التعليق على تفسير القرطبي - سورة النصر
بسم الله.
" تفسير سورة النصر، وهي مدنية بإجماع، وتسمى سورة التوديع، وهي ثلاث آيات، وهي آخر سورة نزلت جميعًا، قاله ابن عباس في صحيح مسلم. بسم الله الرحمن الرحيم، قوله تعالى: {{إذا جاء نصر الله والفتح}} { ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ} النصر:1 النصر العون، مأخوذ من قولهم: قد نصر الغيث الأرض إذا أعان على نباتها من قحطها، قال الشاعر:
إذا انسلخ الشهر الحرام فودِّعي
|
|
بلاد تميم وانصري أرض عامر
|
ويُروى:
إذا دخل الشهر الحرام فجاوزي
|
|
بلاد تميم وانصري أرض عامر
|
يقول: نصره على عدوّه ينصره نصرًا أي أعانه، والاسم النصرة، واستنصره على عدوّه أي سأله أن ينصره عليه، وتناصروا: نصر بعضهم بعضًا، ثم قيل: المراد بهذا النصر نصر الرسول على قريش، قال الطبري: وقيل: نصره على من قاتله من الكفار، فإن عاقبة النصر كانت له، وأما الفتح فهو فتح مكة، عن الحسن ومجاهد وغيرهما. وقال ابن عباس وسعيد بن جبير: هو فتح المدائن والقصور، وقيل: فتح سائر البلاد، وقيل: ما فتحه عليه من العلوم، وإذا بمعنى قد أي قد جاء نصر الله؛ لأن نزولها بعد الفتح، ويمكن أن يكون معناه: إذا يجيئك "
أما تفسير ما جاء في هذه السورة بما وقع بعده -عليه الصلاة والسلام- فهذا ليس بصحيح، وإن كان قوله: إذا جاء بعد وفاته لا يمكن، لكن هذه نعْيٌ له -عليه الصلاة والسلام-، وأنه جاء نصر الله بفتح مكة ودخول الناس في دين الله أفواجًا في عهده -عليه الصلاة والسلام-، وهذه علامةُ دنوِّ أجله كما في حديث ابن عباس وغيره، أما فتح المدائن والقصور وفتح سائر البلاد فيأباها ما اتفق عليه العلماء المفسرون من المحاورة بين عمر- رضي الله عنه- وبين الصحابة حتى سأل ابن عباس ما تفهم من هذه السورة؟ قال: دنوّ أجله -عليه الصلاة والسلام-، فدل على أن هذا حصل، وقد يكون نزول السورة قبل، وهو الذي يدل عليه إذا جاء، لكن لا يمكن أن يُفسر ما فيها بما حدث بعده -عليه الصلاة والسلام-، يعني قد يفسر بما بعد نزول السورة لاسيما وقد جاءت بلفظ الماضي وبلفظ الشرط إذا جاء الدال على الاستقبال، لكن أن يُفسَّر ما فيها بما بعد وفاته -عليه الصلاة والسلام- فهذا ليس بصحيح.
طالب: ..................
ما هو؟
طالب: ..................
أين؟
طالب: ..................
نعم، أفواجًا يعني جماعات.
طالب: ..................
أين؟
طالب: ..................
نعم، نعي له -عليه الصلاة والسلام- بيان لدنوّ أجله كما في حديث ابن عباس في الصحيح، وأقره عليه عمر بمحضر الصحابة، والإنسان إذا دنا أجله أو تقدمت به العمر فعليه أن يكثر من الذكر.
طالب: ..................
سيأتي ما فيها إن شاء الله.
" قوله تعالى: ﭿ ﭷﭸﭾ النصر: ٢ أي العرب وغيرهم {{يدخلون في دين الله أفواجا}} { ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ} النصر:2 أي جماعات فوجًا بعد فوج، وذلك لما فُتحت مكة قالت العرب: أما إذا ظفر محمد بأهل الحرم، وقد كان الله أجارهم من أصحاب الفيل فليس لكم به يدان. "
نعم؛ لأنه لو كان على باطل لما تمكن من دخولها وفتحها مثل صاحب الفيل، لكن لما مُكِّن من ذلك دل على أنه يختلف عنه، وأنه على حق.
" فكانوا يسلمون أفواجًا أمة أمة قال الضحاك: والأمة أربعون رجلاً. وقال عكرمة ومقاتل: أراد بالناس أهل اليمن، وذلك أنه ورد من اليمن سبعمائة إنسان مؤمنين طائعين، بعضهم يؤذنون، وبعضهم يقرؤون القرآن، وبعضهم يهللون، فسُرَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك وبكى عمر وابن عباس، وروى عكرمة عن ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قرأ {{إذا جاء نصر الله والفتح}} { ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ} النصر:1 وجاء أهل اليمن رقيقة أفئدتهم، ليِّنة طباعهم، سخيِّة قلوبهم، عظيمة خشيتهم، فدخلوا في دين الله أفواجًا. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أتاكم أهل اليمن هم أضعف قلوبًا وأرقّ أفئدة، الفقه يمان، والحكمة يمانية». وروي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: «إني لأجد نفَس ربكم من قبل اليمن»، وفيه تأويلان. "
وجاء في الحديث الصحيح: «الإيمان يمان، والحكمة يمانية».
طالب: ..................
سيأتي ويتكلم عليه.
" وفيه تأويلان أحدهما: أنه الفرج؛ لتتابع إسلامهم أفواجًا، والثاني: معناه أن الله تعالى نفَّس الكرب عن نبيه -صلى الله عليه وسلم- بأهل اليمن وهم الأنصار، وروى جابر بن عبد الله. "
لأن أصولهم يمنية.
" وروى جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إن الناس دخلوا في دين الله أفواجًا، وسيخرجون منه أفواجًا»، ذكره الماوردي، ولفظ الثعلبي: وقال أبو عمّار: حدثني جابر لجابر قال: سألني جابر عن حال الناس. "
طالب: ..................
حدثني جار لجابر.
" وقال أبو عمار: حدثني جار لجابر قال: سألني جابر عن حال الناس، فأخبرته عن حال اختلافهم وفرقتهم، فجعل يبكي ويقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إن الناس دخلوا في دين الله أفواجًا، وسيخرجون من دين الله أفواجًا». قوله تعالى: {{فسبح بحمد ربك واستغفره}} { ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ} النصر:3 أي إذا صليت فأكثر من ذلك، وقيل: معنى سبّح صلِّ عن ابن عباس. "
إني لأجد... تخريج الحديث.
طالب: ..................
الجهالة جهالة الجار.
طالب: ..................
يبقى هذا المجهول.
طالب: ..................
هو لا يمنع أن يكون رجاله ثقات، ويكون متنه فيه نكارة لا يمنع.
" بحمد ربك أي حامدًا له على ما آتاك من الظفر والفتح. {{واستغفره}} { ﮂﮃ} النصر:3 أي سل الله الغفران، وقيل: فسبح المراد به التنزيل أي نزهه عما لا يجوز عليه مع شكرك له، {{واستغفره}} { ﮂﮃ} النصر:3 أي سل الله الغفران مع مداومة الذكر، والأول أظهر، روى الأئمة، واللفظ للبخاري عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: ما صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة بعد أن نزلت عليه سورة {{إذا جاء نصر الله والفتح}} { ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ} النصر:1 إلا يقول: «سبحانك ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي» وعنها قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، يتأوّل القرآن. وفي غير الصحيح وقالت أم سلمة: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- آخر أمره لا يقوم ولا يقعد ولا يجيء ولا يذهب إلا قال: سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه، قال: فإني أمرت بها ثم قرأ: {{إذا جاء نصر الله والفتح}} { ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ} النصر:1 إلى آخرها. وقال أبو هريرة: اجتهد النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد نزولها حتى تورّمت قدماه، ونحل جسمه وقلّ تبسمه، وكثر بكاؤه. وقال عكرمة: لم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- قط أشد اجتهادًا في أمور الآخرة ما كان منه عند نزولها. وقال مقاتل: لما نزلت قرأها النبي -صلى الله عليه وسلم- على أصحابه ومنهم أبو بكر وعمر وسعد بن أبي وقاص، ففرحوا واستبشروا، وبكى العباس فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ما يبكيك يا عم» قال: نعيت إليك نفسك، قال: «إنه لكما تقول»، فعاش بعدها ستين يومًا ما رُئي فيها ضاحكًا مستبشرًا، وقيل: نزلت في منى بعد أيام. "
وهكذا ينبغي للعاقل إذا أحس بدنو أجله أن يشمر للآخرة، ويعزف عن الدنيا، ويكفيه التفريط الذي مضى، فلم يبقَ وقت يستمتع بالدنيا وملاذِّها، والذي أمامه أمر مهول، ليس بالأمر الهيّن ولا بالسهل، جنة أو نار، ليس الخيار في أمر ثالث أن يوجد أو لا يوجد، والله المستعان.
وقيل: نزلت في منى بعد..
كما جاء في الحديث الصحيح في البخاري وغيره: ((أعذر الله لامرئ بلّغه الستين))، يعني ترك له مدة كافية للتفريط والتضييع مع أنه مطالب بالجد والحزم من أول الأمر، لكن إذا بلغ الستين فليس له عذر، يقول ابن عبد القوي- رحمه الله-:
ومن سار نحو الدار ستين حجة
|
|
فقد حان منه الملتقى وكأن قد
|
خلاص ما بقي شيء، وأما أن يقول: إن أبي عاش كذا، عاش ثمانين تسعين، وأمي عاشت كذا وعمي وخالي، وينظر لليمين ولليسار، القياس ليس واردًا في هذا الباب، وكان عبد الرحمن بن حسان بن ثابت في المجالس يقول: إن أبي عاش مائة وعشرين، وجدي عاش مائة وعشرين، وعمي فلان مائة وعشرين، ومادٍّ رجليه، وكأنه معه عهد وميثاق على هذا، فمات لثمان وأربعين سنة ما كمّل الخمسين، والله المستعان.
" وقيل: نزلت في منى بعد أيام التشريق في حجة الوداع، فبكى عمر والعباس فقيل لهما: إن هذا يوم فرح، فقالا: بل فيه نعي النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «صدقتما نُعِيت إليَّ نفسي». وفي البخاري وغيره عن ابن عباس قال: كان عمر بن الخطاب يأْذن لأهل بدر ويأْذن لي معهم قال: فوجد بعضهم من ذلك، فقالوا: يأذن لهذا الفتى معنا، ومن أبنائنا من هو مثله؟ فقال لهم عمر: إنه من قد علمتم، قال: فأذن لهم ذات يوم وأذن لي معهم، فسألهم عن هذه السورة {{إذا جاء نصر الله والفتح}} { ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ} النصر:1 فقالوا: أمر الله- جل وعز- نبيه -صلى الله عليه وسلم- إذا فتح عليه أن يستغفره وأن يتوب إليه، فقال: ما تقول يا ابن عباس؟ قلت: ليس كذلك، ولكن أخبر الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- حضور أجله، فقال: {{إذا جاء نصر الله والفتح}} { ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ} النصر:1، فذلك علامة موتك ﮋ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮊ النصر: ٣ فقال عمر- رضي الله عنه-: تلومونني عليه؟ وفي البخاري فقال عمر: ما أعلم منها إلا ما تقول. ورواه الترمذي قال: كان عمر يسألني مع أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال له عبد الرحمن بن عوف: أتسأله ولنا بنونُ مثله. "
بنونَ.
" ولنا بنونَ مثلُه فقال له عمر: إنه من حيث تعلم، فسأله عن هذه الآية: {{إذا جاء نصر الله والفتح}} { ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ} النصر:1 فقال: إنما هو أجل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعلمه إياه، وقرأ السورة إلى آخرها، فقال له عمر: والله ما أعلم منها إلا ما تعلم، قال: هذا حديث حسن صحيح، فإن قيل: فماذا يغفر للنبي -صلى الله عليه وسلم- حتى يؤمر بالاستغفار؟ قيل له: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول في دعائه: «رب اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري كله وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي خطئي وعمدي وجهلي وهزلي، وكل ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أعلنت وما أسررت، أنت المقدم وأنت المؤخر، إنك على كل شيء قدير»، فكان -صلى الله عليه وسلم- يستقصر نفسه لعظم ما أنعم الله به عليه، ويرى قصوره عن القيام بحق ذلك ذنوبًا، ويحتمل أن يكون بمعنى كن متعلقًا به سائلًا راغبًا متضرِّعًا على رؤية التقصير في أداء الحقوق؛ لئلا ينقطع إلى رؤية الأعمال، وقيل: الاستغفار. "
الكلام الأول محمول على خلاف الأولى، وأن الأولى أن الإنسان المخلوق لعبادة ربه لهذا الهدف ألا يضيع نفسًا من أنفاسه إلا فيما يرضي الله، كانت هذه حاله -عليه الصلاة والسلام-، إما أن يكون في عبادة، وإما في جهاد، وإما في تعليم، وإما في وقت يستجم به؛ ليستعين بذلك على أداء ما كُلِّف به -عليه الصلاة والسلام-، لكن هذا الوقت الذي يُستَجم به ويُستعان به على ما يرضي الله كان يندم عليه -عليه الصلاة والسلام-، ولذلك لما خرج من الخلاء قال: غفرانك، يطلب المغفرة بعد خروجه من الخلاء، لا يعني أنه أذنب، لكن هذه المدة التي قضاها في هذا المكان الذي لا يُذكَر الله- جل وعلا- فيه تحتاج إلى شيء من الندم بحيث يضاع مثل هذا الوقت بدون هذا الذكر، فكيف بمن يضيع الأوقات الساعات بل الأيام، وتذهب الأعوام من غير شيء يذكر والساعات والأيام والليالي والشهور والأعوام هذه هي الإنسان، أما كونه يأكل ويشرب وينام.. البهائم تفعل هذا، العبرة بما يودع في هذه الخزائن الليالي والأيام ما يودع فيها من الأعمال التي تقرِّب إلى الله، جل وعلا.
وقيل: الاستغفار تعبد يجب إتيانه لا للمغفرة، بل تعبدًا، وقيل ذلك تنبيه لأمته لكي لا يأمنوا ويتركوا الاستغفار، وقيل: {{واستغفره}} { ﮂﮃ} النصر:3 أي استغفر لأمتك {{إنه كان توابا}} { ﮄ ﮅ ﮆ} النصر:3 أي على المسبِّحين والمستغفرين يتوب عليهم ويرحمهم، ويقبل توبتهم، وإذا كان -عليه السلام- وهو معصوم يؤمر بالاستغفار فما الظن بغيره، روى مسلم عن عائشة قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُكثر من قول: «سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه» قالت: فقلت: يا رسول الله، أراك تكثر من قول: سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه، فقال: «خبَّرني ربي أني سأرى علامة في أمتي، فإذا رأيتها أكثرت من قول: سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه، فقد رأيتها {{إذا جاء نصر الله والفتح}}( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا) سورة النصر:3-1» وقال ابن عمر: نزلت هذه السورة بمنى في حجة الوداع ثم نزلت: {{اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي}} { ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ} المائدة:3 فعاش بعدهما النبي -صلى الله عليه وسلم- ثمانين يومًا، ثم نزلت آية الكلالة، فعاش بعدها خمسين يومًا، ثم نزل: {{لقد جاءكم رسول من أنفسكم}} { ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ} التوبة:128 فعاش بعدها خمسة وثلاثين يومًا، ثم نزل: {{واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله}} { ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ} البقرة:281 فعاش بعدها أحدًا وعشرين يومًا. وقال مقاتل: سبعة أيام، وقيل غير هذا مما تقدم في البقرة بيانه، والحمد لله.
جاء محمد؟
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه...