التعليق على تفسير القرطبي - سورة لقمان (01)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى-:
"تفسير سُورَةُ لُقْمَانَ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ، غَيْرَ آيَتَيْنِ قَالَ قَتَادَةُ: أَوَّلُهُمَا"{وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ} [لقمان: 27] إِلَى آخِرِ الْآيَتَيْنِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ثَلَاثُ آيات، أولهن" وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ" [لقمان: 27] وهي أربع وثلاثون آية.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {الم تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ} مَضَى الْكَلَامُ فِي فَوَاتِحِ السُّوَرِ وَ" تِلْكَ" فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى إِضْمَارِ مُبْتَدَأٍ، أَيْ هَذِهِ تِلْك وَيُقَالُ: {تِلكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} بَدَلًا مِنْ تِلْكَ وَالْكِتَابُ: الْقُرْآنُ وَالْحَكِيمُ: الْمُحْكَمُ، أَيْ لَا خَلَلَ فِيهِ وَلَا تَنَاقُضَ. وَقِيلَ: ذو الحكمة وقيل: الحاكم، {هُدىً وَرَحْمَةً} بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ، مِثْلُ: {هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً} [الأعراف: 73]".
قوله: "وتلك في موضع رفع على إضمار مبتدأ أي هذه تلك هذه الإشارة تكون للقريب، وتلك للبعيد يكون في هذا تنافر والإشارة بتلك مع قربها حسًّا إلا أنها لبعدها معنًا، فهي مرتفعة في المعنى كما في قوله –جل وعلا-: { ذلك الكتاب}، لم يقل: هذا الكتاب، وإنما قال: ذلك الكتاب؛ لارتفاعه معنًا، وتلك آيات الكتاب الحكيم هي مرتفعة، ومعناها رفيع، فيشار إليها بإشارة البعيد وإضمار إشارة القريب، لا شك أنه يقضي على هذا المعني، يقضي على هذا المعنى، وليست بحاجة إلى إضمار، لو قلنا: إنها مبتدأ، تلك آيات الكتاب الحكيم المنزلة المطهرة المقدسة هدى ورحمة، هدى، يعني كلها هدى ورحمة، ولو جعلت هدى خبرًا لتلك لما احتجنا إلى إضمار، وهدى تقضي أو تقتضي أن جميع آيات القرآن الحكيم هدى، كما في قوله –جلا وعلا-: { لا ريب فيه}، ويحسن الوقف هنا هدى ورحمة، هدى، هدى للمتقين، وإذا وقفنا على لا ريب وهو وقف مرجوح صار فيه هدى، وإذا وقفنا على فيه صار كله هدى كما هنا هدى ورحمة للمحسنين.
"وَهَذِهِ قِرَاءَةُ الْمَدَنِيِّينَ وَأَبِي عَمْرٍو وَعَاصِمٍ وَالْكِسَائِيِّ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ: {هُدًى وَرَحْمَةٌ} بِالرَّفْعِ، وَهُوَ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: عَلَى إِضْمَارِ مُبْتَدَأٍ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ آيَةٍ، وَالْآخَرُ: أَنْ يَكُونَ خَبَرَ" تِلْكَ"."
خبر تلك فلا يحتاج إلى إضمار.
"وَالْمُحْسِنُ: الَّذِي يَعْبُدُ اللَّهَ كَأَنَّهُ يَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاهُ".
يعني كما جاء في جواب النبي-عليه الصلاة والسلام- من جبريل لما سأله عن الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
" وَقِيلَ: هُمُ الْمُحْسِنُونَ".
وهي منزلة المراقبة، منزلة المراقبة لله –جل وعلا- في جميع الأمور، الذي يراقب الله- جل وعلا- في جميع أعماله حري بألا يصدر منه إلا كل خير، وألا يصدر منه شر، لا يصدر منه سوء، لا يصدر منه إلا ما يرضي الله –جل وعلا-.
" وَقِيلَ: هُمُ الْمُحْسِنُونَ فِي الدِّينِ وَهُوَ الْإِسْلَامُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ} [النساء: 125] الْآيَةَ {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ} فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ".
الصفة للمحسنين، في موضع الصفة للمحسنين الذين ذكروا في آخر الآية السابقة، من هم المحسنون؟
الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة، وتكون هذه غير مخالفة لتفسير النبي-عليه الصلاة والسلام للإحسان، المحسنون هم الذين يراقبون الله- جل وفعلا- وهم الذي يعبدونه وكأنهم يرونه، ومع هذا يقيمون الصلاة وهم على هذه الحال في حال المراقبة يقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة، ويفعلون جميع الطاعات، ويتركون جميع المنهيات، وليس معنى هذا أنهم معصومون، إنما قد تحصل لهم الذلة فيبادرون إلى التوبة منها.
" وَيَجُوزُ الرَّفْعُ عَلَى الْقَطْعِ بِمَعْنَى: هُمُ الَّذِينَ، وَالنَّصْبُ بِإِضْمَارٍ أَعْنِي وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَالَّتِي بَعْدَهَا فِي {الْبَقَرَةِ} وَغَيْرِهَا.
قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ {6} }.
فِيهِ خَمْسُ مَسَائِلَ: الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} " مِنَ" فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ، وَ" لَهْوَ الْحَدِيثِ": الْغِنَاءُ، فِي قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمَا، قال النَّحَّاسُ: وَهُوَ مَمْنُوعٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَالتَّقْدِيرُ: مَنْ يَشْتَرِي ذَا لَهْوٍ أو ذات لهو، مثل: { وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82]. أَوْ يَكُونُ التَّقْدِيرُ: لَمَّا كَانَ إِنَّمَا اشْتَرَاهَا يَشْتَرِيهَا وَيُبَالِغُ فِي ثَمَنِهَا كَأَنَّهُ اشْتَرَاهَا لِلَّهْوِ. قُلْتُ: هَذِهِ إِحْدَى الْآيَاتِ الثَّلَاثِ الَّتِي اسْتَدَلَّ بِهَا الْعُلَمَاءُ عَلَى كَرَاهَةِ الْغِنَاءِ وَالْمَنْعِ مِنْهُ."
والكراهة عند عامة أهل العلم للتحريم، كما هو معروف، لاسيما إذا كانت ألفاظه ممنوعة، وصحبته الآلات من المعازف والمزامير التي جاءت النصوص بتحريمها، وأدي على لحون الأعاجم أو لحون أهل الفسق، أما إذا خلا من ذلك فهو النشيد الذي أنشد بين يدي النبي-عليه الصلاة والسلام-، إذا كانت ألفاظه مباحة، ولم تصاحبه آلة، وأدي على لحون العرب فإن الشعر أنشد بين يدي الرسول- عليه الصلاة والسلام-.
" والآية الثانية قوله تعالى: {وَأَنْتُمْ سامِدُونَ"} [النجم: 61]. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ الْغِنَاءُ بِالْحِمْيَرِيَّةِ، اسْمُدِي لَنَا، أَيْ غَنِّي لَنَا. وَالْآيَةُ الثَّالِثَةُ قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ" }[الاسراء: 64] قَالَ مُجَاهِدٌ: الْغِنَاءُ وَالْمَزَامِيرُ وَقَدْ مَضَى فِي" سُبْحَانَ" الْكَلَامُ فِيهِ، وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي أمامه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -قَالَ: « لَا تَبِيعُوا الْقَيْنَاتِ وَلَا تَشْتَرُوهُنَّ، وَلَا تُعَلِّمُوهُنَّ، وَلَا خَيْرَ فِي تِجَارَةٍ فِيهِنَّ، وَثَمَنُهُنَّ حَرَامٌ، فِي مِثْلِ هَذَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ» { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ"} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، إِنَّمَا يُرْوَى مِنْ حَدِيثِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، وَالْقَاسِمُ ثِقَةٌ، وَعَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ، قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ."
علي بن يزيد هذا؟
طالب: نعم؟
عندك علي بن يزيد؟
طالب: نعم.
ماذا قال المخرج؟
طالب: ...عند أبي أمامة، وضعفه الترمذي وأبي العلي بن زيد.
هو علي بن زيد معروف، على بن زيد بن جدعان، هذا الصحيح، والحديث ضُعف بسببه، مع أن الشيخ أحمد شاكر وثقه.
طالب: علي بن يزيد بن أبي هلال الألهاني وليس بن جدعان.
هو نعم، علي بن يزيد، مضبوط، معروف الألهاني كذلك ضعيف.
" وَعَلِيُّ بْنُ زيد يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ، قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَبِهَذَا فَسَّرَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَمُجَاهِدٌ، وَذَكَرَهُ أَبُو الْفَرَجِ الْجَوْزِيُّ عَنِ الْحَسَنِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وقتادة والنخعي.
قُلْتُ: هَذَا أَعْلَى مَا قِيلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَحَلَفَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ إِنَّهُ الْغِنَاءُ. رَوَى سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِي الصَّهْبَاءِ الْبَكْرِيِّ قَالَ: سُئِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} فَقَالَ: الْغِنَاءُ وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، يُرَدِّدُهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ الْغِنَاءُ، وَكَذَلِكَ قَالَ عِكْرِمَةُ وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ وَمَكْحُولٌ."
تفسير الصحابي عند جمع من أهل العلم له حكم الرفع ونص عليه أبو عبد الله، أبو عبد الله الحاكم، وقال: إن الصحابي لا يمكن أن يفسر القرآن برأيه مع مصاحبته النبي-عليه الصلاة والسلام- ومعرفته ما جاء من التحذير في تفسير القرآن بالرأي فلا يمكن أن يفسر القرآن بالرأي. على كل حال المسألة خلافية، هل له حكم الرفع أم ليس له حكم الرفع؟
يقول الحافظ العراقي –رحمه الله-:
أما الذي فسره الصحابي فحكمه الوصل على الصواب
طالب: ...
لا، هذاك أرسله.
وعد ما فسره الصحابي رفعًا فمحمول على الأسباب
ذاك الذي أرسله الصحابي.
وعد ما فسره الصحابي رفعًا فمحمول على الأسباب
يعني إذا كان التفسير يتعلق بسب النزول فذلك له حكم الرفع، أما إذا كان ببيان معنى الآية فقد يدرك بالعربية، قد يدرك بعضه بالاجتهاد المبنى على أصوله الشرعية المعتبرة بضم النصوص بعضها إلى بعض، يستنبط من الآية ما لا يوجد في كلام من سبق، هذا مما تركه الأول للآخر، ومعروف حكم المسألة، لكن التفسير بالرأي المجرد فهذا لا شك في تحريمه، وجاء التحذير منه والتشديد في أمره.
"وَرَوَى شُعْبَةُ وَسُفْيَانُ عَنِ الْحَكَمِ وَحَمَّادٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: الْغِنَاءُ يُنْبِتُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ، وَقَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَزَادَ: إِنَّ لَهْوَ الْحَدِيثِ فِي الْآيَةِ الِاسْتِمَاعِ إِلَى الْغِنَاءِ وَإِلَى مِثْلِهِ مِنَ الْبَاطِلِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: لَهْوُ الْحَدِيثِ الْمَعَازِفُ وَالْغِنَاءُ. وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: الْغِنَاءُ بَاطِلٌ وَالْبَاطِلُ فِي النَّارِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْهُ فَقَالَ: قَالَ الله تعالى {فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ"} [يونس: 32] أَفَحَقٌّ هُوَ؟! وَتَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ بَابٌ كُلُّ لَهْوٍ بَاطِلٍ إِذَا شَغَلَ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ، وَمَنْ قال لصاحبه: تعال أُقَامِرْكَ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً}، فَقَوْلُهُ: إِذَا شَغَلَ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}".
هذا إذا شغل عن طاعة الله ولو كان شعرًا مباحًا ملقًى مرسلًا كذا بدون تلحين، ألفاظه مباحة، ويلقى مرسلاً من غير تلحين، ولم تصاحبه آلة، إذا شغلته عما هو أهم منه منع، وفي الحديث الصحيح المخرج للبخاري وغيره: «لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحًا حتى يريه خير من أن يمتلئ شعرًا»، فإذا كان هذا في الشعر المباح، فماذا عن الشعر المحرم في موضوعات الغزل والفخر والخيلاء والهجاء والسب والشتم ناهيك عما إذا اقترن بآلة محرمة؟ –والله المستعان-.
" وَعَنِ الْحَسَنِ أَيْضًا: هُوَ الْكُفْرُ وَالشِّرْكُ. وَتَأَوَّلَهُ قَوْمٌ عَلَى الْأَحَادِيثِ الَّتِي يَتَلَهَّى بِهَا أَهْلُ الْبَاطِلِ وَاللَّعِبِ."
هناك كتب فيها وأسمار وأحاديث ومطولات في عشرة مجلدات وعشرين مجلدًا أحيانًا، ولا فائدة فيها ألبتة، ليس فيها أدنى فائدة، إذا كانت كتب التواريخ والأدب فائدتها أقل من العلوم الشرعية من الكتاب والسنة وما يخدم علوم الكتاب والسنة، يعني كتب الأدب القديم فيها فائدة، وفيها متعة، فيها مجون، وفيها إسفاف، لكن مع ذلك تجد فيها بعض الفائدة، لكن هناك كتب لا فائدة ولا خيار فيها ألبتة، يعني قصة عنترة عشرة مجلدات، ماذا فيها من الفائدة؟ ماذا يستفيد منها الطالب؟
يستفيد منها أسلوبًا، يستفيد منها تراكيب لغوية ومفردات؟ ما فيها فائدة، الأميرة ذات الهمة عشرون مجلدًا، سيرة الأميرة ذات الهمة كلها قال الراوي، كلها كذب بكذب، لا يستفيد منها طالب العلم بشيء، لكنها تقضي على الوقت بدون فائدة.
فإذا كان هناك مبرر لقراءة كتب الأدب القديم، فيها متعة، وفيها فائدة، وقد يوجد فيها ما يفيد العلم الشرعي، كما وجد تفسير كلمة جملة من أبي حاتم –رحمه الله- بحق جبارة بن المغلس قال: هو بين يدي عدل، وكان الحافظ العراقى –رحمه الله- يظنها توثيقًا، فلما وقف الحافظ ابن حجر على قصة في كتاب الأغاني تَوَضح معنى هذه الكلمة، توضح معناها، وقال: إن العدل بن جزء بن سعد العشيرة كان على شرطة تُبع، وكان إذا أراد تُبع أن يقتل أحدًا سلمه إياه، قال: فيقول الناس: بين يدي عدل، يعني هالك خلاص انتهى.
وفي كتاب الأغاني ذكر قصة عن القائد طاهر أنه كان في مأدبة عشاء، وكان معه ابن لهارون الرشيد صغير اسمه إبراهيم الظاهر، فكان طاهر أعور، فأخذ إبراهيم هندبات فضرب بها عين طاهر المبصرة الصحيحة.
طالب: كمل عليها.
فذهب إلى أبيه فقال: انظر ما فعل إبراهيم، نسيت اسمه والله، ما اسمه إبراهيم، انظر ماذا يفعل بالعين الصحيحة والأخرى بين يدي عدل، يعني تالفة هالكة، فعرف معنى هذه الجملة، وأنه تضعيف شديد من خلال كتاب الأغاني، من كتاب ابن قتيبة كتاب المعازف هذا فيه قصة أيضًا تدل على هذا.
المقصود أن هذه الكتب يستفاد منها على حذر، يعني طالب العلم يفرق بين الغث والثمين، لكن يستفاد منها –والله المستعان-، ومازال أهل العلم يقرؤون منها، لكن ما يقضي فيها سنة من الوقت يترك الوقت الثمين لعلوم الكتاب والسنة، إذا وجد فرصة مناسبة، إما في حال سأم أو ملل أو شيء يقرأ في كتاب التواريخ من أجل الاعتبار والاتعاظ وشيء من الاستجمام، كذلك كتب الأدب، ولا يوغل فيها، لا يوغل فيها، لكن هناك كتب لهو باطل ليس لها قيمة، يعني لا خير فيها ألبتة، سيرة الأميرة ذات الهمة عشرون مجلدًا، يعني تحتاج إلى سنة لقراءتها، أما عنترة بن شداد فيقول من قرأها: إنه يؤذن المؤذن وتقام الصلاة ولا يتركها، وهي لا خير فيها، حتى من ناحية الأسلوب، ما فيها فائدة.
أحيانًا طالب العلم يقرأ من أجل تقوية أسلوبه، وهذا طيب ومقصد حسن، يعني يقرأ، يقرأ في كتب التواريخ والأدب؛ من أجل هذا، وفنون اللغة الأخرى، لكن هذه الكتب لا فائدة فيها، إنما هي لهو باطل، وكلها كذب.
طالب: ...
نعم حمزة البهلوان، قرأته يا أبا عبد الله.
طالب:.......
لا قيمة لها، فهذه تعب ليس وراءه أرب، وضياع للوقت وقتل له.
طالب: العقد الفريد.
نافع جيد، من أنفع كتب الأدب، فيه أشياء مما يتداول في كتب الأدب، لكنه أنظف بكثير من الأغاني، أنظف من الأغاني، عيون الأخبار كذلك، وفيما اطلعنا عليه من كتب الأدب، زهر الآداب هو أنظفها على الإطلاق، ولذلك محققه زكي مبارك عتب عليه كثيرًا أنه أغفل جانبًا من أهم جوانب الأدب، وهو المجون، يقول: والحياة تفقد حيويتها حينما تكون هدى خالصًا، –نسأل الله العافية-.
يقول: وأذهب إلى أبعد من ذلك فأقول: إن بعض الغي رشد، وأنا أجزم أنه لم يكن في كامل قواه حينما كتب ذلك الكلام؛ لأنه يستعمله –والله المستعان-.
طالب: بالنسبة للغزل يا شيخ، هل هو ممنوع على الإطلاق؟
الغزل بامرأة معينة لا كما يفعله الشعراء في مطالع القصائد ابن القيم يفعله وغيره من أهل العلم، لكنهم لا يقصدون امرأة بعينها، أما التشبيب بامرأة بعينها فهذا حرام مجمع عليه.
" وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى كُتُبَ الْأَعَاجِمِ: رُسْتُمَ، وَإسْفِنْدِيَارَ، فَكَانَ يَجْلِسُ بِمَكَّةَ".
مع الأسف تجد من تخصص في الأدب نصف مكتبته، أكثر من نصف مكتبته من الأدب الغربي المترجم، وما حاجتنا إلى هذا الأدب؟ هذا تضييع للأدب، ومع ذلك تجده متخصصًا في الأدب، ويزيد السوء، ويزيد الطين بلة إذا كانت المتخصصة امرأة في الأدب الفرنسي أو الأدب الإنجليزي أو في الأدب الأمريكي أو ما أشبه ذلك، يعني بنات الفطرة يتخصصون في مثل هذه الأمور؟ –والله المستعان –.
" فَكَانَ يَجْلِسُ بِمَكَّةَ فَإِذَا قَالَتْ قُرَيْشٌ: إِنَّ مُحَمَّدًا قَالَ كَذَا ضَحِكَ مِنْهُ، وَحَدَّثَهُمْ بِأَحَادِيثِ مُلُوكِ الْفُرْسِ وَيَقُولُ: حَدِيثِي هَذَا أَحْسَنُ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدٍ، حَكَاهُ الْفَرَّاءُ وَالْكَلْبِيُّ وَغَيْرُهُمَا.
وَقِيلَ: كَانَ يَشْتَرِي الْمُغَنِّيَاتِ فَلَا يَظْفَرُ بِأَحَدٍ يُرِيدُ الْإِسْلَامَ إِلَّا انْطَلَقَ بِهِ إِلَى قَيْنَتِهِ فَيَقُولُ: أَطْعِمِيهِ وَاسْقِيهِ وَغَنِّيهِ، وَيَقُولُ: هَذَا خَيْرٌ مِمَّا يَدْعُوكَ إِلَيْهِ مُحَمَّدٌ مِنَ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَأَنْ تُقَاتِلَ بَيْنَ يَدَيْهِ. وَهَذَا الْقَوْلُ وَالْأَوَّلُ ظَاهِرٌ فِي الشِّرَاءِ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الشِّرَاءُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مُسْتَعَارٌ، وَإِنَّمَا نَزَلَتِ الْآيَةُ فِي أَحَادِيثَ قُرَيْشٍ وَتَلَهِّيهِمْ بِأَمْرِ الْإِسْلَامِ وَخَوْضِهِمْ فِي الْبَاطِلِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: فَكَانَ تَرْكُ مَا يَجِبُ فِعْلُهُ وَامْتِثَالُ هَذِهِ الْمُنْكَرَاتِ شِرَاءٌ لَهَا، عَلَى حَدِّ قَوْلُهُ تَعَالَى {أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى} [البقرة: 16]، اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ".
هي معاوضة على كل حال، هي معاوضة، سواء كانت في الأمور الحسية والأمور المعنوية نعم.
" أَيِ اسْتَبْدَلُوهُ مِنْهُ وَاخْتَارُوهُ عَلَيْهِ. وَقَالَ مُطَرِّفٌ: شِرَاءُ لَهْوِ الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُهُ. قال قَتَادَةُ: وَلَعَلَّهُ لَا يُنْفِقُ فِيهِ مَالًا، وَلَكِنَّ سَمَاعَهُ شِرَاؤُهُ.
قُلْتُ: الْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَوْلَى مَا قِيلَ بِهِ فِي هَذَا الْبَابِ؛لِلْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ فِيهِ، وَقَوْلُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِيهِ. وَقَدْ زَادَ الثَّعْلَبِيُّ وَالْوَاحِدِيُّ فِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ: «وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالْغِنَاءِ إِلَّا بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِ شَيْطَانَيْنِ أَحَدُهُمَا عَلَى هَذَا الْمَنْكِبِ، والآخر على هذا المنكر، فَلَا يَزَالَانِ يَضْرِبَانِ بِأَرْجُلِهِمَا حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يَسْكُتُ»."
طالب: قال: وقع في الأصل منكر، وهو خطأ فادح –والله المستعان- أسرار المهدي.
يعني، يضع رجليه على منكبيه.
طالب: قال منكب .... منكب آخر.
يعني الشيطان على منكب، وشيطان على المنكب الآخر، على كل حال الرسم متقارب، الرسم متقارب.
" وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَغَيْرُهُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-أَنَّهُ قَالَ: «صَوْتَانِ مَلْعُونَانِ فَاجِرَانِ أَنْهَى عَنْهُمَا: صَوْتُ مِزْمَارٍ، وَرَنَّةُ شَيْطَانٍ عِنْدَ نَغْمَةٍ وَمَرَحٍ، وَرَنَّةٌ عِنْدَ مُصِيبَةٍ لَطْمُ خُدُودٍ وَشَقُّ جُيُوبٍ»".
مخرج؟
طالب: نعم.
ماذا قال؟
طالب: قال: صحيح أخرجه الترمذي من حديث جابر، وقال: حديث حسن أخرجه البزار في المجمع من حديث أنس، وقال الهيثمي: رجاله ثقات، وكذا قال المنذري والطبري، وله شواهد....
نعم.
" وَرَوَى جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيٍّ -عَلَيْهِ السَّلَامَ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بُعِثْتُ بِكَسْرِ الْمَزَامِيرِ» خَرَّجَهُ أَبُو طَالِبٍ الْغَيْلَانِيُّ."
مخرج عندك؟
طالب: نعم، قال: عزاه المصنف إلي أبي طالب الغيلاني، ولم يذكر الراوي عند الإمام جعفر أو عند أحمد والطبراني من حديث أبي أمامة، وفيه علي بن يزيد غير قوي، وكذا شيخه القاسمي.
مثل ما تقدم.
"وَخَرَّجَ ابْنُ بَشْرَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -قَالَ: «بُعثت بِهَدْمِ الْمَزَامِيرِ وَالطَّبْلِ»".
مخرج؟
طالب: قال عزاه المصنف لابن بشران، ولم يقف على إسناده، الحديث موجود في فوائد تمام من طريق عبد الرحمن بن ثابت عن أبيه عن مكحول عن جبير بن نفير وعن الثقة عن عكرمة بن عباس قال الصالح بن محمد البغدادي: عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان قال صالح بن محمد البغدادي .... ينكرون عليه الحديث.
جزرة، جزرة، صالح بن محمد جزرة إمام.
طالب: قالوا: أنكروا عليه أحاديث يرويها عن أبيه عن مكحول مسندة قال أحمد أحاديث ....
ضعيفة يعني.
"وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا فَعَلَتْ أُمَّتِي خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً حَلَّ بِهَا الْبَلَاءُ- فَذَكَرَ مِنْهَا: إِذَا اتُّخِذَتِ الْقَيْنَاتُ وَالْمَعَازِفُ »، وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: « وَظَهَرَتِ الْقِيَانُ وَالْمَعَازِفُ »، وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: « مَنْ جَلَسَ إِلَى قَيْنَةٍ يَسْمَعُ مِنْهَا صُبَّ فِي أُذُنِهِ الْآنُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»".
يعني الرصاص، الرصاص المذاب–نسأل الله العافية-.
"وَرَوَى أَسَدُ بْنُ مُوسَى عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: "أَيْنَ عِبَادِي الَّذِينَ كَانُوا يُنَزِّهُونَ أَنْفُسَهُمْ وَأَسْمَاعَهُمْ عَنِ اللَّهْوِ وَمَزَامِيرِ الشَّيْطَانِ أَحِلُّوهُمْ رِيَاضَ الْمِسْكِ، وَأَخْبِرُوهُمْ أَنِّي قَدْ أَحْلَلْتُ عَلَيْهِمْ رِضْوَانِي"، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ مِثْلَهَ، وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ "الْمِسْكِ": ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ: أَسْمِعُوهُمْ حَمْدِي وَشُكْرِي وَثَنَائِي، وَأَخْبِرُوهُمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ"، وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا هَذَا الْمَعْنَى مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ -رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
« مَنِ اسْتَمَعَ إِلَى صَوْتِ غِنَاءٍ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ أَنْ يَسْمَعَ الرُّوحَانِيِّينَ»، فَقِيلَ: وَمَنِ الرُّوحَانِيُّونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «قُرَّاءُ أَهْلِ الْجَنَّةِ»، خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي نَوَادِرِ الْأُصُولِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ التَّذْكِرَةِ مَعَ نَظَائِرِهِ: فَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الْآخِرَةِ، وَمَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَة إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ.
وَكُلُّ ذَلِكَ صَحِيحُ الْمَعْنَى عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ هُنَاكَ. وَمِنْ رِوَايَةِ مَكْحُولٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ مَاتَ وَعِنْدَهُ جَارِيَةٌ مُغَنِّيَةٌ فَلَا تُصَلُّوا عَلَيْهِ»، وَلِهَذِهِ الْآثَارِ وَغَيْرِهَا قَالَ الْعُلَمَاءُ بِتَحْرِيمِ الْغِنَاءِ. وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ".
تخريج.
طالب: قال ضعيف ..
نعم قبل، قبل.
طالب :.....
بعثت.
طالب: المستمع إلى صوت الماء.
إذا فعلت أمتي خمسة عشر.
طالب: قال: ضعيف، أخرجه الترمذي من حديث علي، وقال: غريب،...ضعفه من قبل حفظ بعض أهل الحديث، وروي الورداني في الميزان في ترجمة ونقل عن الدار قطني وقد سأله عن ... قال: باطل، والحديث ضعيف جدًّا.
يعني بمجموع الخصال الخمس عشرة وإلا فبعضها مما يشهد له.
طالب: ضعفه الألباني.
يعني بمجموعه الخمس عشرة خصلة كاملة نعم، لكن بعض هذه الجمل لها ما يشهد لها، الذي بعده حديث أبي هريرة.
طالب: قال: أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة بنحو الحديث المتقدم وقال: حديث غريب، انتهى كلامه، وإسناده ضعيف، فيه...... وهو مجهول، وورد من حديث عمران مختصرًا فيه ذكر القيام، وأخرجه الترمذي وهو حديث حسن له شواهد كثيرة تقويه، انظر حكم الإسلام في الغناء لابن القيم وما بعده فقد ذكر أحاديث كثيرة تقوي ....
من جلس.
طالب: قال :ذكره السيوطي في الجامع الصغير وعزاه لابن عساكر وتعقبه الألباني فقال: موضوع، انظر الضعيفة.
بلغنا.
طالب:..
الذي بعده.
طالب: قال: ذكره الحاكم والترمذي في حديث أبي موسى، وهو ضعيف، انظر ضعيف الجامع.
عن أبي موسى.
طالب:.....
الكلام الأول حديث: أين عبادي الذين كانوا ينزهون أنفسهم؟
طالب: يستمع إلى صوت الغناء الروحانيين.
هذا انتهينا منه.
الذي قبله.
طالب: ........
أين عبادي الذين كانوا ينزهون أنفسهم؟
طالب: هم يرفعون، يرفعون للنبي.
طالب:....
عندك شيء؟
طالب: لم يرفعه إلى النبي انظر الحديث...أنه بمعناه.
من شرب الخمر.
طالب: قال: صحيح، أخرجه النسائي ... وابن ماجه من حديث أبي هريرة، وهو عند البخاري ومسلم من حديث ابن عمر، وله شواهد قد تقدم...
أما الخبر من مات وعنده جارية؟
طالب: قال: ضعيف؛ لإرسال مكحول... وأخرجه الديلمي من حديث علي، وفي... قاله الذهبي نقلاً عن .... راجع ......
على كل حال من أقوى ما جاء في المعازف حديث الصحيح، صحيح البخاري خرجه من حديث أبي مالك أو أبي عامر الأشعري عن النبي-عليه الصلاة والسلام- أنه قال: « ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف»، فكونهم يستحلون ثم يعاقبون، كل هذا يدل على أنها محرمات، وشديدة التحريم –نسال الله العافية-، يستحقون بهذه العقوبة الخسف والمسخ –نسأل الله العافية-، والحديث وإن صدره البخاري بقوله –رحمه الله-: قال هشام بن عمار، هشام بن عمار من شيوخه الذين لقيهم، وأخذ عنهم، وحدث عنه في خمسة أحاديث، فالحديث موصول، كما هو رأي ابن الصلاح والحافظ العراقي وجمع من أهل العلم يرون أن حكم قال حكم العنعنة:
وأما الذي لشيخه عزا بقال فكذي عنعنة
كخبر المعازف لا تصغِ لابن حزم المخالف
ابن حزم على رأيه في إباحة الغناء حكم على جميع ما جاء في الباب بأنه موضوع، لكنه ما أصاب في هذا، بل فيه أحاديث صحيحة، وفيه أحاديث حسنة، وفيه أحاديث ضعيفة، وفيه أحاديث موضوعات، وفيه أحاديث صحت عن النبي-عليه الصلاة والسلام- بتحريمه، وعامة أهل العلم على منعه، لا شك أن آثاره السيئة بحيث يصد عن ذكر الله وعن الصلاة، ولا يجعل القلب يطيق القرآن، لذا تجد من أكب على الغناء واللهو وصار ديدنه أنه ما يقرأ شيئًا من القرآن أبدًا –والله والمستعان-.
"والمسألة الثانية: وَهُوَ الْغِنَاءُ الْمُعْتَادُ عِنْدَ الْمُشْتَهِرِينَ بِهِ، الَّذِي يُحَرِّكُ النُّفُوسَ، وَيَبْعَثُهَا عَلَى الْهَوَى وَالْغَزَلِ، وَالْمُجُونُ الَّذِي يُحَرِّكُ السَّاكِنَ، وَيَبْعَثُ الْكَامِنَ، فَهَذَا النَّوْعُ إِذَا كَانَ فِي شِعْرٌ يُشَبَّبُ فِيهِ بِذِكْرِ النِّسَاءِ وَوَصْفِ مَحَاسِنِهِنَّ وَذِكْرِ الْخُمُورِ وَالْمُحَرَّمَاتِ لَا يُخْتَلَفُ فِي تَحْرِيمِهِ؛ لِأَنَّهُ اللَّهْوُ وَالْغِنَاءُ الْمَذْمُومُ بِالِاتِّفَاقِ. فَأَمَّا مَا سَلِمَ مِنْ ذَلِكَ فَيَجُوزُ الْقَلِيلُ مِنْهُ فِي أَوْقَاتِ الْفَرَحِ، كَالْعُرْسِ وَالْعِيدِ وَعِنْدَ التَّنْشِيطِ عَلَى الْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ، كَمَا كَانَ فِي حَفْرِ الْخَنْدَقِ وَحَدْوِ أَنْجَشَةَ وَسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ."
وهذا إذا خلا من الآلات، يعني ألفاظه سليمة من لفظ المحرم، وخلا من آلات، وأدي على لحون العرب بهذه الشروط لا بأس، وهذا يحل إشكالًا كبيرًا يبن طلاب العلم الآن في حكم الأناشيد والأغاني، فمنهم من يبيح الأغاني، ومنهم من يمنع الأناشيد المباحة، فلا إفراط ولا تفريط، الشعر كلام حسنه حسن، وقبيحه قبيح، وأنشد بين يدي النبي-عليه الصلاة والسلام-، وفي المسجد أيضًا، لكن بالشروط التي ذكرها أهل العلم، وحررها الحافظ ابن رجب وغيره.
وأما من يبيح الغناء فهذا -نسأل الله العافية- صاحب هوى، ولا فمع النصوص الصحيحة الصريحة ليس فيه مجال للاجتهاد.
يستدلون ببعض الأمور المتشابهة التي يظنون أنها تفيد في إباحة الغناء، يقولون: إن فلانًا من السلف من أئمة المسلمين اشترى جارية مغنية، وكانت تغني له، وفلان كذلك، يعني ثبت عن بعض المتقدمين من التابعين أنهم فعلوا شيئًا من هذا، ومن أهل العلم، لكن جارية مغنية ما حكمها؟ يعني تغني له، وهي في حكم زوجته ملك يمين، وبدون آلة، وافترض أنها عارية أمامه تغني، هل يركب على مثل هذا ما يفعل في القنوات الفاجرة والسهرات الماجنة؟
يريدون هذا مثل ذاك، شخص اشترى جارية له في حكم زوجته، يطأها، ويراها عريانة، وتغني له وترقص بين يديه، هل يقال هذا مثل ما يبث في القنوات بين يدي الناس من بنات أو نساء عاهرات فاجرات لا يمتن إليهم بصلة؟
لكنه الهوى –والله المستعان-.
طالب: ...فكيف ما بين الغناء والمعازف؟
إذا طبقنا الثلاثة القيود فما فيه إشكال أبدًا –إن شاء الله-.
طالب: يسمى النشيد غناءً.... يظن الناس كلامهم على الغناء بالمعازف.
على كل حال إذا صحبته آلة أو كان لفظه ممنوعًا، أو أدي على لحون الأعاجم وأهل المجون والفسق، فهذا كله يمنع، فإذا خلا من هذه الأمور الثلاثة فما فيه أدنى إشكال.
طالب: سواء كان يحدث منه بصوت طبيعي يقلد صوت الآلة.
يعني الذي يسمونه اجتماع أصوات مع المؤثرات تطلع مثل الآلة، العبرة بالصوت لا بمن صدر عنه الصوت، يعني إذا كان الصوت يحدث في النفس صوت الإنسان إذا كان يحدث في النفس ما تحدثه الآلة فالمسالة مسألة معانٍ ليست مسألة ألفاظ ومظاهر أبدًا.
طالب: يعني إذا قلد صوت الآلة يحرم؟
بلا شك نعم، الكلام كله على الأثر الذي يورثه في النفس.
طالب:.....صعبة.
لذلك يقول: الذي يحرك النفس، ويبعث على الهوى والمجون، ويحرك الساكن، ويبعث الكامن فهذا ما فيه إشكال في المانع؟
طالب: قياس الأثر صعب، هذا قد يؤثر فيه هذا الصوت والثاني لا يؤثر فيه.
على كل حال هو أنواع، أنواع الأصوات لو تشوف كتاب الأغاني فيه أكثر من مائتي صوت كلها مؤثرة فكل ما أشبه هذه الأصوات المؤثرة أصوات أهل المجون كله يمنع.
طالب: لو كان يا شيخ أيضًا الأذان أحيانًا يسمعه الشخص يتأثر بجمال الصوت.
الإنسان يتأثر بسماع القرآن من جمال الصوت، وأمرنا بتحسين الصوت بالقرآن وتزيينه، هذا ما فيه إشكال؛ لأن التأثير باللفظ المؤدى بهذا الصوت.
طالب:.....
نعم.
طالب: ...
ماذا؟
طالب:......
بشرح البخاري نعم.
" فَأَمَّا مَا ابْتَدَعَتْهُ الصُّوفِيَّةُ الْيَوْمَ مِنَ الْإِدْمَانِ عَلَى سَمَاعِ الْمَغَانِي بِالْآلَاتِ الْمُطْرِبَةِ مِنَ الشَّبَّابَاتِ والطار والمعازف والأوتار فحرام. قال ابْنُ الْعَرَبِيِّ: فَأَمَّا طَبْلُ الْحَرْبِ فَلَا حَرَجَ فِيهِ، لِأَنَّهُ يُقِيمُ النُّفُوسَ وَيُرْهِبُ الْعَدُوَّ وَفِي الْيَرَاعَةِ تَرَدُّدٌ. وَالدُّفُّ مُبَاحٌ. وقال الْجَوْهَرِيُّ: وَرُبَّمَا سَمَّوْا قَصَبَةَ الرَّاعِي الَّتِي يَزْمِرُ بِهَا هَيْرَعَةَ وَيَرَاعَةَ. قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: ضُرِبَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -يَوْمَ دَخَلَ الْمَدِينَةَ، فَهَمَّ أَبُو بَكْرٍ بِالزَّجْرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «دَعْهُنَّ يَا أَبَا بَكْرٍ حَتَّى تَعْلَمَ الْيَهُودُ أَنَّ دِينَنَا فَسِيحٌ»، فَكُنَّ يَضْرِبْنَ وَيَقُلْنَ: نَحْنُ بَنَاتُ النَّجَّارِ، حَبَّذَا مُحَمَّدٌ مِنْ جَارِ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الطَّبْلَ فِي النِّكَاحِ كَالدُّفِّ، وَكَذَلِكَ الْآلَاتُ ".
طالب: ..........
طالب: ..........
نعم.
" وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الطَّبْلَ فِي النِّكَاحِ كَالدُّفِّ، وَكَذَلِكَ الْآلَاتُ الْمُشْهِرَةُ لِلنِّكَاحِ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا فِيهِ بِمَا يَحْسُنُ مِنَ الْكَلَامِ وَلَمْ يكن فيه رفث."
على كل حال الدف في النكاح جاءت إباحته في أيام الفرح كالعيد، وما أشبه ذلك، لكن على قلة، لا يفتح باب بإباحة ما حرمه الله -جل وعلا-من خلال هذه التيسيرات الموجودة في ديننا ليُعلم أن فيه فسحة نجعلها هي الأصل، والجد فرعًا، الأصل في ديننا الجد، والهزل والعبث المباح اليسير أمر معفو عنه في الشرع.
طالب: سماع الرجال بضرب الدف، بينما لا يسمعون أصوات النساء.
نعم.
طالب: ......
لا يمنع لكن ما يسمع صوت النساء، يسمع الدف لا بأس، أما أصوات النساء فلا.
طالب: الجارية في حق أبي بكر يسمعها وقد مر.
يمكن سمع صوت الدف، دعهن.
طالب: ...
لا، هو أمر الجواري أسهل من أمر الحرائر، في كثير من الأمور.
طالب: بالنسبة لحكم العرضة؟
العرضة واصطحابها آلة دف وما أشبه ذلك في يوم عيد ويوم فرح، وما أشبه ذلك، يعني على الخفيف والأصل أن هذا ليس من شيم ولا أفعالهم، إنما هو مرخص فيه للنساء.
على كل حال قلنا: إن الشيء اليسير في مثل هذا اليوم؛ ليعلم أن في ديننا فسحة، لكن لا يُتخذ هذا ذريعة لإباحة ما حرم الله –جل وعلا-، يعني الشيء اليسير الذي لا يصد عن ذكر الله، ولا عن الصلاة، ولا يوقع في النفس شيئًا مما يوقع الغناء فالأمر فيه يسير، إن شاء الله.
طالب:.... للرجال.
طالب: ...
نعم.
على كل حال الأصل فيه للنساء، لكن في يوم العيد الأمر فيه سعة.
طالب: يا شيخ يحرم.
الأصل المنع.
"الثَّالِثَةُ: الِاشْتِغَالُ بِالْغِنَاءِ عَلَى الدَّوَامِ سَفَهٌ تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ، فَإِنْ لَمْ يَدُمْ لَمْ تُرَدَّ. وَذَكَرَ إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى الطَّبَّاعُ قَالَ: سَأَلْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ عَمَّا يُرَخِّصُ فِيهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنَ الْغِنَاءِ فَقَالَ: إِنَّمَا يَفْعَلُهُ عِنْدَنَا الْفُسَّاقُ، وَذَكَرَ أَبُو الطَّيِّبِ طَاهِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّبَرِيُّ قَالَ: وأَمَّا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ فَإِنَّهُ نَهَى عَنِ الْغِنَاءِ وَعَنِ اسْتِمَاعِهِ، وَقَالَ: إِذَا اشْتَرَى جَارِيَةً وَوَجَدَهَا مُغَنِّيَةً كَانَ لَهُ رَدُّهَا بِالْعَيْبِ، وَهُوَ مَذْهَبُ سَائِرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، إِلَّا إِبْرَاهِيمَ بْنَ سَعْدٍ فَإِنَّهُ حَكَى عَنْهُ زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بِهِ بَأْسًا.
وَقَالَ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادَ: فَأَمَّا مَالِكٌ فَيُقَالُ عَنْهُ: إِنَّهُ كَانَ عَالِمًا بِالصِّنَاعَةِ، وَكَانَ مَذْهَبُهُ تَحْرِيمَهَا، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: تَعَلَّمْتُ هَذِهِ الصِّنَاعَةَ وَأَنَا غُلَامٌ شَابٌّ، فَقَالَتْ لِي أُمِّي: أَيْ بُنَيَّ! إِنَّ هَذِهِ الصِّنَاعَةَ يَصْلُحُ لَهَا مَنْ كَانَ صَبِيحَ الْوَجْهِ، وَلَسْتَ كَذَلِكَ، فَاطلب الْعُلُومَ الدِّينِيَّةَ، فَصَحِبْتُ رَبِيعَةَ، فَجَعَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ خَيْرًا."
يعني الآن الاقتران بين صباحة الوجه وبين المهنة، مهنة الغناء يدل على أنها مهنة من في قلبه شيء، فيه ميل إلى النساء أو من النساء من فيها ميل إلى الرجال؛ لأن هذه الاقتران صباحة الوجه مع هذا الغناء الماجن الفاجر يدل على أنه يتخذ وسيلة لا لذاته، يُقتنص به الأغرار، سواء كان من الرجال أو النساء أو من الشباب أو الشابات، ليس الغاية لذاته أبدًا، إنما هو وسيلة، كما هو الشأن في التفحيط وغيره الآن الذي يصنع هل فيه تلذذ أو فيه شيء؟ إنما هم وجدوا فيه مدخلًا إلى اقتناص الأغرار، وكم من امرأة وقعت في حبائل المفاحش! وكم من شاب وقع في حبائله! وإلا فالأصل المهنة جنون يعني، هي جنون، لا تزيد، ولا تنقص، ومع ذلك إنما هي وسيلة لاقتناص ما يراد من أمور مشبوهة، كما هو الشأن فيه هنا قالت له أمه: إن هذه الصناعة يصلح من كان صبيح الوجه؛ لتتم عنده الحبائل التي يصطاد بها.
على كل حال وضعهم معروف وأهدافهم ومآربهم معروفة، –والله المستعان-، قديمًا وحديثًا، وكتب الأدب تفوح بالنوايا من مثل هؤلاء المغنيين ومجتمعاتهم سافلة، وألفظهم بذيئة، ولا تجد فيه من هو مستوي الطبع، والله المستعان.
طالب: الإصرار عليه صغيرة أم كبيرة الغناء؟
لا شك أن الإصرار عليه عند جميع من يقول بتحريمه أنه كبيرة.
طالب: لكن لفظ البخاري يستحلون.
مسألة المعازف انتهينا منها، انتهينا من المعازف، مفروغ منها، محرمة، محرمة بلا إشكال، لكن لو ترنم بألفاظ استدل بها النحاة مثلاً على قاعدة نحوية، أو صرفية أو شيء، وفيه شيء من الغزل، وترنم به يسيرًا، ما قلنا: كبيرة هذه، لكن لو كرره وردده وصارت ديدنه قلنا: إصرار هذا، ويستدلون بأبيات فيه فحش، لكن ليس مرادهم إيراد هذا الفحش، إنما مرادهم دلالته على الحكم الذي أوردوه من أجله.
طالب: الغناء المعاصر يا شيخ لا يكون غناءً إلا باقترانه بالآلات الموسيقية.
هذا من الأصل يمنع ما فيه إشكال، وكل هذا مع القصد، لكن لو كان يبحث عن إذاعة من الإذاعات فيها حديث أو فيها كلام طيب أو برنامج طيب، ومر على هذه الإذاعات وفيها شيء من الأغاني والموسيقى من غير قصد فهذا ما يدخل في الموضوع.
طالب: ............الناس الآن في العرس يدعون ستة آلاف، سبعة آلاف عن مغنية .... هذا...
هذا لا يجوز، هذا حرام، إضافة إلى كون المهنة محرمة، وإعطاء كل محرم إضافة إلى ذلك ما فيه من إسراف ودفع أموال وإنفاق أموال في غير محلها.
طالب: دليل جواز............
هذا مثل ما مر معنا.
طالب: ......................
لمن نذر إقرار النبي –عليه الصلاة والسلام- لمن نذر، والأصل أنه للنساء مفروغ منه أكثر الصور التي جاءت فيه للنساء، وأما الرجال فما جاء فيهم إلا من نذر لئن فتح الله على كذا لأضربن على رأسه إلى آخره، فقط، ولذا لا يستعمل بتوسع أبدًا.
"قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ: وَأَمَّا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ يَكْرَهُ الْغِنَاءَ مع إباحته شرب النبيذ، ويجمل سَمَاعَ الْغِنَاءِ مِنَ الذُّنُوبِ. وَكَذَلِكَ مَذْهَبُ سَائِرِ أَهْلِ الْكُوفَةِ: إِبْرَاهِيمَ وَالشَّعْبِيِّ وَحَمَّادٍ وَالثَّوْرِيِّ وَغَيْرِهِمْ، لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لَا يُعْرَفُ بَيْنَ أَهْلِ الْبَصْرَةِ خِلَافٌ فِي كَرَاهِيَةِ ذَلِكَ وَالْمَنْعِ مِنْهُ، إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيِّ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بِهِ بَأْسًا. قَالَ: وَأَمَّا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فَقَالَ: الْغِنَاءُ مَكْرُوهٌ يُشْبِهُ الْبَاطِلَ، وَمَنِ اسْتَكْثَرَ مِنْهُ فَهُوَ سَفِيهٌ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ. وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ الْجَوْزِيُّ عَنْ إِمَامِهِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ قَالَ: وَقَدْ ذَكَرَ أَصْحَابُنَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْخَلَّالِ وَصَاحِبِهِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِبَاحَةَ الْغِنَاءِ، وَإِنَّمَا أَشَارُوا إِلَى مَا كَانَ فِي زَمَانِهِمَا مِنَ الْقَصَائِدِ الزُّهْدِيَّاتِ، قَالَ: وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا لَمْ يَكْرَهْهُ أَحْمَدُ، وَيَدُلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ مَاتَ وَخَلَّفَ وَلَدًا وَجَارِيَةً مُغَنِّيَةً، فَاحْتَاجَ الصَّبِيُّ إِلَى بَيْعِهَا فَقَالَ: تُبَاعُ عَلَى أَنَّهَا سَاذَجَةٌ لَا عَلَى أَنَّهَا مُغَنِّيَةٌ فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهَا تُسَاوِي ثَلَاثِينَ أَلْفًا، وَلَعَلَّهَا إِنْ بِيعَتْ سَاذَجَةً تُسَاوِي عِشْرِينَ أَلْفًا؟ فَقَالَ: لَا تُبَاعُ إِلَّا عَلَى أَنَّهَا سَاذَجَةٌ.
قَالَ أَبُو الْفَرَجِ: وَإِنَّمَا قَالَ أَحْمَدُ هَذَا لِأَنَّ هَذِهِ الْجَارِيَةَ الْمُغَنِّيَةَ لَا تُغْنِّي بِقَصَائِدَ الزُّهْدِ، بَلْ بِالْأَشْعَارِ الْمُطْرِبَةِ الْمُثِيرَةِ إِلَى العشق.
وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْغِنَاءَ مَحْظُورٌ؛ إِذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَحْظُورًا مَا جَازَ تَفْوِيتُ الْمَالِ عَلَى الْيَتِيمِ. وَصَارَ هَذَا كَقَوْلِ أَبِي طَلْحَةَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: عِنْدِي خَمْرٌ لِأَيْتَامٍ؟ فَقَالَ: «أَرِقْهَا». فَلَوْ جَازَ اسْتِصْلَاحُهَا لَمَّا أَمَرَ بِتَضْيِيعِ مَالِ الْيَتَامَى قَالَ الطَّبَرِيُّ: فَقَدْ أَجْمَعَ عُلَمَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى كَرَاهَةِ الْغِنَاءِ وَالْمَنْعِ مِنْهُ وَإِنَّمَا فَارَقَ الْجَمَاعَةَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ وَعُبَيْدُ اللَّهِ الْعَنْبَرِيُّ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَيْكُمْ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ. وَمَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»".
مخرج؟
طالب: نعم، عليكم بالسواد الأعظم، أخرجه ابن أبي عاصم في السنن من حديث ابن عمر في أثناء حديث .... ومن حديث أنس، وله شواهد يؤخذ بها .... بتخريج الألباني.
نعم.
" قَالَ أَبُو الْفَرَجِ: وَقَالَ الْقَفَّالُ مِنْ أَصْحَابِنَا: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُغَنِّي وَالرَّقَّاصِ. قُلْتُ: وَإِذْ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَا يَجُوزُ فَأَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ لَا تَجُوزُ."
طالب: الغناء.... في اصطلاح المتقدمين يراد به الآلات المعازف أم لا؟
الغناء بمفرده يراد به ما يثير الغرائز، الغناء المثير مجردًا عن المعازف، المعازف لها حكم يخصها.
طالب: لكن يا شيخ لما تقرأ في كتب الأدب القديمة.... الأغاني تجد المغني فلانًا وفلانًا كلها الآلات.
هذه إذا وجدت صارت ظلامًا على ظلام، ظلمات بعضها فوق بعض، لكن لو قال: والله ما عندي الآلات، ولا شيء، عندي الجارية تغني بشعر مجرد بدون الآلات نقول: اعرض شعرك، إن كان مباحًا فلا بأس، وإن كان غير مباح فلا.
"وَقَدِ ادَّعَى أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى تَحْرِيمِ الْأُجْرَةِ عَلَى ذَلِكَ. وَقَدْ مَضَى فِي الأنعام عند قوله: {وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ"} [الأنعام: 59] وحسبك.
الرَّابِعَةُ: قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: وَأَمَّا سَمَاعُ الْقَيْنَاتِ فَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يسمع غناء جاريته؛ إذ ليس شيء مِنْهَا عَلَيْهِ حَرَامًا لَا مِنْ ظَاهِرِهَا وَلَا مِنْ بَاطِنِهَا، فَكَيْفَ يُمْنَعُ مِنَ التَّلَذُّذِ بِصَوْتِهَا. أَمَّا إِنَّهُ لَا يَجُوزُ انْكِشَافُ النِّسَاءِ لِلرِّجَالِ وَلَا هَتْكُ الْأَسْتَارِ وَلَا سَمَاعُ الرَّفَثِ، فَإِذَا خَرَجَ ذَلِكَ إِلَى مَا لَا يَحِلُّ وَلَا يَجُوزُ مُنِعَ مِنْ أَوَّلِهِ، وَاجْتُثَّ مِنْ أَصْلِهِ.
وَقَالَ أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ: أَمَّا سَمَاعُ الْغِنَاءِ مِنَ الْمَرْأَةِ الَّتِي لَيْسَتْ بِمَحْرَمٍ فَإِنَّ أَصْحَابَ الشَّافِعِيِّ قَالُوا: لَا يَجُوزُ، سَوَاءٌ كَانَتْ حُرَّةً أَوْ مَمْلُوكَةً.
قَالَ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: وَصَاحِبُ الْجَارِيَةِ إِذَا جَمَعَ النَّاسَ لِسَمَاعِهَا فَهُوَ سَفِيهٌ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ، ثُمَّ غَلَّظَ الْقَوْلَ فِيهِ فَقَالَ: فَهِيَ دِيَاثَةٌ. وَإِنَّمَا جُعِلَ صَاحِبُهَا سَفِيهًا؛ لِأَنَّهُ دَعَا النَّاسَ إِلَى الْبَاطِلِ، وَمَنْ دَعَا النَّاسَ إِلَى الْبَاطِلِ كَانَ سَفِيهًا."
طالب: من يستمع إلى الغناء يا شيخ ترد شهادته؟
بلا شك، ما دام يستمع المحرم فهو فاسق، الذي يستمع المحرم فاسق مردود الشهادة.
"الْخَامِسَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}، قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ بِضَمِّ الْيَاءِ.
ماذا عندك؟ الخامسة؟
طالب: ...
"الْخَامِسَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}، قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ بِضَمِّ الْيَاءِ أَيْ لِيُضِلَّ غَيْرَهُ عَنْ طَرِيقِ الْهُدَى، وَإِذَا أَضَلَّ غَيْرَهُ فَقَدْ ضَلَّ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَحُمَيْدٌ وَأَبُو عَمْرٍو وَرُوَيْسٌ وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ بِفَتْحِ الْيَاءِ عَلَى اللَّازِمِ، أَيْ ليضل هو نفسه.
{وَيَتَّخِذَها هُزُواً} قِرَاءَةُ الْمَدَنِيِّينَ وَأَبِي عَمْرٍو وَعَاصِمٍ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى" مَنْ يَشْتَرِي" وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا. وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ:" وَيَتَّخِذَها" بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى" لِيُضِلَّ". وَمِنَ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا لَا يَحْسُنُ الْوَقْفُ عَلَى قَوْلِهِ:" بِغَيْرِ عِلْمٍ" والوقف على قوله:" هُزُواً"، والهاء في" يَتَّخِذَها" كِنَايَةٌ عَنِ الْآيَاتِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كِنَايَةً عَنِ السَّبِيلِ؛ لِأَنَّ السَّبِيلَ يُؤَنَّثُ وَيُذَكَّرُ. {أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ} أَيْ شَدِيدٌ يُهِينُهُمْ. قَالَ الشاعر:
وَلَقَدْ جَزِعْتُ إِلَى النَّصَارَى بَعْدَ مَا ... لَقِيَ الصليب من العذاب مهينا
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا} يَعْنِي الْقُرْآنَ. {وَلَّى} أَيْ أَعْرَضَ، {مُسْتَكْبِراً} نُصِبَ عَلَى الْحَالِ. {كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً} ثِقَلًا وَصَمَمًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ، {فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ} تقدم أيضًا.
قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ} لَمَّا ذُكِرَ عَذَابُ الْكُفَّارِ ذُكِرَ نَعِيمُ الْمُؤْمِنِينَ، {خالِدِينَ فِيها} أَيْ دَائِمِينَ، {وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا} أَيْ وَعَدَهُمُ اللَّهُ هَذَا وَعْدًا حَقًّا لَا خُلْفَ فِيهِ، {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} تقدم أيضًا."
لما ذكر عذاب الكفار ذكر نعيم المؤمنين كما هي العادة في أسلوب القرآن، وهذا أحد وجوه تسميته بالمثاني، يذكر الوعد ثم يذكر الوعيد والعكس، ثم يذكر حال الكفار أو العكس، لكن التعقيب بالعزيز الحكيم { إن الذي أمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم خالدين فيها أبدًا وعد الله حقا وهو العزيز الحكيم}، هنا التعقيب بمثل هذا، يعني الغالب في أسلوب القرآن أن التعقيب يكون مناسبًا لما قبله من كلام، يعني يناسب ذلك الغفور الرحيم مثلاً، وتكلم المؤلف –رحمه الله- على هذه المسألة في آخر سورة المائدة.
انظر السادس يا أبا عبد الله، {إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم}. تكلم عن هذا، لكن هذا الأصل أن يكون التعقيب مناسبًا لما تقدم، وأنه إذا كان سياق رحمة يعقب بالغفور الرحيم، وإذا كان سياق عذاب يعقب بالعزيز الحكيم وما أشبه ذلك، وذلك هذا هو الغالب، وقد ورد في آيات عديدة خلاف ما قرره المؤلف وغيره وقعدوه.
طالب: ...
تُعذبهم؟
وقال: فإنك أنت العزيز الحكيم، ولم يقل: فإنك أنت الغفور الرحيم على ما تقتضيه القصة من تسليم لأمره، والتفويض لحكمه، ولو قال: فإنك أنت الغفور الرحيم لأوهم الدعاء لهم بالمغفرة لمن مات على شركه، وذلك مستحيل، فالتقدير إن تبقهم على كفرهم حتى يموتوا، وتعذبهم فإنهم عبادك وإن تهدهم إلى توحيدك وطاعتك وتغفر لهم فإنك أنت العزيز الذي لا يمتنع عليك ما تريد، الحكيم فيما تفعله.
ثم قال: وقال أبو بكر الأنباري: وقد طعن على القرآن من قال: إن قوله: {إنك أنت العزيز الحكيم} ليس بمُشاكل لقوله: {وإن تغفر لهم }؛ لأن الذي يشاكل المغفرة، فإنك أنت الغفور الرحيم، والجواب لا يحتمل إلا ما أنزله الله –جل وعلا-، ومتى نقل إلى الذي نقله إليه ضعف معناه، يعني لو قيل في هذا الموضع: إنك أنت الغفور الرحيم ضعف المعنى، لماذا فإنه ينفرد الغفور الرحيم بالشرط الثاني، فلا يكون له بالشرط الأول تعلق، لا يمكن أن يتناول إن تعذبهم فإنهم عبادك فإنك أنت الغفور الرحيم، يتعلق بالشرط الثاني وإن تغفر لهم فإنك أنت الغفور الرحيم، نعم صحيح، لكن ماذا عن الشرط الأول والعزيز الحكيم يصلح للأول، ويصلح للثاني؛ لأنهم من الأسماء الحسنى، واجتمع على قراءته مقرون بشرطين كليهما أولهما وآخرهما؛ إذ تلخيصه: وإن تعذبهم فإنك أنت عزيز حكيم، وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم، فالأمرين كليهما التعذيب والغفران، فكان العزيز الحكيم أليق بهذا المكان؛ لعمومه، فإنه يجمع الشرطين. إلى آخر كلامه في هذه المسألة.
ولا شك أن الكلام أغلبي، وليس بكلي، ولذا جاء هنا خالدًا فيها وعد الله حقًّا وهو العزيز الحكيم، وهذا لا شم أنه من غير الغالب.
"قَوْلُهُ تَعَالَى: {خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها} تَكُونُ" تَرَوْنَها" فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ عَلَى النَّعْتِ ل"- عَمَدٍ" فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ثَمَّ عَمَدٌ وَلَكِنْ لَا تُرَى."
خلق السنوات بغير عمد ترونها من غير عمد ترونها، ترونها هل هو وصف كاشف لا مفهوم له، أو أنه وصف مؤثر، وله مفهوم؟ بمعنى أن لها عمدًا، لكنها لا ترى، أو لا عمد لها ألبتة.
" وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ مِنَ" السَّماواتِ"، وَلَا عَمَدَ ثَمَّ ألْبَتَّةَ النَّحَّاسُ: وَسَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ سُلَيْمَانَ يَقُولُ: الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا، وَلَا عَمَدَ ثَمَّ، قَالَهُ مَكِّيٌّ. وَيَكُونُ" بِغَيْرِ عَمَدٍ" التَّمَامُ وَقَدْ مَضَى فِي" الرَّعْدِ" الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ."
على كل حال كلاهما معجز، سواء كانت بغير عمد أو كانت بعمد، لكنها لا ترى، كله يدل على عظمة الخالق –جل وعلا-.
طالب: الآية السابقة وهو العزيز الحكيم ناسبت ما قبله وهو الوعد إحقاق الوعد.
لا، الوعد لا شك أنه يناسبه الغفور الرحيم، العزيز الحكيم في الغالب تقرن بالوعيد، لكنه من غير الغالب قد تكون لحكمة وعلة عظيمة، كما ذكر في آية المائدة تقرن بالعزيز الحكيم، لاسيما وأنها تعقبت حالين، ما تعقبت حالًا واحدًا كما هنا فيه وعد وفيه وعيد، نعم ذكر حال الكفار، ثم ذكر حال المؤمنين، ثم عقب الأمرين بالعزيز الحكيم كما في سورة المائدة، لكن ولو تمحض الأمر بوعد المؤمنين لكان الأولى أن يكون بما يناسب الغفور الرحيم.
" {وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ} أَيْ جِبَالًا ثَوَابِتَ. {أَنْ تَمِيدَ} فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، أَيْ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَمِيدَ. وَالْكُوفِيُّونَ يُقَدِّرُونَهُ بِمَعْنَى لِئَلَّا تَمِيدَ."
أو خشية أن تميد.
طالب: قوله: لكن الأولى كذا أو لكان الأولى كذا هذا لا يعد ............على الله -سبحانه وتعالى-.
لا، هو الآن تقرير لما جاء من كلام الله –جل وعلا-، الذين استدركوا من الملاحدة في كلام أبي بكر بن الأنباري ما فيه شك، لكن إيجاد مخرج من القاعدة العامة يتمشى مع ما جاء في القرآن، هذا مطلوب هذا.
" {وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماء فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: مِنْ كُلِّ لَوْنٍ حَسَنٍ. وَتَأَوَّلَهُ الشَّعْبِيُّ عَلَى النَّاسِ؛ لِأَنَّهُمْ مَخْلُوقُونَ مِنَ الْأَرْضِ، قَالَ: مَنْ كَانَ مِنْهُمْ يَصِيرُ إِلَى الْجَنَّةِ فَهُوَ الْكَرِيمُ، وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ يَصِيرُ إِلَى النَّارِ فَهُوَ اللَّئِيمُ. وَقَدْ تَأَوَّلَ غَيْرُهُ أَنَّ النُّطْفَةَ مَخْلُوقَةٌ مِنْ تُرَابٍ، وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ} مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ. وَالْخَلْقُ بِمَعْنَى الْمَخْلُوقِ، أَيْ هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ مِمَّا تُعَايِنُونَ" خَلْقُ اللَّهِ" أَيْ مَخْلُوقُ اللَّهِ".
نعم، يأتي المصدر ويراد به اسم المفعول كما هنا في الحمل يراد به المحمول.
" أَيْ خَلَقَهَا مِنْ غَيْرِ شَرِيكٍ. {فَأَرُونِي} معَاشِرَ الْمُشْرِكِينَ {مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} يَعْنِي الْأَصْنَامَ، {بَلِ الظَّالِمُونَ} أَيِ الْمُشْرِكُونَ {فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} أي خسران ظاهر. و" ما" اسْتِفْهَامٌ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ" ذَا" وَذَا بِمَعْنَى الَّذِي. وَ" خَلْقُ" وَاقِعٌ عَلَى هاء محذوفة، تقديره فأروني أي شيء خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ، وَالْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِـ"أَرُونِي" وَتُضْمَرُ الْهَاءُ مَعَ" خَلْقُ" تَعُودُ عَلَى الَّذِينَ، أَيْ فَأَرُونِي الْأَشْيَاءَ الَّتِي خَلَقَهَا الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ. وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ تقول: ماذا تعلمت، أنحو أم شعر. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ" مَا" فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بـ "أروني" و" ذا" زائد، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَقُولُ: مَاذَا تَعَلَّمْتَ، أَنَحْوًا أم شعرًا."
اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك.
طالب: بالنسبة لقوله تعالى: {إن تعذبهم فإنك أنت العزيز الحكيم} هل يمكن أن يقال: إن العزيز عائد على الوعد.... إذا وعد وعدا أولا يمكن لأحد أن يناقض وعده لأنه عزيز بعكس.... قد تأتي ظروف أخرى لا يستطيع أن يفي بوعده.
على كل حال هي مثل آية المائدة، هي متعقبة لأمرين، ولو كانت متعقبة لأمر واحد وهو الوعد المجرد دون الوعيد السابق لكان هناك شيء آخر مثله تمامًا.
طالب: ...........تقسيم الفريقين فريق الضلالة وفريق الهدى.
على كل حال التعقيب المناسب للوعد هو الغفور الرحيم، والوعيد هو العزيز الحكيم، لكن لا ينفي أن يكون العزيز الحكيم مناسبًا للوعد أيضًا؛ لأنه من الأسماء الحسنى، ولو كان الغفور الرحيم بدل العزيز الحكيم في هذا الموضع وفي سورة المائدة لناسب الشطر الثاني دون الأول –والله المستعان-.
"