التعليق على تفسير القرطبي - سورة الصافات (07)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، سمِّ.
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى-: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} قَدْ تَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رِسَالَةَ يُونُسَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- إِنَّمَا كَانَتْ بَعْدَ مَا نَبَذَهُ الْحُوتُ. وَلَيْسَ لَهُ طَرِيقٌ إِلَّا عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَب.
وشهر بن حوشب ضعفه معروف عند أهل العلم، نعم ضعيف عند جمهور أهل العلم، نعم.
قَالَ النَّحَّاسُ: وَأَجْوَدُ مِنْهُ إِسْنَادًا وَأَصَحُّ مَا حَدَّثَنَاهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ.
وَمَا حَدَّثَنَاهُ؟
مَا حُدِّثْنَاهُ.
مَا حُدِّثْنَاهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الْعَنْقَزِيِّ؟
نعم.
عَمْرُو بْنُ الْعَنْقَزِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فِي بَيْتِ الْمَالِ عَنْ يُونُسَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: إِنَّ يُونُسَ وَعَدَ قَوْمَهُ الْعَذَابَ وَأَخْبَرَهُمْ أَنْ يَأْتِيَهُمْ إِلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَفَرَّقُوا بَيْنَ كُلِّ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا.
عن هذه عَنْ يُونُسَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ هذه ليست أداة الرواية، وإنما يُراد بها عن قصة يونس، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فِي بَيْتِ الْمَالِ عَنْ يُونُسَ، وليس يروي عن يونس، وعن هنا ليست أداة الرواية، ليست صيغة أداء؛ يعني كما جاء عن أبي الأحوص أنه خرج عليه خوارج وقتلوه؛ يعني هذه قصة أبي الأحوص، نعم.
وَخَرَجُوا فَجَأَرُوا إِلَى اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وَاسْتَغْفَرُوا، فَكَفَّ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- عَنْهُمُ الْعَذَابَ، وَغَدَا يُونُسُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- يَنْتَظِرُ الْعَذَابَ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، وَكَانَ مَنْ كَذَبَ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ قُتِلَ، فَخَرَجَ يُونُسُ مُغَاضِبًا، فَأَتَى قَوْمًا فِي سَفِينَةٍ فَحَمَلُوهُ وَعَرَفُوهُ، فَلَمَّا دَخَلَ السَّفِينَةَ رَكَدَتِ السَّفِينَةُ وَالسُّفُنُ تَسِيرُ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَقَالُوا: مَا لِسَفِينَتِكُمْ؟ فَقَالُوا: لَا نَدْرِي. فَقَالَ يُونُسُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ-إِنَّ فِيهَا عَبْدًا آبِقًا مِنْ رَبِّهِ -جَلَّ وَعَزَّ- وَإِنَّهَا لَنْ تَسِيرَ حَتَّى تُلْقُوهُ. قَالُوا أَمَّا أَنْتَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ فَإِنَّا لَا نُلْقِيكَ. قَالَ: فَأَقْرِعُوا فَمَنْ قُرِعَ فَلْيَقَعْ، فَاقْتَرَعُوا فَقَرَعَهُمْ يُونُسُ فَأَبَوْا أَنْ يَدَعُوهُ، قَالَ: فَاقْتَرِعُوا ثَلَاثًا فَمَنْ قُرِعَ فَلْيَقَعْ. فَاقْتَرَعُوا فَقَرَعَهُمْ يُونُسُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أَوْ قَالَ ثَلَاثًا فَوَقَعَ. وَقَدْ وَكَّلَ اللَّهُ بِهِ -جَلَّ وَعَزَّ- حُوتًا فَابْتَلَعَهُ وَهُوَ يَهْوِي بِهِ إِلَى قَرَارِ الْأَرْضِ، فَسَمِعَ يُونُسُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- تَسْبِيحَ الْحَصَى {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} قَالَ: ظُلْمَةُ اللَّيْلِ، وَظُلْمَةُ الْبَحْرِ، وَظُلْمَةُ بَطْنِ الْحُوتِ. قَالَ: {فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ} قَالَ: كَهَيْئَةِ الْفَرْخِ الْمَمْعُوطِ الَّذِي لَيْسَ عَلَيْهِ رِيشٌ. قَالَ: وَأَنْبَتَ اللَّهُ عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ فَنَبَتَتْ، فَكَانَ يَسْتَظِلُّ بِهَا وَيُصِيبُ مِنْهَا، فَيَبِسَتْ فَبَكَى عَلَيْهَا، فَأَوْحَى اللَّهُ -جَلَّ وَعَزَّ- إِلَيْهِ: أَتَبْكِي عَلَى شَجَرَةٍ يَبِسَتْ، وَلَا تَبْكِي عَلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ أَرَدْتَ أَنْ تُهْلِكَهُمْ؟ قَالَ: وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ يُونُسُ.
يهلكون يعني بدعائه عليهم، بسؤاله نزول العذاب يهلكون، وما تقدم كالولد المنفوس كالطفل المنفوس يعني في نفاسه، وَقَالَ هنا: كَهَيْئَةِ الْفَرْخِ الْمَمْعُوطِ، ولا فرق بينهما، متقاربان، لا شعر له، نعم.
قَالَ: وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ يُونُسُ فَإِذَا هُوَ بِغُلَامٍ يَرْعَى، قَالَ: يَا غُلَامُ مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ قَوْمِ يُونُسَ. قَالَ: فَإِذَا جِئْتَ إِلَيْهِمْ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّكَ قَدْ لَقِيتَ يُونُسَ. قَالَ : إِنْ كُنْتَ يُونُسَ، إِنْ كُنْتَ يُونُسُ فَقَدْ عَلِمْت.
يُونُسَ.
قَالَ: إِنْ كُنْتَ يُونُسَ فَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ مَنْ كَذَبَ قُتِلَ إِذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ، فَمَنْ يَشْهَدُ لِي؟ قَالَ: هَذِهِ الشَّجَرَةُ، وَهَذِهِ الْبُقْعَةُ. قَالَ: فَمُرْهُمَا، فَقَالَ لَهُمَا يُونُسُ: إِذَا جَاءَكُمَا هَذَا الْغُلَامُ فَاشْهَدَا لَهُ. قَالَتَا: نَعَمْ. قَالَ: فَرَجَعَ الْغُلَامُ إِلَى قَوْمِهِ وَكَانَ فِي مَنَعَةٍ وَكَانَ لَهُ إِخْوَةٌ، فَأَتَى الْمَلِكَ فَقَالَ: إِنِّي قَدْ لَقِيتُ يُونُسَ وَهُوَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ. قَالَ: فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُقْتَلَ، فَقَالُوا: إِنَّ لَهُ بَيِّنَةً، فَأَرْسِلُوا مَعَهُ. فَأَتَى الشَّجَرَةَ وَالْبُقْعَةَ فَقَالَ لَهُمَا: نَشَدْتُكُمَا بِاللَّهِ -جَلَّ وَعَزَّ- أَتَشْهَدَانِ أَنِّي لَقِيتُ يُونُسَ؟ قَالَتَا: نَعَمْ. قَالَ: فَرَجَعَ الْقَوْمُ مَذْعُورِينَ يَقُولُونَ لَهُ: شَهِدَتْ لَهُ الشَّجَرَةُ وَالْأَرْضُ، فَأَتَوُا الْمَلِكَ فَأَخْبَرُوهُ بِمَا رَأَوْا. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَتَنَاوَلَ الْمَلِكُ يَدَ الْغُلَامِ فَأَجْلَسَهُ فِي مَجْلِسِهِ، وَقَالَ: أَنْتَ أَحَقُّ بِهَذَا الْمَكَانِ مِنِّي.
عبد الله المقصود به ابن مسعود الراوي، نعم.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَأَقَامَ لَهُمْ ذَلِكَ الْغُلَامُ أَمْرَهُمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ: فَقَدْ تَبَيَّنَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ يُونُسَ كَانَ قَدْ أُرْسِلَ قَبْلَ أَنْ يَلْتَقِمَهُ الْحُوتُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ الَّذِي لَا يُؤْخَذُ بِالْقِيَاسِ. وَفِيهِ أَيْضًا مِنَ الْفَائِدَةِ أَنَّ قَوْمَ يُونُسَ آمَنُوا وَنَدِمُوا قَبْلَ أَنْ يَرَوُا الْعَذَابَ; لِأَنَّ فِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ إِلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَفَرَّقُوا بَيْنَ كُلِّ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا، وَضَجُّوا ضَجَّةً وَاحِدَةً إِلَى اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي الْبَابِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حُكْمُ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- فِيهِمْ كَحُكْمِهِ فِي غَيْرِهِمْ فِي قَوْلِهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا}.
يعني استُثنِي قوم يونس من هذه السُنة الإلهية؛ لأن العذاب إذا جاءت مقدماته لا يُرفع، وما استُثنِي من هذا إلا قوم يُونُس. ما الفائدة من تفريق التفريق بين كل والدةٍ وولدها؟ قال: فَفَرَّقُوا بَيْنَ كُلِّ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا، وَضَجُّوا ضَجَّةً وَاحِدَةً إِلَى اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-. ولا يخلو من احتمالين؛ الاحتمال الأول: أن هذا أدعى إلى البكاء، والاحتمال الثاني: أنه أدعى إلى فراغ البال؛ لأن الوالد ينشغل بولده، والولد ينشغل بوالده فيرتاحوا إذا فُرِّقُوا، ويتجهون إلى ما هم بصدده من الدعاء لله -جل وعلا-، والثاني: أنه إذا فُرِّق بين كل والدة وولدها انكسرت النفس، وأقبل الإنسان، وإن كان البكاء يكون فيه شيء من التشريك، بعضهم قد يبكي من أجل ولده الذي حُرِمَ منه، ولعل الاحتمال الأول أظهر، نعم.
وَقَوْلِهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ} الْآيَةَ. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّهُمْ رَأَوْا مَخَائِلَ الْعَذَابِ فَتَابُوا. وَهَذَا لَا يَمْنَعُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ لِلْعُلَمَاءِ مَا.
مَا مَا لِلْعُلَمَاء.
وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا لِلْعُلَمَاءِ فِي هَذَا فِي سُورَةِ [يُونُسَ] فَلْيُنْظَرْ هُنَاكَ .
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَوْ يَزِيدُونَ قَدْ مَضَى فِي [الْبَقَرَةِ] مَحَامِلُ "أَوْ" فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} قَالَ الْفَرَّاءُ: "أَوْ" بِمَعْنَى بَلْ. وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنَّهَا بِمَعْنَى الْوَاوِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ :
فَلَمَّا اشْتَدَّ أَمْرُ الْحَرْبِ فِينَا |
تَأَمَّلْنَا رِيَاحًا أَوْ رِزَامَا |
أَيْ: وَرِزَامًا. وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ}.
ده داعي لحمل أو على المعاني المذكورة أن أو تحتمل الشك: {مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} [الصافات:147]، هذا في تقدير الناس ماشي ما فيه إشكال، التردد في مثل هذا إذا لم يُعرف العدد بدقة بالنسبة للمخلوق ما فيه إشكال، لكن الكلام فيمن يطلع على ما هو أخفى من ذلك، كيف يُتصور منه التردد؟ قالوا إن أو بمعنى بل، صنعوا إلى مائة ألف بل يزيدون عن المائة ألف، أو بمعنى الواو؛ مائة ألف ويزيدون عن المائة، على خلاف بينهم في قدر الزيادة، وجاء في لغة العرب ما يؤيد ذلك من النصوص، والحروف تتناوب، أو تأتي بمعنى بل، وتأتي بمعنى الواو، كما أنها تأتي أيضًا للتقسيم، وتأتي للتنويع، وتأتي للشك، تأتي لإضراب، وتكون بمعنى بل كما هو معروف، بعضه يُنكر مثل هذا التناوب؛ لأنه يقول يحصل في مثل هذه خلط بين المعاني، تناوب وتناوب الحروف يحصل فيه خلط واضطراب ولا يتبين، كلٌ يستدل من جهة؛ إذا استُدِلّ بالواو على أنها لمطلق الجمع قال قائل: أنها تأتي بمعنى أو، والواو تأتي بمعنى ما، ويذهب بعضهم أن يقول لا هي المقتضى في الجمع، ولا تقتضي الترتيب، أحيانًا يقول: لا تقتضي الترتيب لأنها تُحمل على معنى كذا، ثم بعد ذلك تختلط المعاني، ولذا شيخ الإسلام -رحمه الله- رأيه أن تناوب الأفعال تضمين الأفعال أولى من تضمين الحروف؛ لأن في تضمين الحروف صار مدخل للمبتدعة يؤولون كيفما شاءوا، وعلى كل حال التناوب موجود، لكن التوسع فيه هو المرفوض، ولا يُلجأ إليه إلا إذا دعت إليه حاجة، يعني ما يمكن حمله على أصله كما هنا، نعم.
وَقَرَأَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ "إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ وَيَزِيدُونَ" بِغَيْرِ هَمْزٍ، فَ "يَزِيدُونَ" فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِأَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: وَهُمْ يَزِيدُونَ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَلَا يَصِحُّ هَذَانَ الْقَوْلَانِ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ، وَأَنْكَرُوا كَوْنَ "أَوْ" بِمَعْنَى بَلْ وَبِمَعْنَى الْوَاوِ; لِأَنَّ بَلْ لِلْإِضْرَابِ عَنِ الْأَوَّلِ وَالْإِيجَابِ لِمَا بَعْدَهُ، وَتَعَالَى اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- عَنْ ذَلِكَ، أَوْ خُرُوجٍ مِنْ شَيْءٍ إِلَى شَيْءٍ، وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ ذَلِكَ.
والإضراب الإضراب عن الأول، وإيجاب ما بعده إنما يُتصوّر ممن يخفى عليه ما في الأول الذي أضرب عنه، المخلوق يخفى عليه فيُضرب: جاء زيدٌ بل عمروٌ، ما صار الجائي لزيد، إنما توقع أنه زيد، ثم بعد ذلك استدرك، وأضرب عن الأول، وأوجب الثاني، وهذا لا يُتصور في حق الله -جل وعلا-، نعم.
وَالْوَاوُ مَعْنَاهُ خِلَافُ مَعْنَى "أَوْ" فَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا بِمَعْنَى الْآخَرِ لَبَطَلَتِ الْمَعَانِي، وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَكَانَ: وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى أَكْثَرَ مِنْ مِائَتَيّ أَلْفٍ أَخْصَرَ.
مِائَةِ أَلف.
مِائَة؟
إيه.
لَكَانَ.
مو أصل الآية: {إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} [الصافات:147]؟ أخصر منها أَرْسَلْنَاهُ إِلَى أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ أَلْفٍ.
لَكَانَ: وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى أَكْثَرَ مِنْ مِائَتَيْ أَلْفٍ أَخْصَرَ. وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: الْمَعْنَى: وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى جَمَاعَةٍ لَوْ رَأَيْتُمُوهُمْ لَقُلْتُمْ هُمْ مِائَةُ أَلْفٍ أَوْ أَكْثَرُ، وَإِنَّمَا خُوطِبَ الْعِبَادُ عَلَى مَا يَعْرِفُونَ. وَقِيلَ: هُوَ كَمَا تَقُولُ: جَاءَنِي زَيْدٌ أَوْ عَمْرٌو، وَأَنْتَ تَعْرِفُ مَنْ جَاءَكَ مِنْهُمَا، إِلَّا أَنَّكَ أَبْهَمْتَ عَلَى الْمُخَاطَبِ.
نعم هذا تأتي أيضًا للإبهام كما تأتي للشك تأتي للإبهام، نعم.
وَقَالَ الْأَخْفَشُ وَالزَّجَّاجُ: أَيْ: أَوْ يَزِيدُونَ فِي تَقْدِيرِكُمْ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: زَادُوا عَلَى مِائَةِ أَلْفٍ عِشْرِينَ أَلْفًا. وَرَوَاهُ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ مَرْفُوعًا. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: ثَلَاثِينَ أَلْفًا. قَالَ الْحَسَنُ وَالرَّبِيعُ: بِضْعًا وَثَلَاثِينَ أَلْفًا.
يعني ومائة ألف، يعني هذه الزيادة على المائة.
وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: سَبْعِينَ أَلْفًا. {فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} أَيْ إِلَى مُنْتَهَى آجَالِهِمْ، قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ} لَمَّا ذَكَرَ أَخْبَارَ الْمَاضِينَ تَسْلِيَةً لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- احْتَجَّ عَلَى كُفَّارِ قُرَيْشٍ فِي قَوْلِهِمْ: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ، فَقَالَ: {فَاسْتَفْتِهِمْ}. وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مِثْلِهِ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ وَإِنْ تَبَاعَدَتْ بَيْنَهُمُ الْمَسَافَةُ، أَيْ: فَسَلْ يَا مُحَمَّدُ أَهْلَ مَكَّةَ. {أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ} وَذَلِكَ أَنَّ جُهَيْنَةَ وَخُزَاعَةَ وَبَنِي مَلِيحٍ وَبَنِي سَلِمَةَ وَعَبْدَ الدَّارِ زَعَمُوا أَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ. وَهَذَا سُؤَالُ تَوْبِيخٍ. {أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ} أَيْ حَاضِرُونَ لِخَلْقِنَا إِيَّاهُمْ إِنَاثًا، وَهَذَا كَمَا قَالَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ} ثُمَّ قَالَ: {أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ} وَهُوَ أَسْوَأُ الْكَذِبِ {لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} فِي قَوْلِهِمْ إِنَّ لِلَّهِ وَلَدًا وَهُوَ الَّذِي لَا يَلِدُ وَلَا يُولَدُ. وَ"إِنَّ" بَعْدَ "أَلَا" مَكْسُورَةٌ; لِأَنَّهَا مُبْتَدَأَةٌ. وَحَكَى سِيبَوَيْهِ أَنَّهَا تَكُونُ بَعْدَ أَمَا مَفْتُوحَةً أَوْ مَكْسُورَةً، فَالْفَتْحُ عَلَى أَنْ تَكُونَ أَمَا بِمَعْنَى حَقًّا، وَالْكَسْرُ عَلَى أَنْ تَكُونَ أَمَا بِمَعْنَى أَلَا .
وأما أَلا التي هي للتنبيه فلا بد من كسر همزة إن بعدها، نعم.
قَالَ النَّحَّاسُ: وَسَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ سُلَيْمَانَ يَقُولُ: يَجُوزُ فَتْحُهَا بَعْدَ أَلَا تَشْبِيهًا بِأَمَا، وَأَمَّا فِي الْآيَةِ فَلَا يَجُوزُ إِلَّا كَسْرُهَا; لِأَنَّ بَعْدَهَا الرَّفْعَ. وَتَمَامُ الْكَلَامِ: لَكَاذِبُونَ .
وأَمَا جاز فتحها بتأويلها بحقًا؛ حقًا أنهم، نعم.
وَتَمَامُ الْكَلَامِ: لَكَاذِبُونَ. ثُمَّ يَبْتَدِئُ أَصْطَفَى عَلَى مَعْنَى التَّقْرِيعِ وَالتَّوْبِيخِ كَأَنَّهُ قَالَ: وَيْحَكُمْ {أَصْطَفَى الْبَنَاتِ} أَيِ: اخْتَارَ الْبَنَاتِ وَتَرَكَ الْبَنِينَ. وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ "أَصْطَفَى" بِقَطْعِ الْأَلِفِ; لِأَنَّهَا أَلِفُ اسْتِفْهَامٍ دَخَلَتْ عَلَى أَلِفِ الْوَصْلِ، فَحُذِفَتْ أَلِفُ الْوَصْلِ وَبَقِيَتْ أَلِفُ الِاسْتِفْهَامِ مَفْتُوحَةً مَقْطُوعَةً عَلَى حَالِهَا مِثْلَ: {أَطَّلَعَ الْغَيْبَ} عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَشَيْبَةُ وَنَافِعٌ وَحَمْزَةُ "اصْطَفَى" بِوَصْلِ الْأَلِفِ عَلَى الْخَبَرِ بِغَيْرِ اسْتِفْهَامٍ. وَإِذَا ابْتَدَأَ كَسَرُ الْهَمْزَةَ.
ابْتَدَأَ كَسَرَ.
وَإِذَا ابْتَدَأَ كَسَرَ الْهَمْزَةَ.
لأن همزة الوصل إذا ابتُدِأ بها تُحقق، نعم.
وَزَعَمَ أَبُو حَاتِمٍ أَنَّهُ لَا وَجْهَ لَهَا; لِأَنَّ بَعْدَهَا {مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} فَالْكَلَامُ جَارٍ عَلَى التَّوْبِيخِ مِنْ جِهَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا أَنْ يَكُونَ تَبْيِينًا وَتَفْسِيرًا لِمَا قَالُوهُ مِنَ الْكَذِبِ وَيَكُونُ {مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} مُنْقَطِعًا مِمَّا قَبْلَهُ. وَالْجِهَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّهُ قَدْ حَكَى النَّحْوِيُّونَ مِنْهُمُ الْفَرَّاءُ أَنَّ التَّوْبِيخَ يَكُونُ بِاسْتِفْهَامٍ وَبِغَيْرِ اسْتِفْهَامٍ كَمَا قَالَ -جَلَّ وَعَزَّ-: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} وَقِيلَ: هُوَ عَلَى إِضْمَارِ الْقَوْلِ، أَيْ: وَيَقُولُونَ "اصْطَفَى الْبَنَاتَ". أَوْ يَكُونُ بَدَلًا مِنْ قَوْلِهِ: وَلَدَ اللَّهُ لِأَنَّ وِلَادَةَ الْبَنَاتِ وَاتِّخَاذَهُنَّ اصْطِفَاءٌ لَهُنَّ، فَأَبْدَلَ مِثَالَ الْمَاضِي مِنْ مِثَالِ الْمَاضِي، فَلَا يُوقَفُ عَلَى هَذَا عَلَى "لَكَاذِبُونَ". {أَفَلا تَذَكَّرُونَ} فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ. {أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ} حُجَّةٌ وَبُرْهَانٌ. {فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ} أَيْ بِحُجَجِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فِي قَوْلِكُمْ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ} أَكْثَرُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ أَنَّ الْجِنَّةَ هَاهُنَا الْمَلَائِكَةُ. رَوَى ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قَالُوا -يَعْنِي كُفَّارَ قُرَيْشٍ -الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ -جَلَّ وَتَعَالَى-. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ.
فتكون العلاقة والرابط النسب، نعم؟
طالب: .....
شو يقول؟
طالب: قالوا: {وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} أي بحُجَجِكُم، {وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} في قولكم.
في أي مكان؟
طالب: في السرد.
اللي قبله؟
طالب: نعم. {أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ} حُجَّةٌ وَبُرْهَانٌ. {وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} أَيْ بِحُجَجِكُمْ.
لا {فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ} أَيْ بِحُجَجِكُمْ. ثم ما فيه {وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.
طالب: في آخر السورة.
إيه، موجود عندكم؟ أي طبعة هذه؟
طالب: دار الكتاب العربي.
معك؟ ليس هذا موضعها. نعم.
قَالُوا -يَعْنِي كُفَّارَ قُرَيْشٍ -الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ -جَلَّ وَتَعَالَى-. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: فَمَنْ أُمَّهَاتُهُنَّ. قَالُوا: مُخَدَّرَاتُ الْجِنِّ. وَقَالَ أَهْلُ الِاشْتِقَاقِ: قِيلَ لَهُمْ جِنَّةٌ لِأَنَّهُمْ لَا يُرَوْنَ.
ويُطلق عليهم هذا السبب أنهم لا يُرَوْنَ إطلاقهم على الملائكة وعلى الجن سائغ من حيث المعنى، ومن حيث الورود أيضًا، من حيث الورود {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} [الناس:6]، يُراد بهم الجن، وهنا الأكثر على أنهم الملائكة، وأهل التفسير يختلفون أيضًا في مثل هذا، وإذا كان المراد الملائكة، فالمراد النسب حيث نسبوا الملائكة إلى الله -جل وعلا- بجعلهن بناته، وإن أُريد بهم الجن، فقالوا: إنه صهرهم صهرهم، وتزوج منهم حتى أن منهم من يقول: كلامًا فظيعًا تأتي الإشارة إليه، -نسأل الله العافية-، نعم.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: إِنَّهُمْ بَطْنٌ مِنْ بُطُونِ الْمَلَائِكَةِ يُقَالُ لَهُمُ الْجِنَّةُ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَرَوَى إِسْرَائِيلُ عَنِ السُّدِّيِّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ قَالَ: إِنَّمَا قِيلَ لَهُمْ جِنَّةٌ لِأَنَّهُمْ خُزَّانٌ عَلَى الْجِنَانِ، وَالْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ جِنَّةٌ. {نَسَبًا}: مُصَاهَرَةً. قَالَ قَتَادَةُ وَالْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ: قَالَتِ الْيَهُودُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ: إِنَّ اللَّهَ صَاهَرَ الْجِنَّ فَكَانَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ بَيْنِهِمْ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَالسُّدِّيُّ وَمُقَاتِلٌ أَيْضًا. الْقَائِلُ ذَلِكَ كِنَانَةُ وَخُزَاعَةُ، قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ خَطَبَ إِلَى سَادَاتِ الْجِنِّ فَزَوَّجُوهُ مِنْ سَرَوَاتِ بَنَاتِهِمْ، فَالْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ مِنْ سَرَوَاتِ بَنَاتِ الْجِنِّ .وَقَالَ الْحَسَنُ: أَشْرَكُوا الشَّيْطَانَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ فَهُوَ النَّسَبُ الَّذِي جَعَلُوهُ، قُلْتُ: قَوْلُ الْحَسَن.
يعني جعلوه شريكًا لله، نعم.
قُلْتُ: قَوْلُ الْحَسَنِ فِي هَذَا أَحْسَنُ، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} أَيْ: فِي الْعِبَادَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكُ وَالْحَسَنُ أَيْضًا: هُوَ قَوْلُهُمْ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَإِبْلِيسَ أَخَوَانِ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ قَوْلِهِمْ عُلُوًّا كَبِيرًا .
يعني ما أشبه الليلة بالبارحة! يعني هؤلاء قالوا على الله -جل وعلا- هو وإبليس أخوان، وقيل في عصرنا: أن الله والشيطان وجهان لعملة واحدة، -نسأل الله السلامة والعافية-. لا إله إلا الله ما أحلمه، نعم.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ} أَيِ الْمَلَائِكَةُ إِنَّهُمْ -يَعْنِي قَائِلَ هَذَا الْقَوْلِ- لَمُحْضَرُونَ فِي النَّارِ، قَالَهُ قَتَادَةُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لِلْحِسَابِ. قَالَ الثَّعْلَبِيُّ: الْأَوَّلُ أَوْلَى; لِأَنَّ الْإِحْضَارَ تَكَرَّرَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَلَمْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ غَيْرَ الْعَذَابِ، {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} أَيْ تَنْزِيهًا لِلَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ. {إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} فَإِنَّهُمْ نَاجُونَ مِنَ النَّارِ، قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ}، فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ} مَا بِمَعْنَى الَّذِي. وَقِيلَ: بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ، أَيْ: فَإِنَّكُمْ وَعِبَادَتَكُمْ لِهَذِهِ الْأَصْنَامِ. وَقِيلَ: أَيْ: فَإِنَّكُمْ مَعَ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، يُقَالُ: جَاءَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ. وَجَاءَ فُلَانٌ مَعَ فُلَانٍ، مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى اللَّه.
لأن الواو تأتي للمعية، الواو تسمى واو المعية، والواو التي لمقتضى التشريك أيضًا معناها المعية، لكن الكلام في الإعراب إعراب ما بعد الواو هل يترجح نصبه أو يترجح رفعه؟ هذا المسألة هاد تبعًا للمعنى، يقول: تضارب زيدٌ وعمروٌ تعين رفعه، وإن قلت: جاء زيدٌ وعمروٌ، أو جاء زيدٌ والطريق، أي مع الطريق، أمثلة معروفة في كتب العربية، نعم.
{مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ} أَيْ عَلَى اللَّهِ {بِفَاتِنِينَ} بِمُضِلِّينَ. قَالَ النَّحَّاسُ: أَهْلُ التَّفْسِيرِ مُجْمِعُونَ فِيمَا عَلِمْتُ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى: مَا أَنْتُمْ بِمُضِلِّينَ أَحَدًا إِلَّا مَنْ قَدَّرَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- عَلَيْهِ أَنْ يَضِلَّ. وَقَالَ الشَّاعِرُ :
فَرَدَّ بِنِعْمَتِهِ كَيْدَهُ |
عَلَيْهِ وَكَانَ لَنَا فَاتِنَا |
أَيْ: مُضِلًّا، الثَّانِيَةُ: فِي هَذِهِ الْآيَةِ رَدٌّ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ. قَالَ عَمْرُو بْنُ ذَرٍّ: قَدِمْنَا عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَذُكِرَ عِنْدَهُ الْقَدَرُ، فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَلَّا يُعْصَى مَا خَلَقَ إِبْلِيسَ، وَهُوَ رَأْسُ الْخَطِيئَة.
والمراد بالقدرية هنا؛ النُفاة؛ الذين ينفون القدر، وأن الأمر أُنُف، والله المستعان. يدعون أن الإنسان يخلق فعله، وأنه يتصرف بحرية تامة، وأنه يستطيع أن يهتدي، ويستطيع أن يضل، له مشيئة، واختيار، وحرية كاملة، ويُقابلهم الجبرية الذين يقولون: أن حركة المكلف من حركة الورق، ورق الشجر، من حركة المرتعش، وما أشبه ذلك؛ لا إرادة له، ولا حرية، ولا اختيار البتة. وأهل السنة وسط في هذا بين الطائفتين له حرية، واختيار، ومشيئة، لكنها مقيدة بمشيئة الله -جل وعلا-، نعم.
طالب: قال في الأصل عمرو وهو خطأ، والصواب عُمَر.
هو الظاهر عُمَر بن ذر، نعم هو الظاهر.
طالب: عُمَر بن ذر؟
نعم هو الظاهر، إيه.
وَإِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِلْمًا فِي كِتَابِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، عَرَفَهُ مَنْ عَرَفَهُ، وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ، ثُمَّ قَرَأَ: {فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ} إِلَّا مَنْ كَتَبَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- عَلَيْهِ أَنْ يَصْلَى الْجَحِيمَ. وَقَالَ: فَصَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بَيْنَ النَّاسِ، وَفِيهَا مِنَ الْمَعَانِي أَنَّ الشَّيَاطِينَ لَا يَصِلُونَ إِلَى إِضْلَالِ أَحَدٍ إِلَّا مَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَهْتَدِي، وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ -جَلَّ وَعَزَّ- أَنَّهُ يَهْتَدِي لَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، وَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ} أَيْ: لَسْتَ تَصِلُ مِنْهُمْ إِلَى شَيْءٍ إِلَّا إِلَى مَا فِي عِلْمِي. وَقَالَ لَبِيَدُ بْنُ رَبِيعَةَ فِي تَثْبِيتِ الْقَدَرِ فَأَحْسَنَ :
إِنَّ تَقْوَى رَبِّنَا خَيْرٌ نَفَلْ |
وَبِإِذْنِ اللَّهِ رَيْثِي وَعَجَلْ |
أَحْمَدُ اللَّهَ فَلَا نِدَّ لَهُ |
بِيَدَيْهِ الْخَيْرُ مَا شَاءَ فَعَلْ |
مَنْ هَدَاهُ سُبُلَ الْخَيْرِ اهْتَدَى |
نَاعِمَ الْبَالِ وَمَنْ شَاءَ أَضَلْ |
قَالَ الْفَرَّاءُ: أَهْلُ الْحِجَازِ يَقُولُونَ: فَتَنْتُ الرَّجُلَ، وَأَهْلُ نَجْدٍ يَقُولُونَ: أَفْتَنْتُهُ، الثَّالِثَةُ: رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَرَأَ.
يعني هل هو من الثلاثي أو من الرباعي؟ ويظهر الخلاف في المضارع، في المضارع، فعند أهل الحجاز المضارع مفتوح الياء، وعند أهل نجد مضموم لأنه من الرباعي، نعم.
رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَرَأَ: (إِلَّا مَنْ هُوَ صَالُ الْجَحِيمِ) بِضَمِّ اللَّامِ. قَالَ النَّحَّاس: وَجَمَاعَةُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ يَقُولُونَ إِنَّهُ لَحْنٌ; لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ هَذَا قَاضُ الْمَدِينَةِ. وَمِنْ أَحْسَنِ مَا قِيلَ فِيهِ مَا سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ سُلَيْمَانَ يَقُولُهُ، قَالَ: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَعْنَى.
يعني أحسن ما قيل في توجيه هذه القراءة، نعم.
لِأَنَّ مَعْنَى مَنْ جَمَاعَةٌ، فَالتَّقْدِيرُ صَالُونَ، فَحُذِفَتِ النُّونُ لِلْإِضَافَةِ، وَحُذِفَتِ الْوَاوُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ. وَقِيلَ: أَصْلُهُ فَاعِلٌ إِلَّا أَنَّهُ قُلِبَ مِنْ صَالٍ إِلَى صَايِلٍ، وَحُذِفَتِ الْيَاءُ وَبَقِيَتِ اللَّامُ مَضْمُومَةً، فَهُوَ مِثْلُ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ وَوَجْهٌ ثَالِثٌ: أَنْ تُحْذَفَ لَامَ "صَالِ" تَخْفِيفًا وَتُجْرِيَ الْإِعْرَابَ عَلَى عَيْنِهِ، كَمَا حُذِفَ مِنْ قَوْلِهِمْ: مَا بَالَيْتُ بِهِ بَالَةً. وَأَصْلُهَا بَالِيَةٌ مِنْ بَالِي، كَعَافِيَةٍ مِنْ عَافِي، وَنَظِيرُهُ قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ.
مِن بَالَى مِن بَالَى مثل عَافَى، نعم.
وَأَصْلُهَا بَالِيَةٌ مِنْ بَالَى، كَعَافِيَةٍ مِنْ عَافَى، وَنَظِيرُهُ قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ، "وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٌ" "وَلَهُ الْجَوَارُ الْمُنْشَآتُ" أَجْرَى الْإِعْرَابَ عَلَى الْعَيْنِ. وَالْأَصْلُ فِي قِرَاءَةِ الْجَمَاعَةِ صَالِي بِالْيَاءِ، فَحَذَفَهَا الْكَاتِبُ مِنَ الْخَطِّ لِسُقُوطِهَا فِي اللَّفْظِ .
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ}.
إذا حُذِفَت الياء، وصار الإعراب على ما قبلها، ما قبلها يلزم ما يدل عليه، يلزم ما يدل عليها وهو الكسر؛ تقول: هذا قاضٍ، مثله صالٍ، وله جوارٍ، جنى الجنتين داني أصلها بالياء، نعم.
هَذَا مِنْ.
إذا إذا وقفت سكن، الكبير المُتعالْ ليس المتعالي نعم، والمنقوص المنقوص إذا جُرِّدَ عن أل إن كان منصوب ثبتت ياءه، وإن كان مرفوعًا أو مجرورًا حُذِفَت ياءه، تقول: هذا قاضٍ، ورأيت قاضيًا، ومررتُ بقاضٍ، أما إذا اقترنت به أل فتثبت ياءه، رأيت القاضي، ومررت بالقاضي، وتُقدر عليه الضمة والكسرة، وتظهر الفتحة، تُحذف هذه الياء مع الاقتران بأل لمراعاة الفواصل، الكبير المُتعالْ، ولذا يقول النووي: وكرر مرارًا إن قول أهل الحديث وغيرهم عمرو بن العاص خطأ؛ لأن فيه أل، والأصل العاصي، لكن إذا درجوا على شيء لكته ألسنتهم، وصُعِب عليهم غيره مشوه ودرجوه، الأمر سهل، نعم.
هَذَا مِنْ قَوْلِ الْمَلَائِكَةِ تَعْظِيمًا لِلَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَإِنْكَارًا مِنْهُمْ عِبَادَةَ مَنْ عَبَدَهُمْ. {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ} قَالَ مُقَاتِلٌ: هَذِهِ الثَّلَاثُ الْآيَاتِ نَزَلَتْ، وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، فَتَأَخَّرَ جِبْرِيلُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَهُنَا تُفَارِقُنِي؟ فَقَالَ: مَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَتَقَدَّمَ عَنْ مَكَانِي». وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ قَوْلِ الْمَلَائِكَةِ: {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ} الْآيَاتِ. وَالتَّقْدِيرُ عِنْدَ الْكُوفِيِّين.
تخريجه تخريج الحديث شو يقول؟
طالب:.......
لا هذا الحديث قاله.
طالب: قَالَ مُقَاتِلٌ: هَذِهِ الثَّلَاثُ الْآيَاتِ نَزَلَتْ، وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى؟
فَتَأَخَّرَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَهُنَا؟». مرفوع يعني.
طالب: .....
إي لكنه قال فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
طالب: ما أخرجه.
هو خرج جميع الظاهر لأنه متصل الكلام.
طالب: .....
إي لكن بما فيه المرفوع، الحكم على الجميع، ما دام المرفوع في طريقه مقاتل ومقاتل مطعونٌ فيه فشديد الضعف، الكلام على الجميع، نعم.
وَالتَّقْدِيرُ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ: وَمَا مِنَّا إِلَّا مَنْ لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ. فَحُذِفَ الْمَوْصُولُ. وَتَقْدِيرُهُ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ: وَمَا مِنَّا مَلَكٌ إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ، أَيْ: مَكَانٌ مَعْلُومٌ فِي الْعِبَادَةِ، قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ جُبَيْرٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا فِي السَّمَاوَاتِ مَوْضِعُ شِبْرٍ إِلَّا وَعَلَيْهِ مَلَكٌ يُصَلِّي وَيُسَبِّحُ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا فِي السَّمَاءِ مَوْضِعُ قَدَمٍ إِلَّا عَلَيْهِ مَلَكٌ سَاجِدٌ أَوْ قَائِمٌ». وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ، وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ، أَطَّتِ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ، مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلَّا.
«أَطَّتِ» يعني صوتت صار لها صوت صرير كما إذا حُمِّل البناء ما لا يحتمل يصير له صوت، ولكن حديث الأطيت معروف ضعفه عند أهل العلم، نعم.
«مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلَّا، وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ، وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا، وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ، وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللَّهِ، لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ شَجَرَةً تُعْضَدُ» خَرَّجَهُ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ فِيهِ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَيُرْوَى مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ قَالَ: لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ شَجَرَةً تُعْضَدُ. وَيُرْوَى عَنْ أَبِي ذَرٍّ مَوْقُوفًا. وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَ يُصَلِّي الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ جَمِيعًا حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ} .قَالَ: فَتَقَدَّمَ الرِّجَالُ وَتَأَخَّرَ النِّسَاءُ. {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ} قَالَ الْكَلْبِيُّ: صُفُوفُهُمْ كَصُفُوفِ أَهْلِ الدُّنْيَا فِي الْأَرْضِ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: «خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ قَالَ: يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الْأُوَلَ، وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ» وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ إِذَا قَامَ لِلصَّلَاةِ: أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ وَاسْتَوُوا، إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ هَدْيَ الْمَلَائِكَةِ عِنْدَ رَبِّهَا، وَيَقْرَأُ: {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ} تَأَخَّرْ يَا فُلَانُ، تَقَدَّمَ يَا فُلَانُ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ فَيُكَبِّرُ. وَقَدْ مَضَى فِي سُورَةِ [الْحِجْرِ] بَيَانُهُ.
من غرائب الاستدلال بعض الطلاب كتب عند اتصاف فلا يمكن أن يؤخذ من حديث الأطيط يعني على ضعفه أنه يجوز أن يكون بين الرجل والذي بجانبه أربعة أصابع، أربعة أصابع، وجاء في حديث الأطيط «مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ»، لو كان خاليًا في صفوف الملائكة، لو كان خاليًا أربعة أصابع ممكن يتم الاستدلال، لكن أربع أصابع فيه ملك واضع جبهته وساجد هذا على فرض صحة الخبر، الاستدلال بالنقيض بالعكس يعني بما لا يدل عليه أصلاً، نعم.
وَقَالَ أَبُو مَالِكٍ: كَانَ النَّاسُ يُصَلُّونَ مُتَبَدِّدِينَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ} فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَصْطَفُّوا. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ. جَاءَ جِبْرِيلُ أَوْ مَلَكٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ، إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتُصَلِّي وَتُسَبِّحُ، مَا فِي السَّمَاءِ مَلَكٌ فَارِغٌ. وَقِيلَ: أَيْ: لَنَحْنُ الصَّافُّونَ أَجْنِحَتَنَا فِي الْهَوَاءِ وُقُوفًا نَنْتَظِرُ مَا نُؤْمَرُ بِهِ. وَقِيلَ: أَيْ: نَحْنُ الصَّافُّونَ حَوْلَ الْعَرْشِ. {وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ} أَيِ الْمُصَلُّونَ، قَالَهُ قَتَادَةُ. وَقِيلَ: أَيِ: الْمُنَزِّهُونَ اللَّهَ عَمَّا أَضَافَهُ إِلَيْهِ الْمُشْرِكُونَ.
نظير ما قيل {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} [الصافات:143]، نعم.
وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ يُخْبِرُونَ أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ اللَّهَ بِالتَّسْبِيحِ وَالصَّلَاةِ وَلَيْسُوا مَعْبُودِينَ وَلَا بَنَاتِ اللَّهِ .وَقِيلَ: {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ} مِنْ قَوْلِ الرَّسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْمُؤْمِنِينَ لِلْمُشْرِكِينَ، أَيْ: لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا وَمِنْكُمْ فِي الْآخِرَةِ مَقَامٌ مَعْلُومٌ وَهُوَ مَقَامُ الْحِسَابِ. وَقِيلَ: أَيْ: مِنَّا مَنْ لَهُ مَقَامُ الْخَوْفِ، وَمِنَّا مَنْ لَهُ مَقَامُ الرَّجَاءِ، وَمِنَّا مَنْ لَهُ مَقَامُ الْإِخْلَاصِ، وَمِنَّا مَنْ لَهُ مَقَامُ الشُّكْرِ. إِلَى غَيْرِهَا مِنَ الْمَقَامَاتِ .
ولا بد منها جميعًا، لا بد من مقام الخوف، من مقام الرجاء، من مقام الإخلاص، من مقام الشكر، لا بد منها، لكن بعض الناس يغلب عليه هذا، وبعضهم يغلب عليه هذا، وبغضهم يغلب عليه هذا؛ فيُعرف به، نعم.
قُلْتُ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ رَاجِعٌ إِلَى قَوْلِ الْمَلَائِكَةِ: {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ} وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}، عَادَ إِلَى الْإِخْبَارِ عَنْ قَوْلِ الْمُشْرِكِينَ، أَيْ: كَانُوا قَبْلَ بَعْثَةِ مُحَمَّدٍ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا عُيِّرُوا بِالْجَهْلِ قَالُوا: {لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ} أَيْ لَوْ بُعِثَ إِلَيْنَا نَبِيٌّ بِبَيَانِ الشَّرَائِعِ لَاتَّبَعْنَاهُ. وَلَمَّا خُفِّفَتْ "إِنْ" دَخَلَتْ عَلَى الْفِعْلِ وَلَزِمَتْهَا اللَّامُ فَرْقًا بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِيجَابِ. وَالْكُوفِيُّونَ يَقُولُونَ: "إِنْ" بِمَعْنَى مَا وَاللَّامُ بِمَعْنَى إِلَّا. وَقِيلَ: مَعْنَى {لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا} أَيْ: كِتَابًا مِنْ كُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ. {لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} أَيْ لَوْ جَاءَنَا ذِكْرٌ كَمَا جَاءَ الْأَوَّلِينَ لَأَخْلَصْنَا الْعِبَادَةَ لِلَّهِ. فَكَفَرُوا بِهِ أَيْ بِالذِّكْرِ .
يعني لما جاءهم ما تمنوه وما اقترحوه كفروا به، -نسأل الله العافية- كما فعلت اليهود، نعم.
فَكَفَرُوا بِهِ أَيْ بِالذِّكْرِ. وَالْفَرَّاءُ يُقَدِّرُهُ عَلَى حَذْفٍ، أَيْ: فَجَاءَهُمْ مُحَمَّدٌ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالذِّكْرِ فَكَفَرُوا بِهِ. وَهَذَا تَعْجِيبٌ مِنْهُمْ، أَيْ: فَقَدْ جَاءَهُمْ نَبِيٌّ وَأُنْزِلَ عَلَيْهِمْ كِتَابٌ فِيهِ بَيَانُ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فَكَفَرُوا وَمَا وَفَّوْا بِمَا قَالُوا. {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} قَالَ الزَّجَّاجُ: يَعْلَمُونَ مَغَبَّةَ كُفْرِهِمْ، قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ} قَالَ الْفَرَّاءُ: أَيْ: بِالسَّعَادَةِ. وَقِيلَ: أَرَادَ بِالْكَلِمَةِ قَوْلَهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} قَالَ الْحَسَنُ: لَمْ يُقْتَلْ مِنْ أَصْحَابِ الشَّرَائِعِ قَطُّ أَحَدٌ.
يعني من الرسل، وأما من الأنبياء فقد حصل، نعم، كما أخبر الله -جل وعلا- عن بني إسرائيل أنهم يقتلون أنبيائهم، أما أصحاب الشرائع وهم الرسل ما حصل أنه قُتِل منهم أحد.
{إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ} أَيْ سَبَقَ الْوَعْدُ بِنَصْرِهِمْ بِالْحُجَّةِ وَالْغَلَبَةِ. {وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} عَلَى الْمَعْنَى وَلَوْ كَانَ عَلَى اللَّفْظِ لَكَانَ هُوَ الْغَالِبَ مِثْلَ {جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ} وَقَالَ الشَّيْبَانِيُّ: جَاءَ هَاهُنَا عَلَى الْجَمْعِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ رَأْسُ آيَةٍ، قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} أَيْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ. حَتَّى حِينٍ قَالَ قَتَادَةُ: إِلَى الْمَوْتِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: إِلَى الْوَقْتِ الَّذِي أُمْهِلُوا إِلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي الْقَتْلَ بِبَدْرٍ. وَقِيلَ: يَعْنِي فَتْحَ مَكَّةَ. وَقِيلَ: الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ، {وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ}.
كان ظاهرها من آيات المهادنة والإعراض كلها نُسخت بآية السيف حتى قال بعض أهل العلم: أن آية السيف نسخت أكثر من سبعين آية، نعم.
{وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ} قَالَ قَتَادَةُ: سَوْفَ يُبْصِرُونَ حِينَ لَا يَنْفَعُهُمُ الْإِبْصَارُ. وَعَسَى مِنَ اللَّهِ لِلْوُجُوبِ، وَعَبَّرَ بِالْإِبْصَارِ عَنْ تَقْرِيبِ الْأَمْرِ، أَيْ: عَنْ قَرِيبٍ يُبْصِرُونَ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى: فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ الْعَذَابَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، {أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ} كَانُوا يَقُولُونَ مِنْ فَرْطِ تَكْذِيبِهِمْ: مَتَى هَذَا الْعَذَابُ، أَيْ: لَا تَسْتَعْجِلُوهُ فَإِنَّهُ وَاقِعٌ بِكُمْ، قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ} أَيِ الْعَذَابُ. قَالَ الزَّجَّاجُ: وَكَانَ عَذَابُ هَؤُلَاءِ بِالْقَتْلِ. وَمَعْنَى {بِسَاحَتِهِمْ} أَيْ: بِدَارِهِمْ، عَنِ السُّدِّيِّ وَغَيْرِهِ. وَالسَّاحَةُ وَالسَّحْسَةُ فِي اللُّغَةِ فِنَاءُ الدَّارِ الْوَاسِعُ. الْفَرَّاءُ: نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ وَنَزَلَ بِهِمْ سَوَاءٌ. {فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ}.
لأنهم هم المقصودون ليست المقصودة الساحة، ليس المقصود الساحة إنما هم المقصودون، نعم.
{فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ} أَيْ بِئْسَ صَبَاحُ الَّذِينَ أُنْذِرُوا بِالْعَذَابِ. وَفِيهِ إِضْمَارٌ أَيْ: فَسَاءَ الصَّبَاحُ صَبَاحُهُمْ. وَخُصَّ الصَّبَاحُ بِالذِّكْرِ; لِأَنَّ الْعَذَابَ كَانَ يَأْتِيهِمْ فِيهِ. وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ أَنَسٌ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: لَمَّا أَتَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْبَرَ، وَكَانُوا خَارِجِينَ إِلَى مَزَارِعِهِمْ وَمَعَهُمُ الْمَسَاحِي، فَقَالُوا: مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ.
يعني الجيش، رأوا النبي -عليه الصلاة والسلام- داخلاً عليهم خيبر ومعه أصحابه قالوا: جاء محمد والخميس، يعني جاء محمد والخميس، يريدون بذلك الجيش، نعم.
فَقَالُوا: مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ، وَرَجَعُوا إِلَى حِصْنِهِمْ، فَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ.
يعني استدلالاً بما وُعِدَ به من النصر على أعدائه، نعم.
وَهُوَ يُبَيِّنُ مَعْنَى: {فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ} يُرِيدُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. {وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ} كُرِّرَ تَأْكِيدًا. وَكَذَا {وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ} تَأْكِيدٌ أَيْضًا. قَوْلُهُ تَعَالَى.
طالب: .....
نعم؟
طالب: .....
إذا كان قصده التلاوة لا يجوز، والعلماء نصوا على منع تنزيل الآيات على غير منازلها، على ما نزلت من أجله، ذكروا قصة امرأة لا تتكلم إلا بالقرآن، ذكروها في كتب الأدب، وسُئِل عنها أهل العلم فأفتوا بالتحريم، نعم.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. فِيهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ: الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {سُبْحَانَ رَبِّكَ} نَزَّهَ سُبْحَانَهُ نَفْسَهُ عَمَّا أَضَافَ إِلَيْهِ الْمُشْرِكُونَ. {رَبِّ الْعِزَّةِ} عَلَى الْبَدَلِ. وَيَجُوزُ النَّصْبُ عَلَى الْمَدْحِ.
على البدل من ربك، نعم.
وَيَجُوزُ النَّصْبُ عَلَى الْمَدْحِ، وَالرَّفْعُ بِمَعْنَى.
يعني كما يُنصب على الذم يُنصب على المدح مثل {حَمَّالَةَ الْحَطَبِ}[المسد:4] على الذم وهنا {رَبِّ الْعِزَّةِ} على المدح، نعم.
وَالرَّفْعُ بِمَعْنَى هُوَ رَبُّ الْعِزَّةِ. عَمَّا يَصِفُونَ أَيْ مِنَ الصَّاحِبَةِ وَالْوَلَدِ. وَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ مَعْنَى سُبْحَانَ اللَّهِ فَقَالَ: «هُوَ تَنْزِيهُ اللَّهِ عَنْ كُلِّ سُوءٍ».
خَرَّجْه، خَرَّجْه.
طالب: .....
وَقَدْ مَضَى فِي [الْبَقَرَةِ] مُسْتَوْفًى. الثَّانِيَةُ: سُئِلَ مُحَمَّدُ بْنُ سَحْنُونَ عَنْ مَعْنَى رَبِّ الْعِزَّةِ لِمَ جَازَ ذَلِكَ وَالْعِزَّةُ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ، وَلَا يُقَالُ رَبُّ الْقُدْرَةِ وَنَحْوَهَا مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ -جَلَّ وَعَزَّ-؟ فَقَالَ: الْعِزَّةُ تَكُونُ صِفَةُ ذَاتٍ وَصِفَةَ فِعْلٍ.
لكن إضافة الموصوف إلى صفته يعني معروف في لغة العرب، إضافة الموصوف إلى صفته، وإضافة الصفة إلى موصوفها، ما في إشكال، نعم.
فَقَالَ: الْعِزَّةُ تَكُونُ صِفَةُ ذَاتٍ وَصِفَةَ فِعْلٍ، فَصِفَةُ الذَّاتِ نَحْوَ قَوْلِهِ: {فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} وَصِفَةُ الْفِعْلِ نَحْوَ قَوْلِهِ: {رَبِّ الْعِزَّةِ} وَالْمَعْنَى رَبُّ الْعِزَّةِ الَّتِي يَتَعَازُّ بِهَا الْخَلْقُ فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَهِيَ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-. قَالَ: وَقَدْ جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ إِنَّ الْعِزَّةَ هَاهُنَا يُرَادُ بِهَا الْمَلَائِكَةُ. قَالَ: وَقَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا: مَنْ حَلَفَ بِعِزَّةِ اللَّهِ فَإِنْ أَرَادَ عِزَّتَهُ الَّتِي هِيَ صِفَتُهُ فَحَنِثَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ.
لأن الصفة يجوز الحلف بها، يجوز الحلف بها، وهي شرعية فتلزمه الكفارة إذا حنث، وَإِنْ أَرَاد، نعم.
وَإِنْ أَرَادَ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ بَيْنَ عِبَادِهِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ .
لأنه حلف بما لا يجوز الحلف به وهو أعظم من أن يُكَفَّر، نعم.
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: رَبُّ الْعِزَّةِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مَالِكُ الْعِزَّةِ، وَالثَّانِي: رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ مُتَعَزِّزٍ مِنْ مَلِكٍ أَوْ مُتَجَبِّرٍ، قُلْتُ: وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ فَلَا كَفَّارَةَ إِذَا نَوَاهَا الْحَالِفُ.
طالب: .....
لا هذا إخبار، كما تقول: قال الله –عز وجل-، إخبار، نعم.
الثَّالِثَةُ: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبَى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقُولُ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ: سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ» إِلَى آخِرِ السُّورَةِ، ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيُّ .
خَرَّجْه.
طالب: .....
إيه اللي بيجيبه في إسناده، نعم.
قُلْتُ: قَرَأْتُ عَلَى الشَّيْخِ الْإِمَامِ الْمُحَدِّثِ الْحَافِظِ أَبِي عَلِيٍّ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرُوكٍ الْبَكْرِيٍّ بِالْجَزِيرَةِ قُبَالَةَ الْمَنْصُورَةِ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، قَالَ: أَخْبَرَتْنَا الْحُرَّةُ أُمُّ الْمُؤَيَّدِ زَيْنَبُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَسَنِ الشِّعْرِيِّ بِنَيْسَابُورَ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْقَارِئُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الْقَادِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَهْلٍ بِشْر.
عبد القادر عبد الغافر، شو عندكم؟ عبد القادر؟ طيب.
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَهْلٍ بِشْرُ بْنُ أَحْمَدَ الْإِسْفِرايِينِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ دَاوُدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْبَيْهَقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زَكَرِيَّاءَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّمِيمِيُّ النَّيْسَابُورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ يَقُولُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ: أَوْ حِينَ يَنْصَرِفُ: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}».
تخريجُه.
طالب: قال ضعيف جدًا أخرجه أبو يعلى من حديث أبي هارون العبدي عن ابن سعيد، وإسناده ضعيف جدًا لضعف أبي هارون، واسمه عمارة بن جوين وهو متروك الحديث.
نعم.
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: رَوَى الشَّعْبِيُّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكْتَالَ بِالْمِكْيَالِ الْأَوْفَى مِنَ الْأَجْرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَلْيَقُلْ آخِرَ مَجْلِسِهِ حِينَ يُرِيدُ أَنْ يَقُومَ: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}». ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- مَرْفُوعًا .
كذلك.
طالب: ضعيف أخرجه ابن أبي حاتم عن الشعبي مُرسلاً، وكذا قال الحافظ في البحث، وفي الباب من حديث زيد بن أرقم. أخرجه الطبراني. قال في المجمع: وفيه عبد المنعم بن بشير، وهو ضعيف جدًا، قاله في المجمع، فالخبر واهٍ. قوله -عفا الله عنك-: ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا، قال: رفعهُ الثعلبيُّ وهو عند البغوي في تفسيره عن عليّ موقوف، وكذا رواه حُميد بن زنجويه في ترغيبه كما في الدق عن علي موقوفًا، والأصبغ بن نباتة متروك الحديث، فالموقوف واهٍ، والمقطوع غير متصل، وإنما هو عن الشعبي مُرسلاً.
لكن حتى الموقوف لا يُقال من قبل الراوي، له حكم الرفع، فلو وُقف على علي، علي ما يقوله من تلقاء نفسه، وعلى كل حال بجميع طرقه كلها ضعيفة، نعم.
الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ} أَيِ الَّذِينَ بَلَّغُوا عَنِ اللَّهِ تَعَالَى التَّوْحِيدَ وَالرِّسَالَةَ. وَقَالَ أَنَسٌ قَالَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: «إِذَا سَلَّمْتُمْ عَلَيَّ فَسَلِّمُوا عَلَى الْمُرْسَلِينَ، فَإِنَّمَا أَنَا رَسُولٌ مِنَ الْمُرْسَلِينَ».
شو قال عندك؟
طالب: قال أخرجه الطبري عن قتادة مُرسلاً، ووصله ابن أبي حاتم كما في تفسير ابن كثير عن قتادة عن أنس بن أبي طلحة، لكن صيغة قتادة تدل على أنه لم يسمعه من أنس، وهو مُدلِّس.
نعم يعني ضعفه ظاهر.
وَقِيلَ : مَعْنَى {وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ} أَيْ: أَمْنٌ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ -جَلَّ وَعَزَّ- يَوْمَ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ. {وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} أَيْ عَلَى إِرْسَالِ الْمُرْسَلِينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ. وَقِيلَ: أَيْ: عَلَى جَمِيعِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَى الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ. وَقِيلَ: أَيْ: عَلَى هَلَاكِ الْمُشْرِكِينَ، دَلِيلُهُ: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. قُلْتُ: وَالْكُلُّ مُرَادٌ، وَالْحَمْدُ يَعُمُّ. وَمَعْنَى يَصِفُونَ يَكْذِبُونَ، وَالتَّقْدِيرُ عَمَّا يَصِفُونَ مِنَ الْكَذِبِ .
هذا تفسير الحمد اللي سبق؟
طالب: جزاكم الله خيرًا. يختلف، وهو بدل الآيات أظن.
كيف؟
طالب: بدل الآيات.
لا إقحام، إقحام في غير موضعه.
غدًا إن شاء الله بعد صلاة العصر لعلنا نُبكّر عشان نبدأ بالمنسك من منسك شيخ الإسلام.
طالب: .....
العصر إن شاء الله كالمعتاد العَشْر دروسها العصر.
اللهم صلِّ على محمد.