كتاب الإيمان (31)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فقد كتب أكثر من واحد من الإخوان عن أبي عبد الله بن تيمية الذي أشار إليه الحافظ ابن رجب، وهو عم للمجد ابن تيمية جد شيخ الإسلام، عم له، وترجمه الحافظ الذهبي وغيره، وقال عنه الذهبي -رَحِمَهُ اللهُ-: الشيخ الإمام العلامة المفتي المفسر الخطيب البارع عالم حران وخطيبها... إلى أن قال: فخر الدين أبو عبد الله محمد بن أبي القاسم الخضر. أبو القاسم الخضر هذا جد المجد بن تيمية، وهو والد أبي عبد الله، فيكون عمه. إلى آخر نسبه، توفي سنة ستمائة واثنين وعشرين، وله كتب في المذهب، وهو من الآخذين عن أبي الفرج ابن الجوزي. المقصود أنه إذا تبين وتعين اسمه وتحدد، فترجمته مبسوطة في طبقات الحنابلة وغيره.
نقرأ في شرح الكرماني على البخاري في الباب الذي هو بغير ترجمة، يقول الكرماني: (باب" ما ترجم في هذا الباب، وذكره مطلقًا غير مضاف، ولا بد له من تعلق بمباحث الإيمان)، وذكرنا مرارًا أن مثل هذا يقول عنه أهل العلم أنه بمنزلة الفصل من الباب الذي قبله، وأشار إلى ذلك الحافظ ابن حجر وغيره.
قال: (ولا بد له من تعلق بمباحث الإيمان، ومناسبة بينهما، فذلك إما للإعلام بأن المبايعة لم تقع إلا على ذِكر التوحيد أول كل شيء، إشعارًا بأنه هو أساس الأمور الإيمانية، أو بأن ترك المنهيات داخل في المبايعة التي هي من شعار الإيمان، وإما القصد إلى بيان أحكام المؤمنين من الأجر والعقاب والعفو، وله أيضًا تعلق بحب الأنصار من حيث إن النقباء كانوا منهم، ولمبايعتهم أثر عظيم في إعلاء كلمة الدين، فلا بد من محبتهم، والله أعلم)، يعني الارتباط بين هذا الباب والذي قبله ظاهر: و«بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئًا» إقرار للتوحيد، ومثل ما أشار الشارح: (إما للإعلام بأن المبايعة لم تقع إلا على ذكر التوحيد)، أول ما ذُكر التوحيد بنفي ضده. الذي ينص على المناسبة والمطابقة في كل حديث، يعني قد يمررها كثير من الشراح إلا عند الخفاء الشديد، أما إذا كان فيها وضوح يجملونها ولا يذكرونها، أكثر الشراح على هذا، لكن العيني ما ترك خانة للمناسبة والمطابقة، فلا بد من تعبئتها في كل حديث. فماذا يقول؟
يقول العيني: ("باب" كذا وقع: باب، في كل النسخ، وغالب الروايات بلا ترجمة، وسقط عند الأصيلي بالكلية، فالوجه على عدمه هو أن الحديث الذي فيه من جملة الترجمة التي قبله، وعلى وجوده هو أنه لما ذكر الأنصار في الباب الذي قبله أشار في هذا الباب إلى ابتداء السبب في تلقيبهم بالأنصار؛ لأن أول ذلك كان ليلة العقبة لما توافقوا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- عند عقبة مِنى في الموسم، ولأن الأبواب الماضية كلها في أمور الدين، ومن جملتها كان حب الأنصار، والنقباء كانوا منهم، ولمبايعتهم أثر عظيم في إعلاء كلمة الدين، فلا جَرم ذَكرهم عقيب الأنصار، ولما لم يكن له ترجمة على الخصوص، وكان فيه تعلق بما قبله؛ فصل بينهما بقوله: "باب" كما يُفعل بمثل هذا في مصنفات المصنفين بقولهم: فصل كذا مجردًا.
فإن قلتَ: أهو معرب أم لا؟
قلتُ: كيف يكون معربًا والإعراب لا يكون إلا بالتركيب، وإنما حكمه حكم الأسامي التي تُعد بلا تركيب بعضها ببعض. فافهم).
يقول الكرماني: (قوله: "أبو اليمان" هو الحكم بن نافع الحمصي. و"شعيب" هو ابن أبي حمزة القرشي. و"الزهري" هو أبو بكر بن شهاب المدني التابعي، وقد سبق ذكرهم.
قوله: "أبو إدريس عائذ الله" بذال معجمة بعد الهمزة، ابن عبد الله بن عمرو، على المشهور الخولاني الشامي، وُلد يوم حنين، وولاه معاوية القضاء بدمشق، وكان من عُباد الشام وقرائهم، توفي سنة ثمانين.
قوله: "عُبادة" بضم العين هو أبو الوليد بن الصامت بن قيس الأنصاري الخزرجي، رُوي له عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مائة وواحد وثمانون حديثًا، ذَكر البخاري منها ثمانية، وهو أول من ولي قضاء فلسطين، وكان طويلاً جسيمًا جميلاً فاضلاً خيِّرًا، توفي سنة أربع وثلاثين. قال في الاستيعاب: وجَّهه عمر -رضي الله عنه- إلى الشام قاضيًا ومعلمًا، فأقام بحمص ثم انتقل إلى فلسطين ومات بها ودفن ببيت المقدس، وقبره بها معروف. وقيل: توفي بالرملة -رضي الله عنه وأرضاه-).
يقول: ("وكان شهد بدرًا"، قوله: "بدرًا" هو موضع الغزوة العظمى لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، تُذكَّر وتؤنث)، يعني من أراد البقعة أنَّث، علمية وتأنيث، ومن أراد المكان صرف، من أراد المكان ذكَّر. وقل مثل هذا في الصرف وعدمه، فالصرف تابع للتذكير؛ لأنه تنتفي علة التأنيث، ومن منع من الصرف بناه على أنه مؤنث. (ماء معروف على نحو أربعة مراحل)، أربعة أم أربع؟ أربع أم أربعة؟
طالب: ..........
ماذا؟
طالب: أربع.
أربع؛ لأن المراحل جمع مرحلة، وهي مؤنث.
(من المدينة، وكان لرجل يدعى بدرًا فسُميت باسمه، وشهد المشاهد كلها، وإنما خصَّصه بالذكر؛ لشرف غزوة بدر وفضلها على سائر الغزوات).
الذي خصص بالذكر غزوة بدر، وإلا فقد شهد غيرها، يعني ما يقال: شهد أُحدًا، وقد شهد بدرًا، إنما يُبدأ بالأولى؛ لأن ما بعدها من باب أولى، فيذكر أول مشاهده. وهنا هي الأولى وهي الأشرف. ولأهل بدر مزية ليست لغيرهم من أصحاب النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: «وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر...»، الحديث.
(قوله: "النقباء" جمع نقيب، وهو الناظر على القوم وضمينهم وعريفهم، والمراد منه نقباء الأنصار، وهم الذين تقدموا لأخذ البيعة؛ لنصرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة العقبة، أي العقبة التي تُنسب إليها جمرة العقبة، وهي بمنى، وهم اثنا عشر رجلاً). يقول الشارح: (اعلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يعرض نفسه على قبائل العرب في كل موسم، فبينما هو عند العقبة، إذ لقي رهطًا من الخزرج فقال: «ألا تجلسون أكلمكم؟»، قالوا: بلى، فجلسوا فدعاهم إلى الله تعالى، وعرض عليهم الإسلام، وتلا عليهم القرآن، وكانوا قد سمعوا من اليهود أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أظل زمانُه، فقال بعضهم لبعض: والله إنه لذاك، فلا يسبقن اليهود عليكم، فأجابوه.
ولما انصرفوا إلى بلادهم وذكروه لقومهم، فشا أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيهم، فأتى في العام المقبل اثنا عشر رجلاً من الأنصار أحدهم عبادة بن الصامت، فلقوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالعقبة وهي بيعة العقبة الأولى، فبايعوه بيعة النساء، يعني على ما قال الله تعالى: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}، ثم انصرفوا.
وخرج في العام الآخر سبعون رجلاً منهم إلى الحج، فواعدهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العقبة أوسط أيام التشريق. قال كعب بن مالك: لما كانت الليلة التي وعدنا فيها بِتنا أول الليل مع قومنا، فلما استثقل الناس من النوم تسلَّلنا من فرشنا حتى اجتمعنا بالعقبة، فأتانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع عمه العباس لا غير، فقال العباس: يا معشر الخزرج، إن محمدًا منا حيث علمتم، وهو في منعة ونصرة من قومه وعشيرته، وقد أبى إلا الانقطاع إليكم، فإن كنتم وافين بما وعدتم فأنتم وما تحملتم، وإلا فاتركوه في قومه، فتكلم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- داعيًا إلى الله مرغبًا في الإسلام تاليًا للقرآن، فأجبناه للإيمان، فقال: «إني أبايعكم على أن تمنعوني مما منعتم منه أبناءكم»، فقلنا: ابسط يدك نبايعك عليه، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أخرجوا إلي منكم اثني عشر نقيبًا»، فأخرجنا من كل فرقة نقيبًا، وكان عبادة نقيب بني عوف، فبايعوه، وهذه بيعة العقبة الثانية. واعلم أن لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيعة ثالثة مشهورة)، هذه التي أشار إليها ابن عبد البر، وذكرها أيضًا صاحب السبل في ترجمة عبادة.
(بيعة ثالثة مشهورة، وهي البيعة التي وقعت بالحديبية تحت الشجرة)، لكن ليست هذه هي التي أشار إليها ابن عبد البر؛ لأنه يقول: شهد العقبة الأولى والثانية والثالثة، فهي غير هذه، غير بيعة الرضوان.
(بيعة ثالثة مشهورة، وهي البيعة التي وقعت بالحديبية)، الثالثة غير مشهورة، عامة أهل السيل لا يذكرونها، بيعة العقبة الثالثة، لكنه أثبتها ابن عبد البر وأشار إليها، وحاول بعض من كتب في السير أن يوجد لها مخرجًا. وعلى كل حال هي غير بيعة الرضوان في كلام ابن عبد البر.
طالب: أحسن الله إليك ..........
في الجزء الأول من السبل؟
طالب: ..........
الأول؟
طالب: ..........
لا، الاستيعاب ..........
طالب: ..........
نعم. يقول: ("عن عُبادة" بضم العين المهملة وتخفيف الموحدة وبعدها الألف ودال مهملة، وهو أبو الوليد عبادة بن الصامت بن قيس الخزرجي السالمي، كان من نقباء الأنصار، وشهد العقبة الأولى والثانية والثالثة، وشهد بدرًا والمشاهد كلها)، هذا الذي تريده؟
طالب: نعم.
أنه في الأولى منها ليس فيها بيعة.
طالب: نعم.
أنها فيها مواعدة فقط. الذي أحضروه من كتب السير بعضهم ذكرها بيعة.
وعلى كل حال جل أهل السير لم يذكرها، وإنما ذكرها هنا الشارح تبعًا لابن عبد البر، وهي غير بيعة الرضوان.
طالب: ..........
كيف؟
طالب: ..........
كيف؟
طالب: كلما قل العدد.
نعم.
طالب: قل الناصر ..........
ما فيه شك أنه كلما ما زادت الحاجة إلى الشيء كان فضله أعظم.
قال: (وهي البيعة التي وقعت في الحديبية تحت الشجرة عند توجهه من المدينة إلى مكة تسمى بيعة الرضوان، وهذه بعد الهجرة بخلاف الأوليين وعبادة شهدها أيضًا، فهو من المبايعين في الثلاث -رضي الله عنه-.
قوله: "حوله" يقال: حولَه وحوليه وحواليه، بفتح اللام في كلها، أي: محيطون به، والعِصابة بكسر العين المهملة: الجماعة من الناس لا واحد لها، وهو ما بين العشرة إلى الأربعين، وأُخذ إما من العَصْب الذي بمعنى الشد كأنه يشد بعضهم بعضًا، ومنه العصابة أي الخرقة التي تُشد على الجهة، ومنه العَصَب؛ لأنه يشد الأعضاء، وإما من العَصْب بمعنى الإحاطة، يقال: عصب فلان بفلان إذا أحاط به، وهي مبتدأ، و"حوله" منتصبًا على الظرفية خبرُها)، يعني متعلق الظرف خبر.
(وفائدة ذكره الإعلام بأن المخاطبين العصابة، وبيان مبالغة ضبطه، وأنه يرويه عن تحقيق وإتقان)، يعني إذا ذُكر وصف للراوي أو قصة في الخبر، تدل على أن راويه ضبطه وأتقنه، يعني حينما يروي عن عبادة ويقول: كان شهد بدرًا، وهو أحد النقباء ويسترسل في وصفه، يدل على أنه متأكد من سماعه، كما أنه لو ذكر وصفه طولاً وعرضًا، وما كان عليه من لباس، وما كان الظرف الذي عاشه في وقت التحديث، لا شك أن هذا له أثرًا في ضبط القصة.
(وأنه يرويه عن تحقيق وإتقان، وهكذا في وصفه بأنه شهد بدرًا وأنه أحد النقباء؛ إذ لا شك في أن في ذكره إشعارًا بأنه ضابط مع ما فيه من زيادة ترجيح وتصحيح، إذ فضل الراوي وشرفه من مرجحات الروايات ودلالة صحتها.
قوله: «بايعوني» المبايعة على الإسلام عبارة عن المعاقدة والمعاهدة عليه، سُميت بذلك تشبيهًا بالمعاوضة المالية، كأن كل واحد منهما يبيع ما عنده من صاحبه، فمن طرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعدُ الثواب، ومن طرفهم التزام الطاعة، وقد تُعرَّف بأنها عقد الإمام والعهد بما يأمر الناس به.
قوله: «لا تشركوا بالله شيئًا» أي وحدوه، وهذا هو أصل الإيمان وأساس الإسلام؛ فلهذا قدَّمه على إخوانه، و«شيئًا» عام؛ لأنه نكرة في سياق النهي كالنفي.
قوله: «ولا تقتلوا أولادكم» فإن قلتَ: قتل غير الأولاد أيضًا منهي عنه إذا كان بغير حق، فتخصيصه بالذكر مُشعر بأن غيره ليس منهيًّا عنه.
قلتُ: هذا مفهوم اللفظ، وهو مردود على أنه لو كان من باب المفهومات المعتبرة المقبولة فلا حكم له هنا؛ لأن اعتبار جميع المفاهيم إنما هو إذا لم يكن خارجًا مخرج الغالب، وهنا هو كذلك؛ لأنهم كانوا يقتلون الأولاد غالبًا؛ خشية الإملاق، فخصص الأولاد بالذكر؛ لأن الغالب كان ذلك)، الأصل أن المفهوم معتبر، عند الجمهور المفاهيم معتبرة، لكن إذا عورض هذا المفهوم بمنطوق فهل يُعتد بالمفهوم؟
لا يعتد به؛ لأن المنطوق يقدم عليه، ومنطوقات النصوص الدالة على تحريم القتل للقريب والبعيد كلها تدل على المنع من قتل غير الأولاد أيضًا، يعني مما يذكر عن ابن حزم أنه قال: لو لم يكن في بر الوالدين إلا منع التأفيف لجاز قتلهما! يعني لو ما فيه إلا هذا النص ذا، ما يجوز أن تقل لهما: أف، لكن ما فيه ما يمنع القتل! كلام سهل أم لا؟
يقوله المسلمون؛ لأنهم استقر عندهم شناعة القتل، لكن أنت تصور المسألة ما فيها إلا هذا النص، وما فيه سابق علم أن القتل حرام، لكن القتل تحريمه معلوم من الدين بالضرورة، ولا يخفى لا على خاص ولا على عام، فالمقصود أن مثله لا يعارض به مفهوم، فالمنطوق مقدم على المفهوم. {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة: 80]، مفهومه أنه لو استغفر أكثر من واحد وسبعين مرة أنه يغفر لهم، لكن هذا معارض بمنطوق: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: 48]. فالمفهوم الأصل فيه أنه معتبر، لكن إذا عورض بما هو أقوى منه أُلغي، وكثيرًا ما تلغى المفاهيم بسبب هذا. وعلى هذا يكون التنصيص عليه خرج مخرج الغالب.
(التيمي)، الشارح يقول: (خُص القتل بالأولاد لمعنيين؛ أحدهما: أن قتلهم هذا أكثر من قتل غيرهم، وهو الوأد، وهو أشنع القتل. وثانيهما: أنه قتل وقطيعة رحم، فصرفُ العناية له أكثر.
قوله: «ولا تأتوا ببهتان»، البهات الكذب الذي يَبهت سامعه، أي يدهشه؛ لفظاعته، يقال: بهته بهتانًا إذا كذب عليه بما يبهته من شدة نكره، والافتراء: الاختلاق، والفرية: الكذب)، يعني أحيانًا يُكذب على الإنسان وما يتأثر كثيرًا، يُفترى عليه، لكن متعود على مثل هذه الفرية السهلة. لكن إذا جاءه طامة ودُهي بها، هذا بهتان: {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور: 16]. فالمقصود أن الكذب منه ما يتحمله الإنسان إذا افتُري عليه، لكن منه ما لا يستطيع تحمله، فلا بد من البراءة منه.
(فإن قلتَ: ما معنى الإطناب حيث قال: «تأتوا» ووصف البهتان بالافتراء، والافتراء والبهتان من واد واحد، وزيد عليه «بين أيديكم وأرجلكم»، وهلا اقتصر على: ولا تبهتوا الناس؟ قلتُ: معناه مزيد التقرير وتصوير بشاعة هذا الفعل.
فإن قلتُ: فما معنى)، هذه طريقة الكرماني أنه يورد إشكالات ويجيب عليها، أسئلة وأجوبة، يورد ما يستشكل ثم يجيب عليه، وقد يأخذها العيني بحروفها من الكرماني نفس الأسئلة، ولا يشير إلى أنه أخذها منه.
طالب: ..........
هو فرق بين أن يقتصر الضرر عليه وبين أن يتعداه إلى غيره، وفرق بين أن تكون الأذية لشخصه وأن تكون لوصفه، لو قُدر أنه من أهل العلم من له أثر، هذا ما يسمى انتصارًا للنفس، انتصارًا للعلم وللأثر الناتج عن هذا الشخص؛ لأنه يتسبب في حرمان الناس منه، هذا شيء. لكن إذا كان لشخصه لازم غير متعدٍّ، فهذا لولا ألا ينتصر لنفسه.
طالب: ..........
لا، إذا وصل إلى حد يهلك فيه شيء، فإذا كان مسألة كلام في عرض دون العرض، يعني مسألة مثلاً لفق عليه تهمة أو لفق عليه شيئًا يمكن احتماله، هذا يتجاوز.
طالب: ..........
ماذا؟
طالب: ..........
مع إمكان المدافعة، لكن هل تتصورن أن المسلم مطالب بأن يدافع عن كل شيء؟
طالب: ..........
هو لا ينتصر لنفسه، إلا أن تنتهك حرمات الله. أما الإنسان لشخصه فما له داعٍ أن يُتصدى لكل نابح يرد عليه، ما هو بصحيح.
(فإن قلتَ: فما معنى إضافته إلى الأيدي والأرجل؟
قلتُ: معناه لا تأتوا ببهتان من قِبل أنفسكم، واليد والرِّجل كنايتان عن الذات؛ لأن معظم الأفعال تقع بهما، وقد يعاقب الرَّجل بجناية قولية فيقال له: هذا بما كسبت يداك، أو معناه: لا تنشئوه من ضمائركم؛ لأن المفتري إذا أراد اختلاق قول فإنه يقدِّره ويقرره أولاً في ضميره)، يعني يزوره في نفسه (ومنشأ ذلك ما بين الأيدي والأرجل من الإنسان وهو القلب، والأول كناية عن إلقاء البهتان من تلقاء أنفسهم، والثاني عن إنشاء البهتان من دخيلة قلوبهم مبنيًّا على الغش المبطن.
الخطابي). جرت عادة كثير من المصنفين حذف قال، فيقتصرون على القائل، وحينئذٍ لا بد من ذكرها (قال الخطابي: معناه لا تبهتوا الناس بالمعايب كفاحًا ومواجهة، وهذا كما يقول الرجل: فعلت هذا بين يديك، أي بحضرتك. قال التيمي: هذا غير صواب من حيث إن العرب وإن قالت: فعلته بين أيدي القوم أي بحضرتهم، لم تقل فعلته بين أرجلهم، ولم يُنقل عنهم هذا ألبتة. وأقول: هو صواب؛ إذ ليس المذكور الأرجل فقط، بل المذكور الأيدي، وذكر الأرجل تأكيدًا له وتابعًا لذلك، فالمخطِّئ مخطِئ، والله أعلم، وهو كناية عن الوقاحة).
ذكرنا في حديث الكسوف، وأن النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- قال: «إن الشمس والقمر آيتان لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته»، هم زعموا أن الشمس تنكسف لموت عظيم، لكن ما فيه أحد زعم أنها تنكسف لحياته، فذكر الحياة بعد ذكر الموت إنما هو من باب التأكيد.
(وهو كناية عن الوقاحة وخرق جلباب الحياء، كما هو دأب السفلة من الناس، ولذلك قيل: هو أشد البهت، وحاصل هذا هو النهي عن قذف أهل الإحصان، قذف أهل الإحصان)، يعني ليس من الأدب النبوي ومن يقتدي به -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- أن يواجه أحدًا بما يسوؤه ولو كان فيه، وحيث يجوز الكلام فيه في غيبته لمبرر شرعي، فمواجته في الكلام ليست من خلق الإسلام، مواجهته بما يسوؤه، اللهم إلا إذا كان من باب التعزير لحاكم وشبهه فهذا شيء آخر، إذا كان تعزيرًا له وقصد بذلك. (
ولذلك قيل: هو أشد البهت، وحاصل هذا النهي عن قذف أهل الإحصان، ويدخل فيه الكذب على الناس والاغتياب لهم ورميهم بالعظائم وكل ما يلحق بهم العار والفضيحة.
قوله: «في معروف» أي حَسن، وهو ما لم ينهَ الشارع عنه، أو مشهور أي المأمور به، وقيل: أي الطاعة، وقال في النهاية: هو اسم جامع لكل ما عرف من طاعة الله والإحسان إلى الناس، وكل ما ندب الشرع إليه ونهى عنه من المحسنات والمقبحات)، يعني في المعروف والمنكر، (قال النووي: يحتمل في معنى الحديث: ولا تعصوني ولا أحدًا وُلي عليكم من أتباعي إذا أُمرتم بالمعروف، فيكون التقييد بالمعروف عائدًا إلى الأتباع، ولهذا قال: «لا تعصوا»، ولم يقل: تعصوني، ويحتمل أنه -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- أراد نفسه فقط، وقيَّد بالمعروف تطييبًا لنفوسهم؛ لأنه -عليه السلام- لا يأمر إلا بالمعروف)، (لا تعصوني ولا أحدًا وُلي عليكم في معروف).
وذكرنا أن هذا نظير: «قاتل الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»، اليهود لهم أنبياء، وقد ماتوا وقبروا، لكن النصارى ليس لهم إلا نبي واحد ولم يُقبر، كيف «اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»؟ يوضح ذلك الرواية الأخرى: «اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم»، فيكون الأنبياء لليهود، والصالحين للنصارى، أو على ما قال بعضهم: إن أنبياء اليهود أنبياء للنصارى.
(الكشاف)، يعني قال صاحب الكشاف وهو الزمخشري (في آية المبايعات، فإن قلتَ: لو اقتصر على قوله: لا يعصينك، فقد عُلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يأمر إلا بالمعروف؟
قلتُ: نبه بذلك على أن طاعة المخلوق في معصية الخالق جديرة بغاية التوقي والاجتناب. واعلم أنه ذَكر الاعتقاديات والعمليات كليهما، لكن اكتفى في الاعتقادية بالتوحيد؛ لأنه هو الأصل والأساس.
فإن قلتَ: فلِمَ ما ذَكر الإتيان بالواجبات واقتصر على ترك المنهيات؟ قلتُ: لم يقتصر، حيث قال: «ولا تعصوا في معروف»؛ إذ العصيان مخالفة الأمر، أو اقتصر لأن هذه المبايعة كانت في أوائل البعثة ولم تشرع الأفعال بعدُ)، يقول: (فإن قلتَ: فلِم قدم ترك المنهيات على فعل المأمورات؟ قلتُ: لأن التخلي عن الرذائل مقدم على التحلي بالفضائل)، والتخلية كما يقول أهل العلم قبل التحلية.
(فإن قلتَ: فلِم ترك سائر المنهيات ولم يقل مثلاً: ولا تقربوا مال اليتميم وغير ذلك؟ قلتُ: إما لأنه في ذلك الوقت لم يكن حرامًا آخر، أو اكتفى بالبعض ليقاس الباقي عليه، أو لزيادة الاهتمام بالمذكورات.
قوله: «فمن وفي» أي ثبت على ما بايع عليه، يقال بتشديد الفاء وتخفيفها.
قوله: «فأجره على الله» كلام على سبيل التفخيم نحو قوله تعالى: {فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [النساء: 100]. فإن قلتَ: لفظ الأجر مشعر بأن الثواب إنما هو مستحق)، «على الله» يعني مستحق واجب، يعني اللفظ يشعر بهذا، يعني هذا الإشكال الذي أورده: (فإن قلت: لفظ الأجر مشعر بأن الثواب إنما هو مستحق كما هو مذهب المعتزلة لا مجرد فضل كما هو مذهبنا، أعني معاشر أهل السنة، وكذا لفظ «على الله» ظاهر في وجوب الأجر والثواب على الله تعالى كما هو معتقد أهل الاعتزال القائلين بوجوب الثواب للمطيع.
قلتُ: إطلاق الأجر لأنه مشابه للأجر صورة؛ لترتبه عليه ونحوه، ولفظة «على» إنما هي للمبالغة في تحقق وقوعه كالواجبات، ومحصله أن اللفظين محمولان على خلاف الظاهر؛ لأن الدلائل العقلية)، كون الله -جَلَّ وعَلا- يوجب على نفسه شيئًا فضلاً منه وكرمًا وجودًا، أو يحرم على نفسه شيئًا رحمة بعباده وشفقة عليهم ورأفة بهم، لا يعني أنه يجب عليه ما لم يوجبه على نفسه كما يجب على غيره.
طالب: ..........
كيف؟
طالب: ..........
وغيرهم، أنه ما يجب على الله شيء.
طالب: ..........
ما وجب هذا شيء ثانٍ، هم ينكرون هذا، لكن يريد أن ينفي مذهب المعتزلة.
(ومحصّله أن اللفظين محمولان على خلاف الظاهر؛ لأن الدلائل العقلية والنصوص الشرعية دالة على أنه فضل وعلى أنه غير واجب على الله تعالى، وآخر الحديث يدل عليه أيضًا؛ إذ قوله: «فهو إلى الله تعالى» إشارة إلى أنه لا يجب عليه عقاب عاصٍ، وإذا لم يجب عليه هذا لم يجب عليه ثواب مطيع أيضًا؛ إذ لا قائل بالفصل)، يعني بالفرق يعني.
(قوله: «ومن أصاب من ذلك شيئًا»، مِن للتبعيض، وشيئًا عام؛ لأنه نكرة في سياق الشرط، صرَّح ابن الحاجب بأنه كالنفي في إفادة العموم لنكرة وقعت في سياقة، وفية إرشاد إلى أن الأجر إنما ينال بالوفاء بالجميع، والعقاب إنما ينال بترك أي واحد كان من ذلك؛ لأن معنى الوفاء الإتيان بجميع ما التزمه من العهد)، يعني قرّر شيخ الإسلام -رَحِمَهُ اللهُ- في مسألة المأمور به والمنهي عنه، المأمور به لا يترتب عليه ثوابه إلا إذا جيء بجميع أجزائه، والمنهي عنه، يعني المأمور به لا يتأدى إلا إذا أتي به بكامله، والمنهي عنه يتجه النهي إلى أفراده وبعض حقائقه، ويمثل على ذلك بالنكاح، يقول: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج»، هذا أمر، هل نقول: إن هذا الأمر يتأدى بالعقد أو بالوطء أو لا بد منهما جميعًا؟ لا بد منهما جميعًا وإلا ما تم الامتثال، يقول: أنا واللهِ عقدت فأنا نكحت، أو يقول: أنا وطأت من غير عقد فأنا امتثلت، ما هو بصحيح. لكن المنهي عنه: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} [النساء: 22]، {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} [النساء: 23]، العقد بمفرده حرام، والوطء بمفرده حرام.
طالب: ..........
أين؟
طالب: ..........
نعم، «فأتوا ما استطعتم»؛ لأن عدم الاستطاعة تخرجه عن كونه مأمورًا.
طالب: ..........
نعم.
طالب: ..........
عدم القدرة؛ لأن شرط الوجوب القدرة والاستطاعة.
(فإن قلتَ: هذا لا يصح في الشرك؛ إذ لا يسقط العذاب في الآخرة عنه بعقوبته عليه في الدنيا بالقتل وغيره، ولا يصير كفارة له، ولا يعفو الله عنه قطعًا إن مات على الشرك؟ قلتُ: عموم الحديث مخصوص بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: 48]، وبالإجماع، أو لفظ ذلك إشارة إلى غير الشرك بقرينة الستر، فإنه يستقيم في الأفعال التي يمكن إظهارها وإخفاؤها، وأما الشرك أي الكفر فهو من الأمور الباطنة فإنه ضد الإيمان وهو التصديق القلبي على الأصح)، وتقدم ما فيه في شرح الترجمة.
نعم.
يقول -رَحِمَهُ اللهُ-: (قال الطيبي: قالوا المراد منه المؤمنون خاصة؛ لأنه معطوف على قوله: «فمن وفي» وهو خاص به؛ لقوله: «منكم»، تقديره: ومن أصاب منكم أيها المؤمنون «من ذلك شيئًا فعوقب في الدنيا» أي أقيم الحد عليه، لم يكن له عقوبة لأجل ذلك في القيامة، وهو ضعيف؛ لأن الفاء في: «فمن وفي» لترتيب ما بعدها على ما قبلها، والضمير في «منكم» للعصابة المعهودة، فكيف يخصص الشرك بالغير؟
فالصحيح أن المراد بالشرك الرياء؛ لأنه الشرك الخفي، قال تعالى: {وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110]، ويدل عليه تنكير «شيئًا» أي شركًا أيًّا ما كان. وأقول: عُرف الشارع يقتضي أن لفظ الشرك عند الإطلاق يُحمل على مقابل التوحيد، سيما في أوائل البعثة وكثرة عبدة الأصنام.
قوله: «فهو» أي فالعقاب أي الحد «كفارة له»، أي يسقط عنه الأثم حتى لا يعاقَب في الآخرة)، ثم قال: (ذهب أكثر العلماء إلى أن الحدود كفارات؛ استدلالاً بهذا الحديث، ومنهم من توقف؛ لما روى أبو هريرة -رَضِيَ اللهُ عنهُ- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا أدري الحدود كفارة أم لا؟»، والجواب: أن حديث أبي هريرة قد يكون قبل حديث عبادة، فلم يعلم ثم علم بعد ذلك؛ قاله النووي في شرح مسلم.
قوله: «فهو إلى الله» أي حكمه)، وتقدم ما في هذا الكلام من مناقشة للحافظ ابن حجر، وأن أبي هريرة أسلم بعد ذلك، لكن لا يمنع أن يكون تلقَّاه من صحابي متقدم الإسلام، لكن كيف يسوقه أبو هريرة مع أنه استقر غيره، وهو منسوخ؟ يعني أبو هريرة يروي حديث: «لا أدري الحدود كفارة أم لا؟»، وهذا الحديث نص على أن الحدود كفارات؟ الجواب الذي عندنا الذي قاله النووي: (والجواب أن حديث أبي هريرة قد يكون قبل حديث عبادة، فلم يعلم ثم علم بعد ذلك؛ قاله النووي في شرح مسلم)، في كثير من القضايا قيل مثل هذا: إن أبا هريرة ما سمعه مباشرة من النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- وإنما تلقَّاه بواسطة من أسلم وسمع الخبر قديمًا، لكن مثل هذا الخبر المنسوخ يتلقاه أبو هريرة بواسطة ثم يلقيه كما هو وهو منسوخ، أو يقال: إن حديث عبادة خفي على أبي هريرة فساقه؟
(قوله: «فهو إلى الله» أي حكمه من الأجر والعقاب مفوض إلى الله. ثم اعلم أن مذهب أهل السنة أن من ارتكب كبيرة ومات قبل التوبة إن شاء الله عفا عنه ويدخله الجنة أول مرة، وإن شاء عذبه في النار ثم يدخله الجنة، وقالت المعتزلة: صاحب الكبيرة إذا مات بغير توبة لا يعفى عنه ويخلد في النار، وهذا دليل عليهم؛ لأنهم يوجبون العقاب على الكبائر قبل التوبة والعفو عنها بعدها.
الطيبي: وفيه أيضًا إشارة إلى أنه لا تجوز الشهادة بالجنة ولا بالنار لأحد بعينه إلا من ورد فيه النص كالعشرة المبشرة وغيرهم -رضي الله عنهم-).
طالب: أحسن الله إليك، هل يوجد مانع أن يروي الراوي ..........
إذا خفي عليه نسخه، إذا خفي عليه أو علم أن الحجة قامت برواية غيره.
نعم.
طالب: ..........
أيهم؟
طالب: ..........
ثبت، ثبت.
طالب: ..........
لا، خطب وانتهى، ما الذي منعه؟
طالب: ..........
إذا وجد ما يمنع خارجًا عن قدرته وإرادته فهذا معروف، كما إذا مُنع من أي الواجبات، لكن إذا تيسرت له الأسباب ولا نفَّذ ما أمر الله به.
طالب: ..........
ماذا؟
طالب: ..........
نعم.
طالب: ..........
يعني يصير وصفًا كاشفًا لا مفهوم له.
طالب: ..........
ماذا؟
طالب: ..........
لا هذا ما فيه معصية، أمور الدنيا ما فيها معصية.
طالب: ..........
المعصية فيما فيه إثم.
نرى إن كان عند العيني شيء أم ننهي الحديث.
يعني فيه شيء من التفصيل لبعض المسائل.
نحتاج إلى وقت.
لعل ما سمعناه من الشروح السابقة فيه كفاية لشرح هذا الحديث.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول: هل نجيب على حديث أبي هريرة -رَضِيَ اللهُ عنهُ- بأن الكفارات لم تكن نزلت يومئذ؟
كيف ما نزلت يومئذ ويوم وجودها في العقبة، وأبو هريرة أسلم عام خيبر سنة سبع، هل نجيب على حديث أبي هريرة -رَضِيَ اللهُ عنهُ- بأن الكفارات لم تكن نزلت يومئذ؟ كفارات ماذا؟ يعني الحدود؟ هذا الكلام ما هو بصحيح.
طالب: ..........
لا، يعني حينما أجاب أهل العلم عن حديث أبي هريرة، مع أن بعضهم لا يثبته، حتى لو ثبت وأردنا الترجيح لا شك أن ما في الصحيحين أصح وأرجح وأولى، ولا يعارض به حديث لا يكون في الصحيحين.
على كل حال الأجوبة على فرض ثبوته أن يقال: إن أبا هريرة تلقاه ممن سمعه من النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- في أول الأمر.
طالب: ..........
نعم، تكلموا فيه.
يقول: رجل حول سيارته باسم آخر، باسم رجل آخر، واتفق معه على أن يذهب للبنك ويطلب منهم أن يشتروها لهم ويبيعوها على الرجل الأول بأقساط، ويأخذ المبلغ الذي دفعه البنك للرجل التالي؟
هذا تلاعب في الأحكام، هذا عبث وتحايل على ما حرم الله -جَلَّ وعَلا-، الآن يحول الاستمارة قبل أن يبيعها على البنك، ثم يتفق مع هذا الرجل، ثم يذهب إلى البنك؛ ليشتريها له؟ هذا لا يجوز بحال.
هذا يسأل عن طبعة بشار عواد معروف للموطأ الإمام مالك؟
طبعته جيدة، يعني أفضل من محمد فؤاد عبد الباقي.
كثير من الإخوان يسألون عن الأوضاع الدائرة في البلدان المجاورة في مصر وسوريا واليمن وليبيا؟
هذه أمور قد لا يكون التصور عنها لمن بعد كافيًا لإصدار حكم دقيق تبرأ به الذمة ويترتب عليه سفك دماء، لكن إذا وُجد من تبرأ الذمة بتقليده من أهل تلك البلاد فليقلَّد، أما من بعُد عنهم بحيث لا يعرف أوضاعهم ولا ظروفهم، وكلمة واحدة قد تُزهق بها أرواح من شخص لا يتبين حقيقة الأمر، في مثل هذه الظروف أنا لا أستطيع أن أتكلم في هذه الموضوعات. نعم حرمة القتل لا أحد يشك فيها، كل مسلم يعتقد ذلك: أن قتل المسلم حرام. لكن يبقى أنه متى يُقتل؟ إذا بغى، إذا اعتدى، إذا فعل... إلى آخره، كل شيء له حدوده وضوابطه وشروطه وقواعد الشرعية.
وعلى كل حال مثل هذه الأمور تحتاج إلى تصور كافٍ لإصدار الحكم الشرعي الدقيق، ومثل ما قلنا مرارًا في مناسبات كثيرة: إذا كان من أهل العلم من تبرأ الذمة بتقليده علمًا وعملاً وورعًا فليقلد. وأما بالنسبة للبعيد فالتصور كافٍ لا سيما وأن الأمور يحتفّ بها كثير من الأمور التي تخفى. بعض الناس يعتمد ما يقال في وسائل الإعلام، ووسائل الإعلام بيد من؟ مشكلة.
وبعض الناس يعتمد على تحليلات تقودها أهواء. فعلى الإنسان أن يتقي الله -جَلَّ وعَلا-، ويستحضر: من أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمة، الإنسان قد يلقي بفتوى لا يلقي لها بالًا ويلقي بها في خضم أحداث وغمار نزاع طويل لا يُعرف أوله من آخره، ثم بعد ذلك في النهاية إذا احتدمت الأمور وحمي الوطيس ندم ولات ساعة مندم.
طالب: ..........
على كل حال: معروف كلام أهل العلم في مسألة المزاحمة، مزاحمة الأخيار للأشرار، والأخذ بشيء من هذا الأمر؛ لتخفيف الشر على المسلمين، من أهل العلم من يراه ويزاحم، ولو وُجد مع ذلك دخن، ولو وُجدت مخالفات، لكن ما يتحقق من المصالح أكثر. هذا منهج معروف عند أهل العلم، ويفتى به عند كثير من الناس، ودخول المجامع، ودخول البرلمانات، ودخول المجالس التي قد يمرر من طريقها بعض الأمور التي لا يجوز تمريرها، لكن كسبًا للمصالح الراجحة يقولون بمثل هذا.
ومن أهل العلم من هو صاحب تحرٍّ، يقول: لا يمكن أن يمر عن طريقي ولا عن طريق من أفتيه شيء محرم، ولو كثرت المصالح، ولو غلبت، لو حقق مائة مصلحة، ومر مسألة محرمة أجيزت من طريقه. يقول: أهم ما على الإنسان نجاته ولا عليه من غيره، وفي مثل هذه الحال تُفضل العزلة على هذا القول.
ولا شك أن المسألة اجتهادية، ومن أهل العلم حتى ممن نعرف من أهل العلم والعمل يقولون: ادخلوا في البرلمانات، وزاحموا الأشرار، وخذوا للمظلوم حقه من الظالم، وقفوا في وجه كثير من الشرور والمنكرات، ولا شك أن هذا له رصيد من الواقع، يعني رأينا بعض من دخل من الأخيار صار له أثر، لكن الإشكال في كونه يمر عن طريقه شيء محرم، هذا الإشكال، ويقر عن طريقه شيء محرم؛ لأنه لا يستطيع أن ينظِّف الأمور مائة بالمائة وهو واحد من مجموعة والمسألة تصويت. وأنا ميلي إلى طريقة أهل التحري، أنه ما دام يأتيك من هذا الباب ريح يقول: سده واسترح، لا يمر من عندك ما حرم الله مهما كثرت المصالح.
نعم.
طالب: ..........
في فتاوى الشيخ محمد رشيد رضا سأله علماء من الهند، علماء شرعيون فقهاء ومحدثون، سألوه عن حكم الدخول في القضاء في ظل الاحتلال البريطاني، والقانون قانون بريطاني؟ فقال: إذا كان وجودكم في هذا المرفق يخفِّف على المسلمين، ويستخرج بعض حقوقهم فهو أحسن من لا شيء، أحسن من ضياع جميع الحقوق. ولا شك أن مثل هذا فيه سعة في الخطو، لأن هذا ما له نهاية، ما تدري ما الحد الفاصل الذي يمكن أن يُقبل، والحد الذي لا يمكن أن يُقبل.
طالب: ..........
ماذا؟
طالب: ..........
لا، إذا قلنا مثل هذا جرى على أمور كثيرة جدًّا، عندهم وعند غيرهم، نعم، يعني مثل الخروج في القنوات، بعض الناس يقول: أنا أزاحم الشر وأخاطب ناسًا ما يجيئون للمساجد، ويقحم نفسه في قنوات خليط فيها الحلال، وفيها الحرام، وفيها الشبهات، وفيها شهوات، يقول: لا، أنا صوتي يصل، والرسول -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- غشى قريشًا في مجامعهم ومجالسهم، وكثير من الناس من بيوتهم نظيفة ما فيها آلات، فإذا قالوا: واللهِ الشيخ الفلاني يطلع في القناة الفلانية، اكتسبت الشرعية من طلوعه، وغرر به أناس واشتروها واقتنوها. قال: هذه قناة يطلع فيها المشايخ وأهل العلم، مع الغفلة الشديدة من عامة الناس عن خفايا الأمور، ما يدرون أنهم يخاطبون بعض المغفلين الذين ما يدركون حقائق الأمور، يعني يصل الحد إلى امرأة تقول: واللهِ ما دام المشايخ يسهرون فأنا سأسهر، لو السهر ليس بزين ما سهروا، الشيخ فلان الساعة ثنتين البارحة بإذاعة القرآن! عادة أنه نائم له ساعات!
فمثل هؤلاء يتغررون بمثل هؤلاء. وهم إن كان عندهم حاجز قوي دون هذه الشرور ذابت بسبب خروج بعض من يدعي أنه يخفف الشر؟ نعم، يخفف الشر، نحن لا ننكر ذلك. لكن ما ألزم ما على الإنسان؟ ألزم ما على الإنسان نجاة نفسه.
طالب: ..........
لا، هم دعواهم لها شيء من الواقع، يقول لك: أناس ما يحضرون المساجد، كيف ندعوهم كيف نخاطبهم؟ والرسول -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- ذهب إلى مجتمعات قريش وهم يزاولون شركهم ودعاهم إلى الإسلام.
طالب: ..........
على كل حال أنا رأيي أنا الحزم، وإلا فغيري يلقون من يفتيهم، وما فيهم قلة بعد، هم موجودون.
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"