شرح الموطأ – كتاب الاستئذان (3)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
بحث كيف ينادى ثلاثاً على راعي الإبل -بهيمة الأنعام-؟
في سنن أبي داود -وأشار الألباني -رحمه الله- بقوله: صحيح"- حدثنا عياش بن الوليد الرقام، قال: حدثنا عبد الأعلى، قال: حدثنا سعيد عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب -رضي الله عنه- أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا أتى أحدكم على ماشية فإن كان فيها صاحبها فليستأذنه، فإن أذن له فليحتلب وليشرب، فإن لم يكن فيها فليصوت ثلاثاً، فإن أجابه فليستأذنه وإلا فليحتلب وليشرب ولا يحمل)).
قال ابن قيم الجوزية: "وقد روى البيهقي من حديث يزيد بن هارون عن سعيد الجريري عن أبي نظرة عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا أتى أحدكم على راع فلينادي يا راعي الإبل ثلاثاً، فإن أجابه وإلا فليحلب وليشرب، ولا يحملن، وإذا أتى أحدكم على حائط فلينادي ثلاثاً: يا صاحب الحائط، فإن أجابه وإلا فليأكل ولا يحملن)) وهذا الإسناد على شرط مسلم، وإنما أعله البيهقي بأن سعيداً الجريري تفرد به، وكان قد اختلط في آخر عمره، وسماع يزيد بن هارون منه في حال اختلاطه، وأعل حديث سمرة بالاختلاف في سماع الحسن منه، وهاتان العلتان بعد صحتهما لا يخرجان الحديثين عن درجة الحسن المحتج به في الأحكام عند جمهور الأمة، وقد ذهب إلى القول بهذين الحديثين الإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه.
وفي جامع الترمذي -وقال الألباني: صحيح- حدثنا أبو سلمة يحيى بن خلف، قال: حدثنا عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا أتى أحدكم على ماشية فإن كان فيها صاحبها فليستأذنه، فإن أذن له فليحتلب وليشرب، وإن لم يكن فيها أحد فليصوت ثلاثاً، فإن أجابه أحد فليستأذنه، فإن لم يجبه أحد فليحتلب وليشرب ولا يحمل)).
قال: وفي الباب عن عمر وأبي سعيد، قال أبو عيسى: حديث سمرة حديث حسن صحيح غريب، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، وبه يقول أحمد وإسحاق، قال أبو عيسى: وقال علي بن المديني: سماع الحسن من سمرة صحيح، وقد تكلم بعض أهل الحديث في رواية الحسن عن سمرة، وقالوا: إنما يحدث عن صحيفة سمرة.
وقال الكاندهلوي في أوجز المسالك إلى موطأ مالك على قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((فلا يحتلبن أحد إلا بإذنه)) قال الحافظ قال ابن عبد البر: في الحديث النهي عن أن يأخذ المسلم للمسلم شيئاً إلا بإذنه، وإنما خص اللبن بالذكر لتساهل الناس فيه، فنبه به على ما هو أولى منه، وبهذا أخذ الجمهور، ولكن سواءً كان بإذن خاص أو عام، واستثنى كثير من السلف ما إذا علم بطيب نفس صاحبه، وإن لم يقع منه إذن عام أو خاص، وذهب كثير منهم إلى الجواز مطلقاً في الأكل والشرب سواءً علم بطيب نفسه، سواءً علم بطيب نفس صاحبه أو لو يعلم، والحجة لهم ما أخرجه أبو داود والترمذي وصححه من رواية الحسن عن سمرة مرفوعاً: ((إذا أتى أحدكم على ماشية فان كان صاحبها فيها فليصوت ثلاثاً، فان أجاب فليستأذن، فإن أذن له وإلا فليحتلب وليشرب ولا يحمل)) إسناده صحيح إلى الحسن.
فمن صحح يا شيخ؟
إيه يعني فمن صحح رواية الحسن عن سمرة صحح.
هنا قال: فمن صح سماعه.
صحح سماعه.
أحسن الله إليك.
فمن صحح سماعه من سمرة صححه، ومن لا أعله بالانقطاع.
ومن لا، يعني ومن لا يصحح أعله بالانقطاع.
ومن لا أعله بالانقطاع، لكن له شواهد من أقواها حديث أبي سعيد مرفوعاً: ((إذا أتيت على راعي فناده ثلاثاً فإن أجابك وإلا فاشرب من غير أن تفسد، وإذا أتيت على حائط)) فذكر مثله، أخرجه ابن ماجه والطحاوي، وصححه ابن حبان والحاكم.
وأجيب عنه بأن حديث النهي أصح، فهو أولى بأن يعمل به، وبأنه معارض للقواعد القطعية في تحريم مال المسلم بغير إذنه، فلا يلتفت إليه، ومنهم من جمع بين الحديثين بوجوه من الجمع منها: حمل الإذن على ما إذا علم طيب نفس صاحبه، والنهي على ما إذا لم يعلم.
ومنها تخصيص الإذن بابن السبيل دون غيره، أو بالمضطر، أو بحال المجاعة مطلقاً، وهي متقاربة.
ومنهم من حمل حديث النهي على ما إذا كان المالك أحوج من المار.
قالوا: فيحمل حديث الإذن على ما إذا لم يكن المالك محتاجاً، وحديث النهي على ما إذا كان مستغنياً، ومنهم من حمل الإذن على ما إذا كانت غير مصرورة، والنهي على ما إذا كانت مصرورة.
واختار ابن العربي الحمل على العادة، وأشار أبو داود في السنن إلى قصر ذلك على المسافر في الغزو، وآخرون إلى قصر الإذن على ما كان لأهل الذمة، والنهي على ما كان للمسلمين، واستؤنس بما شرطه الصحابة على أهل الذمة من ضيافة المسلمين.
وفي المرقاة عن شرح السنة: العمل على هذا عند أكثر أهل العلم أنه لا يجوز أن يحلب ماشية الغير بغير إذنه إلا إذا اضطر في مخمصة، ويضمن، ومثل لا ضمان عليه لأن الشرع أباحه له.
وذهب أحمد وإسحاق وغيرهما إلى إباحته لغير المضطر أيضاً إذا لم يكن المالك حاضراً.
انتهى؟
طالب: نعم انتهى.
يعني مر بنا في درس الأمس، في الدرس الماضي، مر بنا أنه لا يجوز أن يحلب من الماشية إلا بإذن صاحبها، وجاء في الزروع والثمار أنه يأكل غير متخذ خبنة، وأن القياس متجه بالنسبة للبن في ضروع الإبل على الزرع والتمر في رؤوس النخل، يعني الباب واحد، لكن جاء النهي عن حلب الإبل إلا بإذن صاحبه، وأنه لا يجوز ذلك بحال، وجاء في حديث جابر وأبي سعيد، وفي حديث سمرة وأبي سعيد كما سمعتم، وإن كان كل واحد منهما له علة، وعلة ظاهرة وقادحة إلا أن من أهل العلم من يرى أن أحدهما يجبر الآخر؛ لأن السماع من المختلط حال الاختلاط قادح مضعف للحديث، والخلاف في سماع الحسن من سمرة أيضاً عند أهل العلم أكثرهم أو الكثير منهم يرون أنه لم يسمع منه مطلقاً، ومنهم من يقول: إنه سمع منه حديث العقيقة فقط، وهذا مصرح به في الصحيح في البخاري عن حبيب بن الشهيد، قال لي ابن سيرين: سل الحسن ممن سمع حديث العقيقة؟ قال: من سمرة، فدل على أنه سمع منه حديث العقيقة، ويبقى ما عداه على الانقطاع، ومنه حديث الباب، لكنه ينجبر بالحديث الثاني عند جمع من أهل العلم، ويصل إلى درجة الحسن لغيره، أما وصوله إلى درجة الصحيح فدونه خرط القتاد، يعني النزاع في كونه حسن لغيره، أما التصحيح فلا.
وعلى كل حال المسألة خلافية بين أهل العلم، وسمعتم أقوال العلماء فيها، أما المحتاج فالحاجة تبيح له مثل هذا المختلف فيه، الحاجة ولو لم يصل إلى حد الضرورة، أما حد الضرورة يبيح له المجمع على تحريمه، أما الحاجة فتبيح له مثل هذا المختلف فيه، الذي فيه نوع شبهة من ورود الحديثين، وما عدا ذلك يبقى الورع ألا يستعمل مال امرئٍ إلا بطيبة نفس منه.
سم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا والحاضرين والسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب ما يتقى من الشؤم:
وحدثني مالك عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن كان ففي الفرس والمرأة والمسكن)) يعني الشؤم.
وحدثني مالك عن ابن شهاب عن حمزة وسالم ابني عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الشؤم في الدار والمرأة والفرس)).
وحدثني مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال: "جاءت امرأة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله دار سكناها والعدد كثير، والمال وافر، فقل العدد، وذهب المال، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((دعوها ذميمة)).
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب ما يتقى من الشؤم:
الشؤم والتشاؤم والتطير متقاربة المعاني، وهو خلاف ما فيه بركة، يعني ما يتبرك به، نقيضه ما يتشاءم به، ما يتقى من الشؤم، جاء النفي التام ((لا عدوى ولا طيرة)) وأنه لا يتطير بشيء ولا يتشاءم به مطلقاً، ولا شك أن التطير والتشاؤم مما يناقض التوكل، ((لا عدوى ولا طيرة)) وهنا يقول: ((ما يتقى من الشؤم)).
ذكر الحديث الأول قال: "حدثني مالك عن أبي حازم بن دينار" يعني سلمة بن دينار، أبو حازم الذي يروي عن سهل بن سعد مطلقاً هو سلمة بن دينار الزاهد المعروف، وأما الذي يروي عن أبي هريرة أبو حازم اسمه سلمان، غير سلمة بن دينار.
"عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن كان))" يعني الشؤم، يعني إن كان موجوداً في شيء ((ففي الفرس والمرأة والمسكن)) التي تكثر ملازمتها، يعني هذا إن كان، وإن هذه إنما يؤتى بها لتضعيف الأمر وتوهينه، إن كان، وإلا فالأصل أنه لا يكون ولا يوجد، ولذا يفرقون بين إن الشرطية وإذا، إن جاء زيد فأكرمه، يعني احتمال ضعيف جداً أن يجيء، لكن إذا قال: إذا جاء زيد فأكرمه يعني يغلب على الظن أنه يجيء، بل يجزم بمجيئه، خلاص مجيئه مجزوم به، بخلاف قولهم: إن جاء زيد فأكرمه، هذا بعيد جداً، ضعيف، ولذا يقول:
أنا إن شككت وجدتموني جازماً |
| وإذا جزمت فإنني لم أجزمِ |
إن شككت من حيث المعنى، جئت إن شككت من حيث المعنى جئت بحرف (إن) التي تجزم الفعل، وجدتموني جازماً.
وإذا جزمت - من حيث المعنى- فإنني لم أجزمِ، جئت بإذا التي لم تجزم الفعل، وهنا يقول: ((إن كان)) يعني على استبعاد ((إن كان ففي الفرس والمرأة والمسكن)) لكن ماذا عن الرواية الأخرى، أو الحديث الآخر حديث ابن عمر؟
"وحدثني مالك عن ابن شهاب عن حمزة وسالم ابني عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الشؤم في الدار والمرأة والفرس))" هذا ما فيه شك، هذا جزم، ((الشؤم في الدار والمرأة والفرس)) من أهل العلم من يقول: إن الأصل رواية الشك: ((إن كان)) والاستبعاد، لكن الراوي رواه على حسب ظنه ووهمه، وأن الشؤم موجود في هذه الأمور، فجزم به، وحذف حرف التشكيك.
ابن القيم -رحمه الله تعالى- له كلام جميل ونفيس في هذه المسألة، نقرأه قريباً -إن شاء الله تعالى-.
على كل حال كثير من الناس يشتري الفرس فيسقط منها مراراً، مرة تنكسر رجله، ومرة تنكسر يده، ومرة ظهره، ومرة ترفسه، فيتهمها بالشؤم والنحس، ويسكن الدار كما سيأتي في الحديث الأخير: دار سكناها والعدد كثير، والمال وافر، فقل العدد، وذهب المال، فيقول: هذه فرس مشئومة، يعني يتشاءم بها الناس؛ لكثرة ما يحصل من النقص بسببها، ومثل هذا في السيارات، تجد الإنسان يشتري سيارة، وأسبوعياً تدخل الورشة، ويتحمل بسببها الديون، ويشتري سيارة تمر السنون ما حصل منها شيء، هذا الذي يجعل الناس يتشاءمون مع أن كل هذا بقضاء الله وقدره.
المرأة يعني لكثرة مجالسته لها، والنساء خلقن من ضلع، يعني كثرة المشاكل موجودة في القديم والحديث، هذا يجعل الناس يتشاءمون بالمرأة، يعني هذا يحكي واقع لا يحكي حكم شرعي، وإلا لا عدوى ولا طيرة في الدار والمرأة والفرس.
الدار: قد يسكن دار كتب عليه أنه يحصل له في هذه المدة من سنة كذا إلى سنة كذا كتب عليه مما كتب عليه في القضاء والقدر في اللوح المحفوظ أنه يحصل له مشاكل بغض النظر عن كونه سكن هذه الدار، أو سكن غيرها، لكنه قدر له أيضاً أن يسكن هذه الدار فتحصل هذه المصائب في هذه الدار، فينسب ذلك إلى شؤم الدار، وإلا الدار لا تقدم ولا تؤخر، الفرس لا تقدم ولا تؤخر، المرأة ما بيدها حل ولا ربط، ولذلك تجده يقول: لو أخذت فلانة كان ما حصل لي ها المصائب والمشاكل، شوف أختها فلانة مع فلان ولا مشكلة ولا شيء، عائشين من أحسن ما يكون، وأنا ابتليت بهذه المرأة المشئومة، يا أخي أنت مقدر لك هذه المشاكل لو أخذت أفضل النساء يمكن، لا بد أن تقع لك هذه المشاكل، ولا ينفى أن يكون هناك أسباب تترتب عليها هذه المسببات، والمسبب هو الله -جل وعلا-، والمخلوق ليس له إلا مجرد السبب الذي قد يترتب عليه أثره، وقد لا يترتب عليه أثره.
قال: "وحدثني مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال: "جاءت امرأة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله دار سكناها والعدد كثير، والمال وفير، فقل العدد، وذهب المال، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((دعوها ذميمة))" يعني هل هذا إثبات للشؤم؟ هذا حصل لهم هذه الأمور في هذه الدار، وخشية أن يتطور الأمر عندهم فينسبوا هذه الأفعال إلى هذه الدار، فأراد -عليه الصلاة والسلام- حسم هذه المادة، كما في قوله: ((فر من المجذوم)) و((إذا وقع الطاعون بأرض قوم فلا تدخلوها)) ((فلا تقدموا عليها)) و((لا يورد ممرض على مصح)) يعني لحسم المادة هنا، دعها فإنها لئلا يتطور عندك الأمر، أنت الآن عندك ظن أن هذا بسببها لا يصير عندك يقين، انتقل عن هذه الدار.
فلا شك أن هذه من الأحاديث التي أشكلت عند كثير من أهل العلم حتى أنهم أثبت بعضهم الشؤم في هذه الثلاث، قال: الشؤم مرتفع في كل شيء إلا في هذه الثلاث، واستدلاله بالأحاديث ظاهر، لكن يبقى أن الشؤم مرتفع، لماذا؟ لأنه منافي للتوكل، الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((لا عدوى ولا طيرة)) وهنا كلام ابن القيم -رحمه الله- وإن كان فيه طول لكنه مفيد، نعم؟
طالب:......
لا، لا مفتاح دار السعادة.
اقرأ من هذا الفصل؟
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
فصل: وأما قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((الشؤم في ثلاث))... الحديث، فهو حديث صحيح من رواية ابن عمر وسهل بن سعد ومعاوية بن حكيم، وقد روى أن أم سلمة كانت تزيد السيف، يعني في حديث
الزهري عن حمزة وسالم عن أبيهما في الشؤم، وقد اختلف الناس في هذا الحديث، وكانت عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- تنكر أن يكون من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- وتقول: "إنما حكاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أهل الجاهلية وأقوالهم" فذكر أبو عمر بن عبد البر من حديث هشام بن عمار قال: حدثنا الوليد بن مسلم عن سعيد عن قتادة عن أبي حسان أن رجلين دخلا على عائشة وقالا: إن أبا هريرة يحدث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إنما الطيرة في المرأة والدار والدابة)) فطارت شقة منها في السماء وشقة في الأرض، ثم قالت: كذب والذي أنزل الفرقان على أبي القاسم، من حدث عنه بهذا؟ ولكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: ((كان أهل الجاهلية يقولون: إن الطيرة في المرأة والدار والدابة)) ثم قرأت عائشة -رضي الله عنها-: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [(22) سورة الحديد].
قال أبو عمر: وكانت عائشة تنفي الطيرة، ولا تعتقد منها شيئاً حتى قالت لنسوة كن يكرهن البناء بأزواجهن في شوال: ما تزوجني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا في شوال، وما دخل بي إلا في شوال، فمن كان أحظى مني عنده، وكان تستحب أن يدخلن على أزواجهن في شوال.
وقال أبو عمر: وقولها في أبي هريرة "كذب" فإن العرب تقول: كذبت بمعنى غلطت فيما قدرت، وأوهمت فيما قلت، ولم تظن حقاً ونحو هذا.
يعني أطال ابن القيم -رحمه الله- في تخريج "كذب" في كلام عائشة بالنسبة لأبي هريرة، ومن نقل عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو يقرر كما قرره غيره من أهل العلم أن عند قريش في لغة قريش إطلاق الكذب على الخطأ غير المقصود، يطلقون عليه الكذب، ومنه حديث: ((صدق الله وكذب بطن أخيك)) يطلقونه على ما يخالف الواقع، سواءً كان مقصوداً أو غير مقصود.
تجاوز هذا تراه أطال عليه، نعم.
هذا الحديث قد روى على وجهين: أحدهما بالجزم، والثاني بالشرط.
فأما الأول: فرواه مالك عن ابن شهاب عن سالم وحمزة بن عبد الله بن عمر عن أبيهما أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الشؤم في الدار والمرأة والفرس)) متفق عليه، وفي لفظ في الصحيحين عنه: ((لا عدوى ولا صفر ولا طيرة، وإنما الشؤم في ثلاثة: المرأة والفرس والدار)).
وأما الثاني ففي الصحيحين أيضاً عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن كان ففي المرأة والفرس والمسكن)) يعني الشؤم.
وقال البخاري: ((إن كان في شيء)) وفي صحيح مسلم عن جابر مرفوعاً: ((إن كان في شيء ففي الربع والخادم والفرس))
لا، لا ففي الربْعِ.
أحسن الله إليك.
((إن كان في شيء ففي الرَبْع والخادم والفرس))، وفي الصحيحين عن ابن عمر مرفوعاً: ((إن يكن من الشؤم شيء حقاً ففي الفرس والمسكن والمرأة)).
وروى زهير بن معاوية عن عتبة بن حميد، قال: حدثني عبيد الله بن أبي بكر أنه سمع أنساً يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا طيرة، والطيرة على من تطير، وإن يكن في شيء ففي المرأة والدار والفرس)) ذكره أبو عمر.
وقالت طائفة أخرى: لم يجزم النبي -صلى الله عليه وسلم- بالشؤم في هذه الثلاثة بل علقه على الشرط، فقال: ((إن يكن الشؤم في شيء)) ولا يلزم من صدق الشرطية صدق كل واحد من مفرديها، فقد يصدق التلازم بين المستحيلين، قالوا: ولعل الوهم وقع من ذلك، وهو أن الراوي غلط، وقال: الشؤم في ثلاثة، وإنما الحديث: ((إن كان الشؤم في شيء ففي ثلاثة)) قالوا: وقد اختلف على ابن عمر، والروايتان صحيحتان عنه، قالوا: وبهذا يزول الإشكال، ويتبين وجه الصواب.
وقالت طائفة أخرى: إضافة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الشؤم إلى هذه الثلاثة مجاز، واتساع أي قد يحصل مقارَناً لها،
مقارِناً.
أحسن الله إليك.
أي قد يحصل مقارِناً لها وعندها، لا أنها هي أنفسها مما يوجب الشؤم، قالوا: وقد يكون الدار قد قضى الله -عز وجل- عليها أن يميت فيها خلقاً من عباده كما يقدر ذلك في البلد الذي ينزل الطاعون به، وفي المكان الذي يكثر الوباء به، فيضاف ذلك إلى المكان مجازاً، والله خلقه عنده، وقدره فيه، كما يخلق الموت عند قتل القاتل، والشبع والري عند أكل الآكل وشرب الشارب، فالدار التي يهلك بها أكثر ساكنيها.
هذا الأسلوب وهذا التعبير إنما هو معروف عند الأشعرية الذين لا يثبتون تأثير الأسباب، فتجدهم يقولون: إن الشبع يكون عند الأكل لا به، والري يكون عند الشرب لا به، فهذا من أساليبهم، وابن القيم ينقل هذا القول عن غيره، ولا يمنع أن يكون هذا القائل منهم، وإلا فالأصل أن السبب له أثر، لا يؤثر بنفسه، إنما بجعل الله -جل وعلا- الأثر فيه، يعني لا يستقل بالتأثير، إنما الله -جل وعلا- رتب هذا المسبب على هذا السبب، وقد يتخلف المسبب لوجود مانع معارض، وإنما هو سبب مثلما قلنا سابقاً: إن هذا الرجل الذي قدرت له هذه المشاكل، وكتبت عليه في اللوح المحفوظ، قارنت وجود هذه المرأة، يعني وافقت أن تكون في عصمته هذه المرأة، فظن أن هذه المشاكل منها، وهي مكتوبة مقدرة عليه، ولو تزوج غيرها، وكذلك الدار مكتوب علي أنه يسقط مراراً وينكسر، سواءً كان في الدار أو من الفرس، أو ما أشبه ذلك، سواءً كان في هذه الدار أو في غيرها، لكن لكثرة ملابسة الناس ومخالطتهم لهذه الأمور الثلاثة تجدهم يضيفون إليها هذه الأشياء في الجاهلية، ثم كثير من الناس لا يستطيع التخلص من الطيرة ((وما منا إلا ولكن الله يذهبه بالتوكل)) فعلى الإنسان أن يتوكل على الله -جل وعلا-، وإذا وجدت هذه الأمور، وخشي أن تتطور، وانتقل من البيت لا مانع من أن ينتقل، وأن يبيع الفرس، ويبيع السيارة، لا مانع من ذلك خشية أن يقع في حرج أعظم، ولذلك لما جاء الحديث الصحيح: ((لا عدوى ولا طيرة)) ثم وفيه: ((فر من المجذوم فرارك من الأسد)) يعني هل آخر الحديث ينقض أوله؟ لا، لا عدوى مطلقاً، ولكن الفرار من المجذوم لئلا يتفق إصابة الصحيح بهذا المرض عند مخالطة هذا المريض أو على إثر مخالطة هذا المريض، ثم يقع في نفسه إثبات ما نفاه النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا شك أن هذا حرج عظيم، فيحسم المادة بالكلية، ويبتعد عن الممرض، لا يورد على المصح، وكذلك يبتعد عن المجذوم؛ لئلا يقع في الحرج من مخالفة النص الصحيح، من هذه الحيثية، نعم.
أحسن الله إليك.
فالدار التي يهلك بها أكثر ساكنيها توصف بالشؤم؛ لأن الله -عز وجل- قد خصها بكثرة من قبض فيها، فمن كتب الله عليه الموت في تلك الدار حسن إليه سكَّانها...
سُكْناها.
أحسن الله إليك.
فمن كتب الله عليه الموت في تلك الدار حسن إليه سُكناها، وحركه إليها حتى يقبض روحه في المكان الذي كتب له، كما ساق الرجل من بلد إلى بلد للأثر والبقعة التي قضى أن يكون مدفنه بها.
قالوا: وكذلك ما يوصف من طول أعمار بعض أهل البلدان ليس ذلك من أجل صحة هواء، ولا طيب تربة، ولا طبع يزداد به الأجل، وينقص بفواته، ولكن الله سبحانه قد خلق ذلك المكان، وقضى أن يسكنه أطول خلقه أعماراً، فيسوقهم إليه، ويجمعهم فيه، ويحببه إليهم، قالوا: وإذا كان هذا على ما وصفنا في الدور والبقاع جاز مثله في النساء والخيل، فتكون المرأة قد قدر الله عليها أن تتزوج عدداً من الرجال ويموتون معها، فلا بد من إنفاذ قضائه وقدره، حتى أن الرجل ليقدم عليها من بعد علمه بكثرة من مات عنها لوجه من الطمع يقوده إليها حتى يتم قضاؤه وقدره فتوصف المرأة بالشؤم لذلك، وكذلك الفرس، وإن لم يكن لشيء من ذلك فعل ولا تأثير.
وقال ابن القاسم: سئل مالك عن الشؤم في الفرس والدار؟ فقال: إن ذلك كذب فيما نرى كم من دار قد سكنها ناس فهلكوا، ثم سكنها آخرون فملكوا، قال: فهذا تفسيره فيما نرى، والله أعلم.
وقالت طائفة أخرى: شؤم الدار مجاورة جار السوء، وشؤم الفرس ألا يغزى عليها في سبيل الله، وشؤم المرأة أن لا تلد وتكون سيئة الخلق.
وقالت طائفة أخرى منهم الخطابي: هذا مستثنى من الطيرة، أي الطيرة منهي عنها إلا أن يكون له دار يكره سكناها، أو امرأة يكره صحبتها، أو فرس أو خادم فليفارق الجميع بالبيع والطلاق ونحوه، ولا يقيم على الكراهة والتأذي به فإنه شؤم، وقد سلك هذا المسلك أبو محمد بن قتيبة في كتاب: مشكل الحديث له لما ذكر أن بعض الملاحدة اعترض...
اسمه: تأويل مختلف الحديث.
أحسن الله إليك.
والمعنى واحد، نعم.
لما ذكر أن بعض الملاحدة اعترض بحديث هذه الثلاثة.
وقالت طائفة أخرى: الشؤم في هذه الثلاثة إنما يلحق من تشاءم بها وتطير بها، فيكون شؤمها عليه.
يعني يعاقب بهذه الابتلاءات بسبب تشاؤمه، نعم.
أحسن الله إليك.
فيكون شؤمها عليه، ومن توكل على الله ولم يتشاءم ولم يتطير لم تكن مشؤمة عليه.
يعني مثل العين، الذي يخاف منها ويهابها أكثر من يصاب بها، والذي يتوكل على الله -جل وعلا-، ويقوى قلبه لمدافتها هذا لا تضره بإذن الله.
قالوا: ويدل عليه حديث أنس: "الطيرة على من تطير" وقد يجعل الله سبحانه تطير العبد وتشاؤمه سبباً لحلول المكروه به، كما يجعل الثقة والتوكل عليه وإفراده بالخوف والرجاء من أعظم الأسباب التي يدفع بها الشر المتطير به.
وسر هذا أن الطيرة إنما تتضمن الشرك بالله تعالى، والخوف من غيره، وعدم التوكل عليه، والثقة به كان صاحبها غرضاً لسهام الشر والبلاء، فيتسرع نفوذها فيه؛ لأنه لم يتدرع من التوحيد والتوكل بجُنة واقية، وكل من خاف شيئاً غير الله سلط عليه، كما أن من أحب مع الله غيره عذب به، ومن رجا مع الله غيره خذل من جهته.
وهذه أمور تجربتها تكفي عن أدلتها، والنفس لا بد أن تتطير، ولكن المؤمن القوي الإيمان يدفع موجب تطيره بالتوكل على الله، فان من توكل على الله وحده كفاه من غيره، قال تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ* إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ* إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ} [(98 - 100) سورة النحل].
ولهذا قال ابن مسعود: وما منا إلا -يعني من يقارب التطير- ولكن الله يذهبه بالتوكل، ومن هذا قول زبان بن يسار.
زبَّان.
أحسن الله إليك.
ومن هذا قول زبَّان بن سيار:
أطار الطير إذ سرنا زياد |
| لتخبرنا وما فيها خبيرُ |
قالوا: فالشؤم الذي في الدار والمرأة والفرس قد يكون مخصوصاً بمن تشاءم بها وتطير، وأما من توكل على الله وخافه وحده ولم يتطير ولم يتشاءم فان الفرس والمرأة والدار لا يكون شؤماً في حقه.
وقالت طائفة أخرى: معنى الحديث إخباره -صلى الله عليه وسلم- عن الأسباب المثيرة للطيرة الكامنة في الغرائز، يعنى أن المثير للطيرة في غرائز الناس هي هذه الثلاثة، فأخبرنا بهذا لنأخذ الحذر منها، فقال: ((الشؤم في الدار والمرأة والفرس)) أي: إن الحوادث التي تكثر مع هذه الأشياء والمصائب التي تتوالى عندها تدعو الناس إلى التشاؤم بها، فقال: الشؤم فيها، أي: أن الله قد يقدره فيها على قوم دون قوم، فخاطبهم -صلى الله عليه وسلم- بذلك لما استقر عندهم منه -صلى الله عليه وسلم- من إبطال الطيرة وإنكار العدوى، ولذلك لم يستفهموا في ذلك عن معنى ما أراده -صلى الله عليه وسلم-، كما تقدم لهم في قوله: ((لا يورد الممرض على المصح))...
يعني صاحب الإبل المريضة على صاحب الإبل السليمة.
((لا يورد الممرض على المصح)) فقالوا عنده: وما ذاك يا رسول الله؟ فأخبرهم أنه خاف في ذلك الأذى الذي يدخله الممرض على المصح لا العدوى؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- أمر بالتوادد، وإدخال السرور بين المؤمنين، وحسن التجاوز، ونهى عن التقاطع والتباغض والأذى، فمن اعتقد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نسب الطيرة والشؤم إلى شيء من الأشياء على سبيل إنه مؤثر بذلك دون الله فقد أعظم الفرية على الله وعلى رسوله، وضل ضلالاً بعيداً.
والنبي -صلى الله عليه وسلم- ابتدأهم بنفي الطيرة والعدوى، ثم قال: ((الشؤم في ثلاثة)) قطعاً لتوهم المنفية في الثلاثة التي أخبر أن الشؤم يكون فيها، فقال: ((لا عدوى ولا طيرة، والشؤم في ثلاثة)) فابتدأهم بالمؤخر من الخبر تعجيلاً لهم بالإخبار بفساد العدوى والطيرة المتوهمة من قوله: ((الشؤم في ثلاثة)) وبالجملة فإخباره -صلى الله عليه وسلم- بالشؤم أنه يكون في هذه الثلاثة ليس فيه إثبات الطيرة التي نفاها.
فيكون من باب الإخبار بالواقع، لا الإخبار عن حكم شرعي؛ لأن الحكم الشرعي فيه النفي، نعم.
أحسن الله إليك.
وإنما غايته إن الله سبحانه قد يخلق منها أعياناً مشؤمة على من قاربها وسكنها، وأعياناً مباركة لا يلحق من قاربها منها شؤم ولا شر، وهذا كما يعطي سبحانه الوالدين ولداً مباركاً يريان الخير على وجهه، ويعطي غيرهما ولداً مشؤماً نذلاً يريان الشر على وجهه، وكذلك ما يعطاه العبد ولاية أو غيرها، فكذلك الدار والمرأة والفرس.
يعطى ولاية، قد يولى ولاية فيصاحب هذه الولاية الخير والبركة والسعة، وقد يعطى ولاية أخرى فتكون بالضد.
العلماء في باب الفرائض يذكرون الأخ المبارك، والأخ المشئوم، المبارك قالوا: الذي لولاه لما ورثت أخته، والمشئوم الذي لولاه لورثت أخته، وليس من هذا الباب في شيء، إنما المسألة مسألة تقرير، سلب وإيجاب، فمن ثبت معه الإرث تكون بركته تعدت إلى أخته، ومن يسلب منها الإرث بسببه يكون النقص جاء من قبله، نعم.
أحسن الله إليك.
كلها مرتبطة بحكم شرعي، نعم.
والله سبحانه خالق الخير والشر والسعود والنحوس فيخلق بعض هذه الأعيان.
ثم واقع الناس إذا وجد زيد من الناس في ورثة وورثت أخته بسببه صار الناس يشيرون إليه، هذا الرجل المبارك الذي نفع الله به أخته، يعني من باب الإخبار، وبضده إذا وجد عمرو من الناس حرمت أخته الميراث بسببه صار الناس يشيرون إليه، هذا واقع الناس، وليس المعنى أنه يتشاءم بهذا، ويبغض من أجل أنه حرم أخته، ما حرمها، الذي حرمها الشرع، أو هذا يحب من أجل أن أخته ورثت بسببه، الذي ورثها الشرع، يعني ليس له أدنى دخل في المسألة، نعم.
أحسن الله إليك.
فيخلق بعض هذه الأعيان...
ومسألة التواد والتحاب التي أشار إليها ابن القيم، يعني مسألة جبلية لا يتعلق بها حكم شرعي إلا إذا ترتبت آثارها عليها، يعني لو أن شخصاً حصل بينك وبينه حادث فانكسرت رجلك مثلاً بسيارته أو بآلته أو ما أشبه ذلك، تجد في نفسك عليه، هذا أمر طبيعي جبلي، لو قيل مثلاً: إن ولدك دهس يمكن ما تستطيع تقابل هذا الشخص الذي دهسه، الأمر مقدر ومكتوب، وليس بيده شيء من هذا الأمر، يعني المسألة خطأ وليست بعمد، ومع ذلك تجد في نفسك عليه.
وجود هذا في نفسك، وعدم إظهار هذا الأمر على تصرفاتك هذا أمر جبلي، ما يترتب عليه حكم إلا إذا تصرفت بما يمليه عليك هذا الشعور، فحينئذٍ تؤاخذ، يعني لو أن صاحب إبل مريضة ورد على صاحب إبل سليمة، ثم ماتت الإبل السليمة تجد أن هذا الشخص صاحب الإبل السليمة يحمل في نفسه شيء على صاحب الإبل المريضة، ولذا جاء النهي عن الإيراد حسماً لهذه المادة، وإلا الذي أمرضها هو الله، والذي أماتها هو الله، والله المستعان، نعم.
أحسن الله إليك.
فيخلق بعض هذه الأعيان سعوداً مباركة، ويقضى سعادة من قارنها، وحصول اليمن له والبركة.
الآن قوم عاد أهلكوا بالريح، ثمانية أيام، بدأت يوم الأربعاء، وانتهت يوم الأربعاء، وصار يوم الأربعاء يوم نحس، وجاء في النص تسميته يوم نحس، والثمانية الأيام نحسات، لكن هل معنى هذا أنه يضاف إليها شيء من التصرف والفعل؟ من الذي أوجد الفعل في هذه الأيام؟ هو الله -جل وعلا-، ومع ذلك جاء في يوم الأربعاء بخصوصه أن فيه دعوة مستجابة بين الصلاتين، ما يدل على أنه يوم مبارك، يعني نحس بالنسبة لأولئك الذين حصل لهم العذاب في ذلك الظرف الذي قدره الله -جل وعلا-، وأما بالنسبة لغيره فهو نحس وإلا بركة؟ نعم، أجيبت دعوة النبي -عليه الصلاة والسلام- في يوم الأربعاء بين الصلاتين، هذا ثابت من حديث جابر وغيره في المسند والسنن وغيرها، ومع ذلك كان جابر يتحرى الدعاء بين الصلاتين صلاتي الظهر والعصر من يوم الأربعاء، ويقول: إن فيه دعوة مستجابة، كل هذا من باب نفي هذا التطير وهذا التشاؤم في الأيام والأعيان وغيرها، نعم.
أحسن الله إليك.
ويخلق بعض ذلك نحوساً يتنحس بها من قارنها، وكل ذلك بقضائه وقدره، كما خلق سائر الأسباب وربطها بمسبباتها المتضادة والمختلفة، فكما خلق المسك وغيره من حامل الأرواح الطيبة، ولذذ بها من قارنها من الناس وخلق ضدها وجعلها سبباً لإيذاء من قارنها من الناس، والفرق بين هذين النوعين يدرك بالحس، فكذلك في الديار والنساء والخيل، فهذا لون والطيرة الشركية لون.
هنا في فصل آخر يا شيخ.
ما هو موضوعة؟
ذكر أثر مالك اللي معنا في الباب.
الأخير، ذميمة؟
إيه.
إي نعم اقرأ.
فصل: وأما الأثر الذي ذكره مالك عن يحيى بن سعيد جاءت امرأة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله دار سكناها والعدد كثير، والمال وافر، فقل العدد، وذهب المال، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((دعواها ذميمة)).
وقد ذكر هذا الحديث غير مالك من رواية أنس أن رجلاً جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله أنا نزلنا داراً فكثر فيها عددنا، وكثرت فيها أموالنا، ثم تحولنا إلى أخرى، فقلت فيها أموالنا، وقل فيها عددنا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وذكره.
فليس هذا من الطيرة المنهي عنها، وإنما أمرهم -صلى الله عليه وسلم- بالتحول عنها عند ما وقع في قلوبهم منها لمصلحتين ومنفعتين: إحداهما مفارقتهم لمكان هم له مستثقلون، ومنه مستوحشون لما لحقهم فيه ونالهم؛ ليتعجلوا الراحة مما دخلهم من الجزع في ذلك المكان والحزن والهلع؛ لأن الله -عز وجل- قد جعل في غرائز الناس وتركيبهم استثقال ما نالهم الشر فيه، وإن كان لا سبب له في ذلك وحب ما جرى لهم على يديه الخير، وإن لم يردهم به فأمرهم بالتحول مما كرهوه؛ لأن الله -عز وجل- بعثه رحمة ولم يبعثه عذاباً، وأرسله ميسراً ولم يرسله معسراً، فكيف يأمرهم بالمقام في مكان قد أحزنهم المقام به، واستوحشوا عنده لكثرة من فقدوه فيه لغير منفعته ولا طاعة ولا مزيد تقوى وهدى؟ فلا سيما وطول مقامهم فيها بعد ما وصل إلى قلوبهم منها ما وصل قد يبعثهم ويدعوهم إلى التشاؤم والتطير فيوقعهم ذلك في أمرين عظيمين:
أحدهما مقارنة الشرك، والثاني: حلول مكروه أحزنهم بسبب الطيرة التي إنما تلحق المتطير، فحماهم -صلى الله عليه وسلم- بكمال رأفته ورحمته من هذين المكروهين بمفارقة تلك الدار والاستبدال بها من غير ضرر يلحقهم بذلك في دنيا ولا نقص في دين، وهو -صلى الله عليه وسلم- حين فهم عنهم في سؤالهم ما أرادوه من التعرف عن حال رحلتهم عنها هل ذلك لهم ضار مؤد إلى الطيرة، قال: ((دعوها ذميمة)) وهذا بمنزلة الخارج من أرض بها الطاعون غير فار منه، ولو منع الناس الرحلة من الدار...
أحسن الله إليك.
منَع وإلا مُنع؟
ولو مُنع الناس الرحلة من الدار التي تتوالى عليهم المصائب والمحن فيها، وتعذر الأرزاق مع سلامة التوحيد في الرحلة للزم ذلك إن كل من ضاق عليه...
أن كل.
أحسن الله إليك.
للزم ذلك أن كل من ضاق عليه رزق في بلد أن لا ينتقل منه إلى بلد آخر، ومن قلت فائدة صناعته أن لا ينتقل عنها إلى غيرها.
انتهى كلامه -رحمه الله-.
سم.
الباب الذي يليه؛ لأن في كلام تبع الباب، نعم؟
طالب:......
لا، هو قريب من الشرك، بحسب ما يقر في القلب منه، إن رأى أن هذا المتشاءم به له أثر مستقل بنفسه فهذا هو الشرك.
طالب:......
المرأة شقيقة الرجل، النساء شقائق الرجال، لكن الغالب أن الذي يرد في النصوص ذكر الرجال والنساء تبع.
طالب: النصيحة في المسائل الاجتماعية هذه...
أن يقال له طلق.
طالب: نعم.
إذا وصل الحد إلى أنه ينسب الخير والشر إلى هذه المرأة ولا يضيفه إلى الله -جل وعلا- يقال له: فارق، نعم.
طالب: مسألة العدوى بالمرض....
على كل حال المسألة عند أهل العلم مختلف فيها، ولهم مسالك في المسألة، منهم من يثبت العدوى، ويحمل الحديث على تعدي المرض وانتقاله بنفسه من شخص إلى آخر، يعني لا عدوى يعني لا ينتقل المرض بنفسه بغير تقدير الله -جل وعلا-، وأما كونه سبب والمسبب هو الله -جل وعلا- فينتقل بسبب المخالطة، هذا قول مقرر عند أهل العلم ومعروف وعليه الأطباء، ويدل له: ((فر من المجذوم)) بقية الحديث، وأما بالنسبة للقول الثاني وهو نفي العدوى بالكلية، وأنها لا أثر لها، وأن مخالطة المريض كمخالطة الصحيح، لا فرق، لكن يخشى أن ينتقل المرض بتقدير الله -جل وعلا- لا بسبب المخالطة، يعني أصيب هذا الشخص ابتداءً، هذا المريض موجود يخدمه شخص سليم، أصيب هذا السليم بهذا المرض سواءً خالط هذا المريض أو لم يخالطه على حد سواء؛ لأنه لا عدوى، والنص في قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((فمن أعدى الأول)) صريح في هذا، وأما الأمر بالفرار من المجذوم على هذا القول حماية لجناب التوحيد، حماية لجناب التوحيد؛ لئلا يصاب بنفس المرض، ثم يقول، يقع في نفسه أن هذا الحديث ليس بصحيح، مخالف للواقع، وما أشبه ذلك، وهناك من يقول: لا عدوى مطلقاً إلا في الجذام؛ لقوله: ((فر من المجذوم)) وعلى كل حال الأقوال معروفة، والأطباء لهم رأي في هذا، والحديث محتمل، نعم؟
طالب:......
كم من صحيح خالط المرضى ولم يصب، كم من صحيح، كان الناس كلهم مرضى ما من بيت إلا وفيه مريض، يعني لو قلنا: إن السبب يترتب أثره عليه حتماً، لصار كل الناس مرضى، نعم؟
طالب:......
عاد يقولون: إنهم يحتاطون وكمامات ومطهرات، الله المستعان.
سم.
أحسن الله إليك.
باب ما يكره من الأسماء:
حدثني مالك عن يحيى بن سعيد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال للقحة تحلب: ((من يحلب هذه؟)) فقام رجل فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما اسمك؟)) فقال له الرجل: مرة، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((اجلس)) ثم قال: ((من يحلب هذه؟)) فقام رجل فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما اسمك؟)) فقال: حرب، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((اجلس)) ثم قال: ((من يحلب هذه؟)) فقام رجل فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما اسمك؟)) فقال: يعيش، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((احلب)).
وحدثني مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال لرجل: "ما اسمك؟ فقال: جمرة فقال: ابن من؟ فقال: ابن شهاب، قال: ممن أنت؟ قال: من الحرقة، قال: أين مسكنك؟ قال: بحرة النار، فقال: بأيها؟ قال: بذات لظى، قال عمر: أدرك أهلك فقد احترقوا، قال: فكما كان...
فكان كما قال.
أحسن الله إليك.
قال: فكان كما قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-".
الخبر الأول مالك عن يحيى بن سعيد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذا معضل بلا شك، وهو موصول من طرق أخرى، لكن في إسناده من فيه ضعف، فالخبر ضعيف، ولو ثبت يعني لو ثبت الخبر الرسول -عليه الصلاة والسلام- كان يعجبه الفأل، يعني يسمع الاسم الحسن فيرتاح إليه، وهذا أمر طبيعي وجبلي كما في هذا الحديث أنه -عليه الصلاة والسلام- لم يرض أن يحلب اللقحة من اسمه قبيح، وغير النبي -عليه الصلاة والسلام- بعض الأسماء، لكن لما جاء الاسم الحسن مكنه من الحلب، ومثل ذلك أيضاً في خبر عمر -رضي الله عنه- اسمه جمرة بن شهاب من الحرقة، كلها نيران تتوقد، نسأل الله العافية، فرتب النتيجة على هذه المقدمات إن صح الخبر، وإلا فيحيى بن سعيد يحكي قصة لم يشهدها.
لابن القيم -رحمه الله- كلام على هذين الخبرين، فقال -رحمه الله تعالى-:
فصل: وأما الأثر الذي ذكره مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب قال لرجل: ما اسمك؟ قال: جمرة... الحديث إلى آخره، فالجواب عنه أنه ليس بحمد الله فيه شيء من الطيرة، وحاشا أمير المؤمنين -رضي الله عنه- من ذلك، وكيف يتطير وهو يعلم أن الطيرة شرك من الجبت؟! وهو القائل في حديث اللقحة ما تقدم؟ لكن وجه ذلك -والله أعلم- أن هذا القول كان منه مبالغة في الإنكار عليه؛ لاجتماع أسماء النار والحريق في اسمه واسم أبيه وجده وقبيلته وداره ومسكنه، فوافق قوله: اذهب فقد احترق منزلك قدراً، ولعل قوله كان السبب، وكثيراً ما يجري مثل هذا لمن هو دون عمر بكثير، فكيف بالمحدث الملهم الذي ما قال لشيء: إني لأظنه كذا إلا كان كما قال، ويقول الشيء ويشير به فينزل القرآن بموافقته إذا نزل الأمر الديني بموافقة قوله، فكذلك وقوع الأمر الكوني القدري موافقاً لقوله، ففي الصحيحين عن عائشة... إلى آخره، ثم جاء بالأحاديث التي تمدح عمر.
الحديث الأول حديث اللقحة أيضاً تكلم عليه ابن القيم -رحمه الله- قبل ذلك يعني كلام ابن القيم -رحمه الله- عن هذه المسألة طويل جداً، ومحرر، ويكشف كثير من هذه الأمور، ويزيل كثير من الشبهات؛ لأن المسألة من المضايق، من مضايق الأنظار.
الذي معي الطبعة الأولى، وما فيها فواصل، ولا فيها عناوين، ولا فيها، نعم.
قال: الفأل يفضي بصاحبه إلى الطاعة والتوحيد، والطيرة تفضي بصاحبها إلى المعصية والشرك، فلهذا استحب النبي -عليه الصلاة والسلام- الفأل، وأبطل الطيرة.
وأما حديث اللقحة ومنع النبي -عليه الصلاة والسلام- حرباً ومرة من حلبها، وأذنه ليعيش في حلبها فليس هذا بحمد الله في شيء من الطيرة؛ لأنه محال أن ينهى عن شيء ويبطله، ثم يتعاطاه هو، وقد أعاذه الله سبحانه من ذلك.
قال أبو عمر: ليس هذا عندي من باب الطيرة؛ لأنه محال أن ينهى عن شيء ويفعله، وإنما هو من طلب الفأل الحسن، وقد كان أخبرهم عن أقبح الأسماء أنه حرب ومرة، فأكد ذلك حتى لا يتسمى بها أحد، ثم ساق من طريق ابن ربيعة عن جعفر... إلى آخره.
المقصود أن ابن القيم -رحمه الله- أشبع الموضوع في أواخر الكتاب، أعني في آخر الجزء الثاني أو في أواخره، وذكر جميع الأحاديث الواردة في الباب وأجاب عنها، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"