كتاب الإيمان (10)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد،
فما زال الحديث والكلام عن حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-، الواقع تحت الترجمة: بابٌ دعاؤكم إيمانكم، ومضى الكلام في الترجمة وما قيل فيها وجودًا وعدمًا، وأنها ترجمة مستقلة، كما هو في كثير من نسخ الصحيح، أو أن لفظ الباب مُقحَم ولا موقع له، ولا حاجة إليه، وقد نبّه كثيرٌ من الشُرَّاح إلى أن وجود كلمة باب غلط فاحش، وأن الصواب بحذف كلمة الباب، وأن قوله: دعاؤكم إيمانكم من كلام ابن عباس في تفسير الألفاظ السابقة. مع أن الحافظ ابن حجر يقول: ثبت في كثيرٍ من الروايات المتصلة، ومنها رواية أبي ذر، التي يرى ابن حجر أنها أدق الروايات، وعليها اعتمد في شرحه.
وعلى كل حال قال: إن الكرماني وقف على نسخة مسموعة على الفربري بحذفها، وقفنا أظن على قوله على خمس، «بني الإسلام على خمس» نعم؟
طالب:...
«بني الإسلام على خمس: شهادةِ أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان» خمس يعني دعائم، وجاء التصريح في رواية عبد الرزاق: يعني خمس دعائم، وإذا حُذِف التمييز جاز التذكير والتأنيث. «من صام رمضان وأتبعه ستًا» والأصل أن الصيام في النهار، فإذا كان التمييز مذكرًا وجب تأنيث العدد ستةً، وإذا حُذِف جاز التذكير والتأنيث. على خمس يعني دعائم، أو على خمسة أركان، وسواء ذُكِّر أو أُنِّث فلا إشكال إن شاء الله تعالى من حيث العربية؛ لأنه جاء هنا على خمس، وجاء في رواية مسلم: على خمسة، فالتأنيث على تأويل الدعائم، والتذكير على خمس على تأويل الدعائم جمع دعامة، فهي مؤنثة، وتأنيث العدد على أن التمييز أركان جمع ركن.
أورد ابن حجر إشكالًا، وهو أن الشهادة هل هي قسيمة للأربعة الأقسام؟ أو أن الأربعة الأقسام متفرعةٌ عنها؟ إذا كان الإسلام بني على خمسة أركان، منها الشهادة، ومنها الصلاة، ومنها الصيام، ومنها الزكاة، ومنها الحج صارت قسيمًا للأركان الأربعة، هذا الإشكال أورده الحافظ ابن حجر بقوله: فإن قيل: الأربعة المذكورة مبنية على الشهادة، إذ لا يصح شيء منها إلا بعد وجودها، فكيف يُضَمُّ مبنيٌّ إلى مبنيٍّ عليه؟ يعني كأنك تقول: تعطف أربعة أولاد على أبيهم، نعم، الأب زيد، وأولاده عمرو وبكر وخالد ويزيد، ومحمد مثلاً، فأنت تجعل الأب هو الأصل، وتُفرِّع عنه الأربعة الأولاد، هذا الترتيب الطبيعي صح أم لا؟
ما تجعل الوالد في مصاف أولاده؛ لأنه هو الأصل بالنسبة لهم، وهنا جُعِل الأصل الذي هو الشهادتان قسيمًا للأربعة، والأربعة مبنيةٌ عليه، فهي أقسامٌ منه وليست قسيمًا له، هذا محل الإشكال الذي أورده ابن حجر.
فإن قيل: الأربعة المذكورة مبنية على الشهادة؛ إذ لا يصحّ شيء منها إلا بعد وجودها، فكيف يُضَمُّ مبنيٌّ إلى مبنيٍّ عليه بمسمى واحد؟
أُجيبَ: بجواز ابتناء أمرٍ على أمرٍ ينبني على الأمرين أمرٌ آخر. أُجيبَ: بجواز ابتناء أمرٍ على أمرٍ، ينبني على الأمرين أمرٌ آخر. الصلاة مبنية على الشهادة، الزكاة مبنية على الشهادة وهكذا بقية الأركان، ثم بعد ذلك كل مبني من هذه الأركان الأربعة التي بُنيت على الشهادة ينبني عليه شيء آخر، تشترك فيه هذه الأركان، يعني لو نظرنا إلى البناء، البيت وهو في بيت الشَّعر أظهر بحيث يكون عمود في الوسط وأعمدة في الجوانب كلها أركان، لو انهدَّ واحد منها تعرض البيت للخطر، لكن يبقى أن الركن الأعظم هو الذي في الوسط، ولا يعني أن بقية الأركان غير مؤثرة، هي مؤثرة، وإن كان الأصل والأساس هو الأوسط.
أُجيبَ: بجواز ابتناء أمرٍ على أمرٍ ينبني على الأمرين أمرٌ آخر، فإن قيل: المبني لا بد أن يكون غير المبني عليه، المبني لا بد أن يكون غير المبني عليه، يعني إذا نظرت إلى الأركان أركان البيت هي غير الركن الأعظم الأساس الأوسط، غيره، لكن هنا هل الصلاة مغايرة تمامًا للشهادتين؟ أو أنها مشتملة على الشهادتين، والشهادتان شرط لصحة هذه الصلاة؟ فهناك تداخُل، ما فيه تغاير وتباين، إنما هناك تداخُل.
فإن قيل: المبني لا بد أن يكون غير المبني عليه، أجيب بأن المجموع غيرٌ من حيث الانفراد، عينٌ من حيث الجمع. من حيث الانفراد غير، ومن حيث الجمع عين، يعني هي متداخلة من حيث الجمع، هي داخلة في الشهادتين؛ لأنها مبنية عليها، ومن حيث الانفراد يُنظَر إلى كل ركن على حدة بأنه غير، فأنت إذا بحثت عن مسائل الصلاة هل تجد شيئًا منها في كتاب الزكاة؟ أو بحثت عن مسائل الصيام هل تجد شيئًا منها في باب الحج؟ قد يكون هناك تداخُل يسير جدًّا غير مؤثر، فالحج يدخله الصيام، نعم في بعض الكفارات، هذا تداخُل يسير لا يؤثر في المغايرة.
أُجيب بأن المجموع غيرٌ من حيث الانفراد عينٌ من حيث الجمع، ومثاله البيت من الشَّعر يُجعَل على خمسة أعمدة أحدها أوسط، والبقية أركان، فما دام الأوسط قائمًا فمسمى البيت موجود، فما دام الأوسط قائمًا فمسمى البيت موجود، ولو سقط مهما سقط من الأركان. فإذا سقط الأوسط سقط مسمى البيت، فالبيت بالنظر إلى مجموعه شيءٌ واحد، وبالنظر إلى أفراده أشياء، وأيضًا فبالنظر إلى أُسِّه وأركانه الأُسُّ أصلٌ، والأركانٌ تبعٌ وتكملة.
يعني لو بغينا تطبيق التصوير الذي ذكره والتنظير الذي ذكره ببيت الشَّعر إذا انهدت الأركان كلها ما بقي إلا الركن الأوسط يبقى بيتًا أم ما يبقى بيتًا؟
ما يبقى بيتًا، ما يبقى بيتًا، هل يمكن أن يستظَل به ويقي الحر والقر وهو ما فيه أركان غير الأوسط؟ لا، يعني تصوروا المظلات التي في المسجد النبوي، إذا أُغلِقت وضُمَّ بعضها إلى بعض الأوسط قائم، هل يُستظَل بها؟ ما يمكن أن يُستظَل بها، تصوّر بيتًا سقطت أركانه كلها إلا الأوسط يصير مثل هذه المظلات، فهل التنظير على ما قاله ابن حجر مطابق أم غير مطابق؟ أو أنه لا بد أن يبقى شيء من هذه الأركان العملية ليُستَظَل به؟ يعني إذا أردنا أن نطبق ما قاله ابن حجر لا بد أن يبقى ولو ركن واحد؛ لأنه إذا وُجِد الركن الأوسط ومُدَّ أحد أطرافه بركن ثانٍ يمكن أن يستظل به، لكن إذا سقطت الأركان كلها، وأشبه المظلة التي في المسجد النبوي إذا ضُمَّ بعضها إلى بعض،ف ما بقي شيء.
طالب:...
هو فيه أثر، لكن ما فيه بيت، ما فيه بيت، ما يسمى بيتًا، يقول: فإذا سقط الأوسط سقط مسمى البيت، هذا انتهى مرة بالكلية إذا سقط الأوسط، ما يوجد أحد يقول: فيه ولا أثر بيت إذا سقط الأوسط.
طالب:...
نعم.
طالب:...
يا إخوان التنظير ما يلزم أن تكون مطابقته مائة بالمائة، إلا إذا كان منصوصًا عليه، التنظير إذا كان منصوصًا عليه لزمت المطابقة، أما إذا كان التنظير من أهل العلم للتوضيح فما يلزم أن تكون المطابقة من كل وجه.
طالب:...
يعني لو سقطت كلها؟
طالب:...
لكن، على ما ذكرناه من التوضيح يبقى شيء؟
وأوضح صورة لهذا مثل ما قلنا مظلات المسجد النبوي، ما دامت مفروشة وليس فيها عمَد مثل الأركان هذه، وإن كانت مسنودة من الجوانب، نعم، مسنودة من الجوانب، كما هو شأن السماء، {بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا}[سورة الرعد: 2] لكن لا شك أنها مسنودة، القدرة الإلهية صالحة لهذا، على خلافٍ بين أهل العلم هل يوجد عمَد أو لا يوجد عمَد، لكن انظر هذه المظلات ما فيها أعماد، عمد وأطناب واصلة إلى الأرض، عمَد عادية لكنها مدعومة، مدعومة بلا شك سواء كانت العمد واصلة إلى الأرض أو في جوانبها تسندها وتدعمها من السقوط، فإذا ضُمَّ بعضها إلى بعض ما بقي بيت ولا بقي ظل ولا استظلال.
يقول: فإذا سقط الأوسط سقط مسمى البيت، فالبيت بالنظر إلى مجموعه شيء واحد، وبالنظر إلى أفراده أشياء، وأيضًا فبالنظر إلى أُسِّه وأركانه الأُسُّ أصلٌ، والأركان تبعٌ وتكملة. ولا شك أن جميع الأركان مبنية على الشهادة، مبنية على الشهادة، يعني لو طبَّق الأركان الأربعة كما جاءت عن الله وعن رسوله، صلى كما رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- يصلي، وصام كما جاء عنه -عليه الصلاة والسلام-، وحجّ كما حجّ إلى آخره، وأدى الزكاة المفروضة، لكنه لم ينطق بالشهادة، كونه لم ينطق يقولون: إذا صلى فمسلمٌ حكمًا؛ لأن الصلاة متضمنة للشهادة، لكن إذا لم يعترف بها، ولم يعمل بمقتضاها، ولم يتبرأ مما ينافيها، فإن هذه الأركان لا تنفعه بشيء. وكثير ممن ينتسب للإسلام في كثير من الأقطار تجدهم يعتنون بالأركان، وخطرهم على الزيادة فيها، لكن إذا جاء إلى تحقيق التوحيد الذي هو الأُسّ تجد الخلل الكبير، تجده يأتي بما يناقضه، فهل ينتفع بالأركان؟
ما ينتفع بالأركان؛ لأنه لم يُحقِّق الأصل.
يقول: تنبيهات: أحدها: لم يذكر الجهاد؛ لأنه فرض كفاية، ولا يتعين إلا في بعض الأحوال. جاء في بعض طرق الحديث أن ابن عمر قيل له: ألا تجاهد؟ فأورد الحديث «بني الإسلام على خمس»، هل معنى هذا أنه يرى أن الجهاد في مقابل الأركان الخمسة لا يُعتَبر شيئًا، أو أنه أراد أن يدفع السائل والجهاد فيه ما فيه الذي يدعوه إليه هذا السائل إما فتنة أو شيء لم يتبين له أمره؟ وإلا فابن عمر شارك، يعني ما ترك الجهاد بالكلية وقال: بني الإسلام على خمس. إنما شارك، حينما يكون الجهاد واضحًا لا خفاء فيه ولا لَبس، لكن لعله دُعي إلى قتال بين فئتين مسلمتين لم يتبين رجحان أحدهما على الآخر، فقال: «بني الإسلام على خمس»، مريدًا بذلك التّخلُّص من هذا الذي قال له، بدل من أن يدخل في قيل وقال، ولا يريد أن يمنعه؛ لأنه لو بيّن له الحكم وقال: الجهاد ليس بشرعي يمكن أن يمتنع، والوجه لم يتبين بوضوح لابن عمر.
في بعض الظروف أحيانًا يُجيب الإنسان بجواب لا يُفهَم منه منع السائل، ولا عدم موافقته، إنما يُفهَم منه ما يستطيع التنصُّل من هذا المأزق الذي وقع فيه، فهو لا يجزم بكونه شرعيًّا، ولا يجزم بكونه غير شرعي، هو متردد، أحيانًا يكون لدى العالم استرواح لشيء وميل، تميل نفسه إلى شيء، فتجده يعمله، لكن الدليل لا ينهض لعمل مثل هذا الفعل، الدليل الصريح الواضح الثابت، فتجده يعمله في نفسه، من باب الاحتياط، ولا يبديه لغيره؛ خشية أن يُقتدَى به، فكونه يتحمّل مسؤولية عمله أسهل من كونه يتحمل مسؤولية عمل الآخرين. وهذا النوع من الفقه تجده لا يوجد عند كثير من طلاب العلم الآن.
يعني قد يكون لديه ميل واسترواح إلى شيء، يعني بدلاً من أن يتوقف؛ لأن الدليل ليس فيه من القوة والوضوح ما يدعو إلى العمل بدون تردد، فيعمل به في خاصة نفسه، وليس فيه من الضعف ما يجزم بردِّه بسببه، فابن عمر من هذا النوع، قال: «بني الإسلام على خمس»، ما أراد أن يرده؛ لاحتمال أن يكون قد تبين له رجحان إحدى الطائفتين، ولا أراد أن يشارك؛ لأنه لم يتبين له ذلك.
قال -رحمه الله-: تنبيهات: أحدها: لم يُذكَر الجهاد أو لم يذكر الجهاد؛ لأنه فرض كفاية، ولا يتعين إلا في بعض الأحوال، ولهذا جعله ابن عمر جواب السائل، وزاد في رواية عبد الرزاق في آخره: وإن الجهاد لمن العمل الحسن، وإن الجهاد من العمل الحسن.
وأغربَ ابن بطال، وأغربَ ابن بطال فزعم أن هذا الحديث كان أول الإسلام قبل فرض الجهاد، وفيه نظرٌ، بل هو خطأ؛ لأن فرض الجهاد كان قبل وقعة بدر، لأن فرض الجهاد كان قبل وقعة بدر، وبدر كانت في رمضان في السنة الثانية، وبدر كانت في رمضان في السنة الثانية وفيها فُرِض الصيام والزكاة بعد ذلك، والحج بعد ذلك على الصحيح، الحج الخلاف في فرضه هل كان سنة ست أو تسع، يعني متأخِّر، فذكره في حديث ابن عمر يجعل فرض الجهاد قبل ذلك أمرًا مجزومًا به ومقطوعًا به، ولا يمكن تأويله إلا على ما ذكرنا، وإنه وإن الجهاد من العمل الحسن، لكن ابن عمر أراد ألا يشارك فيما دُعي إليه من هذا الجهاد؛ لأنه لم يتبين أمره وأراد ألا يمنع من أراد أن يجاهد، خشية أن يكون تبين له الأمر فيصده عن مشروع.
قوله: «شهادةِ أن لا إله إلا الله»، «بني الإسلام على خمسٍ: شهادةِ» بدل بعض من كُل، يقول: وما بعدها مخفوض على البدل من خمس، ويجوز الرفع على حذف الخبر، والتقدير: منها شهادة أن لا إله إلا الله، أو على حذف المبتدأ والتقدير: أحدها شهادة أن لا إله إلا الله. يعني {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا}[سورة النحل: 76] هذا يؤيد مثل التأويل الثاني، وأما الإعراب الأول على البدلية فهو ظاهر، ويجوز الرفع على حذف الخبر والتقدير: منها شهادة أن لا إله إلا الله، وعلى حذف المبتدأ والتقدير: أحدها شهادة أن لا إله إلا الله.
فإن قيل: لم يُذكَر يعني في الحديث أو لم يَذكُر ابن عمر في الحديث الإيمان بالأنبياء والملائكة وغير ذلك مما تضمنه سؤال جبريل- عليه السلام-. جبريل لما سأل عن الإسلام أجاب بمضمون حديث ابن عمر، ولما سأل عن الإيمان أجابه النبي -عليه الصلاة والسلام- بأركان الإيمان التي منها الإيمان بالأنبياء والملائكة وغير ذلك، فهل نقول من خلال جواب النبي -عليه الصلاة والسلام- لجبريل أن حقيقة الإيمان غير حقيقة الإسلام؟ بدليل تغايُر الجوابين، وهذه مسألة سيأتي فيها الكلام مفصلاً، إن شاء الله تعالى، والخلاف بين أهل العلم، وسيأتي أن الإمام البخاري -رحمه الله- يرى أنه لا فرق بين الإسلام والإيمان، وأنهما مترادفان.
فإن قيل: لم يذكر الإيمان بالأنبياء والملائكة وغير ذلك مما تضمنه سؤال جبريل -عليه السلام-. أُجيبَ: بأن المراد بالشهادة، أُجيب بأن المراد بالشهادة تصديق الرسول بما جاء فيما جاء به؛ لأن مقتضى شهادة أن محمدًا رسول الله طاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر، طاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر ومن ضمن ما أخبر به الإيمان بالملائكة والأنبياء إلى آخره، فهي مستلزِمة لما ذُكِر.
أُجيب بأن المرادة بالشهادة تصديق الرسول فيما جاء به، فيستلزم جميع ما ذُكِر من المعتقدات، وقال الإسماعيلي ما محصله هو من باب تسمية الشيء ببعضه، هو من باب تسمية الشيء ببعضه، كما تقول كما تقول: قرأت الحمد، وتريد جميع الفاتحة، تقول: قرأت الحمد، وتريد جميع الفاتحة، وكذا تقول مثلاً: شهدتُ برسالة محمدٍ، وتريد جميع وتريد جميع ما ذُكِر. والله أعلم.
«أُمرت أن أقاتل الناس حتى» نعم في كثير من الروايات ما فيها ذكر الشهادة للنبي -عليه الصلاة والسلام-، فيكون هذا من باب الاكتفاء وبالدلالة على البعض أو بالبعض على الكُل، كما نبَّه هنا، والله أعلم.
ثالثها: إقام الصلاة، هل هناك فرق بين أن يقول: وإقام الصلاة وبين أن يقول: والصلاة؟ يعني إقام الصلاة أداؤها وفعلها قويمةً، على ما جاء عن الله وعن رسوله، هذا الأصل في إقامة الصلاة {وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ}[سورة المائدة: 162] أما المصلون فكُثُر، لكن منهم من يقيم الصلاة، فإقام الصلاة قدرٌ زائد على مجرد الصلاة، وهل الركن الصلاة أو إقام الصلاة؟
طالب:...
نعم؟
طالب:...
ماذا؟
طالب:...
الصلاة، أو إقام الصلاة؟ الركن المنصوص عليه إقام الصلاة، قد يقول قائل: هل الركن الصلاة الكاملة أو الصلاة المجزئة؟
طالب:...
إذا قلنا: إقام وجعل الصلاة قويمةً على المنهج الشرعي من كل وجه أدخلنا السنن في الركن، أو نقتصر من ذلك على ما يجب وما يخلّ بالصلاة؟ الذي هو الركن؛ لأن الصلاة إذا أُدِّيَت على نوعٍ من الخلل الذي لا يقتضي فساد الصلاة، وبطلان الصلاة، فهي مجزئة مسقطة للطلب، ولو لم ينصرف من أجرها إلا بعشره فهي مجزئة مسقطة للطلب.
ثالثها: المراد بإقامة الصلاة المداومة عليها أو مطلق الإتيان بها؟ مطلق الإتيان بها، لو كان المراد مطلق الإتيان بها لقال: الصلاة؛ لأن الصلاة المشتملة على خلل مفسد أو مبطل لا تسمى صلاة، لا تسمى، «صل فإنك لم تصل»، لكن يبقى أن الركن هو الصلاة المجزئة، الصلاة المجزئة، ويتجه تسمية هذه الصلاة المجزئة أنها صلاة قويمة ومقامة على مراد الله، والقدر الزائد له أجره، ومن جاء به فقد أدى الركن.
طالب:...
نعم، الأركان لكن.
طالب:...
لا، أنا أقول: لماذا قال: إقام الصلاة؟ ولماذا لم يقل: الصلاة مثل ما قال: والحج؟
يجيء واحد ويقول: صليت، أو يصلي ثلاثة يصلي واحد صلاة كاملة، ويصلي ثانٍ صلاة مجزئة، ويصلي واحد مثل المسيء «صل فإنك لم تصل»، الأخير هذا لا يجزئ بلا شك، وليس مرادًا في الحديث، الأول أيضًا المطالبة به تجعل كثيرًا من المسلمين لم يحققوا هذا الركن، ولم يأتوا بهذا الركن، فما بقي إلا الصلاة المجزئة المسقطة للطلب؛ لأن مطالبة عموم المسلمين بالصلاة الكاملة، وأنه لا يتحقق الركن إلا بها لا شك أن هذا فيه مشقة شديدة عليهم، ولذا يُقسِّم أهل العلم أفعال الصلاة إلى أركان وواجبات وسُنن، والذي لا يأتي بسُنن الصلاة هل يقال: إنه ما أقام الصلاة؟ فلم يحقِّق الركن؟ ما دامت الصلاة صحيحة مجزئة مسقطة للطلب فقد أقام الصلاة.
طالب:...
نعم.
طالب:...
بالنسبة للأركان الباقية، الأركان الثلاثة: الزكاة، مال مُحدَّد يُدفَع، هل يتطرق إليه الخلل مثل ما يتطرق لأركان الإسلام؟
قال: الزكاة؛ لأن الزكاة مفروضة ومحددة لا يلتبس بها لا يتلبس بها صدقة التطوع مثلاً؛ لأنها منفكة عنها، لكن الصلاة مشتملة في الوقت نفسه على الواجب وعلى التطوع وعلى الركن، فتختلف عنها.
طالب:...
لا شك أن الصلاة آكد هذه الأركان، وليس المراد الإتيان بها بجميع متطلباتها، حتى السُنن.
طالب:...
والله النصّ يقول: إقام الصلاة إقام الصلاة لكن هل المراد بإقام الصلاة الإتيان بها الصلاة الكاملة أو الصلاة المجزئة المسقطة للطلب؟ لكنه ركن، دعائم الدعيمة إقام الصلاة ليست الصلاة فقط.
طالب:...
نعم.
طالب:...
سيأتي.
ثالثها: المراد بإقام الصلاة المداومة عليها، ومطلق الإتيان بها، والمراد بإيتاء الزكاة إخراج جزء من المال على وجهٍ مخصوص. إيتاء يعني إعطاء الزكاة، دفع الزكاة؟
طالب:...
نعم، تجزئ في الظاهر في الحكم الدنيوي، هي تجزئ، مسقطة للطلب، معناه أنه لا يُطالَب بها مرة أخرى.
طالب:...
ما معنى إيتاء؟ ما فيه، الإيتاء ليس وصفًا مؤثرًا في الزكاة إذا دُفِعَت، يعني لو قال: الزكاة ما معنى الزكاة؟ معناه إيتاء الزكاة، بينما الصلاة غير إقام الصلاة؛ لأنه وصفٌ لها، وفرق بين هذا وهذا، والمراد بإيتاء الزكاة إخراج جزء من المال على وجه مخصوص.
رابعها: اشترط الباقلاني في صحة الإسلام تقدُّم الإقرار بالتوحيد على الرسالة ولم يُتابَع، مع أنه إذا دُقِّق فيه بان وجهه، ويزداد اتجاهًا إذا فرقهما فليتأمل! لو جاء واحد يشهر إسلامة فقال: أشهد أن محمدًا رسول الله وأن لا إله إلا الله، قدم الشهادة بالرسالة على الشهادة بالوحدانية، اشترط الباقلاني في صحة الإسلام تقدُّم الإقرار بالتوحيد على الرسالة قال: ولم يُتابَع. يعني هل يمكن الاكتفاء بالإقرار بالرسالة عن الإقرار بالوحدانية والعكس، ليكون إذا أتى بأحد الجملتين كفاه؟
طالب:...
دلالته على شهادة دلالة التزام أو دلالة تضمن؟
طالب:...
تضمن الرسالة.
طالب:...
يعني دلالة تضمن إذا جاء بلا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله تضمنت الشهادة بالرسالة للنبي -عليه الصلاة والسلام-، ومن لازم الشهادة بالرسالة الإقرار بالربوبية، بالوحدانية.
انظر ما يقول هنا؟ اشترط الباقلاني في صحة الإسلام تقدُّم الإقرار بالتوحيد على الرسالة ولم يُتابَع، مع أنه إذا دُقِّق فيه بان وجهه، ويزداد اتجاهًا إذا فرقهما فليُتأمل!
يعني إذا جاء بهما في آنٍ واحد، في مجلس واحد من غير فاصل ما فيه إشكال، لكن إذا فرقهما قال اليوم: أشهد أن محمدًا رسول الله وراح، ثم جاء من الغد فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، هل يشترط كما قال الباقلاني في الصحة أو لا يشترط؟ يقول ابن حجر: لم يُتابَع لما قيل من دلالة أحد الشهادتين على الأخرى بالتضمن أو بالالتزام، وابن حجر يقول: مع أنه إذا دُقِّق فيه بان وجهه، ويزداد اتجاهًا إذا فرّقهما، أما كونه يأتي بهما في مجلس واحد ما يبين بوضوح نعم.
طالب:...
أما إذا فرّقهما في أوقات متباعدة متباينة، الآن قد يشهد أن لا إله إلا الله، ولا يشهد أن محمدًا رسول الله، الموحد من أهل الكتاب قد يشهد أن لا إله إلا الله، ولا يعترف بمحمد -عليه الصلاة والسلام-. والعكس، قد يُعجَب بشخصيته -عليه الصلاة والسلام- من يستروح ويميل ويعترف بأنه رسول من عند الله، لكن الله -جل وعلا- الذي أرسله على حد زعمه يقبل الشركة، لكن كيف يعترف برسالته من عند الله، يعترف برسالته وقد جاء بالتوحيد؟ هذا معنى ما قيل من التضمن والالتزام.
طالب:...
نعم، وشهد في أثناء الصلاة قال في التشهد: أشهد أن لا إله إلا الله؟
طالب:...
من دون شهادة ومن دون ذكر؟
صلى معنا واحد رأيناه يعبث كثيرًا في الصلاة، قلنا: ما هذه الصلاة؟ قال: أنا ما فيه مسلم، بابا مسلم، يعني الكفيل، وأحيانًا يُحرَجون بعض السواقين غير المسلمين ينتظرون في الصيف الأطفال في المدرسة، وبدل ما يجلس في الشمس يدخل ويُحرَج إنه يجلس ما يصلي فيصلي، يكسب البراد، يعني مثل هذا ما يُحكَم له بإسلام، لكن الذي صلى صلاة معتبرة متضمنة للشهادة هذا الذي يقول أهل العلم: إنه مسلم حكمًا؛ لأنه نطق بالشهادة في أثناء صلاته. خامسها: يستفاد منه تخصيص عموم مفهوم السُّنَّة بخصوص منطوق القرآن، يستفاد منه تخصيص عموم مفهوم السُّنَّة بخصوص منطوق القرآن؛ لأن عموم الحديث يقتضي صحة إسلام من باشر ما ذُكِر، ومفهومه أن من لم يُباشره لا يصحّ منه، وهذا العموم مخصوص بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ}[سورة الطور: 21] أو ذرياتهم على القراءات على ما تقرر في موضعه.
عموم الحديث يقتضي صحة إسلام من باشر الأركان المذكورة، يعني فعلها بنفسه، ومفهومه أن من لم يباشر هذه الأركان أنه ليس بمسلم، وهذا العموم مخصوص بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ}[سورة الطور: 21] أو ذرياتهم على ما تقرر في موضعه. هل الذرية التي تُتبَع هؤلاء الذين آمنوا من الآباء هل يتبعونهم على مثل هذا الخلل الكبير؟ أو أنهم مثلهم في الإيمان وفي الأعمال إلا أن منازلهم تقصُر دونهم، فيُلحَقون بهم؟
طالب:...
نعم، هم مؤمنون، {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ}[سورة الطور: 21] هم مؤمنون، ومن مقتضى الإيمان فعل هذه الأمور، يعني لا يكفي أن يؤمن بقلبه على ما تقرر من اشتراط العمل لصحة الإيمان.
طالب:...
لا، حتى من بلغ ومنزلته تقصُر دون أبيه وقد تبعه بإيمان لكن منزلته تقصُر يُلحَق به إكرامًا لوالده.
طالب:...
وهذا العموم مخصوص بقوله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ}[سورة الطور: 21] يُنظَر في معنى الذرية، هل تطلَق على المكلفين أو لا؟ تُطلَق على المكلف أم ما تطلَق؟
طالب:...
لا لا، حتى الصغير مؤمن.
طالب:...
لكنه مؤمن. نعم.
طالب:...
نعم، ابن حجر ماذا يقول؟ يريد أن يُخرِج أو يُلحِق من لم يباشر هذه الأركان. هو مبني على معنى الذرية، أظنه القاموس موجود هنا.
طالب:...
ماذا؟
نراجع القاموس.
طالب:...
مثل هذا موجود، لكن الذين لم يباشروا الأركان من الذريات، هل يلحقون به ولو كانوا مكلفين؟
طالب:...
وأنت تبحث يا أبا عبد الله؟
أين تبحث عنه؟
طالب:...
لا لا في آخر الكتاب، الألف اللينة مع الياء.
طالب:...
لا، هذا، لا بد من معرفة المراد بالذرية هل تُطلَق على الكبار أو لا تطلَق؟ والمعروف أنه من إكرام المؤمن أن تُلحَق به ذريته.
طالب:...
ماذا؟
طالب:...
سيأتي؟ على ما تقرر في موضعه، يعني في تفسير الآية من التفسير. من يجيء لنا بالتاسع من فتح الباري؟ التاسع والثامن الذي فيه التفسير.
طالب:...
لقيته؟
هاته هاته.
طالب:...
نعم، نفس الآية.
طالب:...
لا هو يقول على ما تقرر في موضعه يعني تفسير الآية.
طالب:...
ما ذكر الآية؟
طالب:...
انظر في تفسير القرطبي ماذا يقول؟
سادسها: وقع هنا تقديم الحج على الصوم، وعليه بنى البخاري ترتيبه، لكن وقع في مسلم من رواية سعد بن عبيدة عن ابن عمر بتقديم الصوم على الحج فقال رجل: والحج وصيام رمضان؟ فقال ابن عمر: لا، صيام رمضان والحج، مع أنه في الصحيحين تقديم الحج، وفي صحيح مسلم تقديم الصيام، البخاري بنى ترتيب الكتاب على روايته من تقديم الحج على الصيام، فقدَّم المناسك على الصيام، وعامة أهل العلم الذين يرتبون الأبواب على أبواب الفقه يقدِّمون الصيام على الحج؛ لأنه أهم عندهم، قال: لا، صيام رمضان والحج، هكذا سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- انتهى، ففي هذا إشعار بأن رواية حنظلة التي في البخاري مرويةٌ بالمعنى. إما لأنه لم يسمع ردّ ابن عمر على الرجل؛ لتعدد المجلس، أو حضر ذلك ثم نسيه، ويبعُد بأن ما جوَّزه بعضهم. الآن رواية الصحيحين في تقديم الحج على الصيام يرى ابن حجر أنها مروية بالمعنى، ورواية مسلم التي تفرَّد بها مسلم التي فيها تقديم الصيام على الحج تكون هي الأصل، مع أن الجادة عند أهل العلم ترجيح ما في الصحيحين على ما تفرَّد به أحدهما فضلاً عن أن يكون أن يكون المتفرِّد مسلمًا.
يقول: ففي هذا إشعار بأن رواية حنظلة التي في البخاري مروية بالمعنى. ما الذي دعا ابن حجر أن يقدِّم رواية مسلم على رواية الصحيحين؟
طالب:...
كيف؟
طالب:...
نعم لأن فيها مقاولة، فيها رادّ ومردود عليه، فتكون محفوظة، الشيء الذي فيه قصة يكون محفوظًا أكثر من غيره بخلاف الشيء الذي يمر من غير حراك، إما لأنه لم يسمع ردّ ابن عمر على الرجل؛ لتعدد المجلس، أو حضر ثم نسيه، ويبعد ما جوَّزه بعضهم أن يكون ابن عمر سمعه من النبي -عليه الصلاة والسلام- على الوجهين ونسي أحدهما عند ردّه على الرجل.
ووجه بُعدِه أن تطرُّق النسيان إلى الراوي عن الصحابي أولى من تطرُّقه إلى الصحابي، يكون حنظلة نسي، ويُنسَب إليه النسيان أسهل من أن يُنسب النسيان إلى ابن عمر، لكن ما المانع أن يكون ابن عمر رواه عن النبي -عليه الصلاة والسلام- على الوجهين وأداه على الوجهين؟ ولما أراد الراوي عنه أن يستدرك عليه أراد ابن عمر تأديبه ألا يتطاول على شيء لا يعرف أبعاده، وأنه ما دام يجوز الوجهان فلماذا ترد علي؟ فأراد أن يؤدب هذا الراوي وهذا قيل به.
ووجه بُعدِه أن تطرُّق النسيان للراوي عن الصحابي أولى من تطرُّقه إلى الصحابي. كيف وفي رواية مسلم من طريق حنظلة بتقديم الصوم على الحج؟ ولأبي عوانة من وجه آخر عن حنظلة أنه جعل صوم رمضان قبلُ، فتنويعه دالّ على أنه روى بالمعنى، ويؤيده ما وقع عند البخاري في التفسير بتقديم الصيام على الزكاة، أفيقال: إن الصحابي سمعه على ثلاثة أوجه؟ هذا مستبعدٌ، والله أعلم.
فائدة: اسم الرجل المذكور يزيد بن بشر السَّكْسَكي، الرجل الذي استدرك على ابن عمر اسمه يزيد بن بشر السَّكْسَكي، ذكره الخطيب البغدادي -رحمه الله- في كتابه: الأسماء المبهمة في الأنباء المُحكمة. فيه أيضًا راوٍ مبهم الذي قال لابن عمر: ألا تغزو؟
فائدة: اسم الرجل السائل: حكيم، ذكره البيهقي ففيه إبهام في موضعين.
تقرأ علينا يا شيخ عبد الله؟
طالب:...
ارفع صوتك ليسمعوا.
"قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ}[سورة الطور: 21] قرأها العامة: {وَاتَّبَعَتْهُمْ} بوصل الألف وتشديد التاء وفتح العين وإسكان والتاء، وقرأ أبو عمرو: {وأَتْبَعنَاهُم} بقطع الألف وإسكان التاء والعين ونون اعتبارًا بقوله: {أَلْحَقْنَا بِهِمْ}[سورة الطور: 21]؛ ليكون الكلام على نسق واحد.
أما قوله: {ذُرِّيَّتُهُمْ}[سورة الطور: 21] الأولى فقرأها بالجمع ابن عامر وأبو عمرو ويعقوب، ورواها عن نافع إلا أن أبا عمرو كسر التاء على المفعول، وضم باقيهم. وقرأ الباقون {ذُرِّيَّتُهُمْ}[سورة الطور: 21] على التوحيد وضم التاء، وهو المشهور عن نافع.
فأما الثانية فقرأها نافع وابن عامر وأبو عمرو ويعقوب بكسر التاء على الجمع. الباقون {ذُرِّيَّتُهُمْ}[سورة الطور: 21] على التوحيد وفتح التاء.
واختُلف في معناه؛ فقيل عن ابن عباس أربع روايات: الأولى أنه قال: إن الله ليرفع ذرية المؤمن معه في درجته في الجنة، وإن كانوا دونه في العمل؛ لتقر بهم عينه، وتلا هذه الآية. ورواه مرفوعًا النحاس في الناسخ والمنسوخ له عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الله- عز وجل- ليرفع ذرية المؤمن معه في درجته في الجنة، وإن كان لم يبلغها بعمله؛ لتقر بهم عينه» ثم قرأ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ}[سورة الطور: 21] الآية.
قال أبو جعفر: فصار الحديث مرفوعًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكذا يجب أن يكون؛ لأن ابن عباس لا يقول هذا إلا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه إخبار عن الله -عز وجل- بما يفعله، وبمعنى أنه أنزلها جل ثناؤه.
الزمخشري: فيجمع الله لهم أنواع السرور بسعادتهم في أنفسهم، وبمزاوجة الحور العين، وبمؤانسة الإخوان المؤمنين، وباجتماع أولادهم ونسلهم بهم. وعن ابن عباس أيضًا أنه قال: إن الله ليلحق بالمؤمن ذريته الصغار الذين لم يبلغوا الإيمان؛ قاله المهدوي".
يعني القول الأول يشمل الكبار. القول الأول يشمل الكبار، والقول الثاني أنه في الصغار.
أحسن الله إليك، أحسن الله إليك، "والذرية تقع على الصغار والكبار، فإن جُعِلَت الذرية هاهنا للصغار كان قوله تعالى: {بِإِيمَانٍ}[سورة الطور: 21] في موضع الحال من المفعولين، وكان التقدير بإيمان من الآباء. وإن جعلت الذرية للكبار كان قوله: {بِإِيمَانٍ}[سورة الطور: 21] حالاً من الفاعِلين".
نعم، الأول من المفعولين، والثاني من الفاعلين.
"القول الثالث: عن ابن عباس: أن المراد بالذين آمنوا المهاجرون والأنصار والذرية التابعون، وفي رواية عنه: إن كان الآباء أرفع درجة رفع الله الأبناء إلى الآباء، وإن كان الأبناء أرفع درجة رفع الله الآباء إلى الأبناء؛ فالآباء داخلون في اسم الذرية؛ كقوله تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} [يس: 41]. وعن ابن عباس أيضًا يرفعه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : «إذا دخل أهل الجنة الجنة سأل أحدهم عن أبويه وعن زوجته وولده، فيقال لهم: إنهم لم يدركوا ما أدركت، فيقول: يا رب، إني عملت لي ولهم، فيؤمر بإلحاقهم به».
وقالت خديجة -رضي الله عنها-: سألتُ النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ولدين لي ماتا في الجاهلية، فقال لي: «هما في النار» فلما رأى الكراهية في وجهي قال: «لو رأيت مكانهما لأبغضتهما» قالت: يا رسول الله فولدي منك؟ قال: «في الجنة» ثم قال: «إن المؤمنين وأولادهم في الجنة، والمشركين وأولادهم في النار» ثم قرأ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ}[سورة الطور: 21] الآية. قوله: {مَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ}[سورة الطور: 21]".
ما نقصناهم، انتهى المقصود.
طالب:...
لا بد من العمل، العمل لا بد منه لمن بلغ وكُلِّف، أما أن شخصًا يترك الصلاة مثلاً، فيُلحَق بأبيه إكرامًا لأبيه؟ ما يمكن.
طالب:...
نعم.
طالب:...
نعم.
طالب:...
نعم، تفضل.
طالب:...
تروح مسجدك؟ يحتاج إلى...
أعِد.
طالب:...
والنطق الظاهر، والنطق الظاهر من غير اعتقاد لا شك أنه يحقن الدم، يحقن، لكن هل هو الركن الذي بني عليه الإسلام؟
طالب:...
لكن هل هو الركن؟ الكلام في الركن، ما هو الكلام في مجرد النطق، هذا في حديث: «أمرت أن أقاتل الناس» مجرد النطق، لكن ما بني على الإسلام من الشهادتين بمقتضياتها.
طالب:...
نعم.
طالب:...
والله ما زاد؛ لأنه فرق بين حقن الدم وبين كون تحقيق الركن، الركن الذي بني عليه الإسلام لا بد من تحقيقه كإقام الصلاة، ما يكفي مجرد النطق، ما بني الإسلام على مجرد النطق، نعم حقن الدم على مجرد النطق، ويبقى أن بناء الإسلام بالأركان الخمسة التي منها تحقيق التوحيد وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة.. إلى آخره.
طالب:...
نعم.
طالب:...
الآن قد يُلحَق القاصر بما فوقه؛ للاهتمام به، أنت الآن في شرط صحة العمل، الإخلاص والمتابعة، ما تكفي المتابعة عن الإخلاص؟
طالب:...
تكفي أم ما تكفي؟ تكفي؛ لأنه ما فيه متابعة إلا بإخلاص، لماذا يذكر الإخلاص؟ للعناية به والاهتمام به بشأنه؛ لأنه لو لم يُذكَر ويُنَص عليه في كل مناسبة لكان بصدد أن يُنسى، ويُغفَل عنه، ويُكتفى بمتابعة الظاهر دون الباطن، فمثل هذا تُذكَر الشهادة مع بقية الأركان العملية؛ للاهتمام بشأنها والعناية بها، واضح؟
كم بقي يا أبا عبد الله؟
طالب:...
نعم.
طالب:...
نعم، ما يرث ما فيه شك.
طالب:...
قبل قسم التركة؟ يعني ترغيبًا له في الإسلام، ترغيبًا له في الإسلام.
طالب:...
الموروث.
طالب:...
الموروث أسلم؟
طالب:...
الوارث؟ وأبوه مات على الكفر؟
طالب:...
لا توارث إلا أنهم يقولون: إذا كان إسلامه قبل قسم التركة ترغيبًا له في الإسلام؛ لئلا يرتد، يقول: والله أسلم، قال: ما أنتم معطوني شيئًا، يُخشى عليه أن يرتد في هذه الأثناء، يعني من باب المصلحة، كما لو أسلم وأول ما يباشَر بالختان، يُتلطَف به؛ لئلا يقول: لا يلزم، هذا أوله؟
طالب:...
نعم، النفوس لها حظ.
اللهم صلِّ على محمد وعلى آله.
"