التعليق على تفسير القرطبي - سورة الحشر (03)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه،
قال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى:
قوله تعالى:{وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}. فِيهِ إِحْدَى عَشْرَةَ مَسْأَلَةً:
الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ} لَا خِلَافَ أَنَّ الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ هُمُ الْأَنْصَارُ الَّذِينَ اسْتَوْطَنُوا الْمَدِينَةَ قَبْلَ الْمُهَاجِرِينَ إِلَيْهَا."
الدار اسم من أسماء المدينة كما هو معلوم يعني من ضمن أسمائها الدار أخذًا من هذه الآية.
"وَالْإِيمَانُ نُصِبَ بِفِعْلٍ غَيْرِ تَبَوَّأَ; لِأَنَّ التَّبَوُّءَ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْأَمَاكِنِ."
الإيمان لا يتبوأ وإنما يعتقد فكأنه من باب التقدير {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ} [الحشر:9] واعتقدوا الإيمان واعتنقوه لابد من تقدير فعل مناسب لأن الأول لا يصح تسليطه عليه كما في البيت المشهور الذي مر بنا مرارا " عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا " فالماء لا يعلف وإنما يسقى.
"{مِنْ قَبْلِهِمْ}: مِنْ صِلَةِ تَبَوَّأَ، وَالْمَعْنَى: وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ مِنْ قِبَلِ الْمُهَاجِرِينَ وَاعْتَقَدُوا الْإِيمَانَ وَأَخْلَصُوهُ; لِأَنَّ الْإِيمَانَ لَيْسَ بِمَكَانٍ يُتَبَوَّأُ."
تبوء الأماكن والمقاعد كما في الحديث المتفق عليه: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ».
"لِأَنَّ الْإِيمَانَ لَيْسَ بِمَكَانٍ يُتَبَوَّأُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ} أَيْ وَادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ."
لأن الشركاء لا يجمعون بمعنى جمع الأمر: أجمعوا يعني اتفقوا على قول واحد من أمركم وادعوا شركائكم أو واجمعوا شركائكم لأن أجمعوا غير اجمعوا.
"ذَكَرَهُ أَبُو عَلِيٍّ وَالزَّمَخْشَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا. وَيَكُونُ مِنْ بَابِ قَوْلِهِ: عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا. وَيَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ كَأَنَّهُ قَالَ: تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَمَوَاضِعَ الْإِيمَانِ. وَيَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ تَبَوَّأ: كَأَنَّهُ قَالَ: لَزِمُوا الدَّارَ وَلَزِمُوا الْإِيمَانَ فَلَمْ يُفَارِقُوهُمَا."
إذا أمكن تأويل الفعل وتضمينه فعلًا يصلح للعمل في الأمرين لا شك أن مثل هذا أولى لأنه لا يحتاج حينئذ إلى تقدير وإذا لم يمكن لابد من التقدير.
"وَيَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ تَبَوَّأ: كَأَنَّهُ قَالَ: لَزِمُوا الدَّارَ وَلَزِمُوا الْإِيمَانَ فَلَمْ يُفَارِقُوهُمَا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَبَوَّأَ الْإِيمَانَ عَلَى طَرِيقِ الْمَثَلِ; كَمَا تَقُولُ: تَبَوَّأَ مِنْ بَنِي فُلَانٍ الصَّمِيمَ. وَالتَّبَوُّءُ: التَّمَكُّنُ وَالِاسْتِقْرَارُ. وَلَيْسَ يُرِيدُ أَنَّ الْأَنْصَارَ آمَنُوا قَبْلَ الْمُهَاجِرِينَ، بَلْ أَرَادَ آمَنُوا قَبْلَ هِجْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِم
الثَّانِيَةُ: وَاخْتُلِفَ أَيْضًا هَلْ هَذِهِ الْآيَة مقْطُوعَةٌ..."
الأنصار تبوءوا الدار قبل المهاجرين وقبل هجرة النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه إليها لا أنهم تبوءوا الإيمان واعتنقوه واعتقدوه قبل المهاجرين.
"وَاخْتُلِفَ أَيْضًا هَلْ هَذِهِ الْآيَةُ مَقْطُوعَةٌ مِمَّا قَبْلَهَا أَوْ مَعْطُوفَةٌ..."
يعني الواو في قوله: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ} يحتمل أن تكون عاطفة أو أن تكون استئنافية فإذا قلنا عاطفة أن الفيء الذي لم يجف عليه بخيل ولا ركاب كما أنه للمهاجرين أيضًا للأنصار ولمن يأتي بعدهم {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ } [الحشر:10] للأصناف الثلاثة. هذا لو قلنا إنها عاطفة، وإذا قلنا إنها استئنافية ويدل عليه تصرف النبي عليه الصلاة والسلام في فيء بني النضير. ما تركه بني النضير قسمه بين المهاجرين ولم يعطي من الأنصار إلا ثلاثة على ما تقدم. فإذا قلنا إن الواو عاطفة فالفيء يقسم بين الأصناف الثلاثة: المهاجرين والأنصار والذين جاءوا من بعدهم. سيأتي قول الإمام مالك وشيخ الإسلام وغيرهم أن الذي يسب السلف لا حظ له في الفيء ولا الغنيمة لا حظ له في ذلك لأن ما ذكر في الآية قيد لاستحقاقه {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا} [الحشر:10] الذي في قلبه غل لمن تقدم وللمؤمنين هذا لا يستحق وهذا على القول بأنها عاطفة ومع القول بأنها استئنافية فكل جملة أو كل آية مستقلة ويكون خبر الذين حينئذ يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون إلى آخره " وأولئك " خبر الذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا... إلى آخره.
"فَتَأَوَّلَ قَوْمٌ أَنَّهَا مَعْطُوفَةٌ عَلَى قَوْلِهِ: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} وَأَنَّ الْآيَاتِ الَّتِي فِي الْحَشْرِ كُلَّهَا مَعْطُوفَةٌ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ. وَلَوْ تَأَمَّلُوا ذَلِكَ وَأَنْصَفُوا لَوَجَدُوهُ عَلَى خِلَافِ مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا} إِلَى قَوْلِهِ: {الْفَاسِقِينَ}، فَأَخْبَرَ عَنْ بَنِي النَّضِيرِ وَبَنِي قَيْنُقَاعَ. ثُمَّ قَالَ: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ} فَأَخْبَرَ أَنَّ ذَلِكَ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ; لِأَنَّهُ لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهِ حِينَ خَلَّوْهُ. وَمَا تَقَدَّمَ فِيهِمْ مِنَ الْقِتَالِ وَقَطْعِ شَجَرِهِمْ فَقَدْ كَانُوا رَجَعُوا عَنْهُ وَانْقَطَعَ ذَلِكَ الْأَمْرُ. ثُمَّ قَالَ: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} وَهَذَا كَلَامٌ غَيْرُ مَعْطُوفٍ عَلَى الْأَوَّلِ. وَكَذَا: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} ابْتِدَاءُ كَلَامٍ فِي مَدْحِ الْأَنْصَارِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ; فَإِنَّهُمْ سَلَّمُوا ذَلِكَ الْفَيْءَ لِلْمُهَاجِرِينَ; وَكَأَنَّهُ قَالَ; الْفَيْءُ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ; وَالْأَنْصَارِ..."
استحقاقهم ذلك لتركهم ديارهم وأموالهم فهم يستحقون هذا التعويض وأما الأنصار فباقون على ديارهم وأموالهم وآثروا إخوانهم من المهاجرين وسيأتي أمثلة من إثارهم ذلك على أنفسهم.
"وَالْأَنْصَارِ يُحِبُّونَ لَهُمْ وَلَمْ يَحْسُدُوهُمْ عَلَى مَا صَفَا لَهُمْ مِنَ الْفَيْءِ. وَكَذَا وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ ابْتِدَاءُ كَلَامٍ; وَالْخَبَرُ: {يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا}. وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ: إِنَّ قَوْلَهُ: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ} وَالَّذِينَ جَاءُوا مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلُ، وَأَنَّهُمْ شُرَكَاءُ فِي الْفَيْءِ; أَيْ هَذَا الْمَالُ لِلْمُهَاجِرِينَ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ. وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَوْسٍ: قَرَأَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذِهِ الْآيَةَ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} فَقَالَ: هَذِهِ لِهَؤُلَاءِ. ثُمَّ قَرَأَ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} فَقَالَ: هَذِهِ لِهَؤُلَاءِ. ثُمَّ قَرَأَ: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} حَتَّى بَلَغَ {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ}، {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ}، {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} ثُمَّ قَالَ: لَئِنْ عِشْتُ لَيَأْتِيَنَّ الرَّاعِي وَهُوَ بِسَرْوِ حِمْيَرَ نَصِيبُهُ مِنْهَا لَمْ يَعْرَقْ فِيهَا جَبِينُهُ."
لا شك أنه تصرفه عليه الصلاة والسلام حينما أعطى هذا الفيء للمهاجرين وخص ثلاثة من الأنصار يدل على أن الواو استئنافية لكن احتمال أن يكون النبي عليه الصلاة والسلام إنما ترك الأنصار لعلمه أن أنفسهم تطيب بذلك وأنهم يؤْثرون إخوانهم من المهاجرين وحينئذ يكون حقهم باقي، وفي هذه القصة بعينها الأمر لا يعدوهم لما تنازلوا، أو يكون قد استشارهم وتنازلوا صراحة. المقصود أن الفيء هل هو لصنف واحد من المهاجرين فقط أو الأصناف الثلاثة وعلى كل حال الفيء فيما يستقبل غير الفيء الذي ذكر في هذه الآية لأن ما ذكر في هذه السورة تصرف فيه النبي عليه الصلاة والسلام ونقل تصرف، وما عدا ذلك ما يقال أن الفيء لفئة معينة، أو لطائفة معينة أو لقبيلة معينة دون غيرهم.
"وَقِيلَ: إِنَّهُ دَعَا الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ وَاسْتَشَارَهُمْ فِيمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، وَقَالَ لَهُمْ: تَثَبَّتُوا الْأَمْرَ وَتَدَبَّرُوهُ ثُمَّ اغْدُوَا عَلَيَّ. فَفَكَّرَ فِي لَيْلَتِهِ فَتَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ فِي ذَلِكَ أُنْزِلَتْ. فَلَمَّا غَدَوْا عَلَيْهِ قَالَ: قَدْ مَرَرْتُ الْبَارِحَةَ بِالْآيَاتِ الَّتِي فِي سُورَةِ "الْحَشْرِ" وَتَلَا: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} إِلَى قَوْلِهِ: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} فَلَمَّا بَلَغَ قَوْلَهُ: {أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} قَالَ: مَا هِيَ لِهَؤُلَاءِ فَقَطْ. وَتَلَا قَوْلَهُ: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} إِلَى قَوْلِهِ: {رَءُوفٌ رَحِيمٌ}، ثُمَّ قَالَ: مَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ إِلَّا وَقَدْ دَخَلَ فِي ذَلِكَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ."
لأن الآيات الثلاث شاملة ووجد الأصناف الثلاثة في عهد عمر رضي الله عنه وعمهم بالعطاء. " الثَّالِثَةُ: رَوَى مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: لَوْلَا مَنْ يَأْتِي مِنْ آخِرِ النَّاسِ مَا فُتِحَتْ قَرْيَةٌ إِلَّا قَسَمْتُهَا كَمَا قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ. وَفِي الرِّوَايَاتِ الْمُسْتَفِيضَةِ مِنَ الطُّرُقِ الْكَثِيرَةِ: أَنَّ عُمَرَ أَبْقَى سَوَادَ الْعِرَاقِ وَمِصْرَ وَمَا ظَهَرَ عَلَيْهِ مِنَ الْغَنَائِمِ; لِتَكُونَ مِنْ أَعْطِيَاتِ الْمُقَاتِلَةِ وَأَرْزَاقِ الْحِشْوَةِ وَالذَّرَارِيِّ."
يعني تبقى وقفا لمصالح المسلمين والأمر كذلك في مصر والعراق والمراد بذلك الأراضي البيضاء تستغل من قبل من تجعل بيده ويوضع عليها الخراج وتؤخذ الصدقة منها كما قرر أهل العلم، لكن اندرس مثل هذا الأمر وتملك الناس هذه الأوقاف، كابرا عن كابر واشتراها المتأخر عن المتقدم بحر ماله وإلا فالأصل أنه لا يجوز بيعها لتبقى لمصالح المسلمين عامة، لكن لو ذهبت إلى مصر أو العراق تبحث عن هذه الأوقاف ما وجدت.
"وَأَنَّ الزُّبَيْرَ وَبِلَالًا وَغَيْرَ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ..."
طالب: .........
مكة على الخلاف في كونها أنها فتحت عنوة أو صلح والمرجح أنها فتحت عنوة لكن النبي عليه الصلاة والسلام من على أهلها برقابهم وذراريهم وأموالهم ومع ذلك بيوتهم كما من عليهم بأنفسهم «اذهبوا فأنتم الطلقاء»، إذا من عليهم ملكوها وصارت ملكهم وورث الآخر عن الأول واشتراها المتأخر من المتقدم وصارت تباع وتشترى وتملك.
طالب: .........
يعني يأتي بأمارة فلان من الناس ولا يدفع إيجار؟ ما يمكن، البناء المشيد أدوار وأتعاب بذل فيها الأموال الطائلة لا. يذكر في السابق أنها على هذا القول بأنها فتحت عنوة وأنها باقية لمصالح المسلمين العامة وأنه لا يجوز وضع الأبواب على بيوتها هذا قول معروف عند الشافعية المشهور.
"وَأَنَّ الزُّبَيْرَ وَبِلَالًا وَغَيْرَ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَرَادُوهُ عَلَى قَسْمِ مَا فُتِحَ عَلَيْهِمْ; فَكَرِهَ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَاخْتُلِفَ فِيمَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ; فَقِيلَ: إِنَّهُ اسْتَطَابَ أَنْفُسَ أَهْلِ الْجَيْشِ; فَمَنْ رَضِيَ لَهُ بِتَرْكِ حَظِّهِ بِغَيْرِ ثَمَنٍ لِيُبْقِيَهُ لِلْمُسْلِمِينَ قِلَّةً..."
قبله
"فَمَنْ رَضِيَ لَهُ بِتَرْكِ حَظِّهِ بِغَيْرِ ثَمَنٍ لِيُبْقِيَهُ لِلْمُسْلِمِينَ قبله وَمَنْ أَبَى أَعْطَاهُ ثَمَنَ حَظِّهِ. فَمَنْ قَالَ: إِنَّمَا أَبْقَى الْأَرْضَ بَعْدَ اسْتِطَابَةِ أَنْفُسِ الْقَوْمِ جَعَلَ فِعْلَهُ كَفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ; لِأَنَّهُ قَسَمَ خَيْبَرَ، لِأَنَّ اشْتِرَاءَهُ إِيَّاهَا وَتَرْكَ مَنْ تَرَكَ عَنْ طِيبِ نَفْسِهِ بِمَنْزِلَةِ قَسْمِهَا."
الإنسان إذا تنازل عن نصيبه من هذه الدنيا فالأمر لا يعدوه ومن لم يتنازل وأراد المشاحة وأخذ النصيب كاملًا الأمر إليه يعني مثل ما يقول في سائر الحقوق: لو أن ولدًا من أولاد الميت غني ليس بحاجة إلى الإرث وقال لا تحسبوني في الإرث اقسموا المال على إخواني يمنع؟ يتنازل عن نصيبه ما فيه إشكال وكذا لو تنازل مستحق الدية عنها وكذلك وهكذا أمور الدنيا يملكها الإنسان فإذا تنازل عنها فالأمر لا يعدوه فإذا تنازل أحد عن نصيبه في المغنم وفى الفيء أو كذا لا يلزم بأخذه.
"وَقِيلَ: إِنَّهُ أَبْقَاهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ أَعْطَاهُ أَهْلَ الْجُيُوشِ. وَقِيلَ: إِنَّهُ تَأَوَّلَ فِي ذَلِكَ قَوْلَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} إِلَى قَوْلِه: {رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَاللَّهُ أَعْلَم. الرَّابِعَةُ: وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي قِسْمَةِ الْعَقَارِ ; فَقَالَ مَالِكٌ: لِلْإِمَامِ أَنْ يُوقِفَهَا لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: الْإِمَامُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَقْسِمَهَا أَوْ يَجْعَلَهَا وَقْفًا لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَيْسَ لِلْإِمَامِ حَبْسُهَا عَنْهُمْ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ، بَلْ يَقْسِمُهَا عَلَيْهِمْ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ."
لأنها من المغانم. العقار من المغانم مما يغنمه المسلمون من أعدائهم فيقسم كغيره لكن الخلاف مشهور عند أهل العلم. نسأل الله -جل وعلا- بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يعلي الدين وينصر كلمته وأن يعز جنده ويهزم أعدائه.
"فَمَنْ طَابَ نَفْسًا عَنْ حَقِّهِ لِلْإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَهُ وَقْفًا عَلَيْهِمْ فَلَهُ. وَمَنْ لَمْ تَطِبْ نَفْسُهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِمَالِهِ."
لعل الكلمة السابقة فله مثل هذه. يعني الأمر إليه لا يعدوه.
"فَمَنْ طَابَ نَفْسًا عَنْ حَقِّهِ لِلْإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَهُ وَقْفًا عَلَيْهِمْ فَلَهُ. وَمَنْ لَمْ تَطِبْ نَفْسُهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِمَالِهِ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اسْتَطَابَ نُفُوسَ الْغَانِمِينَ وَاشْتَرَاهَا مِنْهُم. قُلْتُ: وَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُه: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} مَقْطُوعًا مِمَّا قَبْلَهُ، وَأَنَّهُمْ نُدِبُوا بِالدُّعَاءِ لِلْأَوَّلِينَ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ."
طالب: .........
بالقاف ما هي بالفاء عندنا وقلنا لعل الباء سقطت قبله لكن لما جاءت في الموضع الثاني فله تبين المراد يعني الأمر إليه.
"الْخَامِسَةُ: قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَذْكُرُ فَضْلَ الْمَدِينَةِ عَلَى غَيْرِهَا مِنَ الْآفَاقِ فَقَالَ: إِنَّ الْمَدِينَةَ تُبُوِّئَتْ بِالْإِيمَانِ وَالْهِجْرَةِ، وَإِنَّ غَيْرَهَا مِنَ الْقُرَى افْتُتِحَتْ بِالسَّيْفِ; ثُمَّ قَرَأ: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ} الْآيَةَ. وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي هَذَا، وَفِي فَضْلِ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدَيْنِ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ ;فَلَا مَعْنَى لِلْإِعَادَة. "
السَّادِسَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى:
مذهب مالك رحمه الله في تفضيل المدينة على مكة مشهور ومعروف والجمهور على خلافهم أن مكة أفضل وجاء في البلدين من النصوص الشرعية ما يجعل الإنسان يحتار بالنسبة للسكنى. جاء في المدينة شيء كثير: «المدينة خير لهم لو كانوا يعملون». وجاء في مكة أيضًا مضاعفات: الصلاة بمائة ألف صلاة بينما الصلاة في مسجد عليه الصلاة والسلام بألف صلاة. هذا فرق كبير مائة ضعف فهذا مستند الجمهور في تفضيلهم مكة على المدينة وعلى كل حال قد يقول قائل: كيف توجد هذه المضاعفات فرض واحد عن خمس وخمسين سنة فرض واحد في مكة عن خمس وخمسين سنة ويتفرق الصحابة وخيار الأمة في سائر الأقطار والأقاليم ويتركون هذا التفضيل؟
طالب: .........
من مكة... غير مهاجر أئمة الإسلام، ابن عباس مثلا... نعم مسألة النفع المتعدى من التعليم والدعوة وخدمة المسلمين هذا أمرها آخر، لكن بعض الناس يترك هذه الأماكن لأن الغنم مع الغرم والخراج بالضمان فكما أن هذه المضاعفات موجودة أيضا السيئات معظمة ولذا ترك ابن عباس سكنى مكة في آخر عمره إلى الطائف. لاسيما في ظروفنا التي نعيشها التي لا يكاد ينفك الإنسان عن معصية لا يكاد ينفك عن معصية سواء كان في بيته في طريقه في مسجده لا يكاد ينفك إلا من عصمه الله -جل وعلا- لأن عموم محافل المسلمين ومجتمعاتهم واجتماعاتهم لا تسلم من ذلك والخير موجود، لكن لا يسلم من الدخل. والله المستعان.
طالب: .........
بيت في الحل وبيت في الحرم لكن الآن بعض الناس يتخذ هذا. يجعل له بيتا بالعوالي واستراحة بالحسينية ويقضي أكثر وقت هناك، لكن ما كل الناس تيسر لهم هذا.
طالب: .........
لا شك أنه إذا زاد الأجر عظم هذه قاعدة شرعية مضطردة كما في حديث ابن مسعود: إنك تُوعَك وعْكاً شديداً، قال: «أجل، إني أُوعَك كما يوعك رجلان منكم» قلت: ذلك أن لك أجرين؟ قال: «أجل» فالغرم مع الغنم. وأمهات المؤمنين تؤتى الأجر مرتين، وإن فعلت تضاعف لها العذاب ضعفين. المقصود أن مثل هذه الأمور مقررة بالشرع.
طالب: .........
فيها فضل السكنى والصبر على لأوائها لكن في مقابل ذلك لو حصل مخالفة لا شك أنها أشد من غيرها تبعًا لذلك.
"السَّادِسَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا} يَعْنِي لَا يَحْسُدُونَ الْمُهَاجِرِينَ عَلَى مَا خُصُّوا بِهِ مِنْ مَالِ الْفَيْءِ وَغَيْرِهِ; كَذَلِكَ قَالَ النَّاسُ. وَفِيهِ تَقْدِيرُ حَذْفِ مُضَافَيْنِ; الْمَعْنَى مَسَّ حَاجَةٍ مِنْ فَقْدِ مَا أُوتُوا. وَكُلُّ مَا يَجِدُ الْإِنْسَانَ فِي صَدْرِهِ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَى إِزَالَتِهِ فَهُوَ حَاجَةٌ. وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ فِي دُورِ الْأَنْصَار، فَلَمَّا غَنِمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَمْوَالَ بَنِي النَّضِيرِ، دَعَا الْأَنْصَارَ وَشَكَرَهُمْ فِيمَا صَنَعُوا مَعَ الْمُهَاجِرِينَ فِي إِنْزَالِهِمْ إِيَّاهُمْ فِي مَنَازِلِهِمْ، وَإِشْرَاكِهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ."
أشركهم حتى في زوجاتهم. من كانت له أكثر من زوجة تنازل عن واحدة منهما لأخيه المهاجر حتى أنه ليخيره بينهما وأي إيثار أعظم من هذا؟ يعني الإنسان إذا تأمل مثل هذه المعاني وجد أنه يكاد أن يكون لا شيء لأن هذه المعاني لا يكاد أن يصدقها فضلًا عن كونه يطبقها والله المستعان.
"ثُمَّ قَالَ: «إِنْ أَحْبَبْتُمْ قَسَمْتُ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ، وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ السُّكْنَى فِي مَسَاكِنِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَإِنْ أَحْبَبْتُمْ أَعْطَيْتُهُمْ وَخَرَجُوا مِنْ دُورِكُمْ»."
رد عليهم ما قال أعطهم، ويطلعون من بيوتنا أو نحن وإياهم سواء ويطلعون أعطنا مثلهم. لا قال أعطهم، ويبقون عندنا في دورنا والله المستعان.
"فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: بَلْ نَقْسِمُهُ بَيْنَ الْمُهَاجِرِين، وَيَكُونُونَ فِي دُورِنَا كَمَا كَانُوا. وَنَادَتِ الْأَنْصَارُ: رَضِينَا وَسَلَّمْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ ارْحَمِ الْأَنْصَارَ وَأَبْنَاءَ الْأَنْصَار»ِ .وَأَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُهَاجِرِينَ وَلَمْ يُعْطِ الْأَنْصَارَ شَيْئًا إِلَّا الثَّلَاثَةَ الَّذِينَ ذَكَرْنَاهُمْ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ: {وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا} إِذَا كَانَ قَلِيلًا بَلْ يَقْنَعُونَ بِهِ..."
الثلاثة تقدم ذكرهم أبو دجانة وسهل بن حنيف والحارث بن الصمة. تقدموا في هذه السورة.
"إِذَا كَانَ قَلِيلًا بَلْ يَقْنَعُونَ بِهِ وَيَرْضَوْنَ عَنْهُ. وَقَدْ كَانُوا عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ حِينَ حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُنْيَا."
يعني فيه شيء من الشدة لشظف العيش ثم بعده توسعت الأمور.
"ثُمَّ كَانُوا عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحُكْمِ الدُّنْيَا. وَقَدْ أَنْذَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: «سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ»."
يعني الأنصار لأن الولاية والخلافة ليست فيهم في الحديث الصحيح: «الأئمة من قريش» والغالب أن من تكون الولاية في قبيلته يكون آثر من غيره بغض النظر عن الخلفاء الراشدين لكن من جاء بعدهم ظهر الأمر فيهم واضحًا جليًا.
"السَّابِعَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} فِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة:َ أَنَّ رَجُلًا بَاتَ بِهِ ضَيْفٌ فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إِلَّا قُوتُهُ وَقُوتُ صِبْيَانِه فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ..."
يعني من يتصور أن مجموعة من الناس: عشرة أو أكثر أو أقل يتناهدون للطعام. النهد هو القط نسميه نحن. كل واحد يدفع مبلغ ويشترون طعام ويطفأ السراج وينتهون ويقومون منه. بقي شيء أو ما بقي شيء؟ ما نقص شيئا. كل واحد يترك لصاحبه.
"فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: نَوِّمِي الصِّبْيَةَ، وَأَطْفِئِي السِّرَاج، وَقَرِّبِي لِلضَّيْفِ مَا عِنْدَكِ; فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا. وَخُرِّجَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي مَجْهُودٌ. فَأَرْسَلَ إِلَى بَعْضِ نِسَائِهِ فَقَالَتْ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا عِنْدِي إِلَّا مَاءٌ. ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى الْأُخْرَى فَقَالَتْ مِثْلَ ذَلِكَ; حَتَّى قُلْنَ كُلُّهُنَّ مِثْلَ ذَلِكَ: لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا عِنْدِي إِلَّا مَاءٌ. فَقَالَ: «مَنْ يُضَيِّفُ هَذَا اللَّيْلَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ»، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى رَحْلِهِ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ؟ قَالَتْ: لَا، إِلَّا قُوتُ صِبْيَانِي. قَالَ: فَعَلِّلِيهِمْ بِشَيْءٍ، فَإِذَا دَخَلَ ضَيْفُنَا فَأَطْفِئِي السِّرَاجَ وَأَرِيهِ أَنَّا نَأْكُلُ; فَإِذَا أَهْوَى لِيَأْكُلَ فَقُومِي إِلَى السِّرَاجِ حَتَّى تُطْفِئِيهِ. قَالَ: فَقَعَدُوا وَأَكَلَ الضَّيْفُ. فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: « قَدْ عَجِبَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- مِنْ صَنِيعِكُمَا بِضَيْفِكُمَا اللَّيْلَةَ». وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُضَيِّفَهُ فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا يُضَيِّفُهُ. فَقَالَ: «أَلَا رَجُلٌ يُضَيِّفُ هَذَا رَحِمَهُ اللَّهُ»..."
أكرم الخلق على الله وأشرفهم وأتقاهم وأعلمهم بالله هذه حالة وهذه عيشهز ذكر البخاري رحمه الله في عيشه شيأ قد لا يطيقه إنسان وأنه كان يربط الحجر على بطنه ولو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضه ما سقى منها كافر شربة ماء. هذا أكرم الخلق عند الله ما عنده إلا ماء. ويرى الهلال ثم الهلال ثم الهلال ثلاثة أهلة، في شهرين ما يوقد في بيته نار عليه الصلاة والسلام، ما يدل على حقارة هذه الدنيا التي نتشبث بها ونتمسك بها. ويذكر في سلف هذه الأمة أمثلة من أهل الزهد والورع ممن يكتب عنه في الصحف الآن. كتب من كتب الأكثر من واحد يكتب يقول: يمدح الإنسان بأنه زاهد لأنه عطل الدنيا صار عالة على غيره لا يعمل، ويتكفف الناس ويقول زاهد، يتندر مثل هذا الكلام، ويزري بسلف هذه الأمة ونسأل الله السلامة والعافية وعلى رأسهم سيد الزهاد أما أهل الورع النبي عليه الصلاة والسلام.
"فَقَالَ: «أَلَا رَجُلٌ يُضَيِّفُ هَذَا رَحِمَهُ اللَّهُ» فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أَبُو طَلْحَةَ، فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى رَحْلِهِ... وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَذَكَرَ فِيهِ نُزُولَ الْآيَةِ. وَذَكَرَ الْمَهْدَوِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ هَذَا نَزَلَ فِي ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ وَرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ - نَزَلَ بِهِ ثَابِتٌ - يُقَالُ لَهُ أَبُو الْمُتَوَكِّل، فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ إِلَّا قُوتُهُ وَقُوتُ صِبْيَانِهِ; فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَطْفِئِي السِّرَاجَ وَنَوِّمِي الصِّبْيَةَ."
يعني هناك الخلل في التصور مثل من يكتب في هذه الأمور الزهد وأن هذا الزهد تعطيل للحياة وإفساد وخراب للأرض التي أمرنا باستعمارها والله جل وعلا استعمرنا فيها يعني طلب منا عمارتها فجعل بعض الناس هذا هو الهدف الناس خلقوا لعمارة الأرض بينما أهل العلم العارفين بالله جل وعلا وبما جاء عنه يعرفون أن الهدف من إيجادهم تحقيق العبودية لله -جل وعلا- فتجد الصنف الأول الذين الهدف من وجودهم على حد زعمهم عمارة الأرض يقولون مثل هذا الكلام الذي لا يعمل عطل الأرض، وقد أمر بعمارتها هو مأمور بإمارتها بقدر ما يوصله إلى تحقيق الهدف الذي هو تحققه العبودية، ولذا جاء: (ولا تنس نصيبك من الدنيا) نعم لا تنس نصيبك من هذه الدنيا. الدين لا يقوم إلا بشيء من ما يسمونه عصب الحياة لا تستطيع أن تعبد الله إلا وعندك شيء تقيم به صلبك فأنت تطلب بقدر ما يعينك على تحقيق الهدف بخلاف من جعل الهدف عمارة الأرض فتجده يتوصل إلى هذا الهدف بكل وسيلة مشروعة، أو غير مشروعة.
"فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَطْفِئِي السِّرَاجَ وَنَوِّمِي الصِّبْيَةَ وَقَدَّمَ مَا كَانَ عِنْدَهُ إِلَى ضَيْفِهِ . وَكَذَا ذَكَرَ النَّحَّاسُ قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: نَزَلَ بِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ - يُقَالُ لَهُ أَبُو الْمُتَوَكِّلِ - ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ ضَيْفًا، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إِلَّا قُوتُهُ وَقُوتُ صِبْيَانِهِ; فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَطْفِئِي السِّرَاجَ وَنَوِّمِي الصِّبْيَةَ; فَنَزَلَتْ: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}. وَقِيلَ: إِنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ أَبُو طَلْحَةَ."
يعني كما جاء بالقصة السابقة.
"وَذَكَرَ الْقُشَيْرِيُّ أَبُو نَصْرٍ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيم:ِ وَقَالَ ابْنُ عُمَر: أُهْدِيَ لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَ شَاةٍ فَقَالَ: إِنَّ أَخِي فُلَانًا وَعِيَالَهُ أَحْوَجُ إِلَى هَذَا مِنَّا; فَبَعَثَهُ إِلَيْهِمْ، فَلَمْ يَزَلْ يَبْعَثُ بِهِ وَاحِدٌ إِلَى آخَرَ حَتَّى تَدَاوَلَهَا سَبْعَةُ أَبْيَاتٍ، حَتَّى رَجَعَتْ إِلَى أُولَئِكَ; فَنَزَلَتْ: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أُهْدِيَ لِرَجُلٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رَأْسُ شَاةٍ، وَكَانَ مَجْهُودًا فَوَجَّهَ بِهِ إِلَى جَارٍ لَهُ..."
أصابه جهد من الجوع والتعب.
"فَوَجَّهَ بِهِ إِلَى جَارٍ لَهُ، فَتَدَاوَلَتْهُ سَبْعَةُ أَنْفُسٍ فِي سَبْعَةِ أَبْيَاتٍ، ثُمَّ عَادَ إِلَى الْأَوَّلِ; فَنَزَلَتْ: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} الْآيَة. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَنْصَارِ يَوْمَ بَنِي النَّضِيرِ : « إِنْ شِئْتُمْ قَسَمْتُ لِلْمُهَاجِرِينَ مِنْ دِيَارِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَشَارَكْتُمُوهُمْ فِي هَذِهِ الْغَنِيمَةِ، وَإِنْ شِئْتُمْ كَانَتْ لَكُمْ دِيَارُكُمْ وَأَمْوَالُكُمْ وَلَمْ نَقْسِمْ لَكُمْ مِنَ الْغَنِيمَةِ شَيْئًا» ، فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ : بَلْ نَقْسِمُ لِإِخْوَانِنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَمْوَالِنَا وَنُؤْثِرُهُمْ بِالْغَنِيمَةِ; فَنَزَلَتْ: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} الْآيَةَ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَجْعَلُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّخَلَاتِ مِنْ أَرْضِهِ حَتَّى فُتِحَتْ عَلَيْهِ قُرَيْظَةُ وَالنَّضِيرُ، فَجَعَلَ بَعْدَ ذَلِكَ يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا كَانَ أَعْطَاهُ. لَفْظُ مُسْلِم.ٍ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: «لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ مِنْ مَكَّةَ الْمَدِينَةَ قَدِمُوا وَلَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ ، وَكَانَ الْأَنْصَارُ أَهْلَ الْأَرْضِ وَالْعَقَارِ، فَقَاسَمَهُمُ الْأَنْصَارُ عَلَى أَنْ أَعْطَوْهُمْ أَنْصَافَ ثِمَارِ أَمْوَالِهِمْ كُلَّ عَامٍ وَيَكْفُونَهُمُ الْعَمَلَ وَالْمُؤُونَةَ; وَكَانَتْ أُمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ تُدْعَى أُمَّ سُلَيْمٍ، وَكَانَتْ أُمَّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، كَانَ أَخًا لِأَنَسٍ لِأُمِّهِ; وَكَانَتْ أَعْطَتْ أُمُّ أَنَسٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِذَاقًا لَهَا; فَأَعْطَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّ أَيْمَنَ مَوْلَاتَهُ، ثُمَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا فَرَغَ مِنْ قِتَالِ أَهْلِ خَيْبَرَ وَانْصَرَفَ إِلَى الْمَدِينَةِ، رَدَّ الْمُهَاجِرُونَ إِلَى الْأَنْصَارِ مَنَائِحَهُمُ الَّتِي كَانُوا مَنَحُوهُمْ مِنْ ثِمَارِهِمْ. قَالَ: فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أُمِّي عِذَاقَهَا، وَأَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّ أَيْمَنَ مَكَانَهُنَّ مِنْ حَائِطِهِ. خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا."
لأن من استغنى كان محتاجًا كان يحسن إليه فإذا استغنى يعني من باب الوفاء أن يرد هذا الإحسان بإحسان فإن رده بأفضل كان أفضل.
"الثَّامِنَةُ : الْإِيثَارُ: هُوَ تَقْدِيمُ الْغَيْرِ عَلَى النَّفْسِ وَحُظُوظِهَا الدُّنْيَوِيَّةِ، وَرَغْبَةٌ فِي الْحُظُوظِ الدِّينِيَّةِ. وَذَلِكَ يَنْشَأُ عَنْ قُوَّةِ الْيَقِينِ وَتَوْكِيدِ الْمَحَبَّةِ، وَالصَّبْرِ عَلَى الْمَشَقَّةِ. يُقَالُ: آثَرْتُهُ بِكَذَا; أَيْ خَصَصْتُهُ بِهِ وَفَضَّلْتُهُ. وَمَفْعُولُ الْإِيثَارِ مَحْذُوفٌ; أَيْ يُؤْثِرُونَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِأَمْوَالِهِمْ وَمَنَازِلِهِمْ، لَا عَنْ غِنًى بَلْ مَعَ احْتِيَاجِهِمْ إِلَيْهَا; حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ. وَفِي مُوَطَّأِ مَالِكٍ: أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ مِسْكِينًا سَأَلَهَا وَهِيَ صَائِمَةٌ وَلَيْسَ فِي بَيْتِهَا إِلَّا رَغِيفٌ; فَقَالَتْ لِمَوْلَاةٍ لَهَا: أَعْطِيهِ إِيَّاهُ; فَقَالَتْ: لَيْسَ لَكِ مَا تُفْطِرِينَ عَلَيْهِ؟ فَقَالَتْ: أَعْطِيهِ إِيَّاهُ. قَالَتْ: فَفَعَلَتْ. قَالَتْ: فَلَمَّا أَمْسَيْنَا أَهْدَى لَنَا أَهْلُ بَيْتٍ أَوْ إِنْسَانٌ مَا كَانَ يُهْدي لَنَا: شَاةً وَكَفَنَهَا."
يعني ليس من عادته أن يهديه إليهم لكن هذا فيه مقابل ما تصدقت به من الرغيف يعني من الله جل وعلا مكافئة. شَاةً وَكَفَنَهَا.
معروف في بعض الجهات يسمونه مكفن تطلى الشاة بعد سلخها بالعجين ثم تدخل في التنور فلا يخرج من سمنها ولا ودكها شيء بحيث يكون طعمها ألذ وأطعم وأفضل. المكفن معروف في بعض الجهات.
"شَاةً وَكَفَنَهَا فَدَعَتْنِي عَائِشَةُ فَقَالَتْ: كُلِي مِنْ هَذَا، فَهَذَا خَيْرٌ مِنْ قُرْصِكِ. قَالَ عُلَمَاؤُنَا: هَذَا مِنَ الْمَالِ الرَّابِحِ، وَالْفِعْلُ الزَّاكِي عِنْدَ اللَّهِ. تَعَالَى يُعَجِّلُ مِنْهُ مَا يَشَاءُ، وَلَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِمَّا يَدَّخِرُهُ عَنْهُ. وَمَنْ تَرَكَ شَيْئًا لِلَّهِ لَمْ يَجِدْ فَقْدَهُ . وَعَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي فِعْلِهَا هَذَا مِنَ الَّذِينَ أَثْنَى اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ يُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ مَعَ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْخَصَاصَةِ، وَأَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ وُقِيَ شُحَّ نَفْسِهِ وَأَفْلَحَ فَلَاحًا لَا خَسَارَةَ بَعْدَهُ. وَمَعْنَى (شَاةً وَكَفَنَهَا) فَإِنَّ الْعَرَبَ -أَوْ بَعْضَ الْعَرَبِ أَوْ بَعْضَ وُجُوهِهِمْ- كَانَ هَذَا مِنْ طَعَامِهِمْ، يَأْتُونَ إِلَى الشَّاةِ أَوِ الْخَرُوفِ إِذَا سَلَخُوهُ غَطَّوْهُ كُلَّهُ بِعَجِينِ الْبُرِّ وَكَفَنُوهُ بِهِ ثُمَّ عَلَّقُوهُ فِي التَّنُّورِ، فَلَا يَخْرُجُ مِنْ وَدَكِهِ شَيْءٌ إِلَّا فِي ذَلِكَ الْكَفَنِ; وَذَلِكَ مِنْ طِيبِ الطَّعَامِ عِنْدَهُمْ.
من طيب...
"وَذَلِكَ مِنْ طِيبِ الطَّعَامِ عِنْدَهُمْ. وَرَوَى النَّسَائِيُّ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ اشْتَكَى، وَاشْتَهَى عِنَبًا، فَاشْتُرِيَ لَهُ عُنْقُودٌ بِدِرْهَمٍ، فَجَاءَ مِسْكِينٌ فَسَأَلَ; فَقَالَ: أَعْطُوهُ إِيَّاهُ; فَخَالَفَ إِنْسَانٌ فَاشْتَرَاهُ بِدِرْهَمٍ، ثُمَّ جَاءَ بِهِ إِلَى ابْنِ عُمَرَ، فَجَاءَ الْمِسْكِينُ فَسَأَلَ; فَقَالَ: أَعْطُوهُ إِيَّاهُ; ثُمَّ خَالَفَ إِنْسَانٌ فَاشْتَرَاهُ بِدِرْهَمٍ، ثُمَّ جَاءَ بِهِ إِلَيْهِ; فَأَرَادَ السَّائِلُأَنْ يَرْجِعَ فَمُنِعَ. وَلَوْ عَلِمَ ابْنُ عُمَرَ أَنَّهُ ذَلِكَ الْعُنْقُودُ مَا ذَاقَهُ; لِأَنَّ مَا خَرَجَ لِلَّهِ لَا يَعُودُ فِيهِ وَذَكَر ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ يَرْبُوعٍ عَنْ مَالِكِ الدَّارِ أَنّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخَذَ أَرْبَعَمِائَةِ دِينَار، فَجَعَلَهَا فِي صُرَّةٍ ثُمَّ قَالَ لِلْغُلَامِ: اذْهَبْ بِهَا إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ ، ثُمَّ تَلَكَّأْ...."
تلكأ يعني تأخر.
"ثُمَّ تَلَكَّأْ سَاعَةً فِي الْبَيْتِ حَتَّى تَنْظُرَ مَاذَا يَصْنَعُ بِهَا. فَذَهَبَ بِهَا الْغُلَامُ إِلَيْهِ فَقَالَ: يَقُولُ لَكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ: اجْعَلْ هَذِهِ فِي بَعْضِ حَاجَتِكَ. فَقَالَ: وَصَلَهُ اللَّهُ وَرَحِمَهُ، ثُمَّ قَالَ: تَعَالَيْ يَا جَارِيَةُ، اذْهَبِي بِهَذِهِ السَّبْعَةِ إِلَى فُلَانٍ، وَبِهَذِهِ الْخَمْسَةِ إِلَى فُلَانٍ; حَتَّى أَنْفَذَهَا. فَرَجَعَ الْغُلَامُ إِلَى عُمَرَ، فَأَخْبَرَهُ فَوَجَدَهُ قَدْ أَعَدَّ مِثْلَهَا لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَقَالَ: اذْهَبْ بِهَذَا إِلَى مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَتَلَكَّأْ فِي الْبَيْتِ سَاعَةً حَتَّى تَنْظُرَ مَاذَا يَصْنَعُ، فَذَهَبَ بِهَا إِلَيْهِ فَقَالَ: يَقُولُ لَكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ: اجْعَلْ هَذِهِ فِي بَعْضِ حَاجَتِكَ، فَقَالَ: رَحِمَهُ اللَّهُ وَوَصَلَهُ، وَقَالَ: يَا جَارِيَةُ، اذْهَبِي إِلَى بَيْتِ فُلَانٍ بِكَذَا وَبَيْتِ فُلَانٍ بِكَذَا، فَاطَّلَعَتْ امْرَأَةُ مُعَاذٍ فَقَالَتْ: وَنَحْنُ وَاللَّهِ مَسَاكِينُ فَأَعْطِنَا. وَلَمْ يَبْقَ فِي الْخِرْقَةِ إِلَّا دِينَارَانِ قَدْ جَاءَ بِهِمَا إِلَيْهَا. فَرَجَعَ الْغُلَامُ إِلَى عُمَرَ فَأَخْبَرَهُ فَسُرَّ بِذَلِكَ عُمَرُ وَقَالَ: إِنَّهُمْ إِخْوَةٌ! بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ . وَنَحْوُهُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي إِعْطَاءِ مُعَاوِيَةَ إِيَّاهَا، وَكَانَ عَشَرَةَ آلَافٍ، وَكَانَ الْمُنْكَدِرُ دَخَلَ عَلَيْهَا..."
قد جاء بهما إليها، يعني رماهما إليها، محتمل والمعني الذي عندنا مستقيم لكن أنهم ما أشاروا إلى شيء من النسخ....لكن عندنا ما أشار المحقق... ثلاثة عشر نسخة معنا.
"فَإِنْ قِيلَ: وَرَدَتْ أَخْبَارٌ صَحِيحَةٌ فِي النَّهْيِ عَنِ التَّصَدُّقِ بِجَمِيعِ مَا يَمْلِكُهُ الْمَرْءُ، قِيلَ لَهُ: إِنَّمَا كُرِهَ ذَلِكَ فِي حَقِّ مَنْ لَا يَوْثُقُ مِنْهُ الصَّبْرُ عَلَى الْفَقْرِ، وَخَافَ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِلْمَسْأَلَةِ إِذَا فَقَدَ مَا يُنْفِقُهُ. فَأَمَّا الْأَنْصَارُ الَّذِينَ أَثْنَى اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِالْإِيثَارِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، فَلَمْ يَكُونُوا بِهَذِهِ الصِّفَةِ، بَلْ كَانُوا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ}. وَكَانَ الْإِيثَارُ فِيهِمْ أَفْضَلَ مِنَ الْإِمْسَاكِ. وَالْإِمْسَاكُ لِمَنْ لَا يَصْبِرُ وَيَتَعَرَّضُ لِلْمَسْأَلَةِ أَوْلَى مِنَ الْإِيثَارِ. وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ الْبَيْضَةِ مِنَ الذَّهَبِ، فَقَالَ: هَذِهِ صَدَقَةٌ، فَرَمَاهُ بِهَا وَقَالَ: يَأْتِي أَحَدُكُمْ بِجَمِيعِ مَا يَمْلِكُهُ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ ثُمَّ يَقْعُدُ يَتَكَفَّفُ النَّاسَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ."
لا شك أن الناس منازل ومقامات يناسب زيد ما لا يناسب عمرو وهكذا. أبو بكر تصدق بجميع ماله وعمر جاء بنصفه وأشار النبي عليه الصلاة والسلام إلى سعد أن يتصدق بثلث ماله فالناس يتفاوتون بلا شك.
"التَّاسِعَةُ: وَالْإِيثَارُ بِالنَّفْسِ فَوْقَ الْإِيثَارِ بِالْمَالِ وَإِنْ عَادَ إِلَى النَّفْسِ. وَمِنَ الْأَمْثَالِ السَّائِرَةِ : تَجُودُ بِالنَّفْسِ إِذْ أَنْتَ الضَّنِينُ بِهَا وَالْجُودُ بِالنَّفْسِ أَقْصَى غَايَةِ الْجُودِ وَمِنْ عِبَارَاتِ الصُّوفِيَّةِ الرَّشِيقَةِ فِي حَدِّ الْمَحَبَّةِ: أَنَّهَا الْإِيثَارُ، أَلَا تَرَى أَنَّ امْرَأَةَ الْعَزِيزِ لَمَّا تَنَاهَتْ فِي حُبِّهَا لِيُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، آثَرَتْهُ عَلَى نَفْسِهَا فَقَالَتْ: {أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ}.
هي أخبرت بالواقعة يعني آثرته بشيء لم تصنعه هذا ليس بصحيح وإنما أخبرته عن الواقع.
طالب: .........
على كل حال كونها تعترف لا يعني أنها آثرته.
"وَأَفْضَلُ الْجُودِ بِالنَّفْسِ الْجُودُ عَلَى حِمَايَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ تَرَّسَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَطَلَّعُ لِيَرَى الْقَوْمَ. فَيَقُولُ لَهُ أَبُو طَلْحَةَ: لَا تُشْرِف يَا رَسُولَ اللَّهِ! لَا يُصِيبُونَكَ! نَحْرِي دُونَ نَحْرِكَ، وَوَقَى بِيَدِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشُلَّتْ. وَقَالَ حُذَيْفَةُ الْعَدَوِيُّ: انْطَلَقْتُ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ أَطْلُبُ ابْنَ عَمٍّ لِي -وَمَعِي شَيْءٌ مِنَ الْمَاءِ- وَأَنَا أَقُولُ: إِنْ كَانَ بِهِ رَمَقٌ سَقَيْتُهُ، فَإِذَا أَنَا بِهِ، فَقُلْتُ لَهُ: أَسْقِيكَ، فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ، فَإِذَا أَنَا بِرَجُلٍ يَقُولُ: آهْ! آهْ! فَأَشَارَ إِلَيَّ ابْنُ عَمِّي أَنِ انْطَلِقْ إِلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ هِشَامُ بْنُ الْعَاصِ فَقُلْتُ: أَسْقِيكَ؟ فَأَشَارَ أَنْ نَعَمْ. فَسَمِعَ آخَرَ يَقُولُ: آهْ! آهْ! فَأَشَارَ هِشَامٌ أَنِ انْطَلِقْ إِلَيْهِ فَجِئْتُهُ فَإِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ. فَرَجَعْتُ إِلَى هِشَامٍ فَإِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ. فَرَجَعْتُ إِلَى ابْنِ عَمِّي فَإِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ . وَقَالَ أَبُو يَزِيدَ الْبِسْطَامِيُّ: مَا غَلَبَنِي أَحَدٌ مَا غَلَبَنِي شَابٌّ مِنْ أَهْلِ بَلْخٍ ! قَدِمَ عَلَيْنَا حَاجًّا فَقَالَ لِي: يَا أَبَا يَزِيدَ، مَا حَدُّ الزُّهْدِ عِنْدَكُمْ؟ فَقُلْتُ: إِنْ وَجَدْنَا أَكْلَنَا، وَإِنْ فَقَدْنَا صَبَرْنَا. فَقَالَ: هَكَذَا كِلَابُ بَلْخٍ عِنْدَنَا."
كل الناس على هذا. كل الناس إن وجدوا شيء كلوا وإن لم يجدوا صبروا، يعني أسوياء الناس وعموم الناس لكن يوجد من هو أسوأ من هذه الحال إذا لم يجد سرق.
"فَقُلْتُ: وَمَا حَدُّ الزُّهْدِ عِنْدَكُمْ؟ قَالَ: إِنْ فَقَدْنَا شَكَرْنَا، وَإِنْ وَجَدْنَا آثَرْنَا. وَسُئِلَ ذُو النُّونِ الْمِصْرِيّ: مَا حَدُّ الزَّاهِدِ الْمُنْشَرِحِ صَدْرُهُ؟ قَالَ ثَلَاثٌ: تَفْرِيقُ الْمَجْمُوعِ، وَتَرْكُ طَلَبِ الْمَفْقُودِ، وَالْإِيثَارُ عِنْدَ الْقُوتِ. وَحُكِيَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْأَنْطَاكِيِّ: أَنَّهُ اجْتُمِعَ عِنْدَهُ نَيِّفٌ وَثَلَاثُونَ رَجُلًا بِقَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الرَّيِّ، وَمَعَهُمْ أَرْغِفَةٌ مَعْدُودَةٌ لَا تُشْبِعُ جَمِيعَهُمْ، فَكَسَرُوا الرُّغْفَانَ وَأَطْفَئُوا السِّرَاجَ وَجَلَسُوا لِلطَّعَامِ; فَلَمَّا رُفِعَ فَإِذَا الطَّعَامُ بِحَالِهِ لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ أَحَدٌ شَيْئًا; إِيثَارًا لِصَاحِبِهِ عَلَى نَفْسِه.
الْعَاشِرَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} الْخَصَاصَةُ: الْحَاجَةُ الَّتِي تَخْتَلُّ بِهَا الْحَالُ. وَأَصْلُهَا مِنَ الِاخْتِصَاصِ وَهُوَ انْفِرَادٌ بِالْأَمْرِ."
الحاجة التي تقرب من الضرورة هذه الخصاصة.
"وَأَصْلُهَا مِنَ الِاخْتِصَاصِ وَهُوَ انْفِرَادٌ بِالْأَمْرِ فَالْخَصَاصَةُ الِانْفِرَادُ بِالْحَاجَةِ; أَيْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ فَاقَةٌ وَحَاجَةٌ. وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِر:
أَمَّا الرَّبِيعُ إِذَا تَكُونُ خَصَاصَةٌ عَاشَ السَّقِيمُ بِهِ وَأَثْرَى الْمُقْتَرُ |
الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} الشُّحُّ وَالْبُخْلُ سَوَاءٌ; يُقَالُ: رَجُلٌ شَحِيحٌ بَيْنَ الشُّحِّ وَالشَّحِّ وَالشَّحَاحَةِ. قَالَ عَمْرُو بْنُ كُلْثُومٍ.
تَرَى اللَّحِزَ الشَّحِيحَ إِذَا أُمِرَّتْ عَلَيْهِ لِمَالِهِ فِيهَا مُهِينَا
وَجَعَلَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ الشُّحَّ أَشَدَّ مِنَ الْبُخْلِ. وَفِي الصِّحَاحِ: الشُّحُّ الْبُخْلُ مَعَ حِرْصٍ; تَقُولُ: شَحِحْتُ ( بِالْكَسْرِ ) تَشَحُّ. وَشَحَحْتُ أَيْضًا تَشُحُّ وَتَشِحُّ. وَرَجُلٌ شَحِيحٌ، وَقَوْمٌ شِحَاحٌ وَأَشِحَّةٌ."
يعني شحيح فعيل المبالغة في الشح. والبخل لاسيما في الواجب هذا الشح كما قالت هند امرأة أبي سفيان أن أبي سفيان رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني وولدي قال: «خذي من ماله ما يكفيك وولدك» لكن من يبخل بغير الواجب في الفاضل هذا لا يقال له شحيح ويعده بعض الناس في العرف بخيلًا لكن العبرة بالواجب الذي يأثم بتركه.
"وَالْمُرَادُ بِالْآيَةِ: الشُّحُّ بِالزَّكَاةِ وَمَا لَيْسَ بِفَرْضٍ مِنْ صِلَةِ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَالضِّيَافَةِ، وَمَا شَاكَلَ ذَلِكَ. فَلَيْسَ بِشَحِيحٍ وَلَا بِخَيْلٍ مَنْ أَنْفَقَ فِي ذَلِكَ وَإِنْ أَمْسَكَ عَنْ نَفْسِهِ. وَمَنْ وَسَّعَ عَلَى نَفْسِهِ وَلَمْ يُنْفِقْ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الزَّكَوَاتِ وَالطَّاعَاتِ فَلَمْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ."
فلا يستحق الوصف بأنه كريم إذا وسع على نفسه وعلى من تحت يده ورآه الناس كريمًا وضيف الناس وأنفق الأموال لكن يشح بالواجب ويشح بالزكاة هذا ليس بكريم هذا يبقى وصف الشح عليه. كثير من الناس في عصرنا هذا تجده يجود بالأموال الطائلة لأتفه الأسباب ثم إذا جاءت الزكاة شح بها. نسأل الله العافية.
"وَرَوَى الْأَسْوَدُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَجُلًا أَتَاهُ فَقَالَ لَهُ: إِنِّي أَخَافُ أَنْ أَكُونَ قَدْ هَلَكْتُ؟ قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: سَمِعْتُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} وَأَنَا رَجُلٌ شَحِيحٌ لَا أَكَادُ أَنْ أُخْرِجَ مِنْ يَدِي شَيْئًا. فَقَالَ ابْنُ مَسْعُود:ٍ لَيْسَ ذَلِكَ بِالشُّحِّ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ، إِنَّمَا الشُّحُّ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ أَنْ تَأْكُلَ مَالَ أَخِيكَ ظُلْمًا، وَلَكِنْ ذَلِكَ الْبُخْلُ، وَبِئْسَ الشَّيْءُ الْبُخْلُ."
يعني الإمساك في الجملة بخل لكن يبقى أن أسوء أنواع الإمساك إمساك ما أوجب الله عليك من الزكوات والنفقات وما أشبه ذلك.
طالب: .........
المتصورون موجود وجوده وجود كثر... من أركان الإسلام ولذلك عامة أهل العلم على أنه لا يكفر. يبقى في دائرة الإسلام وإن شح بالزكاة لكن تؤخذ منه قهرًا.
"فَفَرَّقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَيْنَ الشُّحِّ وَالْبُخْلِ. وَقَالَ طَاوُسٌ: الْبُخْلُ أَنْ يَبْخَلَ الْإِنْسَانُ بِمَا فِي يَدِهِ، وَالشُّحُّ أَنْ يَشِحَّ بِمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ، يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَا فِي أَيْدِيهِمْ بِالْحِلِّ وَالْحَرَامِ، لَا يَقْنَعُ. قال ابْنُ جُبَيْرٍ: الشُّحُّ مَنْعُ الزَّكَاةِ وَادِّخَارُ الْحَرَامِ . ابْنُ عُيَيْنَة: الشُّحُّ الظُّلْم. وقال . اللَّيْثُ : تَرْكُ الْفَرَائِضِ وَانْتِهَاكُ الْمَحَارِمِ. قال ابْنُ عَبَّاسٍ: مَنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ وَلَمْ يَقْبَلِ الْإِيمَانَ فَذَلِكَ الشَّحِيحُ. وقال ابْنُ زَيْدٍ: مَنْ لَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا لِشَيْءٍ نَهَاهُ اللَّهُ عَنْهُ، وَلَمْ يَدَعْهُ الشُّحُّ عَلَى أَنْ يَمْنَعَ شَيْئًا مِنْ شَيْءٍ أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ، فَقَدْ وَقَاهُ اللَّهُ شُحَّ نَفْسِه.ِ وَقَال أَنَسٌ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَرِيءٌ مِنَ الشُّحِّ مَنْ أَدَّى الزَّكَاةَ، وَقَرَى الضَّيْفَ، وَأَعْطَى فِي النَّائِبَة» وَعَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوَذُ بِكَ مِنْ شُحِّ نَفْسِي وَإِسْرَافِهَا وَوَسَاوِسِه».
طالب: .........
يعني عن غير قومه فالخبر ضعيف على كل حال. الذي يليه؟
"وَقَالَ أَبُو الْهَيَّاجِ الْأَسَدِيُّ: رَأَيْتُ رَجُلًا فِي الطَّوَافِ يَدْعُو: اللَّهُمَّ قِنِي شُحَّ نَفْسِي. لَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا، فَقُلْتُ لَهُ؟ فَقَالَ: إِذَا وُقِيَتُ شُحَّ نَفْسِي لَمْ أَسْرِقْ وَلَمْ أَزْنِ وَلَمْ أَفْعَلْ. فَإِذَا الرَّجُلُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ. قُلْتُ: يَدُلُّ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اتَّقُوا الظُّلْمَ؛ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَاتَّقُوا الشُّحَّ؛ فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ» وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي آخِرِ "آلِ عِمْرَانَ". وَقَالَ كِسْرَى لِأَصْحَابِهِ: أَيُّ شَيْءٍ أَضَرُّ بِابْنِ آدَمَ؟ قَالُوا: الْفَقْرُ. فَقَالَ كِسْرَى: الشُّحُّ أَضَرُّ مِنَ الْفَقْر; لِأَنَّ الْفَقِيرَ إِذَا وَجَدَ شَبِعَ، وَالشَّحِيحَ إِذَا وَجَدَ لَمْ يَشْبَعْ أَبَدًا."
الفقير إذا وجد الطعام أكله والشحيح إذا وجد الطعام باعه. والله المستعان.
"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} فِيهِ أَرْبَعُ مَسَائِل:
الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} يَعْنِي التَّابِعِينَ وَمَنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ . قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: النَّاسُ عَلَى ثَلَاثَةِ مَنَازِلَ :الْمُهَاجِرُونَ، وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ، وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ."
والذين جاءوا من بعدهم بالوصف الذي ذكره الله جل وعلا والذي جاءوا من بعده كثير لكن بالوصف المذكور المخصص. احرص أن تكون منهم.
"فَاجْهَدْ أَلَّا تَخْرُجَ مِنْ هَذِهِ الْمَنَازِلِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كُنْ شَمْسًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَكُنْ قَمَرًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَكُنْ كَوْكَبًا مُضِيئًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَكُنْ كَوْكَبًا صَغِيرًا، وَمِنْ جِهَةِ النُّورِ لَا تَنْقَطِعُ. وَمَعْنَى هَذَا: كُنْ مُهَاجِرِيًّا. فَإِنْ قُلْتَ: لَا أَجِدُ، فَكُنْ أَنْصَارِيًّا. فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَاعْمَلْ كَأَعْمَالِهِمْ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَأَحِبَّهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ كَمَا أَمَرَكَ اللَّهُ."
لتكون من الطائفة الثالثة.
"وَرَوَى مُصْعَبُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: النَّاسُ عَلَى ثَلَاثَةِ مَنَازِلَ، فَمَضَتْ مَنْزِلَتَانِ وَبَقِيَتْ مَنْزِلَةٌ; فَأَحْسَنُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ أَنْ تَكُونُوا بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ الَّتِي بَقِيَتْ. وَعَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ..."
جعفر المعروف بالصادق وأبوه الباقر وجده زين العابدين.
"أَنَّهُ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ: يَا ابْنَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا تَقُولُ فِي عُثْمَانَ؟ فَقَالَ لَهُ: يَا أَخِي أَنْتَ مِنْ قَوْمٍ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} الْآيَةَ. قَالَ: لَا. قَالَ: فَوَاللَّهِ لَئِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْآيَةِ فَأَنْتَ مِنْ قَوْمٍ قَالَ اللَّهُ فِيهِم: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} الْآيَةَ. قَالَ: لَا. قَالَ: فَوَاللَّهِ لَئِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْآيَةِ الثَّالِثَةِ لَتَخْرُجَنَّ مِنَ الْإِسْلَامِ وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} الْآيَة. وَقَدْ قِيلَ :إِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْن، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، رَوَى عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ جَاءُوا إِلَيْهِ، فَسَبُّوا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- ثُمَّ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فَأَكْثَرُوا; فَقَالَ لَهُمْ: أَمِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: لَا. فَقَالَ: أَفَمِنَ الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ؟ فَقَالُوا: لَا. فَقَالَ: قَدْ تَبَرَّأْتُمْ مِنْ هَذَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ! أَنَا أَشْهَدُ أَنَّكُمْ لَسْتُمْ مِنَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} قُومُوا، فَعَلَ اللَّهُ بِكُمْ وَفَعَل ذَكَرَهُ النَّحَّاسُ.
الثَّانِيَةُ: هَذِهِ الْآيَةُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ مَحَبَّةِ الصَّحَابَةِ ; لِأَنَّهُ جَعَلَ لِمَنْ بَعْدَهُمْ حَظًّا فِي الْفَيْءِ مَا أَقَامُوا عَلَى مَحَبَّتِهِمْ وَمُوَالَاتِهِمْ وَالِاسْتِغْفَارِ لَهُمْ، وَأَنَّ مَنْ سَبَّهُمْ أَوْ وَاحِدًا مِنْهُمْ أَوِ اعْتَقَدَ فِيهِ شَرًّا أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْفَيْءِ; رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ. قَالَ مَالِكٌ: مَنْ كَانَ يُبْغِضُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ كَانَ فِي قَلْبِهِ عَلَيْهِمْ غِلٌّ، فَلَيْسَ لَهُ حَقٌّ فِي فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ; ثُمَّ قَرَأَ: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} الْآيَةَ."
هذا ما ذكر شيخ الإسلام رحمه الله في منهاج السنة وقال: إن هؤلاء القوم الذين يسبون السلف لا حظ لهم في الفيء وليسوا من الأصناف الثلاثة الذين ذكروا ممن يستحقوا الفيء نسأل الله العافية.
"الثَّالِثَةُ: هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ قِسْمَةُ الْمَنْقُولِ، وَإِبْقَاءُ الْعَقَارِ وَالْأَرْضِ شَمْلًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ ; كَمَا فَعَلَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ."
أن يبقى وقف للمسلمين يشمل جميعهم أولهم وآخرهم.
"إِلَّا أَنْ يَجْتَهِدَ الْوَالِي فَيُنْفِذَ أَمْرًا فَيُمْضِيَ عَمَلَهُ فِيهِ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ عَلَيْهِ وَأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ قَاضِيَةٌ بِذَلِكَ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ عَنِ الْفَيْءِ وَجَعَلَهُ لِثَلَاثِ طَوَائِفَ: الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ - وَهُمْ مَعْلُومُونَ {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} فَهِيَ عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ التَّابِعِينَ وَالْآتِينَ بَعْدَهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى الْمَقْبَرَةِ فَقَالَ: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ، وَدِدْتُ أَنْ رَأَيْتُ إِخْوَانَنَا». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَسْنَا بِإِخْوَانِكَ؟ فَقَالَ: «بَلْ أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ، وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ» فَبَيَّنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ إِخْوَانَهُمْ كُلُّ مَنْ يَأْتِي بَعْدَهُمْ; لَا كَمَا قَالَ السُّدِّيُّ وَالْكَلْبِيُّ: إِنَّهُمُ الَّذِينَ هَاجَرُوا بَعْدَ ذَلِكَ .وَعَنِ الْحَسَنِ أَيْضًا: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} مَنْ قَصَدَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْهِجْرَة. "
يعني بعد فتح مكة ولا هجرة بعد الفتح ليست هجرتهم فضلها وأجرها مثل الهجرة قبل الفتح.
"الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: يَقُولُونَ نُصِبَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ; أَيْ قَائِلِين، { رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ} فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أُمِرُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِمَنْ سَبَقَ هَذِهِ الْأُمَّةَ مِنْ مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ. قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: فَأُمِرُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لَهُمْ فَسَبُّوهُمْ. الثَّانِي: أُمِرُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلسَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أمر اللَّهُ تَعَالَى بِالِاسْتِغْفَارِ لِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ سَيُفْتَنُون. وَقَالَتْ عَائِشَةُ: أُمِرْتُمْ بِالِاسْتِغْفَارِ لِأَصْحَابِ "
يعني ليس بحجة أنه إذا قيل أو تليت هذه الآية وأن الناس من جاء بعد المهاجرين والأنصار مأمور أن يستغفر أن يقول من يقول أنهم ارتدوا على أعقابهم، وأنهم يردون عن الحوض الذي قال هذا الكلام يعلم أن منهم من سيرتد ومع ذلك قاله.
" وَقَالَتْ عَائِشَةُ: أُمِرْتُمْ بِالِاسْتِغْفَارِ لِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ فَسَبَبْتُمُوهُمْ، سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا تَذْهَبُ هَذِهِ الْأُمَّةُ حَتَّى يَلْعَنَ آخِرُهَا أَوَّلَهَا» وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: «إِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يَسُبُّونَ أَصْحَابِي فَقُولُوا لَعَنَ اللَّهُ أَشَرَّكُمْ»."
يعني الساب والمسبوب فيقع اللعن على الساب لأنه أشر من المسبوب. مخرج الذي قبله؟
طالب: .........
وكلاهما ضعيف.
"وَقَالَ الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ: أَدْرَكْتُ صَدْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَقُولُونَ: اذْكُرُوا مَحَاسِنَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَأَلَّفَ عَلَيْهِمُ الْقُلُوبُ، وَلَا تَذْكُرُوا مَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ فَتُجَسِّرُوا النَّاسَ عَلَيْهِمْ . وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: تَفَاضَلَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى عَلَى الرَّافِضَةِ بِخَصْلَةٍ، سُئِلَتِ الْيَهُودُ: مَنْ خَيْرُ أَهْلِ مِلَّتِكُمْ؟ فَقَالُوا: أَصْحَابُ مُوسَى. وَسُئِلَتِ النَّصَارَى: مَنْ خَيْرُ أَهْلِ مِلَّتِكُمْ؟ فَقَالُوا: أَصْحَابُ عِيسَى. وَسُئِلَتِ الرَّافِضَةُ مَنْ شَرُّ أَهْلِ مِلَّتِكُمْ؟ فَقَالُوا: أَصْحَابُ مُحَمَّد، أُمِرُوا بِالِاسْتِغْفَارِ لَهُمْ فَسَبُّوهُمْ، فَالسَّيْفُ عَلَيْهِمْ مَسْلُولٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لَا تَقُومُ لَهُمْ رَايَةٌ، وَلَا تَثْبُتُ لَهُمْ قَدَمٌ، وَلَا تَجْتَمِعُ لَهُمْ كَلِمَةٌ، كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ بِسَفْكِ دِمَائِهِمْ وَإِدْحَاضِ حُجَّتِهِمْ. أَعَاذَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ مِنَ الْأَهْوَاءِ الْمُضِلَّة."
وقد يدالون على أهل الحق فيحصل منهم ما يحصل من امتحان لأهل الحق لبعد أهل الحق عن الحق وتنكبهم عن جادة الثواب فإذا رجعوا رجع النصر لهم إن شاء الله تعالى.
"{وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا} أَيْ حِقْدًا وَحَسَدًا {رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}."
"