شرح الموطأ – كتاب دعوة المظلوم
أحسن الله إليك.
كتاب دعوة المظلوم
باب: ما يتقى من دعوة المظلوم
حدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- استعمل مولى له يدعي هَنياً.
هُنياً.
أحسن الله إليك
أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- استعمل مولى له يدعي هُنياً على الحمى، فقال: يا هني اضمم جناحك عن الناس، واتقِ دعوة المظلوم، فإن دعوة المظلوم مستجابة، وأدخل رب الصريمة، ورب الغنيمة، وإياي ونعم بن عوف، ونعم بن عفان، فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعان إلى نخل وزرع، وإن رب الصريمة ورب الغنيمة إن تهلك ماشيته يأتني ببنيه فيقول: يا أمير المؤمنين يا أمير المؤمنين أفتاركهم أنا لا أبا لك، فالماء والكلأ أيسر علي من الذهب والورق، وأيم الله إنهم ليرون إني قد ظلمتهم، إنها لبلادهم ومياههم، قاتلوا عليها في الجاهلية، واسلموا عليها في الإسلام، والذي نفسي بيده لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله ما حميت عليهم من بلادهم شبراً.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
كتاب دعوة المظلوم
باب: ما يتقى من دعوة المظلوم
يعني في الحديث الصحيح أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لما بعث معاذً إلى اليمن قال له: ((واتقِ دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)) دعوة المظلوم مستجابة.
قال: "حدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب استعمل مولى له يدعي هُنياً" اسمه هُني، استعمله على الحمى، مراقب مشرف على الحمى، والحمى: ما يحميه السلطان، فإن كان الحمى لإبل الصدقة، وما يتعلق ببيت المال، وأنعام بيت المال هذا له سلف، الخلفاء حموا، وإن كان لأمواله الخاصة فهذا لم يسبق عند الراشدين، وإن استعمله الملوك من بعدهم، وجاء التشبيه بمن يقرب من المعاصي، ويتناول الشبهات كالراعي يرعى حول الحمى، فإذا رعى الراعي حول الحمى دخلت مواشيه حول الحمى، وتعرض للأذى من قبل من حماه.
فقال: "يا هُني اضمم جناحك عن الناس" يعني خفف عليهم، لا تشق عليهم، ولا تشدد عليهم، يعني لو افترض أنه دخلت شاة أو دابة أو شيء من ذلك، أو ناقة، أو جمل ورعى شيئاً من الحمى لا تؤذي صاحبها، واكتفي بإبعادها "اضمم جناحك عن الناس، واتقِ دعوة المظلوم" اجعل بينك وبينها وقاية فلا تظلم "فإن دعوة المظلوم مستجابة" وفي حديث معاذ الذي أشرنا إليه: ((ليس بينها وبين الله حجاب)).
"وأدخل رب الصريمة، ورب الغنيمة" الذي عنده من الإبل الشيء اليسير، أو من الغنم الشيء اليسير الذي لا يؤثر في المحمي، ولا تضرر به إبل بيت المال، ولا أبل الصدقة هذا لا مانع من أن يمكن؛ لأنه ليس له من المال إلا الشيء اليسير، بحيث لو تلف ضاق ذرعاً بنفسه وبأولاده، وذهب يلتمس من ولي الأمر النفقة لولده كما في الخبر "وإياي ونعم بن عوف" عبد الرحمن بن عوف تاجر عنده أنعام كثيرة "و-كذلك- عثمان بن عفان" عنده، وعندهم أمول أخرى، عندهم نخيل، وعندهم زروع، يعني لو تضررت مواشيهم رجعوا إلى غيرهم، واستفادوا من غيرهم، لكن رب الصريمة ورب الغنيمة إذا تضررت مواشيهم وإبلهم وغنمهم فإنهم لا شيء لهم يأوون إليه، ولا يرجعون إليه إلا الله -جل وعلا-، ثم بعد ذلك يعودون إلى ولي الأمر، ويحرجونه بالمطالب.
قال: "فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعان إلى نخل وزرع" عندهم مزارع، إذا فاتهم الإبل والغنم ما فاتهم النخل والتمر والزرع والعيش والحب وغيره، والفواكه، عندهم مزارع يرجعون إليها "فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعان إلى نخل وزرع، وإن رب الصريمة ورب الغنيمة إن تهلك ماشيتهما يأتني ببنيه" يأتي بأولاده، بنسائه انظر يا أمير المؤمنين، أين نطعم هؤلاء؟ "فيقول: يا أمير المؤمنين، يا أمير المؤمنين" يصوت له من أجل أن يعطف عليه وعلى ولده "أفتاركهم أنا؟" نعم هذه مسئولية ولي الأمر إذا كان في بيت المال شيء لا يجوز أن يجوع المسلم، ولا يجوز أن يحتاج الصغار والكبار ما دام في بيت المال شيء "فيقول: أفتاركهم أنا لا أبا لك" وعمر الذي يقول: لو عثرت دابة بالعراق لسئل عنها عمر، فكيف بصبية يتضاغون، ونساء يتضورن جوعاً؟! "فالماء والكلأ أيسر علي من الذهب والورق" مكنهم خل مواشيهم ونعامهم ودوابهم تأكل، "الماء والكلأ أيسر علي من الذهب والورق" من الذهب والفضة "وأيم الله إنهم ليرون أني قد ظلمتهم" بم ظلمهم؟ ظلمهم بالحمى، يرون أنه ظلمهم بالحمى، وهو ما ظلمهم لإبل نفسه، أو لمواشيه الخاصة، وإنما حمى هذا الحمى لإبل الصدقة، أو لما يحمل عليه في سبيل الله "إنها لبلادهم ومياههم" لأن هذه الأمور العامة المشتركة الناس فيها سواء، والناس شركاء في ثلاثة، ومنه الكلأ.
"قاتلوا عليها في الجاهلية، وأسلموا عليها في الإسلام" نعم هي بلادهم، وهم فيها سواء، لا يجوز تخصيص بعضهم دون بعض "والذي نفسي بيده لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله" يعني الدواب التي يحمل عليها المجاهدون "لولا هذه ما حميت عليهم من بلادهم شبراً" لأن العدل في مثل هذا واجب.