أَهْلُ الْحَدِيثِ فِي صِحَّةِ رَفْعِهَا، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا مَوْقُوفَةٌ، بِخِلَافِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَمِّ الْخَوَارِجِ، فَإِنَّ فِيهِمْ فِي الصَّحِيحِ وَحْدَهُ عَشَرَة أَحَادِيثَ، أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ مِنْهَا ثَلَاثَةً، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ سَائِرَهَا".
يعني الخوارج وجد أصولهم في عهده –عليه الصلاة والسلام- بخلاف الطوائف الأخرى كالرافضة وجدوا في زمن الصحابة، والقدرية وجدوا في زمن التابعين وهكذا، مع أن القدرية وجدوا حتى في عهد الصحابة، في عهد عبد الله بن عمر في صحيح مسلم.
"وَلَكِنَّ مُشَابَهَتَهُمْ لِلْمَجُوسِ ظَاهِرَةٌ، بَلْ قَوْلُهُمْ أَرْدَأُ مِنْ قَوْلِ الْمَجُوسِ، فَإِنَّ الْمَجُوسَ اعْتَقَدُوا وُجُودَ خَالِقَيْنِ، وَالْقَدَرِيَّةَ اعْتَقَدُوا خَالِقِينَ!
وَهَذِهِ الْبِدَعُ الْمُتَقَابِلَةُ حَدَثَتْ مِنَ الْفِتَنِ الْمُفَرِّقَةِ بَيْنَ الْأُمَّةِ، كَمَا ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ الْأُولَى، يَعْنِي مَقْتَل عُثْمَانَ، فَلَمْ تُبْقِ مِنْ أَصْحَابِ بَدْرٍ أَحَدًا. ثُمَّ وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ يَعْنِي الْحَرَّةَ، فَلَمْ تُبْقِ مِنْ أَصْحَابِ الْحُدَيْبِيَةِ أَحَدًا. ثُمَّ وَقَعَتِ الثَّالِثَةُ، فَلَمْ تَرْتَفِعْ وَلِلنَّاسِ طَبَاخٌ، أَيْ عَقْلٌ وَقُوَّةٌ، فَالْخَوَارِجُ وَالشِّيعَةُ حَدَثُوا فِي الْفِتْنَةِ الْأُولَى، وَالْقَدَرِيَّةُ وَالْمُرْجِئَةُ فِي الْفِتْنَةِ الثَّانِيَةِ، وَالْجَهْمِيَّةُ وَنَحْوُهُمْ بَعْدَ الْفِتْنَةِ الثَّالِثَةِ. فَصَارَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا يُقَابِلُونَ الْبِدْعَةَ بِالْبِدْعَةِ، أُولَئِكَ غَلَوْا فِي عَلِيٍّ، وَأُولَئِكَ كَفَّرُوهُ! وَأُولَئِكَ غَلَوْا فِي الْوَعِيدِ، حَتَّى خَلَّدُوا بَعْضَ الْمُؤْمِنِينَ، وَأُولَئِكَ غَلَوْا فِي الْوَعْدِ حَتَّى نَفَوْا بَعْضَ الْوَعِيدِ، أَعْنِي الْمُرْجِئَةَ، وَأُولَئِكَ غَلَوْا فِي التَّنْزِيهِ حَتَّى نَفَوا الصِّفَاتِ، وَهَؤُلَاءِ غَلَوْا فِي الْإِثْبَاتِ، حَتَّى وَقَعُوا فِي التَّشْبِيهِ! وَصَارُوا يَبْتَدِعُونَ مِنَ الدَّلَائِلِ وَالْمَسَائِلِ مَا لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ، وَيُعْرِضُونَ عَنِ الْأَمْرِ الْمَشْرُوعِ، وَفِيهِمْ مَنِ اسْتَعَانَ عَلَى ذَلِكَ بِشَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْأَوَائِلِ: الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ وَالصَّابِئِينَ، فَإِنَّهُمْ قَرَؤوا كُتُبَهُمْ، فَصَارَ عِنْدَهُمْ مِنْ ضَلَالَتِهِمْ مَا أَدْخَلُوهُ فِي مَسَائِلِهِمْ وَدَلَائِلِهِمْ، وَغَيَّرُوهُ فِي اللَّفْظِ تَارَةً، وَفِي الْمَعْنَى أُخْرَى! فَلَبَّسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ، وَكَتَمُوا حَقًّا جَاءَ بِهِ نَبِيُّهُمْ، فَتَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا وَتَكَلَّمُوا حِينَئِذٍ فِي الْجِسْمِ وَالْعَرَضِ وَالتَّجْسِيمِ، نَفْيًا وَإِثْبَاتًا، وَسَبَبُ ضَلَالِ هَذِهِ الْفِرَقِ وَأَمْثَالِهِمْ عُدُولُهُمْ عَنِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، الَّذِي أَمَرَنَا اللَّهُ بِاتِّبَاعِهِ، فَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الْأَنْعَامِ: 153 ]، وَقَالَ تَعَالَى : {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يُوسُفَ: 108]، فَوَحَّدَ لَفْظَ صِرَاطِهِ وَسَبِيلِهِ، وَجَمَعَ السُّبُلَ الْمُخَالِفَةَ لَهُ".
في قوله –جل وعلا-: { يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ } [المائدة:16] سبل السلام، فجمع هذه السبل، لكنه وصفها بأنها كلها مُوصلة إلى السلام، فهي فروع عن سبيله.
"وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : -خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَطًّا وَقَالَ: «هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ، ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ، وَقَالَ: هَذِهِ سُبُلٌ، عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ»، ثُمَّ قَرَأَ : {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الْأَنْعَامِ: 153]».
وَمِنْ هَاهُنَا يُعْلَمُ أَنَّ اضْطِرَارَ الْعَبْدِ إِلَى سُؤَالِ هِدَايَةِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ فَوْقَ كُلِّ ضَرُورَةٍ..".
يعني سؤال الهداية إلى الصراط المستقيم وسؤال الثبات عليه؛ لأنه قد يهتدي الإنسان في وقت أو يكون ظاهره الهداية في وقت، ثم يزيغ قلبه بعد ذلك، في مثل هذه الأيام التي تكثر فيها الفتن ويكثر فيها الانحراف والردة عن الإسلام والإلحاد يشابه زمن أبي بكر –رضي الله عنه- حينما ارتد من ارتد من العرب كما في الموطأ، فقنت في صلاة المغرب في الركعة الثالة بقوله –جل وعلا-: { رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [آل عمران:8]، فيلهج الإنسان بمثل هذا.
"وَلِهَذَا شَرَعَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الصَّلَاةِ قِرَاءَةَ أُمِّ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، إِمَّا فَرْضًا أَوِ إِيجَابًا، عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ؛ لِاحْتِيَاجِ الْعَبْدِ إِلَى هَذَا الدُّعَاءِ الْعَظِيمِ الْقَدْرِ، الْمُشْتَمِلِ عَلَى أَشْرَفِ الْمَطَالِبِ وَأَجَلِّهَا. فَقَدْ أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى أَنْ نَقُولَ : {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}[الْفَاتِحَةِ : 6 - 7 ]. وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَال : «الْيَهُودُ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِمْ، وَالنَّصَارَى ضَالُّونَ»".
يعني في بعض البلدان المنتسبة إلى الإسلام في ظل الظروف التي تعيشها الأمة وفي ظل التعايش ما يسمونه بالتعايش السلمي جاءت مطالبات بمسح التفسير، تُقرأ الآيات ولا تُفسر، تفسير المغضوب عليهم باليهود، أو تفسير النصارى بالضالين، قالوا: هذا لا داعي له، الوقت ما يسمح، وبالفعل أُزيلت من بعض المناهج.
طالب:....
مفسرة باليهود والنصارى، وكل من ضل من أهل العلم ففيه شبه باليهود، ومن ضل من أهل العمل والعبادة ففيه شبه من النصارى، نعم، التفسير بالفرد لا يقتضي التخصيص.
طالب:....
المجوس لهم شبهة كتاب، ولذلك عُوملوا معاملة أهل الكتاب في أخذ الجزية، والصابئة عطف على الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين..
طالب:::
لهم، عندهم، كلام شيخ الإسلام في التفريق بين الصابئة الحرانية المشركة والصابئة الذين لهم نوع كتاب يختلف..
" وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَذْوَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: فَمَنْ ؟!»؟
يعني فمن القوم إلا أولئك.
"قَالَ طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ: مَنِ انْحَرَفَ مِنَ الْعُلَمَاءِ فَفِيهِ شَبَهٌ مِنَ الْيَهُودِ، وَمَنِ انْحَرَفَ مِنَ الْعُبَّادِ فَفِيهِ شَبَهٌ مِنَ النَّصَارَى. فَلِهَذَا تَجِدُ أَكْثَرَ الْمُنْحَرِفِينَ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ، مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ فِيهِ شَبَهٌ مِنَ الْيَهُودِ، حَتَّى إنَّ عُلَمَاءَ الْيَهُودِ يَقْرَؤونَ كُتُبَ شُيُوخِ الْمُعْتَزِلَةِ، وَيَسْتَحْسِنُونَ طَرِيقَتَهُمْ، وَكَذَا شُيُوخُ الْمُعْتَزِلَةِ يَمِيلُونَ إِلَى الْيَهُودِ وَيُرَجِّحُونَهُمْ عَلَى النَّصَارَى . وَأَكْثَرُ الْمُنْحَرِفِينَ مِنَ الْعُبَّادِ، مِنَ الْمُتَصَوِّفَةِ وَنَحْوِهِمْ - فِيهِمْ شَبَهٌ مِنَ النَّصَارَى، وَلِهَذَا يَمِيلُونَ إِلَى نَوْعٍ مِنَ الرَّهْبَانِيَّةِ وَالْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَشُيُوخُ هَؤُلَاءِ يَذُمُّونَ الْكَلَامَ وَأَهْلَهُ، وَشُيُوخُ أُولَئِكَ يَعِيبُونَ طَرِيقَةَ هَؤُلَاءِ وَيُصَنِّفُونَ فِي ذَمِّ السَّمَاعِ وَالْوَجْدِ وَكَثِيرٍ مِنَ الزُّهْدِ وَالْعِبَادَةِ الَّتِي أَحْدَثَهَا هَؤُلَاء"ِ.
كلهم منحرفون لكن هؤلاء مالوا إلى العقل وعظموه ونبذوا حتى العبادة نبذوها وتخلوا عنها وتشبهوا باليهود، أما أولئك فهم أهل زهد وعبادة، لكنهم ليسوا على الجادة، فأشبهوا النصارى من هذه الحيثية.
"وَلِفِرَقِ الضَّلَالِ فِي الْوَحْيِ طَرِيقَتَانِ : طَرِيقَةُ التَّبْدِيلِ، وَطَرِيقَةُ التَّجْهِيلِ. أَمَّا أَهْلُ التَّبْدِيلِ فَهُمْ نَوْعَانِ: أَهْلُ الْوَهْمِ وَالتَّخْيِيلِ، وَأَهْلُ التَّحْرِيفِ وَالتَّأْوِيلِ.
فَأَهْلُ الْوَهْمِ وَالتَّخْيِيلِ، هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ أَخْبَرُوا عَنِ اللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ بِأُمُورٍ غَيْرِ مُطَابِقَةٍ لِلْأَمْرِ فِي نَفْسِهِ!"
لا حقائق لها، أخبروا وعدوا الناس بالجنة ليعملوا، وأوعدوا الناس بالنار ليكفوا عن شرورهم وغيهم وإلا فما فيه لا جنة ولا نار على كلامهم، نسأل الله العافية.
"لَكِنَّهُمْ خَاطَبُوهُمْ بِمَا يَتَخَيَّلُونَ بِهِ وَيَتَوَهَّمُونَ بِهِ أَنَّ اللَّهَ شَيْءٌ عَظِيمٌ كَبِيرٌ، وَأَنَّ الْأَبَدَانَ تُعَادُ، وَأَنَّ لَهُمْ نَعِيمًا مَحْسُوسًا، وَعِقَابًا مَحْسُوسًا، وَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ لَيْسَ كَذَلِكَ.."
مثالهم كأبٍ وضع خزانة ووضع فيها شيئًا وقال لأولاده: اعملوا في المحل والتجارة وكذا، وهذه الأموال سوف تقسم عليكم، فهم يشتغلون ليل نهار من أجل هذه الأموال وفي حقيقتها ليس فيها أموال، فيها حصى أو فيها رمل أو فيها شيء، أوهموهم وخيلوا إليهم من أجل أن يعملوا، نعم أو قال الذي لا يفسد ولا يؤذي ولا يخرب نعطيه من هذه الأموال التي في كذا، هذا مثلُ ما جاء بالأنبياء عندهم -نسأل الله العافية-، فكل كلام الله لا حقيقة له عندهم، كله توهيم وتخييل من أجل أن يكف الناس شرورهم بعضهم عن بعض، وأن يعملوا شيئًا من الصالحات ينتفعون بها وينفعون بها وإلا فلا حقيقة لجنة ولا لنار ولا لعذاب ولا لميعاد الأبدان ولا للبعث ولا للنشور، ما فيه شيء، هؤلاء هم أهل الوهم والتخييل، نسأل الله العافية.
طالب:...
هذه الآلات من أعظم أسباب الانحراف وأعظم الفتن التي دخلت على الناس وتغلغلت في بيوتهم وفي ناشئتهم، والله المستعان.
"لِأَنَّ مَصْلَحَةَ الْجُمْهُورِ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ كَذِبًا فَهُوَ كَذِبٌ لِمَصْلَحَةِ الْجُمْهُورِ! وَقَدْ وَضَعَ ابْنُ سِينَا وَأَمْثَالُهُ قَانُونَهُمْ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ".
قانونهم يعني المقصود في الإشارة إلى القانون ابن سيناء، القانون في الطب، له كتب في الإلهيات، وله كتب في الفلسفة والحكمة يسمونها، لكن القانون هو في الطب، ومع ذلكم هو كتاب مظلم، يقول النووي -رحمه الله-: أدخلت كتاب القانون، يريد أن يستفيد منه في الأدوية والعلاجات، ولكن النووي -رحمة الله عليه- قلبه نظيف يقول: فتأثر قلبي وأظلم وأردت أن أحفظ شيئًا فلم أستطع حتى أخرجت الكتاب من بيتي، هو موجود في مكاتب الشيوخ والطلاب وفي كل مكان وفي الجامعات وفي البيوت، ومع ذلك ما يحس الإنسان لا بظلام ولا يحس بشيء، لماذا؟ نسأل الله السلامة.
"وَأَمَّا أَهْلُ التَّحْرِيفِ وَالتَّأْوِيلِ، فَهُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يَقْصِدُوا بِهَذِهِ الْأَقْوَالِ مَا هُوَ الْحَقُّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَإِنَّ الْحَقَّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ هُوَ مَا عَلِمْنَاهُ بِعُقُولِنَا!"
على خلاف ما جاء به الأنبياء والرسل، أولئك يمشُّون ما جاء به الأنبياء والرسل وإن كانوا لا يعتقدونه، هذا الوهم والتخييل يقولون للعامة: سيروا عما قيل لكم، وهم في قرارة أنفسهم يقولون ما فيه شيء، لكن مصلحة أنهم يشتغلون مثل الذي يقول: شفت الهلال، رأيت هلال رمضان وهو ما رآه طيب، تكذب على الناس؟ فيقول: خلهم يصومون، زود يومًا، ماذا يصير؟ الجهل يصل إلى هذا الحد، لكن أولئك زنادقة ينفون أمورًا قطعية من الكتاب والسنة ومجمعًا عليها ونفيها والشك بها كفر.
"ثُمَّ يَجْتَهِدُونَ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ إِلَى مَا يُوَافِقُ رَأْيَهُمْ بِأَنْوَاعِ التَّأْوِيلَاتِ! وَلِهَذَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ لَا يَجْزِمُونَ بِالتَّأْوِيلِ، بَلْ يَقُولُونَ: يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ كَذَا. وَغَايَةُ مَا مَعَهُمْ إِمْكَانُ احْتِمَالِ اللَّفْظِ.
وَأَمَّا أَهْلُ التَّجْهِيلِ وَالتَّضْلِيلِ، الَّذِينَ حَقِيقَةُ قَوْلِهِمْ: إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَأَتْبَاعَ الْأَنْبِيَاءِ جَاهِلُونَ ضَالُّونَ، لَا يَعْرِفُونَ مَا أَرَادَ اللَّهُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ مِنَ الْآيَاتِ وَأَقْوَالِ الْأَنْبِيَاءِ! وَيَقُولُونَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلنَّصِّ تَأْوِيلٌ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ، لَا يَعْلَمُهُ جبريلُ وَلَا مُحَمَّدٌ وَلَا غَيْرُهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، فَضْلًا عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقْرَأُ : {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه : 5 ]، {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ}[فَاطِرٍ : 10]، {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}[ص : 75] وَهُوَ لَا يَعْرِفُ مَعَانِيَ هَذِهِ الْآيَاتِ! بَلْ مَعْنَاهَا الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ لَا يَعْرِفُهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى! وَيَظُنُّونَ أَنَّ هَذِهِ طَرِيقَةُ السَّلَفِ".
بعضهم يستدل لهذا وأشيع في الأيام الأخيرة أن مذهب السلف التفويض، وأنها ليس لها معاني أصلًا، إنما نقرأ حروفها ونفوِّض معانيها إلى الله –جل وعلا-، ما فيه شيء يُعرف وراء هذه الحروف، ويزعمون أن السلف قالوا بهذا بناءً على أن منهم من قال: تمر كما جاءت، نعم تمر كما جاءت مع اعتقاد أن لها معاني، الاستواء معلوم، والكيف مجهول، لكن لا يعني هذا أنها ليس لها معاني ألبتة، العربي والأعجمي لا فرق بينهما، والمثال أنه لو سمعت بشخص مع أنه مثال تقريبي، وتعالى الله عن مشابهة المخلوق، ولله المثل الأعلى، لو قيل: إن زيدًا من الناس في الشرق أو في الغرب، هل تعرف من هو زيد من الناس؟ لا تعرف عنه شيئًا إلا هذا الاسم، وأن هناك شخصًا يُسمى زيدًا، هل تقول: إن زيدًا مثل ديز؛ لأني لا أعرفه، كيف زيد مثل ديز عكس زيد لأني ما أعرف،ه أو تعرف أن هذه الكلمة لها مدلول على شخص معروف في الجملة من معرفة نظرائه، أهل التفويض يقولون: لا، زيد وديز ما بينهما فرق، إذا صرت ما تعرفه ولا شفته فما بينهما فرق، والله -جل وعلا- ما رأيته وما تعرف عنه إلا هذا الاسم فقط، يعني ما في المثال غير زيد في الهند مثلًا ماذا تعرف عن زيد هذا؟ أنه حمار ولا كلب والا وش هو؟ أنه آدمي واقف مثل الناس لكن تفصيلاته وحقائقه وكيفيات خلقه ما تعرفها لكن تعرف المعاني أنه له يد تدرك معنى اليد، تعرف أنه له رجل، تعرف أن له رأس، ماذا تفهم من كلمة ديز عكس زيد، تفهم منها شيئً؟ هم يقولون لا، المفوضة يقولون: معناها مثل ديز، زيد وديز ما بينهما فرق، إذا صرت لا تعرفه ولا رأيته. كلام ما يدخل العقل! ولذلك شدد الأئمة على أهل التفويض؛ لأن هذا مآل كلامهم { وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَقُولُونَ }[الإسراء:43].
يقولون: الرسول –عليه الصلاة والسلام يقرأ {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى }[طه:5]، { مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:75]، يقولون لا يعرف معاني هذه الآيات يقرؤها مجرد حروف يعني مثل ما تُلقن كلمة أعجمية وأنت ترددها ما تدري معناها، ما فيه فرق عندهم، قاتلهم الله.
"ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ الْمُرَادَ بِهَا خِلَافُ مَدْلُولِهَا الظَّاهِرِ الْمَفْهُومِ، وَلَا يَعْرِفُهُ أَحَدٌ، كَمَا لَا يُعْلَمُ وَقْتُ السَّاعَةِ! وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: بَلْ تُجْرَى عَلَى ظَاهِرِهَا وَتُحْمَلُ عَلَى ظَاهِرِهَا! وَمَعَ هَذَا، فَلَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهَا إِلَّا اللَّهُ، فَيَتَنَاقَضُونَ حَيْثُ أَثْبَتُوا لَهَا تَأْوِيلًا يُخَالِفُ ظَاهِرَهَا، وَقَالُوا مَعَ هَذَا: إِنَّهَا تُحْمَلُ عَلَى ظَاهِرِهَا.."
وظيفته –عليه الصلاة والسلام- البيان، فإذا لم يبين ما أُرسل به، ما بلّغ من أرسل إليهم ما أرسل به إذًا لم يحصل البيان، نعم، المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله مستثنى، ووجود المتشابه معروف، والتشابه نسبي، من أهل العلم من يعرفه، ومنهم من لا يعرفه، والخلاف في الوقف على قوله: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} والواو {وَالرَّاسِخُونَ }[آل عمران:7] ما معناها؟ هذا معروف، وكلام أهل العلم معروف، لكن حتى المتشابه الذي استأثر الله بعلمه هذا نوع يُختبر به الناس، وليس هو الغالب من التشريع، هؤلاء يقولون كل التشريع كذا، كل التشريع على النمط، سمعنا ناسًا يقولون: هذا مجرد تمويه، وإلا فما يوجد شيء، ضحك على الناس مؤدى كلامهم، الرسل جاؤوا يضحكون على الناس ويشغلونهم وما هنا شيء مثل الحجارة التي بهذا الصندوق، تعالى الله، نسأل الله العافية.
طالب:...
المقصود الإيغال في الكيفية؛ لئلا يستدرج الإنسان في البحث عن المعاني حتى يصل إلى الكنه والكيف، وهم أحيانًا يحسمون الباب وإلا فالاستواء معلوم، والكيف مجهول.
"وَهَؤُلَاءِ مُشْتَرِكُونَ فِي الْقَوْلِ بِأَنَّ الرَّسُولَ لَمْ يُبَيِّنِ الْمُرَادَ بِالنُّصُوصِ الَّتِي يَجْعَلُونَهَا مُشْكِلَةً أَوْ مُتَشَابِهَةً، وَلِهَذَا يَجْعَلُ كُلُّ فَرِيقٍ الْمُشْكِلَ مِنْ نُصُوصِهِ غَيْرَ مَا يَجْعَلُهُ الْفَرِيقُ الْآخَرُ مُشْكِلًا،
ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: لَمْ يَعْلَمْ مَعَانِيَهَا أَيْضًا! وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: عَلِمَهَا وَلَمْ يُبَيِّنْهَا، بَلْ أَحَالَ فِي بَيَانِهَا عَلَى الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ، وَعَلَى مَنْ يَجْتَهِدُ فِي الْعِلْمِ بِتَأْوِيلِ تِلْكَ النُّصُوصِ".
تبرير لأفعالهم قالوا إن الرسول يعلم المعاني ولا بيَّنها، لكنه قال: ابحثوا عنها بعقولكم.
"فَهُمْ مُشْتَرِكُونَ فِي أَنَّ الرَّسُولَ لَمْ يَعْلَمْ أَوْ لَمْ يعلِّمْ، بَلْ نَحْنُ عَرَفْنَا الْحَقَّ بِعُقُولِنَا ثُمَّ اجْتَهَدْنَا فِي حَمْلِ كَلَامِ الرَّسُولِ عَلَى مَا يُوَافِقُ معقولنا، وَأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَأَتْبَاعَهُمْ لَا يَعْرِفُونَ الْعَقْلِيَّاتِ! وَلَا يَفْهَمُونَ السَّمْعِيَّاتِ! وَكُلُّ ذَلِكَ ضَلَالٌ وَتَضْلِيلٌ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ".
"نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ وَالْعَافِيَةَ، مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الْوَاهِيَةِ، الْمُفْضِيَةِ بِقَائِلِهَا إِلَى الْهَاوِيَةِ.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ"
اللهم صلَّ وسلم على عبدك ونبيك ورسولك محمد..
فرغ شيخنا سماحة الشيخ عبد الكريم بن عبد الله الخضير من التعليق على شرح العقيدة الطحاوية للإمام ابن أبي العز الحنفي –رحمه الله- في يوم الإثنين الموافق للسابع والعشرين من شهر جمادى الأولى من السنة السابعة والثلاثين وأربع مائة وألف.
نسأل الله –عز وجل- أن ينفعنا بما قرأنا وبما سمعنا، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن يبارك لنا فيما علمنا، وأن يجزي شيخنا عنا خير ما جزى به شيخًا عن طلابه، وأن يبارك في علمه وعمله وذريته، وأن ينفع به وبعلمه الإسلام والمسلمين.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
"