كتاب الإيمان (08)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
هذا في شرح السُّنة للبغوي -رحمه الله-، على حديث أبي سعيد : «ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للُبِّ الرجل الحازم من إحداكن، قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ قلن: بلى يا رسول الله، قال: فذلك من نقصان عقلها». أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟
واحد من الكُتاب ألّف عن المرأة بين إنصاف الدين وتشديد الغالين وما أدري إيش، كلام نحو هذا، يطالب بدليل صحيح يثبت أن شهادة المرأة على النصف من الرجل، كأنه لم يقرأ القرآن! الكتاب مطبوع ومتداول. المرأة بين إنصاف الدين وتشديد الغالين، أو شيء من هذا. قريب من هذا العنوان، ويطالب بدليل صحيح يثبت أن شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل، هذا الحديث في الصحيحين، لكن يبقى أن القرآن الذي لا يخفى على خاص ولا عام، وهذا يذكِّرنا بما ذكره ابن حجر في فتح الباري وغيره عن الجهم سُئل الجهم عن المرأة تطلَّق قبل الدخول فقال: تعتد أربعة أشهر وعشرًا.
يطلب دليلًا على أن شهادة المرأة على النصف، {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ}[سورة البقرة: 282] وهنا «أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟» يقول البغوي -رحمه الله-: قال الخطابي: فيه دليل على أن النقص من الطاعات نقص من الدين، وفيه دلالة على أن ملاك الشهادة العقل، مع اعتبار الأمانة والصدق وأن شهادة المغفل ضعيفة وإن كان رضيًا في الدين والأمانة، قال الشيخ الحسين بن مسعود –الذي هو البغوي المؤلف-: اتفقت الصحابة والتابعون فمن بعدهم من علماء السُّنَّة على أن الأعمال من الإيمان؛ لقوله سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ}[سورة الأنفال: 2] إلى قوله: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}[سورة الأنفال: 3] فجعل الأعمال كلها إيمانًا، وكما نطق به حديث أبي هريرة وقالوا: إن الإيمان قول وعمل وعقيدة يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، على ما نطق به القرآن في الزيادة.
وجاء في الحديث بالنقصان في وصف النساء، وروي عن عائشة قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، وألطفهم بأهله»، هذا مُخَرَّج في المُسنَد ومُصَحَّح، وعن أبي أمامة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنه لله فقد استكمل الإيمان»، وكتب عمر بن عبد العزيز -هذا من البخاري، وسيأتي إن شاء الله تعالى- إلى عدي بن عدي: إن للإيمان فرائض وشرائع، وحدودًا وسننًا، فمن استكملها استكمل الإيمان، ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان، فإن أعش فسأبينها لكم، حتى تعملوا بها، وإن أمُت فما أنا على صحبتكم بحريص. واتفقوا على تفاضل أهل الإيمان في الإيمان، وتباينهم في درجاته، قال ابن أبي مليكة: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- كلهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول إنه على إيمان جبريل وميكائيل، قال معاذ: اجلس بنا نؤمن ساعة. وهذا كله سيأتي، وهذا سيأتي كله في الصحيح.
قال أيضًا: قال سفيان الثوري: من كره أن يقول: أنا مؤمن إن شاء الله فهو عندنا مرجئ يمد بها صوته، وقال أيضًا: خالفنا المرجئة في ثلاث: نحن نقول: الإيمان قول وعمل، وهم يقولون: قول بلا عمل، ونحن نقول: يزيد وينقص، وهم يقولون: لا يزيد ولا ينقص، ونحن نقول: نحن مؤمنون بالإقرار وهم يقولون: نحن مؤمنون عند الله.
وقفنا في الدرس الماضي على الآيات التي استدل بها الإمام البخاري -رحمه الله- على الزيادة، ولم يذكر ما يدل على النقص في نفس المقام، لكن ما قبِل الزيادة يقبل النقص، وهناك أدلة أشار إليها البغوي -رحمه الله- فيما قرأناه. ونظير ذلك من المسائل العلمية التي تحتاج إلى تتبُّع الكبائر التنصيص عليها في نصوص الكتاب والسُّنة، لكن هل هناك نصّ على أن هناك صغائر؟
طالب:...
فيه لمم، لكن فيه نصّ على صغائر كبائر وصغائر؟
طالب:...
ما اجتنبت الكبائر، فيه تنصيص على الصغائر؟
طالب:...
مثل هذا، مثل زيادة الإيمان، نعم، التنظير مطابق يا إخوان لما نحن فيه، العلماء يطبقون على أن هناك صغائر، من خلال ما جاء في النصوص أن هناك كبائر، ما الذي يقابل الكبائر؟ الصغائر، هل نحتاج إلى تنصيص يقول: إن هناك صغائر؟ نحتاج أم ما نحتاج؟
طالب:...
من الحسنات والسيئات، هذا أعم.
طالب:...
محقرات الذنوب، اللمم كلها بالمعنى، لكن نريد لفظًا، هم يطالبون باللفظ، هل هناك صغائر؟ العلماء عامة يقولون: هناك صغائر، من أين أخذوا أن هناك صغائر؟ من الكبائر، إن ما يقابل الكبائر صغائر، وهنا يقررون أن ما قبِل الزيادة قبِل النقص، إضافة إلى ما سمعنا في كلام البغوي -رحمه الله-... نحرص على التنظير إذا وجدنا إليه سبيلاً؛ لأنه يوضح ويُقرِّب.
قال -رحمه الله-: ثم شرع المصنف.
طالب:...
لكن ما فيه التنصيص على النقص مثل التنصيص على الزيادة، وإلا فالأدلة متكاثرة، وهذا أمر متفق عليه بين أهل السُّنَّة إلا ما يذكر عن مالك -رحمه الله- أنه قال: إنه يقبل الزيادة، ولا يقبل النقص، وسيأتي في كلام الحافظ ابن رجب- رحمه الله-. ثم شرع المصنف يستدل لذلك بآيات من القرآن مصرحة بالزيادة، وبثبوتها يثبت المقابل، فإن كل قابل للزيادة قابلٌ للنقصان ضرورةً.
قوله: والحب في الله والبغض في الله من الإيمان، هو لفظ حديث أخرجه أبو داود من حديث أبي أمامة، ومن حديث أبي ذر، ولفظه: «أفضل الأعمال الحب في الله والبغض في الله». ولفظ أبي أمامة «من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله فقد استكمل الإيمان»، وللترمذي من حديث معاذ بن أنس نحو حديث أبي أمامة، وزاد أحمد فيه: «ونصح لله»، وزاد في أخرى: «ويُعْمِلُ لسانه في ذكر الله»، وله عن عمرو بن الجموح بلفظ: «لا يجد العبد صريح الإيمان حتى يحب لله ويبغض لله»، ولفظ البزار رفعه: «أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله»، وسيأتي عند المصنف «آية الإيمان حب الأنصار»، واستدل بذلك على أن الإيمان يزيد وينقص؛ لأن الحب والبغض يتفاوتان. وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن عدي، وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن عدي- أي ابن عميرة الكندي، وهو تابعي من أولاد الصحابة، وكان عامل عمر بن عبد العزيز على الجزيرة، فلذلك كتب إليه.
والتعليق المذكور وصله أحمد بن حنبل وأبو بكر بن أبي شيبة في كتاب الإيمان له، من طريق عيسى بن عاصم، قال: حدثني عدي بن عدي قال: كتب إلي عمر بن عبد العزيز: أما بعد، فإن للإيمان فرائض وشرائع.... إلى آخره.
قوله: إن للإيمان فرائض- كذا ثبت في معظم الروايات باللام، وفرائض بالنصب على أنها اسم إن، وفي رواية ابن عساكر: فإن الإيمان فرائض، على أن الإيمان اسم إن، وفرائض خبرها، وبالأول جاء، وبالأول جاء الموصول الذي أشرنا إليه إن للإيمان فرائض- وسننًا- أي مندوبات، يعني مندوبات-.
قال: فإن أعش فسأبينها لكم- فسأبينها أي أبين تفاريعها لا أصولها؛ لأن أصولها كانت معلومة لهم مجملة، وهو دليل على تجويز تأخير البيان عن وقت الخطاب، على تجويز تأخير البيان عن وقت الخطاب، فرق بين تأخيره عن وقت الخطاب وتأخيره عن وقت الحاجة، تأخيره عن وقت الحاجة لا يجوز، أما تأخيره عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة يجوز كما حصل من النبي -عليه الصلاة والسلام- في مناسبات.
منها أنه ذكر حديث السبعين الألف ولا بين لهم إلا بعد، لم يبين لهم وقت الخطاب. إذ الحاجة هنا لم تتحقق والغرض من هذا الأثر أن عمر بن عبد العزيز كان ممن يقول بأن الإيمان يزيد وينقص، حيث قال: استكمل، ولم يستكمل.
قال الكرماني: وهذا على إحدى الروايتين وأما على الرواية الأخرى وأما على الرواية الأخرى فقد يُمنَع ذلك؛ لأنه جعل الإيمان غير الفرائض. قلتُ: لكن. أي رواية أخرى؟ أن الإيمان فرائض، أن الإيمان فرائض، وعطف عليه السنن.
قلت: لكن آخر كلامه يشعر بذلك وهو قوله: فمن استكملها أي الفرائض وما معها فقد استكمل الإيمان، وبهذا تتفق الروايتان، فالمراد أنها من المكملات؛ لأن الشارع أطلق على مكملات الإيمان إيمانًا.
قال: وقال إبراهيم- عليه السلام-: {وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}[سورة البقرة: 260]. {وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}[سورة البقرة: 260]. أشار إلى تفسير سعيد بن جبير ومجاهد وغيرهما لهذه الآية فروى ابن جرير بسنده الصحيح إلى سعيد قال: قوله: {وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}[سورة البقرة: 260] أي يزداد يقيني، أي يزداد يقيني، وعن مجاهد قال: لأزداد إيمانًا إلى إيماني. وإذا ثبت ذلك عن إبراهيم- عليه السلام- مع أن نبينا -عليه الصلاة والسلام- قد أُمِر باتباع ملته كان كأنه ثبت عن نبينا ذلك. كأنه، ثبت عن نبينا -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه أُمِر باتباع ملته.
وإنما فصل المصنف بين هذه الآية، وبين الآيات التي قبلها؛ لأنه فصل بين هذه الآية بالآثار، أثر عمر بن عبد العزيز والأحاديث، نعم؛ لأن الدليل يؤخذ من تلك بالنصّ، ومن هذه بالإشارة، {وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}[سورة البقرة: 260] هي في الدلالة على زيادة الإيمان مثل الآيات الثماني التي ذكرها التي فيها التنصيص بالحرف؟ نعم فصل بينها لهذا السبب؛ لأن الدليل يؤخذ من تلك بالنصّ، ومن هذه بالإشارة، والله أعلم.
وقال معاذ هو ابن جبل، وصرح بذلك الأصيلي، والتعليق المذكور وصله أحمد وأبو بكر أيضًا بسند صحيح إلى الأسود بن هلال، قال: قال لي معاذ بن جبل: اجلس بنا نؤمن ساعة. في رواية لهما: كان معاذ بن جبل يقول للرجل من إخوانه: اجلس بنا نؤمن ساعة. فيجلسان فيذكران الله تعالى ويحمدانه، وعُرِف من الرواية الأولى أن الأسود أبهم نفسه، الأسود بن هلال: قال لي معاذ، قال: وقال معاذ، ويحتمل أن يكون معاذ قال ذلك له ولغيره، ووجه الدلالة منه ظاهرة؛ لأنه لا يحمَل على أصل الإيمان، نعم، كانوا مؤمنين، إنما يحمل على زيادته، ووجه الدلالة منه ظاهرة؛ لأنه لا يحمل على أصل الإيمان؛ لكونه كان مؤمنًا وأي مؤمن، وإنما يحمل على إرادة أنه يزداد إيمانًا بذكر الله تعالى.
وقال القاضي أبو بكر بن العربي: لا تعلق فيه للزيادة؛ لأن معاذًا إنما أراد تجديد الإيمان؛ لأن العبد يؤمن في أول أمره فرضًا، ثم يكون أبدًا مجددًا كلما نظر أو فكّر. الكلام صحيح؟ في أول مرة فرضًا، ولعل في أول أمره، لكن عندنا مرة، ماذا عندكم؟
طالب:...
لأن العبد يؤمن في أول مرة فرضًا، ثم يكون أبدًا مجددًا كلما نظر أو فكّر، وما نفاه أولاً أثبته آخرًا؛ لأن تجديد الإيمان إيمان. وقوله: وقال ابن مسعود: اليقين الإيمان كله، هذا التعليق طرف من أثر، وصله الطبراني بسند صحيح، وبقيته: والصبر نصف الإيمان، وأخرجه ابن نعيم في الحلية، والبيهقي في الزهد من حديثه مرفوعًا، ولا يثبت رفعه، وجرى المصنف على عادته في الاقتصار على ما يدل بالإشارة، وحذف ما يدل بالصراحة، إذ لفظ النصف صريح في التجزئة، الإيمان اليقين كله، ما فيه دلالة على التفاوت، إنما، والصبر نصف الإيمان، هذا أصرح في المراد، قال: وجرى المصنف على عادته في الاقتصار على ما يدل بالإشارة، وحذف ما يدل بالصراحة، إذ لفظ النصف صريح في التجزئة.
وفي الإيمان لأحمد من طريق عبد الله بن عكيم عن ابن مسعود أنه كان يقول: اللهم زدنا إيمانًا ويقينًا وفقهًا. وإسناده صحيح، وهذا أصرح في المقصود، ولم يذكره المصنف لما أشرت إليه.
طالب:...
ماذا فيه؟
طالب:...
ابن العربي لا، رد عليه ابن حجر؛ لأنه نقضه في آخر كلامه. يقول ابن حجر -رحمه الله-: تنبيه: تعلّق بهذا الأثر من يقول: إن الإيمان هو مجرد التصديق، وأجيب بأن مراد ابن مسعود أن اليقين هو أصل الإيمان، فإذا أيقن انبعثت الجوارح كلها للقاء الله بالأعمال الصالحة، حتى قال سفيان الثوري: لو أن اليقين وقع في القلب كما ينبغي لطار اشتياقًا إلى الجنة، وهربًا من النار. لكن أين القلوب؟
قوله: وقال ابن عمر إلى آخره المراد بالتقوى وقاية النفس، وقال ابن عمر: لا يبلغ العبد حقيقة التقوى حتى يدع ما حاك في الصدر، قال مجاهد: شرع لكم أوصيناك يا محمد وإياه دينًا واحدًا، وقال ابن عباس: شرعة ومنهاجًا سبيلاً وسنة.
قوله: وقال ابن عمر، المراد بالتقوى وقاية النفس عن الشرك والأعمال السيئة، والمواظبة على الأعمال الصالحة، وبهذا التقرير يصح استدلال المصنف، التقوى وقاية النفس عن الشرك والأعمال السيئة، والمواظبة على الأعمال الصالحة، هنا يقول: قال ابن عمر: لا يبلغ العبد حقيقة التقوى حتى يدع ما حاك في الصدر، إذا كانت التقوى فعل المأمورات، فعل المأمورات وترك المنهيات إذًا هي الدين، هي الدين، وبلوغ الغاية حقيقة التقوى غاية التقوى يدل على أن لها غاية، ولها ما دون الغاية، حقيقة التقوى غايتها، وهنا يتضح مراد المصنف بكلام أوضح مما قاله ابن حجر، لا يبلغ العبد حقيقة التقوى حتى يدع ما حاك في الصدر؛ لأن هذا كمال، حقيقتها غايتها، مما يدل على أن هناك تقوى، لكنها أقل من الغاية، فما دامت التقوى تتفاوت في قلوب العباد إذًا فالدين يتفاوت في قلوب العباد.
نسمع ما قال ابن حجر: المراد بالتقوى وقاية النفس عن الشرك والأعمال السيئة والمواظبة على الأعمال الصالحة، وبهذا التقرير يصح استدلال المصنف، لعل ما ذكرناه أوضح.
وقوله: حاك بالمهملة والكاف الخفيفة أي تردد، ففيه إشارة إلى أن بعض المؤمنين بلغ كنه الإيمان وحقيقته، وبعضهم لم يبلغ.
وقد ورد معنى قول ابن عمر عند مسلم من حديث النواس مرفوعًا، وعند أحمد من حديث وابصة، وحسّن الترمذي من حديث عطية السعدي قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يكون الرجل من المتقين حتى يدع ما لا بأس به؛ حذرًا لما به البأس»، حذرًا لما به البأس، وليس فيها شيء على شرط المصنف، ولهذا اقتصر على أثر ابن عمر، ولم أره إلى الآن موصولاً.
وقد أخرج ابن أبي الدنيا في كتاب التقوى عن أبي الدرداء قال: تمام التقوى أن تتقي الله حتى تترك ما ترى أنه حلال؛ خشية أن يكون حرامًا. وقال مجاهد، يقول مجاهد: شرع لكم شرع لكم أوصيناك يا محمد وإياه دينًا واحدًا، وقال مجاهد: وصل هذا التعليق عبد بن حميد في تفسيره، والمراد أن الذي تظاهرت عليه الأدلة من الكتاب والسنة هو شرع الأنبياء كلهم.
وقد تعقَّب العيني ابن حجر، ويوجد رد لابن حجر عليه لا نطيل بذكره، من أراده يرجع إليه في العيني مائة وسبعة عشر من الجزء الأول، وانتقاد الاعتراض في الأول صفحة أربعة وثلاثين.
تنبيه: قال شيخ الإسلام البلقيني: وضع في أصل الصحيح في جميع الروايات في أثر مجاهد هذا تصحيف قلّ من تعرض لبيانه، تصحيف قلّ من تعرض لبيانه، وذلك أن لفظه: وقال مجاهد: شرع لكم، قال مجاهد: شرع لكم أوصيناك يا محمد وإياه دينًا واحدًا، والصواب: أوصاك يا محمد وأنبياؤه، والصواب أوصاك يا محمد وأنبياؤه، كذا أخرجه عبد بن حميد والفريابي والطبري وابن المنذر وابن المنذر في تفاسيرهم، وبه يستقيم الكلام، وكيف يفرد مجاهد الضمير لنوح وحده مع أن في السياق ذكر جماعة، انتهى.
ولا مانع من الإفراد في التفسير، وإن كان لفظ الآية بالجمع على إرادة المخاطب، والباقون تبع، وإفراد الضمير لا يمتنع؛ لأن نوحًا أفرد في الآية فلا يتعين التصحيف. هذا كلام ابن حجر، وغاية ما ذُكِر من مجيء التفاسير بخلاف لفظه أن يكون مذكورًا عند المصنف بالمعنى، والله أعلم.
وقد استدل الشافعي وأحمد وغيرهما، وقد استدل الشافعي وأحمد وغيرهما على أن الأعمال تدخل في الإيمان بهذه الآية {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ} إلى قوله: {وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}[سورة البينة: 5] قال الشافعي: ليس عليهم أحجُّ من هذه الآية. أخرجه الخلال في كتاب السُّنَّة، ما وجه كونها أحج من غيرها؟
{ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}[سورة البينة: 5] يعني الصلاة والزكاة من الدين، وجاءت في حديث جبريل حينما سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- وقال: «أتاكم يعلمكم دينكم»، وفيه كثير من الفروع، قال الشافعي: ليس عليهم أحجُّ من هذه الآية. أخرجه الخلال في كتاب السُّنَّة قال: وقال ابن عباس: شرعة ومنهاجًا سبيلاً وسنَّة، سبيلاً وسنَّة. وصل هذا التعليق عبد الرزاق في تفسيره بسند صحيح، والمنهاج السبيل، المنهاج السبيل أي الطريق الواضح، والشرعة والشريعة بمعنىً واحد، وقد شرع أي سنَّ، فعلى هذا فيه لفٌّ ونشرٌ غير مُرتب. لكن لو كان مُرتبًا ماذا يكون؟ شرعة ومنهاجًا سنة وسبيلاً، لماذا؟ لأن السُّنَّة هي الشرعة، والسبيل هو المنهاج، فعلى هذا فيه لفٌ ونشرٌ غير مُرتب.
فإن قيل: هذا يدل على الاختلاف، والذي قبله على الاتحاد هذا يدل على الاختلاف والذي قبله على الاتحاد، أجيب بأن ذلك في أصول الدين وليس بين الأنبياء فيه اختلاف، وهذا في الفروع والذي يدخله النسخ، كما قال في الحديث: «نحن معاشر الأنبياء أولاد علات، ديننا واحد» أولاد العلات الإخوة من الأب، الإخوة من الأب، أبوهم واحد، أصلهم واحد، وأمهاتهم مختلفة، فدينهم واحد أصل الدين الذي هو التوحيد واحد، والشرائع مختلفة.
ثم قال -رحمه الله-: ........
ثم قال -رحمه الله-: "بابٌ دعاؤكم إيمانكم. حدثنا عبيد الله بن موسى قال: أخبرنا حنظلة بن أبي سفيان عن عكرمة بن خالد عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- : «بني الإسلام على خمسٍ: شهادة ألا لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان»".
مكتوب على باب، انظر.
طالب:...
لا، في لا، يعني لا يوجد عند ابن عساكر والأصيلي الباب، دعاؤكم إيمانكم، انظروا رقم ثمانية، ماذا قال، لقوله -عز وجل-: { قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ}[سورة الفرقان: 77] ومعنى الدعاء في اللغة الإيمان. هذا موجود عند أبي ذر، ولا يوجد في باقي الروايات، ولذلك ما أُثبِت. الآن إثبات لفظة باب متجه أم غير متجه؟ لأنه سقنا كلام ابن عباس وقال ابن عباس: شرعة ومنهاجًا سبيلاً وسنة، دعاؤكم إيمانكم ماشٍ؛ لأن الإمام البخاري- رحمة الله عليه- يذكر من غريب القرآن ما يناسب المقام، من غريب القرآن ما يناسب المقام، وهذه عادته -رحمه الله-، فدعاؤكم إيمانكم ما له علاقة بالحديث ليكون ترجمةً له.
الأمر الثاني: أن الحديث أُشير إليه في الترجمة السابقة، فهو تابعٌ لها، فوجود باب مقحَم، وجود لفظ باب مُقحَم، هنا يقول: قوله دعاؤكم إيمانكم قال النووي: يقع في كثير من النسخ وهنا باب، وهو غلطٌ فاحش، وصوابه بحذفه، ولا يصح إدخال باب هنا؛ إذ لا تعلّق له هنا.
يقول ابن حجر: قلتُ: ثبت باب في كثير من الروايات المتصلة منها رواية أبي ذر، ويمكن توجيهه، لكن قال الكرماني: إنه وقف على نسخة مسموعة على الفربري بحذفه، وعلى هذا فقوله: دعاؤكم إيمانكم من قول ابن عباس، وعطفه على ما قبله كعادته في حذف أداة العطف حيث ينقل التفسير، وقد وصله ابن جرير من قول ابن عباس: قال في قوله تعالى: { قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ}[سورة الفرقان: 77] قال: يقول: لولا إيمانكم. لولا إيمانكم، أخبر الله الكفار أنه لا يعبأ بهم، ولولا إيمان المؤمنين لم يعبأ بهم أيضًا، ووجه الدلاة للمصنف أن الدعاء عمل، ووجه الدلالة للمصنف أن الدعاء عمل وقد أطلقه على الإيمان فيصحّ ويصحّ إطلاق أن الإيمان عمل وعلى هذا وهذا على تفسير ابن عباس.
وقال غيره: الدعاء هنا مصدر مضاف إلى المفعول، مصدر مضاف إلى المفعول، يعني المدعو، والمراد: دعاء الرسل الخلقَ دعاؤكم، لا، قال: وقال غيره: الدعاء هنا مصدر مضاف إلى المفعول، والمراد دعاء الرسل الخلقَ إلى الإيمان، فالمعنى ليس لكم عند الله عذرٌ إلا أن يدعوكم الرسول فيؤمن من آمن، ويكفر من كفر، فقد كذبتم. لكن هذا فيه بُعْد، فقد كذبتم أنتم فسوف يكون العذاب لازمًا لكم، وقيل: معنى الدعاء هنا: الطاعة، ويؤيده حديث النعمان بن بشير أن الدعاء هو العبادة، أخرجه أصحاب السنن بسند جيد. ثم ذكر الحديث وشرحه، ونأتي عليه إن شاء الله تعالى.
ننظر في كلام الحافظ ابن رجب -رحمه الله- في مسألة الزيادة.
ثم قال البخاري بعد أن ذكر كلامًا كثيرًا قرأناه في درس سبق ثم قال البخاري: ويزيد وينقص، قال الله -عز وجل-: {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [سورة الفتح: 4]، {وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [سورة الكهف: 13]، {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى} [سورة مريم: 76]، {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [سورة محمد: 17]، {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} [سورة المدثر: 31]، {أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَٰذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [سورة التوبة: 124]، قوله: {فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا} [سورة آل عمران: 173]، وقوله: {وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [سورة الأحزاب: 22]. زيادة الإيمان ونقصانه، يقول الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: قول جمهور العلماء، وقد روي هذا الكلام عن طائفة من الصحابة كأبي الدرداء وأبي هريرة وابن عباس وغيرهم من الصحابة، وروي معناه عن علي وابن مسعود أيضًا وعن مجاهد وغيرهم من التابعين، وتوقف بعضهم في نقصه، وتوقف بعضهم في نقصه فقال: يزيد، ولا يقال: ينقص. روي ذلك عن مالك، والمشهور عنه كقول الجماعة، روي عن ذلك عن مالك، والمشهور عنه كقول الجماعة، وعن ابن المبارك قال: الإيمان يتفاضل، وهو معنى الزيادة والنقص، وقد تلا البخاري الآيات التي فيها ذكر الإيمان. تلا البخاري؟ هو ذكر.
طالب:...
كيف؟
طالب:...
عندنا تلا، لكن هل الأنسب تلا أم ذكر؟
طالب:...
لأنه ذكرها في كتابه، وقد تلا البخاري الآيات التي فيها ذكر زيادة الإيمان، وقد استدل بها على زيادة الإيمان أئمة السلف قديمًا منهم عطاء بن أبي رباح ومن بعده، وتلا البخاري أيضًا الآيات التي ذكر فيها زيادة الهدى، فإن المراد بالهدى هنا فعل الطاعات، كما قال تعالى بعد وصف المتقين بالإيمان بالغيب وإقام الصلاة والإنفاق مما رزقهم بالإيمان بما أنزل إلى محمد وإلى من قبله وباليقين بالآخرة ثم قال: {أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ}[سورة البقرة: 5] فسمى ذلك كله هدى.
فمن زادت طاعاته فقد زاده هدى فقد زاد هداه، ولما كان الإيمان يدخل فيه المعرفة بالقلب والقول والعمل كله كانت زيادته بزيادة الأعمال ونقصانه بنقصانها، وقد صرح بذلك كثير من السلف، فقالوا: يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، فأما زيادة الإيمان بزيادة القول ونقصانه بنقصانه فهو كالعمل بالجوارح أيضًا، فإن من زاد ذكره لله وتلاوته لكتابه زاد إيمانه، ومن ترك الذكر الواجب بلسانه نقص إيمانه، يعني كما قال شيخ الإسلام -رحمه الله- أن قراءة القرآن على الوجه المأمور به تورث قلب المؤمن من اليقين والإيمان ما لا يدركه إلا من عاناه وفعله، ومن ترك الذكر الواجب بلسانه نقص إيمانه، وأما المعرفة بالقلب، فهل تزيد وتنقص؟ على قولين: أحدهما أنها لا تزيد ولا تنقص، قال يعقوب بن بختان: سألت أبا عبد الله يعني أحمد بن حنبل عن المعرفة والقول يزيد وينقص قال: لا، قد جئنا بالقول والمعرفة، وبقي العمل، ذكره أبو بكر الخلال في كتاب السُّنَّة، ومراده بالقول التلفظ بالشهادتين خاصةً، وهذا قول طوائف من الفقهاء والمتكلمين.
والقول الثاني: إن المعرفة تزيد وتنقص، قال المروذي: قلت لأحمد في معرفة الله بالقلب تتفاضل؟ قال: نعم، قلت: ويزيد؟ قال: نعم، ذكره الخلال عنه، وأبو بكر بن عبد العزيز في كتاب السُّنَّة أيضًا عنه، وهذا وهو الذي ذكره القاضي أبو يعلى من أصحابه من أصحابنا في كتاب الإيمان، وكذلك ذكره أبو عبد الله بن حامد، وحكى القاضي في المعتمد وابن عقيل في مسألته روايتان عن أحمد، وتأوَّل رواية أنه لا يزيد ولا ينقص. وتأول رواية أنه لا يزيد ولا ينقص. المعرفة القلبية لا شك أنها تزيد، بحسب كثرة الدلائل والقرائن، وتنقص بحسب الغفلة عن هذه الأمور، كما قيل: نظيره في التصديق.
وتفسر زيادة المعرفة بمعنيين: أحدهما زيادة المعرفة بتفاصيل أسماء الله وصفاته، وأفعاله وأسماء الملائكة والنبيين وصفاتهم والكتب المنزلة عليهم وتفاصيل اليوم الآخر. يعني أركان الإيمان الستة فيها ما هو مُبيَّن ومُوضَّح بالتفصيل وما هو مذكور بالإجمال، ولا شك أنه بزيادة التفصيل تزيد المعرفة بهم، وهذا ظاهرٌ لا يقبل نزاعًا. والثاني زيادة المعرفة بالوحدانية بزيادة معرفة أدلتها، فإن أدلتها لا تحصر، إذ كل ذرة، إذ كل ذرة من الكون فيها دلالة على وجود الخالق ووحدانيته، فمن كثرت معرفته بهذه الأدلة زادت معرفته على من ليس كذلك. وكذلك المعرفة بالنبوات واليوم الآخر والقدر وغير ذلك من الغيب الذي يجب الإيمان به، ومن هنا فرّق النبي -صلى الله عليه وسلم- بين مقام الإيمان ومقام الإحسان، وجعل مقام الإحسان أن يعبد العبد ربه كأنه يراه، والمراد أن يُنوِّر قلبه بنور الإيمان حتى يصير الغيب عنده مشهودًا بقلبه كالعيان، وقد ذكر محمد بن نصر المروزي في كتابه أن التصديق يتفاوت، ما اسم كتابه؟
تعظيم قدر الصلاة، الذي سبق الإشارة إليه.
وحكاه عن الحسن والعلماء، وهذا يشعر بأنه إجماع، ومما يدل على ذلك أيضًا ما روى ابن وهب أن أخبرنا عبد الرحمن قال: أخبرنا عبد الرحمن بن ميسرة عن أبي هانئ الخولاني عن أبي عبد الرحمن الحُبلي عن عبد الله بن عمروٍ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الإيمان ليخْلَق في جوف أحدكم كما يخلَق الثوب الخلِق، فسلوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم» أخرجه الحاكم. وقال صحيح الإسناد.
ثم قال البخاري -رحمه الله-: والحب في الله والبغض في الله من الإيمان، وهذا يدل عليه قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ثلاثٌ من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان» حلاوة الإيمان، كم نسبة من يجد حلاوة الإيمان بين صفوف طلاب العلم فضلاً عن عامة الناس؟ والسبب في ذلك عدم تتبع هذه الخصال وهذه الخلال التي أُشير إليها مع غيرها مما ينضم إليها فنجد بذلك حلاوة الإيمان، وإذا وجد حلاوة الإيمان يعني أنه يتلذذ به، وإذا تلذذ الشخص بالشيء صار يزاوله بنَهم ومن غير ملل. ففرق بين أن يكون الإنسان في مرحلة المجاهدة، وبين أن يتعدى هذه المرحلة إلى مرحلة التلذذ، فرقٌ بين من يقول: أرحنا بالصلاة، ومن يقول: أرحنا من الصلاة، {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ}[سورة البقرة: 45].
قيام الليل أثقل من نقل الجبال، مستعد إنسان أن يعاني دخان المصانع، وتشغيل الآلات، وحمل القطع لتركيبها، وفكها، هذا سهل عنده، لكن تقول له: اركع ركعتين صعب. وفيه شخص قال لولده: في وظيفة في المكان الفلاني كتابة لمدة ساعة بين العشاءين بألف، قال: أين هي؟ يروح، يشتغل يكتب ساعة بألف سهلة، قال: اجلس في المسجد احفظ القرآن أعطك ألفين في الشهر، قال: صعب، هو جالس في المسجد مريح، لكن هذا لو عرضناه على أنفسنا، لو عرضنا هذا الأمر على أنفسنا وجدناها تنقاد لمثل هذه الأمور؟ والله ما تنقاد، فعلى كل إنسان أن يفتش نفسه، لماذا ما ينقاد إلى الجلوس في المسجد يحفظ القرآن، أو يطلب علمًا، أو يقرأ في كتاب من كتب العلم؟ وسهل عليه أنه يروح لأي مكان، قال: يعطونك ألفًا، تكتب لمدة ساعة بين العشاءين وفرح فرحًا شديدًا، قال: أنا أعطيك ألفين وتجلس في المسجد المكيف تحفظ القرآن، حُفت الجنة حُفت الجنة بالمكاره.
لكن من الناس من يوطن نفسه على هذه المكاره حتى تصل أن تكون محاب، كابدنا قيام الليل عشرين سنة، ثم تلذذوا به عشرين سنة، بقية العمر، المسألة تحتاج إلى جهاد، ولذا يقول: «ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان»، وذكر منهن أن يجب المرء لا يحبه إلا لله، المحبة لله لا تزيد مع الصفاء، ولا تنقص مع الجفاء، ذهبت لتزور شخصًا في الله من أهل العلم أو من أهل العمل، من أهل العبادة، تصور أنه ما استقبلك، ما استقبلك استقبالًا يليق بك، في ظنك وفي تقديرك وإلا ما تدري ما مقامك عند الله -جل وعلا-، فهل تكرر الزيارة؟ ما تكرر الزيارة، وما ترجع بنفس النفسية التي أتيت بها، ولو استقبلك شخصٌ عليه بعض الملاحظات ومرتكب بعض المنكرات استقبلك استقبالًا جيدًا ما تنكر عليه، لا تزيد مع الصفاء، ولا تنقص مع الجفاء، واحد من طلاب العلم راح يسلم على واحد من المشايخ الكبار، يمكن بعد صحته ما تساعد أن ينهض لكل أحد، سلم عليه وهو جالس، لما رجع قال: قصوا رجلي إن رحت للشيخ مرة ثانية، الشيخ من العلماء العاملين المعروفين الذي يُحَب في الله، الخلل موجود يا إخوان، لو فتشنا عن أنفسنا وجدنا الخلل، لماذا لا نجد حلاوة الإيمان؟ لماذا لا نتلذذ بطاعة؟
فتش عن قلبك في مواطن: في الصلاة، في الدعاء، في الذكر، في قراءة القرآن، يقول: إن لم تجده في هذه المواطن فاعلم أن الباب مغلق، مغلق وننصرف، ولا نسعى في فتحه؟ لا بد أن نسعى في فتحه وإلا ما هي المسألة تقول: هناك بدائل، فهي إما جنة وإما نار، رضا الله أو غضب الجبار، ما هناك خيار.
في السابق قبل أن تُفتَح الدنيا ويكون الليل أفضل من النهار، في السابق إذا غضب الوالد على ولده وأخرجه من البيت إذا غابت الشمس جاء يسترضيه، يبذل المستحيلات ليرضى، لماذا؟ ما هناك بديل، أين يروح؟ الآن إذا غضب عليه تلقفه ألف شيطان، وفي تقديره أنه أفضل من أبيه؛ لأنهم يزينون لهم، ويلبسون عليهم، ويستقبلونهم في أول الأمر استقبالًا يرغبهم في ذلك، ما لك إلا خالقك، فعليك أن تسعى في فتح الباب إذا كان مغلقًا.
«ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان» وذكر منهن أن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وإذا كان الحب في الله والبغض في الله من الإيمان زاد الإيمان بزيادة ذلك، ونقص بنقصانه.
قال البخاري: وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن عدي: إن للإيمان فرائض وشرائع، وحدودًا وسننًا، فمن استكملها استكمل الإيمان، ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان، فإن أعش فسأبينها لكم، حتى تعملوا بها، وإن أمُت فما أنا على صحبتكم بحريص. عمر بن عبد العزيز كم عمره يوم وفاته؟ ما كمّل الأربعين، ما كمّل الأربعين، يقول: وإن أمُت فما أنا على صحبتكم بحريص؟ لأن همته في ارتفاع وسمو وعلو، تمنى إمارة المدينة فحصلت له، تمنى بعد ذلك الخلافة يعني قبل ما كان أميرًا على المدينة فحصلت له، ماذا بقي؟ ماذا بقي ليتمنى؟ تمنى الجنة، وسعى لها سعيها، وعمل لها عملها، فما هو على صحبة الناس بحريص، ولا يظن أنه بذلك يزكّي نفسه وأنه من أهلها، لا، إذا خشي الإنسان على نفسه من اختلاطه بالناس ما حرص على صحبتهم إذا كان له قلب حي.
هذا الأثر خرَّجه أبو بكر الخلال في كتاب السُّنة، من رواية جرير بن حازم قال: حدثني عيسى بن عاصم عن عدي بن عدي، وهو يومئذٍ أمير على أرمينية، قال: كتب إلي عمر.
هنا في كتاب عند ابن حجر ماذا قال؟
طالب:...
ماذا؟
طالب:...
على الجزيرة نعم. معروف الجزيرة أين؟
طالب:...
نعم، جزيرة ما بين النهرين. قال: كتب إلي عمر بن عبد العزيز: سلام عليك، أما بعد، فإن للإيمان شرائع وحدودًا وسننًا، فمن استكملها استكمل الإيمان، فإن أعش فيكم، فإن أعش فيكم أبينها لكم؛ حتى تعملوا بها، أو قال به، إن شاء الله، وإن أمُت فوالله ما أنا على صحبتكم بحريص.
قال البخاري: وقال إبراهيم -عليه السلام-: {قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}[سورة البقرة: 260] فسَّرها سعيد بن جبير بالازدياد من الإيمان، فإنه قال له: {قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}[سورة البقرة: 260]، فطلب زيادةً في إيمانه، فإنه طلب أن ينتقل من درجة علم اليقين إلى درجة عين اليقين، وهي أعلى وأكمل. وفي المسند عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ليس الخبر كالمعاينة»، قال البخاري: وقال معاذ: اجلس بنا نؤمن ساعة. هذا الأثر رواه سفيان الثوري والأعمش ومِسْعَر كلهم عن جامع بن شداد، عن الأسود بن هلال قال: قال معاذ بن جبل لرجل: اجلس بنا نؤمن ساعة. يعني نذكر الله، وقد روي مثله عن طائفة من الصحابة، فروى زُبيدٌ عن زِر بن حُبيش قال: كان عمر بن الخطاب يقول لأصحابه: هلموا نزداد إيمانًا، فيذكرون الله. وروى أبو جعفر الخطمي عن أبيه عن جده عُمير بن حبيب بن حماسة أو خماشة؟ أو حُماشة؟ بالحاء المهملة.
طالب:...
موجود كله، موجود عندي هذا، موجود عندي كله بالتفصيل، أنت ما عندك تعليق مطول ونقول، الذي معك طارق عوض الله؟
طالب:...
نعم، ما فيها تعليق، لا لا عندي بالتفصيل نقول من كتب المشتبه ومن كتب... جزاك الله خيرًا، أنت محضر الكتاب أحسن من غيرك.
طالب:...
نعم، مكتوب خُماشة عندي، ابن حُماسة يقول: كذا في فاء بالحاء المهملة، ولم يعجم السين، ولم يضع عليها علامة الإهمال، فلعله أراد حُماشة، وفي كلا الحالتين خطأ صوابه: خُماشة، بضم الخاء المعجمة، كذا قال ابن ماكولا في إكماله، ومن قال فيه: حُماشة بحاء مهملة فقد غلط، وذكره بالمعجمة الدراقطني في المؤتلف والمختلف، وذكره مرة بالمهملة والباء في باب جويبر، المقصود أنه مختلف فيه. والذي رجّحه ابن ماكولا خُماشة. وهو من الصحابة.
أنه قال: إن الإيمان يزيد وينقص، قال: وما زيادته ونقصانه؟ قال: إذا ذكرنا الله وخشيناه فذلك زيادته، وإذا غفلنا ونسينا وضيعنا فذلك نقصانه، فزيادة الإيمان بالذكر من وجهين: فزيادة الإيمان بالذكر من وجهين: أحدهما أنه يجدد من الإيمان والتصديق في القلب ما درس منه بالغفلة، كما قال ابن مسعود: الذكرُ ينبت الإيمان في القلب، كما ينبت الماء الزرع، وفي المسند عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «جددوا إيمانكم، قالوا: كيف نجدد إيماننا؟ قال: قولوا: لا إله إلا الله». عند شيوخنا العاملين أهل العلم والعمل أهل العبادة والزهد رُئيَ في المنام بعد وفاته، توفي قبل خمسة وثلاثين سنة، رُئيَ بعد وفاته في المنام فإذا به يقول: كيف يشبع الناس من لا إله إلا الله؟ وهو مكثر لها في حياته من الذكر، والتلاوة.
والثاني: أن الذكر نفسه من خصال الإيمان، فيزداد الإيمان بكثرة الذكر، فإن جمهور أهل السُّنَّة على أن الطاعات كلها من الإيمان فرضها ونفلها وإنما أخرج النوافل من الإيمان قليل منهم، أخرجوها؛ لأنها لا تؤثر في نقصه، مع أنها تؤثر في زيادته.
قال البخاري: وقال ابن مسعود: اليقين الإيمان كله، اليقين الإيمان كله، هذا الأثر رواه الأعمش عن أبي ظبيان عن علقمة عن ابن مسعود، واليقين هو العلم الحاصل للقلب، العلم الحاصل للقلب بعد النظر والاستدلال، فيوجب قوة التصديق حتى ينفي الريب ويوجب طمأنينة القلب بالإيمان وسكونه وارتياحه به، وقد جعله ابن مسعود الإيمان كله وكذا قال الشعبي أيضًا، وهذا مما يتعلق به من يقول: إن الإيمان هو مجرد التصديق، حيث جعل اليقين الإيمان كله فحصره في اليقين، ولكن لم يرد ابن مسعود أن ينفي الأعمال من الإيمان إنما مراده أن اليقين هو أصل الإيمان كله، فإذا أيقن القلب بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر انبعثت الجوارح كلها للاستعداد للقاء الله تعالى بالأعمال الصالحة، فنشأ عن ذلك كله عن اليقين.
لكن قد يقال: إن الحصر إضافي، وليس بحقيقي كما في الحج عرفة، الحج عرفة، ما في الحج غير عرفة؟ إذًا في الإيمان غير اليقين، فيكون حينئذٍ الحصر إضافيًا للاهتمام بشأن المحصور فيه. قال الحسن البصري: ما طلبت الجنة إلا باليقين ولا هرب من النار إلا باليقين ولا أُدِّيَت الفرائض إلا باليقين ولا صُبِر على الحق إلا باليقين، وقال سفيان الثوري: لو أن اليقين وقع في القلب كما ينبغي لطارت القلوب اشتياقًا إلى الجنة وخوفًا من النار، ويُذكَر عن لقمان ويُذكر عن لقمان قال: العمل لا يستطاع إلا باليقين، ومن يضعف يقينه يضعف عمله، قال عبد الله بن عكيم: سمعت ابن مسعود يقول في دعائه: اللهم زدنا إيمانًا ويقينًا وفهمًا، قال البخاري: وقال ابن عمر: لا يبلغ العبد حقيقة التقوى حتى يدع ما حاك في الصدر، قال زين الدين بن رجب: هذا الأثر هذا الأثر لم أقف عليه إلى الآن في غير كتاب البخاري، وقد روي معناه مرفوعًا وموقوفًا على أبي الدرداء. ومثل هذا قال الحافظ ابن حجر، فخرج الترمذي وابن ماجه من حديث عطية السعدي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به؛ حذرًا مما به بأس» وفي إسناده بعض مقال. وروى ابن أبي الدنيا بإسناد منقطع عن أبي الدرداء قال: تمام التقوى أن يتقي الله العبدُ حتى يتقيه من مثقال ذرة، حتى يترك ما يرى أنه حلال؛ خشية أن يكون حرامًا، حجابًا بينه وبين الحرام.
أين هذا الكلام ممن ينادي بفتح الذرائع؟ يعني المقرر عند أهل العلم سد الذرائع، الآن ينادون بفتح الذرائع، وقال قائلهم: إن المحرمات يسيرة معدودة، في الكتاب والسُّنة محصورة، لكننا ضيقنا على أنفسنا بسد الذرائع، وإلا فالله -جل وعلا- خلق لنا ما في الأرض جميعًا، ضيقنا على أنفسن بفتح، اسمع الكلام! يتركون تسعة أعشار الحلال مخافة أن يقعوا في الحرام، لكن من يفقه مثل هذا الكلام؟ هل هم الذين همهم الحياة؟ فالذين يرون أن الهدف من خلق الإنسان عمارة الدنيا ولو كانت على حساب الآخرة، يقول مثل هذا الكلام الذي يرى أن الهدف الذي خُلق من أجله تحقيق العبودية لله -جل وعلا-، والاستعانة على هذا التحقيق بلا تنس نصيبك من الدنيا. وإنما ذكر البخاري هذا الأثر في هذا الباب؛ لأن خصال التقوى خصال الإيمان، وقد صح عن مجاهد أن أبا ذر سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الإيمان فقرأ: { لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ}[سورة البقرة: 177] إلى آخر الآية وهذا مرسل، وقد روي من وجه آخر، وفيه انقطاع أيضًا.
قال البخاري: وقال مجاهد: شرع لكم من الدين أوصيناك وإياه يا محمد دينًا واحدًا. أوصيناك وإياه يا محمد دينًا واحدًا. روى ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: { شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا}[سورة الشورى: 13] قال: وصاك به وأنبياءه كلهم دينًا واحدًا، وهذا يؤيد وصاك به وأنبياءه هذا يؤيد التصحيف الذي أشار إليه البلقيني. ومعنى ذلك أن دين الأنبياء كلهم دين واحد وهو الإسلام العام المشتمل على الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وعلى توحيد الله وإخلاص الدين له، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة كما قال تعالى: { وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ. وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاة وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}[سورة البينة: 4-5] والدين هو الإسلام كما صرح به في موضع في مواضع أُخَر: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ}[سورة آل عمران: 19] وإذا أطلق الإسلام دخل فيه الإيمان وبالعكس، على ما سيأتي من ذكر للخلاف في الترادف والتباين على ما سيأتي، وقد استدل على أن الإيمان على أن الأعمال تدخل في الإيمان بهذه الآية، وهي قوله: {وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}[سورة البينة: 5] طوائف من الأئمة منهم الشافعي وأحمد والحميدي، وقال الشافعي: ليس عليهم أحجُّ من هذه الآية، واستدل الأوزاعي بقوله تعالى، يقول: واستدل الأوزاعي بقوله تعالى: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا}[سورة الشورى: 13] إلى قوله: {أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}[سورة الشورى: 13] وقال: الدين الإيمان والعمل، واستدل بقوله تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ}[سورة التوبة: 11].
وقد ذكر الخلال في كتابه السُّنَّة أقوال هؤلاء الأئمة بألفاظهم بالأسانيد إليهم، قال البخاري: وقال ابن عباس: شرعة ومنهاجًا سبيلاً وسنَّة، وهذا من رواية أبي إسحاق عن التميمي عن ابن عباس قال: شرعة ومنهاجًا سبيلاً وسنَّة. ومعنى قول ابن عباس أن المنهاج هو السُّنَّة، أن المنهاج هو السُّنَّة، وهو الطريق الواسعة المسلوكة المداوم عليها، والشرعة هي السبيل والطريق الموصل إليها، هذا عكس ما قرره ابن حجر من أنه لفّ ونشر غير مُرتب على كلام ابن حجر يكون مُرتبًا. فهي كالمدخل إليها كمشرعة الماء وهي المكان الذي يورد الماء منه ويقال: شرع فلان في كذا إذا ابتدأ فيه، وأنهج البلاء في الثوب إذا اتسع فيه، وبذلك فرق طائفة من المفسرين وأهل اللغة بين الشريعة والمنهاج منهم الزجاج وغيره.
ونقف على الباب الذي يليه. والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
طالب:...
كيف؟
طالب:...
يعني يذهب إلى التاجر ويبين له حاجته، وهذا التاجر يشتريها لا على سبيل الإلزام له؟
طالب:...
إذا ما فيه إلزام، ما فيه شيء.
"