كتاب بدء الوحي (098)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا يقول: ذكرتم في الدرس السابق كتاب الخطيب البغدادي، ورجعت إلى كتابٍ بعنوان (الأسماء المبهمة في الأنباء المُحكمة) فلم أجد مقدمة، فهل هذا هو الكتاب؟
أنا ما قلت: (الأسماء المبهمة في الأنباء المُحكمة) هذا كتاب يختلف تمامًا عن الكتاب الذي أشرنا إليه (مُوضِح أوهام الجمع والتفريق)؛ لأنه احتاج أن يكتب هذه المقدمة التي أبان فيها عن تواضعٍ جم، واعترافًا لأهل العلم، وبيَّن ما ينبغي أن يكون عليه طالب العلم بالنسبة للعلماء؛ لأنه بصدد انتقاد أئمة كبار حينما يذكر قول البخاري في الراوي: إنه واحد للاشتباه في اسمه واسم أبيه ونسبته وكنيته أحيانًا، فيجعلهما البخاري واحدًا، وهما في الحقيقة اثنان، يُحرر ويُحقق الخطيب البغدادي أنهما اثنان، والعكس هو بصدد تتبع الأئمة البخاري، وأبي حاتم وغيرهما من كبار الأئمة.
هو احتاج أن يُبين في هذه المقدمة أن هذا ليس من باب انتقاد الأئمة، وإنما هو من باب كم ترك الأول للآخر، وقد يتيسر للآخر من المصادر ما يصل به إلى ما لم يصل إليه الأول، وقد يكون الحق مع المتأخر، وقد يكون الحق مع المتقدم هذه مسائل اجتهادية، يعني يوافق بعض أهل العلم ويُخالف بعضًا، فهو يُوافق البخاري أحيانًا، ويرد على أبي حاتم، ويُوافق أبا حاتم، وينتقد البخاري، وهكذا، فاحتاج أن يُبين منزلة هؤلاء الأئمة، وأنه مع تصديه لأقوالهم أنه لا يعني أنه يتطاول عليهم، أو يترفع عليهم، أو يضع نفسه بمصافهم، لا، فمقدمة الكتاب (مُوضح أوهام الجمع والتفريق) على كل طالب علم أن يُعنى بها ويقرأها؛ لأن فيها تربية لطلاب العلم.
الآن طالب العلم الصغير الذي هو متوسط في الطلب، وقد يكون مبتدئًا، تجده إذا سمع كلمةً من فلان، وسمع ما يُخالفها من فلان، وهو ميله إلى أحدهما تجده يُشنع على الآخر تشنيعًا وهو ما له علاقة بالعلم، إنما قلد واحدًا من الاثنين، فكيف لو حرر وتوصل إلى النتائج بنفسه؟ والله المستعان.
يقول: مر بنا في الدرس السابق في قول الحافظ عند ذكر هرقل: "واختلف الإخباريون هل هو الذي حاربه المسلمون في زمن أبي بكرٍ وعمر أو ابنه؟ والأظهر أنه هو"، وذكرتم تعقب العيني، وقد رجعت إلى تاريخ ابن خلدون، فاعتمد القول الذي رجَّحه الحافظ ابن حجر، وذكره عن مؤرخين رومانيين، واختلفوا في زمن توليه، فقيل: في السنة الأولى من الهجرة، وقيل: التاسعة.
التاسعة والخطاب في الهدنة السادسة.
وقيل: التاسعة، واستمر ملكه ثلاثين سنة، ثم نقل ابن خلدون بعد أن ذكر هذا القول القول الثاني نقلاً عن المسعودي، فقول الحافظ له وجهه واعتباره التاريخي.
نحن لما نقلنا القولين ما جزمنا بشيء، إنما ذكرنا القول الذي ذكره الحافظ، وقلنا: إنه هو الأصل إذا لم يرد ما يُعارضه؛ لأنه يُذكر باسمه هرقل في المعارك في زمن عمر –رضي الله عنه– قال: هرقل، فالأصل أنه هو الأول إلا إذا ورد بالأدلة والقرائن التي تدل على خلاف ذلك، وعلى كل حال عرضنا القولين وما رجحنا شيئًا، وما يزال أيضًا تقليد ابن خلدون في ترجيح رأي ابن حجر هو قول من الأقوال، والمسعودي أرى له شأنًا عن المؤرخين وإلا لم يكن ثقة، له شأن عند المؤرخين، يُعظمونه، لكنه ليس بثقة.
طالب:........
نعم.
طالب:........
هو فيه تشيع شديد.
طالب:........
لا يُظن بالمسعودي أنه حفيد عبد الله بن مسعود، لا، إنما هو صاحب (مروج الذهب) من نظر في مقدمته وخاتمته، حيث حرَّج من اقتبس من الكتاب أو اختصر الكتب أو تصرف في الكتاب أو نسب شيئًا من الكتاب لغيره فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، ذكر هذا في المقدمة وفي الخاتمة، فالإنسان حينما ينقل من شيء يكون على وجل من هذه اللعنة.
طالب:........
نعم.
طالب:........
ينقلونها وليس له الحق في المنع، ليس له حق في أن يمنع.
يقول: سمعتكم كذا مرة وأنتم تؤكدون أن التسبيح باليمين هو السُّنَّة، وقرأت في كتاب (لا جديد في الصلاة) للشيخ/ بكر أبي زيد أن الحديث شاذ، فما الحق في نظركم؟
الحديث مُخرَّج في سُنن أبي داود، كان يعقد التسبيح بيمينه، وفيه محمد بن قدامة، وهو فيه ضعف عند أهل العلم، لكن الأصل في التسبيح بالأنامل هو أنهن مستنطقات وأولى من الحصى، كما أرشد النبي -عليه الصلاة والسلام- أم المؤمنين، وهي أيضًا أولى من السُّبحة التي قال بعض أهل العلم ببدعيتها.
على كل حال التسبيح بالأنامل هو الأصل، ويبقى هل يُسبح بالأنامل كلها أو باليمين؟ يعني القواعد العامة من الشريعة أنها هذا العمل من الأعمال التي تؤدى باليمين، يُعجبه التيمن –عليه الصلاة والسلام-، يُعجبه التيمن لاسيما في مثل هذا.
طالب:........
نعم.
طالب:........
والله في ذكر تواريخ الأئمة الثقات ما يُغني عنه، يعني تاريخ الحافظ ابن كثير ممتاز، وقبله الإمام ابن جرير؛ لأنه متقدم إلى أول المائة الرابعة، يحتاج إلى مزيد من تاريخ ابن كثير، وصياغة ابن الأثير في الكامل للأحداث أفضل من غيره، ابن الأثير يسوغ الأحداث أفضل من ابن كثير، لكن ابن كثير ميزته تراجم أهل العلم، وذكر النوادر عنهم، والوقائع التي تقع بين أهل السُّنَّة وغيرهم يُعنى بها ويُبينها ويُوضحها.
هذا يقول: هذا كتاب هرقل، هذه صورته، يقول: هذه صورة رسالة النبي –صلى الله عليه وسلم- إلى هرقل، وأصل هذه الرسالة موجودٌ في متحف بالأردن، وبلغني أن الأصل أُرسل إلى ألمانيا؛ ليُتحقق من صحة رجوعه إلى العهد المدني، فصححوا ذلك، وأُعيد الأصل إلى الأردن.
كيف يُصحح عند الألمان؟! ما فيه شك أن الألمان عندهم علماء من المستشرقين، ولهم عناية بالوثائق، وهم مشهورون بهذا، لكن يبقى أن أمور المسلمين ينبغي أن تُحسم من المسلمين، ولا نحتاج إلى مثل هؤلاء، الأجهزة التي يعرفون فيها عمر الورقة، لكن والله الإنسان في شك من مثل هذه الأمور التي يُميز بها بين الجمادات في التواريخ، يعني يجيئوا لك بحصاتين بجانب بعض، هذه لها عشرة ملايين سنة، وهذه لها خمسون، أمور لا ندركها ولا نعرفها، ولا نتحدث فيها، لكن ما أدري مستندهم في هذا.
يقول: ظهر في السطح أناسٌ.
يعني يقصد في الساحة على تعبير الصحفيين.
أناسٌ يقولون: بأنه يجوز إرضاع الكبير لأمر السائقين أو أحد العمال يتسنى له مطالعة وجهها، وقال بعضهم: إن هذه المسألة لها أصلٌ في صحيح مسلم، فما صحة هذا الكلام؟
هذه قصة سالم مولى أبي حذيفة لمَّا احتاجوا إليه، احتيج إليه، وهذه حاجة، أمر النبي –عليه الصلاة والسلام- أن زوجة أبي حذيفة ترضعه؛ من أجل أن يكون من محارمها ابنها من الرضاعة، فالجمهور على أن هذه الحادثة خاصة، وأنه لا رضاع إلا في الحولين، وله من الأدلة ما له.
وعائشة تقول: بأن رضاع الكبير يُحرِّم مطلقًا، وشيخ الإسلام –رحمه الله تعالى- يقول: بأن رضاع الكبير يُحرِّم إذا وُجِدت الحاجة، وأما إذا لم توجد حاجة فالأصل أنه لا يُحرِّم، والتلاعب الموجود الآن بالفتاوى بحيث يأمر الموظف أن يرتضع من العاملة عنده التي يسمونها السكرتيرة يرتضع منها؛ ليكون مَحرمًا لها على قول من يقول بجواز رضاع الكبير، ثم إذا أعجبته يعمل بقول جمهور أهل العلم ويُلغي هذا الرضاع، هذا تلاعب في دين الله، نسأل الله العافية.
طالب:........
نعم.
طالب:........
كيف؟
طالب:........
هو ارتضع.
طالب:........
الحاجة داعية، الحاجة بلا شك داعية.
يقول: حديث النبي –صلى الله عليه وسلم- حينما مر على قبرين يُعذبان فقال: «إن أحدهما لا يستتر من البول»، فما هو مفهوم الاستتار؟
أي لا يجعل وقاية بين جسده وبوله وثيابه، أن يتساهل في هذا ويجعل رشاش البول يصل إلى جسده أو إلى ثيابه، وفي روايةٍ «لا يستبرئ»، وفي روايةٍ «لا يستنزه»، المقصود أنه يتساهل في هذا الباب.
يقول: هل يجوز وضع الإعلانات التجارية في المساجد، فإني رأيت على خزانة الكتب- يقصد هذه الورقة الصفراء- التي في المسجد ملصقًا تجاريًّا؟
هذه الإعلانات قد تكون مقصودة، والذي يُلصقها صاحب التجارة، صاحب الإعلان، هذا أشد من إنشاد الضالة؛ لأن إنشاد الضالة كلمة وتزول، لكن هذا يستمر، لكن إذا كانت هذه الدعاية ليست مقصودة للملصِق، وتجدون في إعلانات الدروس والدورات اسم الخطاط وتوقيعه وتليفونه، هذا ليس بمقصود، تجدون في أكواب الماء نفس الشيء، تجدون في المناديل نفس الشيء، المكيفات نفس الشيء هذه دعايات، لكن هل الذي جاء بهذا المكيف، ووضعه هنا يقصد الدعاية لهذه التجارة أو يدعو لها؟ أبدًا هذا ليس بمقصود، فلا يُعامل معاملة إنشاد الضالة.
هذه أخت وتقول: إنها تعمل في الدعوة إلى الله بين صفوف النساء، فما حكم تسجيل هذه المحاضرات الدعوية، ومن ثَم إنزالها في المواقع الدعوية على الإنترنت، وفي التسجيلات الإسلامية رجاء النفع بها؟
هذا تابع لصوت المرأة، مسألة الخضوع بالقول أو من في صوتها فتنة للرجال، ولو لم يكن ثَم خضوع؛ لأن بعض النساء خِلقة تفتن في صوتها، هذه لا يجوز اتفاقًا أن يُنشر صوتها بين الرجال، أما مَن صوتها الطبيعي لا يفتن الرجال، ولم تخضع بالقول، فهذا على القول بأن صوتها ليس بعورة وهو المنصور المُفتى به الآن عند كثيرٍ من أهل العلم أنا ما أرى فيه بأس، لكن من يقول: بأن صوتها عورة، ومُنعت من الأذان، ومُنعت من الإقامة، ومُنعت من رفع الصوت بالتلبية، ومُنعت من أشياء كثيرة، وعُدل عن التسبيح إلى التصفيق في الصلاة مع أنه فيه ما فيه، كل هذه تدل على أن صوت المرأة يجب أن يُحتاط له؛ لأن جميع ما يتعلق بالمرأة مثير لكثيرٍ من الرجال لاسيما مَن في قلبه مرض، وما أكثرهم.
يقول: هل منهج أهل السُّنَّة كلٌّ لا يتجزأ بحيث لو ارتكب أحدٌ شيئًا يُخالف منهج السُّنَّة يخرج من أهل السُّنَّة؟
أما ما اتفق عليه أهل السُّنَّة في المسائل الاعتقادية في مسائل الاعتقاد فهذه لا يجوز الخروج عنها بحال، ولا اجتهاد فيها، وأما المسائل التي يختلف فيها أهل العلم من سلف هذه الأمة وأئمتها فلو كان من مسائل الاعتقاد، فمن ترجَّح عنده أحد القولين، فالأمر فيه شيءٍ من السعة لاسيما إذا كان الخلاف له حظٌّ من النظر، في المسائل الخلافية، ومنهج أهل السُّنَّة واضح ومُبين، وفيه مصنفاته ومؤلفاته، لكن لنفترض أن هذا العالم على الجادة في الجملة مثل منذر بن سعيد البلوطي محسوب على أهل السُّنَّة، لكنه يقول بقول المعتزلة في فناء الجنة والنار، هذا ماذا يُقال عنه؟ يُقال: من أهل السُّنَّة، وفيه اعتزال.
طالب:........
نعم.
طالب:........
فيه اعتزال. على كل حال هذا مثل فيه جاهلية، فيه نفاق، فيه كذا، يُوجد من وافق المبتدعة في شيء، وأصله من أهل السُّنَّة مثل هذا لا يُقال: إنه مبتدع أو من الطائفة الفلانية بمجرد أنه وافقهم.
طالب:........
نعم.
طالب:........
المقصود أنه وافقهم في القول، يعني مؤداه وإن كانت وسيلته في الاستدلال لهذا القول غير وسيلتهم.
يقول: وجدت كتبًا في الأربعين حديثًا مثل الأربعين النووية، والأربعين البلدانية، والأربعين التي جمعها ابن تيمية –رحمهم الله- فهل فعلهم لاستنادهم على حديث «من جمع الأمة لأمتي أربعين حديثًا» أو كما جاء في الحديث، والحديث في سنده مقال؟
الحديث ضعيفٌ باتفاق الحُفاظ، ومُعولهم عليه، والنووي لمَّا ذكر في مقدمة الأربعين أنه جمع هذه الأربعين؛ لِما روي من هذا الحديث علَّه أن يثبت فيثبت الوعد، وإن لم يثبت فالحديث في فضائل الأعمال، ويعمل به الجمهور، ونقل القول على الاتفاق، وقوله منقوص؛ لوجود المُخالف كما هو معلوم.
هل الانصراف من الصلاة بعد السلام يكون من ناحية اليمين أو من ناحية اليسار- لعل هذا يقصد الإمام-؛ لأني سمعت بالإذاعة حديثًا فهمت منه أن الانصراف لا يجوز إلا من جهة....؟
لا، الحديث الوارد في ذلك يحث على عدم تعطيل جهة اليسار؛ لأن الناس غالبًا ما ينصرفون إلى جهة اليمين، فيكون نصيب من في يمين الصف أكثر، يتفردون بهذا النصيب، فجاء الحث على الانصراف من جهة اليسار؛ من أجل أن يكون لأهل جهة اليسار نصيب.
يقول: عندي ولدان متزوجان، وعندهم أولادهم يسكنون عندي في البيت، ولكنهم أكثر الأوقات لا يشهدون صلاة الفجر، والله العظيم إنني أُفكر في ترك البيت لهم، فهل عليّ إثمٌ إن استمروا على هذه الحالة رغم أنهم يلعبون فيما أملك، ولكن هذا ما يهمني أهم شيء عندي الصلاة، وعندي ولدٌ آخر عمره ثمان وعشرون سنة، وقد أتعبني عندما أُيقظته للصلاة، وهل إذا أيقظته مرة أو مرتين ولم يقم للصلاة فهل علي شيءٌ بعد هذا؟ أرجو جوابًا واضحًا؛ لأنني أفكر في شيءٍ، وقد يكون هذا الشيء يُفكك الأسرة إذا تركت البيت، وأنا رجلٌ كبير في السن.
على كل حال أنت في جهاد، وعليك أن تُتابع وتُثابر وتواصل الإيقاظ، لكن بعض الآباء قد يكون عنده مرض فيه ضغط مثلاً، وإيقاظ الأولاد يكون خطرًا عليه، هذه قضية موجودة في كثيرٍ من البيوت، يعني الغيرة على الأولاد والحرص على استقامتهم يجعل الوالد يهتم لهذا الموضوع، وهو محل اهتمام بلا شك، لكن له مردوده على صحته، فماذا يصنع؟ هذه مسألة مُقلقة، هل يتركهم في فُرُشِهم ويكتفي بأن يقول: قم يا فلان، قم يا فلان، ويكون معذورًا عند الله –جلَّ وعلا- أو يقول: والله ماداموا كبارًا ومتزوجين فإثمهم عليهم، لا يسكنون عندي إذا كان على صحتي خطر منهم، وإيقاظهم فيه صعوبة، هذه مشكلة يُعاني منها كثيرٌ من الآباء من الكبار والصغار، يُعاني منها كثير من الآباء، وقد يكون في بعضهم مرض إذا كرر أو رفع صوته، أو ما استجابوا له بسرعة، يعني خطر عليه، والسِّن إذا زاد عن الخمسين أو الستين يكون عُرضة لأن يُصاب بأمور لا يُطيقها من المرض هذه الجلطات وغيرها، وما سببها إلا هذه المشاكل، فهل يُعذر في إيقاظهم؟ الإيقاظ لابد منه، لكن عليه أن يُسدد ويُقارب إذا أجدى وإلا ماداموا أهل أُسر وعوائل يهددهم يقول: والله أنا ما عندي استعداد تسكنون عندي، أنا ديني وصحتي ألزم علي منكم، والله المستعان.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
هذا الحديث خرَّجه الإمام البخاري في اثني عشر موضعًا:
الأول: في بدء الوحي في الباب السادس وبدون ترجمة، قال –رحمه الله-: "حدَّثنا أبو اليمان الحكم بن نافعٍ، قال: أخبرنا شعيبٌ عن الزهري، قال: أخبرني عُبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن عبد الله بن عباسٍ أخبره أن أبا سفيان بن حربٍ أخبره أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش، وكانوا تجارًا بالشام" الحديثَ بطوله، الحديث نص على أنه مفتوح، نعم يعني أكمِل الحديثَ أو اقرأ الحديثَ بطوله، وسبق ذكر مناسبته وشرحه بالتفصيل.
الموضع الثاني: في كتاب الإيمان، بابٌ بدون ترجمة أيضًا، قال –رحمه الله-: "حدَّثنا إبراهيم بن حمزة، قال: حدَّثنا إبراهيم بن سعد، عن صالحٍ، عن ابن شهابٍ عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن عبد الله بن مسعودٍ –رضي الله عنهما- أخبره، قال: أخبرني أبو سفيان أن هرقل قال له: سألتك هل يزيدون أم ينقصون؟" والذي عندنا هنا "سألتك أيزيدون أم ينقصون؟" بالهمز، والذي في كتاب الإيمان "سألتك هل يزيدون؟" معروفٌ أن (أم) إنما تأتي بعد الهمزة، ولا تأتي بعد هل، والخبر واحد، فهل نقول: إن هذا من تصرف الرواة والأصل "أيزيدون؟" كما في هذا الموضع في الموضع الأول، قال: "وسألتك: أيزيدون أم ينقصون؟ فذكرت أنهم يزيدون" في كتاب الإيمان، قال له: "سألتك هل يزيدون أم ينقصون؟"
وأم بها اعطف إثر همز التسوية |
| أو همزةٍ عن لفظ أي مُغنيه |
ما تأتي بعد هل، والذي يكثر في أسئلة المدرسين من الأساتذة الكبار والصغار تجده يأتي بـ هل هل يجوز كذا أم لا، ومعروفٌ أن (أم) هذه لا تأتي إلا بعد الهمزة.
في حديث جابر –رضي الله عنه- «هل تزوجت بكرًا أم ثيبًا؟» في الصحيح، فهذا يرد على قاعدتين، يعني ما عندنا في كتاب الإيمان يُرد إلى ما في بدء الوحي، ونقول: القصة واحدة، وهذا من تصرف الرواة، أو نقول: إن الإتيان بـ (أم) بعد هل جائز استدلالاً بما جاء في هذا الحديث، وفي حديث جابر على الخلاف المعروف في الاحتجاج بالأحاديث على القواعد، وهذا أشرنا إليه مرارًا، وقلنا: إن أفضل من بحث المسألة هي فيها بحث مستقل، رسالة دكتوراه في العراق، ومطبوعة ومتداولة موجودة في الأسواق، لكن في مقدمة الخزانة (خزانة الأدب) بحث مستفيض عن هذه المسألة وجيد، فالمسألة الخلافية هل يجوز الاحتجاج بالحديث؟ القرآن محل إجماع؛ لأنه لابد من أدائه بلفظه، الحديث باعتبار جواز الرواية بالمعنى اختلف العلماء هل يُقضى على القواعد بالأحاديث أو العكس؟
منهم من قال: الرواة كلهم لاسيما رواة الكتب الستة عدا الأئمة وشيوخهم في عصر الاحتجاج نعم فيهم من هم من الأعاجم، بل كثير، وهذا يجعل كثيرًا من المُحققين يُرجِّح عدم الاحتجاج.
هناك وقائع وحوادث حصل فيها لحن في القرن الأول مع أنهم يكادون أن يتفقوا على الاحتجاج إلى زمن بشار، فهل هذا خاصٌّ بالشعر؛ لأنه هو الذي يُهتم به ويُعتنى به، أو في سائر الكلام شعرًا كان أو نثرًا؟ الواقع يشهد بأن اللحن موجود من أواخر القرن الأول موجود، ويذكرون قصصًا، ما أدري هل حُرِرت وحُقِقت أم لا؟ الوليد بن عبد الملك على المنبر يقول: يا ليتها كانت القاضية، فقال: عمر بن عبد العزيز يا ليتها، ما أدري يُصحح أم يتمنى؟
على كل حال الذي معنا سهل الجواب عنه أن هذا من تصرف الرواة، والأصل ما في بدء الوحي؛ لأنه قال -وسيأتي في كلام العيني شيء من هذا الكلام-: "سألتك هل يزيدون أم ينقصون؟ فزعمت أنهم يزيدون، وكذلك الإيمان حتى يتم، وسألتك هل يرتد أحدٌ سخطةً لدينه بعد أن يدخل فيه؟ فزعمت أن لا، وكذلك الإيمان حينما تخالط بشاشته القلوب لا يسخطه أحد"، اكتفي الإمام البخاري على هذا القدر.
قال ابن حجر: قوله: "بابٌ" كذا وبلا ترجمة "بابٌ" يعني بدون ترجمة، في رواية كريمة وأبي الوقت، وسقط من رواية أبي ذر والأصيلي وغيرهما، ورجَّح النووي الأول"، يعني أنه فيه باب لكن بدون ترجمة؛ لأن البخاري أورد هذا الحديث في كتاب الإيمان في بابٍ بلا ترجمة بعد سؤال جبريل النبي –عليه الصلاة والسلام-، فهل هناك ارتباط بين هذا الحديث وبين سؤال جبريل النبي –عليه الصلاة والسلام- ليُحذف الباب ليكون في بابٍ واحد، أو لابد من تمييزه باب؛ لأن له هناك ارتباطًا واضحًا؟
طالب:........
نعم.
طالب:........
هو لابد أن يوجد ارتباط؛ لأن باب كالفصل من الباب المترجم، فلابد فيه من ارتباط ولو بعيد، أما لو قلنا: إنه من الترجمة السابقة لابد أن تكون المناسبة ظاهرة.
قوله: بابٌ كذا بلا ترجمة، في رواية كريمة وأبي الوقت، وسقط من رواية أبي ذر والأصيلي وغيرهما، ورجَّح النووي الأول، قال: لأن الترجمة يعني سؤال جبريل عن الإيمان لا يتعلق به هذا الحديث، فلا يصح إدخاله فيه، يعني لابد من إفراده بترجمة؛ لأن الترجمة يعني سؤال جبريل عن الإيمان لا يتعلق بهذا الحديث، فلا يصح إدخاله فيه، قلت –ابن حجر-: نفي التعلق لا يتم هنا على الحالتين سواءٌ قلنا: إنه تابع للترجمة السابقة أو باب بدون ترجمة، فيكون كالفصل من الترجمة السابقة؛ لأن الفصل لابد أن يكون متعلقًا بالباب الذي قبله؛ لأنه منه.
يقول ابن حجر: قلت: نفي التعلق لا يتم هنا على الحالتين؛ لأنه إن ثبت لفظ باب بلا ترجمة هو بمنزلة الفصل من الباب الذي قبله، فلابد له من تعلق به، وإن لم يثبت فتعلقه به متعين، لكنه يتعلق بقوله في الترجمة: "جعل ذلك كله دينًا" عندما انتهى جبريل قال النبي –عليه الصلاة والسلام- بعد ذلك: «هذا جبريل آتاكم يُعلمكم دينكم»، فجعل الإسلام دينًا، وجعل الإيمان دينًا، وجعل الإحسان دينًا، فجعل ذلك كله دينًا، وهنا في الباب وكذلك الإيمان حتى يتم.
"هل يرتد أحدهم سخطةً لدينه بعد أن يدخل فيه، فزعمت أن لا، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب" فالدين أعم من الإيمان، والإيمان جزءٌ منه باعتبار أنه في حديث جبريل جعل الدين الثلاثة، نعم الثلاثة كلها دين، والإيمان واحدٌ منها، فهناك ارتباط، فتعلقه به متعينٌ، لكنه يتعلق بقوله في الترجمة: "جعل ذلك كله دينًا" ووجه التعلق أنه سمى الدين إيمانًا في حديث هرقل، فيتم مراد المؤلف بكون الدين هو الإيمان، فإن قيل: لا حجة فيه؛ لأنه منقولٌ عن هرقل، يعني هل يُحتج بقول هرقل؟
طالب:........
نعم.
طالب:........
نعم.
طالب:........
يعني أخذه من مأثوره ما قاله باجتهاده.
طالب:........
نعم.
طالب:........
ماذا؟
طالب:........
هو مترجم، لكن هل يُمكن أن تترجم الدين بغير الدين، بما يُفيده؟ فإن قيل: لا حجة فيه؛ لأنه منقولٌ عن هرقل، فالجواب أنه ما قاله من قبل اجتهاده، وإنما أخبر به عن استقرائه من كتب الأنبياء كما قررناه فيما مضى، وأيضًا فهرقل قاله بلسانه الرومي، وأبو سفيان عبَّر عنه بلسانه العربي، وألقاه إلى ابن عباس، وهو من علماء اللسان، فرواه عنه ولم ينكره، فدل على أنه صحيحٌ لفظًا ومعنى.
طالب:........
ماذا فيه؟
طالب:........
يعني الترجمان المفترض من شرطه أن يكون ثقة، فإذا كان ثقة فالمفترض أن يُترجم ما يدل على المراد، يُترجم اللفظ بما يدل على المراد، لكن قد يقول قائل: إن هذا المترجم نصراني ليس بمسلم، فهل يُوثق بترجمته؟ نعم يُوثق بترجمته، لماذا؟ لأنه يُترجم كلام رجلٍ عظيم، فلو ترجمه بغير مراده لتعرض لعقوبته، هو الآن ما يُحرِّف للمسلمين، ويضحك على المسلمين، لا، هو يُحرِّف كلام عظيمهم، فلا يُظن به أنه يُحرِّف الترجمة بما لا يدل على مراده، ومن هذه الحيثية يُجزم بمطابقته.
يقول ابن حجر: وقد اقتصر المؤلف من حديث أبي سفيان الطويل الذي تكلمنا عليه في بدء الوحي على هذه القطعة لغرضه هنا، وساقه في كتاب الجهاد تامًّا بهذا الإسناد الذي أورده هنا.
العيني نقل كلام ابن حجر السابق، وقال: قد يُقال إن هذا لم يكن أمرًا شرعيًا، وإنما كان محاورةً، ولا شك أن محاوراتهم كانت على العرف الصحيح المُعتبر الجاري على القولين، فجاز الاستدلال بها، يقول العيني: "وقد يُقال: أن هذا لم يكن أمرًا شرعيًا" يعني هرقل وأبو سفيان هم يتحاورون في قضية شرعية أو مسألة عرفية بينهم؟
يقول: "وقد يُقال: إن هذا لم يكن أمرًا شرعيًّا، وإنما كان محاورةً، ولا شك أن محاوراتهم كانت على العرف الصحيح المُعتبر الجاري على القولين، فجاز الاستدلال بها" ما مراد العيني في هذا الكلام؟ ليُتمم استدلال البخاري أو لينقض استدلال البخاري؟ كلام العيني هو نقل كلام ابن حجر بحروفه، ثم قال: "وقد يُقال: إن هذا لم يكن أمرًا شرعيًّا، وإنما كان محاورةً، ولا شك أن محاوراتهم كانت على العرف الصحيح المُعتبر الجاري على القولين، فجاز الاستدلال بها".
الآن يؤيد كلام إدخال البخاري هذا الحديث أو ينقضه؟ يؤيد، وإن لم يكن شرعيًّا فهو عرفيًّا ماشيًا على العرف الذي اتفق عليه هرقل هو أول من قاله، ثم من تلقاه عنه وهو أبو سفيان، ثم من تلقاه عنه وهو ابن عباس.
فإن قلت: باب يعني بدون ترجمة، كيف يُقرأ؟ هل تقول: بابٌ فصلٌ أو تقول: باب بالتسكين أم ماذا تقول؟
طالب:........
نعم.
طالب:........
نعم.
طالب:........
ماذا؟
طالب:........
هل يجيء باب مبتدأً؟
طالب:........
نكرة.
طالب:........
يصير مثل ما لو تُرجِم، يصير ما فيه فرق، يصير مثل ما لو تُرجِم، عندك باب الإيمان، وقول النبي –صلى الله عليه وسلم- باب خبر لمبتدأ محذوف تقديره هذا باب، هذا من غير ترجمة، كيف يُقرأ، وهل له حظٌّ من الإعراب؟
طالب:........
نعم.
طالب:........
نعم، هم يقولون: مثل هذا ... كلمة مفردة كأنها في عداد التعداد، الآن لو تقول: واحد اثنين ثلاثة أربعة، أنت قل: واحدٌ اثنين ثلاثةٌ، ننظر كلام العيني ماذا يقول، وهل له حظ من الإعراب؟ قلت: "إن قدرت له مبتدأً يكون مرفوعًا على الخبرية والتقدير هذا باب وإلا لا يستحق الإعراب؛ لأن الإعراب لا يكون إلا بعد العقد والتركيب، ويكون مثل الأسماء التي تُعد، وهو هنا بمنزلة قولهم بين الكلام: فصلٌ أو فصلُ أو فصل كذا وكذا، يذكرونه ليفصلوا به بين الكلامين".
ندرك أن القراءة على الشيوخ الكبار القراء وهم طلاب علم، بل بعضهم عنده شيء من العلم يستحق أن يتولى التدريس بنفسه، في السابق نسمعهم يقرؤونها فصلٌ، ويمرون ما معنى يمرون؟ ويمرون القراءة؛ لأنها في كتب المصطلح لمَّا تكلموا على حاء التحويل يقول: تُقرأ حاء ويمُر، ثم إذا كُلِّف طالب يقرأ هذه الجملة عجز يقرأها كيف تُقرأ يعني وما سمع حاء ويمر؟ حاء وحدَّثنا هذه المراد بها حاء وانتقل مباشرة لِما بعدها، لكن رسمها في كتب المصطلح حاء ممدوة وبعدها واو يمر تصعب قراءتها إذا نُظرت بهذا التركيب إلا إنسانٍ عرف المقصود من قبل.
طالب:........
نعم.
طالب:........
والله يقرؤونها فصلٌ بالتنوين والشيوخ ما يُنكرون عليهم ولا يردون عليهم، ولعلها على التقدير أنه يُقدر لها مبتدأ محذوف، وإذا أراد أن يسترسل نوَّن ما في إشكال، لكن سمعنا من يُنون ويقف، وعلى كل حال الخطب سهل.
طالب:........
نعم.
طالب:........
فصلٌ المهم أنه يسكت.
طالب:........
أحيانًا يُوقف الشيخ بركة، وأحيانًا يستأنف، لكن الآن خلاص درج الشباب على فصل، لمَّا كانت القراءة لها نغمة معينة وتجذب الطالب، الآن يهمهم إيضاح الكلام، بوضوح؛ لأنه أحيانًا تكون هذه النغمة وإطراب السامع على حساب الوضوح؛ لأن بعض القراء يُبالغ في نغماته ويطرب السامع، لكن تمر عليه بعض الكلمات التي ما يفهمها، والعبرة بما يفهمه السامع، لكن أيضًا إذا وُجِد من يشجع السامع لا شك أنه مطلوب؛ لأن القراءات ما تمل، اقرؤوا من تفسير ابن كثير بين الأذان والإقامة ساعة ولا فيه أحد ينظر إلى الساعة ويقول: أخرج ولا شيئًا، يجيء ناس من بعيد يتلذذون بالقراءة.
طالب:........
نعم.
طالب:........
نقول: الشيء الذي يُؤثر في السامع ما فيه إشكال، ما فيه إشكال على ألا يُشبَّه بكلام الله، يعني ما يُقرأ على طريقة القراءة للقرآن الكريم من أحكام التجويد، لا يُشبه كلام المخلوق بكلام الخالق، وما عدا ذلك كل ما يُعين على الاستماع والانتفاع مطلوب.
طالب:........
نعم.
طالب:........
هذا.
طالب:........
نعم.
طالب:........
قلت: لو قدرت له مبتدأً يكون مرفوعًا على الخبرية والتقدير هذا بابٌ وإلا لا يستحق الإعراب؛ لأن الإعراب لا يكون إلا بعد العقد والتركيب، ويكون مثل الأسماء التي تُعد، وهو هنا بمنزلة قولهم بين الكلام: فصلٌ كذا وكذا، يذكرونه ليفصلوا به بين الكلامين.
وقال العيني: "لم يضع لهذا ترجمة، وإنما اقتصر من حديث أبي سفيان الطويل على هذه القطعة؛ لتعلق غرضه بها، وساقه في كتاب الجهاد تامًا بهذا الإسناد الذي أورده هاهنا، ومثل هذا يُسمى خرمًا" يعني مر بنا في حديث عمر حديث الأعمال بالنيات: «فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله» موجودة في المواضع إلا هذا الموضع، ورجَّح بعضهم بعض الشراح أن هذا الخرم من المؤلف من الإمام البخاري، وإن كان بعضهم يقول: من الحُميدي، وحققنا المسألة هناك.
توجد ورقة يسأل عن شيءٍ مر بنا في وقته، حتى ما نُهمل السؤال، واحد سأل عن -نسيت السؤال- لعلنا نجدها آخر سؤال ورد إلينا، من عندك، ما هو؟
طالب:........
نعم، لا يرتد أحد هل يدل هذا على عدم ارتداد عبد الله جحش؟ هذه مسألة أظنها بحثنها بحثًا واسعًا، وأحضرنا بعض المراجع، أنت ما حضرت؟ فترجع إليه إن شاء الله تعالى.
وقال العيني: "لم يضع لهذا ترجمة، وإنما اقتصر من حديث أبي سفيان الطويل على هذه القطعة لتعلق غرضه بها وساقه في كتاب الجهاد تامًا بهذا الإسناد الذي أورده هاهنا، ومثل هذا يُسمى خرمًا، وهو أن يذكر بعض الحديث ويترك البعض، فمنعه بعضهم مطلقًا" هذا موجود في أقوال أهل العلم، وكتب المصطلح، منع من تقطيع الحديث مطلقًا، ومنع من الرواية في المعنى، هذا قول موجود ومأثور، وهو قول بعض أهل التحري والتشديد في هذا الباب
"فمنعه بعضهم مطلقًا، وجوزه الآخرون مطلقًا، والصحيح أنه يجوز من العالم إذا كان ما تركه غير متعلقٍ بما رواه بحيث لا يختل البيان، ولا تختلف الدلالة، ولا فرق بين أن يكون قد رواه قبل على التمام أو لم يروه".
البخاري روى قصة جابر وبيع الجمل في عشرين موضعًا من صحيحه، يأتي به تامًّا، ثم يقتصر منه على جملة، ثم يأتي به بشيءٍ مطوَّل منه ولو لم يكن تامًّا، ثم بعد ذلك يأتي بقطعةٍ منه في موضع إلى عشرين موضع كل موضع يختلف عن الثاني، والاختلاف إما أن يكون في السند أو في المتن حتمًا، ولم يُكرر البخاري حديثًا بسنده ومتنه في موضعين هذا الأصل، استثني من ذلك نحو عشرين موضعًا في الصحيح في جميع الصحيح ما فيه تكرار بالسند والمتن إلا في عشرين موضعًا، وهذا قليل بالنسبة لحجم الصحيح.
إذا لم يكن المحذوف له ارتباط بالمذكور أو يتوقف فهم المذكور على المحذوف، كأن يكون استثناءً مثلاً أو قيدًا إن هذا لابد من ذكره لأنه يُخل بالمعنى، وما يُخل بالمعنى ممنوعٌ عند أهل العلم، والصحيح أنه يجوز من العالم إذا كان ما تركه غير متعلقٍ بما رواه بحيث لا يختل البيان، ولا تختلف الدلالة، ولا فرق بين أن يكون قد رواه قبل على التمام أو لم يروه.
يقول الكرماني: "فممن وقع هذا الخرم؟" مَن الذي حذف أكثر الكلام في هذا الموضع؟ يعني المحذوف في حديث عمر يسير، لكن المحذوف هنا كثير جدًّا، يعني يمكن أن تقول: إنه يمكن أن يصير تسعة أعشار، كثير.
يقول الكرماني: "فممن وقع هذا الخرم؟ قلت: الظاهر أنه من الزهري لا من البخاري؛ لاختلاف شيوخ الإسنادين بالنسبة إلى البخاري، فلعل شيخه: إبراهيم بن حمزة لم يذكر في مقام الاستدلال على أن الإيمان دينٌ إلا هذا القدر" يعني كأن إبراهيم بن حمزة راوي الحديث في الموضع الثاني؛ لأنه في الموضع الأول من حديث أبي اليمان الحكم بن نافع، يعني جارت وطُلب الاستدلال لها، فلم يذكر شيخ البخاري للاستدلال على هذه المسألة إلا هذه القطعة، والبخاري ذكر ما سمع، وهذا يُكرره الكرماني كثيرًا أن ما يذكره البخاري –رحمه الله تعالى- إنما هو مما يجري على ألسنة شيوخه في الاستدلال للمسائل، فهو انتزع هذا الحكم من هذا الحديث بناءً على ما روَّاه له شيخه، وأن في هذا دليلًا على هذا الحكم، لكن الإمام البخاري ينتظر من ينتزع له الحكم من الدليل؟ أبدًا، هذا كلام الكرماني.
العيني يقول: قلت: "كيف يكون الخرم من الزهري، وقد أخرجه البخاري بتمامه بهذا الإسناد في كتاب الجهاد؟ وليس الخرم إلا من البخاري للعلة التي ذكرناها آنفًا". يعني السند كلهم يتواطئون على روايته كاملاً من أبي سفيان مرورًا بابن عباس، مرورًا بالزهري إلى أن يصل شيخ البخاري يذكر كاملًا ويُذكر ناقصًا إلى شيخ البخاري، هل نقول: إن هذا من شيخ البخاري أو من البخاري نفسه؟ من البخاري نفسه، ولو كان من شيخه لمَا رواه تامًا في موضعٍ آخر.
"وليس الخرم إلا من البخاري للعلة التي ذكرناها آنفًا، وقال العيني: اعلم أنَّا قد استوفينا الكلام في هذا الحديث في أول الكتاب، غير أن فيه هاهنا بعض التغييرات في الألفاظ نشير إليها. فنقول قوله: (هل يزيدون؟) وقع هنا: (أيزيدون؟) بالهمز، وكان القياس بالهمزة، لأن: (أم) المتصلة مستلزمة للهمزة" ما تُقال: (هل يزيدون أم ينقصون؟) إنما يُقال: (أيزيدون أم ينقصون؟).
"ولكن نقول: إن: (أم) هاهنا منقطعة" يعني مثل ما قال في حديث جابر يتأولون أحد الحرفين إما (أم) فيُقال: منقطع، أو يُقال: إن (هل) بمعنى الهمزة، مثل ما مر بنا مرارًا من تضمين أو تضمين الحرف ليتسق الكلام.
"ولكن نقول: إن: (أم) هاهنا منقطعة لا متصلة، تقديره: بل أينقصون حتى يكون إضرابا عن سؤال الزيادة، واستفهامًا عن النقصان، قال: ولئن سلمنا أنها متصلة لكنها لا تستلزم الهمزة بل الاستفهام، قال الزمخشري: (أم) لا تقع إلا في الاستفهام إذا كانت متصلة، فهو أعم من الهمزة" لا تقع إلا في الاستفهام إذا كانت متصلة، فكلام الزمخشري يدل على أنها تقع بعد الاستفهام، سواءً كان الاستفهام بالهمزة أو بـ هل.
"فإن قيل: شرط بعض النُّحاة وقوع المتصلة بين الاسمين. قلت: قد صرحوا أيضًا بأنها لو وقعت بين الفعلين جاز اتصالها، لكن بشرط أن يكون فاعل الفعلين متحدًا كما في مسألتنا" ينقصون ويزيدون الفاعل واحد أم مختلف؟ نعم الفاعل واحد، واو الجماعة تعود إلى شيءٍ واحد في الفعلين.
"فإن قلت: المعنى على تقدير الاتصال غير صحيح؛ لأن (هل) لطلب الوجود، و(أم المتصلة) لطلب التعيين لاسيما في هذا المقام فإنه ظاهرٌ أنه للتعيين، قلت: يجب حمل مطلب: هل، على أعم منه تصحيحًا للمعنى، وتطبيقًا بينه وبين الرواية المتقدمة في أول الحديث" في أول الأمر ضمَّن (أم) معنى بل، وفي النهاية، قال: فيجب حمل مطلب: هل، على أعم منه تصحيحًا للمعنى، هل مطلب هل أم؟
طالب:........
لا، هل هو يُشير إلى تضمين هل معنى الهمزة أو يشير إلى مطلب هل الذي تطلبه هل، يقول: قلنا: "يجب حمل مطلب: هل، على أعم منه تصحيحًا للمعنى" مطلبها الموجود هنا (أم) فيُعمم ليشمل الإضراب، فتكون بمعنى بل وحينئذٍ ينتفي الإشكال.
الرواة رواة الحديث: إبراهيم بن حمزة بن محمد بن مصعب بن عبد الله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي المدني، روى عن جماعةٍ من الكبار، وروى عنه البخاري وأبو داود وغيرهما، وروى النسائي عن رجلٍ عنه، قال ابن سعد: ثقةً صدوقًا، مات سنة ثلاثين ومائتين بالمدينة"، إبراهيم بن حمزة بن محمد بن مصعب، وفي (التقريب): إبراهيم بن حمزة بن محمد بن حمزة بن مصعب، فمصعب جد أبيه عند العيني، وجد جده في (التقريب).
والذي يليه الثاني: إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري أبو إسحاق المدني نزيل بغداد ثقةٌ حُجَّةٌ تُكلِّم فيه بلا قادح من الثامنة مات سنة خمسٍ وثمانين ومائة.
صالح بن كيسان تقدَّم التعريف به. وابن شهاب محمد بن مسلم بن شهاب الزهري تقدَّم أيضًا، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أحد الفقهاء السبعة تقدَّم أيضًا، وابن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن تقدَّم أيضًا.
والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"