كتاب الإيمان (11)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
طالب: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.
ففي شرح الباب من شرح ابن رجب يقول –رحمه الله تعالى-: فصلٌ":
كأنه جعل هذا الباب فصلًا من الذي قبله، وبهذا خرج من الإشكال الذي أُورِد على الترجمة الفاصلة بين الترجمة الأولى والحديث المطابق لنفس الترجمة.
طالب:........
هو فصل زيادة من الشارح وإلا فالأصل أن كلمة "فصل" لا تُوجد في الأصل، فالمؤلف –رحمه الله- أراد أن يجعل أن هذا الباب الذي يُوجد في بعض النسخ الأولى أن يُقال: فصل، وليس بباب؛ لأنه داخلٌ في الذي قبله، وكما سمعنا كثير من النسخ بل النسخ العتيقة الموثَّقة ليس فيها باب، ولو كان باب بدون ترجمة؛ لأن في رواية أبي ذر بابٌ دعاؤكم إيمانكم في هذه الترجمة، ولو كان بدون ترجمة بابٌ فقط، لكان بمنزلة الفصل من الذي قبله كما قرَّره الشراح ومنهم ابن حجر.
"فصلٌ قال الله تعالى: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ} [الفرقان:77] قال البخاري: ومعنى الدعاء في اللغة: الإيمان".
يقول ابن رجب –رحمه الله-: "اعلم أن أصل الدعاء في اللغة: الطلب، وهو استدعاءٌ لما يطلبه الداعي ويؤثِر حصوله، فتارةً يكون الدعاء بالسؤال من الله –عزَّ وجلَّ- والابتهال إليه كقول الداعي: اللهم اغفر لي، اللهم ارحمني، وتارةً يكون بالإتيان بالأسباب التي تقتضي حصول المطالب، وهو الاشتغال بطاعة الله وذِكره، وما يجب من عبده أن يفعله وهذا هو حقيقة الإيمان".
يعني قد يستغرب السامع أو القارئ قول البخاري: "ومعنى الدعاء في اللغة: الإيمان" على المعنى الثاني الذي ذكره ابن رجب يظهر معنى قول البخاري.
قال: "وتارةً يكون بالإتيان بالأسباب التي تقتضي حصول المطالب وهو الاشتغال بطاعة الله وذِكره، وما يجب من عبده أن يفعله وهذا هو حقيقة الإيمان".
يعني بالإيمان تُستجلب المطالب، فكأن الإيمان هو الدعاء، والدعاء هو الإيمان؛ لأن مؤدَّاه حصول المطلوب، المطلوب إنما يُطلب صراحةً بالدعاء، ويُطلب حكمًا بالإيمان، بطاعة الله وذكره وما يجب على العبد أن يفعله، كما قال ابن رجب –رحمه الله-. يعني وإن لم يكن لفظه لفظ دعاء، إنما مؤدّاه وحاصله مثل ما يُطلب بالدعاء.
الآن اليمين والحلف أليس لها صيغة معينة وحروف محددة في لغة العرب والشرع أيضًا؟ إذا كان مُفاد الكلام ما يُفيده اليمين يسموه يمينًا، يسموه حلفًا، فإذا قال الرجل لامرأته: إن فعلتِ كذا فأنتِ طالق، إن لم تفعلي كذا فأنتِ طالق، مُفاد هذا التعليق هو ما يُفيده اليمين من الحث أو المنع، فقالوا: هذا هو الحلف بالطلاق.
بعض من لم يتحقق الأمر ولم يُدقق فيه يقول: إن الحلف بالطلاق شِرك، وسمعناه من طلاب علم؛ لأنه حلفٌ بغير الله، لكن هل هو حقيقته حقيقة حلف يمين أو أن مُفاده مُفاد اليمين من الحثِّ على فعل الشيء أو الامتناع منه، الحث على الفعل أو المنع، إذا أراد من زوجته أن تفعل قال: إن لم تفعلي كذا فأنتِ طالق، وإن أرادها ألا تفعل قال: إن فعلتِ كذا فأنتِ طالق كأنه قال: والله ما تفعلين هذا، والله أن تفعلي هذا، فمؤداه مؤدّى اليمين وليس هو في حقيقته يمينًا.
نعم، بعض الناس يجعل اليمين في قلبه، يجعل الطلاق في قلبه معظَّمًا كتعظيم اليمين كتعظيم الحلف بالله، المرأة هل هي تُعظِّم الطلاق أو تخاف من الطلاق؟ تخاف منه، وليس خوفها خوف تعظيم ليكون مثل اليمين، فالمرأة التي تخاف من الطلاق خوفًا لا شك أنه جبلي مثل الخوف من السِّباع، هل نقول: إن الذي يخاف من الأسد صرف نوعًا من أنواع العبادة لغير الله التي لا تنبغي إلا لله وهي الخوف؟
الخوف جبلي، ما يُقال هذا، كما أن المرأة إذا خافت من اليمين ليس تعظيمها لهذه اليمين كتعظيم الله –جلَّ وعلا- في قولها: والله، أو قول زوجها: والله لتفعلن كذا، وإنما سُمي حلفًا بالطلاق؛ لأن مُفاده ومؤداه...
طالب: ما تفيده اليمين.
ما تفيده اليمين من الحث أو المنع.
طالب:........
تحريمه ما هو من جهة التعظيم كتعظيم اليمين بالله أو بغير الله.
طالب:........
إذا لم يُقصد به الطلاق..
طالب: فهو له.
فهو له، هو الذي عند أهل العلم يُكفَّر، لكن إذا قُصِد الطلاق ولو علَّقه بما يدل على الحث أو المنع؛ لأنه يقصد طلاق زوجته، ويُريد فراقها، فهو يُريد لهذا الفراق أدنى سبب مادام يُريد فراقها يقع الطلاق، إن كان لا يُريد فراقها، وإنما يُريد حثها ومنعها فهو يمين.
طالب:........
يقول بالثلاث، ما نسمع بالطلاق إنما بالثلاث، يعني لا يُريد بذلك القسم، ولا يُريد بهذا الحلف بالطلقات الثلاث.
قال –رحمه الله-: "وفي (السنن الأربعة) عن النعمان بن بشير، عن النبي- صلي الله عليه وسلم- قال: «إن الدعاء هو العبادة»".
طالب:........
"قال البخاري ومعنى الدعاء في اللغة: الإيمان" في اللغة، وكلام ابن رجب مُنصب على المعنى الشرعي، لا شك أنه قد تكون الحقائق اللغوية مع الشرعية متطابقة، قد تتطابق، وإن كان الأصل في الحقائق اللغوية أنها أخص، ثم يُزاد على الحقيقة اللغوية من أجل الحقيقة الشرعية زيادة قيود وشروط.
قال –رحمه الله-: "وفي (السنن الأربعة) عن النعمان بن بشير، عن النبي- صلي الله عليه وسلم- قال: «إن الدعاء هو العبادة» ثم قرأ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:60] فما استجلب العبد من الله ما يحب واستدفع منه ما يكره بأعظم من اشتغاله بطاعة الله وعبادته وذكره وهو حقيقة الإيمان، فإن الله يدافع عن الذين آمنوا.
وفي الترمذي عن أبي سعيدٍ عن النبي -صلي الله عليه وسلم- قال: «يقول الرب –عزَّ وجلَّ -: من شغله القرآن عن ذكري ومسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين» لكن معروف أن الحديث ضعيف.
"قال بعض التابعين: لو أطعتم الله ما عصاكم، يعني ما منعكم شيئًا تطلبونه منه، وكان سفيان يقول: الدعاء ترك الذنوب، يعني الاشتغال بالطاعة عن المعصية، وأما قوله تعالى: {مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ} [الفرقان:77] فيه للمفسرين قولان:
أحدهما: أن المراد: لولا دعاؤكم إياه، فيكون الدعاء بمعنى الطاعة كما ذكرنا.
والثاني: لولا دعاؤه إياكم إلى طاعته كما في قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] أي: لأدعوهم إلى عبادتي، وإنما اختلف المفسرون في ذلك؛ لأن المصدر يُضاف إلى الفاعل تارةً، وإلى المفعول أخرى".
طالب:........
ما فيه شك، يعني ما فيه فرق حينما يقول العلماء في الحديث حتى الجارية التي ذبحت الشاة جارية كعب في الحديث جواز ذبح المرأة، هل المصدر مضاف إلى الفاعل أو المفعول؟
طالب:........
نعم إلى الفاعل، وجواز ذبح الشاة إلى المفعول، فالمرأة ذابحة، والشاة مذبوحة.
طالب:........
كعب، كعب.
قال: "وإنما اختلف المفسرون في ذلك؛ لأن المصدر يُضاف إلى الفاعل تارةً وإلى المفعول أخرى.
فصلٌ: خرَّج البخاري من حديث عكرمة بن خالد، عن ابن عمر، عن النبي -صلي الله عليه وسلم- قال: «بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ»، وهذا الحديث دل على أن الإسلام مبنيٌّ على خمس أركان، وهذا يدل على أن البخاري يرى أن الإيمان والإسلام مترادفان".
لأنه ما معنى بُني الإسلام على خمس، والكتاب كتاب الإيمان؟ يعني لو أراد الإيمان بمعناه الخاص لأورد ما يتعلق بالإيمان من حديث جبريل «الإيمان: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله...» إلى آخره.
"وهذا الحديث دل على أن الإسلام مبني على خمسة أركان، وهذا يدل على أن البخاري يرى أن الإيمان والإسلام مترادفان".
وسيأتي بيان ذلك بالتفصيل إن شاء الله تعالى.
طالب:........
سيأتي كلام البخاري صريحًا، كلامه في أنهما مترادفان، ومحمد بن نصر المروزي، وجمع من أهل العلم يرون ذلك..
طالب:........
«بُني الإسلام» والكتاب كتاب الإيمان.
طالب:........
أو لماذا اختار لفظ الإسلام، وترك ما يدل على الإيمان، من النصوص الأخرى ما هو أخص؟
طالب:........
ومع ذلك أُفرِد لفظ الإسلام، لكن الأركان، أركان الإسلام الخاص أم الأركان الذي يدخل فيه الإيمان؟
طالب: الخاص.
إذًا انتهى الإشكال.
"ومعنى قوله -صلي الله عليه وسلم- «بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ»: أن الإسلام مثله كمثل البنيان، وهذه الخمس دعائم البنيان، وأركانه التي يثبت عليها البنيان، وقد رُوي في لفظٍ: «بُني الإسلام على خمس دعائم» خرَّجه محمد بن نصرٍ المروزي.
وإذا كانت هذه دعائم البنيان وأركانه، فبقية خصال الإسلام كبقية البنيان، فإذا فُقِد شيءٌ من بقية الخصال الداخلة في مسمى الإسلام الواجب نقص البنيان ولم يسقط بفقده.
وأما هذه الخمس، فإذا زالت كلها سقط البنيان ولم يثبت بعد زوالها، وكذلك إن زال منها الركن الأعظم وهو الشهادتان، وزوالهما يكون بالإتيان بما يضادهما ولا يجتمع معهما.
وأما زوال الأربع البواقي: فاختلف العلماء هل يزول الاسم بزوالها أو بزوال واحدٍ منها؟ أم لا يزول بذلك؟ أم يفرَّق بين الصلاة وغيرها، فيزول بترك الصلاة دون غيرها؟ أم يختص زوال الإسلام بترك الصلاة والزكاة خاصةً؟
وفي ذلك اختلافٌ مشهور، وهذه الأقوال كلها محكيةٌ عن الإمام أحمد".
يعني تكفير تارك أحد الأركان الأربعة العملية رواية في المذهب، وقولٌ عند المالكية، وكثيرٌ من علماء أهل الحديث يرى تكفير تارك الصلاة.
طالب: كلها يا شيخ؟
طالب: حتى الصيام؟
حتى الصيام، وكثير من العلماء... لأن الركن مؤثر مثل أركان الصلاة لو تركت ركنًا من أركان الصلاة، والركن جانب الشيء الأقوى.
"وكثيرٌ من علماء أهل الحديث يرى تكفير تارك الصلاة، وحكاه إسحاق بن راهويه إجماعًا منهم حتى إنه جعل قول من قال: لا يكفر بترك هذه الأركان مع الإقرار بها من أقوال المرجئة، وكذلك قال سفيان بن عُيينة: المرجئة سموا ترك الفرائض ذنبًا بمنزلة ركوب المحارم، وليسا سواء؛ لأن ركوب المحارم متعمّدًا من غير استحلال معصية، وترك الفرائض من غير جهلٍ ولا عذر كفرٌ".
وعلى هذا يكون ترك الأمر أعظم من فعل المحظور أو العكس؟
طالب: ترك الأمر أعظم.
أعظم، وكل هذا استنادًا إلى قصة آدم مع إبليس، نظروا إلى هذه القصة، وأن آدم ذنبه فعل محظور، وإبليس ترك مأمور، وطرقنا هذه المسألة مرارًا، وأنه لا يُقال بقولٍ مطرد أن هذا أعظم من هذا، ولا هذا أعظم من ذاك، والجمهور على أن فعل المحظور...
طالب: أشد.
أشد من ترك المأمور؛ لأنه جاء في الحديث «إذا نهيتكم عن شيءٍ فاجتنبوه، إذا أمرتكم بشيءٍ فأتوا منه ما استطعتم»، والسياق يدل على أن ترك المأمور أخف، لكن يبقى أن كل شيءٍ بحسبه، فمن المأمورات ما هي عظائم، ومن المحظورات ما هي عظائم.
يعني لو قيل لشيخ الإسلام: أيها أشد حلق اللحية أو عدم صبغها، تغييرها، تغيير الشيب، أو حتى من يقول بقول شيخ الإسلام؟ حلقها ارتكاب محظور، وعدم صبغها وتغيير الشيب ترك مأمور، أيهما أشد؟
طالب:........
بلا شك أن الحلق أشد، وكثير من الأمور تجري على هذا، فيُنظر إلى كل مسألةٍ بعينها.
"وبيان ذلك في أمر آدم وإبليس، وعلماء اليهود الذين أقروا ببعث النبي -صلي الله عليه وسلم- بلسانهم، ولم يعملوا بشرائعه.
وروي عن عطاءٍ ونافع مولى ابن عمر أنهما سُئلا عمن قال: الصلاة فريضة، ولا أصلي، فقالا: هو كافر، وكذا قال الإمام أحمد.
ونقل حربٌ عن إسحاق قال: غلت المرجئة حتى صار من قولهم: إن قومًا يقولون: من ترك الصلوات المكتوبات وصوم رمضان والزكاة والحج وعامة الفرائض من غير جحودٍ لها لا نكفره، يُرجى أمره إلى الله بعد، إذ هو مقرٌ، فهؤلاء الذين لا شك فيهم يعني في أنهم مرجئة، وظاهر هذا أنه يكفر بترك هذه الفرائض.
وروى يعقوب الأشعري، عن ليثٍ، عن سعيد بن جبير قال: من ترك الصلاة متعمدًا فقد كفر، ومن أفطر يومًا في رمضان متعمدًا فقد كفر، ومن ترك الحج متعمدًا فقد كفر، ومن ترك الزكاة متعمدًا فقد كفر.
ويُروى عن الحكم بن عتيبة نحوه، وحُكي روايةً عن أحمد اختارها أبو بكر من أصحابه، وعن عبد الملك بن حبيب المالكي مثله، وهو قول أبي بكر الحميدي.
وروي عن ابن عباسٍ التكفير ببعض هذه الأركان دون بعض، فروى مؤمل، عن حماد بن زيدٍ، عن عمرو بن مالكٍ النكري، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباسٍ -ولا أحسبه إلا رفعه- قال: عُرى الإسلام وقواعد الدين ثلاثة عليهن أُسس الإسلام: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وصوم رمضان، من ترك منها واحدةٌ فهو بها كافرٌ حلال الدم، وتجده كثير المال لم يحج فلا يزال بذلك كافرًا، ولا يحل دمه، وتجده كثير المال لا يزكي فلا يزال بذلك كافرًا ولا يحل دمه".
الآن هو يقول: ثلاثة، التكفير ببعض هذه الأركان، فذكر شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وصوم رمضان، من ترك منها واحدة فهو كافر حلال الدم، لكن بالنسبة للحج والزكاة يكفر، ولا يحل دمه، لما ذكر الثلاث: الشهادة والصلاة والصوم "من ترك منها واحدة فهو بها كافرٌ حلال الدم، وتجده كثير المال لم يحج فلا يزال بذلك كافرًا ولا يحل دمه، وتجده كثير المال لا يزكي فلا يزال بذلك كافرًا ولا يحل دمه".
طالب:........
كأنه بهذا لا يحل دمه، يعني أنه ليس بكافر كفرًا مُخرجًا عن الملة.
طالب: كأن الأدلة على خلافه.
لا شك أن الزكاة أشد من الصيام.
طالب: والحج أشد من الصيام.
الحج على الخلاف.
طالب:........
ولذلك ما أخرجه منه، لكنه في البداية ثلاث، "وقواعد الدين ثلاثٌ عليهن أُسس الإسلام".
طالب:........
على كل حال المال شرطٌ فيها، هذا شرط في توجهها إلى المكلف.
طالب:........
نعم.
طالب:........
ماذا فيه؟
طالب:........
نعم على كلامه إذا تعمد مثل ما يُكفِّرون بترك صلاة واحدة، والجمهور على خلاف ذلك، حتى ممن يقول بالتكفير، يقول: يكفر إذا ترك بالكلية، وبعضهم يقول: بمجرد تعمد إخراجها عن وقتها يكفر، وعلى هذا لا يقضيها إذا أخرجها متعمدًا عن وقتها، والجمهور على أنها تُقضى، ولو كانت تعمدًا، بل نُقل عليه الاتفاق على القضاء، وابن حزم نقل الاتفاق على عدم القضاء.
"ورواه قتيبة عن حماد بن زيدٍ فوقفه، واختصره ولم يتمه، ورواه سعيد بن زيدٍ -أخو حماد- عن عمرو بن مالكٍ ورفعه، وقال: من ترك منهن واحدةً فهو بالله كافر، ولا يُقبل منه صرفٌ ولا عدلٌ، وقد حل دمه وماله، ولم يزد على ذلك.
والأظهر: وقفه على ابن عباس، فقد جعل ابن عباس ترك هذه الأركان كفرًا، لكن بعضها كفر يُبيح الدم، وبعضها لا يُبيحه، وهذا يدل على أن الكفر بعضه ينقل عن الملة، وبعضه لا ينقل.
وأكثر أهل الحديث على أن ترك الصلاة كفرٌ دون غيرها من الأركان كذلك حكاه محمد بن نصر المروزي وغيره عنهم.
وممن قال بذلك: ابن المبارك، وأحمد -في المشهور عنه- وإسحاق، وحكى عليه إجماع أهل العلم -كما سبق-، وقال أيوب: ترك الصلاة كفرٌ لا يُختلف فيه. وقال عبد الله بن شقيق: كان أصحاب رسول الله -صلي الله عليه وسلم- لا يرون شيئًا من الأعمال تركه كفرٌ غير الصلاة. خرَّجه الترمذي.
وقد رُوي عن عليٍّ وسعدٍ وابن مسعود وغيرهم قالوا: من ترك الصلاة فقد كفر. قال عمر: لاحظ في الإسلام لمن ترك الصلاة.
وفي صحيح مسلم عن جابر عن النبي -صلي الله عليه وسلم- قال: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة».
وخرَّج النسائي، والترمذي، وابن ماجه من حديث بريدة، عن النبي -صلي الله عليه وسلم- قال: «العهد الذي بيننا وبينهم: الصلاة، فمن تركها فقد كفر». وصححه الترمذي وغيره.
ومن خالف في ذلك جعل الكفر هنا غير ناقلٍ عن الملة كما في قوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:44].
فأما بقية خصال الإسلام والإيمان فلا يخرج العبد بتركها من الإسلام عند أهل السُّنَّة والجماعة".
"خصال الإسلام والإيمان" هل المراد بخصال الإيمان أركانه الستة أو شُعبه؟
طالب: شعبه.
كيف شُعبه؟
"فأما بقية خصال الإسلام والإيمان فلا يخرج العبد بتركها من الإسلام عند أهل السُّنَّة والجماعة".
طالب:........
كلها بالإجماع، الأركان الستة من ترك واحدة منها كفر بالاتفاق، فلعله يقصد بذلك الشُّعب، وما عدا الخصال الخمس من خصال الإسلام.
طالب:........
نعم.
"وإنما خالف في ذلك الخوارج ونحوهم من أهل البدع.
قال حذيفة: الإسلام ثمانية أسهم: الإسلام سهمٌ، والصلاة سهمٌ، والزكاة سهمٌ، والحج سهم".
"الإسلام ثمانية أسهم: الإسلام سهمٌ" يقصد بذلك الركن الأول.
طالب: الشهادتين.
"والصلاة سهمٌ، والزكاة سهمٌ، والحج سهمٌ، ورمضان سهمٌ، والجهاد سهمٌ، والأمر بالمعروف سهمٌ، والنهي عن المنكر سهمٌ، وقد خاب من لا سهم له. وروي مرفوعًا، والموقوف أصح.
فسائر خصال الإسلام الزائدة على أركانه ودعائمه إذا زال منها شيءٌ نقص البنيان، ولم ينهدم أصل البنيان بذلك النقص.
وقد ضرب الله ورسوله مثل الإيمان والإسلام بالنخلة، قال الله تعالى: {ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهاَ} [إبراهيم:23-24].
فالكلمة الطيبة هي كلمة التوحيد، وهي أساس الإسلام، وهي جاريةٌ على لسان المؤمن، وثبوت أصلها هو ثبوت التصديق بها في قلب المؤمن، وارتفاع فرعها في السماء هو علو هذه الكلمة وبسوقها، وأنها تُحرق الحُجب، ولا تتناهى دون العرش، وإتيان أُكلها كل حين: هو ما يُرفع بسببها للمؤمن كل حينٍ من القول الطيب والعمل الصالح، فهو ثمرتها.
وجعل النبي -صلي الله عليه وسلم- مثل المؤمن أو المسلم كمثل النخلة".
يعني على ما سيأتي من حديث ابن عمر.
"وقال طاووس: مثل الإسلام كشجرةٍ أصلها الشهادة، وساقها كذا وكذا، وورقها كذا وكذا، وثمرها: الورع، ولا خير في شجرةٍ لا ثمر لها، ولا خير في إنسان لا ورع فيه، ومعلومٌ أن ما دخل في مسمى الشجرة والنخلة من فروعها وأغصانها وورقها وثمرها، إذا ذهب شيءٌ منه لم يذهب عن الشجرة اسمها، ولكن يُقال: هي شجرةٌ ناقصة، وغيرها أكمل منها، فإن قُطع أصلها وسقطت لم تبقَ شجرة، وإنما تصير حطبًا، فكذلك الإيمان والإسلام إذا زال منه بعض ما يدخل في مسماه مع بقاء أركان بنيانه لا يزول به اسم الإسلام والإيمان بالكلية، وإن كان قد سُلب الاسم عنه؛ لنقصه، بخلاف ما انهدمت أركانه وبنيانه فإنه يزول مسماه بالكلية، والله أعلم".
هذا الحديث خرَّجه الإمام أحمد في موضعين:
الموضع الأول: هنا في كتاب الإيمان.
والموضع الثاني...
طالب:........
البخاري في موضعين، أخرجه البخاري في موضعين في هذا الموضع الذي سبق شرحه، والموضع الثاني: في كتاب التفسير.
طالب:........
في كتاب التفسير، في باب {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ} [البقرة:193].
قال –رحمه الله-: "حدثنا محمد بن بشارٍ، قال: حدثنا عبد الوهاب، قال: حدثنا عبيد الله، عن نافعٍ، عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أتاه رجلان في فتنة ابن الزبير فقالا: إن الناس ضُيِّعوا وأنت ابن عمر، وصاحب النبي -صلى الله عليه وسلم- فما يمنعك أن تخرج؟ فقال: يمنعني أن الله حرم دم أخي، فقالا: ألم يقل الله: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة:193] فقال: قاتلنا حتى لم تكن فتنة، وكان الدين لله، وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة، ويكون الدين لغير الله.
وزاد عثمان بن صالح، عن ابن وهب، قال: أخبرني فلانٌ، وحيوة بن شريح".
البخاري إذا خرَّج الحديث عن اثنين فسمى أحدهما وأبهم الآخر أو ذكر أحدهما وحذف الآخر، هل يتأثر الإسناد بذلك؟ لا يتأثر؛ لأن المعوَّل على من سُمي، وهو ثقة، ومسلم يقول: حدثني فلان يذكر اسمه، وآخر كذلك لا يتأثر، وهذا ليس من تدليس التسوية كما قد يتوهّمه بعضهم؛ لأن تدليس التسوية يُسقط ضعيفًا بين ثقتين، وهذا ضعيف يُبهَم أو يُسقَط مع ثقة، فيكون المعوَّل على الثقة.
طالب:........
لأنه ليس على من يرتضي الرواية عنه، وقد يكون حيوة بن شُريح بحاجة إلى من يعضده؛ لأن فيه شيئًا يسيرًا يرتفع بأدنى مشارك أو متابع، والثاني لا يُسميه لأمرٍ من الأمور، قد يكون عدم تسميته لخلافًا بينه وبين منهجه ومنهج البخاري في الاعتقاد أو شيءٍ من هذا، لا يرتضي بعض سلوكه، يمكن أن يبينه الحافظ.
"قال: أخبرني فلانٌ، وحيوة بن شريح عن بكر بن عمرو المعافري، أن بكير بن عبد الله، حدثه عن نافعٍ، أن رجلاً أتى ابن عمر فقال: يا أبا عبد الرحمن ما حملك على أن تحج عامًا، وتعتمر عامًا، وتترك الجهاد في سبيل الله- عزَّ وجلَّ-، وقد علمت ما رغَّب الله فيه، فقال: يا ابن أخي بُني الإسلام على خمسٍ، إيمانٍ بالله ورسوله".
يعني كون البخاري –رحمه الله- ذكر الرواية الأولى الإسلام، وذكر دعائم الإسلام التي منها الشهادة عُبِّر عنها في بعض الروايات كما هنا إيمانٍ بالله ورسوله، والبخاري –رحمة الله عليه- قد يعدل عن الرواية الصحيحة الصريحة التي تدل على المطلوب بحروفها إلى الرواية المحتملة؛ إحالةً للقارئ على ما جاء في بعض الروايات، وإلا المفترض أن هذه الرواية هي التي تكون هناك في كتاب الإيمان.
"بُني الإسلام على خمسٍ، إيمانٍ بالله ورسوله والصلوات الخمس، وصيام رمضان، وأداء الزكاة، وحج البيت، قال يا أبا عبد الرحمن: ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا، فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات:9] {قَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة:193]؟ قال: فعلنا على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان الإسلام قليلاً، فكان الرجل يُفتن في دينه: إما قتلوه، وإما يعذبونه، حتى كثر الإسلام، فلم تكن فتنة.
قال: فما قولك في عليٍّ وعثمان؟ قال: أما عثمان فكان الله عفا عنه، وأما أنتم فكرهتم أن يعفوا عنه، وأما علي فابن عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وختنه، وأشار بيده، فقال: هذا بيته حيث ترون".
قال ابن حجر: "قوله: باب قوله: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} [البقرة:193] ساق إلى آخر الآية.
قوله: "أتاه رجلان" تقدم في مناقب عثمان أن اسم أحدهما العلاء بن عرار وهو بمهملات، واسم الآخر حبان السُّلمي صاحب الدئينة".
غير ابن الدثنة أو ابن الدغنة.
"أخرج سعيد بن منصور من طريقه ما يدل على ذلك، وسيأتي في تفسير سورة الأنفال أن رجلاً اسمه حكيم سأل ابن عمر عن شيءٍ من ذلك، ويأتي شرح الحديث هناك إن شاء الله.
وقوله: "في فتنة ابن الزبير" في رواية سعيد بن منصور أن ذلك عام نزول الحجاج بابن الزبير، فيكون المراد بفتنة ابن الزبير ما وقع في آخر أمره، وكان نزول الحجاج، وهو ابن يوسف الثقفي من قِبل عبد الملك بن مروان جهزه لقتال عبد الله بن الزبير وهو بمكة في أواخر سنة ثلاثٍ وسبعين، وقُتِل عبد الله بن الزبير في آخر تلك السنة، ومات عبد الله بن عمر في أول سنة أربع وسبعين، كما تقدمت الإشارة إليه في باب العيدين.
قوله: "إن الناس قد ضُيِّعوا" بضم المعجمة وتشديد التحتية المكسورة للأكثر، في رواية الكشميهني صنعوا بفتح المهملة والنون، ويُحتاج إلى تقدير شيءٍ محذوف أي: صنعوا ما ترى من الاختلاف.
وقوله في الرواية الأخرى: "وزاد عثمان بن صالح" هو السهمي وهو من شيوخ البخاري، وقد أخرج عنه في الأحكام حديثًا غير هذا".
"وزاد عثمان بن صالح" هو من شيوخ البخاري وخرَّج عنه البخاري، وروى عنه، ويكون مثل قال فلان، قال هشام بن عمار، مادام شيخه ولقيه فهو محمولٌ على الاتصال.
"وقوله في الرواية الأخرى: "وزاد عثمان بن صالح" هو السهمي وهو من شيوخ البخاري، وقد أخرج عنه في الأحكام حديثًا غير هذا.
وقوله: "أخبرني فلان وحيوة بن شريح" لم أقف على تعيين اسم فلان، وقيل: إنه عبد الله بن لهيعة".
وأبهمه في موضعٍ آخر، وحذفه في موضعٍ آخر.
"وسيأتي سياق لفظ حيوة وحده في تفسير سورة الأنفال، وهذا الإسناد من ابتدائه إلى بكير بن عبد الله وهو ابن الأشج بصريون، ومنه إلى منتهاه مدنيون.
قوله: "ما حملك على أن تحج عامًا وتعتمر عامًا وتترك الجهاد في سبيل الله؟" أطلق على قتال من يخرج عن طاعة الإمام جهادًا، وسوَّى بينه وبين جهاد الكفار بحسب اعتقاده، وإن كان الصواب عند غيره خلافه".
يعني قتال البغاة ما هو مثل قتال الكفار.
"وأن الذي ورد في الترغيب في الجهاد خاصٌّ بقتال الكفار بخلاف قتال البغاة فإنه وإن كان مشروعًا لكنه لا يصل الثواب فيه إلى ثواب من قاتل الكفار، ولاسيما إن كان الحامل إيثار الدنيا.
قوله: "إما قتلوه وإما يعذبونه" كذا فيه الأول: بصيغة الماضي؛ لكونه إذا قُتل ذهب، والثاني: بصيغة المضارع؛ لأنه يبقى أو يتجدد له التعذيب".
يعني مناسبة الفعل الماضي للجملة الأولى، والمضارع للجملة الثانية.
"قوله: "فكرهتم أن يعفو" بالتحتانية أوله، وبالإفراد إخبارٌ عن الله وهو الأوجه، وبالمثناة من فوق والجمع".
فكرهتم أن تعفو.
"والجمع وهو الأكثر.
قوله: "وختنه" بفتح المعجمة والمثناة من فوق، ثم نون، قال الأصمعي: الأختان من قبل المرأة، والأحماء من قبل الزوج، والصهر جمعهما، وقيل: اشتُق الختن مما اشتُق منه الختان وهو: التقاء الختانين".
أحال إلى شرح أو إلى تفسير سورة الأنفال.
قال –رحمه الله-: "بابٌ {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال:39].
حدثنا الحسن بن عبد العزيز، قال: حدثنا عبد الله بن يحيى، قال: حدثنا حيوة، عن بكر بن عمروٍ، عن بكيرٍ، عن نافع، عن ابن عمر -رضي الله عنهما-: أن رجلاً جاءه، فقال: يا أبا عبد الرحمن ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات:9] إلى آخر الآية، فما يمنعك أن لا تقاتل كما ذكر الله في كتابه؟ فقال: يا ابن أخي، أُعيَّر بهذه الآية ولا أقاتل، أحب إلي من أن أُعيَّر بهذه الآية، التي يقول الله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} [النساء:93] إلى آخرها.
قال: فإن الله يقول: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ} [الأنفال:39]، قال ابن عمر: قد فعلنا على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ كان الإسلام قليلاً، فكان الرجل يُفتن في دينه، إما يقتلوه، وإما يوثقوه، حتى كثر الإسلام فلم تكن فتنة.
فلما رأى أنه لا يوافقه فيما يريد، قال: فما قولك في عليٍّ، وعثمان؟ قال ابن عمر: ما قولي في علي، وعثمان؟ أما عثمان: فكان الله قد عفا عنه، فكرهتم أن يعفو عنه، وأما علي: فابن عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وختنه -وأشار بيده- وهذه ابنته -أو بنته- حيث ترون".
ثم قال –رحمه الله-: "حدثنا أحمد بن يونس، قال: حدثنا زهيرٌ، قال: حدثنا بيان، أن وبرة حدَّثه، قال: حدثني سعيد بن جبير، قال: خرج علينا -أو إلينا- ابن عمر، فقال رجلٌ: كيف ترى في قتال الفتنة؟ فقال: وهل تدري ما الفتنة؟ كان محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- يُقاتل المشركين، وكان الدخول عليهم فتنة، وليس كقتالكم على المُلك".
"فما يمنعك أن لا تقاتل" لا زائدة، وقد تقدم تقريره في تفسير سورة الأعراف عند قوله: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ} [الأعراف:12]؛ لأنه في بعض الآيات {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ} [ص:75] بدون لا.
وعليه يتخرج قول الحسن في قوله –جلَّ وعلا-: {فَلا أُقْسِمُ} [الواقعة:75] فـ (لا) زائدة {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ} [الواقعة:75-76] هل يتجه أن تكون نافية؟ {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ} [الواقعة:76] يعني مؤكد بـ (إن واللام) فيقول الحسن: (لا) زائدة مثل زيادتها في هذا الموضع.
"قوله: "أُعيَّر" بمهملةٍ وتحتانية ثقيلة للكشميهني في الموضعين، ولغيره بفتح الهمزة، وسكون العين المعجمة، وتخفيف المثناة الفوقانية، وتشديد الراء فيهما".
ماذا يصير ضبطها؟
طالب:........
"وتخفيف المثناة الفوقانية".
طالب:........
تاء، نعم.
"والحاصل أن السائل كان يرى قتال من خالف الإمام الذي يعتقد طاعته، وكان ابن عمر يرى ترك القتال فيما يتعلق بالملك، وسيأتي مزيدٌ لذلك في كتاب الفتن.
"فكان الرجل يفتن في دينه إما يقتلوه وإما يوثقوه" كذا للأكثر فزعم بعض الشراح بأنه غلطٌ، وأن الصواب بإثبات النون فيهما؛ لأن إما التي تجزم هي الشرطية، وليست هنا شرطية".
يعني تفصيل هنا إما كذا، وإما كذا.
"قلت: وهي رواية أبي ذر، ووُجِهت رواية الأكثر بأن النون قد تحذف بغير ناصب ولا جازم في لغةٍ شهيرة، وتقدم في تفسير البقرة بلفظ: إما تعذبوه وإما تقتلوه، وقد مضى القول فيه هناك.
وأما قوله: "فما قولك في عليٍّ وعثمان؟" فيؤيد أن السائل كان من الخوارج، فإنهم كانوا يتولون الشيخين، ويحطون عثمان وعليًّا، فرد عليه ابن عمر بذكر مناقبهما ومنزلتهما من النبي -صلى الله عليه وسلم- والاعتذار عما عابوا به عثمان من الفرار يوم أحد، فإنه تعالى صرَّح في القرآن بأنه عفا عنهم".
هنا "وأما عثمان، فكان الله قد عفا عنه" يعني مع غيره.
"وقد تقدم في مناقب عثمان سؤال السائل لابن عمر عن عثمان، وأنه فر يوم أُحد، وغاب عن بدرٍ، وعن بيعة الرضوان، وبيان ابن عمر له عذر عثمان في ذلك، فيحتمل أن يكون هو السائل هنا، ويحتمل أن يكون غيره، وهو الأرجح؛ لأنه لم يتعرض هناك لذكر علي، وكأنه كان رافضيًّا، وأما عدم ذكره للقتال، فلا يقتضي التعدد؛ لأن الطريق التي بعدها قد ذكر فيها القتال، ولم يذكر قصة عثمان، والأولى الحمل على التعدد؛ لاختلاف الناقلين في تسمية السائلين، وإن اتحد المسئول، والله أعلم.
قال: "فكرهتم أن تعفوا عنه" بالمثناة الفوقانية وبصيغة الجمع، ومضى في تفسير سورة البقرة بلفظ: أن يعفو بالتحتانية أوله، والإفراد أي: الله.
قوله: "وهذه ابنته أو بنته" كذا للأكثر بالشك، ووافقهم الكشميهني، لكن قال: أو أبيته، بصيغة جمع القلة في البيت، وهو شاذ، وقد تقدم في مناقب علي من وجهٍ آخر بلفظ: فقال: هو ذاك بيته أوسط بيوت النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفي رواية النسائي: ولكن انظر إلى منزلته من نبي الله -صلى الله عليه وسلم- ليس في المسجد غير بيته، وهذا يدل على أنه تصحَّف على بعض الرواة بيته ببنته، فقرأها بنته بموحدةٍ، ثم نون، ثم طرأ له الشك، فقال: بنته أو بيته، والمعتمد أنه البيت فقط؛ لما ذكرنا من الروايات المصرحة بذلك، وتقدم أيضًا في مناقب أبي بكر أشياء تتعلق ببيت عليٍّ واختصاصه بكونه بين بيوت أزواج النبي- صلى الله عليه وسلم-".
هذا سائل ومُلِحّ يُريد الجواب.
يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما نحتاج إلى المقدمة، ندخل إلى السؤال على طول.
السؤال: هل صحيحٌ أن الحافظين السيوطي وابن حجر –رحمهما الله تعالى- وكذلك الشيخ الألباني –رحمه الله- متساهلون في تصحيح الأحاديث، نُريد بيانًا وافيًّا؟
هل ابن حجر والسيوطي والألباني متساهلون في تصحيح الأحاديث؟
الحافظ ابن حجر جرى على القواعد التي مهدها في كُتبه الاصطلاحية وطبَّقها، ومشى على القواعد التي قعَّدها في كُتبه الاصطلاحية، وطبَّق عليها كُتبه التطبيقية من كُتب التخريج والشروح، مشى عليها، فصنيعه مطرد في التقعيد والتطبيق إلا أنه على القواعد التي جرى عليها المتأخرون، وهو واحدٌ منهم باطراد، ومع ذلكم يرجع إلى أحكام المتقدمين، وينقل منها، لكنه حينما يُعلل الحديث، يُعلل بالعلل التي جرى عليها المتأخرون، يعني ما هو مثل ابن القيم في تعليله للأحاديث، حتى ولا مثل ابن رجب أو ابن عبد الهادي، فكلام ابن حجر مطرد متسق ماشٍ تطبيقه على تقعيده، ولا يعني أن هذا الاطراد مائة بالمائة ما يحول ولا يزول، ابن آدم يعني يحصل له أشياء، وقد يترجح له أمر، ويترجح خلافه في موضعٍ ثانٍ، لكن هذ قليل عند ابن حجر.
السيوطي قعَّد، لكنه اختلف عن قواعد المتأخرين في التصحيح بالمجموع، المتأخرون ما كان ضعفه شديدًا فهذا لا يُلتفت إليه، ولا يُستفاد منه، ولا يُعتبر به، ولا يُستشهد به، ولا يتقوّى به الطريق الضعيف إذا كان ضعفه شديدًا، السيوطي لا، جمهور أهل العلم على أن الضعيف ضعفًا شديدًا وجوده مثل عدمه، السيوطي لا:
وربما يكون كالذي بُدي
يعني مثل الضعيف الذي ضعفه خفيف ليس بشديد، لاسيما إذا تعدت، يعني عندك ضعيف ضعفه غير شديد مع ضعيف ضعفه غير شديد –اثنان- ينجبر ويرتقي إلى الحسن لغيره، ضعيف ضعفه شديد مع ضعيفٍ ضعفه شديد عند الجمهور لا قيمة له، عند السيوطي ينجبران، ويرتقي الأمر إلى ضعيف غير شديد.
ومن هذه الجهة، ومن هذه الحيثية أوتي فنجده يُرقي الأحاديث بمثل هذه الطرق التي فيها ضعفٌ شديد.
وقد يُوجد -أقول: قد ما هو باطراد- قد يُوجد مثل هذا التصرف عند الألباني –رحمه الله-، ولذلكم تجدونه يُصحح أحاديث الأكثر على عدم تصحيحها، ولا يعني هذا أن الشيخ يصحح بهوى، ولا يغفل عمَّا صححه سابقًا أو لاحقًا أو أنه مضطرب في أحكامه، لا، فهو في منزلةٍ بين السيوطي وابن حجر أمثل من السيوطي بكثير وأقل ابن حجر.
يأتي من هو أشد تساهلًا، وهو الشيخ أحمد شاكر –رحمه الله-، الشيخ أحمد شاكر في التقعيد مُتشدد، يعني قواعده متينة، لكن في التطبيق يتساهل، وتساهله أتاه من توثيق كثيرٍ من الرواة الذين الجمهور على تضعيفهم؛ ولذا تجدونه حينما يختلف أهل العلم في تصحيح الترمذي، هل هو مُعتبر أو غير مُعتبر؟ كثيرٌ من أهل العلم يقول: تصحيح الترمذي غير مُعتبر؛ لأنه متساهل، ومن أهل العلم من يقول: إمام من أئمة الحديث، وتصحيحه مُعتبر، وواحد من الأئمة، ولو شك في إمامته، لكن الكلام على واقع كتابه ما صحح أحاديث فيها راوٍ ضعيف أو فيها سقط في الإسناد، يعني واقع الكتاب يشهد مع إمامته بأنه قد يُصحح أو يُحسِّن ما ضعفه ظاهر.
الشيخ أحمد شاكر ما يكتفي بأن يقول إن تصحيح الترمذي مُعتبر، يذهب إلى أبعد من ذلك يقول: تصحيحه مُعتبر وتوثيقٌ لرجاله، يعني إذا قال الترمذي: الحديث حسن وصحيح معناه أن الرجال ثقات، وهل هذا صحيح هذا ماشي؟ هذا الكلام ليس بصحيح، هذه سعة في الخطو جدًّا.
ونظير ذلك في المتقدمين من اشترط الصحة من الأئمة ووجد الضعيف في مصنفاتهم التي اشترطوا فيها الصحة: كابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، وابن خزيمة أمثلهم، وابن حبان متوسط، والحاكم أشدهم تساهلاً.
طالب:........
عندنا أكثر من عشرين راويًا في تعليقه على الترمذي، الجماهير على تضعيفهم، يعني: ابن لهيعة، الإفريقي.
طالب:........
جَمع: ابن لهيعة، والإفريقي، وشهر بن حوشب مجموعة من الرواة الذين جمهور أهل العلم على تضعيفهم ووثَّقهم، وتبعًا لذلك صحَّح الأحاديث، ولا شك أن هذا تساهل.
طالب:........
من هو؟
طالب:........
وازن بين الأقوال، وناقش بعض أقوال المُضعِّفين، ولم تثبت عنده في نقضه أو لا تقتضي التضعيف، فاستروح إلى توثيقهم.
طالب: الذهبي؟
الذهبي نَفَسُه أقرب إلى المتقدمين من ابن حجر، يختلف عن ابن حجر؛ ولذلك تجد كلامه حتى في القواعد الاصطلاحية في (الموقظة) يختلف عن تقعيد ابن حجر في (النخبة) وغيره.
طالب:........
لا لا هو المسألة مسألة التقاء بالتقعيد عما جرى عليه المتأخرون؛ لأن المتأخرين وضعوا قواعد مطردة ومشوا عليها، وإذا طُبِّقت هذه القواعد المطردة وظهرت النتائج والأحكام، وقارنت بينها وبين أحكام المتقدمين تجد شيئًا من التفاوت، مما يدل على أن هذه المقدمات فيها شيء مما يُخالف ما عليه المتقدمون، ومعروف أن هؤلاء المتأخرين بعد عليهم العهد، وطال بهم الأمد عن الخبرة بالرواة ومعرفة الرواة بخلاف المتقدمين، وأنت تحكم على شخصٍ تعرفه بعينه بحكمٍ يختلف عن شخصٍ سمع عن هذا الشخص، ولو سمع عنه الثناء والذكر الطيب، يختلف.
يعني شيوخنا الذين أدركناهم قبل ثلاثين سنة وكذا نعرف عنهم ما لا تعرفون، ولو صورنا حالهم بدقة لكم، ما فيه شك أن الذي عاصر يعرف أكثر، ما هو مثل الذي بالرواية والسماع، الإمام مالك يقول: هذا بيت عثمان بن عمر الذي يختلف فيه مع الناس، الناس يقولون: عثمان بن عمرو، وهو يقول: هذا بيت عثمان بن عمر، كونه يعرف بيته يعني ما هو مثل شخص يأتي بعد خمسمائة سنة ويقرأ عن ترجمته، هومثله؟
ما يمكن.
وكلٌّ على خير -إن شاء الله- نحسبهم والله حسيبٌ، وكلٌّ قصد الحق، ونصر الحق.
اللهم صلِّ على محمد.
"