كتاب الإيمان (02)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: ففي الدرس الماضي ذكرنا أقوال اللغويين في معنى الإيمان عندهم، وكلام شيخ الإسلام ومناقشته لهم، فالآن نعرض لأقوال المذاهب من أهل القبلة في حقيقته شرعًا، يعني في اصطلاحهم.
المذاهب المنتسبة إلى الإسلام تختلف في حقيقة الإيمان، وفي معناه شرعًا، وبعضها قريب، وبعضها بعيد جدًّا عن ملائمة النصوص.
فأولاً: قول أهل السُّنَّة وجماهير السلف من الصحابة والتابعين هؤلاء عندهم أن الإيمان قولٌ وعملٌ واعتقاد، يعني أركانه ثلاثة: القول والعمل والاعتقاد. قولٌ باللسان، واعتقادٌ بالجنان، وعملٌ بالأركان.
قالوا: وهو يزيد وينقص كما سيأتي في كلام الإمام- رحمة الله عليه-، ومرتكب الكبيرة عندهم مؤمنٌ لا يخرج عن الإيمان بارتكاب الكبيرة، كما يقوله الخوارج والمعتزلة على ما سيأتي، وليس بكامل الإيمان كما تقوله المرجئة، فهو مؤمنٌ بإيمانه، فاسق بكبيرته، وحكمه في الآخرة أنه تحت المشيئة، داخلٌ في قوله -جل وعلا-: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء}[سورة النساء: 48] فهو تحت المشيئة، إن شاء عذبه بقدر كبيرته، وإن شاء عفا عنه، وحكى الإجماع، إجماع السلف على ذلك غير واحدٍ من أهل العلم، كالإمام الشافعي، وشيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهم.
وإذا قلنا: السلف، فيُراد بهم أهل الحق المتبعون لنصوص الكتاب والسُّنَّة، من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان. وإلا فقد وُجِد المخالف في عصر الصحابة، وُجِد المخالف في عصر الصحابة. شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى في الجزء السابع صفحة ثلاثمائة وما بعدها سمّى من قال بذلك من علماء الأمصار، فذكر عددًا كبيرًا من علماء الأمة في مختلف الأقطار، قلنا: إن قول السلف وسطٌ بين قولين: بين قول الخوارج والمرجئة. فما الذي يقوله الخوارج؟ يقولون: الإيمان قولٌ واعتقادٌ وعمل، قول واعتقاد وعمل، ما الفرق بين قولهم هذا والقول السابق؟ قول واعتقاد وعمل؟
طالب:...
نعم، لو وقفنا على هذا قلنا: ما فيه فرق، لكن عندهم أنه كُلٌّ لا يتبعّض. كُلٌّ لا يتبعّض. فلا يزيد ولا ينقص، وأن الطاعات كلها إيمان، فحكموا على مرتكب الكبيرة... عندهم كلٌّ لا يتبعّض، إذا خرج بعضه بكبيرة واحدة حكموا على مرتكبها بأنه ليس معه من الإيمان شيء. ليس معه من الإيمان شيء، فهو كافرٌ حلال الدم والمال. بقولهم هذا أوقعوا الأمة في الويلات والكوارث، على ما عُرِف في تاريخهم.
يَقرُب من هذا القول قول المعتزلة.
طالب:...
هذا المعروف عن الخوارج، لكن بعض فئات الخوارج عندهم في بعض الفروع، فروع الإيمان ومسائل الإيمان، يعني عندهم شيء من الاعتدال، وإلا فالقاسم المشترك هذا، على كل حال حينما يقال: قول الخوارج، قول المرجئة، قول كذا، كل طائفة من هذه الطوائف طوائف كثيرة جدًّا، وكتب الملل والنحل باسطة هذا القول، لكن لو ذهبنا نفصِّل في فرق الخوارج، وما يقول به كل فرقة من فرقهم، والمرجئة كذلك، وغيرهم من الفرق ما ننتهي أبدًا، لكن هذه أصول البدع.
يقرُب من قول الخوارج قول المعتزلة، يقولون: الإيمان قول واعتقاد وعمل، وهذا القدر من الحدّ يشترك فيه كل من تقدَّم: قول واعتقاد وعمل هذا يقول به أهل السُّنَّة، ويقول به الخوارج، وعرفنا الفرق بينهم وبين أهل السُّنَّة، ويقول به المعتزلة. وافقوا الخوارج في زعمهم أنه كُلٌّ لا يتجزأ، ولا يتبعض، ولا يزيد ولا ينقص، وقالوا في مرتكب الكبيرة بأنه مُخلّد في النار بالنسبة للآخرة كقول الخوارج، لكنه بالنسبة للدنيا في منزلة بين المنزلتين. أخرجوه من الإيمان ولم يدخلوه في الكفر، أخرجوه من الإيمان، خروجه من الإيمان يقتضي تخليده في النار، وقالوا في مرتكب الكبيرة إنه بالمنزلة بين المنزلتين ليس بمؤمن ولا كافر، فليس مباح الدم، هذا بالنسبة للدنيا، وتجرى عليه أحكام هذه الأحكام في الدنيا، يُحقن دمه؛ لأنه ليس بكافر، وأما حكمه في الآخرة فقد اتفقوا مع الخوارج على أنه يُخلّد في النار.
قد يقول قائل: هل لهم من أدلة؟ سواء كان هؤلاء، أو من يقابلهم في الطرف الثاني؟ أليس فيهم من يعتمد على الكتاب والسُّنة؟ يعني لو قرأت تفسير الزمخشري مثلاً وجدت استدلالته بالنصوص كثيرة، حتى يتفقون مع أهل السُّنَّة في السُّنَّة، وأنهم يستدلون بأحاديث رواها الأئمة الستة، يعني الخلاف بين أهل السُّنَّة والروافض في مصادر التلقي معروف لا يعترفون بكتبنا، لكن المعتزلة يعترفون بكتبنا، ويستدلون بها، لهم رأي في خبر الواحد، وأنه لا بد من التعدد في الرواة، خبر واحد غير مقبول، لكن فيه شيء نلتقي معهم فيه، طيب، ما داموا يعتمدون على القرآن وعلى السُّنَّة ومقابلوهم يعتمدون نقول: نعم؛ لأن النصوص جاءت بالوعد كما جاءت بالوعيد، جاءت بالوعد وجاءت بالوعيد، فمن اعتمد على الوعد مجردًا عن الوعيد جرّه إلى القول بالإرجاء، ومن اعتمد على الوعيد دون النظر إلى الوعد جرّه إلى قول الخوارج. ومن وُفِّق للتوفيق بين نصوص الوعد والوعيد قاده ذلك إلى المنهج الصحيح.
فما من بدعة أو مبتدع إلا ويجد ما يُروِّج بدعته به من النصوص، ولذا تجدون في مذهب أهل السُّنَّة المذهب الوسط المذهب الحق ما يجمع بين النصوص، ويُعمِل جميع النصوص، لكن الطوائف الأخرى التي على طرفي نقيض تجده لا بد أن يُهمل بعض النصوص، ويلغي بعض النصوص، ويعمل ببعضها.
قد يقول قائل: لماذا جاءت النصوص بهذه الكيفية؟ ما جاءت مبيِّنةً الوعد والوعيد في آية واحدة مثلاً، من أجل ألا يرتكب هذا هذا، أو جاءت بأمور معتدلة، ما فيها طرفان، لو جاءت النصوص مُحدَّدةً -وننتبه لهذا!- بالمراد كان كل الناس علماء، كل الناس علماء، وصاروا كلهم على مسلكٍ ومنهجٍ واحد، والحكمة الإلهية التي من أجلها خُلِق الجن والإنس، وطولِبوا بالتكاليف، وأُعطوا من الحرية والاختيار ما يختارون بواسطته أحد السبيلين، تعطلت كما يقول ابن القيم دار الجزاء الثاني، يعني ما الحكمة من خلق الجنة والنار؟ يعني لو أن النصوص بهذه السهولة يعني قد يقول قائل: لماذا نجد نصوصًا متعارضة حتى في الأحكام العملية؟ ونصوصًا تحتمل وجوهًا، ونصوصًا مطلقة، ونصوصًا مُقيَّدة، ما تأتي بتحديد المراد بدقة، كان الناس كلهم علماء، لكن جاءت بهذه الاحتمالات من أجل...
طالب: الابتلاء.
ابتلاء الخلق بذلك، هل هذا يتَّبِع؟ وهل هذا يبتدع؟ وكلٌّ مُيسرٌ لما خُلِق له.
طالب:...
الناس ما لهم إلا الظاهر، يقول بعض الناس، يقول عن مذهب المعتزلة إنه تقية سياسية، من أجل أن يروجوا القول، ويجعلوه قريبًا من قول أهل الحق، يعني أقرب من قول الخوارج، وإلا فهم في الحقيقة خوارج، مؤدى القولين واحد وهو الحكم عليه في الآخرة والخلود في النار، نسأل الله العافية، أما بالنسبة للدنيا كونه في المنزلة بين المنزلتين من أجل أن يعيشوا مع الناس ولا يُقتلون وتُحقَن دماؤهم نحن ما لنا إلا الظاهر، كونها تقية وما تبع، ما لم يصرح بشيء يؤاخذ به.
طالب:...
نعم من يوافق الخوارج في مسألة، ويخالفهم في بقية المسائل، هل يقال: خارجي؟ أو يقال: فيه خروج؟ كما يقول: هذا امرؤ فيه جاهلية، هذا أمر فيه شرك، هذا شخص فيه اعتزال، يعني من يوافق المعتزلة من أهل السُّنَّة في مسألة مثلاً هل يقال: معتزلي؟ ما يقال: معتزلي، إنما يقال: فيه اعتزال، يوافق الأشعرية في مسألة أو مسائل، وفي جُلّ أموره موافق لأهل السُّنَّة هذا يقال: فيه شيء من التمشعر أو الأشعرية وهكذا، كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لأبي ذر: «إنك امرؤ فيك جاهلية» فيه جاهلية يختلف عن جاهلي.
طالب:...
نعم، لكن من يوافق ذلك الرجل في اعتقاده نعم، والحكم الشرعي على فئة أو كذا يُنظَر فيه إلى ما آل إليه الأمر، ما يقال: إنه يخفى عليه ماذا يفعل الخوارج فيما بعد، يصير هو تكييف هذا الرجل، وجميع ما يقول به هو قول الخوارج.
طالب:...
كيف؟
طالب:...
يعني من قال: اعدل يا محمد خوارج ولو ما كفَّر الناس، أو يقال منافق؟ ولو ما شهر على الناس السيف؟
طالب:...
على كل حال الخوارج مذهب معالمه واضحة، فمن وافقهم في جميع معتقداتهم فهو خارجي، يبقى الحكم على الخوارج، وقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: «يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية» هل هم كفار أو غير كفار؟ هذه مسألة خلافية بين سلف هذه الأمة وأئمتها، والمروق الخروج، والدين يحتمل أن يكون الإسلام فيُحكَم عليهم بالكفر، أو التدين فيُخرَج فيُحكَم عليهم بأنهم من الفساق ولا يُكفَّرون، ولكل قولٍ أنصاره من أهل العلم، وكأن شيخ الإسلام يميل إلى القول الثاني.
طالب:...
يُكفِّره يُكفِّره، نعم.
طالب:...
ماذا؟
طالب:...
نعم.
طالب:...
لا لا لا؛ لأن كل شيء له لازم، كل شيء له لازمه، فالإشكال أنك إذا حكمت على شخص لأنه تصرَّف تصرُّفًا أشبه فيه الخوارج فأنت... وهو لا يوافقهم في تكفير كل مرتكب كبيرة مثلاً فهذا فيه خروج، كونه خرج على الناس ولو لم يُكفِّرهم فيه نوع خروج.
المقصود أن مثل هذه الأمور لا بد من دراستها بعناية، وقد يوجد من بعض الناس ما يجتمع فيه أكثر من مذهب، يجتمع فيه أكثر من مذهب، فتجده جمع أكثر من وصف، موجودة في المذاهب، تجده يوافق المعتزلة في مسائل، يوافق الخوارج في شيء، يوافق الأشاعرة في شيء، وهكذا، ولذلك تجدون مثلاً الزيدية وهم من فرق الشيعة، يوافقون الشيعة في مسائل، يوافقون المعتزلة في مسائل، مسائل الصفات والقدر مع أن الرافضة كلهم في هذا الباب معتزلة، لكنهم لا يوافقون الروافض في تكفير خيار الأمة الصحابة.
قول المرجئة والمرجئة فِرَق كثيرة جدًّا، منهم المرجئة الذين يُسمَّون مرجئة الفقهاء، الذين يخرجون الأعمال من مسمى الإيمان، ويؤثِّمون مرتكب المعصية، وهؤلاء يختلفون عن المرجئة الجهمية وغيرهم المرجئة بإطلاق الذين لا يرون أن للأعمال أي ارتباط بالدين، وأنه يمكن أن يكون من أفجر الناس وأضرهم على الأديان والأبدان والأعراض والأموال، ومع ذلك يكون إيمانه مثل إيمان جبريل.
قول مرجئة الفقهاء: إن الإيمان قول واعتقاد، وأما الأعمال فغير داخلة في الإيمان، ومرتكب الكبيرة عندهم بالنسبة للأصل الذي يستوي فيه كل مسلم كامل؛ لأنهم يخرجون العمل عن مسمى الإيمان، لكن يبقى أنهم ما هم مثل الجهمية، مرجئة الفقهاء يُؤثِّمون مرتكب المعصية، هم يوافقون أهل السُّنَّة في هذا، لكنهم يخالفونهم في أن هذا الارتكاب لا يؤثر في أصل الإيمان. وأهله في أصله سواء، كما يقوله الطحاوي، في أصله، طيب أصله سواء، أصل المسمى سواء، لكن ألا يدل أن هناك تفاوتًا فيما ينشأ عن الإيمان مثل ما قال شارح الطحاوية.
يقول: الكفر والإيمان مثل العمى والبصر، مثل العمى والبصر، الكفر واحد خلاص، ما ترى شيئًا أنت أعمى ولا فيه تفاوت، واحد، لكن البصر واحد أم متفاوت؟ متفاوت تفاوتًا كبيرًا جدًّا، من الناس من يرى الشيء الدقيق جدًّا والبعيد، ومنهم من لا يرى إلا القريب، ومنهم من لا يرى إلا الشيء الكبير، ومنهم من يرى بالنهار دون الليل، ومنهم كذا.. وهكذا.
المقصود أنهم يتفاوتون، وهذا مثال جيد، وهو يرد على من يقول من المرجئة: إن إيمان الناس سواء، يعني بمثال عملي؛ لأن الله -جل وعلا- مثَّل المؤمن بالبصير، ومثَّل الكافر بالأعمى، يعني ما هو مثال مخترع، لا. قول الجهمية يعني: الإيمان المعرفة فقط، المعرفة فقط، وأما تصديق القلب وإقراره وقول اللسان وعمل الجوارح فغير داخل في مسمى الإيمان. وهذا قول الجهم ومن وافقه، ويلزم عليه أن إبليس الذي يعرف الله -جل وعلا- مؤمن كامل الإيمان، فرعون مؤمن، أبو طالب مؤمن؛ لأنه يعرف، فعلى قولهم ولازم قولهم إن إبليس وفرعون ومن أشبههم في العناد مؤمن كامل الإيمان، وإن سبَّ الله ورسوله -عليه الصلاة والسلام-، وقتل الأنبياء، وهدم المساجد، وفعل ما فعل من الإفساد في الأرض.
يقول الآجري في الشريعة: من قال هذا فقد أعظم على الله الفرية، وأتى بضد الحق، وأتى بضد الحق وبما ينكره جميع العلماء، يقول الله -جل وعلا-: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}[سورة الجاثية: 21]، وقال -جل وعلا-: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ}[سورة ص: 28].
قول الكرامية يقولون: الإيمان قولٌ باللسان فقط، قولٌ باللسان فقط، فعلى هذا من قال بلسانه، واعتقد ضد القول بقلبه كالمنافق مؤمن عندهم، هذا حكمه في الدنيا، مؤمن، يحكمون عليه بأنه مؤمن، قالوا: وأما في الآخرة فمن لم يوافق قوله ما في قلبه من الاعتقاد الصحيح فهو مخلد في النار كالمنافق، يعني ما الفائدة من قولهم: إنه مؤمن؟ يعني المنافق إذا اطَّلَعْنَا على ما، إذا أطلَعَنا على ما في قلبه نعم عندهم مؤمن، مؤمن، وحكمه الصحيح ما دام يعتقد الكفر بقلبه يعني قبل أن نطَّلع على ما في قلبه نكل أمره إلى الله، ونعامله معاملة المؤمن، معاملة المسلم، لكن إذا إذا أطلَعَنَا على ما في قلبه كما حصل من المنافقين في عصره -عليه الصلاة والسلام- وفي كل زمان ومكان لا نقول هذا مؤمن.
قول الكُلَّابية، كل مذهب من المذاهب منسوب إلى رأس مؤسسه، المذاهب كلها يعني الكلَّابية إلى ابن كلاب، والأشعرية إلى أبي الحسن الأشعري، والماتريدية لأبي منصور الماتريدي، وأيضًا الجهمية إلى الجهم، وهكذا. بقي المرجئة.
طالب:...
تُنسَب إلى من؟
طالب:...
لا، جاء في ترجمة الحسن بن محمد بن علي بن الحنفية -وهذه فائدة مهمة جدًّا– في ترجمة الحسن بن محمد بن، لأن كل المذاهب تحمل اسم المؤسس هل يستطيع أن يقال: إن المرجئة تنسب إلى ابن مرجئ أو ابن؟ لا، تنسب إلى حقيقة المذهب، وهو الإرجاء بمعنى التأخير، تأخير الأعمال عن الإيمان، فمن مؤسسه؟
يعني لو تسأل كثيرًا من المتخصصين ما يجيبون، جاء في ترجمة الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب، وأبوه محمد بن علي المعروف بابن الحنفية، قالوا: هو أول من تكلم في الإرجاء، أول من تكلم في الإرجاء. يقول ابن حجر في تهذيب التهذيب في الجزء الثاني صفحة ثلاثمائة وواحد وعشرين: قلتُ: المراد بالإرجاء الذي تكلم الحسن بن محمد فيه غير الإرجاء الذي يعيبه أهل السُّنَّة، الإرجاء الذي تكلم فيه الحسن بن محمد غير الإرجاء الذي يعيبه أهل السُّنَّة، المتعلِّق بالإيمان، يقول ابن حجر: وذلك أني وقفتُ على كتاب الحسن بن محمد المذكور، أخرجه ابن أبي عمر العدني في كتاب الإيمان له في آخره قال: حدثنا إبراهيم بن عيينة عن عبد الواحد بن أيمن، قال: كان الحسن بن محمد يأمرني أن أقرأ هذا الكتاب على الناس: أما بعد: فإنا نوصيكم بتقوى الله، فذكر كلامًا كثيرًا في الموعظة والوصية بكتاب الله تعالى واتباع ما فيه، وذكر اعتقاده، ثم قال في آخره: ونوالي أبا بكر وعمر -رضي الله عنهما- ونجاهد فيهما؛ لأنهما لم تقتتل عليهما الأمة، ولم تشك في أمرهما، ونرجئ من بعدهما ممن دخل في الفتنة، فنكل أمرهم إلى الله تعالى إلى آخر كلامه.
يعني الذي قال: إنه أول من قال بالإرجاء، وتوفي سنة تسعة وتسعين، الذي قال: إنه أول من قال بالإرجاء قال: مَسَك كلمة نرجئ، وتوارثها الناس، إلى أن اطلع ابن حجر -رحمه الله- على حقيقة أمره وواقعه من كتابه. وهذه فائدة سعة الاطلاع؛ لأن بعض الناس يقتصر على كتب اعتادها أمثاله وأقرانه، ولا يتعداها إلى غيرها، كما كان الناس يتداولون بعض المسائل حتى المسائل العقدية من كتب غير أصحابها، فتجدهم يعتمدون في مذهب الأشعرية على بعض من يرد عليهم في باب من الأبواب في الصفات مثلاً حتى قيل: إنه ما بينا وبين الأشعرية إلا هذا، هذا كله لو رجع إلى كتبهم وجد أن الفروق كثيرة جدًّا، مثلاً الرافضة ما بينا وبينهم إلا شيئًا مما يتعلق بالصحابة وكذا، لا لا، ارجع إلى كتبهم ترَ الطوام، فالتوسع في مثل هذا للمتأهل، ما يوجه الكلام لكل أحد، يتأثر وينحرف وهو ما يشعر، فلا بد من الاطلاع على أقوالهم من كتبهم.
الذين تداولوا مسائل الاعتقاد، ومن يخالف فيها من المبتدعة والردود على المبتدعة من الكتب التي في طريقهم وهم يطلبون العلم فاتهم كثير من المسائل والدقائق في هذه المذاهب، مما هو أشد مما اعتنوا به، يمر في بعض التفاسير وشروح الأحاديث من بعض المفسرين وبعض الشُرَّاح ما لا يوجد في كتب من ردّ على هؤلاء المبتدعة، من دقائق المسائل، حتى إن أخص المتخصصين يعجب حينما يقال له قول عن الأشعرية، أو عن المعتزلة أو عن كذا أو كذا، فابن حجر -رحمه الله- لسعة اطلاعه وقف على هذا، فسعة الاطلاع والتفنن مطلوبة لطالب العلم المتأهل، لكن لا تكون على حساب الأهم، يسمع أن الحافظ ابن حجر استفاد من كتاب الأغاني فيجعله ديدنه يقرأ؛ لأنه قرأ كتاب الأغاني من أجل مسألة، ويقف عليها، وهي مسألة مهمة ومؤثرة، لكن ما يعني هذا أننا نضيع أوقاتنا في قراءة تلك الكتب، نعم الذي يسعفه الوقت، ويسعفه يسعفه الفهم والحفظ عليه أن يتوسع ويتفنن.
الحافظ العراقي -رحمه الله- وقف على كلام في الجرح والتعديل في ترجمة جبارة بن المغلِّس، قال أبو حاتم: أو قال ابن أبي حاتم: سئل أبي عن جبارة بن المغلِّس فقال: بين يدي عدل. وكان الحافظ العراقي يقرؤها: بين يديَّ عدلٌ فهذه اللفظة تعديل، ومشى الأمر ما تنبه إلى أنها من أشد ألفاظ التجريح، بين يدي عدل، ويقرأها بين يدي عدلٌ انتهى الإشكال. كيف ينتبه الإنسان إلى أنها محتملة، يعني يعجب الإنسان حينما يقول أبو حاتم وهو أشد الناس في التعديل: بين يديَّ عدل وأقوال الأئمة كلها على تجريحه، هذا أوجد ريبة عند الحافظ ابن حجر ما يمكن أن يقول أبو حاتم: بين يديَّ عدل، فبحث هل عنده كمبيوتر يضغط اسمه ويجيء بكل ما قيل فيه في الكتب؟ ما عنده، لكن سعة الاطلاع، يقول: وفقت في أدب الكاتب على أن على شُرطة تُبَّع شخص يقال له: العدل بن جزء بن سعد العشيرة، كان رجلًا شديد البطش، فإذا غضب تُبَّع على أحد سلمه للعدل، فقال الناس: بين يدي عدل يعني ماذا؟ هالك منتهٍ، زاد البحث عند ابن حجر الآن مسك طرف الخيط، فوقف على قصص كلها تدل على هذا المعنى وتفيده، يقول: جاء في كتاب الأغاني أن طاهر القائد وهو أعور على مائدة فيها طفل صغير من أبناء الرشيد، وكلهم يأكلون أخذ النبات تريد باذنجانًا أم قرعًا أم أي شيء من هذا النوع أخذها من الصحن، وضرب بها طاهرًا، أين راحت؟ للعين السليمة، فشكاه طاهر، فلان رمى عيني الصحيحة، والأخرى بين يدي عدل، يعني تالفة.
يقول مثل هذه الأمور ما فيه شك أنها تفيد، وتنفع، لكن ليس معنى هذا أننا نجعلها على حساب الوحيين، وما يخدم الوحيين، يعني بإمكان طالب العلم أن يقرأ في الأدب، يقرأ في التاريخ، يقرأ في الرحلات، يقرأ في المذكرات والذكريات، يستفيد ويستجم، لا مانع، لكن لا يصرف لها سنام الوقت، الذي هو أغلى من أن يُصرف في مثل هذه الأمور، نعم يستجم ويستفيد، فيه خلاصة وعصارة تجارب، فيها عبر، وفيها أشياء يستفيد منها طالب العلم.
لكن مع ذلك أقول: التوسع قد يكون نافعًا لبعض الناس، وقد يتضرر به كثير من طلاب العلم، يشوِّش عليه، ويضيع عليه وقته، فلا يدرك هذا ولا هذا، إذا كان بطيء الفهم ضعيف الحفظ فهذا يتوفر على الكتاب والسُّنة، ولا يتوسع، لكن إذا كان ما شاء الله عنده سعة في الفهم والحفظ فمثل هذا ما يضره شيء، بل هذه كلها روافد تفيد ما هو بصدده من تحصيل العلم.
جاء في ترجمة شخص من أهل العلم يقول: إن من فضول محفوظاتي كتاب الأغاني، كتاب الأغاني كم مجلدًا؟ تختلف طبعاته، لكنه فوق العشرين يعني، فوق العشرين، هذا حفظ، عن ظهر قلب، لكن ماذا يقال عمن توفر على هذا الكتاب وترك الأهم؟ حتى لو انتهت كتب الدنيا ما بقي إلا الأغاني يحفظه؟ لأن فيه أشياء ضارة تضر طالب العلم، لكن مع ذلك إذا كان طالب العلم نبيهًا، وعنده من الحصانة العلمية بعد ضبط عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة، وضبط الكتاب والسُّنة وما يحتاج إليه مما يعين على فهم الكتاب والسُّنة، فمثل هذا ما عليه.
تجدون بعض الناس بدعوى حرية الرأي وحرية الفكر يقول: اقرأ ما شئت، هذه سمعناها من ناس درسونا، اقرأ في أي شيء حتى كتب السحر أنت عندك عقل يميز، يقال هذا لجميع الناس؟ هذا ضلال، هذا تضييع، ما يقال هذا لكل أحد، لكن يأتيك من يقول: إن هذا حجر على العقول، هذا حجر على العقول، يعني هل للإنسان أو لكل أو للإنسان عمومًا هل له الحرية المطلقة في أن يفعل ما شاء، ويقول ما شاء، ويأكل ما شاء، ويشرب ما شاء، ويقرأ ما شاء؟ هل يأتي بمثل هذا شرع؟ أو يؤيده عقل؟ لا بد من الحجر شئنا أم أبينا، نحن مكلفون، مأطورون بتكاليف شرعية، نعم حجر على العقول كما يُطَنطَن به في وسائل الإعلام والصحف وغيرها، لا بد من الحجر، ولا بد من أطر السفيه، ولا بد من الأخذ على يد من يتطاول على غيره، أو من تناول شيئًا يضر نفسه، لا بد أن يؤخذ على يده، ليس بِحُرّ أن يتحسّى سمًّا، أو يتردى من شاهق، أو شيء من هذا، يُمنَع، وإذا أراد أو حاول أو شرع فيما يفسد دينه أو يفسد عقله فمنعه من باب أولى، يقول: اقرأ ما شئت! فعندك عقل تميز به، الناس عندهم عقول، لكنهم يتفاوتون في هذه العقول، نعم بعض الناس عندهم ما يميز به، بعض الناس ما عنده، كثير من الناس ما عنده.
على كل حال مخاطبة العامة بمثل هذه الأمور تضييع، فلا بد من وجود من يطلع على كتب المخالفين، لا بد من أن يوجد من يطلع على كتب المخالفين؛ من أجل الرد عليها، طيب لو لم يقيض الله -جل وعلا- شيخ الإسلام ابن تيمية للرد على الفرق وقبله الأئمة والعلم عند الله -جل وعلا- ما يكون مصير المتأخرين بعد أن طال بهم العهد؟
على كل حال طالب العلم يُنوِّع يأخذ من الفنون الأخرى بعض المختصرات، ولا يتطاول على المطولات في غير فنه، تيسّر له وتسنى أن يكون على شيء من المعرفة بهذه العلوم ولا تأخذ منه وقتًا.
طالب:...
القول السابع من هذه الأقوال.
طالب:...
نعم.
طالب:...
ماذا؟
طالب:...
ماذا؟
طالب:...
الحسن بن محمد بن علي.
طالب:...
كلامه أنه يقول: الأمة أجمعت على أبي بكر وعمر، بعدهم حصل خلاف وشجر بين الصحابة في أمرهم ما حصل، فنحن نرجئ ما ندخل فيه.
طالب:...
ما له علاقة بالإيمان، هذه مسألة ثانية، مسألة أخرى، مسألة ثانية، يعني كونه مصيبًا أو مخطئًا في قوله غير ما نحن فيه من الإرجاء في الإيمان، وهذا الذي أراد أن يقرره ابن حجر، ما معنى نرجئ؟ يعني نؤخر، الأمة اتفقت على أبي بكر وعمر.
طالب:...
ماذا فيه؟
طالب:...
نتولى الصحابة، هو ما يقول نعاديهم، لكن نقول: نرجئ، ما نتكلم ولا نبحث فيما شجر بينهم.
طالب:...
ماذا؟
طالب:...
لا، هو ما يتكلم في دخول الجنة، انظر ماذا يقول؟ وذكر، ثم قال: ونوالي أبا بكر وعمر، ونجاهد فيهما؛ لأنهما لم يقتتل عليهما الأمة، ولم تشك في أمرهما، ونرجئ من بعدهما ممن دخل في الفتنة، فنكل أمرهم إلى الله إلى آخر كلامه، يقول: ما دام حصل في عهد عثمان ما حصل، وحصل في عهد علي -رضي الله عن الجميع- ما حصل، ونحن لم نعاصرهم، ولا وقفنا ولا كذا ولا كذا، فنحن نأخذ الأمر المتفق عليه، والمتنازع عليه يعني مسألة تفضيل عثمان على علي أو العكس.
طالب:...
معروف الخلاف في تفضيل علي على عثمان معروف حتى عند أهل السُّنَّة يقوله ابن خزيمة وجمع من أهل العلم، لكن تفضيل عثمان هو قول جماهير أهل السُّنَّة.
على كل حال ما هو الإرجاء الذي نحن بصدده، وهذا كشف من ابن حجر، وسبق لم يُسبَق إليه، وهو مهم في هذا الباب.
طالب:...
فيه طائفة يُنسَبون بالمغرب إلى شخص مبتدع بدعة مغلظة جدًّا، واسمه عبد الوهاب، ويسمونهم هناك الوهابية، وفي فتاوى المتأخرين من أهل المغرب بيان حكمهم، وأنهم ضلال، وأنهم كذا وكذا، طيب من أراد أن يركب الاسم على الاسم، ويقول: إن علماء المغرب يفتون بضلال الوهابية وكذا وكذا، للاتفاق في الاسم، هذا اتفقوا في الاسم الذي هو نرجئ، أخذ من أخذ هذه الكلمة وقال: هو أول من تكلم في الإرجاء؛ لأنه قال: نرجئ، فلا بد من أن يُنظَر إلى الأمور بعناية ودقة.
قول الكُلَّابية قالوا: الإيمان هو الإقرار بالله -عز وجل-، بالله -عز وجل- وبكتبه وبرسله إذا كان ذلك عن معرفة وتصديق بالقلب، فإن خلا الإقرار عن المعرفة بصحته لم يكن إيمانًا، قال شيخ الإسلام: وهو قول فيه مخالفةٌ- انظر السابع من الفتاوى هناك عندك- وهو قول فيه مخالفة في الاسم دون الحكم، فإنه وإن سمى المنافقين مؤمنين، يقول إنهم مخلدون في النار، فيخالف الجماعة في الاسم دون الحكم. شيخ الإسلام -رحمه الله- فصَّل قول المرجئة، وذكر فِرَقهم.
طالب:...
نعم، ذكر الاثنتي عشرة فرقة.
طالب:...
بالتفصيل، إلى أن قال: الثانية عشرة، من المرجئة الكرّامية. كلامه طويل -رحمه الله- يسترسل.
المقصود أن كلامه -رحمه الله-.
قالوا بعد ذلك القول الثامن للأشعرية: ولهم في الإيمان قولان، أحدهما: القول بأنه قولٌ واعتقادٌ وعمل، ذكره أبو الحسن الأشعري في المقالات ضمن مقالة أصحاب الحديث وأهل السُّنَّة، وقال: إنه بكل ما قالوه يقول. إمام المذهب أبو الحسن الأشعري رجع عن مقالاته الأولى التي تأثر فيها بمذهب الاعتزال، وأوجد مذهبًا بين المذهبين، ورجع عن ذلك في المقالات والإبانة، بنسبة كبيرة جدًّا، وبقي تأثير المذهب عليه في شيء يسير مع أنه يُصرِّح بكلامٍ إجمالاً، يوافق فيه الإمام أحمد بجميع ما يقول هذا من حيث الإجمال، لكن إذا وقفت على كتبه وجدت أن التأثُّر يعني بنسبة يسيرة جدًّا؛ لأن الإنسان إذا عاش على شيء ونصره ودافع عنه، فقد لا يستطيع أن يتخلص منه مئة بالمئة كما أن من عاش في بيئة لا بد أن يتأثر، فالإنسان ابن بيئته، فالذي يعيش في بيئة أهلها سُنَّة كلهم تجده على الجادة، لكن لو كان مذهبه على مذهب أهل السُّنَّة وعاش في بيئة يكثر فيها التشيع أو يكثر فيها الاعتزال أو كذا، لا بد أن يتأثر شاء أم أبى، إلا من الله -جل وعلا- حفظه وحماه، لكن تجدون في بعض العلماء ممن ينتسب إلى السُّنَّة ممن عاش في اليمن مثلاً تجدون في عباراتهم ما تمليه عليهم البيئة عاش في بلد آخر فيه يكثر فيه مذهب، لا شك أن الإنسان لا بد أن يتأثر، أبو الحسن الأشعري رجع، وصرَّح أنه رجع عن جميع معتقده، لكن هل يرضى الأشعرية بمثل هذا التصريح؟ هل يرضون ورجعوا مثله أم استمروا ونسبوا أنفسهم إليه؟ استمروا على المخالفة في الاعتقاد، ونسبوا أنفسهم إليه.
طالب:...
ينكرون الرجوع، وبعضهم يحرف بعض الكلام، ويرون أن الإثبات تشبيه، وينفون التشبيه عن إمامهم، وألَّفَ الإمام الحافظ أبو القاسم بن عساكر كتابه: تبيين كذب المفترين. تبيين كذب المفترين. يراجعه من أراده، المقصود أن الأشعري رجع، الإمام أبو الحسن الأشعري رجع عن عقيدته، وذكر أنه على مذهب أهل الحديث وعلى مذهب وبما يقول به الإمام أحمد يقول، وبجميع ما يقول به أحمد بن حنبل يقول، كما قال عن نفسه، لكن إذا رجعت إلى التفصيلات تجد أن الإنسان قد يمشي عليه بعض الشيء، يمشي عليه بعض الشيء من غير روية.
الآن البيضاوي، وقد اعتمد فيما اعتمد من مصادره على تفسير الكشاف، البيضاوي ليس بمعتزلي، يرد على المعتزلة وبقوة، هو أشعري، لكن يقع في ثنايا كلامه من غير قصد ما يوافق فيه المعتزلة، وهو ليس بمعتزلي، ولا يرى الاعتزال، ويخالف المعتزلة، ويرد عليهم؛ لأن هناك أمورًا دقيقة تحتاج إلى نباهة تامة ويقظة في كل وقت؛ لأن الإنسان عنده أوقات يكون نشيطًا، ذهنه نشيط، يحلل كل ما أمامه، وأحيانًا يكون الذهن يمشي شيئًا ما، قد لا يوافق إذ لو رجع عليه مرة ثانية انتقده.
ولذلك من يقول: إن الشيخ ابن باز يقول بأن العمل شرط كمال، لماذا؟ لأنه ما علّق على فتح الباري، يعني الشيخ سُئل في بعض المناسبات عمن يقول: إن العمل شرط كمال في الإيمان قال: هذا قول المرجئة، طيب ما علّقت يا شيخ. أحيانًا يكون هناك داعٍ للانتباه للشيء، وأحيانًا تمر الكلام لا سيما في الكتاب الكبير، ولا بد أن يغفل الإنسان ومن يعرُ من الخطأ والنسيان؟! تمر عليك أشياء، وكان يمر علينا في الكتب وفي بعض الأشياء ما ننتبه لها، لكن لما وُجِد الداعي لمناقشتها صار الناس كلهم ينتبهون لها.
الأشعرية ولهم في الإيمان قولان، أحدهما: القول بأنه قول واعتقاد وعمل، ذكره أبو الحسن في المقالات ضمن مقالة أصحاب الحديث وأهل السُّنَّة وقال: إنه بكل ما قالوه يقول.
الثاني: وهو الذي نصره في كتابه الموجز، أن الإيمان ليس إلا مجرد التصديق، الذي في القلب والمعرفة، قال شيخ الإسلام: وهو أشهر قولي أبي الحسن الأشعري، وعليه أصحابه كالقاضي أبي بكر، وأبي المعالي وأمثالهما، ولهذا عدهم أهل المقالات من المرجئة.
قال: وهو أشهر وهو أشهر ... قولي أبي الحسن الأشعري، هنا. يعني هل شهرة هذا القول؛ لأنه آخر كلامه؟ أو لأن كبار أتباعه شهروه، كبار أتباعه شهروه، الآن قد تنسب للحنفية قولًا، مشتهر عندهم، تنسب للظاهرية قولًا وهو مشهور عندهم، ومشهور عنهم، وهكذا بقية الأئمة، لكن لو رجعت إلى قول الإمام، مشهور عند الحنفية؛ لأنه قال به كبار الحنفية من أصحاب الإمام كالصاحبين مثلاً، وصار المعول عليه عند متأخريهم، ونُشِر في كتب المتأخرين المتعمدة، تجد كثيرًا من الناس يقولون: الحنفية يقولون كذا، لكن لو حققت ودققت وجدت أن الإمام لا يقول بهذا، وإنما هو من قول صاحبيه مثلاً، الآن هل الشهرة التي يذكرها شيخ الإسلام، وهو أشهر قولي أبي الحسن الأشعري؛ لأنه مات عليه؟ وهو آخر أقواله؟ ولذلك يقول في المقالات: إنه بكل ما قالوه يقول. هل بهذا الرجوع المُجمَل نقضي على ما قاله تفصيلاً في كتبه الأخرى؟
طالب: أحيانًا ما يلزم يا شيخ.
نعم؟
طالب:...
الآن لما قال وضمن مقالة أصحاب الحديث وأهل السُّنَّة وقال: إنه بكل ما قالوه يقول.
طالب:...
طيب، هذا ذكره أبو الحسن، دعنا من هذه المسألة، لكن قول شيخ الإسلام يقول: أشهر قولي أبي الحسن، وعليه أصحابه كالقاضي أبي بكر، وأبي المعالي وأمثالهما، ولهذا عدهم أهل المقالات من المرجئة. شف كلام شيخ الإسلام هنا.
طالب:...
مثل هذا الذي أشرت إليه أنا الآن، مثل الذي ذكرت الآن، الآن ترى مثلاً في بلد يعتمد مذهبًا معينًا، يعتمد مذهبًا معينًا، ولنقل في بلادنا، في بلاد نجد يعتمدون المذهب الحنبلي، وجاء واحد ورأى الناس كلهم على هدي واحد وصلاتهم واحدة قال: هذا مذهب الحنابلة، لكن لو رجعت وجدت روايات أخرى قد تكون أقوى من هذه الرواية التي اعتمدها حنابلة هذه البلاد، فيقول: مذهب أحمد كذا، لذا تجدون في كتب المذاهب الفقهية مثلاً العمدة، العمدة في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، الكافي على مذهب الإمام، زاد المستنقع على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، طيب على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، الزاد فيه أكثر من ثلاثين مسألة خالفت القول الصحيح في المذهب، وهو الزاد كتاب صغير.
طالب:...
أنا أقول: لما قال: إنه بكل ما قالوه يقول، هل يقتضي ذلك أننا نُعدِّل كل ما فصّله في عقائده بهذا الإجمال؟ هل نستطيع أن نأتي بعقيدة على مذهب السلف الصالح ومن أقوال الأئمة ونقول: هذه عقيدة الإمام الأشعري في مسائل تفصيلية؟
طالب:...
لأن شيخ الإسلام حقيقة هذه الجملة توجد، يعني بعض الإشكال، قال: الثاني: وهو الذي نصره في كتابه الموجز: أن الإيمان ليس إلا مجرد التصديق الذي في القلب والمعرفة، قال شيخ الإسلام: وهو أشهر قولي أبي الحسن الأشعري، ونعلم جميعًا أن الشهرة لا تعني الرجحان، ولا الصحة، يعني كونه أشهر عند قوم، عند أتباعه لا يعني أنه الأصح مثل ما قلنا عن الأئمة الآخرين، يكون مشهورًا هذا القول في المذهب أو أشهر من غيره، لكن هل يعني أنه أصح؟
طالب:...
نعم؟
طالب:...
يعني أخذ يصحّح المسائل على مقتضى مذهب السلف الصالح وأئمة السُّنَّة، لكنه ما أمكنه أن يأتي إليها تفصيلاً، لكن عندنا أشهر قولي أبي الحسن هل هذا القول هو المتأخر، أو الذي قبله المتأخر؟
الآن كتابه الموجز الذي نصر فيه هذا القول هل هو قبل المقالات أو بعده؟ لأن العبرة بالقول المتأخر من أقوال الأئمة، ولذا يقولون: إذا كان للإمام في مسألة أكثر من قول فالعبرة بالمتأخر، إذا لم يمكن حمل بعض الأقوال على بعض، ولو بحمل المطلق على المقيد، والعام على الخاص، كما تعامل النصوص. وعليه أصحابه كالقاضي أبي بكر، وأبي المعالي وأمثالهما، ولهذا عدَّهم أهل المقالات من المرجئة. أما مذهبه في مرتكب الكبيرة فهو موافق لمذهب أهل السُّنَّة؛ لأنهم يأثمونه، ولا يحكمون بأنه مخلد في النار.
التاسع: قول الماتريدية، قول الماتريدية: إن الإيمان هو التصديق، وأما قول اللسان فهو دليل عليه، وليس داخلاً فيه، وأما العمل فغير داخلٍ في الإيمان، وليس من مسماه. الإيمان التصديق، قول اللسان دليل عليه، يعني شخص وقر الإيمان في قلبه، وقر الإيمان في قلبه وصدَّق، وآمن بأركان الإيمان الستة، لكنه ما نطق، عندهم مؤمن، وعند غيرهم لا يُحكَم بإيمانه حتى ينطق، «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله» وهذه مسألة عملية، ولها أثر، يعني وقر الإيمان في قلب هذا الكافر، ثم ذهب ليُسلِم وينطق على يد شخص، يعني مسألة سُئلنا عنها من سنين، قال: إن له زميلًا نصرانيًّا، فاقتنع بالإسلام، ووقر الإيمان في قلبه، ما نطق، قلت: نذهب إلى الشيخ الفلاني؛ لكي يُلقنك الشهادة، وتدخل في الإسلام، يقول: ذهبنا إلى الشيخ فقال: باقي ربع ساعة على صلاة الظهر، بعد الصلاة يكون خيرًا. يقول: خرجنا من عنده، فإذا يوجد إطلاق نار، فأُصيب الرجل ومات، هل يُغسَّل ويُكفَّن ويُصلى عليه ويدخل في مقابر المسلمين، أو حكمه أنه ما دخل في الإسلام؟
أما أحكامه في الدنيا فلا شك أنه نصراني، ما أسلم، وأما بالنسبة للآخرة فالله -جل وعلا- يتولاه، لا سيما وأنه عمِل عملًا ومشى نعم، وذهب؛ ليعلن إسلامه، لكن هذا المحروم الذي حرم هذا المسكين، وحرم نفسه، مثل هذه الأمور يبادَر بها.
على كل حال قول الماتريدية بأن الإيمان هو التصديق، طيب ماذا يدرينا عن التصديق الذي في القلب؟ قول اللسان دليل عليه، وليس داخلاً فيه، يعني لو مات بعد أن صدَّق بقلبه، وأذعن واعترف ولو لم ينطق فهو مؤمن، وأما العمل فغير داخل في الإيمان، وليس من مسماه، هذه إجمالاً قول أو الأقوال للمبتدعة وأهل السُّنَّة، أقوال الطوائف في الإيمان، ونحتاج إلى تفصيل بعض المسائل يكون إن شاء الله في الدرس القادم.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
طالب:...
ماذا؟
طالب:...
ماذا؟
طالب:...
ماذا؟
طالب:...
إن شاء الله، فقط أنت مرر هذه المرحلة التي فيها شيء من الضيق.
طالب: ...
لا لا. الأسئلة.
طالب:...
لا، لا لا. المرجئة بمعنى إرجاء العمل عن الإيمان.
طالب:...
يعني أول من قال بالإرجاء؟
طالب:...
هو. على كل حال الجهمية طائفة من المرجئة، الكُلَّابية فيهم شبه، الأشعرية أيضًا، مرجئة الفقهاء، كل فرع له مؤسس.
طالب:...
"