كتاب البيوع (13)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
طالب: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا وارفعنا بما علمتنا وزدنا علمًا وعملاً. اللهم اغفر لنا ولشيخنا، واجزه عنا خيرًا.
قال الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: "بَابُ البَيْعِ وَالشِّرَاءِ مَعَ النِّسَاءِ.
حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، قال: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، قَالَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، فَذَكَرْتُ لَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: «اشْتَرِي وَأَعْتِقِي، فَإِنَّ الوَلاَءَ لِمَنْ أَعْتَقَ»، ثُمَّ قَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- مِنَ العَشِيِّ، فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: «مَا بَالُ أُنَاسٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنِ اشْتَرَطَ مِائَةَ شَرْطٍ، شَرْطُ اللَّهِ أَحَقُّ وَأَوْثَقُ».
حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ أَبِي عَبَّادٍ، قال: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، قَالَ: سَمِعْتُ نَافِعًا يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: أَنَّ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- سَاوَمَتْ بَرِيرَةَ، فَخَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ، فَلَمَّا جَاءَ قَالَتْ: إِنَّهُمْ أَبَوْا أَنْ يَبِيعُوهَا إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطُوا الوَلاَءَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: «إِنَّمَا الوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ،» قُلْتُ لِنَافِعٍ: حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا؟ فَقَالَ: مَا يُدْرِينِي؟".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فيقول المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: "بَابُ البَيْعِ وَالشِّرَاءِ مَعَ النِّسَاءِ"، هذه الترجمة فيها عموم ونوع إيهام، وأن هذا البيع والشراء مطلق، فقد يستمسك به من ينادي بهذا الأمر ويوسع فيه المجال حتى يدخل فيها أهل الريب كما هو واقع. البيع والشراء مع النساء، الحديث الذي أورده مستدلًّا به على هذه الترجمة قصة بريرة، وأن عائشة ساومت أهلها يعني ملاكها بأن يبيعوها إليهم، وعائشة أم المؤمنين وأهلها من الصحابة أفضل الأجيال وأفضل الأمة بعد نبيها، فلا يمكن أن يُستدل بهذا الحديث على ترجمة مثل هذه، لكن عذر البخاري -رَحِمَهُ اللهُ تعالى- أنه ما جزم بحكم، ما قال: جواز البيع أو قال استحباب أو قال كذا، ما جزم بحكم، إنما قال: "البيع والشراء مع النساء".
ثم قال -رحمه الله-: "حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ" وهو الحكم بن نافع، "قال: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ" وهو ابن أبي حمزة، "عَنِ الزُّهْرِيِّ" الإمام محمد بن مسلم بن تدرس.
طالب:.........
نعم! محمد بن شهاب الزهري، عن الزهري الإمام الزهري المعروف محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، "قَالَ: عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، قَالَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، فَذَكَرْتُ لَهُ" يعني قصة مساومتها بريرة مع أهلها، "فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-" وأنهم اشترطوا الولاء لهم، فقال: "«اشْتَرِي وَأَعْتِقِي، فَإِنَّ الوَلاَءَ لِمَنْ أَعْتَقَ»".
هي اشترت هذه الأمة بريرة، عائشة وهي من النساء ومعروف مكانتها ومنزلتها في الدين ومن رسول رب العالمين، واشترت هذه، أو ساومت على هذه الأمة أهلها، ولا يدرى من ساومت هل ساومت رجالًا أو نساءً؟ ومع ذلك يبقى أن عائشة ليست كغيرها وهي عرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لا يمكن أن تعرض نفسها لما يتعرض له النساء اليوم فيعرضون أنفسهم ويتعرضون لهم من مضايقات وغير ذلك.
"«اشتري وأعتقي، فإن الولاء لمن أعتق» ثُمَّ قَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- مِنَ العَشِيِّ" يعني في المساء، "فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: «مَا بَالُ أُنَاسٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ»"؛ لأنهم باعوا واشترطوا الولاء، الذي يبيع خلاص ما له شيء، يقبض الثمن، يقبض المقابل، وليس له أي علاقة بالمبيع، يعني انتقل من يعني الآثار المترتبة على البيع انتقال السلعة إلى المشتري بحيث لا يكون للبائع أدنى متعلق. هم اشترطوا الولاء مع أنهم قبضوا ثمنها.
فقال: "«اشتري وأعتقي فإن الولاء لمن أعتق»، ثم قام النبي -صلى الله عليه وسلم- من العشي فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: «ما بال أناس يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله، مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ»" يعني وجوده مثل عدمه، حتى لو اشترطت لهم ما ينفذ، لو اشترطت لهم الولاء لا ينفذ؛ لأنه ليس في كتاب الله، ومن مقتضى العقد الصحيح انتقال السلعة إلى المشتري بجميع تبعاتها، "«وَإِنِ اشْتَرَطَ مِائَةَ شَرْطٍ شَرْطُ اللَّهِ أَحَقُّ وَأَوْثَقُ»".
قال: "حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ أَبِي عَبَّادٍ، قال: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ" وهو ابن المنبه، "قَالَ: سَمِعْتُ نَافِعًا" وهو مولى عبد الله بن عمر "يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: أَنَّ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- سَاوَمَتْ بَرِيرَةَ، فَخَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ، فَلَمَّا جَاءَ قَالَتْ: إِنَّهُمْ أَبَوْا أَنْ يَبِيعُوهَا إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطُوا الوَلاَءَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: «إِنَّمَا الوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ»، قُلْتُ لِنَافِعٍ" الراوي عنه يقول لنافع وهو همام: "حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا؟ فَقَالَ: مَا يُدْرِينِي؟"، أكثر الروايات على أنه كان عبدًا، وأن اسمه مغيث، ولذلك لما عتقت صار ليس عليها سلطان، فالأمة تعتق تحت العبد، ينفسخ نكاحها إلا إذا رضيت بالبقاء معه، لكنها رفضت البقاء معها فانفسخ نكاحها.
طالب: فسخ النكاح كان قبل ..........
ماذا؟
طالب: هي اختلعت منه، بريرة ..........
لو كانت تحت الحر خلاص تلقائيًّا.
طالب: قبل العتق؟
ماذا؟
طالب: قبل البيع؟
لا لا، بعدما اشترته عائشة وأعتقته فكان يتابعها في أسواق المدينة يبكي.
طالب: ألم تكن اختلعت؟
لا، ما اختلعت، حرة تحت عبد ما يجيء.
هات.
طالب: قال الإمام الكرماني -رحمه الله-: (قوله: "فذكرت" أي قصة بريرة وشراءها وقد شرط أهلها أن يكون الولاء لغير المعتق أي للبائعين.
قوله: «باطل» فإن قلتَ: فما قولك في الشروط التي اعتبرتها السنة؟ قلتُ: السنة أيضًا مكتوب الله أي مقدره ومفروضه، ومر الحديث في ذكر البيع على المنبر وفي المسجد. قوله: "حسان" منصرف وغير منصرف).
إن كان من الحس فهو غير منصرف؛ لأن فيه زيادة ألف ونون، وإن كان من الحسن فهو منصرف؛ لأن النون أصلية.
طالب: ("ابن أبي عباد" بفتح المهملة وشدة الموحدة، واسمه أيضًا حسان، مر في العمرة. قوله: "ما يدريني؟" ما استفهامية، يعني لا أعلم ذلك، وقد ثبت أنه كان عبدًا كما روي في صحيح مسلم ذلك عن ابن عباس وعائشة -رضي الله عنه-).
نعم.
طالب: "بَابٌ: هَلْ يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ بِغَيْرِ أَجْرٍ، وَهَلْ يُعِينُهُ أَوْ يَنْصَحُهُ. وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: «إِذَا اسْتَنْصَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، فَلْيَنْصَحْ لَهُ» وَرَخَّصَ فِيهِ عَطَاءٌ.
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، سَمِعْتُ جَرِيرًا -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قال: «بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- عَلَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ». حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ، قال: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: «لاَ تَلَقَّوُا الرُّكْبَانَ، وَلاَ يبيع حَاضِرٌ لِبَادٍ»، قَالَ: فَقُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا قَوْلُهُ «لاَ يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ»؟ قَالَ: لاَ يَكُونُ لَهُ سِمْسَارًا".
يقول الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: "بَابٌ: هَلْ يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ بِغَيْرِ أَجْرٍ" بغير أجر: معلوم أن السمسار، الدلال يأخذ أجرة مثله، لكن قد يقول قائل: إذا كان هذا ممنوعًا، فماذا عن كونه يبيع له بغير أجر، وحينئذٍ تنتفي التهمة إذا كان بغير أجر؟ بغير أجر، الحديث شامل بما كان بأجر وما كان بغير أجل.
"وَهَلْ يُعِينُهُ أَوْ يَنْصَحُهُ" هل يعينه على بيع سلعته؟ يعني جلب إبلًا أو غنمًا أو ما أشبه ذلك، هل يعينه على إيصالها إلى السوق، وهل ينصح له إذا استشاره؟
"وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: «إِذَا اسْتَنْصَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، فَلْيَنْصَحْ لَهُ»" لكن ما يأتي مباشرة ويقول: لا تبع بهذه القيمة، فإنها رخيصة، دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض، ولا يبيع له يعني بأجرة ولا بغير أجرة؛ لئلا يضيق على الحاضر.
"وَرَخَّصَ فِيهِ عَطَاءٌ" رخص في ذلك عطاء؛ لأن الأصل أن البيع والشراء: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275]، والأجرة على الأتعاب مأذون بها شرعًا، والأمر يعتريه ما يعتريه في هذا العقد لولا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: «لا يبع حاضر لبادٍ»؛ لأنه كما ينصح الحاضر ويبحث له عن أرخص الأسعار بالنسبة فالبادي أيضًا كذلك من المسلمين له حقه من النصيحة، رخص في هذا عطاء، مع أن هذه الرخصة فيها ما فيها مع ورود النص.
قال -رحمه الله-: "حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ" وهو ابن المديني، "قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ" وهو ابن عيينة، "عَنْ إِسْمَاعِيلَ" ابن أبي أويس، "عَنْ قَيْسٍ، قال: سَمِعْتُ جَرِيرًا" ابن عبد الله البجلي "-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قال: «بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- عَلَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ»"، كما جاء في حديث عبادة بن الصامت: «بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره، على أن نقول- أو- نقوم بالحق لا نخاف في الله لومة لائم»، وهنا: «والنصح لكل مسلم»، وطبقه جرير -رضي الله عنه- حينما أراد شراء الفرس فقال لصاحبه: بكم تبيعه؟ قال: بثلاثمائة، قال: اشتريت، ثم قال له: فرسك يستحق أكثر، قال: أربعمائة، قال: اشريت، قال: فرسك يستحق أكثر، فأوصله إلى ثمانمائة، قريب من ثلاثة أضعاف، هذا النصح. لكن لو يصنع اليوم مثل هذا ماذا يقول الناس؟
طالب: ..........
يقولون وأيش التغفيل الذي وصل إلى هذا الحد.
طالب: ..........
هذا كلام الناس نعم، لكن أيضًا هذا من الغربة التي لم تقتصر على هذا الأمر، يعني الناس تعدوا مثل هذه الأمور إلى أكل الحرام الصريح، إلى أكل الربا -نسأل الله العافية-، ليست المسألة مسألة نصح أو تحين غفلات أو تحين فرص، لا، المسألة تعدت إلى الخداع وأكل الحرام، والشبهات من باب أولى.
قال -رحمه الله-: "حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ، قال: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: «لاَ تَلَقَّوُا الرُّكْبَانَ»"، يعني دعوا الناس حتى يصل إلى السوق فلا تلقوهم، لا تشتروا منهم فتغبنوهم قبل الوصول إلى السوق، ولا تلقوهم لتبيعوا لهم، فيكون من باب نهي بيع الحاضر للباد، "«وَلاَ يبيع حَاضِرٌ لِبَادٍ»، قَالَ: فَقُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا قَوْلُهُ «لاَ يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ»؟ قَالَ: لاَ يَكُونُ لَهُ سِمْسَارًا" يعني دلالاً، سمسار معروف أنه يعرف الأسعار بدقة من كثرة ما يبيع في السوق أو يشتري، خبير بالأسعار، فإذا أراد أن يبيع البادي قال له: انتظر، سلعتك تستحق أكثر، فيتضرر الحاضر، فدعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض، كما قال -عليه الصلاة والسلام-.
طالب: قال -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: ("باب هل يبيع حاضر لباد"، قوله: «فلينصح» النصح إخلاص العمل عن شوائب الفساد، ومعناه حيازة الحظ للمنصوح له. قوله: "إسماعيل" هو المسمى بالميزان).
بالميزان أي لثقته ودقته في الرواية.
طالب: (و"قيس" بفتح القاف سمع من العشرة المبشرة، و"جرير" بفتح الجيم، والثلاثة بجليون كوفيون مكنون بأبي عبد الله، وهو من النوادر، مر الحديث في آخر كتاب الإيمان. قوله: «السمع والطاعة» أي لأحكام الله تعالى ورسوله. قوله: "الصلت" بفتح المهملة وسكون اللام وبالفوقانية الحارثي مر في الصلاة).
(لأحكام الله تعالى ورسوله).
ومنها طاعة من ولاه الله الأمر ما لم يأمر بمعصية.
طالب: (و"سمسارًا" أي دلالاً وهذا يتناول البيع والشراء، والمشهور أن المراد به أن يقدم غريب من البادية بمتاع ليبيعه بسعر يومه، فيقول له البلدي: اتركه عندي؛ لأبيعه على التدريج بأغلى منه، ولو خالف النهي وباع الحاضر للبادي صح البيع مع التحريم).
لأن النهي لا يعود إلى ذات العقد، ولا إلى شرطه، بل لأمر خارج، فالعقد صحيح.
طالب: (فإن قلتَ: من أين دل على أنه لا يبيع بغير أجر؟ قلتُ: لفظ «لا يبيع» شامل لما كان بأجر وما كان بغير أجر.
فإن قلتَ: ما التوفيق بين حديث النصيحة وهذا الحديث؟ قلتُ: لا منافاة؛ لأن هذا أيضًا نصيحة لكافة أهل البلد، وإن لم يكن نصيحة لذلك البادي خاصة، والاعتبار بالأعم الأغلب أو هو عام، وهذا مخصص له، وقال أبو حنيفة: يجوز بيع الحاضر للبادي مطلقًا لحديث «الدين النصيحة» وحديثُ بيع الحاضر منسوخ).
كلام أبي حنيفة -رحمه الله- مصادم للحديث، ولا شك أن «الدين النصيحة» حديث صحيح وهو أصل، لكن يبقى أنه عام، وحديث بيع الحاضر للبادي خاص، أو هو من باب ترجيح المصلحة العظمى التي هي النظر إلى المصلحة العامة بغض النظر عن المصلحة الخاصة. نعم
طالب: "بَابُ مَنْ كَرِهَ أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ بِأَجْرٍ. حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَبَّاحٍ، قال: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحَنَفِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، قَالَ: «نَهَى النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ»، وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ".
اقرأ الشرح، هذا مثل ما تقدم.
طالب: (قوله: "عبد الله بن الصباح" بتشديد الموحدة العطار، و"أبو علي" عبد الله بن عبد المجيد الحنفي المنسوب إلى بني حنيفة، تقدمَا في الصلاة، فإن قلتَ: أين في الحديث ذكر الأجر ليدل على الترجمة؟ قلتُ: النهي عام لما بالأجر ولما بغير الأجر).
نعم.
طالب: "بَابٌ: لاَ يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ بِالسَّمْسَرَةِ. وَكَرِهَهُ ابْنُ سِيرِينَ وَإِبْرَاهِيمُ لِلْبَائِعِ وَالمُشْتَرِي، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: إِنَّ العَرَبَ تَقُولُ: بِعْ لِي ثَوْبًا، وَهِيَ تَعْنِي الشِّرَاءَ.
حَدَّثَنَا المَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: «لاَ يَبْتَاعُ المَرْءُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلاَ تَنَاجَشُوا، وَلاَ يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ».
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، قال: حَدَّثَنَا مُعَاذٌ، قال: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: «نُهِينَا أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ»".
مر مرارًا حديث ترجمة: «لا يبيع حاضر» جاءت على لفظ الحديث على أن لا نافية، ولو كانت ناهية قال: لا يبع، اعتمد فيها على لفظ الحديث. في كتاب الأدب: «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي فاصنع ما شئت» هذا الحديث بالياء: «إذا لم تستحي فاصنع ما شئت»، والترجمة عند الإمام البخاري: إذا لم تستحِ بالكسرة، ما الفرق بينهما؟ هنا اعتمد لفظ الحديث وقال: "لا يبيع حاضر لباد"، وهناك قال: بابٌ إذا لم تستحِ -بكسرة- فاصنع ما شئت، والحديث: «إذا لم تستحي -بياء- فاصنع ما شئت»؟ نعم، لغتان: لغة قريش بإثبات الياء؛ لأن الأصل تستحيي بياءين، والجازم حذف إحدى الياءين، وبقيت الأخرى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ} [البقرة: 26]، والترجمة على لغة تميم التي هي بياء واحدة، فجاء عليها الجازم وحذفها.
"بَابٌ: لاَ يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ بِالسَّمْسَرَةِ. وَكَرِهَهُ ابْنُ سِيرِينَ وَإِبْرَاهِيمُ" الأصل في النهي وفي النفي إذا أريد به النهي التحريم، والكراهة أعم من أن تكون للتنزيه أو للتحريم عند السلف. "لِلْبَائِعِ وَالمُشْتَرِي، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: إِنَّ العَرَبَ تَقُولُ: بِعْ لِي ثَوْبًا وَهِيَ تَعْنِي الشِّرَاءَ" يعني لو جاء باد ليشتري سلعة، البائع إذا جاء بادٍ بسلعة يبيعها في السوق وجاء أعرابي بادٍ ثانيًا ليشتري سلعة من السوق، فيتلقاه الحاضر ويقول: أنا أشتري لك بأرخص قيمة.
قال -رحمه الله-: "حَدَّثَنَا المَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ" وهو من الشيوخ المتقدمين للبخاري، وعنه أكثر الثلاثيات، "قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: «لاَ يَبْتَاعُ المَرْءُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ»".
يعني لا يشتري أو لا يبيع، والبيع والشراء من الأضداد، يطلق هذا على هذا، وهذا على ذاك، "«وَلاَ تَنَاجَشُوا»" يعني لا تزيد في قيمة السلعة وأنت لا تريد شراءها لتضر بالمشتري، أو لتنفع البائع، "«وَلاَ يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ»"، وهذا هو الشاهد.
قال: "حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، قال: حَدَّثَنَا مُعَاذٌ، قال: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ" وهو ابن سيرين، "قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: «نُهِينَا أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ»".
اقرأ.
طالب: ("باب لا يبيع" وفي بعضها: لا يشتري. قوله: "إبراهيم" أي النخعي قال: لا يسمسر الحاضر للبدوي البائع ولا للبدوي المشتري، قال: والعرب قد تطلق البيع وتعني الشراء، أقول: هذا صحيح على مذهب من جوز استعمال اللفظ المشترك في معنييه، اللهم إلا أن يقال: البيع والشراء ضدان، فلا يصح إرادتهما معًا. فإن قلتَ: فما توجيهه؟ قلتُ: وجهه أن يحمل على عموم المجاز).
نعم هنا قال: (والعرب تطلق البيع، وتعني الشراء)؛ لأن البيع يطلق على البيع والشراء، والشراء كذلك. إذا قلنا: إن البيع على البيع حقيقة وعلى الشراء مجاز يلزم عليه أن يستعمل اللفظ في معنييه الحقيقي والمجاز، وهذا الأكثر على منعه، يجوز عند الشافعية، ومنهم الشارح، الأكثر على المنع، وإذا قلنا: إنه من الأضداد فهذا ممنوع من باب أولى؛ لأنه لا يمكن أن يستعمل اللفظ في المعنى وضده، اللفظ واحد يستعمل في معنى وفي ضده. خرجه الشارح على أنه من عموم المجاز، المجاز قد يستعمل في أكثر من معنى، ويجوز الجمع بينها باعتبار أنها كلها منساقة في سياق واحد، وهو المجاز.
طالب: (قوله: "المكي" هو ابن إبراهيم وقد روى البخاري عنه آنفًا في باب رد المصراة بواسطة محمد بن عمرو السواق).
لأنه متقدم، المكي بن إبراهيم من قدماء شيوخ البخاري، أسانيده العالية جلها عن المكي.
طالب: (فلا يظنن هاهنا حذف رجل من البين؛ لأنه يروي عن المكي بواسطة وبدونها. فإن قلتَ: كيف استفاد السمسرة من الحديث؟ قلتُ: معنى السمسرة يتبادر إلى الذهن من لفظ باع لغيره).
نعم الأصل أن الإنسان إذا باع لغيره الأصل في ذلك في عموم المعاملات أنه يأخذ أجرته وهي السمسرة.
طالب: (قوله: "معاذ" بضم الميم وبتعجيم الذال ابن معاذ البصري قاضيها، مر في الحج، "وعبد الله بن عون" بفتح المهملة وبالنون مر في العلم، و"محمد" أي ابن سيرين، وهذا النهي لما كان راجعًا إلى أمر خارج عن العقد لا يدل على فساد العقد فهو صحيح والفعل حرام).
نعم هذه القاعدة في العبادات وفي المعاملات وفي جميع العقود: إذا عاد النهي إلى ذات العقد أو إلى شرطه فإنه يبطل العقد، إذا عاد النهي إلى أمر خارج فإن العقد صحيح، والصلاة صحيحة، والزكاة صحيحة، والعبادة صحيحة، لكن مع التحريم. يعني فرق بين أن يصلي المصلي بسترة حرير، السترة ما بين السرة إلى الركبة سترها بحرير، نقول: صلاته صحيحة أم باطلة؟
باطلة؛ لأنه عاد إلى الشرط، السترة شرط. لكن لو صلى وعليه عمامة حرير؟
طالب: ..........
هذه لأمر خارج، أو خاتم ذهب؟ ما له علاقة بالصلاة.
طالب: (فإن قلتَ: عقد الباب الأول بغير أجر، والثاني بأجر، والثالث بالسمسرة، وجاء في الكل بحديث «لا يبيع حاضر لباد»؟
قلتُ: أراد أن الأحكام كلها تستفاد منه. فإن قلتَ: لمَ خصص كل باب بإسناد؟ قلتُ: أراد تكثير الطرق للتقوية والتأكيد، أو أن الشيخ الأول ذكر الحديث في إثبات الحكم الأول والثاني في الثاني وهكذا، فأراد أن يسند كل حكم إلى رواية ذلك الشيخ الذي استدل به عليه، والله أعلم).
العادة عند البخاري -رحمه الله- أنه يكرر الحديث الواحد في مواضع بحسب ما يستنبط منها من أحكام، ولكنه لا يكرر الحديث بإسناده ومتنه على صيغة رواياته، يكرر الحديث أحيانًا في عشرين موضعًا، لكن لا تطابق هذه المواضع، لا بد أن يحصل تغيير في السند أو في صيغ الأداء أو في المتن، تقديم أو تأخير، زيادة أو نقص، بتغيير راوٍ، يرويه من طرق متعددة لا يسوقه بإسناد واحد. ويندر أن يكرر الحديث بإسناده ومتنه في موضعين، حصل منه في نحو عشرين موضعًا من سبعة آلاف وخمسمائة، في نحو عشرين موضعًا كرر الحديث بإسناده ومتنه، يعني كرر مرتين، في حديث واحد كرر ثلاث مرات، لكنها كلها عشرون موضعًا، لكن هذا نادر جدًّا.
طالب: "بَابُ النَّهْيِ عَنْ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ، وَأَنَّ بَيْعَهُ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ عَاصٍ آثِمٌ إِذَا كَانَ بِهِ عَالِمًا، وَهُوَ خِدَاعٌ فِي البَيْعِ، وَالخِدَاعُ لاَ يَجُوزُ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ، قال: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ العُمَرِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- عَنِ التَّلَقِّي، وَأَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ».
حَدَّثَنِي عَيَّاشُ بْنُ الوَلِيدِ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، قال: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: مَا مَعْنَى قَوْلِهِ «لاَ يَبِيعَنَّ حَاضِرٌ لِبَادٍ»؟ فَقَالَ: لاَ يَكُنْ لَهُ سِمْسَارًا.
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قال: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ: «مَنِ اشْتَرَى مُحَفَّلَةً فَلْيَرُدَّ مَعَهَا صَاعًا»، قَالَ: «وَنَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- عَنْ تَلَقِّي البُيُوعِ».
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قال: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، قَالَ: «لاَ يَبِيعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَلاَ تَلَقَّوُا السِّلَعَ حَتَّى يُهْبَطَ بِهَا إِلَى السُّوقِ»".
يقول -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: "بَابُ النَّهْيِ عَنْ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ، وَأَنَّ بَيْعَهُ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّهُ عَاصٍ"، كونه عاصيًا وآثمًا، هذا متفق عليه، لكن هل يلزم منه بطلان العقد أو لا؟ هذا محل الخلاف. الجمهور في مثل هذا أنه لا يلزم منه بطلان العقد، وأن العقد صحيح؛ لأن النهي لأمر خارج، وذهب الظاهرية وكأن البخاري يوافقهم في هذا أن البيع مردود؛ لأنه غير صحيح، ورواية عن أحمد -رحمه الله-.
"لِأَنَّ صَاحِبَهُ عَاصٍ آثِمٌ إِذَا كَانَ بِهِ عَالِمًا" عارف بالنهي عالم بالنهي، وبلغه النهي عن النبي- عليه الصلاة والسلام-، قال: "وَهُوَ خِدَاعٌ فِي البَيْعِ، وَالخِدَاعُ لاَ يَجُوزُ" إذا تلقاه ليشتري منه خداع، ما تلقاه إلا ليشتري منه بأقل من قيمته.
قال: "حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ" الملقب ببندار، "قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ" ابن عبد المجيد الثقفي، "قال: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ العُمَرِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ" وهو المقبري، "عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- عَنِ التَّلَقِّي، وَأَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ»".
ثم قال: "حَدَّثَنِي عَيَّاشُ بْنُ الوَلِيدِ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، قال: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: مَا مَعْنَى قَوْلِهِ «لاَ يَبِيعَنَّ حَاضِرٌ لِبَادٍ»؟ فَقَالَ: لاَ يَكُنْ لَهُ سِمْسَارًا".
كما تقدم.
ثم قال: "حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ" وهو ابن مسرهد، مر مرارًا، "قال: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ" وهو النهدي عبد الرحمن بن مل، "عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ: «مَنِ اشْتَرَى مُحَفَّلَةً»" يعني مصراة، وتقدم الكلام فيه، "«فَلْيَرُدَّ مَعَهَا صَاعًا»، قَالَ: «وَنَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- عَنْ تَلَقِّي البُيُوعِ»".
قال: "حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ" وهو التنيسي، "قال: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ" وهو الإمام نجم السنن، "عَنْ نَافِعٍ" مولى بن عمر، "عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ" وهذا أصح الأسانيد عند الإمام البخاري "-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، قَالَ: «لاَ يَبِيعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَلاَ تَلَقَّوُا السِّلَعَ حَتَّى يُهْبَطَ بِهَا إِلَى السُّوقِ»"، يعني حتى تصل إلى السوق، وكل هذا تقدم.
طالب: ("باب النهي عن تلقي الركبان" أي النهي عن استقبال الركبان لابتلاع ما يحملونه إلى البلد قبل أن يقدموا الأسواق.
قوله: "لأن صاحبه" فإن قلتَ: كون صاحب الفعل عاصيًا لا يوجب رد البيع كما في المحتكر، فإن فعله معصية، وبيعه صحيح؟
قلتُ: لعل مذهب البخاري أن جميع البيوع المنهية مردود، قال بعض الأصوليين: جميع النواهي موجب للفساد سواء كان راجعًّا إلى نفس العقد أو أمر داخل فيه أو خارج لازمًا له أو مفارقًا عنه. قوله: "إذا كان عالمًا" أي بأنه منهي عنه، وهذا العلم هو شرط لكل ما نهي عنه حتى يعصي فاعله).
ولا يعصي إلا إذا علم بالنهي، أما إن كان جاهلاً فهو معذور بجهله.
طالب: (قوله: "محمد بن بشار" بفتح الموحدة العُمَري منسوب إلى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، "وعياش" بشدة التحتانية وبالمعجمة، و"يزيد" من الزيادة "ابن زريع" مصغر الزرع أي الحرث، و"التيمي" بفتح الفوقانية هو سليمان، و"أبو عثمان" هو عبد الرحمن النهدي.
قوله: "على بيع" عُدي بعلى؛ لأنه ضُمن معنى الاستعلاء والغلبة، و"السلع" جمع السلعة وهي المتاع.
قال الخطابي: نهي بيع الحاضر نهي كراهة، فإن فيه قطع مرافق الناس، وأما نهي التلقي فالغش فيه مأمون والغبن غير مرفوع).
بابٌ.
طالب: أحسن الله إليك، "بَابُ مُنْتَهَى التَّلَقِّي.
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قال: حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ: «كُنَّا نَتَلَقَّى الرُّكْبَانَ، فَنَشْتَرِي مِنْهُمُ الطَّعَامَ فَنَهَانَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- أَنْ نَبِيعَهُ حَتَّى يُبْلَغَ بِهِ سُوقُ الطَّعَامِ»، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: هَذَا فِي أَعْلَى السُّوقِ، يُبَيِّنُهُ حَدِيثُ عُبَيْدِ اللَّهِ. حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ: «كَانُوا يَبْتَاعُونَ الطَّعَامَ فِي أَعْلَى السُّوقِ، فَيَبِيعُونَهُ فِي مَكَانِهِمْ، فَنَهَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- أَنْ يَبِيعُوهُ فِي مَكَانِهِ حَتَّى يَنْقُلُوهُ»".
قال -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: "بَابُ مُنْتَهَى التَّلَقِّي" يعني إلى أي مدى تتلقاه خارج البلد أو داخل البلد قبل أن يصل إلى السوق، ولو كان قريبًا من السوق، أين ينتهي التلقي؟ أين منتهى التلقي؟
قال -رحمه الله-: "حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قال: حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ" وهو ابن أسماء، واسمه واسم أبيه من الأسماء المشتركة، "عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-" عنهما، وهو قال: رضي الله عنه؛ لأنه ما ذكر عمر، قال: عن عبد الله -رضي الله عنه-، "قَالَ: «كُنَّا نَتَلَقَّى الرُّكْبَانَ، فَنَشْتَرِي مِنْهُمُ الطَّعَامَ فَنَهَانَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- أَنْ نَبِيعَهُ حَتَّى يُبْلَغَ بِهِ سُوقُ الطَّعَامِ».
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: هَذَا فِي أَعْلَى السُّوقِ، يُبَيِّنُهُ حَدِيثُ عُبَيْدِ اللَّهِ" يعني الذي بعده، وهو قوله: "حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ: «كَانُوا يَبْتَاعُونَ الطَّعَامَ فِي أَعْلَى السُّوقِ»"، لكنه في السوق، "«فَيَبِيعُونَهُ فِي مَكَانِهِمْ»" بحيث لا ينقلونه في المكان ولا يحوزونه، "«فَنَهَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- أَنْ يَبِيعُوهُ فِي مَكَانِهِ حَتَّى يَنْقُلُوهُ»" وأنه لا يجوز بيعه في مكانه، «نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-» كما تقدم «أن يبتاع الطعام حتى يحوزه التجار إلى رحالهم»، وفي بعض الأحاديث: «أن تبتاع السلع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم».
ما يباع في مكانه، لا بد من الحيازة والنقل، وهذا من تمام القبض، وتقدم أنهم كانوا يُضربون على ذلك.
يعني التساهل والتراخي في القبض يُضربون عليه، والآن يوجد من يفتي بأن القبض أمر اعتباري لا حقيقة له واقعية، وإنما هو كناية عن انتقال السلعة إلى المشتري، وهذا كلام ليس بصحيح، الكلام هذا ما أُلقي على عجم، أُلقي على عرب يفهمون، وكانوا يُضربون عليه إذا لم ينقلوه، ثم يأتي من يفتي بأنه اعتباري، ولذلك يجوزون السلع على بُعد آلاف الأميال، ولا يدرى ما هذه السلع، يتبايعون خشبًا في البرازيل أو حديدًا في اليابان ولا تقبض، ولا يدرى كم، كلام فاضٍ، ثم بعد ذلك يقال: بعناها لك، خذ قيمتها، والله المستعان.
«أن يبيعوه في مكانه حتى ينقلوه» يعني من تمام القبض أن ينقل عن مكانه، وهو في الطعام أشد؛ لأن النص فيه خاص، وعموم «أن تبتاع السلع» يشمل بقية السلع، وتقدم في هذا الدرس أنهم كانوا يُضربون على ذلك، يعني إن تساهل في القبض يُضرب، في البخاري، فأين هذا من معاملات الآن، انظروا إلى السلع في الأسواق كيف تباع، والله المستعان.
اقرأ.
طالب: ("باب منتهى التلقي" أي منتهى جواز التلقي وهو إلى أعلى سوق البلد، وأما التلقي المحرم فهو ما كان إلى خارج البلد.
قوله: "جويرية" بضم الجيم هو من أسماء الأعلام المشتركة بين الذكور والإناث، مر في باب الغسل، فإن قلتَ: ما وجه دلالة الحديث على الترجمة؟ قلتُ: من جهة أنه لم يذكر منع النبي -صلى الله عليه وسلم- لهم إلا عن بيعهم في مكانه فعُلم أن مثل ذلك التلقي كان غير منهي مقررًا على حاله.
قال البخاري: هذا التلقي المذكور في حديث جويرية كان إلى أعلى السوق يثبته حديث عبد الله العُمَري الذي بعده حيث قال).
أو عبيد الله؟
طالب: نعم؟
عبيد الله.
طالب: نعم، نص البخاري: حديث عبيد الله.
نعم؛ لأن عبد الله ليس من شرط البخاري، المكبر ليس من شرطه.
طالب: نعم.
طالب: (قال: «كانوا يتبايعون الطعام في يبتاعون الطعام في أعلى السوق» ففهم منه أن التلقي إلى خارج البلد هو المنهي عنه لا غير. قوله: «حتى ينقلوه» الغرض منه حتى يقبضوه؛ لأن العرف في قبض المنقول أن يُنقل عن مكانه، وفيه أن البيع قبل القبض غير صحيح).
قف على هذا.
اللهم صل على محمد.